المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


الصفحات : 1 2 [3]

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:05 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب السَّيْرِ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب السير إذا دفع من عرفة‏)‏ أي صفته‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا جَالِسٌ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ قَالَ كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ قَالَ هِشَامٌ وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ فَجْوَةٌ مُتَّسَعٌ وَالْجَمِيعُ فَجَوَاتٌ وَفِجَاءٌ وَكَذَلِكَ رَكْوَةٌ وَرِكَاءٌ مَنَاصٌ لَيْسَ حِينَ فِرَارٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ في رواية ابن خزيمة من طريق سفيان عن هشام ‏"‏ سمعت أبي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سئل أسامة وأنا جالس‏)‏ في رواية النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك ‏"‏ وأنا جالس معه ‏"‏ وفي رواية مسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام عن أبيه ‏"‏ سئل أسامة وأنا شاهد وقال سألت أسامة بن زيد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين دفع‏)‏ في رواية يحيى بن يحيى الليثي وغيره عن مالك في الموطأ ‏"‏ حين دفع من عرفة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏العتق‏)‏ بفتح المهملة والنون هو السير الذي بين الإبطاء والإسراع، قال في ‏"‏ المشارق ‏"‏‏:‏ هو سير سهل في سرعة‏.‏
وقال القزاز‏:‏ العنق سير سريع، وقيل المشي الذي يتحرك به عنق الدابة، وفي ‏"‏ الفائق ‏"‏‏:‏ العنق الخطو الفسيح‏.‏
وانتصب العنق على المصدر المؤكد من لفظ الفعل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نص‏)‏ أي أسرع، قال أبو عبيد‏:‏ النص تحريك الدابة حتى يستخرج به أقصى ما عندها، وأصل النص غاية المشي ومنه نصصت الشيء رفعته، ثم استعمل في ضرب سريع من السير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال هشام‏)‏ يعني ابن عروة الراوي، وكذا بين مسلم من طريق حميد بن عبد الرحمن وأبو عوانة من طريق أنس بن عياض كلاهما عن هشام أن التفسير من كلامه، وأدرجه يحيى القطان فيما أخرجه المصنف في الجهاد، وسفيان فيما أخرجه النسائي، وعبد الرحيم بن سليمان ووكيع فيما أخرجه ابن خزيمة كلهم عن هشام، وقد رواه إسحاق في مسنده عن وكيع ففصله وجعل التفسير من كلام وكيع، وقد رواه ابن خزيمة من طريق سفيان ففصله وجعل التفسير من كلام سفيان، وسفيان ووكيع إنما أخذا التفسير المذكور عن هشام فرجع التفسير إليه، وقد رواه أكثر رواة ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن مالك فلم يذكروا التفسير، وكذلك رواه أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة ومسلم من طريق حماد بن زيد كلاهما عن هشام، قال ابن خزيمة‏:‏ في هذا الحديث دليل على أن الحديث الذي رواه ابن عباس عن أسامة أنه قال ‏"‏ فما رأيت ناقته رافعة يدها حني أتى جمعا ‏"‏ أنه محمول على حال الزحام دون غيره ا هـ، وأشار بذلك إلى ما أخرجه حفص من طريق الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن أسامة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه حين أفاض من عرفة وقال‏:‏ أيها الناس، عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بإلايجاف، قال‏:‏ فما رأيت ناقته رافعة يدها حتى أتى جمعا ‏"‏ الحديث، وأخرجه أبو داود، وسيأتي للمصنف بعد باب من حديث ابن عباس ليس فيه أسامة، ويأتي الكلام عليه هناك‏.‏
وأخرج مسلم من طريق عطاء عن ابن عباس عن أسامة في أثناء حديث قال ‏"‏ فما زال يسير على هينته حتى أتى جمعا ‏"‏ وهذا يشعر بأن ابن عباس إنما أخذه عن أسامة كما ستأتي الحجة لذلك‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ في هذا الحديث كيفية السير في الدفع من عرفة إلى مزدلفة لأجل الاستعجال للصلاة، لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة، فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة، ومن الإسراع عند عدم الزحام، وفيه أن السلف كانوا يحرصون على السؤال عن كيفية أحواله صلى الله عليه وسلم في جميع حركاته وسكونه ليقتدوا به في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجوة‏)‏ بفتح الفاء وسكون الجيم المكان المتسع كما سيأتي تفسيره في آخر الباب، ورواه أبو مصعب ويحيى بن بكير وغيرهما عن مالك بلفظ ‏"‏ فرجة ‏"‏ بضم الفاء وسكون الراء وهو بمعنى الفجوة‏.‏
قوله في رواية المستملي وحده ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف‏.‏
‏(‏فجوة‏:‏ متسع والجمع فجوات‏)‏ أي بفتحتين‏.‏
‏(‏وفجاء‏)‏ أي بكسر الفاء والمد‏.‏
‏(‏وكذلك ركوة وركاء‏)‏ وركوات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مناص ليس حين فرار‏)‏ أي هرب، أي تفسير قوله تعالى ‏(‏ولات حين مناص‏)‏ وإنما ذكر هذا الحرف هنا لقوله ‏"‏ نص ‏"‏ ولا تعلق له به إلا لدفع وهم هن يتوهم أن أحدهما مشتق من الآخر وإلا فمادة نص غير مادة ناص، قال أبو عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏‏:‏ المناص مصدر من قوله ناص ينوص‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب النُّزُولِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَجَمْعٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النزول بين عرفة وجمع‏)‏ أي لقضاء الحاجة ونحوها، وليس من المناسك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ مَالَ إِلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَتَوَضَّأَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي فَقَالَ الصَّلَاةُ أَمَامَكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى بن سعيد‏)‏ هو الأنصاري وروايته عن موسى بن عقبة من رواية الأقران لأنهما تابعيان صغيران، وقد حمله موسى عن كريب فصار في الإسناد ثلاثة من التابعين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حيث أفاض‏)‏ في رواية أبي الوقت ‏"‏ حين ‏"‏ هي أولى لأنها ظرف زمان وحيث ظرف مكان‏.‏
‏(‏نكتة‏)‏ ‏:‏ في حيث ست لغات ضم آخرها وفتحه وكسره وبالواو بدل الياء مع الحركات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مال إلى الشعب‏)‏ بين محمد بن أبي حرملة في روايته الآتية بعد حديث عن كريب أنه قرب المزدلفة، وأردف المصنف بهذا الحديث حديث ابن عمر أنه كان يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك في كونه يقضي الحاجة بالشعب ويتوضأ لكنه لا يصلي إلا بالمزدلفة، وقوله ‏"‏فينتفض ‏"‏ بفاء وضاد معجمة أي يستجمر، وقد سبق بيانه في كتاب الطهارة، وأخرجه الفاكهي من وجه آخر عن ابن عمر من طريق سعيد بن جبير قال ‏"‏ دفعت مع ابن عمر من عرفة، حني إذا وازينا الشعب الذي يصلي فيه الخلفاء المغرب دخله ابن عمر فتنفض فيه، ثم توضأ وكبر، فانطلق حتى جاء جمعا فأقام فصلى المغرب‏.‏
فلما سلم قال‏:‏ الصلاة، ثم صلى العشاء ‏"‏ وأصله في الجمع بجمع عند مسلم وأصحاب السنن، وروى الفاكهي أيضا من طريق ابن جريج قال‏:‏ قال عطاء ‏"‏ أردف النبي صلى الله عليه وسلم أسامة، فلما جاء الشعب الذي يصلي فيه الخلفاء الآن المغرب نزل فأهرق الماء ثم توضأ ‏"‏ وظاهر هذين الطريقين أن الخلفاء كانوا يصلون المغرب عند الشعب المذكور قبل دخول وقت العشاء، وهو خلاف السنة في الجمع بين الصلاتين بمزدلفة‏.‏
ووقع عند مسلم من طريق محمد بن عقبة عن كريب ‏"‏ لما أتى الشعب الذي ينزله الأمراء ‏"‏ وله من طريق إبراهيم بن عقبة عن كريب ‏"‏ الشعب الذي ينيخ الناس فيه للمغرب ‏"‏ والمراد بالخلفاء والأمراء في هذا الحديث بنو أمية فلم يوافقهم ابن عمر على ذلك، وقد جاء عن عكرمة إنكار ذلك، وروى الفاكهي أيضا من طريق ابن أبي نجيح سمعت عكرمة يقول‏:‏ اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبالا واتخذتموه مصلى، وكأنه أنكر بذلك على من ترك الجمع بين الصلاتين لمخالفته السنة في ذلك، وكان جابر يقول‏:‏ لا صلاة إلا بجمع، أخرجه ابن المنذر بإسناد صحيح، ونقل عن الكوفيين، وعند ابن القاسم صاحب مالك وجوب الإعادة، وعن أحمد إن صلى أجزأه وهو قول أبي يوسف والجمهور‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّعْبَ الْأَيْسَرَ الَّذِي دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ أَنَاخَ فَبَالَ ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوَضُوءَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا فَقُلْتُ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الصَّلَاةُ أَمَامَكَ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى ثُمَّ رَدِفَ الْفَضْلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ جَمْعٍ قَالَ كُرَيْبٌ فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الْفَضْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن أبي حرملة‏)‏ هو المدني مولى آل حويطب ولا يعرف اسم أبيه، وكان خصيف يروي عنه فيقول ‏"‏ حدثني محمد بن حويطب ‏"‏ فذكر ابن حبان أن خصيفا كان ينسبه إلى جد مواليه، والإسناد من شيخ قتيبة إلخ كلهم مدنيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بكسر الدال أي ركبت وراءه، وفيه الركوب حال الدفع من عرفة والارتداف على الدابة، ومحله إذا كانت مطيقة، وارتداف أهل الفضل، ويعد ذلك من إكرامهم للرديف لا من سوء أدبه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصببت عليه الوضوء‏)‏ بفتح الواو أي الماء الذي يتوضأ به، ويؤخذ منه الاستعانة في الوضوء، وللفقهاء فيها تفصيل لأنها إما أن تكون في إحضار الماء مثلا أو في صبه على المتوضئ أو مباشرة غسل أعضائه، فالأول جائز والثالث مكروه إلا إن كان لعذر، واختلف في الثاني والأصح أنه لا يكره بل هو خلاف الأولى، فأما وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فهو إما لبيان الجواز وهو حينئذ أفضل في حقه أو للضرورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وضوءا خفيفا‏)‏ أي خففه بأن توضأ مرة مرة وخفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته، وهو معنى قوله في رواية مالك الآتية بعد باب بلفظ ‏"‏ فلم يسبغ الوضوء ‏"‏ وأغرب ابن عبد البر فقال‏:‏ معنى قوله ‏"‏ فلم يسبغ الوضوء ‏"‏ أي استنجى به، وأطلق عليه اسم الوضوء اللغوي لأنه من الوضاءة وهي النظافة ومعني الإسباغ الإكمال أي لم يكمل وضوءه فيتوضأ للصلاة، قال‏:‏ وقد قيل إنه نوضأ وضوءا خفيفا، ولكن الأصول تدفع هذا لأنه لا يشرع الوضوء لصلاة واحدة مرتين، وليس ذلك في رواية مالك‏.‏
ثم قال‏:‏ وقد قيل إن معنى قوله ‏"‏ لم يسبغ الوضوء ‏"‏ أي لم يتوضأ في جميع أعضاء الوضوء بل اقتصر على بعضها، واستضعفه ا هـ‏.‏
وحكى ابن بطال أن عيسى بن دينار من قدماء أصحابهم سبق ابن عبد البر إلى ما اختاره أو لا، وهو متعقب بهذه الرواية الصريحة، وقد تابع محمد بن أبي حرملة عليها محمد بن عقبة أخو موسى أخرجه مسلم بمثل لفظه، وتابعهما إبراهيم بن عقبة أخو موسى أيضا أخرجه مسلم أيضا بلفظ ‏"‏ فتوضأ وضوءا ليس بالبالغ‏"‏، وقد تقدم في الطهارة من طريق يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن موسى بن عقبة بلفظ ‏"‏ فجعلت أصب عليه ويتوضأ‏"‏، ولم تكن عادته صلى الله عليه وسلم أن يباشر ذلك أحد منه حال الاستنجاء، ويوضحه ما أخرجه مسلم أيضا من طريق عطاء مولى ابن سباع عن أسامة في هذه القصة قال فيها أيضا ‏"‏ ذهب إلى الغائط فلما رجع صببت عليه من الإداوة ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ اختلف الشراح في قوله ‏"‏ ولم يسبغ الوضوء ‏"‏ هل المراد به اقتصر به على بعض الأعضاء فيكون وضوءا لغويا، أو اقتصر على بعض العدد فيكون وضوءا شرعيا‏؟‏ قال‏:‏ وكلاهما محتمل، لكن يعضد من قال بالثاني قوله في الرواية الأخرى ‏"‏ وضوءا خفيفا ‏"‏ لأنه يقال في الناقص خفيف، ومن موضحات ذلك أيضا قول أسامة له ‏"‏ الصلاة ‏"‏ فإنه يدل على أنه رآه يتوضأ وضوءه للصلاة ولذلك قال له أتصلي، كذا قال ابن بطال وفيه نظر لأنه لا مانع أن يقول له ذلك لاحتمال أن يكون مراده أتريد الصلاة فلم لم تتوضأ وضوءها‏؟‏ وجوابه بأن الصلاة أمامك معناه أن المغرب لا تصلي هنا فلا تحتاج إلى وضوء الصلاة، وكأن أسامة طن أنه صلى الله عليه وسلم نسي صلاة المغرب ورأى وقتها قد كاد أن يخرج أو خرج، فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أنها في تلك الليلة يشرع تأخيرها لتجمع مع العشاء بالمزدلفة، ولم يكن أسامة يعرف تلك السنة قبل ذلك وأما اعتلال ابن عبد البر بأن الوضوء لا يشرع مرتين لصلاة واحدة فليس بلازم لاحتمال أنه توضأ ثانيا عن حدث طارئ، وليس الشرط بأنه لا يشرع تجديد الوضوء إلا لمن أدى به صلاة فرضا أو نفلا متفق عليه، بل ذهب جماعة إلى جوازه وإن كان الأصح خلافه، وإنما توضأ أولا ليستديم الطهارة ولا سيما في تلك الحالة لكثرة الاحتياج إلى ذكر الله حينئذ، وخفف الوضوء لقلة الماء حينئذ، وقد تقدم شيء من هذا في أوائل الطهارة‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ إنما ترك إسباغه حين نزل الشعب ليكون مستصحبا للطهارة في طريقه، وتجوز فيه لأنه لم يرد أن يصلي به، فلما نزل وأرادها أسبغه‏.‏
وقول أسامة ‏"‏ الصلاة ‏"‏ بالنصب على إضمار الفعل، أي تذكر الصلاة أو صل، ويجوز الرفع على تقدير حضرت الصلاة مثلا‏.‏
قوله ‏"‏الصلاة أمامك ‏"‏ بالرفع وأمامك بفتح الهمزة بالنصب على الظرفية أي الصلاة ستصلى بين يديك، أو أطلق الصلاة على مكانها أي المصلى بين يديك، أو معنى أمامك لا تفوتك وستدركها، وفيه تذكير التابع بما تركه متبوعه ليفعله أو يعتذر عنه أو يبين له وجه صوابه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى أتى المزدلفة فصلى‏)‏ أي لم يبدأ بشيء قبل الصلاة، ووقع في رواية إبراهيم بن عقبة عند مسلم ‏"‏ ثم سار حتى بلغ جمعا فصلى المغرب والعشاء‏"‏، وقد بينه في رواية مالك بعد باب بلفظ ‏"‏ حتى جاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما ‏"‏ وبين مسلم من وجه آخر عن إبراهيم بن عقبة عن كريب أنهم لم يزيدوا بين الصلاتين على الإناخة ولفظه ‏"‏ فأقام المغرب، ثم أناخ الناس، ولم يحلوا حتى أقام العشاء فصلوا ثم حلوا ‏"‏ وكأنهم صنعوا ذلك رفقا بالدواب أو للأمن من تشويشهم بها، وفيه إشعار بأنه خفف القراءة في الصلاتين، وفيه أنه لا بأس بالعمل اليسير بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما ولا يقطع ذلك الجمع، وسيأتي البحث في ذلك بعد ثلاثة أبواب‏.‏
وقوله في رواية مالك ‏"‏ ولم يصل بينهما ‏"‏ أي لم يتنفل، وسيأتي حديث ابن عمر في ذلك بعد بابين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم ردف الفضل‏)‏ أي ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الفضل بن العباس بن عبد المطلب، ووقع في رواية إبراهيم بن عقبة عند مسلم ‏"‏ قال كريب فقلت لأسامة‏:‏ كيف فعلتم حين أصبحتم‏؟‏ قال ردفه الفضل بن العباس وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي ‏"‏ يعني إلى منى‏.‏
وسيأتي الكلام على التلبية بعد سبعة أبواب، واستدل بالحديث على جمع التأخير وهو إجماع بمزدلفة، لكنه عند الشافعية وطائفة بسبب السفر وعند الحنفية والمالكية بسبب النسك، وأغرب الخطابي فقال‏:‏ فيه دليل على أنه لا يجوز أن يصلي الحاج المغرب إذا أفاض من عرفة حتى يبلغ المزدلفة، ولو أجزأته في غيرها لما أخرها النبي صلى الله عليه وسلم عن وقتها المؤقت لها في سائر الأيام‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّكِينَةِ عِنْدَ الْإِفَاضَةِ وَإِشَارَتِهِ إِلَيْهِمْ بِالسَّوْطِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة‏)‏ أي من عرفة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى وَالِبَةَ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلْإِبِلِ فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ أَوْضَعُوا أَسْرَعُوا خِلَالَكُمْ مِنْ التَّخَلُّلِ بَيْنَكُمْ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا بَيْنَهُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إبراهيم بن سويد‏)‏ هو المدني وهو ثقة لكن قال ابن حبان‏:‏ في حديثه مناكير انتهى‏.‏
وهذا الحديث قد تابعه عليه سليمان بن بلال عند الإسماعيلي، والراوي عنه إبراهيم بن سويد مدني أيضا واسم جده حبان، ووهم الأصيلي فسماه مولى حكاه الجياني وخطؤوه فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مولى المطلب‏)‏ أي ابن عبد الله بن حنطب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مولى والبة‏)‏ بكسر اللام بعدها موحدة خفيفة بطن من بني أسد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة‏)‏ أي من عرفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏زجرا‏)‏ بفتح الزاي وسكون الجيم بعدها راء أي صياحا لحث الإبل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وضربا‏)‏ زاد في رواية كريمة ‏"‏ وصوتا ‏"‏ وكأنها تصحيف من قوله وضربا فظنت معطوفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عليكم بالسكينة‏)‏ أي في السير، والمراد السير بالرفق وعدم المزاحمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن البر ليس بالإيضاع‏)‏ أي السير السريع، ويقال هو سير مثل الخبب فبين صلى الله عليه وسلم أن تكلف الإسراع في السير ليس البر أي مما يتقرب به، ومن هذا أخذ عمر بن عبد العزيز قوله لما خطب بعرفة ‏"‏ ليس السابق من سبق بعيره وفرسه، ولكن السابق من غفر له ‏"‏ وقال المهلب‏:‏ إنما نهاهم عن الإسراع إبقاء عليهم لئلا يجحفوا بأنفسهم مع بعد المسافة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أوضعوا أسرعوا‏)‏ هو من كلام المصنف، وهو قول أبي عبيدة في المجاز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خلالكم من التخلل بينكم‏)‏ هو أيضا من قول أبي عبيدة ولفظه ‏"‏ ولأوضعوا أي لأسرعوا، خلالكم أي بينكم وأصله من التخلل ‏"‏ وقال غيره المعنى وليسعوا بينكم بالنميمة يقال أوضع البعير أسرعه وخص الراكب لأنه أسرع من الماشي، وقوله‏:‏ ‏(‏وفجرنا خلالهما‏:‏ بينهما‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا ولفظه ‏"‏ وفجرنا خلالهما أي وسطهما وبينهما ‏"‏ وإنما ذكر البخاري هذا التفسير لمناسبة أوضعوا للفظ الإيضاع، ولما كان متعلق أوضعوا الخلال ذكر تفسيره تكثيرا للفائدة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة‏)‏ أي المغرب والعشاء، ذكر فيه حديث أسامة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى قبل باب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَتَطَوَّعْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من جمع بينهما‏)‏ أي بين الصلاتين المذكورتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يتطوع‏)‏ أي لم يتنفل بينهما‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَلَا عَلَى إِثْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏جمع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ بين المغرب والعشاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بجمع‏)‏ بفتح الجيم وسكون الميم أي المزدلفة، وسميت جمعا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء، وازدلف إليها أي دنا منها، وروي عن قتادة أنها سميت جمعا لأنها يجمع فيها بين الصلاتين، وقيل وصفت بفعل أهلها لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى الله أي يتقربون إليه بالوقوف فيها، وسميت المزدلفة إما لاجتماع الناس بها أو لاقترابهم إلى منى أو لازدلاف الناس منها جميعا أو للنزول بها في كل زلفة من الليل أو لأنها منزلة وقربة إلى الله أو لازدلاف آدم إلى حواء بها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بإقامة‏)‏ لم يذكر الأذان، وسيأتي البحث فيه بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يسبح بينهما‏)‏ أي لم يتنفل، و قوله‏:‏ ‏(‏ولا على إثر كل واحدة منهما‏)‏ أي عقبها، ويستفاد منه أنه ترك التنفل عقب المغرب وعقب العشاء، ولما لم يكن بين المغرب والعشاء مهلة صرح بأنه لم يتنفل بينهما، بخلاف العشاء فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه لم يتنفل عقبها لكنه تنفل بعد ذلك في أثناء الليل، ومن ثم قال الفقهاء تؤخر سنة العشاءين عنهما، ونقل ابن المنذر الإجماع على ترك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة لأنهم اتفقوا على أن السنة الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع بينهما انتهى‏.‏
ويعكر على نقل الاتفاق فعل ابن مسعود الآتي في الباب الذي بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعيد الأنصاري وفي روايته عن عدي بن ثابت رواية تابعي عن تابعي‏.‏
وفي رواية عبد الله بن يزيد شيخ عدي فيه رواية صحابي عن صحابي، والإسناد كله دائر بين مدني وكوفي، وزاد مسلم من رواية الليث عن يحيى عن عدي عن عبد الله بن يزيد ‏"‏ وكان أميرا على الكوفة على عهد ابن الزبير‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالمزدلفة‏)‏ مبين لقوله في رواية مالك عن يحيى بن سعيد التي أخرجها المصنف في المغازي بلفظ ‏"‏ أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع المغرب والعشاء جميعا ‏"‏ وللطبراني من طريق جابر الجعفي عن عدي بهذا الإسناد ‏"‏ صلى بجمع المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة ‏"‏ وفيه رد على قول ابن حزم‏:‏ أن حديث أبي أيوب ليس فيه ذكر أذان ولا إقامة، لأن جابرا وإن كان ضعيفا فقد تابعه محمد بن أبي ليلى عن عدي على ذكر الإقامة فيه عند الطبراني أيضا فيقوى كل واحد منهما بالآخر‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:06 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما‏)‏ أي من المغرب والعشاء بالمزدلفة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ حِينَ الْأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَمَرَ أُرَى فَأَذَّنَ وَأَقَامَ قَالَ عَمْرٌو لَا أَعْلَمُ الشَّكَّ إِلَّا مِنْ زُهَيْرٍ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ هُمَا صَلَاتَانِ تُحَوَّلَانِ عَنْ وَقْتِهِمَا صَلَاةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ الْمُزْدَلِفَةَ وَالْفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الْفَجْرُ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏زهير‏)‏ هو الجعفي، وأبو إسحاق هو السبيعي، وشيخه هو النخعي، وعبد الله هو ابن مسعود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حج عبد الله‏)‏ في رواية أحمد عن حسن بن موسى، وللنسائي من طريق حسين بن عياش كلاهما عن زهير بالإسناد ‏"‏ حج عبد الله بن مسعود فأمرني علقمة أن ألزمه فلزمته فكنت معه ‏"‏ وفي رواية إسرائيل الآتية بعد باب ‏"‏ خرجت مع عبد الله إلى مكة ثم قدمنا جمعا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك‏)‏ أي من مغيب الشفق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمر رجلا‏)‏ لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون هو عبد الرحمن بن يزيد فإن في رواية حسن وحسين المذكورتين ‏"‏ فكنت معه فأتينا المزدلفة، فلما كان حين طلع الفجر قال قم، فقلت له إن هذه الساعة ما رأيتك صليت فيها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أمر أرى رجلا فأذن وأقام، قال عمرو ولا أعلم الشك إلا من زهير‏)‏ أرى بضم الهمزة أي أظن، وقد بين عمرو وهو ابن خالد شيخ البخاري فيه أنه من شيخه زهير، وأخرجه الإسماعيلي من طريق الحسن بن موسى عن زهير مثل ما رواه عنه عمرو ولم يقل ما قال عمرو، وأخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن عمرو عن زهير وقال فيه ‏"‏ ثم أمر قال زهير أرى فأذن وأقام ‏"‏ وسيأتي بعد باب رواية إسرائيل عن أبي إسحاق بأصرح مما قال زهير ولفظه ‏"‏ ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما ‏"‏ والعشاء بفتح العين ورواه ابن خزيمة وأحمد من طريق ابن أبي زائدة عن أبي إسحاق بلفظ ‏"‏ فأذن وأقام ثم صلى المغرب ثم تعشى ثم قام فأذن وأقام وصلى العشاء ثم بات بجمع، حتى إذا طلع الفجر فأذن وأقام ‏"‏ ولأحمد من طريق جرير بن حازم عن أبي إسحاق ‏"‏ فصلى بنا المغرب، ثم دعا بعشاء فتعشى ثم قام فصلى العشاء ثم رقد ‏"‏ ووقع عند الإسماعيلي من رواية شبابة عن ابن أبي ذئب في هذا الحديث ‏"‏ ولم يتطوع قبل كل واحدة منهما ولا بعدها ‏"‏ ولأحمد من رواية زهير ‏"‏ فقلت له إن هذه لساعة ما رأيتك صليت فيها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما طلع الفجر‏)‏ في رواية المستملي والكشميهني ‏"‏ فلما حين طلع الفجر ‏"‏ وفي رواية الحسين بن عياش عن زهير ‏"‏ فلما كان حين طلع الفجر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن وقتهما‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية السرخسي ‏"‏ عن وقتها ‏"‏ بالأفراد، وسيأتي في رواية إسرائيل بعد باب رفع هذه الجملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين يبزغ‏)‏ بزاي مضمومة وغين معجمة أي يطلع، وفي هذا الحديث مشروعية الأذان والإقامة لكل من الصلاتين إذا جمع بينهما، قال ابن حزم‏:‏ لم نجده مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت عنه لقلت به‏.‏
ثم أخرج من طريق عبد الرزاق عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق في هذا الحديث‏:‏ قال أبو إسحاق فذكرته لأبي جعفر محمد بن علي فقال‏:‏ أما نحن أهل البيت فهكذا نصنع، قال ابن حزم‏:‏ وقد روي عن عمر من فعله، قلت أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح عنه، ثم تأوله بأنه محمول على أن أصحابه تفرقوا عنه فأذن لهم ليجتمعوا ليجمع بهم، ولا يخفى تكلفه، ولو تأتي له ذلك في حق عمر - لكونه كان الإمام الذي يقيم للناس حجهم - لم يتأت له في حق ابن مسعود لأنه إن كان معه ناس من أصحابه لا يحتاج في جمعهم إلى من يؤذن لهم، وقد أخذ بظاهره مالك، وهو اختيار البخاري‏.‏
وروى ابن عبد البر عن أحمد بن خالد أنه كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث ابن مسعود وهو من رواية الكوفيين مع كونه موقوفا ومع كونه لم يروه ويترك ما روي عن أهل المدينة وهو مرفوع، قال ابن عبد البر‏:‏ وأعجب أنا من الكوفيين حيث أخذوا بما رواه أهل المدينة وهو أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة وتركوا ما رووا في ذلك عن ابن مسعود مع أنهم لا يعدلون به أحدا‏.‏
قلت‏:‏ الجواب عن ذلك أن مالكا اعتمد على صنيع عمر في ذلك وإن كان لم يروه في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ واختار الطحاوي ما جاء عن جابر يعني في حديثه الطويل الذي أخرجه مسلم أنه جمع بينهما بأذان واحد وإقامتين، وهذا قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد وبه قال ابن الماجشون وابن حزم وقواه الطحاوي بالقياس على الجمع بين الظهر والعصر بعرفة‏.‏
وقال الشافعي في الجديد والثوري وهو رواية عن أحمد‏:‏ يجمع بينهما بإقامتين فقط، وهو ظاهر حديث أسامة الماضي قربيا حيث قال ‏"‏ فأقام المغرب ثم أناخ الناس ولم يحلوا حتى أقام العشاء ‏"‏ وقد جاء عن ابن عمر كل واحد من هذه الصفات أخرجه الطحاوي وغيره، وكأنه كان يراه من الأمر الذي يتخير فيه الإنسان، وهو المشهور عن أحمد، واستدل بحديث ابن مسعود على جواز التنفل بين الصلاتين إن أراد الجمع بينهما لكون ابن مسعود تعشى بين الصلاتين، ولا حجة فيه لأنه لم يرفعه، ويحتمل أن لا يكون قصد الجمع، وظاهر صنيعه يدل على ذلك لقوله إن المغرب تحول عن وقتها فرأى أنه وقت هذه المغرب خاصة، ويحتمل أن يكون قصد الجمع وكان يرى أن العمل بين الصلاتين لا يقطعه إذا كان ناويا للجمع، ويحتمل قوله ‏"‏ تحول عن وقتها ‏"‏ أي المعتاد، وأما إطلاقه على صلاة الصبح أنها تحول عن وقتها فليس معناه أنه أوقع الفجر قبل طلوعها، وإنما أراد أنها وقعت قبل الوقت المعتاد فعلها فيه في الحضر، ولا حجة فيه لمن منع التغليس بصلاة الصبح لأنه ثبت عن عائشة وغيرها كما تقدم في المواقيت التغليس بها، بل المراد هنا أنه كان إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته ثم خرج فصلى الصبح مع ذلك بغلس، وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبادر بالصلاة أول ما بزغ حتى أن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه، وهو بين في رواية إسرائيل الآتية حيث قال ‏"‏ ثم صلى الفجر حين طلع الفجر، قائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع ‏"‏ واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود هذا على ترك الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة وجمع لقول ابن مسعود ‏"‏ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين ‏"‏ وأجاب المجوزون بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وقد ثبت الجمع بين الصلاتين من حديث ابن عمر وأنس وابن عباس وغيرهم وتقدم في موضعه بما فيه كفاية، وأيضا فالاستدلال به إنما هو من طريق المفهوم وهم لا يقولون به، وأما من قال به فشرطه أن لا يعارضه منطوق، وأيضا فالحصر فيه ليس على ظاهره لإجماعهم على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بعرفة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ فَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَدْعُونَ وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ الْقَمَرُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قدم ضعفة أهله‏)‏ أي من نساء وغيرهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بليل‏)‏ أي من منزله بجمع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم‏)‏ ضبطه الكرماني بفتح القاف وكسر الدال قال‏:‏ وحذف الفاعل للعلم به وهو من ذكر أولا، وبفتح الدال على البناء للمجهول‏.‏
وقوله ‏"‏إذا غاب القمر ‏"‏ بيان للمراد من قوله في أول الترجمة ‏"‏ بليل‏"‏، ومغيب القمر تلك الليلة يقع عند أوائل الثلث الأخير، ومن ثم قيده الشافعي ومن تبعه بالنصف الثاني‏.‏
قال صاحب ‏"‏ المغني ‏"‏‏:‏ لا نعلم خلافا في جواز تقديم الضعفة بليل من جمع إلى منى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوْا الْجَمْرَةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال سالم‏)‏ في رواية ابن وهب عند مسلم عن يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏المشعر‏)‏ بفتح الميم والعين، وحكى الجوهري كسر الميم وقيل إنه لغة أكثر العرب‏.‏
وقال ابن قرقول‏:‏ كسر الميم لغة لا رواية‏.‏
وقال ابن قتيبة‏:‏ لم يقرأ بها في الشواذ، وقيل بل قرئ حكاه الهذلي‏.‏
وسمي المشعر لأنه معلم للعبادة، والحرام لأنه من الحرم أو لحرمته‏.‏
وقوله ‏"‏ما بدا لهم ‏"‏ بغير همز أي ظهر لهم، وأشعر ذلك بأنه لا توقيف لهم فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يرجعون‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ ثم يدفعون ‏"‏ وهو أوضح، ومعنى الأول أنهم يرجعون عن الوقوف إلى الدفع ثم يقدمون منى على ما فصل في الخبر، وقوله ‏"‏لصلاة الفجر ‏"‏ أي عند صلاة الفجر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر يقول أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا وقع فيه أرخص، وفي بعض الروايات رخص بالتشديد وهو أظهر من حيث المعنى لأنه من الترخيص لا من الرخص، واحتج به ابن المنذر لقول من أوجب المبيت بمزدلفة على غير الضعفة لأن حكم من لم يرخص له ليس كحكم من رخص له، قال‏:‏ ومن زعم أنهما سواء لزمه أن يجيز المبيت على منى لسائر الناس لكونه صلى الله عليه وسلم أرخص لأصحاب السقاية وللرعاء أن لا يبيتوا بمنى، قال‏:‏ فإن قال لا تعدوا بالرخص مواضعها فليستعمل ذلك هنا، ولا يأذن لأحد أن يتقدم من جمع إلا لمن رخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى‏.‏
وقد اختلف السلف في هذه المسألة فقال علقمة والنخعي والشعبي‏:‏ من ترك المبيت بمزدلفة فاته الحج‏.‏
وقال عطاء والزهري وقتادة والشافعي والكوفيون وإسحاق‏:‏ عليه دم، قالوا‏:‏ ومن بات بها لم يجز له الدفع قبل النصف‏.‏
وقال مالك‏:‏ إن مر بها فلم ينزل فعليه دم، وإن نزل فلا دم عليه متى دفع، وفي حديث ابن عمر دلالة على جواز رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس لقوله ‏"‏ أن من يقدم عند صلاة الفجر إذا قدم رمى الجمرة ‏"‏ وسيأتي ذلك صريحا من صنيع أسماء بنت أبي بكر في الحديث الثالث من هذا الباب، ويأتي الكلام عليه فيه إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس، وفائدته تعيين من أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم من أهله في ذلك، وأورده من وجهين في الثاني منهما أنه ليس البعث المذكور خاصا له لأن اللفظ الأول وهو قول ‏"‏ بعثني ‏"‏ قد يوهم اختصاصه بذلك وفي الثاني ‏"‏ أنا ممن قدم ‏"‏ فأفهم أنه لم يختص، وقوله في الثاني ‏"‏ في ضعفة أهله ‏"‏ قد أخرجه المصنف في ‏"‏ باب حج الصبيان ‏"‏ من طريق حماد عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ ‏"‏ في الثقل ‏"‏ زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ وقال في الضعفة‏"‏، ولسفيان فيه إسناد آخر أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس مثله، وقد أخرج طريق عطاء هذه مطولة الطحاوي من رواية إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفير عن عطاء ‏[‏قال أخبرني‏]‏ ابن عباس قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ليلة المزدلفة‏:‏ اذهب بضعفائنا ونسائنا فليصلوا الصبح بمنى وليرموا جمرة العقبة قبل أن تصيبهم دفعة الناس ‏"‏ قال فكان عطاء يفعله بعدما كبر وضعف، ولأبي داود من طريق حبيب عن عطاء عن ابن عباس ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفاء أهله بغلس ‏"‏ ولأبي عوانة في صحيحه من طريق أبي الزبير عن ابن عباس ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم العيال والضعفة إلى منى من المزدلفة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس، وفائدته تعيين من أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم من أهله في ذلك، وأورده من وجهين في الثاني منهما أنه ليس البعث المذكور خاصا له لأن اللفظ الأول وهو قول ‏"‏ بعثني ‏"‏ قد يوهم اختصاصه بذلك وفي الثاني ‏"‏ أنا ممن قدم ‏"‏ فأفهم أنه لم يختص، وقوله في الثاني ‏"‏ في ضعفة أهله ‏"‏ قد أخرجه المصنف في ‏"‏ باب حج الصبيان ‏"‏ من طريق حماد عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ ‏"‏ في الثقل ‏"‏ زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ وقال في الضعفة‏"‏، ولسفيان فيه إسناد آخر أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس مثله، وقد أخرج طريق عطاء هذه مطولة الطحاوي من رواية إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفير عن عطاء ‏[‏قال أخبرني‏]‏ ابن عباس قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ليلة المزدلفة‏:‏ اذهب بضعفائنا ونسائنا فليصلوا الصبح بمنى وليرموا جمرة العقبة قبل أن تصيبهم دفعة الناس ‏"‏ قال فكان عطاء يفعله بعدما كبر وضعف، ولأبي داود من طريق حبيب عن عطاء عن ابن عباس ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفاء أهله بغلس ‏"‏ ولأبي عوانة في صحيحه من طريق أبي الزبير عن ابن عباس ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم العيال والضعفة إلى منى من المزدلفة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْتُ لَا فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْت نَعَمْ قَالَتْ فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتْ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا فَقُلْتُ لَهَا يَا هَنْتَاهُ مَا أُرَانَا إِلَّا قَدْ غَلَّسْنَا قَالَتْ يَا بُنَيَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِلظُّعُنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الله مولى أسماء‏)‏ هو ابن كيسان المدني يكنى أبا عمر، ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر سيأتي في أبواب العمرة، وقد صرح ابن جريج بتحديث عبد الله له هكذا في رواية مسدد هذه عن يحيى، وكذا رواه مسلم عن محمد بن أبي بكر المقدمي وابن خزيمة عن بندار، وكذا أخرجه أحمد في مسنده كلهم عن يحيى، وأخرجه مسلم من طريق عيسى بن يونس، وأخرجه الإسماعيلي من طريق داود العطار، والطبراني من طريق ابن عيينة، والطحاوي من طريق سعيد بن سالم، وأبو نعيم من طريق محمد بن بكير كلهم عن ابن جريج، وأخرجه أبو داود عن محمد بن خلاد عن يحيى القطان عن ابن جريج عن عطاء أخبرني مخبر عن أسماء، وأخرجه مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء أن مولى أسماء أخبره، وكذا أخرجه الطبراني من طريق أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد، فالظاهر أن ابن جريج سمعه من عطاء ثم لقي عبد الله فأخذه عنه، ويحتمل أن يكون مولى أسماء شيخ عطاء غير عبد الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت فارتحلوا‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ قالت ارتحل بي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فمضينا حتى رمت الجمرة‏)‏ في رواية ابن عيينة ‏"‏ فمضينا بها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يا هنتاه‏)‏ أي يا هذه، وقد سبق ضبطه في ‏"‏ باب الحج أشهر معلومات‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما أرانا‏)‏ بضم الهمزة أي أظن‏.‏
وفي رواية مسلم بالجزم ‏"‏ فقلت لها لقد غلسنا ‏"‏ وفي رواية مالك ‏"‏ لقد جئنا منى بغلس ‏"‏ وفي رواية داود العطار ‏"‏ لقد ارتحلنا بليل ‏"‏ وفي رواية أبي داود ‏"‏ فقلت أنا رمينا الجمرة بليل وغلسنا ‏"‏ أي جئنا بغلس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أذن للظعن‏)‏ بضم الظاء المعجمة جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج ثم أطلق على المرأة مطلقا‏.‏
وفي رواية أبي داود المذكورة ‏"‏ إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية مالك ‏"‏ لقد كنا نفعل ذلك مع من هو خير منك ‏"‏ تعني النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل بهذا الحديث على جواز الرمي قبل طلوع الشمس عند من خص التعجيل بالضعفة وعند من لم يخصص، وخالف في ذلك الحنفية فقالوا‏:‏ لا يرمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس، فإن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جاز، وإن رماها قبل الفجر أعادها، وبهذا قال أحمد وإسحاق والجمهور، وزاد إسحاق ‏"‏ ولا يرميها قبل طلوع الشمس ‏"‏ وبه قال النخعي ومجاهد والثوري وأبو ثور، ورأى جواز ذلك قبل طلوع الفجر عطاء وطاوس والشعبي والشافعي، واحتج الجمهور بحديث ابن عمر الماضي قبل هذا، واحتج إسحاق بحديث ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغلمان بني عبد المطلب‏:‏ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ‏"‏ وهو حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي وابن حبان من طريق الحسن العرني - وهو بضم المهملة وفتح الراء بعدها نون - عن ابن عباس، وأخرجه الترمذي والطحاوي من طرق عن الحكم عن مقسم عنه، وأخرجه أبو داود من طريق حبيب عن عطاء، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا، ومن ثم صححه الترمذي وابن حبان‏.‏
وإذا كان من رخص له منع أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى‏.‏
واحتج الشافعي بحديث أسماء هذا‏.‏
ويجمع بينه وبين حديث ابن عباس بحمل الأمر في حديث ابن عباس علي الندب، ويؤيده ما أخرجه الطحاوي من طريق شعبة مولى ابن عباس عنه قال ‏"‏ بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأمرني أن أرمي مع الفجر ‏"‏ وقال ابن المنذر‏.‏
السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر لأن فاعله مخالف للسنة، ومن رمى حينئذ فلا إعادة عليه إذ لا أعلم أحدا قال لا يجزئه‏.‏
واستدل به أيضا على إسقاط الوقوف بالمشعر الحرام عن الضعفة، ولا دلالة فيه لأن رواية أسماء ساكتة عن الوقوف، وقد بينته رواية ابن عمر التي قبلها‏.‏
وقد اختلف السلف في هذه المسألة فكان بعضهم يقول‏:‏ ومن مر بمزدلفة فلم ينزل بها فعليه دم، ومن نزل بها ثم دفع منها في أي وقت كان من الليل فلا دم عليه ولو لم يقف مع الإمام‏.‏
وقال مجاهد وقتادة والزهري والثوري‏:‏ من لم يقف بها فقد ضيع نسكا وعليه دم، وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وروي عن عطاء، وبه قال الأوزاعي لا دم عليه مطلقا، وإنما هو منزل من شاء نزل به ومن شاء لم ينزل به‏.‏
وروى الطبري بسند فيه ضعف عن عبد الله بن عمرو مرفوعا ‏"‏ إنما جمع منزل لدلج المسلمين ‏"‏ وذهب ابن بنت الشافعي وابن خزيمة إلى أن الوقوف بها ركن لا يتم الحج إلا به، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه، ونقله ابن المنذر عن علقمة والنخعي، والعجب أنهم قالوا من لم يقف بها فاته الحج ويجعل إحرامه عمرة، واحتج الطحاوي بأن الله لم يذكر الوقوف وإنما قال ‏(‏فاذكروا الله عند المشعر الحرام‏)‏ وقد أجمعوا على أن من وقف بها بغير ذكر أن حجه تام، فإذا كان الذكر المذكور في الكتاب ليس من صلب الحج فالموطن الذي يكون الذكر فيه أحرى أن لا يكون فرضا‏.‏
قال‏:‏ وما احتجوا به من حديث عروة بن مضرس - وهو بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها مهملة - رفعه قال ‏"‏ من شهد معنا صلاة الفجر بالمزدلفة وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه ‏"‏ لإجماعهم أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الإمام حتى فاتته أن حجه تام انتهى‏.‏
وحديث عروة أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والدارقطني والحاكم ولفظ أبي داود عنه ‏"‏ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف - يعني يجمع - قلت جئت يا رسول الله من جبل طيء فأكلت مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه ‏"‏ وللنسائي ‏"‏ من أدرك جمعا مع الإمام والناس حتى يفيضوا فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك مع الإمام والناس فلم يدرك ‏"‏ ولأبي يعلى ‏"‏ ومن لم يدرك جمعا فلا حج له ‏"‏ وقد صنف أبو جعفر العقيلي جزءا في إنكار هذه الزيادة وبين أنها من رواية مطرف عن الشعبي عن عروة وأن مطرفا كان يهم في المتون، وقد ارتكب ابن حزم الشطط فزعم أنه من لم يصل صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام أن الحج يفوته التزاما لما ألزمه به الطحاوي، ولم يعتبر ابن قدامة مخالفته هذه فحكى الإجماع على الإجزاء كما حكاه الطحاوي، وعند الحنفية يجب بترك الوقوف بها دم لمن ليس به عذر، ومن جملة الأعذار عندهم الزحام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ جَمْعٍ وَكَانَتْ ثَقِيلَةً ثَبْطَةً فَأَذِنَ لَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن القاسم‏)‏ هو ابن محمد بن أبي بكر والد عبد الرحمن الراوي عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏استأذنت سودة‏)‏ أي بنت زمعة أم المؤمنين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثقيلة‏)‏ أي من عظم جسمها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثبطة‏)‏ بفتح المثلثة وكسر الموحدة بعدها مهملة خفيفة أي بطيئة الحركة كأنها تثبط بالأرض أي تشبث بها، ولم يذكر محمد بن كثير شيخ البخاري فيه عن سفيان وهو الثوري ما استأذنته سودة فيه، فلذلك عقبه بطريق أفلح عن القاسم المبينة لذلك، وقد أخرجه ابن ماجه من طريق وكيع عن الثوري فبين ذلك ولفظه ‏"‏ أن سودة بنت زمعة كانت امرأة ثبطة، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدفع من جمع قبل دفعة الناس فأذن لها‏"‏، ولأبي عوانة من طريق قبيصة عن الثوري ‏"‏ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة ليلة جمع‏"‏، وأخرجه مسلم من طريق وكيع فلم يسق لفظه، ومن طريق عبد الله بن عمر العمري عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ‏"‏ وددت أني كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة فأصلي الصبح بمنى فأرمي الجمرة قبل أن يأتي الناس ‏"‏ فذكر بقية الحديث مثل سياق محمد بن كثير، وله نحوه من طريق أيوب عن عبد الرحمن بن القاسم وفيه من الزيادة ‏"‏ وكانت عائشة لا تفيض إلا مع الإمام‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ نَزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَاسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ وَكَانَتْ امْرَأَةً بَطِيئَةً فَأَذِنَ لَهَا فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ فَلَأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أفلح بن حميد عن القاسم‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن أفلح ‏"‏ أخبرنا القاسم ‏"‏ وله من طريق أبي بكر الحنفي عن أفلح ‏"‏ سمعت القاسم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن تدفع قبل حطمة الناس‏)‏ في رواية مسلم عن القعنبي عن أفلح ‏"‏ أن تدفع قبله وقبل حطمة الناس ‏"‏ والحطمة بفتح الحاء وسكون الطاء المهملتين الزحمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلأن أكون‏)‏ بفتح اللام فهو مبتدأ وخبره ‏"‏ أحب ‏"‏ وقولها ‏"‏ مفروح ‏"‏ أي ما يفرح به من كل شيء‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع عند مسلم عن القعنبي عن أفلح بن حميد ما يشعر بأن تفسير الثبطة بالثقيلة من القاسم راوي الخبر ولفظه ‏"‏ وكانت امرأة ثبطة، يقول القاسم‏:‏ والثبطة الثقيلة ‏"‏ ولأبي عوانة من طريق ابن أبي فديك عن أفلح بعد أن ساق الحديث بلفظ ‏"‏ وكانت امرأة ثبطة قال‏:‏ الثبطة الثقيلة ‏"‏ وله من طريق أبي عامر العقدي عن أفلح ‏"‏ وكانت امرأة ثبطة، يعني ثقيلة ‏"‏ فعلى هذا فقوله في رواية محمد بن كثير عند المصنف وكانت امرأة ثقيلة ثبطة من الأدراج الواقع قبل ما أدرج عليه وأمثلته قليلة جدا، وسببه أن الراوي أدرج التفسير بعد الأصل فظن الراوي الآخر أن اللفظين ثابتان في أصل المتن فقدم وأخر‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب مَتَى يُصَلِّي الْفَجْرَ بِجَمْعٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يصلي الفجر بجمع‏)‏ ذكر فيه حديث ابن مسعود مختصرا ومطولا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ مِيقَاتِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عمارة‏)‏ هو ابن عمير، وعبد الرحمن هو ابن يزيد النخعي، والإسناد كله كوفيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لغير ميقاتها‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ بغير ‏"‏ بالموحدة بدل اللام، والمراد في غير وقتها المعتاد كما بيناه في الكلام عليه قبل باب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ كُلَّ صَلَاةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالْعَشَاءُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ قَائِلٌ يَقُولُ طَلَعَ الْفَجْرُ وَقَائِلٌ يَقُولُ لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا وَصَلَاةَ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ ثُمَّ قَالَ لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الْآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرجت‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ خرجنا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والعشاء بينهما‏)‏ بفتح المهملة لا بكسرها أي الأكل، وقد تقدم إيضاحه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا يقدم‏)‏ بفتح الدال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يعتموا‏)‏ أي يدخلوا في العتمة وهو وقت العشاء الآخرة كما تقدم بيانه في المواقيت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن‏)‏ يعني عثمان كما بين في آخر الكلام، وقوله‏:‏ ‏(‏فما أدري‏)‏ هو كلام عبد الرحمن بن يزيد الراوي عن ابن مسعود، وأخطأ من قال أنه كلام ابن مسعود، والمراد أن السنة الدفع من المشعر الحرام عند الإسفار قبل طلوع الشمس، خلافا لما كان عليه أهل الجاهلية كما في حديث عمر الذي بعده‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية جرير بن حازم عن أبي إسحاق عند أحمد من الزيادة في هذا الحديث أن نظير هذا القول صدر من ابن مسعود عند الدفع من عرفة أيضا ولفظه ‏"‏ لما وقفنا بعرفة غابت الشمس فقال‏:‏ لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن كان قد أصاب، قال‏:‏ فما أدري أكلام ابن مسعود أسرع أو إفاضة عثمان، قال‏:‏ فأوضع الناس‏.‏
ولم يزد ابن مسعود على العنق حتى أتى جمعا ‏"‏ وله من طريق زكريا عن أبي إسحاق في هذا الحديث ‏"‏ أفاض ابن مسعود من عرفة على هينته لا يضرب بعيره حتى أتى جمعا ‏"‏ وقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا سفيان وأبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد أن ابن مسعود أوضع بعيره في وادي محسر ‏"‏ وهذه الزيادة مرفوعة في حديث جابر الطويل في صفة الحج عند مسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة‏)‏ سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:09 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب مَتَى يُدْفَعُ مِنْ جَمْعٍ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يدفع من جمع‏)‏ أي بعد الوقوف بالمشعر الحرام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يَقُولُ شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبِيرُ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمْ ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يفيضون‏)‏ زاد يحيى القطان عن شعبة ‏"‏ من جمع ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، وكذا هو للمصنف في أيام الجاهلية من رواية سفيان الثوري عن أبي إسحاق، وزاد الطبراني من رواية عبيد الله بن موسى عن سفيان ‏"‏ حتى يروا الشمس على ثبير‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويقولون‏:‏ أشرق ثبير‏)‏ أشرق بفتح أوله فعل أمر من الإشراق أي أدخل في الشروق‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ وضبطه بعضهم بكسر الهمزة كأنه ثلاثي من شرق وليس ببين، والمشهور أن المعنى لتطلع عليك الشمس وقيل‏:‏ معناه أضئ يا جبل، وليس ببين أيضا‏.‏
وثبير بفتح المثلثة وكسر الموحدة جبل معروف هناك، وهو على يسار الذاهب إلى منى، وهو أعظم جبال مكة، عرف برجل من هذيل اسمه ثبير دفن فيه‏.‏
زاد أبو الوليد عن شعبة ‏"‏ كيما نغير ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، ومثله لابن ماجه من طريق حجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق، وللطبري من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق ‏"‏ أشرق ثبير لعلنا نغير ‏"‏ قال الطبري‏:‏ معناه كيما ندفع للنحر، وهو من قتلهم أغار الفرس إذا أسرع في عدوه، قال ابن التين‏:‏ وضبطه بعضهم بسكون الراء في ثبير وفي نغير لإرادة السجع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس‏)‏ الإفاضة الدفعة قاله الأصمعي، ومنه أفاض القوم في الحديث إذا دفعوا فيه، ويحتمل أن يكون فاعل أفاض عمر فيكون انتهاء حديثه ما قبل هذا، ويحتمل أن يكون فاعل أفاض النبي صلى الله عليه وسلم لعطفه على قوله خالفهم، وهذا هو المعتمد‏.‏
وقد وقع في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عند الترمذي ‏"‏ فأفاض ‏"‏ وفي رواية الثوري ‏"‏ فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فأفاض ‏"‏ وللطبري من طريق زكريا عن أبي إسحاق بسنده ‏"‏ كان المشركون لا ينفرون حتى تطلع الشمس، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك فنفر قبل طلوع الشمس ‏"‏ وله من رواية إسرائيل ‏"‏ فدفع لقدر صلاة القوم المسفرين لصلاة الغداة ‏"‏ وأوضح من ذلك ما وقع في حديث جابر الطويل عند مسلم ‏"‏ ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله تعالى وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، فدفع قبل أن تطلع الشمس ‏"‏ وقد تقدم حديث ابن مسعود في ذلك وصنيع عثمان بما يوافقه، وروى ابن المنذر من طريق الثوري عن أبي إسحاق ‏"‏ سألت عبد الرحمن بن يزيد‏:‏ متى دفع عبد الله من جمع‏؟‏ قال‏:‏ كانصراف القوم المسفرين من صلاة الغداة ‏"‏ وروى الطبري من حديث علي قال ‏"‏ لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة غدا فوقف على قزح وأردف الفضل ثم قال‏:‏ هذا الموقف، وكل المزدلفة موقف‏.‏
حتى إذا أسفر دفع ‏"‏ وأصله في الترمذي دون قوله ‏"‏ حتى إذا أسفر ‏"‏ ولابن خزيمة والطبري من طريق عكرمة عن ابن عباس ‏"‏ كان أهل الجاهلية يقفون بالمزدلفة، حتى إذا طلعت الشمس فكانت على رءوس الجبال كأنها العمائم على رءوس الرجال دفعوا، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسفر كل شيء قبل أن تطلع الشمس ‏"‏ وللبيهقي من حديث المسور بن مخرمة نحوه، وفي هذا الحديث فضل الدفع من الموقف بالمزدلفة عند الأسفار، وقد تقدم بيان الاختلاف فيمن دفع قبل الفجر‏.‏
ونقل الطبري الإجماع على أن من لم يقف فيه حتى طلعت الشمس فاته الوقوف قال ابن المنذر‏:‏ وكان الشافعي وجمهور أهل العلم يقولون بظاهر هذه الأخبار، وكان مالك يرى أن يدفع قبل الأسفار، واحتج له بعض أصحابه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعجل الصلاة مغلسا إلا ليدفع قبل الشمس، فكل من بعد دفعه من طلوع الشمس كان أولى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ غَدَاةَ النَّحْرِ حِينَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ وَالِارْتِدَافِ فِي السَّيْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التلبية والتكبير غداة النحر حتى يرمي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ حين يرمي ‏"‏ وهو أصوب‏.‏
قال الكرماني‏:‏ ليس في الحديث ذكر التكبير، فيحتمل أن يكون أشار إلى الذكر الذي في خلال التلبية، وأراد أن يستدل على أن التكبير غير مشروع حينئذ لأن قوله ‏"‏ لم يزل ‏"‏ يدل على إدامة التلبية وإدامتها تدل على ترك ما عداها، أو هو مختصر من حديث فيه ذكر التكبير انتهى‏.‏
والمعتمد أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما جرت به عادته، فعند أحمد وابن أبي شيبة والطحاوي من طريق مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله ‏"‏ خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلطها بتكبير‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ الْفَضْلَ فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأخبر الفضل‏)‏ في رواية مسلم من طريق عيسى بن يونس عن ابن جريج عن عطاء ‏"‏ فأخبرني ابن عباس أن الفضل أخبره‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ الْأَيْلِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى قَالَ فَكِلَاهُمَا قَالَا لَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكلاهما‏)‏ أي الفضل بن عباس وأسامة بن زيد، وفي ذكر أسامة إشكال لما تقدم في ‏"‏ باب النزول بين عرفة وجمع ‏"‏ أن عند مسلم في رواية إبراهيم بن عقبة عن كريب أن أسامة قال ‏"‏ وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي ‏"‏ لأن مقتضاه أن يكون أسامة سبق إلى رمي الجمرة فيكون إخباره بمثل ما أخبر به الفضل من التلبية مرسلا، لكن لا مانع أنه يرجع مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجمرة أو يقيم بها حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وقد أخرج مسلم أيضا من حديث أم الحصين قالت ‏"‏ فرأيت أسامة بن زيد وبلالا في حجة الوداع وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ زاد ابن أبي شيبة من طريق علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل في هذا الحديث ‏"‏ فرماها سبع حصيات يكبر مع كل حصاة ‏"‏ وسيأتي هذا الحكم بعد نيف وثلاثين بابا، وفي هذا الحديث أن التلبية تستمر إلى رمي الجمرة يوم النحر، وبعدها يشرع الحاج في التحلل، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يقول ‏"‏ التلبية شعار الحج، فإن كنت حاجا فلب حتى بدء حلك، وبدء حلك أن ترمي جمرة العقبة ‏"‏ وروى سعيد بن منصور من طريق ابن عباس قال ‏"‏ حججت مع عمر إحدى عشرة حجة، وكان يلبي حتى يرمي الجمرة ‏"‏ وباستمرارها قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم‏.‏
وقالت طائفة‏:‏ يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم، وهو مذهب ابن عمر، لكن كان يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة‏.‏
وقالت طائفة‏:‏ يقطعها إذا راح إلى الموقف، رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعلي، وبه قال مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة، وهو قول الأوزاعي والليث، وعن الحسن البصري مثله لكن قال ‏"‏ إذا صلى الغداة يوم عرفة ‏"‏ وهو بمعنى الأول‏.‏
وقد روى الطحاوي بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن يزيد قال ‏"‏ حججت مع عبد الله، فلما أفاض إلى جمع جعل يلبي، فقال رجل‏:‏ أعرابي هذا‏؟‏ فقال عبد الله‏:‏ أنسي الناس أم ضلوا ‏"‏ وأشار الطحاوي إلى أن كل من روي عنه ترك التلبية من يوم عرفة أنه تركها للاشتغال بغيرها من الذكر لا على أنها لا تشرع، وجمع في ذلك بين ما اختلف من الآثار والله أعلم‏.‏
واختلفوا أيضا هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي‏؟‏ فذهب إلى الأول الجمهور، وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال ‏"‏ أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة ‏"‏ قال ابن خزيمة‏:‏ هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى، وأن المراد بقوله ‏"‏ حتى رمى جمرة العقبة ‏"‏ أي أتم رميها‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي - إلى قوله تعالى - حاضري المسجد الحرام‏)‏ كذا في رواية أبي ذر وأبي الوقت، وساق في طريق كريمة ما بين قوله‏:‏ ‏(‏الهدي‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏حاضري المسجد الحرام‏)‏ وغرض المصنف بذلك تفسير الهدي، وذلك أنه لما انتهى في صفة الحج إلى الوصول إلى منى أراد أن يذكر أحكام الهدي والنحر، لأن ذلك يكون غالبا بمنى‏.‏
والمراد بقوله‏:‏ ‏(‏فمن تمتع‏)‏ أي في حال الأمن لقوله‏:‏ ‏(‏فإذا أمنتم فمن تمتع‏)‏ وفيه حجة للجمهور في أن التمتع لا يختص بالمحصر، وروى الطبري عن عروة قال في قوله‏:‏ ‏(‏فإذا أمنتم‏)‏ أي من الوجع ونحوه، قال الطبري‏:‏ والأشبه بتأويل الآية أن المراد بها الأمن من الخوف، لأنها نزلت وهم خائفون بالحديبية فبينت لهم ما يعملون حال الحصر، وما يعملون حال الأمن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الْمُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْهَدْيِ فَقَالَ فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ قَالَ وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ إِنْسَانًا يُنَادِي حَجٌّ مَبْرُورٌ وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَقَالَ آدَمُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَغُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا النضر‏)‏ هو ابن شميل صاحب العربية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبو جمرة‏)‏ بالجيم والراء وقد تقدم لهذا الحديث طريق في آخر ‏"‏ باب التمتع والقرآن ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه هناك، والغرض منه هنا بيان الهدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسألته‏)‏ أي ابن عباس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الهدي‏)‏ فقال فيها أي المتعة يعني يجب على من تمتع دم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جزور‏)‏ بفتح الجيم وضم الزاي أي بعير ذكرا كان أو أنثى، وهو مأخوذ من الجزر أي القطع ولفظها مؤنث تقول هذه الجزور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو شرك‏)‏ بكسر الشين المعجمة وسكون الراء أي مشاركة في دم أي حيث يجزئ الشيء الواحد عن جماعة، وهذا موافق لما رواه مسلم عن جابر قال ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة ‏"‏ وبهذا قال الشافعي والجمهور، سواء كان الهدي تطوعا أو واجبا، وسواء كانوا كلهم متقربين بذلك أو كان بعضهم يريد التقرب وبعضهم يريد اللحم، وعن أبي حنيفة‏.‏
يشترط في الاشتراك أن يكونوا كلهم متقربين بالهدي، وعن زفر مثله بزيادة أن تكون أسبابهم واحدة، وعن داود وبعض المالكية‏:‏ يجوز في هدي التطوع دون الواجب، وعن مالك‏:‏ لا يجوز مطلقا، واحتج له إسماعيل القاضي بأن حديث جابر إنما كان بالحديبية حيث كانوا محصرين، وأما حديث ابن عباس فخالف أبا جمرة عنه ثقات أصحابه فرووا عنه أن ما استيسر من الهدي شاة، ثم ساق ذلك بأسانيد صحيحة عنهم عن ابن عباس قال‏:‏ وقد روى ليث عن طاوس عن ابن عباس مثل رواية أبي جمرة، وليث ضعيف‏.‏
قال‏:‏ وحدثنا سليمان عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن ابن عباس قال ‏"‏ ما كنت أرى أن دما واحدا يقضي عن أكثر من واحد ‏"‏ انتهى‏.‏
وليس بين رواية أبي جمرة ورواية غيره منافاة لأنه زاد عليهم ذكر الاشتراك ووافقهم على ذكر الشاة، وإنما أراد ابن عباس بالاقتصار على الشاة الرد على من زعم اختصاص الهدي بالإبل والبقر، وذلك واضح فيما سنذكره بعد هذا‏.‏
وأما رواية محمد عن ابن عباس فمتقطعة، ومع ذلك لو كانت متصلة احتمل أن يكون ابن عباس أخبر أنه كان لا يرى ذلك من جهة الاجتهاد حتى صح عنده النقل بصحة الاشتراك فأفتى به أبا جمرة، وبهذا تجتمع الأخبار، وهو أولى من الطعن في رواية من أجمع العلماء على توثيقه والاحتجاج بروايته وهو أبو جمرة الضبعي‏.‏
وقد روي عن ابن عمر أنه كان لا يرى التشريك، ثم رجع عن ذلك لما بلغته السنة‏.‏
قال أحمد‏:‏ حدثنا عبد الوهاب حدثنا مجاهد عن الشعبي قال ‏"‏ سألت ابن عمر قلت‏:‏ الجزور والبقرة تجزئ عن سبعة‏؟‏ قال‏.‏
يا شعبي، ولها سبعة أنفس‏؟‏ قال قلت‏:‏ فإن أصحاب محمد يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة‏.‏
قال فقال ابن عمر لرجل‏:‏ أكذلك يا فلان‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ ما شعرت بهذا‏"‏‏.‏
وأما تأويل إسماعيل لحديث جابر بأنه كان بالحديبية فلا يدفع الاحتجاج بالحديث، بل روى مسلم من طريق أخرى عن جابر في أثناء حديث قال ‏"‏ فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحللنا أن نهدي ونجمع النفر منا في الهدية ‏"‏ وهذا يدل على صحة أصل الاشتراك، واتفق من قال بالاشتراك على أنه لا يكون في أكثر من سبعة، إلا إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب فقال‏:‏ تجزئ عن عشرة، وبه قال إسحاق بن راهويه وابن خزيمة من الشافعية، واحتج لذلك في صحيحه وقواه، واحتج له ابن خزيمة بحديث رافع بن خديج ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير ‏"‏ الحديث وهو في الصحيحين، وأجمعوا على أن الشاة لا يصح الاشتراك فيها، وقوله ‏"‏أو شاة ‏"‏ هو قول الجمهور، ورواه الطبري وابن أبي حاتم بأسانيد صحيحة عنهم، ورويا بإسناد قوي عن القاسم بن محمد عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر‏.‏
ووافقهما القاسم وطائفة‏.‏
قال إسماعيل القاضي في ‏"‏ الأحكام ‏"‏ له‏:‏ أظنهم ذهبوا إلى ذلك لقوله تعالى ‏(‏والبدن جعلناها لكم من شعائر الله‏)‏ فذهبوا إلى تخصيص ما يقع عليه اسم البدن، قال‏:‏ ويرد هذا قوله تعالى ‏(‏هديا بالغ الكعبة‏)‏ وأجمع المسلمون أن في الظبي شاة فوقع عليها اسم هدي‏.‏
قلت‏:‏ قد احتج بذلك ابن عباس فأخرج الطبري بإسناد صحيح إلى عبد الله بن عبيد بن عمير قال قال ابن عباس‏:‏ الهدي شاة‏.‏
فقيل له في ذلك، قال‏:‏ أنا أقرأ عليكم من كتاب الله ما تقوون به، ما في الظبي‏؟‏ قالوا شاة، قال‏:‏ فإن الله تعالى يقول ‏(‏هديا بالغ الكعبة‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومتعة متقبلة‏)‏ قال الإسماعيلي وغيره‏:‏ تفرد النضر بقوله ‏"‏ متعة ‏"‏ ولا أعلم أحدا من أصحاب شعبة رواه عنه إلا قال ‏"‏ عمرة ‏"‏ وقال أبو نعيم‏:‏ قال أصحاب شعبة كلهم عمرة إلا النضر فقال متعة‏.‏
قلت‏:‏ وقد أشار المصنف إلى هذا بما علقه بعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال آدم ووهب بن جرير وغندر عن شعبة عمرة إلخ‏)‏ أما طريق آدم فوصلها عنه في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ وأما طريق وهب بن جرير فوصلها البيهقي من طريق إبراهيم بن مرزوق عن وهب وأما طريق غندر فوصلها أحمد عنه، وأخرجها مسلم عن أبي موسى وبندار كلاهما عن غندر‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب رُكُوبِ الْبُدْنِ
لِقَوْلِهِ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ قَالَ مُجَاهِدٌ سُمِّيَتْ الْبُدْنَ لِبُدْنِهَا وَالْقَانِعُ السَّائِلُ وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَعْتَرُّ بِالْبُدْنِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ وَشَعَائِرُ اسْتِعْظَامُ الْبُدْنِ وَاسْتِحْسَانُهَا وَالْعَتِيقُ عِتْقُهُ مِنْ الْجَبَابِرَةِ وَيُقَالُ وَجَبَتْ سَقَطَتْ إِلَى الْأَرْضِ وَمِنْهُ وَجَبَتْ الشَّمْسُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ركوب البدن لقوله تعالى‏:‏ والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير، فاذكروا اسم الله عليها صواف، فإذا وجبت جنوبها - إلى قوله تعالى - وبشر المحسنين‏)‏ هكذا في رواية أبي ذر وأبي الوقت، وساق في رواية كريمة الآيتين، واستدل المصنف لجواز ركوب البدن بعموم قوله تعالى ‏(‏لكم فيها خير‏)‏ وأشار إلى قول إبراهيم النخعي ‏(‏لكم فيها خير‏)‏ ‏:‏ من شاء ركب ومن شاء حلب، أخرجه ابن أبي حاتم وغيره عنه بإسناد جيد‏.‏
والبدن بسكون الدال في قراءة الجمهور، وقرأ الأعرج وهي رواية عن عاصم بضمها، وأصلها من الإبل وألحقت بها البقر شرعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال مجاهد سميت البدن لبدنها‏)‏ هو بفتح الموحدة والمهملة لـلأكثر، وبضمها وسكون الدال لبعضهم‏.‏
وفي رواية الكشميهني لبدانتها أي سمنها، وكذا أخرجه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ إنما سميت البدن من قبل السمانة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والقانع السائل، والمعتر الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير‏)‏ أي يطيف بها متعرضا لها، وهذا التعليق أخرجه أيضا عبد بن حميد من طريق عثمان بن الأسود قلت لمجاهد‏:‏ ما القانع‏؟‏ قال جارك الذي ينتظر ما دخل بيتك، والمعتر الذي يعتر ببابك ويريك نفسه ولا يسألك شيئا‏.‏
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ القانع هو الطامع‏.‏
وقال مرة‏:‏ هو السائل‏.‏
ومن طريق الثوري عن فرات عن سعيد بن جبير‏:‏ المعتر الذي يعتريك يزورك ولا يسألك‏.‏
ومن طريق ابن جريج عن مجاهد‏:‏ المعتر الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير‏.‏
وقال الخليل في العين‏:‏ القنوع المتذلل للمسألة، قنع إليه مال وخضع، وهو السائل‏.‏
والمعتر الذي يعترض ولا يسأل‏.‏
ويقال قنع بكسر النون إذا رضي وقنع بفتحها إذا سأل‏.‏
وقرأ الحسن ‏"‏ المعتري ‏"‏ وهو بمعنى المعتر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وشعائر الله استعظام البدن واستحسانها‏)‏ أخرجه عبد بن حميد أيضا من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏ومن يعظم شعائر الله‏)‏ قال استعظام البدن استحسانها واستسمانها‏.‏
ورواه ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس نحوه، لكن فيه ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والعتيق عتقه من الجبابرة‏)‏ أخرج عبد بن حميد أيضا من طريق سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ إنما سمي العتيق لأنه أعتق من الجبابرة‏.‏
وقد جاء هذا مرفوعا أخرجه البزار من حديث عبد الله بن الزبير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويقال وجبت سقطت إلى الأرض ومنه وجبت الشمس‏)‏ هو قول ابن عباس‏.‏
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مقسم عن ابن عباس قال‏:‏ فإذا وجبت أي سقطت، وكذا أخرجه الطبري من طريقين عن مجاهد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا فَقَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ فَقَالَ ارْكَبْهَا قَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الأعرج‏)‏ لم تختلف الرواة عن مالك عن أبي الزناد فيه، ورواه ابن عيينة عن أبي الزناد فقال عن الأعرج عن أبي هريرة، أو عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة، أخرجه سعيد بن منصور عنه‏.‏
وقد رواه الثوري عن أبي الزناد بالإسنادين مفرقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأى رجلا‏)‏ لم أقف على اسمه بعد طول البحث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يسوق بدنة‏)‏ كذا في معظم الأحاديث، ووقع لمسلم من طريق بكير بن الأخنس عن أنس ‏"‏ مر ببدنة أو هدية ‏"‏ ولأبي عوانة من هذا الوجه ‏"‏ أو هدي‏"‏، وهو مما يوضح أنه ليس المراد بالبدنة مجرد مدلولها اللغوي‏.‏
ولمسلم من طريق المغيرة عن أبي الزناد ‏"‏ بينا رجل يسوق بدنة مقلدة ‏"‏ وكذا في طريق همام عن أبي هريرة، وسيأتي للمصنف في ‏"‏ باب تقليد البدن ‏"‏ أنها كانت مقلدة نعلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال اركبها‏)‏ زاد النسائي من طريق سعيد عن قتادة، والجوزقي من طريق حميد عن ثابت كلاهما عن أنس ‏"‏ وقد جهده المشي ‏"‏ ولأبي يعلى من طريق الحسن عن أنس ‏"‏ حافيا ‏"‏ لكنها ضعيفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويلك في الثانية أو في الثالثة‏)‏ وقع في رواية همام عند مسلم ‏"‏ ويلك اركبها، ويلك اركبها ‏"‏ ولأحمد من رواية عبد الرحمن بن إسحاق والثوري كلاهما عن أبي الزناد، ومن طريق عجلان عن أبي هريرة قال ‏"‏ اركبها ويحك‏.‏
قال‏:‏ إنها بدنة‏.‏
قال‏:‏ اركبها ويحك ‏"‏ زاد أبو يعلى من رواية الحسن ‏"‏ فركبها ‏"‏ وقد قلنا إنها ضعيفة، لكن سيأتي للمصنف من طريق عكرمة عن أبي هريرة ‏"‏ فلقد رأيته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وسلم والنعل في عنقها ‏"‏ وتبين بهذه الطرق أنه أطلق البدنة على الواحدة من الإبل المهداة إلى البيت الحرام، ولو كان المراد مدلولها اللغوي لم يحصل الجواب بقوله إنها بدنة لأن كونها من الإبل معلوم، فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي كونها هديا فلذلك قال إنها بدنة، والحق أنه لم يخف ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم لكونها كانت مقلدة، ولهذا قال له لما زاد في مراجعته ‏"‏ ويلك ‏"‏ واستدل به على جواز ركوب الهدي سواء كان واجبا أو متطوعا به؛ لكونه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل صاحب الهدي عن ذلك، فدل على أن الحكم لا يختلف بذلك‏.‏
وأصرح من هذا ما أخرجه أحمد من حديث علي ‏"‏ أنه سئل‏:‏ هل يركب الرجل هديه‏؟‏ فقال‏:‏ لا بأس، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالرجال يمشون فيأمرهم يركبون هديه ‏"‏ أي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، إسناده صالح‏.‏
وبالجواز مطلقا قال عروة بن الزبير، ونسبه ابن المنذر لأحمد وإسحاق، وبه قال أهل الظاهر، وهو الذي جزم به النووي في ‏"‏ الروضة ‏"‏ تبعا لأصله في الضحايا، ونقله في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ عن القفال والماوردي، ونقل فيه عن أبي حامد والبندنيجي وغيرهما تقييده بالحاجة‏.‏
وقال الروياني‏:‏ تجويزه بغير حاجة يخالف النص، وهو الذي حكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق، وأطلق ابن عبد البر كراهة ركوبها بغير حاجة عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء، وقيده صاحب ‏"‏ الهداية ‏"‏ من الحنفية بالاضطرار إلى ذلك، وهو المنقول عن الشعبي عند ابن أبي شيبة ولفظه‏:‏ لا يركب الهدي إلا من لا يجد منه بدا‏.‏
ولفظ الشافعي الذي نقله ابن المنذر وترجم له البيهقي‏:‏ يركب إذا اضطر ركوبا غير فادح‏.‏
وقال ابن العربي عن مالك‏:‏ يركب للضرورة، فإذا استراح نزل‏.‏
ومقتضى من قيده بالضرورة أن من انتهت ضرورته لا يعود إلى ركوبها إلا من ضرورة أخرى، والدليل على اعتبار هذه القيود الثلاثة - وهي الاضطرار والركوب بالمعروف وانتهاء الركوب بانتهاء الضرورة - ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا بلفظ ‏"‏ اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا ‏"‏ فإن مفهومه أنه إذا وجد غيرها تركها، وروى سعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي قال‏:‏ يركبها إذا أعيا قدر ما يستريح على ظهرها‏.‏
وفي المسألة مذهب خامس وهو المنع مطلقا نقله ابن العربي عن أبي حنيفة وشنع عليه، ولكن الذي نقله الطحاوي وغيره الجواز بقدر الحاجة إلا أنه قال‏:‏ ومع ذلك يضمن ما نقص منها بركوبه‏.‏
وضمان النقص وافق عليه الشافعية في الهدي الواجب كالنذر‏.‏
ومذهب سادس وهو وجوب ذلك نقله ابن عبد البر عن بعض أهل الظاهر تمسكا بظاهر الأمر، ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة والسائبة، ورده بأن الذين ساقوا الهدي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا كثيرا ولم يأمر أحدا منهم بذلك انتهى‏.‏
وفيه نظر لما تقدم من حديث علي، وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح رواه أبو داود في ‏"‏ المراسيل ‏"‏ عن عطاء ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها ويركبها غير منهكها‏.‏
قلت‏:‏ ماذا‏؟‏ قال‏:‏ الراجل والمتيع اليسير فإن نتجت حمل عليها ولدها ‏"‏ ولا يمتنع القول بوجوبه إذا تعين طريقا إلى إنقاذ مهجة إنسان من الهلاك‏.‏
واختلف المجيزون هل يحمل عليها متاعه‏؟‏ فمنعه مالك وأجازه الجمهور‏.‏
وهل يحمل عليها غيره‏؟‏ أجازه الجمهور أيضا على التفصيل المتقدم‏.‏
ونفل عياض الإجماع على أنه لا يؤجرها‏.‏
وقال الطحاوي في ‏"‏ اختلاف العلماء ‏"‏‏:‏ قال أصحابنا والشافعي إن احتلب منها شيئا تصدق به‏.‏
فإن أكله تصدق بثمنه، ويركب إذا احتاج فإن نقصه ذلك ضمن‏.‏
وقال مالك‏:‏ لا يشرب من لبنه فإن شرب لم يغرم‏.‏
ولا يركب إلا عند الحاجة فإن ركب لم يغرم‏.‏
وقال الثوري‏:‏ لا يركب إلا إذا اضطر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويلك‏)‏ قال القرطبي‏:‏ قالها له تأديبا لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه، وبهذا جزم ابن عبد البر وابن العربي وبالغ حتى قال‏:‏ الويل لمن راجع في ذلك بعد هذا قال‏:‏ ولولا أنه صلى الله عليه وسلم اشترط على ربه ما اشترط لهلك ذلك الرجل لا محالة‏.‏
قال القرطبي‏:‏ ويحتمل أن يكون فهم عنه أنه يترك ركوبها على عادة الجاهلية في السائبة وغيرها فزجره عن ذلك، فعلى الحالتين هي إنشاء‏.‏
ورجحه عياض وغيره قالوا‏:‏ والأمر هنا وإن قلنا إنه للإرشاد لكنه استحق الذم بتوقفه على امتثال الأمر‏.‏
والذي يظهر أنه ما ترك الامتثال عنادا، ويحتمل أن يكون ظن أنه يلزمه غرم بركوبها أو إثم وأن الإذن الصادر له بركوبها إنما هو للشفقة عليه فتوقف، فلما أغلظ إليه بادر إلى الامتثال‏.‏
وقيل لأنه كان أشرف على هلكة من الجهد‏.‏
وويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة، فالمعنى أشرفت على الهلكة فاركب، فعلى هذا هي إخبار وقيل هي كلمة تدعم بها العرب كلامها ولا تقصد معناها كقوله لا أم لك، ويقويه ما تقدم في بعض الروايات بلفظ ‏"‏ ويحك ‏"‏ بدل ويلك، قال الهروي‏:‏ ويل يقال لمن وقع في هلكة يستحقها، وويح لمن وقع في هلكة لا يستحقها‏.‏
وفي الحديث تكرير الفتوى، والندب إلى المبادرة إلى امتثال الأمر، وزجر من لم يبادر إلى ذلك وتوبيخه، وجواز مسايرة الكبار في السفر، وأن الكبير إذا رأى مصلحة للصغير لا يأنف عن إرشاده إليها، واستنبط منه المصنف جواز انتفاع الواقف بوقفه، وهو موافق للجمهور في الأوقاف العامة أما الخاصة فالوقف على النفس لا يصح عند الشافعية ومن وافقهم كما سيأتي بيانه في مكانه إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشُعْبَةُ قَالَا حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا قَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا قَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا ثَلَاثًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ في رواية علي بن الجعد عن شعبة عند الإسماعيلي ‏"‏ سمعت أنس بن مالك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال اركبها ثلاثا‏)‏ كذا في رواية أبي ذر مختصرا وفي رواية غيره قال ‏"‏ إنها بدنة، قال اركبها‏.‏
قال إنها بدنة، قال اركبها‏.‏
ثلاثا ‏"‏ وكذا أخرجه أبو مسلم الكجي في السنن عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه، ومن طريقه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج‏"‏‏.‏
وأخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن مسلم كذلك لكن قال في آخره ‏"‏ ويلك ‏"‏ بدل ‏"‏ ثلاثا ‏"‏ وللترمذي من طريق أبي عوانة عن قتادة ‏"‏ فقال له في الثالثة أو الرابعة‏:‏ اركبها ويحك أو ويلك ‏"‏ وللنسائي من طريق سعيد عن قتادة ‏"‏ قال في الرابعة‏:‏ اركبها ويلك‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب مَنْ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من ساق البدن معه‏)‏ أي من الحل إلى الحرم، قال المهلب‏:‏ أراد المصنف أن يعرف أن السنة في الهدي أن يساق من الحل إلى الحرم، فإن اشتراه من الحرم خرج به إذا حج إلى عرفة‏.‏
وهو قول مالك قال‏:‏ فإن لم يفعل فعليه البدل، وهو قول الليث‏.‏
وقال الجمهور‏:‏ إن وقف به بعرفة فحسن وإلا فلا بدل عليه‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ ليس بسنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ساق الهدي من الحل لأن مسكنه كان خارج الحرم‏.‏
وهذا كله في الإبل، فأما البقر فقد يضعف عن ذلك، والغنم أضعف، ومن ثم قال مالك‏:‏ لا يساق إلا من عرفة أو ما قرب منها لأنها تضعف عن قطع طول المسافة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِشَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَطَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعًا فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ النَّاسِ وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عقيل‏)‏ في رواية مسلم من طريق شعيب بن الليث عن أبيه ‏"‏ حدثني عقيل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج‏)‏ قال المهلب‏:‏ معناه أمر بذلك، لأنه كان ينكر على أنس قوله أنه قرن ويقول بل كان مفردا، وأما قوله ‏"‏ وبدأ فأهل بالعمرة ‏"‏ فمعناه أمرهم بالتمتع، وهو أن يهلوا بالعمرة أولا ويقدموها قبل الحج، قال‏:‏ ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر‏.‏
قلت‏.‏
لم يتعين هذا التأويل المتعسف، وقد قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أن حمل قوله ‏"‏ تمتع ‏"‏ على معنى أمر من أبعد التأويلات، والاستشهاد عليه بقوله رجم وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات، لأن الرجم من وظيفة الإمام، والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه، وأما أعمال الحج من إفراد وقران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه‏.‏
ثم أجاز تأويلا آخر وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لا سيما مع قوله ‏"‏ خذوا عني مناسككم ‏"‏ فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه عليه الصلاة والسلام تمتع فأطلق ذلك‏.‏
قلت‏:‏ ولم يتعين هذا أيضا، بل يحتمل أن يكون معنى قوله ‏"‏ تمتع ‏"‏ محمولا على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها وغيرها، بل قال النووي‏.‏
أن هذا هو المتعين‏.‏
قال‏:‏ وقوله ‏"‏ بالعمرة إلى الحج ‏"‏ أي بإدخال العمرة على الحج، وقد قدمنا في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ تقرير هذا التأويل، وإنما المشكل هنا قوله ‏"‏ بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج ‏"‏ لأن الجمع بين الأحاديث الكثيرة في هذا الباب استقر كما تقدم على أنه بدأ أولا بالحج ثم أدخل عليه العمرة، وهذا بالعكس‏.‏
وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال، أي لما أدخل العمرة على الحج لبى بهما فقال‏:‏ لبيك بعمرة وحجة معا‏.‏
وهذا مطابق لحديث أنس المتقدم، لكن قد أنكر ابن عمر ذلك على أنس، فيحتمل أن يحمل إنكار ابن عمر عليه كونه أطلق أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما أي في ابتداء الأمر، ويعين هذا التأويل قوله في نفس الحديث ‏"‏ وتمتع الناس إلخ ‏"‏ فإن الذين تمتعوا إنما بدؤوا بالحج لكن فسخوا حجهم إلى العمرة حتى حلوا بعد ذلك بمكة ثم حجوا من عامهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فساق معه الهدي من ذي الحليفة‏)‏ أي من الميقات، وفيه الندب إلى سوق الهدي من المواقيت ومن الأماكن البعيدة، وهي من السنن التي أغفلها كثير من الناس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإنه لا يحل من شيء‏)‏ تقدم بيانه في حديث حفصة في ‏"‏ باب التمتع والقران‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويقصر‏)‏ كذا لأبي ذر، وأما الأكثر فعندهم ‏"‏ وليقصر ‏"‏ وكذا في رواية مسلم، قال النووي‏:‏ معناه أنه يفعل الطواف والسعي والتقصير ويصير حلالا، وهذا دليل على أن الحلق أو التقصير نسك، وهو الصحيح، وقيل استباحة محظور‏.‏
قال‏:‏ وإنما أمره بالتقصير دون الحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وليحلل‏)‏ هو أمر معناه الخبر أي قد صار حلالا فله فعل كل ما كان محظورا عليه في الإحرام، ويحتمل أن يكون أمرا على الإباحة لفعل ما كان عليه حراما قبل الإحرام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم ليهل بالحج‏)‏ أي يحرم وقت خروجه إلى عرفة، ولهذا أتى بثم الدالة على التراخي، فلم يرد أن يهل بالحج عقب إهلاله من العمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وليهد‏)‏ أي هدي التمتع وهو واجب بشروطه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج‏)‏ أي لم يجد الهدي بذلك المكان، ويتحقق ذلك بأن يعدم الهدي أو يعدم ثمنه حينئذ أو يجد ثمنه لكن يحتاج إليه لأهم من ذلك أو يجده لكن يمتنع صاحبه من بيعه أو يمتنع من بيعه إلا بغلائه فينقل إلى الصوم كما هو نص القرآن، والمراد بقوله ‏"‏ في الحج ‏"‏ أي بعد الإحرام به‏.‏
وقال النووي‏:‏ هذا هو الأفضل، فإن صامها قبل الإهلال بالحج أجزأه على الصحيح، وأما قبل التحلل من العمرة فلا على الصحيح قاله مالك وجوزه الثوري وأصحاب الرأي، وعلى الأول فمن استحب صيام عرفة بعرفة قال‏:‏ يحرم يوم السابع ليصوم السابع والثامن والتاسع وإلا فيحرم يوم السادس ليفطر بعرفة، فإن فاته الصوم قضاه، وقيل يسقط ويستقر الهدي في ذمته وهو قول الحنفية‏.‏
وفي صوم أيام التشريق لهذا قولان للشافعية أظهرهما لا يجوز، قال النووي‏:‏ وأصحهما من حيث الدليل الجواز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم خب‏)‏ تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب استلام الحجر الأسود ‏"‏ وتقدم الكلام على السعي في بابه، وقوله ‏"‏ثم سلم فانصرف فأتى الصفا ‏"‏ ظاهره أنه لم يتخلل بينهما عمل آخر، لكن في حديث جابر الطويل في صفة الحج عند مسلم ‏"‏ ثم رجع إلى الحجر فاستلمه ثم خرج من باب الصفا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم حل من كل شيء حرم منه‏)‏ تقدم أن سبب عدم إحلاله كونه ساق الهدي، وإلا لكان يفسخ الحج إلى العمرة ويتحلل منها كما أمر به أصحابه‏.‏
واستدل به على أن التحلل لا يقع بمجرد طواف القدوم خلافا لابن عباس وهو واضح، وقد تقدم البحث فيه‏.‏
وقوله ‏"‏وفعل مثل ما فعل ‏"‏ إشارة إلى عدم خصوصيته بذلك، وفيه مشروعية طواف القدوم للقارن والرمل فيه إن عقبه بالسعي، وتسمية السعي طوافا، وطواف الإفاضة يوم النحر، واستدل به على أن الحلق ليس بركن، وليس بواضح لأنه لا يلزم من ترك ذكره في هذا الحديث أن لا يكون وقع بل هو داخل في عموم قوله ‏"‏ حتى قضى حجه‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع بين قوله ‏"‏ وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وبين قوله ‏"‏ من أهدى وساق الهدي من الناس ‏"‏ في رواية أبي الوقت لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ وقال ‏"‏ فيه عن عروة عن عائشة إلخ ‏"‏ وهو خطأ شنيع فإن قوله ‏"‏ من أهدى ‏"‏ فاعل قوله ‏"‏ وفعل ‏"‏ فالفصل بينهما بلفظ باب خطأ ويصير فاعل فعل محذوفا، وأغرب الكرماني فشرحه على أن فاعل فعل هو ابن عمر راوي الخبر، وأما أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ فساق الحديث بتمامه إلخ ثم أعاد هذا اللفظ بترجمة مستقلة، وساق حديث عائشة بالإسناد الذي قبله وقال في كل منهما ‏"‏ أخرجه البخاري عن يحيى بن بكير ‏"‏ وهذا غريب والأصوب ما رواه الأكثر، ووقع في رواية أبي الوليد الباجي عن أبي ذر بعد قوله ‏"‏ ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فاصلة صورتها ‏(‏‏.‏
‏)‏ وبعدها ‏"‏ من أهدى وساق الهدي من الناس ‏"‏ وعن عروة أن عائشة أخبرته‏.‏
قال أبو الوليد‏:‏ أمرنا أبو ذر أن نضرب على هذه الترجمة، يعني قوله ‏"‏ من أهدى وساق الهدي من الناس ‏"‏ انتهى‏.‏
وهو عجيب من أبي الوليد ومن شيخه، فإن قوله ‏"‏ من أهدى ‏"‏ هو صفة لقوله ‏"‏ وفعل ‏"‏ ولكنهما ظنا أنها ترجمة فحكما عليها بالوهم، وليس كذلك‏.‏
وكذا أخرجه مسلم من رواية شعيب فساق حديث ابن عمر إلى قوله ‏"‏ من الناس ‏"‏ ثم أعاد الإسناد بعينه إلى عائشة قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالحج إلى العمرة ‏"‏ وتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن عبد الله ‏"‏ وقد تعقب المهلب قول الزهري ‏"‏ بمثل الذي أخبرني سالم ‏"‏ فقال‏:‏ يعني مثله في الوهم لأن أحاديث عائشة كلها شاهدة بأنه حج مفردا‏.‏
قلت‏:‏ وليس وهما إذ لا مانع من الجمع بين الروايتين بمثل ما جمعنا به بين المختلف عن ابن عمر بأن يكون المراد بالإفراد في حديثها البداءة بالحج وبالتمتع بالعمرة إدخالها على الحج، وهو أولى من توهيم جبل من جبال الحفظ‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:10 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب مَنْ اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنْ الطَّرِيقِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من اشترى الهدي من الطريق‏)‏ أي سواء كان في الحل أو الحرم إذ سوقه معه من بلده ليس بشرط‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ أراد أن يبين أن مذهب ابن عمر في الهدي أنه ما أدخل من الحل إلى الحرم، لأن قديدا من الحل‏.‏
قلت‏:‏ لا يخفى أن الترجمة أعم من فعل ابن عمر فكيف تكون بيانا له‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِأَبِيهِ أَقِمْ فَإِنِّي لَا آمَنُهَا أَنْ سَتُصَدُّ عَنْ الْبَيْتِ قَالَ إِذًا أَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عَلَى نَفْسِي الْعُمْرَةَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الدَّارِ قَالَ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَقَالَ مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ ثُمَّ اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنْ قُدَيْدٍ ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا فَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإني لا آمنها‏)‏ بالمد وفتح الميم الخفيفة، وقد تقدم في ‏"‏ باب طواف القارن ‏"‏ بلفظ ‏"‏ لا آمن ‏"‏ والهاء هنا ضمير الفتنة أي لا آمن الفتنة أن تكون سببا في صدك عن البيت، وسيأتي بيان ذلك في ‏"‏ باب المحصر ‏"‏ مع بقية الكلام عليه‏.‏
وفي رواية المستملي والسرخسي هنا ‏"‏ لا أيمنها ‏"‏ وقد تقدم ضبطه وشرحه في ‏"‏ باب طواف القارن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن تصد‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ أن ستصد ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏فأهل بالعمرة‏)‏ زاد في رواية أبي ذر ‏"‏ من الدار ‏"‏ وكذا أخرجه أبو نعيم من رواية علي بن عبد العزيز عن أبي النعمان شيخ البخاري فيه، ويؤخذ منه جواز الإحرام من قبل الميقات، وللعلماء فيه اختلاف‏:‏ فنقل ابن المنذر الإجماع على الجواز، ثم قيل هو أفضل من الإحرام من الميقات، وقيل دونه، وقيل مثله، وقيل من كان له ميقات معين فهو في حقه أفضل وإلا فمن داره، وللشافعية في أرجحية الميقات عن الدار اختلاف‏.‏
وقال الرافعي يؤخذ من تعليلهم أن من أمن على نفسه كان أرجح في حقه وإلا فمن الميقات أفضل، وقد تقدم قول المصنف ‏"‏ وكره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان ‏"‏ في ‏"‏ باب قوله تعالى الحج أشهر معلومات‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم يحل حتى حل‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ حتى أحل ‏"‏ بزيادة ألف والحاء مفتوحة وهي لغة شهيرة يقال حل وأحل‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب مَنْ أَشْعَرَ وَقَلَّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ
وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا أَهْدَى مِنْ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يَطْعُنُ فِي شِقِّ سَنَامِهِ الْأَيْمَنِ بِالشَّفْرَةِ وَوَجْهُهَا قِبَلَ الْقِبْلَةِ بَارِكَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ غرضه أن يبين أن المستحب أن لا يشعر المحرم ولا يقلد إلا في ميقات بلده انتهى‏.‏
والذي يظهر أن غرضه الإشارة إلى رد قول مجاهد لا يشعر حتى يحرم أخرجه ابن أبي شيبة لقوله في الترجمة ‏"‏ من أشعر ثم أحرم ‏"‏ ووجه الدلالة لذلك من حديث المسور قوله ‏"‏ حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأحرم ‏"‏ فإن ظاهره البداءة بالتقليد، ومن حديث عائشة قوله ‏"‏ ثم قلدها وأشعرها وما حرم عليه شيء ‏"‏ فإنه يدل على أن تقدم الإحرام ليس شرطا في صحة التقليد والإشعار، وأبين من ذلك لتحصيل مقصود الترجمة ما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس قال ‏"‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في سنامها الأيمن وسلت الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج ‏"‏ وسيأتي الكلام على حديث المسور حيث ساقه المصنف مطولا في كتاب الشروط وعلى حديث عائشة بعد بابين‏.‏
قوله في صدر الباب ‏(‏وقال نافع كان ابن عمر إلخ‏)‏ وصله مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ قال ‏"‏ عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة على ساكنها الصلاة والسلام قلده بذي الحليفة يقلده قبل أن يشعره وذلك في مكان واحد وهو متوجه إلى القبلة يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم يدفع به فإذا قدم غداة النحر نحره‏.‏
وعن نافع عن ابن عمر كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره قال بسم الله والله أكبر ‏"‏ وأخرج البيهقي من طريق ابن وهب عن مالك وعبد الله بن عمر عن نافع ‏"‏ أن عبد الله بن عمر كان يشعر بدنه من الشق الأيسر إلا أن تكون صعابا، فإذا لم يستطع أن يدخل بينها أشعر من الشق الأيمن، وإذا أراد أن يشعرها وجهها إلى القبلة ‏"‏ وتبين بهذا أن ابن عمر كان يطعن في الأيمن تارة وفي الأيسر أخرى بحسب ما يتهيأ له ذلك، وإلى الإشعار في الجانب الأيمن ذهب الشافعي وصاحبا لأبي حنيفة وأحمد في رواية، وإلى الأيسر ذهب مالك وأحمد في رواية، ولم أر في حديث ابن عمر ما يدل على تقدم ذلك على إحرامه‏.‏
وذكر ابن عبد البر في ‏"‏ الاستذكار ‏"‏ عن مالك قال‏:‏ لا يشعر الهدي إلا عند الإهلال، يقلده ثم يشعره ثم يصلي ثم يحرم‏.‏
وفي هذا الحديث مشروعية الإشعار، وفائدته الإعلام بأنها صارت هديا ليتبعها من يحتاج إلى ذلك، وحتى لو اختلطت بغيرها تميزت، أو ضلت عرفت، أو عطبت عرفها المساكين بالعلامة فأكلوها مع ما في ذلك من تعظيم شعار الشرع وحث الغير عليه‏.‏
وأبعد من منع الإشعار، واعتل باحتمال أنه كان مشروعا قبل النهي عن المثلة، فإن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال، بل وقع الإشعار في حجة الوداع وذلك بعد النهي عن المثلة بزمان، وسيأتي نقل الخلاف في ذلك بعد باب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قَالَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏زمن الحديبية‏)‏ وقع عند الكشميهني ‏"‏ من المدينة‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب فَتْلِ الْقَلَائِدِ لِلْبُدْنِ وَالْبَقَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فتل القلائد للبدن والبقر‏)‏ أورد فيه حديث حفصة ‏"‏ ما شأن الناس حلوا ‏"‏ وحديث عائشة ‏"‏ كان يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه ‏"‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ ليس في الحديثين ذكر البقر إلا أنهما مطلقان، وقد صح أنه أهداهما جميعا، كذا قال، وكأنه أراد حديث عائشة ‏"‏ دخل علينا يوم النحر بلحم بقر ‏"‏ الحديث وسيأتي بعد أبواب، ولا دلالة فيه على أنه كان ساق البقر، وترجمة البخاري صحيحة لأنه إن كان المراد بالهدي في الحديث الإبل والبقر معا فلا كلام، وإن كان المراد الإبل خاصة فالبقر في معناها، وقد سبق الكلام على حديث حفصة مستوفى في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ ومناسبته للترجمة من جهة أن التقليد يستلزم تقدم الفتل عليه، ويوضح ذلك حديث عائشة المذكور معه، ويأتي الكلام عليه بعد باب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخذ بعض المتأخرين من اقتصار البخاري في هذه الترجمة على الإبل والبقر أنه موافق لمالك وأبي حنيفة في أن الغنم لا تقلد، وغفل هذا المتأخر عن أن البخاري أفرد ترجمة لتقليد الغنم بعد أبواب يسيرة كعادته في تفريق الأحكام في التراجم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب إِشْعَارِ الْبُدْنِ
وَقَالَ عُرْوَةُ عَنْ الْمِسْوَرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَلَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إشعار البدن‏)‏ ذكر فيه حديث عروة عن المسور معلقا، وقد تقدم موصولا قبل باب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا أَوْ قَلَّدْتُهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلٌّ
الشرح‏:‏
حديث عائشة ‏"‏ فتلت قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم أشعرها وقلدها ‏"‏ الحديث فيه مشروعية الإشعار، وهو أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل مم ثم يسلته فيكون ذلك علامة على كونها هديا، وبذلك قال الجمهور من السلف والخلف، وذكر الطحاوي في ‏"‏ اختلاف العلماء ‏"‏ كراهته عن أبي حنيفة، وذهب غيره إلى استحبابه للاتباع، حتى صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا‏:‏ هو حسن‏.‏
قال وقال مالك‏:‏ يختص الإشعار بمن لها سنام، قال الطحاوي‏:‏ ثبت عن عائشة وابن عباس التخيير في الإشعار وتركه، فدل على أنه ليس بنسك، لكنه غير مكروه لثبوت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وقال الخطابي وغيره‏:‏ اعتلال من كره الإشعار بأنه من المثلة مردود، بل هو باب آخر كالكي وشق أذن الحيوان ليصير علامة وغير ذلك من الوسم‏.‏
وكالختان والحجامة، وشفقة الإنسان على المال عادة فلا يخشى ما توهموه من سريان الجرح حتى يفضي إلى الهلاك، ولو كان ذلك هو الملحوظ لقيده الذي كرهه به كأنه يقول‏:‏ الإشعار الذي يفضي بالجرح إلى السراية حتى تهلك البدنة مكروه، فكان قريبا‏.‏
وقد كثر تشنيع المتقدمين على أبي حنيفة في إطلاقه كراهة الإشعار، وانتصر له الطحاوي في ‏"‏ المعاني ‏"‏ فقال‏:‏ لم يكره أبو حنيفة أصل الإشعار، وإنما كره ما يفعل على وجه يخاف منه هلاك البدن كسراية الجرح، ولا سيما مع الطعن بالشفرة، فأراد سد الباب عن العامة لأنهم لا يراعون الحد في ذلك، وأما من كان عارفا بالسنة في ذلك فلا‏.‏
وفي هذا تعقب على الخطابي حيث قال‏:‏ لا أعلم أحدا كره الإشعار إلا أبا حنيفة، وخالفه صاحباه فقالا بقول الجماعة انتهى‏.‏
وروي عن إبراهيم النخعي أيضا أنه كره الإشعار، ذكر ذلك الترمذي قال‏:‏ سمعت أبا السائب يقول كنا عند وكيع فقال له رجل‏:‏ روي عن إبراهيم النخعي أنه قال الإشعار مثلة، فقال له وكيع‏:‏ أقول لك أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول قال إبراهيم‏؟‏ ما أحقك بأن تحبس انتهى‏.‏

وفيه تعقب على ابن حزم في زعمه أنه ليس لأبي حنيفة في ذلك سلف‏.‏
وقد بالغ ابن حزم في هذا الموضع‏.‏
ويتعين الرجوع إلى ما قال الطحاوي فإنه أعلم من غيره بأقوال أصحابه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ اتفق من قال بالإشعار بإلحاق البقر في ذلك بالإبل، إلا سعيد بن جبير‏.‏
واتفقوا على أن الغنم لا تشعر لضعفها، ولكن صوفها أو شعرها يستر موضع الإشعار، وأما على ما نقل عن مالك فلكونها ليست ذات أسنمة‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب مَنْ قَلَّدَ الْقَلَائِدَ بِيَدِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قلد القلائد بيده‏)‏ أي الهدايا، وله حالان‏:‏ إما أن يسوق الهدي ويقصد النسك فإنما يقلدها ويشعرها عند إحرامه، وإما أن يسوقه ويقيم فيقلدها من مكانه وهو مقتضى حديث الباب، وسيأتي بيان ما يقلد به بعد باب والغرض بهذه الترجمة أنه كان عالما بابتداء التقليد ليترتب عليه ما بعده، قال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون قول عائشة ‏"‏ ثم قلدها بيده ‏"‏ بيانا لحفظها للأمر ومعرفتها به، محتمل أن تكون أرادت أنه صلى الله عليه وسلم تناول ذلك بنفسه وعلم وقت التقليد، ومع ذلك فلم يمتنع من شيء يمتنع منه المحرم لئلا يظن أحد أنه استباح ذلك قبل أن يعلم بتقليد الهدي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ قَالَتْ عَمْرَةُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم‏)‏ كذا للأكثر، وسقط ‏"‏ عمرو ‏"‏ من رواية أبي ذر‏.‏
وعمرة هي خالة عبد الله الراوي عنها، والإسناد كله مدنيون إلا شيخ البخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن زياد بن أبي سفيان‏)‏ كذا وقع في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ وكأن شيخ مالك حدث به كذلك في زمن بني أمية وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد ابن أبيه، وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد، وكانت أمه سمية مولاة الحارث بن كلدة الثقفي تحت عبيد المذكور فولدت زيادا على فراشه فكان ينسب إليه، فلما كان في خلافة معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادا ولده فاستلحقه معاوية لذلك وزوج ابنه ابنته وأمر زيادا على العراقين البصرة والكوفة جمعهما له ومات في خلافة معاوية سنه ثلاث وخمسين‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع عند مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك في هذا الحديث ‏"‏ أن ابن زياد ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ أن زياد بن أبي سفيان ‏"‏ وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه، قال النووي وجميع من تكلم على صحيح مسلم‏:‏ والصواب ما وقع في البخاري، وهو الموجود عند جميع رواة الموطأ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى ينحر هديه‏)‏ زاد مسلم في روايته ‏"‏ وقد بعثت بهديي فاكتبي إلي بأمرك ‏"‏ زاد الطحاوي من رواية ابن وهب عن مالك ‏"‏ أومري صاحب الهدي ‏"‏ أي الذي معه الهدي، أي بما يصنع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت عمرة‏)‏ هو بالسند المذكور‏.‏
وقد روى الحديث المرفوع عن عائشة القاسم وعروة كما مضى قريبا مختصرا، ورواه عنها أيضا مسروق، وسيأتي في آخر الباب الذي بعده مختصرا، وأورده في الضحايا مطولا وترجم هناك على حكم من أهدى وأقام هل يصير محرما أو لا‏؟‏ ولم يترجم به هناك، ولفظه هناك ‏"‏ عن مسروق أنه قال‏:‏ يا أم المؤمنين إن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر فيوصي أن تقلد بدنته فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل الناس ‏"‏ فذكر الحديث نحوه‏.‏
ولفظ الطحاوي في حديث مسروق ‏"‏ قال قلت لعائشة‏:‏ إن رجالا هاهنا يبعثون بالهدي إلى البيت ويأمرون الذي يبعثون معه بمعلم لهم يقلدها في ذلك اليوم، فلا يزالون محرمين حتى يحل الناس ‏"‏ الحديث وقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا محدث عن عائشة وقيل لها إن زيادا إذا بعث بالهدي أمسك عما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه، فقالت عائشة‏:‏ أو له كنبة يطوف بها‏"‏‏.‏
قال ‏"‏وحدثنا يعقوب حدثنا هشام عن أبيه بلغ عائشة أن زيادا بعث بالهدي وتجرد فقالت إن كنت لأفتل قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يبعث بها وهو مقيم عندنا ما يجتنب شيئا ‏"‏ وروى مالك في الموطأ ‏"‏ عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى رجلا متجردا بالعراق فسأل عنه فقالوا إنه أمر بهديه أن يقلد، قال ربيعة‏:‏ فلقيت عبد الله بن الزبير فذكرت له ذلك فقال‏:‏ بدعة ورب الكعبة ‏"‏ ورواه ابن أبي شيبة ‏"‏ عن الثقفي عن يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم أن ربيعة أخبره أنه رأى ابن عباس وهو أمير على البصرة في زمان علي متجردا على منبر البصرة ‏"‏ فذكره، فعرف بهذا اسم المبهم في رواية مالك‏.‏
قال ابن التين‏:‏ خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء، واحتجت عائشة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وما روته في ذلك يجب أن يصار إليه، ولعل ابن عباس رجع عنه انتهى‏.‏
وفيه قصور شديد فإن ابن عباس لم ينفرد بذلك بل ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب وابن المنذر من طريق ابن جريج كلاهما عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان إذا بعث بالهدي يمسك عما يمسك عنه المحرم إلا أنه لا يلبي ‏"‏ ومنهم قيس بن سعد بن عبادة أخرج سعيد بن منصور من طريق سعيد بن المسيب عنه نحو ذلك، وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن علي بن الحسين عن عمر وعلي أنهما قالا في الرجل يرسل ببدنته ‏"‏ أنه يمسك عما يمسك عنه المحرم ‏"‏ وهذا منقطع‏.‏
وقال ابن المنذر ‏"‏ قال عمر وعلي وقيس بن سعد وابن عمر وابن عباس والنخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون‏:‏ من أرسل الهدي وأقام حرم عليه ما يحرم على المحرم‏.‏
وقال ابن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وآخرون‏:‏ لا يصير بذلك محرما، وإلى ذلك صار فقهاء الأمصار، ومن حجة الأولين ما رواه الطحاوي وغيره من طريق عبد الملك بن جابر عن أبيه قال ‏"‏ كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال‏:‏ إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا، فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي ‏"‏ الحديث وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده، إلا أن نسبة ابن عباس إلى التفرد بذلك خطأ‏.‏
وقد ذهب سعيد بن المسيب إلى أنه لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم إلا الجماع ليلة جمع، رواه ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح‏.‏
نعم جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قال ابن عباس، ففي نسخة أبي اليمان عن شعيب عنه وأخرجه البيهقي من طريقه قال ‏"‏ أول من كشف العمى عن الناس وبين لهم السنة في ذلك عائشة ‏"‏ فذكر الحديث عن عروة وعمرة عنها قال ‏"‏ فلما بلغ الناس قول عائشة أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس ‏"‏ وذهب جماعة من فقهاء الفتوى إلى أن من أراد النسك صار بمجرد تقليده الهدي محرما حكاه ابن المنذر عن الثوري وأحمد وإسحاق، قال وقال أصحاب الرأي‏:‏ من ساق الهدي وأم البيت ثم قلد وجب عليه الإحرام‏.‏
قال وقال الجمهور‏:‏ لا يصير بتقليد الهدي محرما ولا يجب عليه شيء‏.‏
ونقل الخطابي عن أصحاب الرأي مثل قول ابن عباس وهو خطأ عليهم، فالطحاوي أعلم بهم منه‏.‏
ولعل الخطابي ظن التسوية بين المسألتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بيدي‏)‏ فيه رفع مجاز أن تكون أرادت أنها فتلت بأمرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مع أبي‏)‏ بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة، تريد بذلك أباها أبا بكر الصديق‏.‏
واستفيد من ذلك وقت البعث وأنه كان في سنة تسع عام حج أبو بكر بالناس‏.‏
قال ابن التين‏:‏ أرادت عائشة بذلك علمها بجميع القصة، ويحتمل أن تريد أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حج في العام الذي يليه حجة الوداع لئلا يظن ظان أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ، فأرادت إزالة هذا اللبس وأكملت ذلك بقولها ‏"‏ فلم يحرم عليه شيء كان له حلا حتى نحر الهدي ‏"‏ أي وانقضى أمره ولم يحرم، وترك إحرامه بعد ذلك أحرى وأولى، لأنه إذا انتفى في وقت الشبهة فلأن ينتفي عند انتفاء الشبهة أولى‏.‏
وحاصل اعتراض عائشة على ابن عباس أنه ذهب إلى ما أفتى به قياسا للتولية في أمر الهدي على المباشرة له، فبينت عائشة أن هذا القياس لا اعتبار له في مقابلة هذه السنة الظاهرة‏.‏
وفي الحديث من الفوائد تناول الكبير الشيء بنفسه وإن كان له من يكفيه إذا كان مما يهتم به، ولا سيما ما كان من إقامة الشرائع وأمور الديانة‏.‏
وفيه تعقب بعض العلماء على بعض، ورد الاجتهاد بالنص، وأن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم التأسي به حتى تثبت الخصوصية‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب تَقْلِيدِ الْغَنَمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب تقليد الغنم‏)‏ قال ابن المنذر‏:‏ أنكر مالك وأصحاب الرأي تقليدها‏.‏
زاد غيره‏:‏ وكأنهم لم يبلغهم الحديث، ولم نجد لهم حجة إلا قول بعضهم إنها تضعف عن التقليد، وهي حجة ضعيفة لأن المقصود من التقليد العلامة وقد اتفقوا على أنها لا تشعر لأنها تضعف عنه فتقلد بما لا يضعفها، والحنفية في الأصل يقولون‏:‏ ليست الغنم من الهدي، فالحديث حجة عليهم من جهة أخرى‏.‏
وقال ابن عبد البر‏.‏
احتج من لم ير بإهداء الغنم بأنه صلى الله عليه وسلم حج مرة واحدة ولم يهد فيها غنما انتهى‏.‏
وما أدري ما وجه الحجة منه، لأن حديث الباب دال على أنه أرسل بها وأقام، وكان ذلك قبل حجته قطعا، فلا تعارض بين الفعل والترك لأن مجرد الترك لا يدل على نسخ الجواز‏.‏
ثم من الذي صرح من الصحابة بأنه لم يكن في هداياه في حجته غنم حتى يسوغ الاحتجاج بذلك‏؟‏ ثم ساق ابن المنذر من طريق عطاء وعبيد الله بن أبي يزيد وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهم قالوا‏:‏ رأينا الغنم تقدم مقلدة‏.‏
ولابن أبي شيبة عن ابن عباس نحوه‏.‏
والمراد بذلك الرد على من ادعى الإجماع على ترك إهداء الغنم وتقليدها‏.‏
وأعل بعض المخالفين حديث الباب بأن الأسود تفرد عن عائشة بتقليد الغنم دون بقية الرواة عنها من أهل بيتها وغيرهم، قال المنذري وغيره‏:‏ وليست هذه بعلة لأنه حافظ ثقة لا يضره التفرد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد، وإنما أردف البخاري بطريقه طريق أبي نعيم مع أن طريق أبي نعيم عنده أعلى درجة لتصريح الأعمش بالتحديث عن إبراهيم في رواية عبد الواحد، مع أن في رواية عبد الواحد زيادة التقليد وزيادة إقامته في أهله حلالا‏.‏
ثم أردفه برواية منصور عن إبراهيم استظهارا لرواية عبد الواحد لما في حفظ عبد الواحد عندهم وإن كان هو عنده حجة، وأما إردافه برواية مسروق مع أنه لا تصريح فيها بكون القلائد للغنم فلأن لفظ الهدي أعم من أن يكون لغنم أو غيرها، فالغنم فرد من أفراد ما يهدى، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أهدى الإبل وأهدى البقر، فمن ادعى اختصاص الإبل بالتقليد فعليه البيان‏.‏
وعامر في طريق مسروق هو الشعبي، وزكريا الراوي عنه هو ابن أبي زائدة‏.‏
وقد ذكرت في الباب الذي قبله أنه أخرج طريق مسروق من وجه آخر عن الشعبي مطولا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب الْقَلَائِدِ مِنْ الْعِهْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القلائد من العهن‏)‏ بكسر المهملة وسكون الهاء أي الصوف، وقيل‏:‏ هو المصبوغ منه، وقيل‏:‏ هو الأحمر خاصة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ فَتَلْتُ قَلَائِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أم المؤمنين‏)‏ هي عائشة، بينه يحيى بن حكيم عن معاذ أخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وكذا وقعت تسميتها عند الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن عون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتلت قلائدها‏)‏ أي الهدايا‏.‏
وفي رواية يحيى المذكورة ‏"‏ أنا فتلت تلك القلائد ‏"‏ ولمسلم من وجه آخر عن ابن عون مثله وزاد ‏"‏ فأصبح فينا حلالا يأتي ما يأتي الحلال من أهله ‏"‏ وفيه رد على من كره القلائد من الأوبار واختار أن تكون من نبات الأرض، وهو منقول عن ربيعة ومالك‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ لعله أراد أنه الأولى، مع القول بجواز كونها من الصوف‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:13 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب تَقْلِيدِ النَّعْلِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب تقليد النعل‏)‏ يحتمل أن يريد الجنس، ويحتمل أن يريد الوحدة أي النعل الواحدة فيكون فيه إشارة إلى من اشترط نعلين وهو قول الثوري‏.‏
وقال غيره تجزئ الواحدة‏.‏
وقال آخرون‏:‏ لا تتعين النعل بل كل ما قام مقامها أجزأ حتى أذن الإداوة‏.‏
ثم قيل‏:‏ الحكمة في تقليد النعل أن فيه إشارة إلى السفر والحد فيه، فعلى هذا يتعين والله أعلم‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ الحكمة فيه أن العرب تعتد النعل مركوبة لكونها تقي عن صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق، وقد كنى بعض الشعراء عنها بالناقة، فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه لله تعالى حيوانا وغيره، كما خرج حين أحرم عن ملبوسه، ومن ثم استحب تقليد نعلين لا واحدة، وهذا هو الأصل في نذر المشي حافيا إلى مكة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً قَالَ ارْكَبْهَا قَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب، ولابن السكن ‏"‏ محمد بن سلام ‏"‏ ولأبي ذر ‏"‏ محمد هو ابن سلام ‏"‏ ورجح أبو علي الجياني أنه محمد بن المثنى لأن المصنف روى عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى حديثا غير هذا سيأتي قريبا، وأيده غيره بأن الإسماعيلي وأبا نعيم أخرجاه في مستخرجيهما من رواية محمد بن المثنى، وليس ذلك بلازم، والعمدة على ما قال ابن السكن فإنه حافظ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عكرمة‏)‏ هو مولى ابن عباس، وأما عكرمة بن عمار فهو تلميذ يحيى بن أبي كثير لا شيخه، وقد تقدم الكلام على حديث الباب قبل تسعة أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه محمد بن بشار إلخ‏)‏ المتابع بالفتح هنا هو معمر، والمتابع بالكسر ظاهر السياق أنه محمد بن بشار، وفي التحقيق هو علي ابن المبارك، وإنما احتاج معمر عنده إلى المتابعة لأن في رواية البصريين عنه مقالا لكونه حدثهم بالبصرة من حفظه وهذا من رواية البصريين، ولم تقع لي رواية محمد بن بشار موصولة، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن علي بن المبارك بمتابعة عثمان بن عمرو قال‏:‏ إن حسينا المعلم رواه عن يحيى بن أبي كثير أيضا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب الْجِلَالِ لِلْبُدْنِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَشُقُّ مِنْ الْجِلَالِ إِلَّا مَوْضِعَ السَّنَامِ وَإِذَا نَحَرَهَا نَزَعَ جِلَالَهَا مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجلال للبدن‏)‏ بكسر الجيم وتخفيف اللام جمع جل بضم الجيم وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر لا يشق من الجلال إلا موضع السنام فإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها‏)‏ هذا التعليق وصل بعضه مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن نافع ‏"‏ أن عبد الله بن عمر كان لا يشق جلال بدنه ‏"‏ وعن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يجلل بدنه القباطي والحلل ثم يبعث بها إلى الكعبة فيكسوها إياها ‏"‏ وعن مالك أنه سأل عبد الله بن دينار ‏"‏ ما كان ابن عمر يصنع بجلال بدنه حين كسيت الكعبة هذه الكسوة‏؟‏ قال‏:‏ كان يتصدق بها ‏"‏ وقال البيهقي بعد أن أخرجه من طريق يحيى بن بكير عن مالك زاد فيه غيره عن مالك ‏"‏ إلا موضع السنام ‏"‏ إلى آخر الأثر المذكور‏.‏
قال المهلب ليس التصدق بجلال البدن فرضا، وإنما صنع ذلك ابن عمر لأنه أراد أن لا يرجع في شيء أهل به له، ولا في شيء أضيف إليه ا هـ‏.‏
وفائدة شق الجل من موضع السنام ليظهر الإشعار لئلا يستتر ما تحتها‏.‏
وروى ابن المنذر من طريق أسامة بن زيد عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يجلل بدنه الأنماط والبرود والحبر حتى يخرج من المدينة، ثم ينزعها فيطويها حتى يكون يوم عرفة فيلبسها إياها حتى ينحرها، ثم يتصدق بها، قال نافع‏:‏ وربما دفعها إلى بني شيبة‏.‏
وأورد المصنف حديث علي في التصدق بجلال البدن مختصرا، وسيأتي الكلام عليه مستوفي بعد سبعة أبواب إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ما في هذه الأحاديث من استحباب التقليد والإشعار وغير ذلك يقتضي أن إظهار التقرب بالهدي أفضل من إخفائه، والمقرر أن إخفاء العمل الصالح غير الفرض أفضل من إظهاره، فأما أن يقال إن أفعال الحج مبنية على الظهور كالإحرام والطواف والوقوف فكان الإشعار والتقليد كذلك فيخص الحج من عموم الإخفاء، وإما أن يقال لا يلزم من التقليد والإشعار إظهار العمل الصالح لأن الذي يهديها يمكنه أن يبعثها مع من يقلدها ويشعرها ولا يقول إنها لفلان فتحصل سنة التقليد مع كتمان العمل، وأبعد من استدل بذلك على أن العمل إذا شرع فيه صار فرضا‏.‏

وإما أن يقال إن التقليد جعل علما لكونها هديا حتى لا يطمع صاحبها في الرجوع فيها‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب مَنْ اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنْ الطَّرِيقِ وَقَلَّدَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها‏)‏ تقدم قبل ثمانية أبواب ‏"‏ من اشترى الهدي من الطريق ‏"‏ وأورد فيه حديث ابن عمر هذا من وجه آخر، وإنما زادت هذه الترجمة التقليد، وقد تقدم القول فيه مستوفى في ‏"‏ باب من قلد القلائد بيده ‏"‏ وحديث ابن عمر يأتي الكلام عليه مستوفى في أبواب المحصر إن شاء الله تعالى‏.‏
لكن قوله في هذه الرواية ‏"‏ عام حجة الحرورية ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ حج الحرورية في عهد ابن الزبير ‏"‏ مغاير لقوله في ‏"‏ باب طواف القارن ‏"‏ من رواية الليث عن نافع ‏"‏ عام نزول الحجاج بابن الزبير لأن حجة الحرورية كانت في السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية سنة أربع وستين وذلك قبل أن يتسمى ابن الزبير بالخلافة، ونزول الحجاج بابن الزبير كان في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام ابن الزبير، فأما أن يحمل على أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية لجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحق، وإما أن يحمل على تعدد القصة‏.‏
وقد ظهر من رواية أيوب عن نافع أن القائل لابن عمر الكلام المذكور هو ولده عبيد الله كما تقدم في ‏"‏ باب من اشترى الهدي من الطريق ‏"‏ وسيأتي في أول الإحصار مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب ذَبْحِ الرَّجُلِ الْبَقَرَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِنَّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن‏)‏ أما التعبير بالذبح مع أن حديث الباب بلفظ النحر فإشارة إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الذبح، وسيأتي بعد سبعة أبواب من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، ونحر البقر جائز عند العلماء إلا أن الذبح مستحب عندهم لقوله تعالى ‏(‏إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة‏)‏ وخالف الحسن بن صالح فاستحب نحرها، وأما قوله ‏"‏ من غير أمرهن ‏"‏ فأخذه من استفهام عائشة عن اللحم لما دخل به عليها، ولو كان ذبحه بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام، لكن ليس ذلك دافعا للاحتمال، فيجوز أن يكون علمها بذلك تقدم بأن يكون استأذنهن في ذلك، لكن لما أدخل اللحم عليها احتمل عندها أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك فاستفهمت عنه لذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لَا نُرَى إِلَّا الْحَجَّ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالَ نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ قَالَ يَحْيَى فَذَكَرْتُهُ لِلْقَاسِمِ فَقَالَ أَتَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرة‏)‏ في رواية سليمان المذكورة حدثتني عمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا نرى‏)‏ بضم النون أي لا نظن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا الحج‏)‏ تقدم القول فيه في الكلام على ‏"‏ باب التمتع والإفراد والقران‏"‏‏.‏
وقوله ‏(‏فدخل علينا‏)‏ بضم الدال على البناء للمجهول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بلحم بقر‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ أخذ بظاهره جماعة فأجازوا الاشتراك في الهدي والأضحية، ولا حجة فيه لأنه يحتمل أن يكون عن كل واحدة بقرة وأما رواية يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة واحدة ‏"‏ فقد قال إسماعيل القاضي‏:‏ تفرد يونس بذلك، وقد خالفه غيره ا هـ‏.‏
ورواية يونس أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما، ويونس ثقة حافظ، وقد تابعه معمر عند النسائي أيضا ولفظه أصرح من لفظ يونس قال ‏"‏ ما ذبح عن آل محمد في حجه الوداع إلا بقرة ‏"‏ وروى النسائي أيضا من طريق يحيي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ‏"‏ ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن ‏"‏ صححه الحاكم، وهو شاهد قوي لرواية الزهري وأما ما رواه عمار الدهني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت ‏"‏ ذبح عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حججنا بقرة بقرة ‏"‏ أخرجه النسائي أيضا فهو شاذ خالف لما تقدم، وقد رواه المصنف في الأضاحي ومسلم أيضا من طريق ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ‏"‏ ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر ‏"‏ ولم يذكر ما زاده عمار الدهني، وأخرجه مسلم أيضا من طريق عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن لكن بلفظ ‏"‏ أهدى ‏"‏ بدل ‏"‏ ضحى ‏"‏ والظاهر أن التصرف من الرواة لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية، فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ ‏"‏ أهدى ‏"‏ وتبين أنه هدي التمتع فليس فيه حجة على مالك في قوله لا ضحايا على أهل منى، وتبين توجيه الاستدلال به على جواز الاشتراك في الهدي والأضحية والله أعلم‏.‏
واستدل به على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه، وتعقب باحتمال الاستئذان كما تقدم في الكلام على الترجمة، وفيه جواز الأكل من الهدي والأضحية، وسيأتي نقل الخلاف فيه بعد سبعة أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال يحيى‏)‏ هو ابن سعيد الأنصاري بالإسناد المذكور كله إليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكرته للقاسم‏)‏ يعني ابن محمد بن أبي بكر الصديق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال أتتك بالحديث على وجهه‏)‏ أي ساقته لك سياقا تاما لم تختصر منه شيئا، وكأنه يشير بذلك إلى روايته هو عن عائشة فإنها مختصرة كما قدمت الإشارة إليها في هذا الباب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النحر في منحر النبي صلى الله عليه وسلم بمنى‏)‏ قال ابن التين‏:‏ منحر النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد انتهى‏.‏
وكأنه أخذه من أثر أخرجه الفاكهي من طريق ابن جريج عن طاوس قال ‏"‏ كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى عن يسار المصلي‏"‏‏.‏
قال وقال غير طاوس من أشياخنا مثله وزاد ‏"‏ وأمر بنسائه أن ينزلن جنب الدار بمنى، وأمر الأنصار أن ينزلوا الشعب وراء الدار‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ والشعب هو عند الجمرة المذكورة‏.‏
قال ابن التين‏:‏ وللنحر فيه فضيلة على غيره لقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏هذا المنحر، وكل منى منحر ‏"‏ انتهى‏.‏
والحديث المذكور أخرجه مسلم من حديث جابر ولفظه ‏"‏ نحرت هاهنا‏"‏، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم ‏"‏ وهذا ظاهره أن نحره صلى الله عليه وسلم بذلك المكان وقع عن اتفاق، لا لشيء يتعلق بالنسك، ولكن ابن عمر كان شديد الاتباع‏.‏
وقد روى عمر بن شبة في كتابه من طريق ابن جريج عن عطاء قال ‏"‏ كان ابن عمر لا ينحر إلا بمنى ‏"‏ وحكى ابن بطال قول مالك في النحر بمنى للحاج والنحر بمكة للمعتمر، وأطال في تقرير ذلك وترجيحه، ولا خلاف في الجواز وإن اختلف في الأفضل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَنْحَرُ فِي الْمَنْحَرِ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ مَنْحَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق بن إبراهيم‏)‏ هو المعروف بابن راهويه، وكذلك أخرجه في مسنده‏.‏
وأخرجه من طريقه أبو نعيم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبيد الله‏)‏ أي ابن عمر بالإسناد المذكور، والمعنى أن مراد نافع بإطلاق المنحر منحر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وقد روى المصنف هذا الحديث في الأضاحي أوضح من هذا ولفظه ‏"‏ حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا خالد بن الحارث ‏"‏ فذكر الحديث قال ‏"‏ قال عبيد الله يعني منحر النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولهذا أردفه المصنف هنا بطريق موسى بن عقبة عن نافع المصرحة بإضافة المنحر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الخبر، وأفادت رواية موسى زيادة وقت بعث الهدي إلى المنحر وأنها من آخر الليل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ حَتَّى يُدْخَلَ بِهِ مَنْحَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمْ الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ
الشرح‏:‏
قوله ‏"‏مع حجاج ‏"‏ بضم المهملة جمع حاج، وقوله ‏"‏فيهم الحر والمملوك ‏"‏ معناه أنه لا يشترط بعث الهدي مع الأحرار دون الأرقاء، وسيأتي في الأضاحي من طريق كثير بن فرقد عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلي ‏"‏ وهذا محمول على الأضحية بالمدينة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب مَنْ نَحَرَ هَدْيَهُ بِيَدِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من نحر هديه بيده‏)‏ أورد فيه حديث أنس مختصرا وفيه ‏"‏ نحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن ‏"‏ وسيأتي بعد باب واحد بتمامه بالإسناد الذي ساقه هنا سواء، وليست هذه الترجمة وحديثها عند أكثر الرواة، بل ثبتت لأبي ذر عن المستملي وحده، وفي نسخة الصغاني بعد الترجمة ما نصه ‏"‏ حديث سهل بن بكار عن وهيب ‏"‏ فاكتفى بالإشارة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب نَحْرِ الْإِبِلِ مُقَيَّدَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب نحر الإبل مقيدة‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر، وهو مطابق لما ترجم له‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا قَالَ ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ أَخْبَرَنِي زِيَادٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يونس‏)‏ هو ابن عبيد، في رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن عبد الأعلى عن يزيد بن زريع ‏"‏ أخبرنا يونس ‏"‏ والإسناد سوى الصحابي كلهم بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن زياد بن جبير‏)‏ بجيم وموحدة مصغر بصري تابعي ثقة ليس له في الصحيحين سوى هذا الحديث وحديث آخر أخرجه المصنف في النذر بهذا الإسناد وأخرجه في الصوم بإسناد آخر إلى يونس بن عبيد، وقد سبق في أوائل الحج حديث غير هذا من طريق زيد بن جبير عن ابن عمر، وهو غير زياد بن جبير هذا وليس أخا له أيضا لأن زيدا طائي كوفي وزيادا ثقفي بصري لكنهما اشتركا في الثقة وفي الرواية عن ابن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أتى على رجل‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قد أناخ بدنته ينحرها‏)‏ زاد أحمد عن إسماعيل بن علية عن يونس ‏"‏ لينحرها بمنى‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ابعثها‏)‏ أي أثرها، يقال بعثت الناقة أثرتها‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏قياما‏)‏ أي عن قيام، وقياما مصدر بمعنى قائمة وهي حال مقدرة، أو قوله ‏"‏ ابعثها ‏"‏ أي أقمها، أو العامل محذوف تقديره انحرها‏.‏
وقد وقع في رواية عند الإسماعيلي ‏"‏ انحرها قائمة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مقيدة‏)‏ أي معقولة الرجل قائمة على ما بقي من قوائمها، ولأبي داود من حديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها ‏"‏ وقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير رأيت ابن عمر ينحر بدنته وهي معقولة إحدى يديها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سنة محمد‏)‏ بنصب سنة بعامل مضمر كالاختصاص، أو التقدير متبعا سنة محمد‏.‏
قلت‏:‏ ويجوز الرفع، ويدل عليه رواية الحربي في المناسك بلفظ ‏"‏ فقال له انحرها قائمة فإنها سنة محمد ‏"‏ وفي هذا الحديث استحباب نحر الإبل على الصفة المذكورة، وعن الحنفية يستوي نحرها قائمة وباركة في الفضيلة، وفيه تعليم الجاهل وعدم السكوت على مخالفة السنة وإن كان مباحا، وفيه أن قول الصحابي من السنة كـذا مرفوع عند الشيخين لاحتجاجهما بهذا الحديث في صحيحيهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال شعبة عن يونس أخبرني زياد‏)‏ هذا التعليق أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده قال ‏"‏ أخبرنا النضر بن شميل حدثنا شعبة عن يونس سمعت زياد بن جبير يقول‏:‏ انتهيت مع ابن عمر فإذا رجل قد أضجع بدنته وهو يريد أن ينحرها فقال قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقد نسب مغلطاي ومن تبعه تعليق شعبة المذكور لتخريج إبراهيم الحربي عن عمرو بن مرزوق عن شعبة، فراجعته فوجدته فيه عن يونس عن زياد بالعنعنة، وليس في ذلك وفاء بمقصود البخاري، فإنه أخرج طريق شعبة لبيان سماع يونس له من زياد، وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر غندر عن شعبة بالعنعنة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n155&p1#TOP)باب نَحْرِ الْبُدْنِ قَائِمَةً
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَوَافَّ قِيَامًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب نحر البدن قائمة‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ قياما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر سنة محمد‏)‏ يشير إلى حديثه في الباب الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس صواف قياما‏)‏ وهكذا ذكره سفيان بن عيينة في تفسيره عن عبيد الله ابن أبي يزيد عنه في تفسير قوله تعالى ‏(‏اذكروا اسم الله عليها صواف‏)‏ قال‏:‏ قياما، أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة، وأخرجه عبد بن حميد عن أبي نعيم عنه‏.‏
وقوله ‏"‏صواف ‏"‏ بالتشديد جمع صافة أي مصطفة في قيامها‏.‏
ووقع في ‏"‏ مستدرك الحاكم ‏"‏ من وجه آخر عن ابن عباس في قوله تعالى ‏"‏ صوافن ‏"‏ أي قياما على ثلاث قوائم معقولة، وهي قراءة ابن مسعود ‏"‏ صوافن ‏"‏ بكسر الفاء بعدها نون جمع صافنة وهي التي رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَبَاتَ بِهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَجَعَلَ يُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ فَلَمَّا عَلَا عَلَى الْبَيْدَاءِ لَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا وَضَحَّى بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سهل بن بكار‏)‏ الإسناد إلى آخره بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبات بها فلما أصبح‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فبات بها حتى أصبح‏"‏‏.‏
وقد تقدم الكلام عليه في أوائل الحج، والمراد منه هنا قوله ‏"‏ ونحر بيده سبع بدن قياما ‏"‏ كذا في رواية أبي ذر وفي رواية كريمة وغيرها سبعة بدن فقيل في توجيهها أراد أبعرة فلذا ألحق بها الهاء، والجمع بينه وبين ما قبله واضح، وسيأتي بيان ما نحره وعدده في حديث علي إن شاء الله تعالى قريبا، ويأتي الكلام على حديث التضحية بالكبشين في كتاب الأضاحي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ فَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن أيوب عن رجل عن أنس‏)‏ المراد به بيان اختلاف إسماعيل بن علية ووهيب على أيوب فيه، فساقه وهيب عنه بإسناد واحد وفصل إسماعيل بعضه فقال ‏"‏ عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس ‏"‏ وقال في بعضه ‏"‏ عن أيوب عن رجل عن أنس ‏"‏ قال الداودي‏:‏ لو كان كله عند أيوب عن أبي قلابة ما أبهمه‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون إسماعيل شك فيه أو نسيه، ووهيب ثقة فقد جزم بأن جميع الحديث عنه، وقد تقدم الكلام على شيء من هذا في ‏"‏ باب التسبيح والتحميد ‏"‏ في أوائل الحج‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ حكى ابن بطال عن المهلب أنه وقع عنده هنا ‏"‏ فلما أهل لنا بهما جميعا ‏"‏ قال ومعناه أمر من أهل بالقران لأنه هو كان مفردا، فمعنى ‏"‏ أهل لنا ‏"‏ أي أباح لنا الإهلال فكان ذلك أمرا وتعليما لهم كيف يهلون، وإلا فما معنى ‏"‏ لنا ‏"‏ في هذا الموضع‏؟‏ انتهى‏.‏
ولم أقف في شيء من الروايات التي اتصلت لنا في هذا الحديث ولا في غيره على ما ذكر‏.‏
وإنما الذي في أصولنا ‏"‏ فلما علا على البيداء لبى بهما جميعا ‏"‏ ولعله وقع في نسخته ‏"‏ فلما علا على البيداء أهل ‏"‏ وفي أخرى ‏"‏ لبى ‏"‏ فكتبت ‏"‏ لبى ‏"‏ بألف فصارت صورتها ‏"‏ لنا ‏"‏ بنون خفيفة وجمع بينها وبين الرواية الأخرى فصارت ‏"‏ أهل لنا ‏"‏ ولا وجود لذلك في شيء من الطرق‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:18 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n156&p1#TOP)باب الذَّبْحِ قَبْلَ الْحَلْقِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الذبح قبل الحلق‏)‏ أورد فيه حديث السؤال عن الحلق قبل الذبح، ووجه الاستدلال به لما ترجم له أن السؤال عن ذلك دال على أن السائل عرف أن الحكم على عكسه، وقد أورد حديث ابن عباس من طرق ثم حديث أبي موسى، فأما الطريق الأولى لحديث ابن عباس فمن طريق منصور بن زاذان عن عطاء عنه بلفظ ‏"‏ سئل عمن حلق قبل أن يذبح ونحوه ‏"‏ والثانية من طريق أبي بكر وهو ابن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن ابن عباس فذكر فيه الزيارة قبل الرمي والحلق قبل الذبح والذبح قبل الرمي وعرف به المراد بقوله في رواية منصور ‏"‏ ونحوه ‏"‏ والثالثة من رواية ابن خثيم عن عطاء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ لَا حَرَجَ قَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ لَا حَرَجَ قَالَ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ لَا حَرَجَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ الرَّازِيُّ عَنْ ابْنِ خُثَيْمٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنِي ابْنُ خُثَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَفَّانُ أُرَاهُ عَنْ وُهَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الرحيم بن سليمان عن ابن خثيم‏)‏ وهو عبد الله بن عثمان وهذه الرواية المعلقة وصلها الإسماعيلي من طريق الحسن بن حماد عنه ولفظه ‏"‏ أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله، طفت بالبيت قبل أن أرمي‏.‏
قال‏:‏ ارم ولا حرج ‏"‏ وصله الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من طريق سعيد بن محمد بن عمرو الأشعثي عن عبد الرحيم‏.‏
وقال‏:‏ تفرد به عبد الرحيم عن ابن خثيم‏.‏
كذا قال، والرواية التي تلي هذه ترد عليه‏.‏
وعرف بهذا أن مراد البخاري أصل الحديث لا خصوص ما ترجم به من الذبح قبل الحلق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال القاسم بن يحيى حدثني ابن خثيم‏)‏ لم أقف على طريقه موصولة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عفان أراه عن وهيب حدثنا ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس‏)‏ القائل ‏"‏ أراه ‏"‏ هو البخاري، فقد أخرجه أحمد عن عفان بدونها ولفظه ‏"‏ جاء رجل فقال‏:‏ يا رسول الله، حلقت ولم أنحر‏.‏
قال‏:‏ لا حرج فانحر‏.‏
وجاءه آخر فقال‏:‏ يا رسول الله، نحرت قبل أن أرمي‏.‏
قال‏:‏ فارم ولا حرج ‏"‏ وزعم خلف أن البخاري قال فيه ‏"‏ حدثنا عفان ‏"‏ والمراد بهذا التعليق بيان الاختلاف فيه على ابن خثيم هل شيخه فيه عطاء أو سعيد بن جبير، كما اختلف فيه على عطاء هل شيخه فيه ابن عباس أو جابر، فالذي يتبين من صنيع البخاري ترجيح كونه عن ابن عباس ثم كونه عن عطاء وأن الذي يخالف ذلك شاذ، وإنما قصد بإيراده بيان الاختلاف‏.‏
وفي رواية عفان هذه الدلالة على تعدد السائلين عن الأحكام المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال حماد‏)‏ يعني ابن سلمة إلخ‏.‏
هذه الطريق وصلها النسائي والطحاوي والإسماعيلي وابن حبان من طرق عن حماد بن سلمة به نحو سياق عبد العزيز بن رفيع، والطريق الرابعة من طريق عكرمة عن ابن عباس‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ فَقَالَ لَا حَرَجَ قَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ قَالَ لَا حَرَجَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عبد الأعلى‏)‏ هو ابن عبد الأعلى وخالد هو الحذاء، وكأن البخاري استظهر به لما وقع في طريق عطاء من الاختلاف، فأراد أن يبين أن لحديث ابن عباس أصلا آخر‏.‏
وفي طريق عكرمة هذه زيادة حكم الرمي بعد المساء فإن فيه إشعارا بأن الأصل في الرمي أن يكون نهارا، وسيأتي الكلام على حكم هذه المسألة بعد أربعة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ أَحَجَجْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِمَا أَهْلَلْتَ قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحْسَنْتَ انْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرْتُهُ لَهُ فَقَالَ إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ
الشرح‏:‏
حديث أبي موسى تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ ومطابقته للترجمة من قول عمر فيه ‏"‏ لم يحل حتى بلغ الهدي محله ‏"‏ لأن بلوغ الهدي محله يدل على ذبح الهدي فلو تقدم الحلق عليه لصار متحللا قبل بلوغ الهدي محله، وهذا هو الأصل، وهو تقديم الذبح على الحلق، وأما تأخيره فهو رخصة كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ففلت‏)‏ بفاء التعقيب بعدها فاء ثم لام خفيفة مفتوحتين ثم مثناة أي تتبعت القمل منه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n156&p1#TOP)باب مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَحَلَقَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق‏)‏ أي بعد ذلك عند الإحلال، قيل أشار بهذه الترجمة إلى الخلاف فيمن لبد هل يتعين عليه الحلق أو لا‏؟‏ فنقل ابن بطال عن الجمهور تعين ذلك حتى عن الشافعي‏.‏
وقال أهل الرأي لا يتعين بل إن شاء قصر ا هـ، وهذا قول الشافعي في الجديد وليس للأول دليل صريح، وأعلى ما فيه ما سيأتي في اللباس عن عمر ‏"‏ من ضفر رأسه فليحلق ‏"‏ وأورد المصنف في هذا الباب حديث حفصة وفيه ‏"‏ أني لبدت رأسي ‏"‏ وليس فيه تعرض للحلق إلا أنه معلوم من حاله صلى الله عليه وسلم أنه حلق رأسه في حجه‏.‏
وقد ورد ذلك صريحا في حديث ابن عمر كما في أول الباب الذي بعده، وأردفه ابن بطال بحديث حفصة فجعله من هذا الباب لمناسبته للترجمة، وقد قلت غير مرة إنه لا يلزمه أن يأتي بجميع ما اشتمل عليه الحديث في الترجمة بل إذا وجدت واحدة كفت، وقد تقدم الكلام على حديث حفصة في ‏"‏ باب التمتع والقران‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n156&p1#TOP)باب الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الْإِحْلَالِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الحلق والتقصير عند الإحلال‏)‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أفهم البخاري بهذه الترجمة أن الحلق نسك لقوله ‏"‏ عند الإحلال ‏"‏ وما يصنع عند الإحلال وليس هو نفس التحلل وكأنه استدل على ذلك بدعائه صلى الله عليه وسلم لفاعله والدعاء يشعر بالثواب والثواب لا يكون إلا على العبادة لا على المباحات، وكذلك تفضيله الحلق على التقصير يشعر بذلك لأن المباحات لا تتفاضل، والقول بأن الحلق نسك قول الجمهور إلا رواية مضعفة عن الشافعي أنه استباحة محظور، وقد أوهم كلام ابن المنذر أن الشافعي تفرد بها، لكن حكيت أيضا عن عطاء وعن أبي يوسف وهي رواية عن أحمد وعن بعض المالكية، وسيأتي ما فيه بعد بابين‏.‏
ثم ذكر المصنف في الباب لابن عمر ثلاثة أحاديث ولأبي هريرة حديثا ولابن عباس حديثا‏.‏
فالحديث الأول لابن عمر من طريق شعيب بن أبي حمزة قال‏:‏ قال نافع ‏"‏ كان ابن عمر يقول‏:‏ حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته ‏"‏ وهذا طرف من حديث طويل أوله ‏"‏ لما نزل الحجاج بابن الزبير ‏"‏ الحديث، نبه على ذلك الإسماعيلي‏.‏
والحديث الثاني لابن عمر في الدعاء للمحلقين وسيأتي بسطه‏.‏
والحديث الثالث لابن عمر من طريق جويرية بن أسماء عن نافع أن عبد الله وهو ابن عمر قال ‏"‏ حلق النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم ‏"‏ وكأن البخاري لم يقع له على شرطه التصريح بمحل الدعاء للمحلقين فاستنبط من الحديث الأول والثالث أن ذلك كان في حجة الوداع، لأن الأول صرح بأن حلاقه وقع في حجته، والثالث لم يصرح بذلك إلا أنه بين فيه أن بعض الصحابة حلق وبعضهم قصر، وقد أخرجه في المغازي من طريق موسى بن عقبة عن نافع بلفظ ‏"‏ حلق في حجة الوداع وأناس من أصحابه وقصر بعضهم‏.‏
وأخرج مسلم من طريق الليث بن سعد عن نافع مثل حديث جويرية سواء وزاد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ يرحم الله المحلقين ‏"‏ فأشعر ذلك بأن ذلك وقع في حجة الوداع، وسنذكر البحث فيه مع ابن عبد البر هنا إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أفاد ابن خزيمة في صحيحه من الوجه الذي أخرجه البخاري منه في المغازي من طريق موسى بن عقبة عن نافع متصلا بالمتن المذكور قال ‏"‏ وزعموا أن الذي حلقه معمر بن عبد الله بن نضلة ‏"‏ وبين أبو مسعود في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ أن قائل ‏"‏ وزعموا ‏"‏ ابن جريج الراوي له عن موسى بن عقبة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي نَافِعٌ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قَالَ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالوا والمقصرين يا رسول الله‏)‏ لم أقف في شيء من الطرق على الذي تولى السؤال في ذلك بعد البحث الشديد، والواو في قوله ‏"‏ والمقصرين ‏"‏ معطوفة على شيء محذوف تقديره قل والمقصرين أو قل وارحم المقصرين، وهو يسمى العطف التلقيني‏.‏
وفي قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏والمقصرين ‏"‏ إعطاء المعطوف حكم المعطوف عليه ولو تخلل بينهما السكوت لغير عذر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال والمقصرين‏)‏ كذا في معظم الروايات عن مالك إعادة ذلك الدعاء للمحلقين مرتين، وعطف المقصرين عليهم في المرة الثالثة، وانفرد يحيى بن بكير دون رواة ‏"‏ الموطأ ‏"‏ بإعادة ذلك ثلاث مرات نبه عليه ابن عبد البر في ‏"‏ التقصي ‏"‏ وأغفله في ‏"‏ التمهيد ‏"‏ بل قال فيه‏:‏ أنهم لم يختلفوا على مالك في ذلك‏.‏
وقد راجعت أصل سماعي من موطأ يحيى بن بكير فوجدته كما قال في ‏"‏ التقصي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث‏)‏ وصله مسلم ولفظه ‏"‏ رحم الله المحلقين مرة أو مرتين، قالوا‏:‏ والمقصرين، قال‏:‏ والمقصرين ‏"‏ والشك فيه من الليث وإلا فأكثرهم موافق لما رواه مالك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبيد الله‏)‏ بالتصغير وهو العمري، وروايته وصلها مسلم من رواية عبد الوهاب الثقفي عنه باللفظ الذي علقه البخاري، وأخرجه أيضا عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه عنه بلفظ ‏"‏ رحم الله المحلقين قالوا‏:‏ والمقصرين ‏"‏ فذكر مثل رواية مالك سواء وزاد ‏"‏ قال رحم الله المحلقين‏.‏
قالوا‏:‏ والمقصرين يا رسول الله، قال‏:‏ والمقصرين ‏"‏ وبيان أن كونها في الرابعة أن قوله والمقصرين معطوف على مقدر تقديره يرحم الله المحلقين، وإنما قال ذلك بعد أن دعا للمحلقين ثلاث مرات صريحا فيكون دعاؤه للمقصرين في الرابعة‏.‏
وقد رواه أبو عوانة في مستخرجه من طريق الثوري عن عبيد الله بلفظ ‏"‏ قال في الثالثة والمقصرين ‏"‏ والجمع بينهما واضح بأن من قال في الرابعة فعلى ما شرحناه، ومن قال في الثالثة أراد أن قوله ‏"‏ والمقصرين ‏"‏ معطوف على الدعوة الثالثة، أو أراد بالثالثة مسألة السائلين في ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث كما ثبت، ولو لم يدع لهم بعد ثالث مسألة ما سألوه ذلك‏.‏
أخرجه أحمد من طريق أيوب عن نافع بلفظ ‏"‏ اللهم اغفر للمحلقين‏.‏
قالوا‏:‏ وللمقصرين - حتى قالها ثلاثا أو أربعا - ثم قال‏:‏ والمقصرين ‏"‏ ورواية من جزم مقدمة على رواية من شك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَهَا ثَلَاثًا قَالَ وَلِلْمُقَصِّرِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عياش بن الوليد‏)‏ هو الرقام بالتحتانية والمعجمة، ووقع في رواية ابن السكن بالموحدة والمهملة‏.‏
وقال أبو علي الجياني‏:‏ الأول أرجح بل هو الصواب، وكان القابسي يشك عن أبي زيد فيه فيهمل ضبطه فيقول‏:‏ عباس أو عياش‏.‏
قلت‏:‏ لم يخرج البخاري للعباس - بالموحدة والمهملة - ابن الوليد إلا ثلاثة أحاديث نسبه في كل منهما ‏"‏ النرسي ‏"‏ أحدها في علامات النبوة والآخر في المغازي والثالث في الفتن ذكره معلقا قال ‏"‏ وقال عباس النرسي‏"‏، وأما الذي بالتحتانية والمعجمة فأكثر عنه وفي الغالب لا ينسبه والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالها ثلاثا‏)‏ أي قوله ‏"‏ اللهم اغفر للمحلقين ‏"‏ وهذه الرواية شاهدة لأن عبيد الله العمري حفظ الزيادة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم أر في حديث أبي هريرة من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير عنه إلا من رواية محمد بن فضيل هذه بهذا الإسناد في جميع ما وقفت عليه من السنن والمسانيد، فهي من أفراده عن عمارة ومن أفراد عمارة عن أبي زرعة، وتابع أبا زرعة عليه عبد الرحمن بن يعقوب أخرجه مسلم من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ولم يسق لفظه، وساقه أبو عوانة، ورواية أبي زرعة أتم‏.‏
واختلف المتكلمون على هذا الحديث في الوقت الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال ابن عبد البر‏:‏ لم يذكر أحد من رواة نافع عن ابن عمر أن ذلك كان يوم الحديبية، وهو تقصير وحذف، وإنما جرى ذلك يوم الحديبية حين صد عن البيت، وهذا محفوظ مشهور من حديث ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وحبشي بن جنادة وغيرهم‏.‏
ثم أخرج حديث أبي سعيد بلفظ ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لأهل الحديبية للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة ‏"‏ وحديث ابن عباس بلفظ ‏"‏ حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ رحم الله المحلقين ‏"‏ الحديث، وحديث أبي هريرة من طريق محمد بن فضيل الماضي ولم يسق لفظه بل قال ‏"‏ فذكر معناه ‏"‏ وتجوز في ذلك فإنه ليس في رواية أبي هريرة تعيين الموضع ولم يقع في شيء من طرقه التصريح بسماعه لذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، ولو وقع لقطعنا بأنه كان في حجة الوداع لأنه شهدها ولم يشهد الحديبية، ولم يسق ابن عبد البر عن ابن عمر في هذا شيئا، ولم أقف على تعيين الحديبية في شيء من الطرق عنه، وقد قدمت في صدر الباب أنه مخرج من مجموع الأحاديث عنه أن ذلك كان في حجة الوداع كما يومئ إليه صنيع البخاري، وحديث أبي سعيد الذي أخرجه ابن عبد البر أخرجه أيضا الطحاوي من طريق الأوزاعي وأحمد وابن أبي شيبة، وأبو داود الطيالسي من طريق هشام الدستوائي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم الأنصاري عن أبي سعيد، وزاد فيه أبو داود أن الصحابة حلقوا يوم الحديبية إلا عثمان وأبا قتادة، وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجة من طريق ابن إسحاق ‏"‏ حدثني ابن أبي نجيح عن مجاهد عنه ‏"‏ وهو عند ابن إسحاق في المغازي بهذا الإسناد وأن ذلك كان بالحديبية، وكذلك أخرجه أحمد وغيره من طريقه، وأما حديث حبشي بن جنادة فأخرجه ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق عنه ولم يعين المكان، وأخرجه أحمد من هذا الوجه وزاد في سياقه ‏"‏ عن حبشي وكان ممن شهد حجة الوداع ‏"‏ فذكر هذا الحديث، وهذا يشعر بأنه كان في حجة الوداع‏.‏
وأما قول ابن عبد البر ‏"‏ فوهم ‏"‏ فقد ورد تعيين الحديبية من حديث جابر عند أبي قرة في ‏"‏ السنن ‏"‏ ومن طريق الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ ومن حديث المسور بن مخرمة عند ابن إسحاق في ‏"‏ المغازي ‏"‏ وورد تعيين حجة الوداع من حديث أبي مريم السلولي عند أحمد وابن أبي شيبة، ومن حديث أم الحصين عند مسلم، ومن حديث قارب بن الأسود الثقفي عند أحمد وابن أبي شيبة، ومن حديث أم عمارة عند الحارث، فالأحاديث التي فيها تعيين حجة الوداع أكثر عددا وأصح إسنادا ولهذا قال النووي عقب أحاديث ابن عمر وأبي هريرة وأم الحصين‏:‏ هذه الأحاديث تدل على أن هذه الواقعة كانت في حجة الوداع، قال‏:‏ وهو الصحيح المشهور‏.‏
وقيل‏:‏ كان في الحديبية، وجزم بأن ذلك كان في الحديبية إمام الحرمين في ‏"‏ النهاية ‏"‏ ثم قال النووي‏:‏ لا يبعد أن يكون وقع في الموضعين انتهى‏.‏
وقال عياض‏:‏ كان في الموضعين‏.‏
ولذا قال ابن دقيق العيد أنه الأقرب‏.‏
قلت‏:‏ بل هو المتعين لتظاهر الروايات بذلك في الموضعين كما قدمناه، إلا أن السبب في الموضعين مختلف، فالذي في الحديبية كان بسبب توقف من توقف من الصحابة عن الإحلال لما دخل عليهم من الحزن لكونهم منعوا من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم وصالح قريشا على أن يرجع من العام المقبل، والقصة مشهورة كما ستأتي في مكانها‏.‏
فلما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإحلال توقفوا، فأشارت أم سلمة أن يحل هو صلى الله عليه وسلم قبلهم ففعل، فتبعوه فحلق بعضهم وقصر بعض، وكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى امتثال الأمر ممن اقتصر على التقصير‏.‏
وقد وقع التصريح بهذا السبب في حديث ابن عباس المشار إليه قبل فإن في آخره عند ابن ماجة وغيره أنهم ‏"‏ قالوا يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالرحمة‏؟‏ قال‏:‏ لأنهم لم يشكوا‏"‏‏.‏
وأما السبب في تكرير الدعاء للمحلقين في حجة الوداع فقال ابن الأثير في ‏"‏ النهاية ‏"‏‏:‏ كان أكثر من حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسق الهدي، فلما أمرهم أن يفسخوا الحج إلى العمرة ثم يتحللوا منها ويحلقوا رؤوسهم شق عليهم، ثم لما لم يكن لهم بد من الطاعة كان التقصير في أنفسهم أخف من الحلق ففعله أكثرهم، فرجح النبي صلى الله عليه وسلم فعل من حلق لكونه أبين في امتثال الأمر انتهى‏.‏
وفيما قاله نظر وإن تابعه عليه غير واحد، لأن المتمتع يستحب في حقه أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج إذا كان ما بين النسكين متقاربا، وقد كان ذلك في حقهم كذلك‏.‏
والأولى ما قاله الخطابي وغيره‏:‏ إن عادة العرب أنها كانت تحب توفير الشعر والتزين به، وكان الحلق فيهم قليلا وربما كانوا يرونه من الشهرة ومن زي الأعاجم، فلذلك كرهوا الحلق واقتصروا على التقصير‏.‏
وفي حديث الباب من الفوائد أن التقصير يجزئ عن الحلق، وهو مجمع عليه إلا ما روي عن الحسن البصري أن الحلق يتعين في أول حجة، حكاه ابن المنذر بصيغة التمريض، وقد ثبت عن الحسن خلافه‏.‏
قال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا عبد الأعلى عن هشام عن الحسن في الذي لم يحج قط، فإن شاء حلق وإن شاء قصر‏.‏
نعم روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال‏:‏ إذا حج الرجل أول حجة حلق، فإن حج أخرى فإن شاء حلق وإن شاء قصر‏.‏
ثم روي عنه أنه قال‏:‏ كانوا يحبون أن يحلقوا في أول حجة وأول عمرة انتهى‏.‏
وهذا يدل على أن ذلك للاستحباب لا للزوم‏.‏
نعم عند المالكية والحنابلة أن محل تعيين الحلق والتقصير أن لا يكون المحرم لبد شعره أو ضفره أو عقصه، وهو قول الثوري والشافعي في القديم والجمهور‏.‏
وقال في الجديد وفاقا للحنفية‏:‏ لا يتعين إلا إن نذره أو كان شعره خفيفا لا يمكن تقصيره أو لم يكن له شعر فيمر الموسى على رأسه‏.‏
وأغرب الخطابي فاستدل بهذا الحديث لتعين الحلق لمن لبد، ولا حجة فيه، وفيه أن الحلق أفضل من التقصير، ووجهه أنه أبلغ في العبادة وأبين للخضوع والذلة وأدل على صدق النية، والذي يقصر يبقى على نفسه شيئا مما يتزين به، بخلاف الحالق فإنه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى‏.‏
وفيه إشارة إلى التجرد، ومن ثم استحب الصلحاء إلقاء الشعور عند التوبة والله أعلم‏.‏
وأما قول النووي تبعا لغيره في تعليل ذلك بأن المقصر يبقى على نفسه الشعر الذي هو زينة والحاج مأمور بترك الزينة بل هو أشعث أغبر ففيه نظر، لأن الحلق إنما يقع بعد انقضاء زمن الأمر بالتقشف فإنه يحل له عقبة كل شيء إلا النساء في الحج خاصة‏.‏
واستدل بقوله ‏"‏ المحلقين ‏"‏ على مشروعية حلق جميع الرأس لأنه الذي تقتضيه الصيغة‏.‏
وقال بوجوب حلق جميعه مالك وأحمد واستحبه الكوفيون والشافعي، ويجزئ البعض عندهم، واختلفوا فيه فعن الحنفية الربع، إلا أبا يوسف فقال النصف‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات، وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة، والتقصير كالحلق فالأفضل أن يقصر من جميع شعر رأسه، ويستحب أن لا ينقص عن قدر الأنملة، وإن اقتصر على دونها أجزأ، هذا للشافعية وهو مرتب عند غيرهم على الحلق، وهذا كله في حق الرجال وأما النساء فالمشروع في حقهن التقصير بالإجماع، وفيه حديث لابن عباس عند أبي داود ولفظه ‏"‏ ليس على النساء حلق، وإنما على النساء التقصير ‏"‏ وللترمذي من حديث علي ‏"‏ نهى أن تحلق المرأة رأسها ‏"‏ وقال جمهور الشافعية‏:‏ لو حلقت أجزأها ويكره‏.‏
وقال القاضيان أبو الطيب وحسين‏:‏ لا يجوز، والله أعلم‏.‏
وفي الحديث أيضا مشروعية الدعاء لمن فعل ما شرع له، وتكرار الدعاء لمن فعل الراجح من الأمرين المخير فيهما والتنبيه بالتكرار على الرجحان وطلب الدعاء لمن فعل الجائز وإن كان مرجوحا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الحسن بن مسلم‏)‏ في رواية يحيى بن سعيد عن ابن جريج ‏"‏ حدثني الحسن بن مسلم ‏"‏ أخرجه مسلم، والإسناد سوى أبي عاصم مكيون، وفيه رواية صحابي عن صحابي‏.‏
ومعاوية هو ابن أبي سفيان الخليفة المشهور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن معاوية‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ أن معاوية بن أبي سفيان أخبره‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قصرت‏)‏ أي أخذت من شعر رأسه، وهو يشعر بأن ذلك كان في نسك، إما في حج أو عمرة، وقد ثبت أنه حلق في حجته فتعين أن يكون في عمرة، ولا سيما وقد روى مسلم في هذا الحديث أن ذلك كان بالمروة ولفظه ‏"‏ قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة ‏"‏ أو ‏"‏ رأيته يقصر عنه بمشقص وهو على المروة ‏"‏ وهذا يحتمل أن يكون في عمرة القضية أو الجعرانة، لكن وقع عند مسلم من طريق أخرى عن طاوس بلفظ ‏"‏ أما علمت أني قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة‏؟‏ فقلت له لا أعلم هذه إلا حجة عليك ‏"‏ وبين المراد من ذلك في رواية النسائي فقال بدل قوله‏:‏ ‏"‏ فقلت له لا إلخ ‏"‏ يقول ابن عباس ‏"‏ وهذه على معاوية أن ينهى الناس عن المتعة وقد تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولأحمد من وجه آخر عن طاوس عن ابن عباس قال ‏"‏ تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ‏"‏ الحديث وقال ‏"‏ وأول من نهى عنها معاوية‏.‏
قال ابن عباس‏:‏ فعجبت منه، وقد حدثني أنه قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص ‏"‏ انتهى‏.‏
وهذا يدل على أن ابن عباس حمل ذلك على وقوعه في حجة الوداع لقوله لمعاوية ‏"‏ أن هذه حجة عليك ‏"‏ إذ لو كان في العمرة لما كان فيه على معاوية حجة‏.‏
وأصرح منه ما وقع عند أحمد من طريق قيس بن سعد عن عطاء ‏"‏ أن معاوية حدث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو محرم ‏"‏ وفي كونه في حجة الوداع نظر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله فكيف يقصر عنه على المروة‏.‏
وقد بالغ النووي هنا في الرد على من زعم أن ذلك كان في حجة الوداع فقال‏:‏ هذا الحديث محمول على أن معاوية قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنا وثبت أنه حلق بمنى وفرق أبو طلحة شعره بين الناس، فلا يصح حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعا لأن هذا غلط فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له ‏"‏ ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك‏؟‏ فقال‏:‏ إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ ولم يذكر الشيخ هنا ما مر في عمرة القضية، والذي رجحه من كون معاوية إنما أسلم يوم الفتح صحيح من حيث السند، لكن يمكن الجمع بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح‏.‏
وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق من ترجمة معاوية تصريح معاوية بأنه أسلم بين الحديبية والقضية وأنه كان يخفي إسلامه خوفا من أبويه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل في عمرة القضية مكة خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظروه وأصحابه يطوفون بالبيت، فلعل معاوية كان ممن تخلف بمكة لسبب اقتضاه، ولا يعارضه أيضا قول سعد بن أبي وقاص فيما أخرجه مسلم وغيره ‏"‏ فعلناها - يعني العمرة - في أشهر الحج وهذا يومئذ كافر بالعرش ‏"‏ بضمتين يعني بيوت مكة، يشير إلى معاوية لأنه يحمل على أنه أخبر بما استصحبه من حاله ولم يطلع على إسلامه لكونه كان يخفيه‏.‏
ويعكر على ما جوزوه أن تقصيره كان في عمرة الجعرانة أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب من الجعرانة بعد أن أحرم بعمرة ولم يستصحب أحدا معه إلا بعض أصحابه المهاجرين، فقدم مكة فطاف وسعى وحلق ورجع إلى الجعرانة فأصبح بها كبائت، فخفيت عمرته على كثير من الناس‏.‏
وكذا أخرجه الترمذي وغيره، ولم يعد معاوية فيمن صحبه حينئذ، ولا كان معاوية فيمن تخلف عنه بمكة في غزوة حنين حتى يقال لعله وجده بمكة، بل كان مع القوم وأعطاه مثل ما أعطى أباه من الغنيمة مع جملة المؤلفة‏.‏
وأخرج الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ في آخر قصة غزوة حنين أن الذي حلق رأسه صلى الله عليه وسلم في عمرته التي اعتمرها من الجعرانة أبو هند عبد بني بياضة، فإن ثبت هذا وثبت أن معاوية كان حينئذ معه أو كان بمكة فقصر عنه بالمروة أمكن الجمع بأن يكون معاوية قصر عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق لأنه أفضل ففعل، وإن ثبت أن ذلك كان في عمرة القضية وثبت أنه صلى الله عليه وسلم - حلق فيها جاء هذا الاحتمال بعينه وحصل التوفيق بين الأخبار كلها، وهذا مما فتح الله علي به في هذا الفتح ولله الحمد ثم لله الحمد أبدا‏.‏
قال صاحب ‏"‏ الهدي ‏"‏ الأحاديث الصحيحة المستفيضة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يحل من إحرامه إلى يوم النحر كما أخبر عن نفسه بقوله ‏"‏ فلا أحل حتى أنحر ‏"‏ وهو خبر لا يدخله الوهم بخلاف خبر غيره، ثم قال‏:‏ ولعل معاوية قصر عنه في عمرة الجعرانة فنسي بعد ذلك وظن أنه كان في حجته انتهى‏.‏
ولا يعكر على هذا إلا رواية قيس بن سعد المتقدمة لتصريحه فيها بكون ذلك في أيام العشر، إلا أنها شاذة، وقد قال قيس بن سعد عقبها‏:‏ والناس ينكرون ذلك انتهى‏.‏
وأظن قيسا رواها بالمعنى ثم حدث بها فوقع له ذلك‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ يحتمل أن يكون في قول معاوية ‏"‏ قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص ‏"‏ حذف تقديره قصرت أنا شعري عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى‏.‏
ويعكر عليه قوله في رواية أحمد ‏"‏ قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة ‏"‏ أخرجه من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباس‏.‏
وقال ابن حزم يحتمل أن يكون معاوية قصر عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شعر لم يكن الحلاق استوفاه يوم النحر، وتعقبه صاحب ‏"‏ الهدي ‏"‏ بأن الحالق لا يبقى شعرا يقصر منه، ولا سيما وقد قسم صلى الله عليه وسلم شعره بين الصحابة الشعرة والشعرتين، وأيضا فهو صلى الله عليه وسلم لم يسع بين الصفا والمروة إلا سعيا واحدا في أول ما قدم فماذا يصنع عند المروة في العشر‏.‏
قلت‏:‏ وفي رواية العشر نظر كما تقدم، وقد أشار النووي إلى ترجيح كونه في الجعرانة وصوبه المحب الطبري وابن القيم، وفيه نظر لأنه جاء أنه حلق في الجعرانة، واستبعاد بعضهم أن معاوية قصر عنه في عمرة الحديبية لكونه لم يكن أسلم ليس ببعيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بمشقص‏)‏ بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح القاف وآخره صاد مهملة، قال القزاز‏:‏ هو نصل عريض يرمى به الوحش‏.‏
وقال صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏‏:‏ هو الطويل من النصال وليس بعريض‏.‏
وكذا قال أبو عبيد والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n156&p1#TOP)باب تَقْصِيرِ الْمُتَمَتِّعِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب تقصير المتمتع بعد العمرة‏)‏ أي عند الإحلال منها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحِلُّوا وَيَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن أبي بكر‏)‏ هو المقدمي، وفضيل شيخه بالتصغير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يحلوا ويحلقوا أو يقصروا‏)‏ فيه التخيير بين الحلق والتقصير للمتمتع، وهو على التفصيل الذي قدمناه إن كان بحيث يطلع شعره فالأولى له الحلق وإلا فالتقصير ليقع له الحلق في الحج‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n156&p1#TOP)باب الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ
وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزِّيَارَةَ إِلَى اللَّيْلِ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ أَيَّامَ مِنًى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الزيارة يوم النحر‏)‏ أي زيارة الحاج البيت للطواف به، وهو طواف الإفاضة، ويسمى أيضا طواف الصدر وطواف الركن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو الزبير إلخ‏)‏ وصله أبو داود والترمذي وأحمد من طريق سفيان وهو الثوري عن أبي الزبير به، قال ابن القطان الفاسي‏:‏ هذا الحديث مخالف لما رواه ابن عمر وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف يوم النحر نهارا انتهى‏.‏
فكأن البخاري عقب هذا بطريق أبي حسان ليجمع بين الأحاديث بذلك، فيحمل حديث جابر وابن عمر على اليوم الأول، وحديث ابن عباس هذا على بقية الأيام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن أبي حسان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى‏)‏ وصله الطبراني من طريق قتادة عنه‏.‏
وقال ابن المديني في ‏"‏ العلل ‏"‏ روى قتادة حديثا غريبا لا نحفظه عن أحد من أصحاب قتادة إلا من حديث هشام، فنسخته من كتاب ابنه معاذ بن هشام ولم اسمعه منه عن أبيه عن قتادة حدثني أبو حسان عن ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة ما أقام بمنى ‏"‏ وقال الأثرم قلت لأحمد تحفظ عن قتادة‏؟‏ فذكر هذا الحديث فقال‏:‏ كتبوه من كتاب معاذ، قلت‏:‏ فإن هنا إنسانا يزعم أنه سمعه من معاذ، فأنكر ذلك‏.‏
وأشار الأثرم بذلك إلى إبراهيم بن محمد بن عرعرة فإن من طريقه أخرجه الطبراني بهذا الإسناد، وأبو حسان اسمه مسلم بن عبد الله قد أخرج له مسلم حديثا غير هذا عن ابن عباس وليس هو من شرط البخاري‏.‏
ولرواية أبي حسان هذه شاهد مرسل أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة ‏"‏ حدثنا ابن طاوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا ثُمَّ يَقِيلُ ثُمَّ يَأْتِي مِنًى يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ وَرَفَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال لنا أبو نعيم إلخ‏)‏ ثم قال ‏(‏رفعه عبد الرزاق حدثنا عبيد الله‏)‏ وصله ابن خزيمة والإسماعيلي من طريق عبد الرزاق بلفظ أبي نعيم وزاد في آخره ‏"‏ ويذكر - أي ابن عمر - أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ‏"‏ وفيه التنصيص على الرجوع إلى منى بعد القيلولة في يوم النحر، ومقتضاه أن يكون خرج منها إلى مكة لأجل الطواف قبل ذلك‏.‏
ثم ذكر المصنف حديث أبي سلمة أن عائشة قالت ‏"‏ حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضنا يوم النحر ‏"‏ أي طفنا طواف الإفاضة، وهو مطابق للترجمة، وذكر فيه قصة صفية وسيأتي الكلام عليه في ‏"‏ باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت ‏"‏ قريبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا حَائِضٌ قَالَ حَابِسَتُنَا هِيَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ اخْرُجُوا وَيُذْكَرُ عَنْ الْقَاسِمِ وَعُرْوَةَ وَالْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَفَاضَتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ النَّحْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن القاسم وعروة والأسود عن عائشة أفاضت صفية يوم النحر‏)‏ وغرضه بهذا أن أبا سلمة لم ينفرد عن عائشة بذلك، وإنما لم يجزم لأن بعضهم أورده بالمعنى كما نبينه، أما طريق القاسم فهي عند مسلم من طريق أفلح بن حميد عنه عن عائشة قالت ‏"‏ كنا نتخوف أن تحيض صفية قبل أن تفيض، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أحابستنا صفية‏؟‏ قلنا‏:‏ قد أفاضت‏.‏
قال‏:‏ فلا إذا ‏"‏ ورواه أحمد من وجه آخر عن القاسم عنها ‏"‏ أن صفية حاضت بمنى وكانت قد أفاضت ‏"‏ الحديث‏.‏
وأما طريق عروة فرواه المصنف في المغازي من طريق شعيب عن الزهري عنه عن عائشة ‏"‏ أن صفية حاضت بعدما أفاضت ‏"‏ وأخرجه الطحاوي عقب رواية الأسود عن عائشة بلفظ ‏"‏ أكنت أفضت يوم النحر‏؟‏ قالت‏.‏
نعم ‏"‏ أخرجه من طريق يونس عن الزهري به وقال نحوه، وأما طريق الأسود فوصلها المصنف في ‏"‏ باب الإدلاج من المحصب ‏"‏ بلفظ ‏"‏ حاضت صفية ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ أطافت يوم النحر‏؟‏ فقيل نعم‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n156&p1#TOP)باب إِذَا رَمَى بَعْدَ مَا أَمْسَى أَوْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيا أو جاهلا‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس في ذلك، وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده، ولم يبين الحكم في الترجمة إشارة منه إلى أن الحكم برفع الحرج مقيد بالجاهل أو الناسي فيحتمل اختصاصهما بذلك، أو إلى أن نفي الحرج لا يستلزم رفع وجوب القضاء أو الكفارة، وهذه المسألة مما وقع فيها الاختلاف بين العلماء كما سنبينه إن شاء الله تعالى، وكأنه أشار بلفظ النسيان والجهل إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كما يأتي بيانه أيضا في الباب الذي يليه وأما قوله ‏"‏ إذا رمى بعدما أمسى ‏"‏ فمنتزع من حديث ابن عباس في الباب قال ‏"‏ رميت بعدما أمسيت ‏"‏ أي بعد دخول المساء، وهو يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتد الظلام، فلم يتعين لكون الرمي المذكور كان بالليل‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n156&p1#TOP)باب الْفُتْيَا عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الفتيا على الدابة عند الجمرة‏)‏ هذه الترجمة تقدمت في كتاب العلم لكن بلفظ ‏"‏ باب الفتيا وهو واقف على الدابة أو غيرها ‏"‏ ثم قال بعد أبواب كثيرة ‏"‏ باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار ‏"‏ وأورد في كل من الترجمتين حديث عبد الله بن عمرو المذكور في هذا الباب، ومثل هذا لا يقع له إلا نادرا، وقد اعترض عليه الإسماعيلي بأنه ليس في شيء من الروايات عن مالك أنه كان على دابة، بل في رواية يحيى القطان عنه أنه جلس في حجة الوداع فقام رجل، ثم قال الإسماعيلي‏:‏ فإن ثبت في شيء من الطرق أنه كان على دابة فيحمل قوله ‏"‏ جلس ‏"‏ على أنه ركبها وجلس عليها قلت‏:‏ وهذا هو المتعين، فقد أورد هو رواية صالح بن كيسان بلفظ ‏"‏ وقف على راحلته ‏"‏ وهي بمعنى جلس، والدابة تطلق على المركوب من ناقة وفرس وبغل وحمار، فإذا ثبت في الراحلة كان الحكم في البقية كذلك‏.‏
ثم قال الإسماعيلي‏:‏ إن صالح بن كيسان تفرد بقوله ‏"‏ وقف على راحلته ‏"‏ وليس كما قال، فقد ذكر ذلك أيضا يونس عند مسلم ومعمر عند أحمد والنسائي كلاهما عن الزهري، وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله ‏"‏ تابعه معمر ‏"‏ أي في قوله ‏"‏ وقف على راحلته ‏"‏ ثم أورد المصنف حديث عبد الله بن عمرو وهو ابن العاصي كما في الطريق الثانية، بخلاف ما وقع في بعض نسخ العمدة وشرح عليه ابن دقيق العيد ومن تبعه على أنه ابن عمر بضم العين أي ابن الخطاب، وأورده المصنف من أربعة طرق عن الزهري عن عيسى بن طلحة، وطلحة هو ابن عبيد الله أحد العشرة عن عبد الله، ولم أره من حديثه إلا بهذا الإسناد، وقد اختلف أصحاب الزهري عليه في سياقه، وأتمهم عنه سياقا صالح بن كيسان وهي الطريق الثالثة، ولم يسق المصنف لفظها، وهي عند أحمد في مسنده عن يعقوب وفيه زيادة على سياق ابن جريج ومالك، وقد تابعه يونس عن الزهري عند مسلم بزيادة أيضا سنبينها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ فَقَالَ رَجُلٌ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏مالك عن ابن شهاب‏)‏ كذا في ‏"‏ الموطأ‏"‏، وعند النسائي من طريق يحيى وهو القطان عن مالك ‏"‏ حدثني الزهري‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عيسى‏)‏ في رواية صالح ‏"‏ حدثني عيسى‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقف في حجة الوداع‏)‏ لم يعين المكان ولا اليوم، لكن تقدم في كتاب العلم عن إسماعيل عن مالك ‏"‏ بمنى ‏"‏ وكذا في رواية معمر، وفيه من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري ‏"‏ عند الجمرة ‏"‏ وفي رواية ابن جريج وهي الطريق الثانية هنا ‏"‏ يخطب يوم النحر ‏"‏ وفي رواية صالح ومعمر كما تقدم ‏"‏ على راحلته ‏"‏ قال عياض‏:‏ جمع بعضهم بين هذه الروايات بأنه موقف واحد على أن معنى خطب أي علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب، والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم‏.‏
وصوب النووي هذا الاحتمال الثاني‏.‏
فإن قيل لا منافاة بين هذا الذي صوبه وبين الذي قبله فإنه ليس في شيء من طرق الحديثين - حديث ابن عباس وحديث عبد الله بن عمرو - بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار، قلت‏:‏ نعم لم يقع التصريح بذلك، لكن في رواية ابن عباس ‏"‏ أن بعض السائلين قال رميت بعدما أمسيت ‏"‏ وهذا يدل على أن هذه القصة كانت بعد الزوال لأن المساء يطلق على ما بعد الزوال، وكأن السائل علم أن السنة للحاج أن يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحى فلما أخرها إلى بعد الزوال سأل عن ذلك، على أن حديث عبد الله بن عمرو من مخرج واحد لا يعرف له طريق إلا طريق الزهري هذه عن عيسى عنه، الاختلاف فيه من أصحاب الزهري، وغايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر، واجتمع من مرويهم ورواية ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة، وإذا تقرر أن ذلك كان بعد الزوال يوم النحر تعين أنها الخطبة التي شرعت لتعليم بقية المناسك، فليس قوله خطب مجازا عن مجرد التعليم بل حقيقة، ولا يلزم من وقوفه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها فسيأتي في آخر الباب الذي يليه من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته، فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل‏)‏ لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد، ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة، وسأبين أنهم كانوا جماعة، لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه، وكأن هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم أشعر‏)‏ أي لم أفطن، يقال شعرت بالشيء شعورا إذا فطنت له، وقيل الشعور العلم، ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور، وقد بينه يونس عند مسلم ولفظه ‏"‏ لم أشعر أن الرمي قبل النحر فنحرت قبل أن أرمي ‏"‏ وقال آخر ‏"‏ لم أشعر أن النحر قبل الحلق فحلقت قبل أن أنحر ‏"‏ وفي رواية ابن جريج‏:‏ كنت أحسب أن كذا قبل كذا، وقد تبين ذلك في رواية يونس، وزاد في رواية ابن جريج‏:‏ وأشباه ذلك‏.‏
ووقع في رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم ‏"‏ حلقت قبل أن أرمي ‏"‏ وقال آخر ‏"‏ أفضت إلى البيت قبل أن أرمي ‏"‏ وفي حديث معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي أيضا، فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء‏:‏ الحلق قبل الذبح، والحلق قبل الرمي، والنحر قبل الرمي، والإفاضة قبل الرمي، والأوليان في حديث ابن عباس أيضا كما مضى، وعند الدارقطني من حديث ابن عباس أيضا السؤال عن الحلق قبل الرمي، وكذا في حديث جابر وفي حديث أبي سعيد عند الطحاوي، وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق، وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معا قبل الحلق، وفي حديث جابر الذي علقه المصنف فيما مضى ووصله ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح، وفي حديث أسامة بن شريك عند أبي داود السؤال عن السعي قبل الطواف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اذبح ولا حرج‏)‏ أي لا ضيق عليك في ذلك، وقد تقدم في ‏"‏ باب الذبح قبل الحلق ‏"‏ تقرير ترتيبه، وذلك أن وظائف يوم النحر بالاتفاق أربعة أشياء‏:‏ رمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي أو ذبحه، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة‏.‏
وفي حديث أنس في الصحيحين ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى فنحر‏.‏
وقال للحالق خذ ‏"‏ ولأبي داود ‏"‏ رمى ثم نحر ثم حلق ‏"‏ وقد أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب، إلا أن ابن الجهم المالكي استثنى القارن فقال‏:‏ لا يحلق حتى يطوف، كأنه لاحظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف، ورد عليه النووي بالإجماع، ونازعه ابن دقيق العيد في ذلك‏.‏
واختلفوا في جواز تقديم بعضها على بعض فأجمعوا على الإجزاء في ذلك كما قاله ابن قدامة في ‏"‏ المغني ‏"‏ إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ روي عن ابن عباس ولم يثبت عنه أن من قدم شيئا على شيء فعليه دم، وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والحسن والنخعي وأصحاب الرأي انتهى‏.‏
وفي نسبة ذلك إلى النخعي وأصحاب الرأي نظر، فإنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع كما سيأتي‏.‏
قال‏:‏ وذهب الشافعي وجمهور السلف والعلماء وفقهاء أصحاب الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم لقوله للسائل ‏"‏ لا حرج ‏"‏ فهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معا، لأن اسم الضيق يشملهما‏.‏
قال الطحاوي‏:‏ ظاهر الحديث يدل على التوسعة في تقديم بعض هذه الأشياء على بعض، قال‏:‏ إلا أنه يحتمل أن يكون قوله ‏"‏ لا حرج ‏"‏ أي لا إثم في ذلك الفعل، وهو كذلك لمن كان ناسيا أو جاهلا، وأما من تعمد المخالفة فتجب عليه الفدية، وتعقب بأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل، ولو كان واجبا لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذ لأنه وقت الحاجة ولا يجوز تأخيره‏.‏
وقال الطبري‏:‏ لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل، إذ لو لم يجزئ لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان عن المرء الحكم الذي يلزمه في الحج، كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم بتركه جاهلا أو ناسيا لكن يجب عليه الإعادة‏.‏
والعجب ممن يحمل قوله ‏"‏ ولا حرج ‏"‏ على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض، فإن كان الترتيب واجبا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض من تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج‏.‏
وأما احتجاج النخعي ومن تبعه في تقديم الحلق على غيره بقوله تعالى ‏(‏ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله‏)‏ قال‏:‏ فمن حلق قبل الذبح إهراق دما عنه رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح، فقد أجيب بأن المراد ببلوغ محله وصوله إلى الموضع الذي يحل ذبحه فيه وقد حصل، وإنما يتم ما أراد أن لو قال ولا تحلقوا حتى تنحروا‏.‏
واحتج الطحاوي أيضا بقول ابن عباس‏:‏ من قدم شيئا من نسكه أو أخره فليهرق لذلك دما، قال وهو أحد من روى أن لا حرج، فدل على أن المراد بنفي الحرج نفي الإثم فقط‏.‏
وأجيب بأن الطريق بذلك إلى ابن عباس فيها ضعف، فإن ابن أبي شيبة أخرجها وفيها إبراهيم بن مهاجر وفيه مقال، وعلى تقدير الصحة فيلزم من يأخذ بقول ابن عباس أن يوجب الدم في كل شيء من الأربعة المذكورة ولا يخصه بالحلق قبل الذبح أو قبل الرمي‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ منع مالك وأبو حنيفة تقديم الحلق على الرمي والذبح لأنه حينئذ يكون حلقا قبل وجود التحللين، وللشافعي قول مثله، وقد بني القولان له على أن الحلق نسك أو استباحة محظور‏؟‏ فإن قلنا إنه نسك جاز تقديمه على الرمي وغيره لأنه يكون من أسباب التحلل، وإن قلنا إنه استباحة محظور فلا، قال‏:‏ وفي هذا البناء نظر، لأنه لا يلزم من كون الشيء نسكا أن يكون من أسباب التحلل، لأن النسك ما يتاب عليه، وهذا مالك يرى أن الحلق نسك ويرى أنه لا يقدم على الرمي مع ذلك‏.‏
وقال الأوزاعي‏:‏ إن أفاض قبل الرمي إهراق دما‏.‏
وقال عياض‏:‏ اختلف عن مالك في تقديم الطواف على الرمي‏.‏
وروى ابن عبد الحكم عن مالك أنه يجب عليه إعادة الطواف، فإن توجه إلى بلده بلا إعادة وجب عليه دم‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ وهذا يخالف حديث ابن عباس، وكأنه لم يبلغه انتهى‏.‏
قلت‏:‏ وكذا هو في رواية ابن أبي حفصة عن الزهري في حديث عبد الله بن عمرو، وكأن مالكا لم يحفظ ذلك عن الزهري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر‏)‏ في رواية يونس عند مسلم وصالح عند أحمد ‏"‏ فما سمعته سئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور على بعض أو أشباهها إلا قال‏:‏ افعلوا ذلك ولا حرج ‏"‏ واحتج به وبقوله في رواية مالك ‏"‏ لم أشعر ‏"‏ بأن الرخصة تختص بمن نسي أو جهل لا بمن تعمد، قال صاحب ‏"‏ المغني ‏"‏ قال الأثرم عن أحمد‏:‏ إن كان ناسيا أو جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان عالما فلا لقوله في الحديث ‏"‏ لم أشعر‏"‏‏.‏
وأجاب بعض الشافعية بأن الترتيب لو كان واجبا لما سقط بالسهو، كالترتيب بين السعي والطواف فإنه لو سعى قبل أن يطوف وجب إعادة السعي، وأما ما وقع في حديث أسامة بن شريك فمحمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي طواف الركن، ولم يقل بظاهر حديث أسامة إلا أحمد وعطاء فقالا‏:‏ لو لم يطف للقدوم ولا لغيره وقدم السعي قبل طواف الإفاضة أجزأه، أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عنه‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ ما قاله أحمد قوي من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع الرسول في الحج بقوله ‏"‏ خذوا عني مناسككم ‏"‏ وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل ‏"‏ لم أشعر ‏"‏ فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج‏.‏
وأيضا فالحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز إطراحه، ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة، وقد علق به الحكم فلا يمكن إطراحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه، وأما التمسك بقول الراوي ‏"‏ فما سئل عن شيء إلخ ‏"‏ فإنه يشعر بأن الترتيب مطلقا غير مراعى، فجوابه أن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين سنة فلا يبقى حجة في حال العمد والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ في رواية صالح ‏"‏ أنه سمع عبد الله‏"‏‏.‏
وفي رواية ابن جريج وهي الثانية ‏"‏ إن عبد الله حدثه‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد بن يحيى حدثنا أبي‏)‏ هو يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاصي الأموي‏.‏
قوله في رواية ابن جريج ‏(‏فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهن كلهن‏:‏ افعل ولا حرج‏)‏ قال الكرماني‏:‏ اللام في قوله ‏"‏ لهن ‏"‏ متعلقة بقال، أي قال لأجل هذه الأفعال، أو بمحذوف أي قال يوم النحر لأجلهن أو بقوله ‏"‏ لا حرج ‏"‏ أي لا حرج لأجلهن انتهى‏.‏
ويحتمل أن تكون اللام بمعنى عن أي قال عنهن كلهن‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ قال ابن التين هذا الحديث لا يقتضي رفع الحرج في غير المسألتين المنصوص عليهما يعني المذكورتين في رواية مالك لأنه خرج جوابا للسؤال ولا يدخل فيه غيره انتهى‏.‏
وكأنه غفل عن قوله في بقية الحديث ‏"‏ فما سئل عن شيء قدم ولا أخر ‏"‏ وكأنه حمل ما أبهم فيه على ما ذكر، لكن قوله في رواية ابن جريج ‏"‏ وأشباه ذلك ‏"‏ يرد عليه، وقد تقدم فيما حررناه من مجموع الأحاديث عدة صور، وبقيت عدة صور لم تذكرها الرواة إما اختصارا وإما لكونها لم تقع، وبلغت بالتقسيم أربعا وعشرين صورة، منها صورة الترتيب المتفق عليها والله أعلم‏.‏
وفي الحديث من الفوائد جواز القعود على الراحلة للحاجة، ووجوب اتباع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم لكون الذين خالفوها لما علموا سألوه عن حكم ذلك، واستدل به البخاري على أن من حلف على شيء ففعله ناسيا أن لا شيء عليه كما سيأتي في الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله في الطريق الثالثة ‏(‏حدثني إسحاق‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب، ونسبه أبو علي بن السكن فقال ‏"‏ إسحاق بن منصور ‏"‏ وأورده أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من ‏"‏ مسند إسحاق بن راهويه ‏"‏ وهو المترجح عندي لتعبيره بقوله ‏"‏ أخبرنا يعقوب ‏"‏ لأن إسحاق بن راهويه لا يحدث عن مشايخه إلا بلفظ الإخبار بخلاف إسحاق بن منصور فيقول ‏"‏ حدثنا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقف النبي‏)‏ في رواية ابن جريج ‏"‏ أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه معمر عن الزهري‏)‏ قد سبق أن أحمد وصله‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n156&p1#TOP)باب الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الخطبة أيام منى‏)‏ أي مشروعيتها خلافا لمن قال إنها لا تشرع وأحاديث الباب صريحة في ذلك إلا حديث جابر بن زيد عن ابن عباس وهو ثاني أحاديث الباب، فإن فيه التقييد بالخطبة بعرفات، وقد أجاب عنه ابن المنير كما سيأتي‏.‏
وأيام منى أربعة يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وليس في شيء من أحاديث الباب التصريح بغير يوم النحر وهو الموجود في أكثر الأحاديث كحديث الهرماس بن زياد وأبي أمامة كلاهما عند أبي داود، وحديث جابر بن عبد الله عند أحمد ‏"‏ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال‏:‏ أي يوم أعظم حرمة ‏"‏ الحديث، وقد تقدم حديث عبد الله بن عمرو وفيه ذكر الخطبة يوم النحر، وأما قوله في حديث ابن عمر أنه قال ذلك بمنى فهو مطلق فيحمل على المقيد فيتعين يوم النحر، فلعل المصنف أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث الباب كما عند أحمد من طريق أبي حرة الرقاشي عن عمه فقال ‏"‏ كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عن الناس ‏"‏ فذكر نحو حديث أبي بكرة، فقوله ‏"‏ في أوسط أيام التشريق ‏"‏ يدل أيضا على وقوع ذلك أيضا في اليوم الثاني أو الثالث‏.‏
وفي حديث سراء بنت نبهان عند أبي داود ‏"‏ خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الرؤوس فقال‏:‏ أي يوم هذا‏؟‏ أليس أوسط أيام التشريق‏"‏‏.‏
وفي الباب عن كعب بن عاصم عند الدارقطني، وعن ابن أبي نجيح عن رجلين من بني بكر عند أبي داود، وعن أبي نضرة عمن سمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم عند أحمد، قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أراد البخاري الرد على من زعم أن يوم النحر لا خطبة فيه للحاج، وأن المذكور في هذا الحديث من قبيل الوصايا العامة لا على أنه من شعار الحج، فأراد البخاري أن يبين أن الراوي قد سماها خطبة كما سمى التي وقعت في عرفات خطبة، وقد اتفقوا على مشروعية الخطبة بعرفات فكأنه الحق المختلف فيه بالمتفق عليه انتهى والله أعلم‏.‏
وسنذكر نقل الاختلاف في مشروعية الخطبة يوم النحر في آخر الباب‏.‏
وعلي بن عبد الله المذكور في الإسناد هو ابن المديني ويحيى بن سعيد هو القطان وفضيل بالتصغير وغزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ يا أيها الناس أي يوم هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ يوم حرام‏)‏ كذا في حديث ابن عباس هذا، وفي حديث أبي بكرة ثالث أحاديث الباب ‏"‏ أتدرون أي يوم هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال‏:‏ أليس يوم النحر‏؟‏ قلنا‏:‏ بلى ‏"‏ وحديث ابن عمر المذكور بعده نحو إلا أنه ليس فيه ‏"‏ فسكت إلخ ‏"‏ بل فيه بعد قولهم أعلم ‏"‏ قال هذا يوم حرام ‏"‏ فقيل في الجمع بين الحديثين‏:‏ لعلهما واقعتان، وليس بشيء لأن الخطبة يوم النحر إنما تشرع مرة واحدة وفد قال في كل منهما أن ذلك كان يوم النحر، وقيل في الجمع بينهما إن بعضهم بادر بالجواب وبعضهم سكت، وقيل في الجمع إنهم فوضوا أولا كلهم بقولهم الله ورسوله أعلم، فلما سكت أجاب بعضهم دون بعض، وقيل وقع السؤال في الوقت الواحد مرتين بلفظين، فلما كان في حديث أبي بكرة فخامة ليس في الأول لقوله فيه ‏"‏ أتدرون ‏"‏ سكتوا عن الجواب بخلاف حديث ابن عباس لخلوه عن ذلك، أشار إلى ذلك الكرماني‏.‏
وقيل‏:‏ في حديث ابن عباس اختصار بينته رواية أبي بكرة وابن عمر، فكأنه أطلق قولهم يوم حرام باعتبار أنهم قرروا ذلك بقولهم بلى، وسكت في رواية ابن عمر عن ذكر جوابهم، وهذا جمع حسن، وقد تقدم الكلام في هذا باختصار في كتاب العلم في ‏"‏ باب قوله رب مبلغ أوعى من سامع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوم حرام‏)‏ أي يحرم فيه القتال، وكذلك الشهر وكذلك البلد، وسيأتي الكلام على قوله ‏"‏ لا ترجعوا بعدي كفارا ‏"‏ في كتاب الفتن مستوعبا إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأعادها مرارا‏)‏ لم أقف على عددها صريحا ويشبه أن يكون ثلاثا كعادته صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم رفع رأسه‏)‏ زاد الإسماعيلي من هذا الوجه ‏"‏ إلى السماء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته‏)‏ يريد بذلك الكلام الأخير وهو قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏فليبلغ الشاهد الغائب ‏"‏ إلى آخر الحديث، وقد رواه أحمد بن حنبل عن عبد الله بن نمير عن فضيل بإسناد الباب بلفظ ‏"‏ ثم قال ألا فليبلغ إلخ ‏"‏ وهو يوضح ما قلناه والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى أمته‏)‏ في رواية أحمد عن ابن نمير ‏"‏ أنها لوصيته إلى ربه ‏"‏ وكذلك رواه عمرو بن علي الفلاس والمقدمي عن يحيى بن سعيد أخرجه أبو نعيم من طريقهما‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لستة أيام متوالية من أيام ذي الحجة أسماء‏:‏ الثامن يوم التروية، والتاسع عرفة، والعاشر النحر، والحادي عشر القر، والثاني عشر النفر الأول، والثالث عشر النفر الثاني‏.‏
وذكر مكي بن أبي طالب أن السابع يسمى يوم الزينة وأنكره النووي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ تَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏يخطب بعرفات‏)‏ هو طرف من حديث سيأتي في ‏"‏ باب لبس الخفين للمحرم ‏"‏ عن أبي الوليد عن شعبة بهذا الإسناد وبعده متصلا ‏"‏ يخطب بعرفات بقوله‏:‏ من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ‏"‏ الحديث وذكره بعده بباب عن آدم عن شعبة بلفظ ‏"‏ خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال‏:‏ من لم يجد ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه ابن عيينة عن عمرو‏)‏ أي أن سفيان بن عيينة تابع شعبة في رواية هذا الحديث، والمراد به أصل الحديث، فإن أحمد أخرجه في مسنده عن سفيان بن عيينة ولفظه ‏"‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول‏:‏ من لم يجد ‏"‏ فذكره فلم يعين موضع الخطبة، وكذلك رواه الحميدي وابن أبي شيبة وغيرهما عن سفيان، وهو عند مسلم وغيره من طريق سفيان كذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَرَجُلٌ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنَا بَلَى قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ قُلْنَا بَلَى قَالَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الله بن محمد‏)‏ هو الجعفي، وأبو عامر هو العقدي، وقرة هو ابن خالد، وحميد بن عبد الرحمن هو الحميري، وإنما كان عند ابن سيرين أفضل من عبد الرحمن بن أبي بكرة لأنه دخل في الولايات وكان حميد زاهدا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أليس يوم النحر‏)‏ بنصب يوم على أنه خبر ليس والتقدير أليس اليوم يوم النحر، ويجوز الرفع على أنه اسم ليس والتقدير أليس يوم النحر هذا اليوم والأول أوضح، لكن يؤيد هذا الثاني قوله ‏"‏ أليس ذو الحجة ‏"‏ أي أليس ذو الحجة هذا الشهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالبلدة الحرام‏)‏ كذا فيه بتأنيث البلد وتذكير الحرام وذلك أن لفظ الحرام اضمحل منه معنى الوصفية وصار اسما، قال الخطابي‏:‏ يقال إن البلدة اسم خاص بمكة وهي المرادة بقوله تعالى ‏(‏إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة‏)‏ وقال الطيبي‏:‏ المطلق محمول على الكامل وهي الجامعة للخير المستجمعة للكمال، كما أن الكعبة تسمى البيت ويطلق عليها ذلك‏.‏
وقد اختصرت ذلك من كلام طويل للتوربشتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى يوم تلقون‏)‏ بفتح يوم وكسره مع التنوين وعدمه، وترك التنوين مع الكسر هو الذي ثبتت به الرواية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اللهم اشهد‏)‏ تقدم أنه أعاد ذلك في حديث ابن عباس، وإنما قال ذلك لأنه كان فرضا عليه أن يبلغ، فأشهد الله على أنه أدى ما أوجبه عليه‏.‏
‏"‏ والمبلغ ‏"‏ بفتح اللام أي رب شخص بلغه كلامي فكان أحفظ له وأفهم لمعناه من الذي نقله له، قال المهلب‏:‏ فيه أنه يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدمه، إلا أن ذلك يكون في الأقل لأن ‏"‏ رب ‏"‏ موضوعة للتقليل‏.‏
قلت‏:‏ هي في الأصل كذلك إلا أنها استعملت في التكثير بحيث غلبت على الاستعمال الأول، لكن يؤيد أن التقليل هنا مراد أنه وقع في رواية أخرى تقدمت في العلم بلفظ ‏"‏ عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه ‏"‏ وفي الحديث دلالة على جواز تحمل الحديث لمن لم يفهم معناه ولا فقهه إذا ضبط ما يحدث به، ويجوز وصفه بكونه من أهل العلم بذلك‏.‏
وفي الحديث من الفوائد أيضا وجوب تبليغ العلم على الكفاية، وقد يتعين في حق بعض الناس، وفيه تأكيد التحريم وتغليظه بأبلغ ممكن من تكرار ونحوه، وفيه مشروعية ضرب المثل وإلحاق النظير بالنظير ليكون أوضح للسامع، وإنما شبه حرمة الدم والعرض والمال بحرمة اليوم والشهر والبلد لأن المخاطبين بذلك كانوا لا يرون تلك الأشياء ولا يرون هتك حرمتها ويعيبون على من فعل ذلك أشد العيب، وإنما قدم السؤال عنها تذكارا لحرمتها وتقريرا لما ثبت في نفوسهم ليبني عليه ما أراد تقريره على سبيل التأكيد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ بَلَدٌ حَرَامٌ أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَازِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذَا وَقَالَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اشْهَدْ وَوَدَّعَ النَّاسَ فَقَالُوا هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر فروايته عن جده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أفتدرون‏)‏ في رواية الإسماعيلي عن القاسم المطرز عن محمد بن المثنى شيخ البخاري قال ‏"‏ أو تدرون ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال هشام بن الغاز‏)‏ بالغين المعجمة وآخره زاي خفيفة، وقد وصله ابن ماجة قال ‏"‏ حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا هشام ‏"‏ وأخرجه الطبراني عن أحمد بن المعلى، والإسماعيلي عن جعفر الفريابي كلاهما عن هشام بن عمار، وعن جعفر الفريابي عن دحيم عن الوليد بن مسلم عن هشام بن الغاز، ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين الجمرات‏)‏ بفتح الجيم والميم فيه تعيين البقعة التي وقف فيها، كما أن في الرواية التي قبلها تعيين المكان، كما أن في حديثي ابن عباس وأبي بكرة تعيين اليوم، ووقع تعيين الوقت من اليوم في رواية رافع بن عمر والمزني عند أبي داود والنسائي ولفظه ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في الحجة التي حج‏)‏ هذا هو المعروف عند من ذكر أولا، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ في حجته التي حج ‏"‏ وللطبراني ‏"‏ في حجة الوداع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بهذا‏)‏ أي بالحديث الذي تقدم من طريق محمد بن زيد عن جده، وأراد المصنف بذلك أصل الحديث وأصل معناه لكن السياق مختلف فإن في طريق محمد بن زيد أنهم أجابوا بقولهم ‏"‏ الله ورسوله أعلم ‏"‏ وفي هذا عند ابن ماجة وغيره في أجوبتهم قالوا‏:‏ يوم النحر، قالوا‏:‏ بلد حرام، قالوا‏:‏ شهر حرام‏.‏
ويجمع بينهما بنحو ما تقدم وهو أنهم أجابوا أولا بالتفويض فلما سكت أجابوا بالمطلوب‏.‏
وأغرب الكرماني فقال‏:‏ قوله ‏"‏ بهذا ‏"‏ أي وقف متلبسا بهذا الكلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال هذا يوم الحج الأكبر‏)‏ فيه دليل لمن يقول إن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر وسيأتي البحث فيه في أول تفسير سورة براءة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فطفق‏)‏ في رواية ابن ماجة وغيره بين قوله ‏"‏ يوم الحج الأكبر ‏"‏ وبين قوله ‏"‏ فطفق ‏"‏ من الزيادة ‏"‏ ودماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد في هذا اليوم ‏"‏ وقد وقع معنى ذلك في طريق محمد بن زيد أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فودع الناس‏)‏ وقع في طريق ضعيفة عند البيهقي من حديث ابن عمر سبب ذلك ولفظه ‏"‏ أنزلت ‏(‏إذا جاء نصر الله والفتح‏)‏ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق، وعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت له فركب، فوقف بالعقبة واجتمع الناس إليه فقال‏:‏ يا أيها الناس ‏"‏ فذكر الحديث، وفي هذه الأحاديث دلالة على مشروعية الخطبة يوم النحر، وبه أخذ الشافعي ومن تبعه، وخالف ذلك المالكية والحنفية قالوا‏:‏ خطب الحج ثلاثة، سابع ذي الحجة، ويوم عرفة، وثاني يوم النحر بمنى‏.‏
ووافقهم الشافعي إلا أنه قال بدل ثاني النحر ثالثه لأنه أول النفر، وزاد خطبة رابعة وهي يوم النحر وقال‏:‏ إن بالناس حاجة إليها ليتعلموا أعمال ذلك اليوم من الرمي والذبح والحلق والطواف‏.‏
وتعقبه الطحاوي بأن الخطبة المذكورة ليست من متعلقات الحج لأنه لم يذكر فيها شيئا من أمور الحج وإنما ذكر فيها وصايا عامة، ولم ينقل أحد أنه علمهم فيها شيئا من الذي يتعلق بيوم النحر، فعرفنا أنها لم تقصد لأجل الحج‏.‏
وقال ابن القصار‏:‏ إنما فعل ذلك من أجل تبليغ ما ذكره لكثرة الجمع الذي اجتمع من أقاصي الدنيا، فظن الذي رآه أنه خطب، قال‏:‏ وأما ما ذكره الشافعي أن بالناس حاجة إلى تعليمهم أسباب التحلل المذكورة فليس بمتعين لأن الإمام يمكنه أن يعلمهم إياها يوم عرفة ا هـ‏.‏
وأجيب بأنه نبه صلى الله عليه وسلم في الخطبة المذكورة على تعظيم يوم النحر، وعلى تعظيم شهر ذي الحجة، وعلى تعظيم البلد الحرام، وقد جزم الصحابة المذكورون بتسميتها خطبة فلا يلتفت لتأويل غيرهم، وما ذكره من إمكان تعليم ما ذكر يوم عرفة يعكر عليه في كونه يرى مشروعية الخطبة ثاني يوم النحر، وكان يمكن أن يعلموا ذلك يوم عرفة، بل كان يمكن أن يعلموا يوم التروية جميع ما يأتي بعده من أعمال الحج، لكن لما كان في كل يوم أعمال ليست في غيره شرع تجديد التعليم بحسب تجديد الأسباب، وقد بين الزهري - وهو عالم أهل زمانه - أن الخطبة ثاني يوم النحر نقلت من خطبة يوم النحر، وأن ذلك من عمل الأمراء، يعني من بني أمية‏.‏
قال ابن أبي شيبة ‏"‏ حدثنا وكيع عن سفيان هو الثوري عن ابن جريج عن الزهري قال‏:‏ كأن النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر، فشغل الأمراء فأخروه إلى الغد ‏"‏ وهذا وإن كان مرسلا لكنه يعتضد بما سبق، وبان به أن السنة الخطبة يوم النحر لا ثانيه، وأما قول الطحاوي إنه لم ينقل أنه علمهم شيئا من أسباب التحلل فلا ينفي قوع ذلك أو شيئا منه في نفس الأمر، بل قد ثبت في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كما تقدم في الباب قبله أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر، وذكر فيه السؤال عن تقدم بعض المناسك على بعض، فكيف ساغ للطحاوي هذا النفي المطلق مع روايته هو لحديث عبد الله بن عمرو، وثبت أيضا في بعض طرق أحاديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم قال للناس حينئذ ‏"‏ خذوا عني مناسككم ‏"‏ فكأنه وعظهم بما وعظهم به وأحال في تعليمهم على تلقي ذلك من أفعاله‏.‏
ومما يرد به على تأويل الطحاوي ما أخرجه ابن ماجة من حديث ابن مسعود قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته بعرفات‏:‏ أتدرون أي يوم هذا ‏"‏ الحديث، ونحوه للطبراني في الكبير من حديث ابن عباس‏.‏
وأخرج أحمد من حديث نبيط بن شريط أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفة على بعير أحمر يخطب ‏"‏ فسمعته يقول‏:‏ أي يوم أحرم‏؟‏ قالوا‏:‏ هذا اليوم‏.‏
قال فأي بلد أحرم ‏"‏ الحديث، ونحوه لأحمد من حديث العداء بن خالد، فهذا الحديث - الذي وقع في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم خطب به يوم النحر - قد ثبت أنه خطب به قبل ذلك يوم عرفة، وأما الأحاديث التي وردت عن الصحابة بتصريحهم أنه صلى الله عليه وسلم خطب يوم النحر غير ما تقدم، فمنها حديث الهرماس بن زياد أخرجه أبو داود ولفظه ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته الجدعاء يوم الأضحى ‏"‏ وحديث أبي إمامة ‏"‏ سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر ‏"‏ أخرجه عبد الرحمن، وحديث معاذ ‏"‏ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ‏"‏ أخرجه‏.‏‏.‏‏.‏وحديث رافع بن عمرو ‏"‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى ‏"‏ أخرجه وأخرج من مرسل مسروق ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم النحر ‏"‏ والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:21 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n157&p1#TOP)باب طَوَافِ الْوَدَاعِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب طواف الوداع‏)‏ قال النووي‏:‏ طواف الوداع واجب يلزم بتركه دم على الصحيح عندنا وهو قول أكثر العلماء‏.‏
وقال مالك وداود وابن المنذر‏:‏ هو سنة لا شيء في تركه انتهى والذي رأيته في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ لابن المنذر أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أمر الناس‏)‏ كذا في رواية عبد الله بن طاوس عن أبيه على البناء لما لم يسم فاعله والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قوله ‏"‏ خفف ‏"‏ وقد رواه سفيان أيضا عن سليمان الأحول عن طاوس فصرح فيه بالرفع ولفظه عن ابن عباس قال ‏"‏ كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ‏"‏ أخرجه مسلم هو والذي قبله عن سعيد بن منصور عن سفيان بالإسنادين فرقهما، فكأن طاوسا حدث به على الوجهين، ولهذا وقع في رواية كل من الراويين عنه ما لم يقع في رواية الآخر، وفيه دليل على وجوب طواف الوداع للأمر المؤكد به وللتعبير في حق الحائض بالتخفيف كما تقدم، والتخفيف لا يكون إلا من أمر مؤكد، واستدل به على أن الطهارة شرط لصحة الطواف، وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ تَابَعَهُ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي خَالِدٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن قتادة‏)‏ سيأتي بعد باب من وجه آخر عن ابن وهب التصريح بتحديث قتادة، ويأتي الكلام هناك، والمقصود منه هنا قوله في آخره ‏"‏ ثم ركب إلى البيت فطاف به‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه الليث‏)‏ أي تابع عمرو بن الحارث في روايته لهذا الحديث عن قتادة بطريق أخرى إلى قتادة، وقد وصله البزار والطبراني من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث، وخالد شيخ الليث هو ابن يزيد، وذكر البزار والطبراني أنه تفرد بهذا الحديث عن سعيد وأن الليث تفرد به عن خالد وأن سعيد بن أبي هلال لم يرو عن قتادة عن أنس غير هذا الحديث‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n157&p1#TOP)باب إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت‏)‏ أي هل يجب عليها طواف الوداع أو يسقط، وإذا وجب هل يجبر بدم أم لا‏؟‏ وقد تقدم معنى هذه الترجمة في كتاب الحيض بلفظ ‏"‏ باب المرأة تحيض بعد الإفاضة ‏"‏ قال ابن المنذر‏:‏ قال عامة الفقهاء بالأمصار‏:‏ ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع‏.‏
وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع، وكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها‏.‏
ثم أسند عن عمر بإسناد صحيح إلى نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت، فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر الناس حتى تطهر وتطوف بالبيت ‏"‏ قال‏:‏ وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك، وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة‏.‏
يشير بذلك إلى ما تضمنته أحاديث هذا الباب‏.‏
وقد روى ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد ‏"‏ كان الصحابة يقولون‏.‏
إذا أفاضت المرأة قبل أن تحيض فقد فرغت، إلا عمر فإنه كان يقول‏:‏ يكون آخر عهدها بالبيت ‏"‏ وقد وافق عمر على رواية ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره، فروى أحمد وأبو داود والنسائي والطحاوي - واللفظ لأبي داود - من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس الثقفي قال‏:‏ ‏"‏ أتيت عمر فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض، قال‏:‏ ليكن آخر عهدها بالبيت‏.‏
فقال الحارث كذلك أفتاني - وفي رواية أبي داود هكذا حدثني - رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ واستدل الطحاوي بحديث عائشة وبحديث أم سليم على نسخ حديث الحارث في حق الحائض‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاضَتْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ قَالُوا إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ فَلَا إِذًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حاضت‏)‏ أي بعد أن أفاضت يوم النحر كما تقدم في ‏"‏ باب الزيارة يوم النحر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكر‏)‏ كذا في هذه الرواية بضم الذال على البناء للمجهول، وقد تقدم في الباب المذكور من وجه آخر أن عائشة هي التي ذكرت له ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أحابستنا‏)‏ أي مانعتنا من التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه، ظنا منه صلى الله عليه وسلم أنها ما طافت طواف إفاضة، وإنما قال ذلك لأنه كان لا يتركها ويتوجه، ولا يأمرها بالتوجه معه وهي باقية على إحرامها، فيحتاج إلى أن يقيم حتى تطهر وتطوف وتحل الحل الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالوا‏)‏ سيأتي في الطريق التي في آخر الباب أن صفية هي قالت ‏"‏ بلى ‏"‏ وفي رواية الأعرج عن أبي سلمة عن عائشة التي مضت في باب الزيارة يوم النحر ‏"‏ حججنا فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت‏:‏ يا رسول الله إنها حائض ‏"‏ الحديث، وهذا مشكل لأنه صلى الله عليه وسلم إن كان علم أنها طافت طواف الإفاضة فكيف يقول أحابستنا هي‏؟‏ وإن كان ما علم فكيف يريد وقاعها قبل التحلل الثاني‏؟‏ ويجاب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم ما أراد ذلك منها إلا بعد أن استأذنه نساؤه في طواف الإفاضة فأذن لهن فكان بانيا على أنها قد حلت، فلما قيل له إنها حائض جوز أن يكون وقع لها قبل ذلك حتى منعها من طواف الإفاضة فاستفهم عن ذلك فأعلمته عائشة أنها طافت معهن فزال عنه ما خشيه من ذلك والله أعلم‏.‏
وقد سبق في كتاب الحيض من طريق عمرة عن عائشة أنه قال لهم ‏"‏ لعلها تحبسنا، ألم تكن طافت معكن‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى ‏"‏ وسأذكر بقية اختلاف ألفاظ هذه القصة في آخر الباب إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا إذا‏)‏ أي فلا حبس علينا حينئذ، أي إذا أفاضت فلا مانع لنا من التوجه لأن الذي يجب عليها قد فعلته‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ قَالَ لَهُمْ تَنْفِرُ قَالُوا لَا نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعُ قَوْلَ زَيْدٍ قَالَ إِذَا قَدِمْتُمْ الْمَدِينَةَ فَسَلُوا فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَسَأَلُوا فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُلَيْمٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ رَوَاهُ خَالِدٌ وَقَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حماد‏)‏ هو ابن زيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أهل المدينة‏)‏ أي بعض أهلها وقد رواه الإسماعيلي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب بلفظ ‏"‏ أن ناسا من أهل المدينة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لهم تنفر‏)‏ زاد الثقفي ‏"‏ فقالوا‏:‏ لا نبالي أفتيتنا أو لم تفتنا، زيد بن ثابت يقول لا تنفر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكان فيمن سألوا أم سليم‏)‏ في رواية الثقفي ‏"‏ فسألوا أم سليم وغيرها فذكرت صفية ‏"‏ كذا ذكره مختصرا، وساقه الثقفي بتمامه قال ‏"‏ فأخبرتهم أن عائشة قالت لصفية‏.‏
أفي الخيبة أنت‏؟‏ إنك لحابستنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما ذاك‏؟‏ قالت عائشة‏:‏ صفية حاضت، قيل إنها قد أفاضت، قال‏:‏ فلا إذا‏.‏
فرجعوا إلى ابن عباس فقالوا وجدنا الحديث كما حدثتناه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه خالد‏)‏ يعني الحذاء ‏(‏وقتادة عن عكرمة‏)‏ أما رواية خالد فوصلها البيهقي من طريق معلى بن منصور عن هشيم عنه عن عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ إذا طافت يوم النحر ثم حاضت فلتنفر ‏"‏ وقال زيد بن ثابت ‏"‏ لا تنفر حتى تطهر وتطوف بالبيت‏.‏
ثم أرسل زيد بعد ذلك إلى ابن عباس‏:‏ إني وجدت الذي قلت كما قلت ‏"‏ وأما رواية قتادة فوصلها أبو داود الطيالسي في مسنده قال‏:‏ حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن عكرمة قال ‏"‏ اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة إذا حاضت وقد طافت بالبيت يوم النحر، فقال زيد‏:‏ يكون آخر عهدها بالبيت‏.‏
وقال ابن عباس‏:‏ تنفر إن شاءت، فقالت الأنصار‏:‏ لا نتابعك يا ابن عباس وأنت تخالف زيدا، فقال‏:‏ سلوا صاحبتكم أم سليم - يعني فسألوها - فقالت‏:‏ حضت بعدما طفت بالبيت فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنفر، وحاضت صفية فقالت لها عائشة حبستنا فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفر ‏"‏ ورواه سعيد بن أبي عروبة في كتاب المناسك الذي رويناه من طريق محمد بن يحيى القطعي عن عبد الأعلى عنه قال‏:‏ عن قتادة عن عكرمة نحوه‏.‏
وقال فيه ‏"‏ لا نتابعك إذا خالفت زيد بن ثابت ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ وأنبئت أن صفية بنت حيي حاضت بعدما طافت بالبيت يوم النحر فقالت لها عائشة‏:‏ الخيبة لك حبستنا، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تنفر ‏"‏ وهكذا أخرجه إسحاق في مسنده عن عبدة عن سعيد وفي آخره ‏"‏ وكان ذلك من شأن أم سليم أيضا‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ طريق قتادة هذه هي المحفوظة، وقد شذ عباد بن العوام فرواه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مختصرا في قصة أم سليم أخرجه الطحاوي من طريقه انتهى‏.‏
ولقد اختصر البخاري حديث عكرمة جدا، ولولا تخريج هذه الطرق لما ظهر المراد منه، فلله الحمد على ما أنعم به وتفضل‏.‏
وقد روى هذه القصة طاوس عن ابن عباس متابعا لعكرمة، أخرجه مسلم والنسائي والإسماعيلي من طريق الحسن بن مسلم عن طاوس ‏"‏ كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت‏:‏ تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت‏؟‏ فقال ابن عباس‏:‏ أما لا فسل فلانة الأنصارية هل أمرها النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال فرجع إليه فقال‏:‏ ما أراك إلا قد صدقت ‏"‏ لفظ مسلم، وللنسائي ‏"‏ كنت عند ابن عباس فقال له زيد بن ثابت أنت الذي تفتي ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ فسألها، ثم رجع وهو يضحك فقال‏:‏ الحديث كما حدثتني ‏"‏ وللإسماعيلي بعد قوله أنت الذي إلخ ‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فلا تفت بذلك‏.‏
قال‏:‏ فسل فلانة ‏"‏ والباقي نحو سياق مسلم، وزاد في إسناده عن ابن جريج قال‏:‏ وقال عكرمة بن خالد عن زيد وابن عباس نحوه وزاد فيه ‏"‏ فقال ابن عباس سل أم سليم وصواحبها هل أمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك‏؟‏ فسألهن، فقلن‏:‏ قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ‏"‏ وقد عرف برواية عكرمة الماضية أن الأنصارية هي أم سليم، وأما صواحبها فلم أقف على تسميتهن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ قَالَ وَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّهَا لَا تَنْفِرُ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لَهُنَّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، ووهيب هو ابن خالد وابن طاوس هو عبد الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رخص‏)‏ بضم الراء على البناء لما لم يسم فاعله، ووقع في رواية يحيى بن حسان عن وهيب عند النسائي ‏"‏ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال وسمعت ابن عمر‏)‏ القائل ذلك هو طاوس بالإسناد المذكور، بينه النسائي في روايته المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم سمعته يقول بعد‏)‏ سيأتي أن ذلك كان قبل موت ابن عمر بعام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن‏)‏ هذا من مراسيل الصحابة، وكذا ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه والحاكم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال من حج فليكن آخر عهده بالبيت، إلا الحيض رخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فإن ابن عمر لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وسنوضح ذلك، فعند النسائي من طريق إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عمر أنه كان يقول قريبا من سنتين عن الحائض لا تنفر حتى يكون آخر عهدها بالبيت‏.‏
ثم قال بعد‏:‏ أنه رخص للنساء‏.‏
وله وللطحاوي من طريق عقيل عن الزهري عن طاوس أنه سمع ابن عمر يسأل عن النساء إذا حضن قبل النفر وقد أفضن يوم النحر فقال‏:‏ إن عائشة كانت تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة لهن وذلك قبل موته بعام‏.‏
وفي رواية الطحاوي قبل موت ابن عمر بعام‏.‏
وروى ابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يقيم على الحائض سبعة أيام حتى تطوف طواف الوداع، قال الشافعي‏:‏ كأن ابن عمر سمع الأمر بالوداع ولم يسمع الرخصة أولا ثم بلغته الرخصة فعمل بها، وقد تقدم شيء من الكلام على هذا الحديث في أواخر الحيض‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَحِلَّ وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَحَلَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَحَاضَتْ هِيَ فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ لَيْلَةُ النَّفْرِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي قَالَ مَا كُنْتِ تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا قُلْتُ لَا قَالَ فَاخْرُجِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ وَمَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْرَى حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ بَلَى قَالَ فَلَا بَأْسَ انْفِرِي فَلَقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ وَقَالَ مُسَدَّدٌ قُلْتُ لَا تَابَعَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلِهِ لَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي والأسود هو خاله وهو نخعي أيضا، وقد سبق الكلام على حديث عائشة فيما يتعلق بطواف الحائض في ‏"‏ باب تقضي الحائض المناسك إلا الطواف ‏"‏ ويأتي الكلام على حديث عمرتهما في أبواب العمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليلة الحصبة‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ ليلة الحصباء ‏"‏ وقوله بعده ‏"‏ ليلة النفر ‏"‏ عطف بيان لليلة الحصباء، والمراد بتلك الليلة التي يتقدم النفر من منى قبلها فهي شبيهة بليلة عرفة، وفيه تعقب على من قال كل ليلة تسبق يومها إلا ليلة عرفة فإن يومها يسبقها، فقد شاركتها ليلة النفر في ذلك‏.‏
قوله فيه ‏(‏ما كنت تطوفين بالبيت ليالي قدمنا مكة‏؟‏ قلت لا‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية أبي ذر عن المستملي ‏"‏ قلت بلى ‏"‏ وهي محمولة على أن المراد ما كنت أطوف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحاضت صفية‏)‏ أي في أيام منى، سيأتي في أبواب الإدلاج من المحصب أن حيضها كان ليلة النفر، زاد الحاكم عن إبراهيم عند مسلم ‏"‏ لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة، فقال عقرى ‏"‏ الحديث، وهذا يشعر بأن الوقت الذي أراد منها ما يريد الرجل من أهله كان بالقرب من وقت النفر من منى، واستشكله بعضهم بناء على ما فهمه أن ذلك كان وقت الرحيل، وليس ذلك بلازم لاحتمال أن يكون الوقت الذي أراد منها ما أراد سابقا على الوقت الذي رآها فيه على باب خبائها الذي هو وقت الرحيل، بل ولو اتحد الوقت لم يكن ذلك مانعا من الإرادة المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عقرى حلقى‏)‏ بالفتح فيهما ثم السكون وبالقصر بغير تنوين في الرواية، ويجوز في اللغة التنوين وصوبه أبو عبيد، لأن معناه الدعاء بالعقر والحلق، كما يقال سقيا ورعيا ونحو ذلك من المصادر التي يدعى بها، وعلى الأول هو نعت لا دعاء، ثم معنى عقري عقرها الله أي جرحها وقيل جعلها عاقرا لا تلد، وقيل عقر قومها‏.‏
ومعنى حلقي حلق شعرها وهو زينة المرأة، أو أصابها وجع في حلقها، أو حلق قومها بشؤمها أي أهلكهم‏.‏
وحكى القرطبي أنها كلمة تقولها اليهود للحائض، فهذا أصل هاتين الكلمتين، ثم اتسع العربي في قولهما بغير إرادة حقيقتهما كما قالوا قاتله الله وتربت يداه ونحو ذلك، قال القرطبي وغيره‏:‏ شتان بين قوله صلى الله عليه وسلم هذا لصفية وبين قوله لعائشة لما حاضت منه في الحج ‏"‏ هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ‏"‏ لما يشعر به من الميل لها والحنو عليها بخلاف صفية‏.‏
قلت‏:‏ وليس فيه دليل على اتضاع قدر صفية عنده، لكن اختلف الكلام باختلاف المقام، فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفا على ما فاتها من النسك فسلاها بذلك، وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله فأبدت المانع فناسب كلا منهما ما خاطبها به في تلك الحالة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا بأس انفري‏)‏ هو بيان لقوله في الرواية الماضية أول الباب ‏"‏ فلا إذا ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة ‏"‏ قال اخرجوا ‏"‏ وفي رواية عمرة ‏"‏ قال اخرجي ‏"‏ وفي رواية الزهري عن عروة عن عائشة في المغازي ‏"‏ فلتنفر ‏"‏ ومعانيها متقاربة، والمراد بها كلها الرحيل من منى إلى جهة المدينة‏.‏
وفي أحاديث الباب أن طواف الإفاضة ركن، وأن الطهارة شرط لصحة الطواف، وأن طواف الوداع واجب وقد تقدم ذلك، واستدل به على أن أمير الحاج يلزمه أن يؤخر الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة، وتعقب باحتمال أن تكون إرادته صلى الله عليه وسلم تأخير الرحيل إكراما لصفية كما احتبس بالناس على عقد عائشة‏.‏
وأما الحديث الذي أخرجه البزار من حديث جابر وأخرجه البيهقي في فوائده من طريق أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ أميران وليسا بأميرين‏:‏ من تبع جنازة فليس له أن ينصرف حتى تدفن أو يأذن أهلها، والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض قبل طواف الركن فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم ‏"‏ فلا دلالة فيه على الوجوب إن كان صحيحا، فإن في إسناد كل منهما ضعفا شديدا‏.‏
وقد ذكر مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أنه يلزم الجمال أن يحبس لها إلى انقضاء أكثر مدة الحيض، وكذا على النفساء‏.‏
واستشكله ابن المواز بأن فيها تعريضا للفساد كقطع الطريق، وأجاب عياض بأن محل ذلك مع أمن الطريق كما أن محله أن كون مع المرأة محرم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مسدد‏:‏ قلت لا‏.‏
وتابعه جرير عن منصور في قوله لا‏)‏ هذا التعليق لم يقع في رواية أبي ذر وثبت لغيره، فأما رواية مسدد فرويناها كذلك في مسنده رواية أبي خليفة عنه قال ‏"‏ حدثنا أبو عوانة ‏"‏ فذكر الحديث بسنده ومتنه وقال فيه ‏"‏ ما كنت طفت ليالي قدمنا‏؟‏ قلت‏:‏ لا ‏"‏ وأما رواية جرير فوصلها المصنف في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ عن عثمان بن أبي شيبة عنه وقال فيه ‏"‏ ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة‏؟‏ قلت‏:‏ لا ‏"‏ وهذا يؤيد صحة ما وقع في رواية المستملي حيث وقع عنده بلى موضع لا كما تقدم، وتقدم توجيهه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n157&p1#TOP)باب مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْأَبْطَحِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح‏)‏ أي البطحاء التي بين مكة ومنى، وهي ما انبطح من الوادي واتسع‏.‏
وهي التي يقال لها المحصب والمعرس، وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث أنس الأول في ‏"‏ باب أين يصلي الظهر يوم التروية ‏"‏ وهو مطابق لما ترجم به هنا‏.‏
وفي سياق حديث أنس الثاني ما يشعر بأنه صلى بالأبطح وهو المحصب مع ذلك المغرب والعشاء ورقد، ثم ركب إلى البيت فطاف به أي طواف الوداع، وأما قوله فيه ‏"‏ أنه صلى الظهر ‏"‏ فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال لأنه رمى فنفر فنزل المحصب فصلى الظهر به‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n157&p1#TOP)باب الْمُحَصَّبِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المحصب‏)‏ بمهملتين ثم موحدة بوزن ‏"‏ محمد ‏"‏ أي ما حكم النزول به‏؟‏ وقد نقل ابن المنذر الاختلاف في استحبابه مع الاتفاق على أنه ليس من المناسك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ يَعْنِي بِالْأَبْطَحِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن سفيان حدثنا هشام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما كان منزلا‏)‏ في رواية مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام ‏"‏ نزول الأبطح ليس بسنه إنما نزله ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسمح‏)‏ أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي في ذلك البطيء والمعتدل، ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تعني بالأبطح‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ تعني الأبطح ‏"‏ بحذف الموحدة‏.‏
وفي رواية مسلم المذكورة ‏"‏ كان أسمح لخروجه إذا خرج‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏قال عمرو‏)‏ هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح، قال الدارقطني هذا الحديث سمعه سفيان من الحسن بن صالح عن عمرو بن دينار، يعني أنه دلسه هنا عن عمرو، وتعقب بأن الحميدي أخرجه في مسنده عن سفيان قال ‏"‏ حدثنا عمرو ‏"‏ وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة عن سفيان فانتفت تهمة تدليسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس التحصيب بشيء‏)‏ أي من أمر المناسك الذي يلزم فعله قاله ابن المنذر، وقد روى أحمد من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت ‏"‏ ثم ارتحل حتى نزل الحصبة قالت والله ما نزلها إلا من أجلي ‏"‏ وروى مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق سليمان بن يسار عن أبي رافع قال ‏"‏ لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل ‏"‏ ا ه، لكن لما نزله النبي صلى الله عليه وسلم كان النزول به مستحبا اتباعا له لتقريره على ذلك‏.‏
وقد فعله الخلفاء بعده كما رواه مسلم من طريق عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ينزلون الأبطح ‏"‏ وسيأتي للمصنف في الباب الذي يليه، لكن ليس فيه ذكر أبي بكر، ومن طريق أخرى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى التحصيب سنة، قال نافع ‏"‏ وقد حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده ‏"‏ فالحاصل أن من نفي أنه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء، ومن أثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم لا الإلزام بذلك، ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس، ويأتي نحوه من حديث ابن عمر في الباب الذي يليه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n157&p1#TOP)باب النُّزُولِ بِذِي طُوًى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ وَالنُّزُولِ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة، والنزول بالبطحاء التي بذي الحليفة‏)‏ أي قبل أن يدخل المدينة، والمقصود بهذه الترجمة الإشارة إلى أن اتباعه صلى الله عليه وسلم في النزول بمنازله لا يختص بالمحصب، وقد تقدم الكلام على مكان الدخول إلى مكة في أوائل الحج، والنزول ببطحاء ذي الحليفة صريح في حديث الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بذي الطوى‏)‏ كذا للمستملي والسرخسي بإثبات الألف واللام ولغيرهما بحذفهما‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا لَمْ يُنِخْ نَاقَتَهُ إِلَّا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأْتِي الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ فَيَبْدَأُ بِهِ ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعًا ثَلَاثًا سَعْيًا وَأَرْبَعًا مَشْيًا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَنْطَلِقُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنِيخُ بِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين الثنيتين‏)‏ أي التي بين الثنيتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم ينخ ناقته إلا عند باب المسجد‏)‏ أي إذا بات بذي طوى ثم أصبح ركب ناقته فلم ينخها إلا بباب المسجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيصلي سجدتين‏)‏ وفي رواية الكشميهني ركعتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان إذا صدر‏)‏ أي رجع متوجها نحو المدينة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ سُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ الْمُحَصَّبِ فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُصَلِّي بِهَا يَعْنِي الْمُحَصَّبَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَالَ وَالْمَغْرِبَ قَالَ خَالِدٌ لَا أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سئل عبيد الله‏)‏ يعني ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو وابن عمر‏)‏ هو عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وعن عمر منقطع وعن ابن عمر موصول، ويحتمل أن يكون نافع سمع ذلك من ابن عمر فيكون الجميع موصولا ويدل عليه رواية عبد الرزاق التي قدمتها في الباب الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن نافع‏)‏ هو معطوف على الإسناد الذي قبله وليس بمعلق، وقد رواه البيهقي من طريق حميد بن مسعدة عن خالد بن الحارث مثله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصلي بها يعني المحصب‏)‏ قيل فسر الضمير المؤنث بلفظ مذكر وأراد البقعة، ولأن من أسمائها البطحاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال خالد‏)‏ هو ابن الحارث راوي أصل الإسناد وهو مؤيد للعطف الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا أشك في العشاء‏)‏ يريد أنه شك في ذكر المغرب، وقد رواه سفيان بن عيينة بغير شك في المغرب ولا غيرها عن أيوب، وعن عبيد الله بن عمر جميعا عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يصلي بالأبطح الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع هجعة ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، وهو عند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني وعن أيوب عن نافع كلاهما عن ابن عمر‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n157&p1#TOP)باب مَنْ نَزَلَ بِذِي طُوًى إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقْبَلَ بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ دَخَلَ وَإِذَا نَفَرَ مَرَّ بِذِي طُوًى وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة‏)‏ تقدم الكلام على النزول بذي طوى والمبيت بها إلى الصبح لمن أراد أن يدخل مكة في أوائل الحج، والمقصود بهذه الترجمة مشروعية المبيت بها أيضا للراجع من مكة، وغفل الداودي فظن أن هذا المبيت متحد بالمبيت بالمحصب فجعل ذا طوى هو المحصب، وهو غلط منه، وإنما يقع المبيت بالمحصب في الليلة التي تلي يوم النفر من منى فيصبح سائرا إلى أن يصل إلى ذي طوى فينزل بها ويبيت، فهذا الذي يدل عليه سياق حديث الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال محمد بن عيسى‏)‏ هو ابن الطباع أخو إسحاق البصري‏.‏
حدثنا ‏(‏حماد‏)‏ اختلف في حماد هذا فجزم الإسماعيلي بأنه ابن سلمة، وجزم المزي بأنه ابن زيد فلم يذكر حماد بن سلمة في شيوخ محمد بن عيسى وذكر حماد بن زيد، ولم تقع في رواية محمد بن عيسى موصولة‏.‏
وقد أخرج الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق حماد بن زيد عن أيوب طرفا من الحديث وليس فيه مقصود الترجمة، وهذا الطرف تقدم في ‏"‏ باب الاغتسال لدخول مكة ‏"‏ من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب، وأخرجه الإسماعيلي هنا عن الحسن بن سفيان عن محمد بن أبان عن حماد بن سلمة عن أيوب، ولم يذكر مقصود الترجمة، فلم يتضح لي صحة ما قال أن حمادا في التعليق عن محمد بن عيسى هذا هو ابن سلمة، بل الظاهر أنه ابن زيد والله أعلم‏.‏
وليس لمحمد بن عيسى هذا في البخاري سوى هذا الموضع وآخر في كتاب الأدب سيأتي بسط القول فيه إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا نفر مر بذي طوى‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وإذا نفر مر من ذي طوى إلخ ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ وليس هذا أيضا من مناسك الحج‏.‏
قلت وإنما يؤخذ منه أماكن نزوله صلى الله عليه وسلم ليتأسى به فيها، إذ لا يخلو شيء من أفعاله عن حكمة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n157&p1#TOP)باب التِّجَارَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ وَالْبَيْعِ فِي أَسْوَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية‏)‏ أي جواز ذلك، والموسم بفتح الميم وسكون الواو وكسر المهملة قال الأزهري سمي بذلك لأنه معلم يجتمع إليه الناس مشتق من السمة وهي العلامة، وذكر في حديث الباب من أسواق الجاهلية اثنين وترك اثنين سنذكرهما إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عمرو بن دينار‏)‏ في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ هذا هو المحفوظ، ووقع عند الإسماعيلي عن المنيعي عن عثمان بن أبي شيبة عن يحيي بن أبي زائدة عن ابن جريج عن عمرو عن ابن الزبير، قال الإسماعيلي‏:‏ كذا في كتابي وعليه صح‏.‏
قلت‏:‏ وهو وهم من بعض رواته كأنه دخل عليه حديث في حديث، فإن حديث ابن الزبير عند ابن عيينة وابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عنه وهو أخصر من سياق ابن عباس، وقد رواه ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس ثم لم يختلف عليه في ذلك، كذلك رواه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي زائدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان ذو المجاز‏)‏ بفتح الميم وتخفيف الجيم وفي آخره زاي وهو بلفظ ضد الحقيقة، وعكاظ بضم المهملة وتخفيف الكاف وفي آخره ظاء مشالة، زاد ابن عيينة عن عمر وكما سيأتي في أوائل البيوع وفي تفسير البقرة ‏"‏ ومجنة ‏"‏ وهي بفتح الميم وكسر الجيم وتشديد النون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏متجر الناس في الجاهلية‏)‏ أي مكان تجارتهم وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ أسواقا في الجاهلية ‏"‏ فأما ذو المجاز فذكر الفاكهي من طريق ابن إسحاق أنها كانت بناحية عرفة إلى جانبها، وعند الأزرقي من طريق هشام بن الكلبي أنه كان لهذيل على فرسخ من عرفة، ووقع في شرح الكرماني أنه كان بمنى وليس بشيء، لما رواه الطبري عن مجاهد أنهم كانوا لا يبيعون ولا يبتاعون في الجاهلية بعرفة ولا منى، لكن سيأتي عن تخريج الحاكم خلاف ذلك‏.‏
وأما عكاظ فعن ابن إسحاق أنها فيما بين نخلة والطائف إلى بلد يقال له الفتق بضم الفاء والمثناة بعدها قاف، وعن ابن الكلبي أنها كانت وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء، وكانت لقيس وثقيف‏.‏
وأما مجنة فعن ابن إسحاق أنها كانت بمر الظهران إلى جبل يقال له الأصغر، وعن ابن الكلبي كانت بأسفل مكة على بريد منها غربي البيضاء وكانت لكنانة، وذكر من أسواق العرب في الجاهلية أيضا حباشة بضم المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف معجمة، وكانت في ديار بارق نحو قنوني بفتح القاف وبضم النون الخفيفة وبعد الواو نون مقصورة من مكة إلى جهة اليمن على ست مراحل، قال وإنما لم يذكر هذه السوق في الحديث لأنها لم تكن من مواسم الحج، وإنما كانت تقام في شهر رجب، قال الفاكهي‏.‏
ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أول ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة وآخر ما ترك منها سوق حباشة في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة سبع وتسعين ومائة‏.‏
ثم أسند عن ابن الكلبي أن كل شريف كان إنما يحضر سوق بلده إلا سوق عكاظ فإنهم كانوا يتوافون بها من كل جهة، فكانت أعظم تلك الأسواق‏.‏
وقد وقع ذكرها في أحاديث أخرى منها حديث ابن عباس ‏"‏ أنطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ‏"‏ الحديث في قصه الجن، وقد مضى في الصلاة ويأتي في التفسير‏.‏
وروى الزبير بن بكار في ‏"‏ كتاب النسب ‏"‏ من طريق حكيم بن حزام أنها كانت تقام صبح هلال ذي القعدة إلى أن يمضي عشرون يوما، قال‏:‏ ثم يقام سوق مجنة عشرة أيام إلى هلال ذي الحجة، ثم يقوم سوق ذي المجاز ثمانية أيام، ثم يتوجهون إلى منى للحج‏.‏
وفي حديث أبي الزبير عن جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في الموسم بمجنة وعكاظ يبلغ رسالات ربه ‏"‏ الحديث أخرجه أحمد وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كأنهم‏)‏ أي المسلمين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كرهوا ذلك‏)‏ في رواية ابن عيينة ‏"‏ فكأنهم تأثموا ‏"‏ أي خشوا من الوقوع في الإثم للاشتغال في إياها النسك بغير العبادة‏.‏
وأخرج الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من طريق عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس ‏"‏ إن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق المجاز ومواسم الحج، فخافوا البيع وهم حرم، فأنزل الله تعالى ‏(‏لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم‏)‏ في مواسم الحج ‏"‏ قال فحدثني عبيد بن عمير أنه كان يقرأها في المصحف، ولأبي داود وإسحاق بن راهويه من طريق مجاهد عن ابن عباس ‏"‏ كانوا لا يتجرون بمنى، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات ‏"‏ وقرأ هذه الآية، وأخرجه إسحاق في مسنده من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ كانوا يمنعون البيع والتجارة في أيام الموسم يقولون‏:‏ إنها أيام ذكر، فنزلت ‏"‏ وله من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس ‏"‏ كانوا يكرهون أن يدخلوا في حجهم التجارة حتى نزلت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى نزلت إلخ‏)‏ سيأتي في تفسير البقرة عن ابن عمر قول آخر في سبب نزولها‏.‏
قولها ‏(‏في مواسم إلخ‏)‏ قال الكرماني‏:‏ هو كلام الراوي ذكره تفسيرا انتهى‏.‏
وفاته ما زاده المصنف في آخر حديث ابن عيينة في البيوع ‏"‏ قرأها ابن عباس ‏"‏ ورواه ابن عمر في مسنده عن ابن عيينة وقال في آخره ‏"‏ وكذلك كان ابن عباس يقرأها ‏"‏ وروى الطبري بإسناد صحيح عن أيوب عن كرمة أنه كان يقرأها كذلك، فهي على هذا من القراءة الشاذة وحكمها عند الأئمة حكم التفسير، واستدل بهذا الحديث على جواز البيع والشراء للمعتكف قياسا على الحج، والجامع بينهما العبادة، وهو قول الجمهور‏.‏
وعن مالك كراهة ما زاد على الحاجة كالخبز إذا لم يجد من يكفيه، وكذا كرهه عطاء ومجاهد والزهري، ولا ريب أنه خلاف الأولى، والآية إنما نفت الجناح ولا يلزم من نفيه نفي أولوية مقابله‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:22 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n157&p1#TOP)باب الِادِّلَاجِ مِنْ الْمُحَصَّبِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإدلاج من المحصب‏)‏ وقع في رواية لأبي ذر الإدلاج بسكون الدال والصواب تشديدها فإنه بالسكون سير أول الليل وبالتشديد سير آخره وهو المراد هنا، والمقصود الرحيل من مكان المبيت بالمحصب سحرا وهو الواقع في قصة عائشة، ويحتمل أن تكون الترجمة لأجل رحيل عائشة مع أخيها للاعتمار فإنها رحلت معه من أول الليل فقصد المصنف التنبيه على أن المبيت ليس بلازم وأن السير من هناك من أول الليل جائز، وسيأتي الكلام على حديث عائشة قريبا في أبواب العمرة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فَقَالَتْ مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْرَى حَلْقَى أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قِيلَ نَعَمْ قَالَ فَانْفِرِي قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلْقَى عَقْرَى مَا أُرَاهَا إِلَّا حَابِسَتَكُمْ ثُمَّ قَالَ كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَانْفِرِي قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَكُنْ حَلَلْتُ قَالَ فَاعْتَمِرِي مِنْ التَّنْعِيمِ فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا فَقَالَ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبي‏)‏ هو حفص بن غياث والإسناد كله إلى عائشة كوفيون، وليس في المتن الذي ساقه من طريق حفص مقصود الترجمة، وإنما أشار إلى أن القصة التي في روايته وفي رواية محاضر واحدة‏.‏
وقد تقدم لكلام على قصة صفية قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزادني محمد‏)‏ وقع في رواية أبي علي بن السكن ‏"‏ محمد بن سلام ‏"‏ ومحاضر بضم الميم وجاء مهملة خفيفة وبعد الألف ضاد معجمة لم يخرج عنه البخاري في كتابه إلا تعليقا، لكن هذا الموضع ظاهر الوصل، ويأتي الكلام على حديث عائشة مستوفي إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله فيه ‏"‏ فخرج معها أخوها ‏"‏ هو عبد الرحمن بن أبي بكر كما سيأتي، وقوله فيه ‏"‏ فلقيناه ‏"‏ أي إنهما لقيا النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏مدلجا‏)‏ هو بتشديد الدال أي سائرا من آخر الليل، فإنهما لما رجعا إلى المنزل بعد أن قضت عائشة العمرة صادفا النبي صلى الله عليه وسلم متوجها إلى طواف الوداع، وقوله ‏"‏موعدك كذا وكذا ‏"‏ أي موضع المنزلة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ اشتمل كتاب الحج من أوله إلى أبواب العمرة على ثلثمائة واثني عشر حديثا، المعلق منها سبعة وخمسون حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وأحد وتسعون حديثا والخالص منها مائة وأحد وعشرون حديثا، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث جابر في ‏"‏ الإهلال ‏"‏ ‏"‏ إذا استقلت الراحلة ‏"‏ وحديث أنس في ‏"‏ الحج على رحل رث ‏"‏ وحديث عائشة ‏"‏ لكن أفضل الجهاد حج مبرور ‏"‏ وحديث ابن عباس في نزول ‏(‏وتزودوا فإن خير الزاد التقوى‏)‏ ، وحديث عمر ‏"‏ حد لأهل نجد قرنا ‏"‏ وحديثه ‏"‏ وقل عمرة في حجة ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ انطلق من المدينة بعدما ترجل وادهن ‏"‏ وحديثه أنه سئل عن متعة الحج، وحديث أبي سعيد ‏"‏ ليحجن البيت وليعتمرن بعد يأجوج ومأجوج ‏"‏ وحديث ابن عباس في هدم الكعبة على يد الأسود، وحديثه في ترك دخول الكعبة وفيها الأصنام، وحديث ابن عمر في استلام الحجر وتقبيله، وحديث عائشة في طوافها حجرة من الرجال، وحديث ابن عباس ‏"‏ مر برجل يطوف وقد خزم أنفه ‏"‏ وحديث الزهري المرسل ‏"‏ لم يطف إلا صلى ركعتين ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ قدم فطاف وسعى ‏"‏ وحديث عائشة في كراهة الطواف بعد الصبح، وحديث ابن عباس في الشرب من سقاية العباس، وحديث ابن عمر في تعجيل الوقوف، وحديث ابن عباس ‏"‏ ليس البر بالإيضاع ‏"‏ وحديثه في تقديم الضعفة، وحديث عمر في إفاضة المشركين من مزدلفة، وحديث المسور ومروان في الهدي، وحديث ابن عمر في النحر في المنحر، وحديث جابر في السؤال عن الحلق قبل الذبح، وحديث ابن عمر ‏"‏ حلق في حجته ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ أخر الزيارة إلى الليل ‏"‏ وحديث عائشة في ذلك، وحديث جابر في رمي جمرة العقبة ضحى وبعد ذلك بعد الزوال، وحديث ابن عمر في هذا المعنى، وحديثه ‏"‏ كان يرمي الجمرة الدنيا يسبع ويكبر مع كل حصاة ‏"‏ وحديثه في نزول المحصب، وحديث ابن عباس ‏"‏ كان ذو المجاز وعكاظ‏"‏‏.‏
وفيه من الآثار الموقوفة عن الصحابة والتابعين ستون أثرا أكثرها معلق‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ الْعُمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - أبواب العمرة‏.‏
باب وجوب العمرة وفضلها‏)‏ سقطت البسملة لأبي ذر، وثبتت الترجمة هكذا في روايته عن المستملي، وسقط عنده عن غيره ‏"‏ أبواب العمرة ‏"‏ وثبت لأبي نعيم في المستخرج ‏"‏ كتاب العمرة ‏"‏ وللأصيلي وكريمة ‏"‏ باب العمرة وفضلها ‏"‏ حسب‏.‏
والعمرة في اللغة الزيارة، وقيل إنها مشتقة من عمارة المسجد الحرام، وجزم المصنف بوجوب العمرة، وهو متابع في ذلك للمشهور عن الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل الأثر، والمشهور عن المالكية أن العمرة تطوع وهو قول الحنفية، واستدلوا بما رواه الحجاج بن أرطأة عن محمد بن المنكدر عن جابر ‏"‏ أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن العمرة أواجبة هي‏؟‏ فقال‏:‏ لا، وأن تعتمر خير لك ‏"‏ أخرجه الترمذي، والحجاج ضعيف‏.‏
وقد روى ابن لهيعة عن عطاء عن جابر مرفوعا ‏"‏ الحج والعمرة فريضتان ‏"‏ أخرجه ابن عدي، وابن لهيعة ضعيف ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شيء، بل روى ابن الجهم المالكي بإسناد حسن عن جابر ‏"‏ ليس مسلم إلا عليه عمرة ‏"‏ موقوف على جابر، واستدل الأولون بما ذكر في هذا الباب وبقول صبي بن معبد لعمر ‏"‏ رأيت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما‏.‏
فقال له‏:‏ هديت لسنة نبيك ‏"‏ أخرجه أبو داود‏.‏
وروى ابن خزيمة وغيره في حديث عمر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام فوقع فيه ‏"‏ وإن تحج وتعتمر ‏"‏ وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه، وبأحاديث أخر غير ما ذكر، وبقوله تعالى ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ أي أقيموهما‏.‏
وزعم الطحاوي أن معنى قول ابن عمر ‏"‏ العمرة واجبة ‏"‏ أي وجوب كفاية، ولا يخفى بعده مع اللفظ الوارد عن ابن عمر كما سنذكره، وذهب ابن عباس وعطاء وأحمد إلى أن العمرة لا تجب على أهل مكة وإن وجبت على غيرهم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n157&p1#TOP)باب وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَفَضْلِهَا
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر‏)‏ هذا التعليق وصله ابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طريق ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول ‏"‏ ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع سبيلا، فمن زاد شيئا فهو خير وتطوع ‏"‏ وقال سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ الحج والعمرة فريضتان‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏)‏ هذا التعليق وصله الشافعي وسعيد بن منصور كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا يقول سمعت ابن عباس يقول ‏"‏ والله إنها لقرينتها في كتاب الله‏:‏ وأتموا الحج والعمرة لله ‏"‏ وللحاكم من طريق عطاء عن ابن عباس ‏"‏ الحج والعمرة فريضتان ‏"‏ وإسناده ضعيف، والضمير في قوله ‏"‏ لقرينتها ‏"‏ للفريضة وكان أصل الكلام أن يقول لقرينته لأن المراد الحج‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سمي‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ تفرد سمي بهذا الحديث واحتاج إليه الناس فيه فرواه عنه مالك والسفيانان وغيرهما حتى أن سهيل بن أبي صالح حدث به عن سمي عن أبي صالح فكأن سهيلا لم يسمعه من أبيه، وتحقق بذلك تفرد سمي به فهو من غرائب الصحيح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما‏)‏ أشار ابن عبد البر إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال‏:‏ وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى تعميم ذلك، ثم بالغ في الإنكار عليه، وقد تقدم التنبيه على الصواب في ذلك أوائل مواقيت الصلاة‏.‏
واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر فماذا تكفر العمرة‏؟‏ والجواب أن تكفير العمرة مقيد بزمنها، وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد، فتغايرا من هذه الحيثية‏.‏
وأما مناسبة الحديث لأحد شقي الترجمة وهو وجوب العمرة فمشكل، بخلاف الشق الآخر وهو فضلها فإنه واضح، وكأن المصنف والله أعلم أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعا ‏"‏ تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابع بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد‏.‏
وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة ‏"‏ فإن ظاهره التسوية بين أصل الحج والعمرة فيوافق قول ابن عباس ‏"‏ إنها لقرينتها في كتاب الله ‏"‏ وأما إذا اتصف الحج بكونه مبرورا فذلك قدر زائد، وقد تقدم الكلام على المراد به في أوائل الحج‏.‏
ووقع عند أحمد وغيره من حديث جابر مرفوعا ‏"‏ الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة‏.‏
قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بر الحج‏؟‏ قال إطعام الطعام وإفشاء السلام ‏"‏ ففي هذا تفسير المراد بالبر في الحج، ويستفاد من حديث ابن مسعود المذكور المراد بالتكفير المبهم في حديث أبي هريرة، وفي حديث الباب دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال مرة في الشهر من غيرهم واستدل لهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة، وأفعاله على الوجوب أو الندب، وتعقب بأن المندوب لم ينحصر في أفعاله، فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لرفع المشقة عن أمته، وقد ندب إلى ذلك بلفظه فثبت الاستحباب من غير تقييد‏.‏
واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا بأعمال الحج، إلا ما نقل عن الحنفية أنه يكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ونقل الأثرم عن أحمد‏:‏ إذا اعتمر فلا بد أن يحلق أو يقصر، فلا يعتمر بعد ذلك إلى عشرة أيام ليمكن حلق الرأس فيها، قال ابن قدامة‏:‏ هذا يدل على كراهة الاعتمار عنده في دون عشرة أيام‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ قوله ‏"‏ العمرة إلى العمرة ‏"‏ يحتمل أن تكون إلى بمعنى مع فيكون التقدير العمرة مع العمرة مكفرة لما بينهما، وفي الحديث أيضا إشارة إلى جواز الاعتمار قبل الحج وهو من حديث ابن مسعود الذي أشرنا إليه عند الترمذي وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n157&p1#TOP)باب مَنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من اعتمر قبل الحج‏)‏ أي هل تجزئه العمرة أم لا‏؟‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَالَ لَا بَأْسَ قَالَ عِكْرِمَةُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن محمد‏)‏ هو المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن عكرمة بن خالد‏)‏ هو المخزومي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سأل‏)‏ هذا السياق يقتضي أن هذا الإسناد مرسل لأن ابن جريج لم يدرك زمان سؤال عكرمة لابن عمر، ولهذا استظهر البخاري بالتعليق عن ابن إسحاق المصرح بالاتصال ثم بالإسناد الآخر عن ابن جريج، فهو يرفع هذا الإشكال المذكور حيث قال عن ابن جريج قال ‏"‏ قال عكرمة ‏"‏ فإن قيل إن ابن جريج ربما دلس فالجواب أن ابن خزيمة أخرجه من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج قال ‏"‏ قال عكرمة بن خالد ‏"‏ فذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا بأس‏)‏ زاد أحمد وابن خزيمة ‏"‏ فقال لا بأس على أحد أن يعتمر قبل أن يحج‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عكرمة‏)‏ هو ابن خالد بالإسناد المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم بن سعد إلخ‏)‏ وصله أحمد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد بالإسناد المذكور ولفظه ‏"‏ حدثنا عكرمة بن خالد بن العاصي المخزومي قال‏:‏ قدمت المدينة في نفر من أهل مكة فلقيت عبد الله بن عمر فقلت‏:‏ إنا لم نحج قط، أفنعتمر من المدينة‏؟‏ قال‏:‏ نعم، وما يمنعكم من ذلك‏؟‏ فقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمره كلها قبل حجه‏.‏
قال فاعتمرنا ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ هذا يدل على أن فرض الحج كان قد نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قبل اعتماره، ويتفرع عليه هل الحج على الفور أو التراخي، وهذا يدل على أنه على التراخي، قال‏:‏ وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة دال على ذلك انتهى‏.‏
وقد نوزع في ذلك إذ لا يلزم من صحة تقديم أحد النسكين على الآخر نفي الفورية فيه‏.‏
وقد تقدم في أول الحج نقل الخلاف في ابتداء فرض الحج، وسيأتي الكلام على عدة عمر النبي صلى الله عليه وسلم في الباب الذي يليه، ومن الصريح في الترجمة الأثر المذكور في آخر الباب الذي يليه عن مسروق وعطاء ومجاهد قالوا ‏"‏ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج ‏"‏ وحديث البراء في ذلك أيضا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n157&p1#TOP)باب كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أورد فيه حديث عائشة وابن عمر في أنه اعتمر أربعا، وكذا حديث أنس، وختم بحديث البراء أنه اعتمر مرتين، والجمع بينه وبين أحاديثهم أنه لم يعد العمرة التي قرنها بحجته لأن حديثه مقيد بكون ذلك وقع في ذي القعدة والتي في حجته كانت في ذي الحجة، وكأنه لم يعد أيضا التي صد عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة أو عدها ولم يعد عمرة الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره كما ذكر ذلك محرش الكعبي فيما أخرجه الترمذي، وروى يونس بن بكبر في ‏"‏ زيادات المغازي ‏"‏ وعبد الرزاق جميعا عن عمر بن ذر عن مجاهد عن أبي هريرة قال ‏"‏ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر في ذي القعدة ‏"‏ وهو موافق لحديث عائشة وابن عمر وزاد عليه تعيين الشهر، لكن روى سعيد بن منصور عن الدراوردي عن هشام عن أبيه عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر‏:‏ عمرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال ‏"‏ إسناده قوي، وقد رواه ابن مالك عن هشام عن أبيه مرسلا‏.‏
لكن قولها ‏"‏ في شوال ‏"‏ مغاير لقول غيرها ‏"‏ في ذي القعدة ‏"‏ ويجمع بينهما بأن يكون ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة، ويؤيده ما رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن مجاهد عن عائشة ‏"‏ لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ صَلَاةَ الضُّحَى قَالَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ فَقَالَ بِدْعَةٌ ثُمَّ قَالَ لَهُ كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ قَالَ وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ فَقَالَ عُرْوَةُ يَا أُمَّاهُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ مَا يَقُولُ قَالَ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ قَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا جرير‏)‏ هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏المسجد‏)‏ يعني مسجد المدينة النبوية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جالس إلى حجرة عائشة‏)‏ في رواية مفضل عن منصور عند أحمد ‏"‏ فإذا ابن عمر مستند إلى حجرة عائشة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا أناس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فإذا ناس ‏"‏ بغير ألف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال بدعة‏)‏ تقدم الكلام على ذلك والبحث فيه في أبواب التطوع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال له‏)‏ يعني عروة، وصرح به مسلم في روايته عن إسحاق بن راهويه عن جرير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أربع‏)‏ كذا للأكثر ولأبي ذر ‏"‏ قال أربعا ‏"‏ أي اعتمر أربعا‏.‏
قال ابن مالك‏:‏ الأكثر في جواب الاستفهام مطابقة اللفظ والمعنى، وقد يكتفي بالمعنى، فمن الأول قوله تعالى ‏(‏قال هي عصاي‏)‏ في جواب ‏(‏وما تلك بيمينك يا موسى‏)‏ ومن الثاني قوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏ أربعين ‏"‏ في جواب قولهم ‏"‏ كم يلبث ‏"‏ فأضمر يلبث ونصب به أربعين، ولو قصد تكميل المطابقة لقال أربعون، لأن الاسم المستفهم به في موضع الرفع، فظهر بهذا أن النصب والرفع جائزان في مثل قوله أربع، إلا أن النصب أقيس وأكثر نظائر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إحداهن في رجب‏)‏ كذا وقع في رواية منصور عن مجاهد، وخالفه أبو إسحاق فرواه عن مجاهد عن ابن عمر، قال ‏"‏ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، فبلغ ذلك عائشة فقالت‏:‏ اعتمر أربع عمر ‏"‏ أخرجه أحمد وأبو داود فاختلفا، جعل منصور الاختلاف في شهر العمرة وأبو إسحاق الاختلاف في عدد الاعتمار، ويمكن تعدد السؤال بأن يكون ابن عمر سئل أولا عن العدد فأجاب فردت عليه عائشة فرجع إليها، فسأل مرة ثانية فأجاب بموافقتها‏.‏
ثم سئل عن الشهر فأجاب بما في ظنه‏.‏
وقد أخرج أحمد من طريق الأعمش عن مجاهد قال ‏"‏ سأل عروة بن الزبير ابن عمر في أي شهر اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ في رجب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكرهنا أن نرد عليه‏)‏ زاد إسحاق في روايته ‏"‏ ونكذبه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسمعنا استنان عائشة‏)‏ أي حس مرور السواك على أسنانها‏.‏
وفي رواية عطاء عن عروة عند مسلم ‏"‏ وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عمرات‏)‏ يجوز في ميمها الحركات الثلاث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يا أماه‏)‏ كذا للأكثر بسكون الهاء، ولأبي ذر ‏"‏ يا أمه ‏"‏ بسكون الهاء أيضا بغير ألف، وقول عروة لهذا بالمعنى الأخص لكونها خالته وبالمعنى الأعم لكونها أم المؤمنين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يرحم الله أبا عبد الرحمن‏)‏ هو عبد الله بن عمر ذكرته بكنيته تعظيما له ودعت له إشارة إلى أنه نسي، و قوله‏:‏ ‏(‏وما اعتمر‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏عمرة إلا وهو‏)‏ أي ابن عمر ‏(‏شاهده‏)‏ أي حاضر معه‏.‏
وقالت ذلك مبالغة في نسبته إلى النسيان، ولم تنكر عائشة على ابن عمر إلا قوله إحداهن في رجب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما اعتمر في رجب قط‏)‏ زاد عطاء عن عروة عند مسلم في آخره ‏"‏ قال وابن عمر يسمع، فما قال لا ولا نعم، سكت‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجَبٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عروة بن الزبير سألت عائشة‏)‏ كذا أورده مختصرا، وأخرجه مسلم من هذا الوجه مطولا ذكر فيه قصة ابن عمر وسؤاله له نحو ما رواه مجاهد، إلا أنه لم يقل فيه ‏"‏ كم اعتمر ‏"‏ وقد أشرت إلى ما فيه من فائدة زائدة، وأغرب الإسماعيلي فقال‏:‏ هذا الحديث لا يدخل في باب كم اعتمر وإنما يدخل في باب متى اعتمر ا ه، وجوابه أن غرض البخاري الطريق الأولى، وإنما أورد هذه لينبه على الخلاف في السياق‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعٌ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَعُمْرَةٌ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ وَعُمْرَةُ الْجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ أُرَاهُ حُنَيْنٍ قُلْتُ كَمْ حَجَّ قَالَ وَاحِدَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة أراه حنين‏)‏ كذا وقع هنا بنصب غنيمة بغير تنوين، وكأن الراوي طرأ عليه شك فأدخل بين المضاف والمضاف إليه لفظ ‏"‏ أراه ‏"‏ وهو بضم الهمزة أي أظنه‏.‏
وقد رواه مسلم عن هدبة عن همام بغير شك فقال ‏"‏ حيث قسم غنائم حنين ‏"‏ وسقط من رواية حسان هذه العمرة الرابعة، ولهذا استظهر المصنف بطريق أبي الوليد التي ذكرها في آخر الحديث وهو قوله ‏"‏ وعمرة مع حجته ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من طريق عبد الصمد عن هشام، فتبين بهذا أن التقصير فيه من حسان شيخ البخاري‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ العمرة الرابعة في هذا الحديث داخلة في ضمن الحج لأنه صلى الله عليه وسلم إما أن يكون قارنا أو متمتعا فالعمرة حاصلة أو مفردا، لكن أفضل أنواع الإفراد لا بد فيه من العمرة في تلك السنة، ورسول الله لا يترك الأفضل انتهى‏.‏
وليس ما ادعى أنه الأفضل متفقا عليه بين العلماء، فكيف ينسب فعل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحتج به إذا نسب لأحد فعله على ما يختار بعض المجتهدين رجحانه‏.‏
قوله في رواية أبي الوليد ‏"‏ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث ردوه، ومن القابل عمرة الحديبية ‏"‏ قال ابن التين هذا أراه وهما لأن التي ردوه فيها هي عمرة الحديبية وأما التي من قابل فلم يردوه منها‏.‏
قلت‏:‏ لا وهم في ذلك لأن كلا منهما كان من الحديبية، ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ عمرة الحديبية ‏"‏ يتعلق بقوله حيث ردوه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ رَدُّوهُ وَمِنْ الْقَابِلِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ حَدَّثَنَا هُدْبَةُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ وَقَالَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَتَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَمِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هدبة حدثنا همام و قال اعتمر‏)‏ أي بالإسناد المذكور وهو ‏"‏ عن قتادة أن أنس بن مالك أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته ‏"‏ الحديث كذا ساقه مسلم عن هداب بن خالد وهو هدبة المذكور، وقوله ‏"‏إلا التي مع حجته ‏"‏ استشكل ابن التين هذا الاستثناء فقال‏.‏
هو كلام زائد، والصواب أربع عمر‏:‏ في ذي القعدة عمرة من الحديبية الحديث، قال‏.‏
وقد عد التي مع حجته في الحديث فكيف يستثنيها أولا‏؟‏ وأجاب عياض بأن الرواية صواب، وكأنه قال في ذي القعدة منها ثلاث والرابعة عمرته في حجته، أو المعنى كلها في ذي القعدة إلا التي اعتمر في حجته لأن التي في حجته كانت في ذي الحجة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَأَلْتُ مَسْرُوقًا وَعَطَاءً وَمُجَاهِدًا فَقَالُوا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَقَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏شريح بن مسلمة‏)‏ بمعجمة أوله ومهملة آخره، وإبراهيم بن يوسف أي ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي، ورجال هذا الحديث كلهم كوفيون إلا عطاء ومجاهدا، وقد سبق الكلام عليه وتقدم الكلام على الخلاف فيما كان صلى الله عليه وسلم به محرما في حجته والجمع بين ما اختلف فيه من ذلك فأغنى عن إعادته، والمشهور عن عائشة أنه كان مفردا وحديثه هذا يشعر بأنه كان قارنا، وكذا ابن عمر أنكر على أنس كونه كان قارنا مع أن حديثه هذا يدل على أنه كان قارنا لأنه لم ينقل أنه اعتمر بعد حجته فلم يبق إلا أنه اعتمر مع حجته، ولم يكن متمتعا لأنه اعتذر عن ذلك بكونه ساق الهدي، واحتاج ابن بطال إلى تأويل ما وقع عن عائشة وابن عمر هنا فقال‏:‏ إنما تجوز نسبة العمرة الرابعة إليه باعتبار أنه أمر الناس بها وعملت بحضرته لا أنه صلى الله عليه وسلم اعتمرها بنفسه، ومن تأمل ما تقدم من الجمع استغنى عن هذا التأويل المتعسف‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ في عدهم عمرة الحديبية التي صد عنها ما يدل على أنها عمرة تامة، وفيه إشارة إلى صحة قول الجمهور إنه لا يجب القضاء على من صد عن البيت خلافا للحنفية، ولو كانت عمرة للقضية بدلا عن عمرة الحديبية لكانتا واحدة، وإنما سميت عمرة القضية والقضاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضي قريشا فيها لا أنها وقعت قضاء عن العمرة التي صد عنها إذ لو كان كذلك لكانتا عمرة واحدة‏.‏
وفيه دلالة على جواز الاعتمار في أشهر الحج بخلاف ما كان عليه المشركون‏.‏
وفي هذا الحديث أن الصحابي الجليل المكثر الشديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحواله، وقد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير معصوم‏.‏
وفيه رد بعض العلماء على بعض وحسن الأدب في الرد وحسن التلطف في استكشاف الصواب إذا ظن السامع خطأ المحدث‏.‏
وقال النووي‏:‏ سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدل على أنه كان اشتبه عليه أو نسي أو شك‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ عدم إنكاره على عائشة يدل على أنه كان على وهم وأنه رجع لقولها، وقد تعسف من قال‏:‏ إن ابن عمر أراد بقوله ‏"‏ اعتمر في رجب ‏"‏ عمرة قبل هجرته لأنه وإن كان محتملا لكن قول عائشة ما اعتمر في رجب يلزم منه عدم مطابقة ردها عليه لكلامه ولا سيما وقد بينت الأربع وإنها لو كانت قبل الهجرة فما الذي كان يمنعه أن يفصح بمراده فيرجع الإشكال‏؟‏ وأيضا فإن قول هذا القائل لأن قريشا كانوا يعتمرون في رجب يحتاج إلى نقل، وعلى تقديره فمن أين له أنه صلى الله عليه وسلم وافقهم‏؟‏ وهب أنه وافقهم فكيف اقتصر على مرة‏؟‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:30 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n158&p1#TOP)باب عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب عمرة في رمضان‏)‏ كذا في جميع النسخ ولم يصرح في الترجمة بفضيلة ولا غيرها، ولعله أشار إلى ما روي عن عائشة قالت ‏"‏ خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان، فأفطر وصمت، وقصر وأتممت ‏"‏ الحديث أخرجه الدارقطني من طريق العلاء بن زهير عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد عن أبيه عنها وقال إن إسناده حسن‏.‏
وقال صاحب الهدى‏:‏ إنه غلط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان‏.‏
قلت‏:‏ ويمكن حمله على أن قولها في رمضان متعلق بقولها خرجت ويكون المراد سفر فتح مكة فإنه كان في رمضان، واعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة من الجعرانة لكن في ذي القعدة كما تقدم بيانه قريبا، وقد رواه الدارقطني بإسناد آخر إلى العلاء بن زهير فلم يقل في الإسناد عن أبيه ولا قال فيه في رمضان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُخْبِرُنَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّينَ مَعَنَا قَالَتْ كَانَ لَنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلَانٍ وَابْنُهُ لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ قَالَ فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَالَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وقوله ‏"‏عن عطاء ‏"‏ في رواية مسلم عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني عطاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها‏)‏ القائل نسيت اسمها ابن جريج، بخلاف ما يتبادر إلى الذهن من أن القائل عطاء، وإنما قلت ذلك لأن المصنف أخرج الحديث في ‏"‏ باب حج النساء ‏"‏ من طريق حبيب المعلم عن عطاء فسماها ولفظه ‏"‏ لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية‏:‏ ما منعك من الحج ‏"‏ الحديث، ويحتمل أن عطاء كان ناسيا لاسمها لما حدث به ابن جريج وذاكرا له لما حدث به حبيبا، وقد خالفه يعقوب بن عطاء فرواه عن أبيه عن ابن عباس قال ‏"‏ جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ حج أبو طلحة وابنه وتركاني‏.‏
فقال‏:‏ يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة معي ‏"‏ أخرجه ابن حبان، وتابعه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء أخرجه ابن أبي شيبة، وتابعهما معقل الجزري لكن خالف في الإسناد قال ‏"‏ عن عطاء عن أم سليم ‏"‏ فذكر الحديث دون القصة، فهؤلاء ثلاثة يبعد أن يتفقوا على الخطأ، فلعل حبيبا لم يحفظ اسمها كما ينبغي، لكن رواه أحمد بن منيع في مسنده بإسناد صحيح ‏"‏ عن سعيد بن جبير عن امرأة من الأنصار يقال لها أم سنان أنها أرادت الحج ‏"‏ فذكر الحديث نحوه دون ذكر قصة زوجها، وقد اختلف في صحابيه على عطاء اختلافا آخر يأتي ذكره في ‏"‏ باب حج النساء‏"‏، وقد وقع شبيه بهذه القصة لام معقل أخرجه النسائي من طريق معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ‏"‏ عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل قالت‏:‏ أردت الحج فاعتل بعيري، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة ‏"‏ وقد اختلف في إسناده فرواه مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال ‏"‏ جاءت امرأة ‏"‏ فذكره مرسلا وأبهمها، ورواه النسائي أيضا من طريق عمارة بن عمير وغيره عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي معقل، ورواه أبو داود من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن رسول مروان عن أم معقل، والذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين، فعند أبي داود من طريق عيسى بن معقل عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل قالت ‏"‏ لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض فهلك أبو معقل، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته جئت فقال‏.‏
ما منعك أن تحجي معنا‏؟‏ فذكرت ذلك له قال‏:‏ فهلا حججت عليه، فإن الحج من سبيل الله، فأما إذا فاتك فاعتمري في رمضان فإنها كحجة ‏"‏ ووقعت لأم طليق قصة مثل هذه أخرجها أبو علي بن السكن وابن منده في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ والدولابي في ‏"‏ الكنى ‏"‏ من طريق طلق بن حبيب ‏"‏ أن أبا طليق حدثه أن امرأته قالت له - وله جمل وناقه - أعطني جملك أحج عليه، قال‏:‏ جملي حبيس في سبيل الله، قالت‏:‏ إنه في سبيل الله أن أحج عليه ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت أم طليق ‏"‏ وفيه ‏"‏ ما يعدل الحج قال عمرة في رمضان ‏"‏ وزعم ابن عبد البر أن أم معقل هي أم طليق لها كنيتان، وفيه نطر لأن أبا معقل مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبا طليق عاش حتى سمع منه طلق ابن حبيب وهو من صغار التابعين فدل على تغاير المرأتين، ويدل عليه تغاير السياقين أيضا، ولا معدل عن تفسير المبهمة في حديث ابن عباس بأنها أم سنان أو أم سليم لما في القصة التي في حديث ابن عباس من التغاير للقصة التي في حديث غيره، ولقوله في حديث ابن عباس أنها أنصارية، وأما أم معقل فإنها أسدية، ووقعت لأم الهيثم أيضا والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن تحجي‏)‏ في رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ أن تحجين ‏"‏ بزيادة النون وهي لغة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ناضح‏)‏ بضاد معجمة ثم مهملة أي بعير، قال ابن بطال‏:‏ الناضح البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقي عليه، لكن المراد به هنا البعير لتصريحه في رواية بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس في رواية أبي داود بكونه جملا‏.‏
وفي رواية حبيب المذكورة ‏"‏ وكان لنا ناضحان ‏"‏ وهي أبين‏.‏
وفي رواية مسلم من طريق حبيب ‏"‏ كانا لأبي فلان زوجها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وابنه‏)‏ إن كانت هي أم سنان فيحتمل أن يكون اسم ابنها سنانا، وإن كانت هي أم سليم فلم يكن لها يومئذ ابن يمكن أن يحج سوى أنس‏.‏
وعلى هذا فنسبته إلى أبي طلحة بكونه ابنه مجازا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ننضح عليه‏)‏ بكسر الضاد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا كان رمضان‏)‏ بالرفع وكان تامة وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فإذا كان في رمضان‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن عمرة في رمضان حجة‏)‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ فإن عمرة فيه تعدل حجة ‏"‏ ولعل هذا هو السبب في قول المصنف ‏"‏ أو نحوا مما قال ‏"‏ قال ابن خزيمة‏:‏ في هذا الحديث أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها، لأن العمرة لا يقضى بها فرض الحج ولا النذر‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ فيه دليل على أن الحج الذي ندبها إليه كان تطوعا لإجماع الأمة على أن العمرة لا تجزئ عن حجة الفريضة‏.‏
وتعقبه ابن المنير بأن الحجة المذكورة هي حجة الوداع، قال‏:‏ وكانت أول حجة أقيمت في الإسلام فرضا، لأن حج أبي بكر كان إنذارا‏.‏
قال‏:‏ فعلى هذا يستحيل أن تكون تلك المرأة كانت قامت بوظيفة الحج‏.‏
قلت‏:‏ وما قاله غير مسلم، إذ لا مانع أن تكون حجت مع أبي بكر وسقط عنها الفرض بذلك، لكنه بنى على أن الحج إنما فرض في السنة العاشرة حتى يسلم مما يرد على مذهبه من القول بأن الحج على الفور‏.‏
وعلى ما قاله ابن خزيمة فلا يحتاج إلى شيء مما بحثه ابن بطال‏.‏
فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض، للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض‏.‏
ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ تعدل ثلث القرآن‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ حديث العمرة هذا صحيح، وهو فضل من الله ونعمة، فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد‏.‏
وقال غيره‏:‏ يحتمل أن يكون المراد عمرة فريضة في رمضان كحجة فريضة عمرة نافلة في رمضان كحجة نافلة‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ قوله ‏"‏ كحجة ‏"‏ يحتمل أن يكون على بابه، ويحتمل أن يكون لبركة رمضان، ويحتمل أن يكون مخصوصا بهذه المرأة‏.‏
قلت‏:‏ الثالث قال به بعض المتقدمين، ففي رواية أحمد بن منيع المذكورة قال سعيد بن جبير‏:‏ ولا نعلم هذا إلا لهذه المرأة وحدها‏.‏
ووقع عند أبي داود من حديث يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل في آخر حديثها ‏"‏ قال فكانت تقول‏:‏ الحج حجة والعمرة عمرة، وقد قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لي، فما أدري ألي خاصة ‏"‏ تعني أو للناس عامة‏.‏
انتهى‏.‏
والظاهر حمله على العموم كما تقدم‏.‏
والسبب في التوقف استشكال ظاهره، وقد صح جوابه، والله أعلم‏.‏
‏(‏فصل‏)‏ لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أشهر الحج كما تقدم، وقد ثبت فضل العمرة في رمضان بحديث الباب، فأيهما أفضل‏؟‏ الذي يظهر أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وسلم أفضل، وأما في حقه فما صنعه هو أفضل، لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه، فأراد الرد عليهم‏.‏
بالقول والفعل، وهو لو كان مكروها لغيره لكان في حقه أفضل، والله أعلم‏.‏
وقال صاحب ‏"‏ الهدى ‏"‏‏:‏ يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يشتغل في رمضان من العبادة بما هو أهم من العمرة، وخشي من المشقة عل أمته إذ لو اعتمر في رمضان لبادروا إلى ذلك مع ما هم عليه من المشقة في الجمع بين العمرة والصوم، وقد كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته وخوفا من المشقة عليهم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n158&p1#TOP)باب الْعُمْرَةِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب العمرة ليلة الحصبة وغيرها‏)‏ الحصبة بالمهملتين وموحدة وزن الضربة، والمراد بها ليلة المبيت بالمحصب‏.‏
وقد سبق الكلام على التحصيب في أواخر أبواب الحج، وأورد المصنف فيه حدث عائشة وفيه ‏"‏ فلما كان ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ فقه هذا الباب أن الحاج يجوز له أن يعتمر إذا تم حجه بعد انقضاء أيام التشريق، وليلة الحصبة هي ليلة النفر الأخير لأنها آخر أيام الرمي‏.‏
واختلف السلف في العمرة أيام الحج، فروى عبد الرزاق بإسناده عن مجاهد قال ‏"‏ سئل عمر وعلي وعائشة عن العمرة ليله الحصبة، فقال عمر‏:‏ هي خير من لا شيء‏.‏
وقال علي نحوه‏.‏
وقالت عائشة‏:‏ العمرة على قدر النفقة ‏"‏ انتهى وأشارت بذلك إلى أن الخروج لقصد العمرة من البلد إلى مكة أفضل من الخروج من مكة إلى أدنى الحل، وسيأتي تقرير ذلك بعد بابين، وسيأتي الكلام على الحديث بعد باب‏.‏
ومحمد شيخ البخاري فيه هو ابن سلام‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n158&p1#TOP)باب عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب عمرة التنعيم‏)‏ يعني هل تتعين لمن كان بمكة أم لا‏؟‏ وإذا لم تتعين هل لها فضل على الاعتمار من غيرها من جهات الحل أو لا‏؟‏ قال صاحب ‏"‏ الهدي ‏"‏ لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة، ولا اعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة، ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم، ولا ثبت عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها انتهى‏.‏
وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته‏.‏
واختلف السلف في جواز الاعتمار في السنة أكثر من مرة، فكرهه مالك، وخالفه مطرف وطائفة من أتباعه وهو قول الجمهور، واستثنى أبو حنيفة يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ووافقه أبو يوسف إلا في يوم عرفة، واستثنى الشافعي البائت بمنى لرمي أيام التشريق، وفيه وجه اختاره بعض الشافعية فقال بالجواز مطلقا كقول الجمهور والله أعلم‏.‏
واختلفوا أيضا هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة‏؟‏ فروى الفاكهي وغيره من طريق محمد بن سيرين قال ‏"‏ بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل مكة التنعيم ‏"‏ ومن طريق عطاء قال‏:‏ من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها فليخرج إلى التنعيم أو إلى الجعرانة فليحرم منها، وأفضل ذلك أن يأتي وقتا أي ميقاتا من مواقيت الحج‏.‏
قال الطحاوي‏:‏ ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم، ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج‏.‏
وخالفهم آخرون فقالوا‏:‏ ميقات العمرة الحل وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بالإحرام من التنعيم لأنه كان أقرب الحل من مكة‏.‏
ثم روي من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة في حديثها قالت ‏"‏ وكان أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه ‏"‏ قال فثبت بذلك أن ميقات مكة للعمرة الحل، وأن التنعيم وغيره في ذلك سواء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ وَيُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً سَمِعْتُ عَمْرًا كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ عَمْرٍو
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمع عمرو بن أوس‏)‏ يعني أنه سمع، ولفظ ‏"‏ أنه ‏"‏ مما يحذف من الإسناد خطأ في الغالب كما تحذف إحدى لفظتي ‏"‏ قال‏"‏‏.‏
وقد بين سفيان سماعه له من عمرو بن دينار آخره‏.‏
ووقع عن الحميدي عن سفيان ‏"‏ حدثنا عمرو بن دينار ‏"‏ قال سفيان‏:‏ هذا مما يعجب شعبة، يعني التصريح بالإخبار في جميع الإسناد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويعمرها من التنعيم‏)‏ معطوف على قوله ‏"‏ أمره أن يردف ‏"‏ وهذا يدل على أن إعمارها من التنعيم كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وأصرح منه ما أخرجه أبو داود من طريق حفصة بنت عبد الرحمن بن أبى بكر عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم ‏"‏ الحديث، ونحوه رواية مالك السابقة في أوائل الحج ابن شهاب عن عروة عن عائشة ‏"‏ أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن إلى التنعيم ‏"‏ ورواية الأسود عن عائشة السابقة في أواخر الحج ‏"‏ قال فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم ‏"‏ وسيأتي بعد باب من وجه آخر عن الأسود والقاسم جميعا عنها بلفظ ‏"‏ فاخرجي إلى التنعيم‏"‏، وهو صريح بأن ذلك كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك يفسر قوله في رواية القاسم عنها السابقة في أوائل الحج حيث أورده بلفظ ‏"‏ أخرج بأختك من الحرم‏"‏‏.‏
وأما ما رواه أحمد من طريق ابن أبي مليكة عنها في هذا الحديث قال ‏"‏ ثم أرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر فقال‏:‏ احملها خلفك حتى تخرج من الحرم، فوالله ما قال فتخرجها إلى الجعرانة ولا إلى التنعيم ‏"‏ فهي رواية ضعيفة لضعف أبي عامر الخراز الراوي له عن ابن أبي مليكة، ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ فوالله إلخ ‏"‏ من كلام من دون عائشة قاله متمسكا بإطلاق قوله ‏"‏ فأخرج من الحرم ‏"‏ لكن الروايات المقيدة بالتنعيم مقدمة على المطلقة فهو أولى ولا سيما مع صحة أسانيدها والله أعلم‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ زاد أبو داود في روايته بعد قوله ‏"‏ إلى التنعيم ‏"‏‏:‏ ‏"‏ فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم فإنها عمرة متقبلة ‏"‏ وزاد أحمد في رواية له ‏"‏ وذلك ليلة الصدر ‏"‏ وهو بفتح المهملة والدال أي الرجوع من منى‏.‏
وفي قوله ‏"‏ فإذا هبطت بها ‏"‏ إشارة إلى المكان الذي أحرمت منه عائشة‏.‏
والتنعيم بفتح المثناة وسكون النون وكسر المهملة مكان معروف خارج مكة، وهو على أربعة أميال من مكة إلى جهة المدينة كما نقله الفاكهي‏.‏
وقال المحب الطبري‏:‏ التنعيم أبعد من أدنى الحل إلى مكة بقليل، وليس بطرف الحل بل بينهما نحو من ميل، ومن أطلق عليه أدنى الحل فقد تجوز‏.‏
قلت‏:‏ أو أراد بالنسبة إلى بقية الجهات‏.‏
وروى الفاكهي من طريق عبيد بن عمير قال‏:‏ إنما سمي التنعيم لأن الجبل الذي عن يمين الداخل يقال له ناعم، والذي عن اليسار يقال له منعم، والوادي نعمان‏.‏
وروى الأزرقي من طريق ابن جريج قال‏:‏ رأيت عطاء يصف الموضع الذي اعتمرت منه عائشة قال فأشار إلى الموضع الذي ابتنى فيه محمد بن علي بن شافع المسجد الذي وراء الأكمة، وهو المسجد الخرب‏.‏
ونقل الفاكهي عن ابن جريج وغيره أن ثم مسجدين يزعم أهل مكة أن الخرب الأدنى من الحرم هو الذي اعتمرت منه عائشة، وقيل هو المسجد الأبعد على الأكمة الحمراء، ورجحه المحب الطبري‏.‏
وقال الفاكهي‏:‏ لا أعلم إلا أني سمعت ابن أبي عمر يذكر عن أشياخه أن الأول هو الصحيح عندهم‏.‏
وفي هذا الحديث جواز الخلوة بالمحارم سفرا وحضرا، وإرداف المحرم محرمه معه‏.‏
واستدل به على تعين الخروج إلى الحل لمن أراد العمرة ممن كان بمكة، وهو أحد قولي العلماء، والثاني تصح العمرة ويجب عليه دم لترك الميقات، وليس في حديث الباب ما يدفع ذلك، واستدل به على أن أفضل جهات الحل التنعيم، وتعقب بأن إحرام عائشة من التنعيم إنما وقع لكونه أقرب جهة الحل إلى الحرم، لا أنه الأفضل، وسيأتي إيضاح هذا في ‏"‏ باب أجر العمرة على قدر التعب‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَطَاءٍ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلْحَةَ وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ وَمَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا إِلَّا مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالُوا نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ وَأَنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ قَالَ فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلِقُ بِالْحَجِّ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحَجَّةِ وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا فَقَالَ أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عطاء‏)‏ هو ابن أبي رباح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة‏)‏ هذا مخالف لما رواه أحمد ومسلم وغيرهما من طريق الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ‏"‏ إن الهدي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وذوي اليسار ‏"‏ وسيأتي بعد بابين للمصنف من طريق أفلح عن القاسم بلفظ ‏"‏ ورجال من أصحابه ذوي قوة‏"‏‏.‏
ويجمع بينهما بأن كلا منهما ذكر من اطلع عليه، وقد روى مسلم أيضا من طريق مسلم القري وهو بضم القاف وتشديد الراء عن ابن عباس في هذا الحديث ‏"‏ وكان طلحة ممن ساق الهدي فلم يحل ‏"‏ وهذا شاهد لحديث جابر في ذكر طلحة في ذلك وشاهد لحديث عائشة في أن طلحة لم ينفرد بذلك وداخل في قولها ‏"‏ وذوي اليسار ‏"‏ ولمسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر أن الزبير كان ممن كان معه الهدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏و كان على قدم من اليمن‏)‏ في رواية ابن جريج عن عطاء عند مسلم ‏"‏ من سعايته ‏"‏ وسيأتي بيان ذلك في أواخر المغازي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية ابن جريج عن عطاء عن جابر، وعن ابن جريج عن طاوس عن ابن عباس في هذا الحديث عند المصنف في الشركة ‏"‏ فقال أحدهما يقول لبيك بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وقال الآخر يقول لبيك بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يقيم على إحرامه وأشركه في الهدي ‏"‏ وقد تقدم بيان ذلك في ‏"‏ باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ في أوائل الحج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة‏)‏ زاد ابن جريج عن عطاء فيه ‏"‏ وأصيبوا النساء ‏"‏ قال عطاء ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم، يعني إتيان النساء، لأن من لازم الإحلال إباحة إتيان النساء، وقد تقدم شرح ذلك في آخر ‏"‏ باب التمتع والقران‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن عائشة حاضت‏)‏ في رواية عائشة نفسها كما تقدم أن حيضها كان بسرف قبل دخولهم مكة‏.‏
وفي رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم أن دخول النبي صلى الله عليه وسلم عليها وشكواها ذلك له كان يوم التروية، ووقع عند مسلم من طريق مجاهد عن عائشة أن طهرها كان بعرفة‏.‏
وفي رواية القاسم عنها ‏"‏ وطهرت صبيحة ليلة عرفة حتى قدمنا منى‏"‏، وله من طريقه ‏"‏ فخرجت في حجتي حتى نزلنا منى فتطهرت، ثم طفنا بالبيت ‏"‏ الحديث‏.‏
واتفقت الروايات كلها حتى أنها طافت طواف الإفاضة من يوم النحر‏.‏
واقتصر النووي في ‏"‏ شرح مسلم ‏"‏ على النقل عن أبي محمد بن حزم أن عائشة حاضت يوم السبت ثالث ذي الحجة وطهرت يوم السبت عاشره يوم النحر، وإنما أخذه ابن حزم من هذه الروايات التي في مسلم‏.‏
ويجمع بين قول مجاهد وقول القاسم أنها رأت الطهر وهي بعرفة ولم تتهيأ للاغتسال إلا بعد أن نزلت منى، وانقطع الدم عنها بعرفة وما رأت الطهر إلا بعد أن نزلت منى، وهذا أولى والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنطلق بالحج‏)‏ تمسك به من قال أن عائشة لما حاضت تركت عمرتها واقتصرت على الحج، وقد تقدم البحث فيه في ‏"‏ باب التمتع والقران‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن سراقة لقي النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهو يرميها‏)‏ يعني وهو يرمي جمرة العقبة‏.‏
وفي رواية يزيد بن زريع عن حبيب المعلم عند المصنف في كتاب التمني ‏"‏ وهو يرمي جمرة العقبة ‏"‏ هذا فيه بيان المكان الذي سأل فيه سراقة عن ذلك، ورواية مسلم من طريق ابن جريج عن عطاء عن جابر كذلك، وسياق مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر يقتضي أنه قال له ذلك لما أمر أصحابه أن يجعلوا حجهم عمرة، وبذلك تمسك من قال إن سؤاله كان عن فسخ الحج عن العمرة، ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين لتعدد المكانين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ألكم هذه خاصة يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ لا، بل للأبد‏)‏ في رواية يزيد بن زريع ‏"‏ ألنا هذه خاصة ‏"‏ وفي رواية جعفر عند مسلم ‏"‏ فقام سراقة فقال‏:‏ يا رسول الله، ألعامنا هذه أم للأبد‏؟‏ فشبك أصابعه واحدة في الأخرى وقال‏:‏ دخلت العمرة في الحج مرتين، لا بل للأبد أبدا ‏"‏ قال النووي‏:‏ معناه عند الجمهور أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إبطالا لما كان عليه الجاهلية، وقيل معناه جواز القران أي دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج، وقيل معناه سقط وجوب العمرة، وهذا ضعيف لأنه يقتضي النسخ بغير دليل، وقيل معناه جواز فسخ الحج إلى العمرة، قال‏:‏ وهو ضعيف‏.‏
وتعقب بأن سياق السؤال يقوي هذا التأويل، بل الظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ والجواب وقع عما هو أعم من ذلك حتى يتناول التأويلات المذكورة إلا الثالث‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:31 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n158&p1#TOP)باب الِاعْتِمَارِ بَعْدَ الْحَجِّ بِغَيْرِ هَدْيٍ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي‏)‏ كأنه يشير بذلك إلى أن اللازم من قول من قال أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله كما هو منقول في رواية عن مالك وعن الشافعي أيضا، ومن أطلق أن التمتع هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج كما نقل ابن عبد البر فيه الاتفاق فقال لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى ‏(‏فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي‏)‏ هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج أن من أحرم بالعمرة في ذي الحجة بعد الحج فعليه الهدي، وحديث الباب دال على خلافه، لكن القائل بأن ذا الحجة كله من أشهر الحج يقول إن التمتع هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج قبل الحج فلا يلزمهم ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحَجَّةِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيُهِلَّ وَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَرْدَفَهَا فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرجنا موافين لهلال ذي الحجة‏)‏ أي قرب طلوعه، وقد تقدم أنها قالت ‏"‏ خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة ‏"‏ والخمس قريبة من آخر الشهر، فوافاهم الهلال وهم في الطريق لأنهم دخلوا مكة في الرابع من ذي الحجة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأهللت بعمرة‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ لأحللت ‏"‏ بالحاء المهملة أي من الحج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم، فأردفها‏)‏ فيه التفات، لأن السياق يقتضي أن يقول فأردفني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مكان عمرتها‏)‏ تقدم توجيهه وأن المراد مكان عمرتها التي أرادت أن تكون منفردة عن الحج، قال عياض وغيره‏:‏ الصواب في الجمع بين الروايات المختلفة عن عائشة أنها أحرمت بالحج كما هو ظاهر رواية القاسم وغيره عنها، ثم فسخته إلى العمرة لما فسخ الصحابة، وعلى هذا يتنزل قول عروة عنها ‏"‏ أحرمت بعمرة ‏"‏ فلما حاضت وتعذر عليها التحلل من العمرة لأجل الحيض وجاء وقت الخروج إلى الحج أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، واستمرت إلى أن تحللت، وعليه يدل قوله لها في رواية طاوس عنها عند مسلم ‏"‏ طوافك يسعك لحجك وعمرتك ‏"‏ وأما قوله لها ‏"‏ هذه مكان عمرتك ‏"‏ فمعناه العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل منها بمكة ثم أنشؤوا الحج مفردا، فعلى هذا فقد حصل لعائشة عمرتان‏.‏
وكذا قولها ‏"‏ يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج ‏"‏ أي يرجعون بحج منفرد وعمرة منفردة، وأما قوله في هذا الحديث ‏"‏ فقضى الله حجها وعمرتها ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم ‏"‏ فظاهره أن ذلك من قول عائشة، وكذا أخرجه مسلم وابن ماجه من رواية عبدة بن سليمان ومسلم من طريق ابن نمير والإسماعيلي من طريق علي بن مسهر وغيره، لكن قد تقدم الحديث في الحيض من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة إلخ فقال في آخره ‏"‏ قال هشام ولم يكن في شيء من ذلك إلخ ‏"‏ فتبين أنه في رواية يحيى القطان ومن وافقه مدرج، وكذا أخرجه أبو داود من طريق وهيب والحمادين عن هشام، ووقع في الحديث موضع آخر مدرج وهو قوله قبل ذلك ‏"‏ فقضى الله حجها وعمرتها ‏"‏ فقد بين أحمد في روايته عن وكيع عن هشام أنه من قول عروة، وبينه مسلم عن أبي كريب عن وكيع بيانا شافيا فإنه أخرجه عقب رواية عبدة عن هشام وقال فيه ‏"‏ فساق الحديث بنحوه ‏"‏ وقال في آخره ‏"‏ قال عروة فقضى الله حجها وعمرتها، قال هشام‏:‏ ولم يكن في ذلك هدي ولا صيام ولا صدقة ‏"‏ وساقه الجوزقي من طريق مسلم بهذا الإسناد بتمامه بغير حوالة، ورواه ابن جريج عن هشام فلم يذكر الزيادة أخرجه أبو عوانة، وكذا أخرجه الشيخان من طريق الزهري وأبي الأسود عن عروة بدون الزيادة، قال ابن بطال‏:‏ قوله ‏"‏ فقضى الله حجها وعمرتها ‏"‏ إلى آخر الحديث ليس من قول عائشة وإنما هو من كلام هشام بن عروة حدث به هكذا في العراق فوهم فيه، فظهر بذلك أن لا دليل فيه لمن قال إن عائشة لم تكن قارنة حيث قال‏:‏ لو كانت قارنة لوجب عليها الهدي للقران، وحمل قوله لها ‏"‏ ارفضي عمرتك ‏"‏ على ظاهره، لكن طريق الجمع بين مختلف الأحاديث تقتضي ما قررناه، وقد ثبت عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر كما تقدم، وروى مسلم من حديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى عنها ‏"‏ فيحمل على أنه صلى الله عليه وسلم أهدى عنها من غير أن يأمرها بذلك ولا أعلمها به، قال القرطبي‏:‏ أشكل ظاهر هذا الحديث ‏"‏ ولم يكن في ذلك هدي ‏"‏ على جماعة، حتى قال عياض‏:‏ لم تكن عائشة قارنة ولا متمتعة وإنما أحرمت بالحج ثم نوت فسخه إلى عمرة فمنعها من ذلك حيضها فرجعت إلى الحج فأكملته ثم أحرمت عمرة مبتدأة فلم يجب عليها هدي، قال‏:‏ وكأن عياضا لم يسمع قولها ‏"‏ كنت ممن أهل بعمرة ‏"‏ ولا قوله صلى الله عليه وسلم لها ‏"‏ طوافك يسعك لحجك وعمرتك ‏"‏ والجواب عن ذلك أن هذا الكلام مدرج قول هشام كأنه نفى ذلك بحسب علمه، ولا يلزم من ذلك نفيه في نفس الأمر‏.‏
ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ لم يكن في ذلك هدي ‏"‏ أي لم تتكلف له بل قام به عنها انتهى‏.‏
وقال ابن خزيمة‏:‏ معنى قوله ‏"‏ لم يكن في شيء من ذلك هدي ‏"‏ أي في تركها لعمل العمرة الأولى وإدراجها لها في الحج، ولا في عمرتها التي اعتمرتها من التنعيم أيضا، وهذا تأويل حسن والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n158&p1#TOP)باب أَجْرِ الْعُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أجر العمرة على قدر النصب‏)‏ بفتح النون والمهملة أي التعب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ فَقِيلَ لَهَا انْتَظِرِي فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن ابن عون‏)‏ هو معطوف على الإسناد المذكور، وقد بينه أحمد ومسلم من رواية بن علية عن ابن عون بالإسنادين وقال فيه‏:‏ يحدثان ذلك عن أم المؤمنين، ولم يسمها، قال فيه لا عرف حديث ذا من حديث ذا، وظهر بحديث يزيد بن زريع أنها عائشة وأنهما رويا ذلك عنها بخلاف بن يزيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصدر الناس‏)‏ أي يرجعون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بمكان كذا وكذا‏)‏ في رواية إسماعيل ‏"‏ بحبل كذا ‏"‏ وضبطه في صحيح مسلم وغيره بالجيم وفتح الموحدة، لكن أخرجه الإسماعيلي من طريق حسين بن حسن عن ابن عون وضبطه بالحاء المهملة يعني وإسكان الموحدة، والمكان المبهم هنا هو الأبطح كما تبين في غير هذا الطريق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على قدر نفقتك أو نصبك‏)‏ قال الكرماني ‏"‏ أو ‏"‏ إما للتنويع في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإما شك من الراوي، والمعنى أن الثواب في العبادة يكثر بكثرة النصب أو النفقة، والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة قاله النووي انتهى‏.‏
ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن منيع عن إسماعيل ‏"‏ على قدر نصبك أو على قدر تعبك ‏"‏ وهذا يؤيد أنه من شك الراوي، وفي روايته من طريق حسين بن حسن ‏"‏ على قدر نفقتك أو نصبك ‏"‏ أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وأخرجه الدارقطني والحاكم من طريق هشام عن ابن عون بلفظ ‏"‏ أن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك ‏"‏ بواو العطف، وهذا يؤيد الاحتمال الأول‏.‏
وقوله في رواية ابن علية ‏"‏ لا أعرف حديث ذا من حديث ذا ‏"‏ قد أخرج الدارقطني والحاكم من وجه آخر ما يدل على أن السياق الذي هنا للقاسم، فإنهما أخرجا من طريق سفيان وهو الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها ‏"‏ إنما أجرك في عمرتك على قدر نفقتك ‏"‏ واستدل به على أن الاعتمار لمن كان بمكة من جهة الحل القريبة أقل أجرا من الاعتمار من جهة الحل البعيدة وهو ظاهر هذا الحديث‏.‏
وقال الشافعي في ‏"‏ الإملاء ‏"‏‏:‏ أفضل بقاع الحل للاعتمار الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم منها، ثم التنعيم لأنه أذن لعائشة منها‏.‏
قال وإذا تنحى عن هذين الموضعين فأين أبعد حتى يكون أكثر لسفره كان أحب إلي، وحكى الموفق في ‏"‏ المغني ‏"‏ عن أحمد أن المكي كلما تباعد في العمرة كان أعظم لأجره‏.‏
وقال الحنفية‏:‏ أفضل بقاع الحل للاعتمار التنعيم، ووافقهم بعض الشافعية والحنابلة‏.‏
ووجهه من قدمناه أنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة إلى الحل ليحرم بالعمرة غير عائشة‏.‏
وأما اعتماره صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فكان حين رجع من الطائف مجتازا إلى المدينة، ولكن لا يلزمه من ذلك تعين التنعيم للفضل لما دل عليه هذا الخبر أن الفضل في زيادة التعب والنفقة، وإنما يكون التنعيم أفضل من جهة أخرى تساويه إلى الحل لا من جهة أبعد منه، والله أعلم‏.‏
وقال النووي‏:‏ ظاهر الحديث أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة، وهو كما قال، لكن ليس ذلك بمطرد، فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض وهو أكثر فضلا وثوابا بالنسبة إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليال من رمضان غيرها، وبالنسبة للمكان كصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره، وبالنسبة إلى شرف العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها أو أطول من قراءتها ونحو ذلك من صلاة النافلة، وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر منه من التطوع، أشار إلى ذلك ابن عبد السلام في ‏"‏ القواعد ‏"‏ قال‏:‏ وقد كانت الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم وهي شاقة على غيره، وليست صلاة غيره مع مشقتها مساوية لصلاته مطلقا‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n158&p1#TOP)باب الْمُعْتَمِرِ إِذَا طَافَ طَوَافَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع‏)‏ أورد فيه حديث عائشة في عمرتها من التنعيم، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن ‏"‏ اخرج بأختك من الحرم فلتهل عمرة ثم افرغا من طوافكما ‏"‏ الحديث‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف يخرج إلى بلده أنه يجزئه من طواف الوداع، كما فعلت عائشة‏.‏
انتهى‏.‏
وكأن البخاري لما لم يكن في حديث عائشة التصريح بأنها ما طافت للوداع بعد طواف العمرة لم يبت الحكم في الترجمة، أيضا فإن قياس من يقول إن إحدى العبادتين لا تندرج في الأخرى أن يقول بمثل ذلك هنا‏.‏
ويستفاد من قصة عائشة أن السعي إذا وقع بعد طواف الركن - إن قلنا إن طواف الركن يغني عن طواف الوداع - أن تخلل السعي بين الطواف والخروج لا يقطع أجزاء الطواف المذكور عن الركن والوداع معا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحُرُمِ الْحَجِّ فَنَزَلْنَا سَرِفَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَوِي قُوَّةٍ الْهَدْيُ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُمْرَةً فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ قُلْتُ سَمِعْتُكَ تَقُولُ لِأَصْحَابِكَ مَا قُلْتَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ قَالَ وَمَا شَأْنُكِ قُلْتُ لَا أُصَلِّي قَالَ فَلَا يَضِرْكِ أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كُتِبَ عَلَيْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِهَا قَالَتْ فَكُنْتُ حَتَّى نَفَرْنَا مِنْ مِنًى فَنَزَلْنَا الْمُحَصَّبَ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الْحَرَمَ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا أَنْتَظِرْكُمَا هَا هُنَا فَأَتَيْنَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ فَرَغْتُمَا قُلْتُ نَعَمْ فَنَادَى بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ فَارْتَحَلَ النَّاسُ وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ خَرَجَ مُوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فنزلنا بسرف‏)‏ في رواية أبي ذر وأبي الوقت ‏"‏ سرف ‏"‏ بحذف الباء، كذا لمسلم من طريق إسحاق بن عيسى بن الطباع عن أفلح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأصحابه من لم يكن معه هدي‏)‏ ظاهره أن أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بفسخ الحج إلى العمرة كان بسرف قبل دخولهم مكة، والمعروف في غير هذه الرواية أن قوله لهم ذلك بعد دخول مكة، ويحتمل التعدد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت لا أصلي‏)‏ كنت بذلك عن الحيض، وهي من لطيف الكنايات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كتب عليك‏)‏ كذا للأكثر على البناء لما لم يسم فاعله، ولأبي ذر ‏"‏ كتب الله عليك ‏"‏ وكذا لمسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكوني في حجتك‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ في حجك ‏"‏ وكذا المسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى نفرنا من منى فنزلنا المحصب‏)‏ في هذا السياق اختصار بينته رواية مسلم بلفظ ‏"‏ حتى نزلنا منى فتطهرت ثم طفت بالبيت فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فدعا عبد الرحمن‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ عبد الرحمن بن أبي بكر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اخرج بأختك الحرم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ من الحرم ‏"‏ وهي أوضح، وكذا لمسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأتينا في جوف الليل‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ من آخر الليل ‏"‏ وهي أوفق لبقية الروايات، وظاهرها أنها أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم قبل أبواب أنها قالت ‏"‏ فلقيته وأنا منهبطة وهو مصعد ‏"‏ أو العكس، والجمع بينهما واضح كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فارتحل الناس ومن طاف بالبيت‏)‏ هو من عطف الخاص على العام لأن ‏"‏ الناس ‏"‏ أعم من الطائفين، ولعلها أرادت بالناس من لم يطف طواف الوداع، ويحتمل أن يكون الموصول صفة الناس من باب توسط العاطف بين الصفة والموصوف كقوله تعالى ‏(‏إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض‏)‏ وقد أجاز سيبويه نحو مررت بزيد وصاحبك إذا أراد بالصاحب زيدا المذكور وهذا كله بناء على صحة هذا السياق، والذي يغلب عندي أنه وقع فيه تحريف، والصواب فارتحل الناس ثم طاف بالبيت إلخ، وكذا وقع عند أبي داود من طريق أبي بكر الحنفي عن أفلح بلفظ ‏"‏ فأذن في أصحابه بالرحيل، فارتحل فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حين خرج، ثم انصرف متوجها إلى المدينة ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ فأذن في أصحابه بالرحيل فخرج، فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح، ثم خرج إلى المدينة ‏"‏ وقد أخرجه البخاري من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ فارتحل الناس‏.‏
فمر متوجها إلى المدينة ‏"‏ أخرجه في ‏"‏ باب الحج أشهر معلومات ‏"‏ قال عياض‏:‏ قوله في رواية القاسم يعني هذه ‏"‏ فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في منزله فقال‏:‏ فهل فرغت‏؟‏ قلت نعم، فأذن بالرحيل ‏"‏ وفي رواية الأسود عن عائشة يعني التي مضت في ‏"‏ باب إذا حاضت بعدما أفاضت ‏"‏‏:‏ ‏"‏ فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة أو أنا مصعدة وهو منهبط منها ‏"‏ وفي رواية صفية عنها يعني عند مسلم ‏"‏ فاقبلنا حتى أتيناه وهو بالحصبة ‏"‏ وهذا موافق لرواية القاسم، وهما موافقان لحديث أنس يعني الذي مضى في ‏"‏ باب طواف الوداع ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به، قال‏:‏ وفي حديث الباب من الإشكال قوله ‏"‏ فمر بالبيت فطاف به ‏"‏ بعد أن قال لعائشة ‏"‏ أفرغت‏؟‏ قالت نعم ‏"‏ مع قولها في الرواية الأخرى أنه ‏"‏ توجه لطواف الوداع وهي راجعة إلى المنزل الذي كان به ‏"‏ قال فيحتمل أنه أعاد طواف الوداع لأن منزله كان بالأبطح وهو بأعلى مكة، وخروجه من مكة إنما كان من أسفلها، فكأنه لما توجه طالبا للمدينة اجتاز بالمسجد ليخرج من أسفل مكة فكرر الطواف ليكون آخر عهده بالبيت انتهى، والقاضي في هذا معذور لأنه لم يشاهد تلك الأماكن، فظن أن الذي يقصد الخروج إلى المدينة من أسفل مكة يتحتم عليه المرور بالمسجد، وليس كذلك كما شاهده من عاينه، بل الراحل من منزله بالأبطح يمر مجتازا من ظاهر مكة إلى حيث مقصده من جهة المدينة ولا يحتاج إلى المرور بالمسجد ولا يدخل إلى البلد أصلا، قال عياض‏:‏ وقد وقع في رواية الأصيلي في البخاري ‏"‏ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طاف بالبيت ‏"‏ قال فلم يذكر أنه أعاد الطواف‏.‏
فيحتمل أن طوافه هو طواف الوداع وأن لقاءه لعائشة كان حين انتقل من المحصب كما عند عبد الرزاق أنه كره أن يقتدي الناس بإناخته بالبطحاء فرحل حتى أناخ على ظهر العقبة أو من ورائها ينتظرها، قال‏:‏ فيحتمل أن يكون لقاؤه لها كان في هذا الرحيل، وأنه المكان الذي عنته في رواية الأسود بقوله لها ‏"‏ موعدك بمكان كذا وكذا ‏"‏ ثم طاف بعد ذلك طواف الوداع انتهى‏.‏
وهذا التأويل حسن، وهو يقتضي أن الرواية التي عزاها للأصيلي مسكوت عن ذكر طواف الوداع فيها، وقد بينا أن الصواب فيها ‏"‏ فمر بالبيت فطاف به ‏"‏ بدل قوله ومن طاف بالبيت، ثم في عز وعياض ذلك إلى الأصيلي وحده نظر، فإن كل الروايات التي وقفنا عليها في ذلك سواء حتى رواية إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏موجها‏)‏ بضم الميم وفتح الواو وتشديد الجيم‏.‏
وفي رواية ابن عساكر متوجها بزيادة تاء وبكسر الجيم، وقد تقدمت مباحث هذا الحديث قريبا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n158&p1#TOP)باب يَفْعَلُ فِي الْعُمْرَةِ مَا يَفْعَلُ فِي الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ يفعل في العمرة ‏"‏ وللكشميهني ‏"‏ ما يفعل في الحج ‏"‏ أي من التروك لا من الأفعال، أو المراد بعض الأفعال لا كلها، والأول أرجح لما يدل عليه سياق حديث يعلى بن أمية وقد تقدم تقريره في أوائل الحج مع مباحثه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْخَلُوقِ أَوْ قَالَ صُفْرَةٌ فَقَالَ كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُتِرَ بِثَوْبٍ وَوَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَقَالَ عُمَرُ تَعَالَ أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْوَحْيَ قُلْتُ نَعَمْ فَرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ كَغَطِيطِ الْبَكْرِ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْعُمْرَةِ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي، فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ لم أقف في شيء من الروايات على بيان المنزل حينئذ من القرآن، وقد استدل به جماعة من العلماء على أن من الوحي ما لا يتلى، لكن وقع عند الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من طريق أخرى أن المنزل حينئذ قوله تعالى‏.‏
‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ ووجه الدلالة منه على المطلوب عموم الأمر بالإتمام، فإنه يتناول الهيآت والصفات والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنق الصفرة‏)‏ بفتح الهمزة وسكون النون، ووقع للمستملي هنا بهمزة وصل ومثناة مشددة من التقوى، قال صاحب ‏"‏ المطالع ‏"‏ وهي أوجه وإن رجعا إلى معنى واحد‏.‏
ووقع لابن السكن ‏"‏ اغسل أثر الخارق وأثر الصفرة ‏"‏ والأول هو المشهور‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَلَا أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَلَّا لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ كَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا زَادَ سُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلَا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
الشرح‏:‏
حديث عائشة في قوله تعالى ‏(‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏)‏ ووجه الدلالة منه اشتراك الحج والعمرة في مشروعية السعي بين الصفا والمروة لقوله تعالى ‏(‏فمن حج البيت أو اعتمر‏)‏ وقد تقدمت مباحثه مستوفاة في ‏"‏ باب وجوب الصفا والمروة ‏"‏ في أثناء الحج‏.‏
وقوله ‏"‏أن لا يطوف بهما ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ بينهما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏زاد سفيان وأبو معاوية عن هشام‏)‏ يعني عن أبيه عن عائشة قوله‏:‏ ‏(‏ما أتم الله حج امرئ إلخ‏)‏ أما رواية سفيان فوصلها الطبري من طريق وكيع عنه عن هشام فذكر الموقوف فقط وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن عائشة موقوفا أيضا، وأما رواية أبي معاوية فوصلها مسلم وقد تقدم الكلام على ما فيها من فائدة وبحث في الباب المشار إليه‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:33 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n159&p1#TOP)باب مَتَى يَحِلُّ الْمُعْتَمِرُ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يحل المعتمر‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى مذهب ابن عباس وقد تقدم القول فيه، قال ابن بطال‏:‏ لا أعلم خلافا بين أئمة الفتوى أن المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى، إلا ما شذ به ابن عباس فقال ‏"‏ يحل من العمرة بالطواف ‏"‏ ووافقه إسحاق بن راهويه، ونقل عياض عن بعض أهل العلم أن بعض الناس ذهب إلى أن المعتمر إذا دخل الحرم حل وإن لم يطف ولم يسع، وله أن يفعل كل ما حرم على المحرم، ويكون الطواف والسعي في حقه كالرمي والمبيت في حق الحاج، وهذا من شذوذ المذاهب وغرائبها، وغفل القطب الحلبي فقال فيمن استلم الركن في ابتداء الطواف وأحل حينئذ‏:‏ إنه لا يحصل له التحلل بالإجماع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء عن جابر إلخ‏)‏ هو طرف من حديث تقدم موصولا في ‏"‏ باب عمرة التنعيم ‏"‏ وبين المصنف بحديث عمرو بن دينار عن جابر - وهو ثالث أحاديث الباب - أن المراد بقوله في هذه الرواية ‏"‏ يطوفوا ‏"‏ أي بالبيت وبين الصفا والمروة، لجزم جابر بأنه لا يحل له أن يقرب امرأته حتى يطوف بين الصفا والمروة‏.‏
ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث‏:‏ أولها حديث ابن أبي أوفى وهو مشتمل على ثلاثة أحاديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَطُفْنَا مَعَهُ وَأَتَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهَا مَعَهُ وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ فَقَالَ لَهُ صَاحِبٌ لِي أَكَانَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ قَالَ لَا قَالَ فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ قَالَ بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنْ الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن جرير‏)‏ إسحاق هو ابن راهويه، وقد أورده في مسنده بلفظ ‏"‏ أخبرنا جرير ‏"‏ وهو ابن عبد الحميد وإسماعيل هو ابن أبي خالد‏.‏
وسيأتي الكلام على حديث عبد الله ابن أبي أوفى في المغازي وعلى ما يتعلق بخديجة في مناقبها إن شاء الله تعالى، وتقدم الكلام على قوله ‏"‏ أدخل الكعبة ‏"‏ في ‏"‏ باب من لم يدخل الكعبة في أثناء الحج ‏"‏ وقوله ‏"‏ لا ‏"‏ في جواب ‏"‏ أدخل الكعبة ‏"‏ معناه أنه لم يدخلها في تلك العمرة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قَالَ وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
الشرح‏:‏
حديث عمرو بن دينار عن ابن عمر مرفوعا وعن جابر موقوفا‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن دينار‏)‏ تقدم هذا الحديث بهذا الإسناد عن الحميدي في كتاب الصلاة في أبواب القبلة بلفظ ‏"‏ حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار ‏"‏ فعبر بالحديث هناك والعنعنة هنا وساق الإسناد والمتن جميعا بغير زيادة، ووقوع مثل هذا نادر جدا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن رجل طاف بالبيت في عمرة‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ عن رجل طاف في عمرته ‏"‏ وقد تقدم بعض الكلام على هذا الحديث في الصلاة وأن ابن عمر أشار إلى الاتباع وأن جابرا أفتاهم بالحكم وهو قول الجمهور إلا ما روي عن ابن عباس أنه يحل من جميع ما حرم عليه بمجرد الطواف‏.‏
ووقع عند النسائي من طريق غندر عن شعبة عن عمر بن دينار أنه قال‏:‏ وهو سنة، وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر وهو غندر به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أيأتي امرأته‏)‏ أي يجامعها، والمراد هل حصل له التحلل من الإحرام قبل السعي أم لا‏؟‏ وقوله ‏"‏ لا يقربنها ‏"‏ بنون التأكيد المراد نهي المباشرة بالجماع ومقدماته لا مجرد القرب منها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وطاف بين الصفا والمروة‏)‏ أي سعى، وإطلاق الطواف على السعي إما للمشاكلة وإما لكونه نوعا من الطواف ولوقوعه في مصاحبة طواف البيت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسوة‏)‏ بكسر الهمزة ويجوز ضمها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسألنا جابرا‏)‏ القائل هو عمرو بن دينار، وقد تقدم هذا الحديث في ‏"‏ باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام ‏"‏ من طريق شعبة وفي ‏"‏ باب السعي ‏"‏ من طريق ابن جريج كلاهما عن عمرو بن دينار عن ابن عمر بالحديث دون السؤالين لابن عمر ولجابر، وفي الحديث أن السعي واجب في العمرة، وكذا صلاة ركعتي الطواف، وفي تعيينهما خلف المقام خلف سبق في بابه المشار إليه، ونقل ابن المنذر الاتفاق على جوازهما في أي موضع شاء الطائف، إلا أن مالكا كرههما في الحجر، ونقل بعض أصحابنا عن الثوري أنه كان يعينهما خلف المقام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ وَهُوَ مُنِيخٌ فَقَالَ أَحَجَجْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِمَا أَهْلَلْتَ قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحْسَنْتَ طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ حَتَّى كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَقَالَ إِنْ أَخَذْنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ وَإِنْ أَخَذْنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ
الشرح‏:‏
حديث أبي موسى في إهلاله كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، وشاهد الترجمة منه قوله ‏"‏ طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم أحل ‏"‏ فإنه يقتضي تأخير الإحلال عن السعي، وقد تقدم الكلام عليه مستوفي في ‏"‏ باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يأمرنا بالتمام‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يأمر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يبلغ‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بلغ ‏"‏ بلفظ الفعل الماضي، وقوله في أوله ‏"‏ أحججت ‏"‏ أي هل أحرمت بالحج أو نويت الحج‏؟‏ وهذا كقوله له بعد ذلك ‏"‏ بما أهللت ‏"‏ أي بما أحرمت ‏"‏ أي بحج أو عمرة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالحَجُونِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَا هُنَا وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ قَلِيلٌ ظَهْرُنَا قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنْ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ
الشرح‏:‏
حديث أسماء بنت أبي بكر‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب وفي رواية كريمة ‏"‏ حدثنا أحمد بن عيسى ‏"‏ وفي رواية أبي ذر ‏"‏ حدثنا أحمد بن صالح ‏"‏ وقد أخرجه مسلم عن أحمد بن عيسى عن ابن وهب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عمرو‏)‏ هو ابن الحارث، وعبد الله مولى أسماء تقدم له حديث عنها غير هذا في ‏"‏ باب من قدم ضعفة أهله ‏"‏ وليس له عنده غيرهما‏.‏
وهذا الإسناد نصفه مصريون ونصفه مدنيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالحجون‏)‏ بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة‏:‏ جبل معروف بمكة، وقد تكرر ذكره في الأشعار، وعنده المقبرة المعروفة بالمعلى على يسار الداخل إلى مكة ويمين الخارج منها إلى منى، وهذا الذي ذكرنا محصل ما قاله الأزرقي والفاكهي وغيرهما من العلماء، وأغرب السهيلي فقال‏:‏ الحجون على فرسخ وثلث من مكة، وهو غلط واضح، فقد قال أبو عبيد البكري‏:‏ الحجون الجبل المشرف بحذاء المسجد الذي يلي شعب الجرارين‏.‏
وقال أبو علي القالي‏:‏ الحجون ثنية المدنيين - أي من يقدم من المدينة - وهي - مقبرة أهل مكة عند شعب الجرارين انتهى‏.‏
ويدل على غلط السهيلي قول الشاعر‏:‏ سنبكيك ما أرسى ثبير مكانه وما دام جارا للحجون المحصب وقد تقدم ذكر المحصب وحده وأنه خارج مكة، وروى الواقدي عن أشياخه أن قصي بن كلاب لما مات دفن بالحجون فتدافن الناس بعده، وأنشد الزبير لبعض أهل مكة‏:‏ كم بالحجون وبينه من سيد بالشعب بين دكادك وأكام والجرارين التي تقدم جمع جرار بجيم وراء ثقيلة ذكرها الرضي الشاطبي وكتب على الراء صح صح، وذكر الأزرقي أنه شعب أبي دب رجل من بني عامر‏.‏
قلت‏:‏ وقد جهل هذا الشعب الآن إلا أن بين سور مكة الآن وبين الجبل المذكور مكانه يشبه الشعب فلعله هو‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونحن يومئذ خفاف‏)‏ زاد مسلم في روايته خفاف الحقائب، والحقائب جمع حقيبة بفتح المهملة وبالقاف وبالموحدة وهي ما احتقبه الراكب خلفه من حوائجه في موضع الرديف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاعتمرت أنا وأختي‏)‏ أي بعد أن فسخوا الحج إلى العمرة، ففي رواية صفية بنت شيبة عن أسماء ‏"‏ قدمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج فقال‏:‏ من كان معه هدي فليقم على إحرامه، ومن لم يكن منه هدي فليحل، فلم يكن معي هدي فأحللت، وكان مع الزبير هدي فلم يحل ‏"‏ انتهى‏.‏
وهذا مغاير لذكرها الزبير مع من أحل في رواية عبد الله مولى أسماء، فإن قضية رواية صفية عن أسماء أنه لم يحل لكونه ممن ساق الهدي، فإن جمع بينهما بأن القصة المذكورة وقعت لها مع الزبير في غير حجة الوداع - كما أشار إليه النووي على بعده - وإلا فقد رجح عند البخاري رواية عبد الله مولى أسماء فاقتصر على إخراجها دون رواية صفية بنت شيبة، وأخرجهما مسلم مع ما فيهما من الاختلاف‏.‏
ويقوي صنيع البخاري ما تقدم في ‏"‏ باب الطواف على وضوء ‏"‏ من طريق محمد بن عبد الرحمن وهو أبو الأسود المذكور في هذا الإسناد قال‏:‏ سألت عروة بن الزبير‏.‏
فذكر حديثا وفي آخره ‏"‏ وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة، فلما مسحوا الركن حلوا ‏"‏ والقائل ‏"‏ أخبرتني ‏"‏ عروة المذكور، وأمه هي أسماء بنت أبي بكر، وهذا موافق لرواية عبد الله مولى أسماء عنها‏.‏
وفيه إشكال آخر وهو ذكرها لعائشة فيمن طافه والواقع أنها كانت حينئذ حائضا، وكنت أولته هناك على أن المراد أن تلك العمرة كانت في وقت آخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن سياق رواية هذا الباب تأباه، فإنه ظاهر في أن المقصود العمرة التي وقعت لهم في حجة الوداع، والقول فيما وقع من ذلك في حق الزبير كالقول في حق عائشة سواء، وقد قال عياض في الكلام عليه‏:‏ ليس هو على عمومه، فإن المراد من عدا عائشة، لأن الطرق الصحيحة فيها أنها حاضت فلم تطف بالبيت ولا تحللت من عمرتها‏.‏
قال‏:‏ وقيل لعل عائشة أشارت إلى عمرتها التي فعلتها من التنعيم، ثم حكي التأويل السابق وأنها أرادت عمرة أخرى في غير التي في حجة الوداع، وخطأه ولم يعرج على ما يتعلق بالزبير من ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفلان وفلان‏)‏ كأنها سمت بعض من عرفته ممن لم يسق الهدي، ولم أقف على تعيينهم، فقد تقدم من حديث عائشة أن أكثر الصحابة كانوا كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما مسحنا البيت‏)‏ أي طفنا بالبيت فاستلمنا الركن، وقد تقدم في ‏"‏ باب الطواف على غير وضوء ‏"‏ من حديث عائشة بلفظ ‏"‏ مسحنا الركن ‏"‏ وساغ هذا المجاز لأن كل من طاف بالبيت يمسح الركن فصار يطلق على الطواف كما قال عمر بن أبى ربيعة‏:‏ ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح أي طاف من هو طائف، قال عياض‏:‏ ويحتمل أن يكون معنى مسحوا طافوا وسعوا، وحذف السعي اختصارا لما كان منوطا بالطواف، قال‏:‏ ولا حجة في هذا الحديث لمن لم يوجب السعي لأن أسماء أخبرت أن ذلك كان في حجة الوداع، وقد جاء مفسرا من طرق أخرى صحيحة أنهم طافوا معه وسعوا فيحمل ما أجمل على ما بين والله أعلم، واستدل به على أن الحلق أو التقصير استباحة محظور لقولها إنهم أحلوا بعد الطواف، ولم يذكر الحلق‏.‏
وأجاب من قال بأنه نسك بأنها سكتت عنه ولا يلزم من ذلك ترك فعله، فإن القصة واحدة‏.‏
وقد ثبت الأمر بالتقصير في عدة أحاديث منها حديث جابر المصدر بذكره‏.‏
واختلفوا فيمن جامع قبل أن يقصر بعد أن طاف وسعى فقال الأكثر‏:‏ عليه الهدي‏.‏
وقال عطاء‏:‏ لا شيء عليه‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ تفسد عمرته وعليه المضي في فاسدها وقضاؤها‏.‏
واستدل به الطبري على أن من ترك التقصير حتى يخرج من الحرم لا شيء عليه، بخلاف من قال عليه دم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n159&p1#TOP)باب مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ الْغَزْوِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو‏)‏ أورد المصنف هنا تراجم تتعلق بآداب الراجع من السفر لتعلق ذلك بالحاج والمعتمر، وهذا في حق المعتمر الآفاقي، وقد ترجم لحديث الباب حديث نافع عن ابن عمر في الدعوات ما يقول إذا أراد سفرا أو رجع، ويأتي الكلام عليه مستوفي هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n159&p1#TOP)باب اسْتِقْبَالِ الْحَاجِّ الْقَادِمِينَ وَالثَّلَاثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب استقبال الحاج القادمين والثلاثة على الدابة‏)‏ اشتملت هذه الترجمة على حكمين، وأورد فيها حديث ابن عباس لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم استقبله أغيلمة بني عبد المطلب أي صبيانهم، ودلالة حديث الباب على الثاني ظاهرة، وقد أفردها بالذكر قبيل كتاب الأدب وأورد فيها هذا الحديث بعينه، ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى، وبيان أسماء من حمله من بني عبد المطلب، وقوله ‏"‏أغيلمة ‏"‏ تصغير غلمة بكسر الغين المعجمة وغلمة جمع غلام، وأما الحكم الأول فأخذه من حديث الباب من طريق العموم، لأن قدومه صلى الله عليه وسلم مكة أعم من أن يكون في حج أو عمرة أو غزو، وقوله ‏"‏القادمين ‏"‏ صفة للحاج لأنه يقال للمفرد وللجمع، وكون الترجمة لتلقي القادم من الحج، والحديث دال على تلقي القادم للحج ليس بينهما تخالف لاتفاقهما من حيث المعنى‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n159&p1#TOP)باب الْقُدُومِ بِالْغَدَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القدوم بالغداة‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر في خروجه صلى الله عليه وسلم إلى مكة من طريق الشجرة ومبيته بذي الحليفة إذا رجع، فيه ما ترجم له‏.‏
وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في أوائل الحج‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n159&p1#TOP)باب الدُّخُولِ بِالْعَشِيِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدخول بالعشي‏)‏ قال الجوهري‏:‏ العشية من صلاة المغرب إلى العتمة، وقيل هي من حين الزوال‏.‏
قلت والمراد هنا الأول، وكأنه عقب الترجمة الأولى بهذه ليبين أن الدخول في الغداة لا يتعين، وإنما المنهي عنه الدخول ليلا، وقد بين علة ذلك في حديث جابر حيث قال ‏"‏ لتمتشط الشعثة ‏"‏ الحديث، وسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب النكاح‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n159&p1#TOP)باب لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ إِذَا بَلَغَ الْمَدِينَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يطرق أهله‏)‏ ، أي لا يدخل عليهم ليلا إذا قدم من سفر، يقال طرق يطرق بضم الراء، وأما قوله في حديث جابر في الباب الذي بعده ‏"‏ أن يطرق أهله ليلا ‏"‏ فللتأكيد لأجل رفع المجاز لاستعمال طرق في النهار، وقد حكى ابن فارس طرق بالنهار وهو مجاز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا بلغ المدينة‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ إذا دخل ‏"‏ والمراد بالمدينة البلد الذي يقصد دخولها، والحكمة في هذا النهي مبينة في حديث جابر المذكور في الباب حيث أورده مطولا في أبواب عشرة النساء من كتاب النكاح، ويأتي الكلام عليه مستوفي هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n159&p1#TOP)باب مَنْ أَسْرَعَ نَاقَتَهُ إِذَا بَلَغَ الْمَدِينَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة‏)‏ قال الإسماعيلي، قوله ‏"‏ أسرع ناقته ‏"‏ ليس بصحيح، والصواب أسرع بناقته يعني أنه لا يتعدى بنفسه وإنما يتعدى بالباء‏.‏
وفيما قاله نظر‏.‏
فقد حكى صاحب المحكم أن أسرع يتعدى بنفسه ويتعدى بحرف الجر‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ قول البخاري ‏"‏ أسرع ناقته ‏"‏ أصله أسرع بناقته فنصب بنزع الخافض‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ زَادَ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ حُمَيْدٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ جُدُرَاتِ تَابَعَهُ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏محمد بن جعفر‏)‏ أي ابن أبي كثير المدني أخو إسماعيل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأبصرت درجات‏)‏ بفتح المهملة والراء بعدها جيم جمع درجة كذا للأكثر والمراد طرقها المرتفعة، وللمستملي ‏"‏ دوحات ‏"‏ بفتح المهملة وسكون الواو بعدها مهملة جمع دوحة وهي الشجرة العظيمة‏.‏
وفي رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد ‏"‏ جدرات ‏"‏ بضم الجيم والدال كما وقع في هذا الباب، وهو جمع جدر بضمتين جمع جدار، وقد رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ جدران ‏"‏ بسكون الدال وآخره نون جمع جدار، له من رواية أبي ضمرة عن حميد بلفظ ‏"‏ جدر ‏"‏ قال صاحب ‏"‏ المطالع ‏"‏‏:‏ جدرات أرجح من دوحات ومن درجات‏.‏
قلت‏:‏ وهي رواية الترمذي من طريق إسماعيل بن جعفر أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أوضع‏)‏ أي أسرع السير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏زاد الحارث بن عمير عن حميد‏)‏ يعني عن أنس ‏(‏من حبها‏)‏ وهو يتعلق بقوله حركها أي حرك دابته بسبب حبه المدينة، ثم قال المصنف ‏"‏ حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر عن حميد عن أنس قال جدرات، تابعه الحارث بن عمير ‏"‏ يعني في قوله ‏"‏ جدرات ‏"‏ ورواية الحارث بن عمير هذه وصلها الإمام أحمد قال ‏"‏ حدثنا إبراهيم بن إسحاق حدثنا الحارث بن عمير عن حميد الطويل عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة أوضع ناقته، وإن كان على دابة حركها من حبها ‏"‏ وأخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر بن أبي كثير والحارث بن عمير جميعا عن حميد، وقد أورد المصنف طريق قتيبة المذكورة في فضائل المدينة بلفظ الحارث بن عمير، إلا أنه قال ‏"‏ راحلته ‏"‏ بدل ناقته، ووقع في نسخة الصغاني ‏"‏ وزاد الحارث بن عمير وغيره عن حميد ‏"‏ وقد نبهت على من رواه كذلك موافقا للحارث بن عمير في الزيادة المذكورة‏.‏
وفي الحديث دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:34 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n159&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى وأتوا البيوت من أبوابها‏)‏ أي بيان نزول هذه الآية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا كَانَتْ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا‏)‏ هذا ظاهر في اختصاص ذلك بالأنصار، ولكن سيأتي في حديث جابر أن سائر العرب كانوا كذلك إلا قريشا، ورواه عبد بن حميد من مرسل قتادة كما قال البراء، وكذلك أخرجه الطبري من مرسل الربيع بن أنس نحوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا حجوا‏)‏ سيأتي في تفسير البقرة من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق بلفظ ‏"‏ إذا أحرموا في الجاهلية‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجاء رجل من الأنصار‏)‏ هو قطبة بضم القاف وإسكان المهملة بعدها موحدة ابن عامر بن حديدة بمهملات وزن كبيرة الأنصاري الخزرجي السلمي كما أخرجه ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما من طريق عمار بن زريق ‏"‏ عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال‏:‏ كانت قريش تدعي الحمس، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من الأبواب، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان فخرج من بابه فخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري، فقالوا‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قطبة رجل فاجر، فإنه خرج معك من الباب فقال‏:‏ ما حملك على ذلك‏؟‏ فقال رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت‏:‏ قال‏:‏ إني أحمسي، قال فإن ديني دينك، فأنزل الله الآية ‏"‏ وهذا الإسناد وإن كان على شرط مسلم لكن اختلف في وصله على الأعمش عن أبي سفيان فرواه عبد بن حميد عنه فلم يذكر جابرا أخرجه تقي وأبو الشيخ في تفسيرهما من طريقه، وكذا سماه الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس، وكذا ذكر مقاتل بن سليمان في تفسيره‏.‏
وجزم البغوي وغيره من المفسرين بأن هذا الرجل يقال له رفاعة بن تابوت، واعتمدوا في ذلك على ما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير من طريق داود بن أبي هند ‏"‏ عن قيس بن جبير النهشلي قال‏:‏ كانوا إذا أحرموا لم يأتوا بيتا من قبل بابه، ولكن من قبل ظهره، وكانت الحمس تفعله، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا فاتبعه رجل يقال له رفاعة بن تابوت ولم يكن من الحمس ‏"‏ فذكر القصة، وهذا مرسل، والذي قبله أقوى إسنادا فيجوز أن يحمل على التعدد في القصة، إلا أن في هذا المرسل نظرا من وجه آخر، لأن رفاعة بن تابوت معدود في المنافقين، وهو الذي هبت الريح العظيمة لموته كما وقع مبهما في صحيح مسلم ومفسرا في غيره من حديث جابر، فإن لم يحمل على أنهما رجلان توافق اسمهما واسم أبويهما وإلا فكونه قطبة بن عامر أولى، ويؤيده أن في مرسل الزهري عند الطبري ‏"‏ فدخل رجل من الأنصار من بني سلمة ‏"‏ وقطبة من بني سلمه بخلاف رفاعة، ويدل على التعدد اختلاف القول في الإنكار على الداخل، فإن في حديث جابر ‏"‏ فقالوا إن قطبة رجل فاجر ‏"‏ وفي مرسل قيس بن جبير ‏"‏ فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نافق رفاعة ‏"‏ لكن ليس بممتنع أن يتعدد القائلون في القصة الواحدة، وقد وقع في حديث ابن عباس عند ابن جريج أن القصة وقعت أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وفي إسناده ضعف وفي مرسل الزهري أن ذلك وقع في عمرة الحديبية، وفي مرسل السدي عند الطبري أيضا أن ذلك وقع في حجة الوداع، وكأنه أخذه من قوله ‏"‏ كانوا إذا حجوا ‏"‏ لكن وقع في رواية الطبري ‏"‏ كانوا إذا أحرموا ‏"‏ فهذا يتناول الحج والعمرة، والأقرب ما قال الزهري، وبين الزهري السبب في صنيعهم ذلك فقال‏:‏ كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء فكان الرجل إذا أهل فبدت له حاجة في بيته لم يدخل من الباب من أجل السقف أن يحول بينه وبين السماء ‏"‏ واتفقت الروايات على نزول الآية في سبب الإحرام إلا ما أخرجه عبد بن حميد بإسناد صحيح عن الحسن قال ‏"‏ كان الرجل من الجاهلية يهم بالشيء يصنعه فيحبس عن ذلك فلا يأتي بيتا من قبل بابه حتى يأتي الذي كان هم به ‏"‏ فجعل ذلك من باب الطيرة، وغيره جعل ذلك بسبب الإحرام، وخالفهم محمد بن كعب القرظي فقال ‏"‏ كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فنزلت ‏"‏ أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف وأغرب الزجاج في معانيه فجزم بأن سبب نزولها ما روي عن الحسن، لكن ما في الصحيح أصح والله أعلم‏.‏
واتفقت الروايات على أن الحمس كانوا لا يفعلون ذلك بخلاف غيرهم، وعكس ذلك مجاهد فقال ‏"‏ كان المشركون إذا أحرم الرجل منهم ثقب كوة في ظهر بيته فدخل منها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ومعه رجل من المشركين فدخل من الباب، وذهب المشترك ليدخل من الكوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما شأنك‏؟‏ فقال‏:‏ إني أحمسي، فقال‏:‏ وأنا أحمسي، فنزلت ‏"‏ أخرجه الطبري‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n159&p1#TOP)باب السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب السفر قطعة من العذاب‏)‏ قال ابن المنير‏:‏ أشار البخاري بإيراد هذه الترجمة في أواخر أبواب الحج والعمرة أن الإقامة في الأهل أفضل من المجاهدة انتهى، وفيه نظر لا يخفى، لكن يحتمل أن يكون المصنف أشار بإيراده في الحج إلى حديث عائشة بلفظ ‏"‏ إذا قضى أحدكم حجه فليعجل إلى أهله ‏"‏ وسيأتي بيان من أخرجه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سمي‏)‏ كذا لأكثر الرواة عن مالك، وكذا هو في الموطأ، وصرح يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك بتحديث سمي له به، وشذ خالد بن مخلد عن مالك فقال ‏"‏ عن سهيل ‏"‏ بدله سمي أخرجه ابن عدي، وذكر الدارقطني أن ابن الماجشون رواه عن مالك عن سهيل أيضا فتابع خالد من مخلد، لكن قال الدارقطني‏.‏
أن أبا علقمة القروي تفرد به عن ابن الماجشون وأنه وهم فيه، ورواه الطبراني عن أحمد عن بشير الطيالسي عن محمد بن جعفر الوركاني عن مالك عن سهيل، وخالفه موسى بن هرون فرواه عن الوركاني عن مالك عن سمي، قال الدارقطني حدثنا به دعلج عن موسى، قال‏:‏ والوهم في هذا من الطبراني أو من شيخه؛ وسمي هو المحفوظ في رواية مالك قاله ابن عدي، وأخرجه الدارقطني وغيرهما ولم يروه عن سمي غير مالك قاله ابن عبد البر، ثم أسند عن عبد الملك بن الماجشون قال قال مالك‏:‏ ما لأهل العراق يسألونني عن حديث ‏"‏ السفر قطعة من العذاب ‏"‏‏؟‏ فقيل له لم يروه عن سمي أحد غيرك، فقال‏:‏ لو عرفت ما حدثت به، وكان مالك ربما أرسله لذلك، ورواه عتيق بن يعقوب عن مالك عن أبي النضر عن أبي صالح، ووهم فيه أيضا على مالك أخرجه الطبراني والدارقطني، ورواه رواد بن الجراح عن مالك فزاد فيه إسنادا آخر فقال عن ربيعة عن القاسم عن عائشة، وعن سمي بإسناده فذكره، قال الدارقطني أخطأ فيه رواد بن الجراح، وأخرجه ابن عبد البر من طريق أبي مصعب عن عبد العزيز الدراوردي عن سهيل عن أبيه، هذا يدل على أن له في حديث سهيل أصلا وأن سميا لم ينفرد به، وقد أخرجه أحمد في مسنده من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة، وأخرجه ابن عدي من طريق جمهان عن أبي هريرة أيضا فلم ينفرد به أبو صالح، وأخرجه الدارقطني والحاكم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بإسناد جيد فلم ينفرد به أبو هريرة، بل في الباب عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد وجابر عند ابن عدي أسانيد ضعيفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏السفر قطعة من العذاب‏)‏ أي جزء منه، والمراد بالعذاب الألم الناشئ عن المشقة لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يمنع أحدكم‏)‏ كأنه فصله عما قبله بيانا لذلك بطريق الاستئناف كالجواب لمن قال كان كذلك فقال‏:‏ يمنع أحدكم نومه إلخ أي وجه التشبيه الاشتمال على المشقة، وقد ورد التعليل في رواية سعيد المقبري ولفظه ‏"‏ السفر قطعة من العذاب، لأن الرجل يشتغل فيه عن صلاته وصيامه ‏"‏ فذكر الحديث، والمراد بالمنع في الأشياء المذكورة منع كمالها لا أصلها، وقد وقع عند الطبراني بلفظ ‏"‏ لا يهنأ أحدكم بنومه ولا طعامه ولا شرابه ‏"‏ وفي حديث ابن عمر عند ابن عدي ‏"‏ وأنه ليس له دواء إلا سرعة السير ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏نهمته‏)‏ بفتح النون وسكون الهاء أي حاجته من وجهه أي من مقصده وبيانه في حديث ابن عدي بلفظ ‏"‏ إذا قضى أحدكم وطره من سفره ‏"‏ وفي رواية رواد بن الجراح ‏"‏ فإذا فرغ أحدكم من حاجته‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليعجل إلى أهله‏)‏ في رواية عتيق وسعيد المقبري ‏"‏ فليعجل الرجوع إلى أهله ‏"‏ وفي رواية أبي مصعب ‏"‏ فليعجل الكرة إلى أهله ‏"‏ وفي حديث عائشة ‏"‏ فليعجل الرحلة إلى أهله ‏"‏ فإنه اعظم لأجره ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ زاد فيه بعض الضعفاء عن مالك ‏"‏ وليتخذ لأهله هدية وإن لم يجد إلا حجرا ‏"‏ يعني حجر الزناد، قال‏:‏ وهي زيادة منكرة، وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب استعجال الرجوع ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة، ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا، ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة العبادة‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث ابن عمر مرفوعا ‏"‏ سافروا تصحوا ‏"‏ فإنه لا يلزم من الصحة بالسفر لما فيه من الرياضة أن لا يكون قطعة من العذاب لما فيه من المشقة، فصار كالدواء المر المعقب للصحة وإن كان في تناوله الكراهة، واستنبط منه الخطابي تغريب الزاني لأنه قد أمر بتعذيبه - والسفر من جملة العذاب - ولا يخفى ما فيه‏.‏
‏(‏لطيفة‏)‏ ‏:‏ سئل إمام الحرمين حين جلس موضع أبيه‏:‏ لم كان السفر قطعة من العذاب‏؟‏ فأجاب على الفور‏:‏ لأن فيه فراق الأحباب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n159&p1#TOP)باب الْمُسَافِرِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ يُعَجِّلُ إِلَى أَهْلِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المسافر إذا جد به السير ويعجل إلى أهله‏)‏ أي ماذا يصنع‏؟‏ كذا ثبتت الواو في رواية الكشميهني وهي رواية النسفي، وأورد المصنف فيه قصة ابن عمر حين بلغه عن صفية شدة الوجع فأسرع السير، وقد تقدم الكلام عليه في أبواب تقصير الصلاة، وسيأتي من هذا الوجه في أبواب الجهاد، وبالله التوفيق‏.‏
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n159&p1#TOP)‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب العمرة وما في آخرها من آداب الرجوع من السفر من الأحاديث المرفوعة على أربعين حديثا، المعلق منها أربعة والبقية موصولة المكرر منها وفيها وفيما مضى أحد وعشرون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عمر في الاعتمار قبل الحج، وحديث البراء فيه، وحديث عائشة ‏"‏ العمرة على قدر النصب‏"‏، وحديث ابن عباس في إرداف اثنين‏.‏
وفيه من الموقوفات خمسة آثار منها ثلاثة موصولة في ضمن حديث البراء‏.‏
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 03:51 PM
المجلد الرابع *2*أَبْوَابُ الْمُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المحصر وجزاء الصيد‏)‏ ثبتت البسملة للجميع، وذكر أبو ذر ‏"‏ أبواب ‏"‏ بلفظ الجمع، وللباقين ‏"‏ باب ‏"‏ بالإفراد‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A3%D9%8E%D8%A8%D9%92%D9%88%D9%8E%D8%A7%D8%A8%D 9%8F%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D9%85%D9%8F%D8%AD%D9%92% D8%B5%D9%8E%D8%B1%D9%90%20%D9%88%D9%8E%D8%AC%D9%8E %D8%B2%D9%8E%D8%A7%D8%A1%D9%90%20%D8%A7%D9%84%D8%B 5%D9%91%D9%8E%D9%8A%D9%92%D8%AF%D9%90/i9&d342&c&p1#TOP)وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ
وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَقَالَ عَطَاءٌ الْإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ حَصُورًا لَا يَأْتِي النِّسَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله تعالى‏:‏ فإن أحصرتم‏)‏ أي وتفسير المراد من قوله‏:‏ ‏(‏فإن أحصرتم‏)‏ وأما قوله ‏(‏ولا تحلقوا رءوسكم‏)‏ فسيأتي في الباب الذي يليه‏.‏
وفي اقتصاره على تفسير عطاء إشارة إلى أنه اختار القول بتعميم الإحصار، وهي مسألة اختلاف بين الصحابة وغيرهم، فقال كثير منهم‏:‏ الإحصار من كل حابس حبس الحاج من عدو ومرض وغير ذلك، حتى أفتى ابن مسعود رجلا لدغ بأنه محصر، أخرجه ابن جرير بإسناد صحيح عنه‏.‏
وقال النخعي والكوفيون‏:‏ الحصر الكسر والمرض والخوف، واحتجوا بحديث حجاج بن عمرو الذي سنذكره في آخر الباب‏.‏
وأثر عطاء المشار إليه وصله عبد بن حميد عن أبي نعيم عن الثوري عن ابن جريج عنه قال في قوله تعالى ‏(‏فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى‏)‏ قال‏:‏ الإحصار من كل شيء يحبسه‏.‏
وكذا رويناه في تفسير الثوري رواية أبي حذيفة عنه‏.‏
وروى ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه، ولفظه ‏"‏ فإن أحصرتم، قال‏:‏ من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه فعليه ذبح ما استيسر من الهدى، فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد الفريضة فلا قضاء عليه ‏"‏ وقال آخرون‏:‏ لا حصر إلا بالعدو، وصح ذلك عن ابن عباس، أخرجه عبد الرزاق عن معمر، وأخرجه الشافعي عن ابن عيينة كلاهما عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ‏"‏ لا حصر إلا من حبسه عدو فيحل بعمرة، وليس عليه حج ولا عمرة‏"‏، وروى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ والشافعي عنه عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال ‏"‏ من حبس دون البيت بالمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت ‏"‏ وروى مالك عن أيوب عن رجل من أهل البصرة قال ‏"‏ خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة - وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس - فلم يرخص لي أحد في أن أحل، فأقمت على ذلك الماء تسعة أشهر ثم حللت بعمرة‏"‏، وأخرجه ابن جرير من طرق وسمى الرجل يزيد بن عبد الله بن الشخير، وبه قال مالك والشافعي وأحمد‏.‏
قال الشافعي‏:‏ جعل الله على الناس إتمام الحج والعمرة، وجعل التحلل للمحصر رخصة، وكانت الآية في شأن منع العدو فلم نعد بالرخصة موضعها‏.‏
وفي المسألة قول ثالث حكاه ابن جرير وغيره، وهو أنه لا حصر بعد النبي، وروى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه ‏"‏ المحرم لا يحل حتى يطوف‏"‏‏.‏
أخرجه في ‏"‏ باب ما يفعل من أحصر بغير عدو‏"‏‏.‏
وأخرج ابن جرير عن عائشة بإسناد صحيح قالت ‏"‏ لا اعلم المحرم يحل بشيء دون البيت ‏"‏ وعن ابن عباس بإسناد ضعيف قال ‏"‏ لا إحصار اليوم ‏"‏ وروى ذلك عن عبد الله بن الزبير، والسبب في اختلافهم في ذلك اختلافهم في تفسير الإحصار، فالمشهور عن أكثر أهل اللغة - منهم الأخفش والكسائي والفراء وأبو عبيدة وأبو عبيد وابن السكيت وثعلب وابن قتيبة وغيرهم - أن الإحصار إنما يكون بالمرض، وأما بالعدو فهو الحصر وبهذا قطع النحاس، وأثبت بعضهم أن أحصر وحصر بمعنى واحد، يقال في جميع ما يمنع الإنسان من التصرف قال تعالى ‏(‏للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض‏)‏ وإنما كانوا لا يستطيعون من منع العدو إياهم، وأما الشافعي ومن تابعه فحجتهم في أن لا إحصار إلا بالعدو اتفاق أهل النقل على أن الآيات نزلت في قصة الحديبية حين صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت، فسمى الله صد العدو إحصارا، وحجة الآخرين التمسك بعموم قوله تعالى ‏(‏فإن أحصرتم‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ حصورا لا يأتي النساء‏)‏ هكذا ثبت هذا التفسير هنا في رواية المستملي خاصة، ونقله الطبري عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد، وقد حكاه أبو عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏ وقال‏:‏ إن له معاني أخرى فذكرها، وهو بمعنى محصور لأنه منع مما يكون من الرجال، وقد ورد فعول بمعنى مفعول كثيرا‏.‏
وكأن البخاري أراد بذكر هذه الآية الإشارة إلى أن المادة واحدة، والجامع بين معانيها المنع، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A3%D9%8E%D8%A8%D9%92%D9%88%D9%8E%D8%A7%D8%A8%D 9%8F%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D9%85%D9%8F%D8%AD%D9%92% D8%B5%D9%8E%D8%B1%D9%90%20%D9%88%D9%8E%D8%AC%D9%8E %D8%B2%D9%8E%D8%A7%D8%A1%D9%90%20%D8%A7%D9%84%D8%B 5%D9%91%D9%8E%D9%8A%D9%92%D8%AF%D9%90/i9&d342&c&p1#TOP)باب إِذَا أُحْصِرَ الْمُعْتَمِرُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أحصر المعتمر‏)‏ قيل غرض المصنف بهذه الترجمة الرد على من قال التحلل بالإحصار خاص بالحاج بخلاف المعتمر فلا يتحلل بذلك بل يستمر على إحرامه حتى يطوف بالبيت، لأن السنة كلها وقت للعمرة فلا يخشى فواتها بخلاف الحج، وهو محكي عن مالك، واحتج له إسماعيل القاضي بما أخرجه بإسناد صحيح عن أبي قلابة قال‏:‏ خرجت معتمرا، فوقعت عن راحلتي فانكسرت، فأرسلت إلى ابن عباس وابن عمر فقالا‏:‏ ليس لها وقت كالحج يكون على إحرامه حتى يصل إلى البيت‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ قَالَ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن عبد الله بن عمر حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة‏)‏ هذا السياق يشعر بأنه عن نافع عن ابن عمر بغير واسطة، لكن رواية جويرية التي بعده تقتضي أن نافعا حمل ذلك عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما حيث قال فيها‏:‏ عن جويرية عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر، فذكر القصة والحديث، هكذا قال البخاري عن عبد الله بن محمد ابن أسماء، ووافقه الحسن بن سفيان وأبو يعلى كلاهما عن عبد الله، أخرجه الإسماعيلي عنهما، وتابعهم معاذ بن المثني عن عبد الله بن محمد بن أسماء، أخرجه البيهقي‏.‏
لكن في رواية موسى بن إسماعيل عن جويرية عن نافع أن بعض بني عبد الله بن عمر قال له، فذكر الحديث‏.‏
وظاهره أنه لنافع عن ابن عمر بغير واسطة، وقد عقب البخاري رواية عبد الله برواية موسى لينبه على الاختلاف في ذلك، واقتصر في رواية موسى هنا على الإسناد، وساقه في المغازي بتمامه‏.‏
وقد رواه يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع كذلك ولفظه ‏"‏ أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله، فذكر الحديث ‏"‏ أخرجه مسلم، وقد أخرجه البخاري في المغازي عن مسدد عن يحيى مختصرا قال فيه عن نافع عن ابن عمر أنه أهل فذكر بعض الحديث‏.‏
وفي قوله عن نافع عن ابن عمر دلالة على أنه لا واسطة بين نافع وابن عمر فيه كما هو ظاهر سياق مسلم، وأخرجه البخاري كما سيأتي بعد باب من طريق عمر بن محمد عن نافع مثل سياق يحيى عن عبيد الله سواء، وأخرجه في المغازي من طريق فليح وفيما مضى من الحج من طريق أيوب والليث كلهم عن نافع، وأعرض مسلم عن تخريج طريق جويرية ووافق على طريق تخريج الليث وأيوب عن عبيد الله ابن عمر، وكذا أخرجه النسائي من طريق أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية كلهم عن نافع عن ابن عمر بغير واسطة‏.‏
والذي يترجح في نقدي أن ابني عبد الله أخبرا نافعا بما كلما به أباهما وأشارا عليه به من التأخير ذلك العام، وأما بقية القصة فشاهدها نافع وسمعها من ابن عمر لملازمته إياه، فالمقصود من الحديث موصول، وعلى تقدير أن يكون نافع لم يسمع شيئا من ذلك من ابن عمر فقد عرف الواسطة بينهما وهي ولدا عبد الله ابن عمر سالم وعبد الله وهما ثقتان لا مطعن فيهما، ولم أر من نبه على ذلك من شراح البخاري‏.‏
ووقع في رواية جويرية المذكورة عبيد الله بن عبد الله بالتصغير‏.‏
وفي رواية يحيى القطان المذكورة عبد الله بالتكبير، وكذا في رواية عمر بن محمد عن نافع، قال البيهقي‏:‏ عبد الله - يعني مكبرا - أصح‏.‏
قلت‏:‏ وليس بمستبعد أن يكون كل منهما كلم أباه في ذلك، ولعل نافعا حضر كلام عبد الله المكبر مع أخيه سالم ولم يحضر كلام عبيد الله المصغر مع أخيه سالم أيضا بل أخبراه بذلك فقص عن كل ما انتهى إليه علمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏معتمرا‏)‏ في الموطأ من هذا الوجه ‏"‏ خرج إلى مكة يريد الحج‏.‏
فقال‏:‏ إن صددت ‏"‏ فذكره، ولا اختلاف، فإنه خرج أولا يريد الحج فلما ذكروا له أمر الفتنة أحرم بالعمرة ثم قال‏:‏ ما شأنهما إلا واحدا فأضاف إليها الحج فصار قارنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في الفتنة‏)‏ بينه في رواية جويرية فقال ‏"‏ ليالي نزل الجيش بابن الزبير ‏"‏ وقد مضى في ‏"‏ باب طواف القارن ‏"‏ من طريق الليث عن نافع بلفظ ‏"‏ حين نزل الحجاج بابن الزبير ‏"‏ ولمسلم رواية في يحيى القطان المذكورة ‏"‏ حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب من اشترى هديه من الطريق ‏"‏ من رواية موسى بن عقبة عن نافع ‏"‏ أراد ابن عمر الحج عام حج الحرورية‏"‏‏.‏
وتقدم طريق الجمع بينه وبين رواية الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن صددت عن البيت‏)‏ هذا الكلام قاله جوابا لقول من قال له‏.‏
إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت، كما أوضحته الرواية التي بعد هذه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية موسى بن عقبة ‏"‏ فقال‏:‏ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، إذن اصنع كما صنع ‏"‏ زاد في رواية الليث عن نافع في ‏"‏ باب طواف القارن ‏"‏ ‏"‏ كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ونحوه في رواية أيوب عن نافع في ‏"‏ باب طواف القارن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأهل‏)‏ يعني ابن عمر، والمراد أنه رفع صوته بالإهلال والتلبية، زاد في رواية جويرية التي بعد هذه ‏"‏ فقال‏:‏ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فحال كفار قريش دون البيت، فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية‏)‏ ‏.‏
قال النووي‏:‏ معناه أنه أراد إن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي صلى الله عليه وسلم من العمرة‏.‏
وقال عياض‏:‏ يحتمل أن المراد أهل بعمرة كما أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة، ويحتمل أنه أراد الأمرين أي من الإهلال والإحلال وهو الأظهر‏.‏
وتعقبه النووي، وليس هو بمردود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعمرة‏)‏ زاد في رواية جويرية ‏"‏ من ذي الحليفة ‏"‏ وفي رواية أيوب الماضية ‏"‏ فأهل بالعمرة من الدار ‏"‏ والمراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة، ويحتمل أن يحمل على الدار التي بالمدينة ويجمع بأنه أهل بالعمرة من داخل بيته، ثم أعلن بها وأظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عام الحديبية‏)‏ سيأتي بيان ذلك وشرحه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى، وأورده المصنف بعد بابين عن إسماعيل - وهو ابن أبي أويس - عن مالك فزاد فيه ‏"‏ ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال‏:‏ ما أمرهما إلا واحد ‏"‏ أي الحج والعمرة فيما يتعلق بالإحصار والإحلال، فالتفت إلى أصحابه فذكر القصة‏.‏
وبين في رواية جويرية أن ذلك وقع بعد أن سار ساعة، وهو يؤيد الاحتمال الأول الماضي في أن المراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة‏.‏
ووقع في رواية الليث ‏"‏ أشهدكم أني قد أوجبت عمرة‏.‏
ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال‏:‏ ما شأن الحج والعمرة إلا واحد‏"‏‏.‏
ولو كان إيجابه العمرة من داره التي بالمدينة لكان ما بينها وبين ظاهر البيداء أكثر من ساعة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيَالِيَ نَزَلَ الْجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْعُمْرَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْطَلِقُ فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي فَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَهْدَى وَكَانَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ لَوْ أَقَمْتَ بِهَذَا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏فلم يحل منهما حتى حل يوم النحر‏)‏ زاد في رواية الليث ‏"‏ فنحر وحلق ‏"‏ ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول‏.‏
وهذا ظاهره أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة، وهو مشكل‏.‏
ووقع في رواية إسماعيل المذكورة ‏"‏ ثم طاف لهما طوافا واحدا ورأى أن ذلك مجزئ عنه ‏"‏ وقد تقدم البحث في ذلك في آخر ‏"‏ باب طواف القارن‏"‏‏.‏
قوله في رواية جويرية ‏(‏أشهدكم أني قد أوجبت‏)‏ أي ألزمت نفسي ذلك، وكأنه أراد تعليم من يريد الاقتداء به، وإلا فالتلفظ ليس بشرط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن حيل بيني وبينه‏)‏ أي البيت - أي منعت من الوصول إليه لأطوف - تحللت بعمل العمرة، وهذا يبين أن المراد بقوله ‏"‏ ما أمرهما إلا واحد ‏"‏ يعني الحج والعمرة في جواز التحلل منهما بالإحصار أو في إمكان الإحصار عن كل منهما، ويؤيد الثاني قوله في رواية يحيى القطان المذكورة بعد قوله ما أمرهما إلا واحد ‏"‏ إن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحج ‏"‏ فكأنه رأى أولا أن الإحصار عن الحج أشد من الإحصار عن العمرة لطول زمن الحج وكثرة أعماله فاختار الإهلال بالعمرة، ثم رأى أن الإحصار بالحج يفيد التحلل عنه بعمل العمرة فقال ‏"‏ ما أمرهما إلا واحد‏"‏‏.‏
وفيه أن الصحابة كانوا يستعملون القياس ويحتجون به‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد أن من أحصر بالعدو بأن منعه عن المضي في نسكه حجا كان أو عمرة جاز له التحلل بأن ينوي ذلك وينحر هديه ويحلق رأسه أو يقصر منه‏.‏
وفيه جواز إدخال الحج على العمرة وهو قول الجمهور، لكن شرطه عند الأكثر أن يكون قبل الشروع في طواف العمرة، وقيل إن كان قبل مضي أربعة أشواط صح، وهو قول الحنفية، وقيل بعد تمام الطواف وهو قول المالكية، ونقل عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع إدخال الحج على العمرة قياسا على منع إدخال العمرة على الحج‏.‏
وفيه أن القارن يقتصر على طواف واحد، وقد تقدم البحث فيه في بابه‏.‏
وفيه أن القارن يهدي، وشذ ابن حزم فقالا‏:‏ لا هدي على القارن‏.‏
وفيه جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجى السلامة، قاله ابن عبد البر‏.‏
قوله في رواية موسى بن إسماعيل ‏(‏أن بعض بني عبد الله‏)‏ قد تقدم اسمه في الرواية التي قبلها وأنه سالم بن عبد الله أو أخوه عبيد الله أو عبد الله، ولم يظهر لي من الذي تولى مخاطبته منهم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ وقع في رواية القعنبي عن مالك في أول أحاديث الباب في آخر قصة ابن عمر زيادة وهي ‏"‏ وأهدى شاة ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ هي زيادة غير محفوظة، لأن ابن عمر كان يفسر ما استيسر من الهدي بأنه بدنة دون بدنة أو بقرة دون بقرة فكيف يهدي شاة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ كذا في جميع الروايات غير منسوب، فجزم الحاكم بأنه محمد بن يحيى الذهلي، وأبو مسعود بأنه محمد بن مسلم بن وارة، وذكر الكلاباذي عن ابن أبي سعيد أنه أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، وذكر أنه رآه في أصل عتيق، ويؤيده أن الحديث وجد من حديثه عن يحيى بن صالح المذكور، كذلك أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبي حاتم، ورواية البخاري عنه في باب الذبح فإنه روى عنه البخاري‏.‏
قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون هو محمد بن إسحاق الصغاني فقد وجدت الحديث من روايته عن يحيى بن صالح كما سأذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عكرمة قال فقال ابن عباس‏)‏ هكذا رأيته في جميع النسخ وهو يقتضي سبق كلام يعقبه قوله ‏"‏ فقال ابن عباس ‏"‏ ولم ينبه عليه أحد من شراح هذا الكتاب ولا بينه الإسماعيلي ولا أبو نعيم لأنهما اقتصرا من الحديث على ما أخرجه البخاري، وقد بحثت عنه إلى أن يسر الله بالوقوف عليه، فقرأت في ‏"‏ كتاب الصحابة ‏"‏ لابن السكن قال ‏"‏ حدثني هارون بن عيسى حدثنا الصغاني هو محمد بن إسحاق أحد شيوخ مسلم حدثنا يحيى بن صالح حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير قال‏:‏ سألت عكرمة فقال‏:‏ قال عبد الله بن رافع مولي أم سلمة إنها سألت الحجاج بن عمرو الأنصاري عمن حبس وهو محرم قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من عرج أو كسر أو حبس فليجزئ مثلها وهو في حل ‏"‏ قال فحدثت به أبا هريرة فقال‏:‏ صدق، وحدثته ابن عباس فقال‏:‏ قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق ونحر هديه وجامع نساءه حتى اعتمر عاما قابلا‏"‏، فعرف بهذا السياق القدر الذي حذفه البخاري من هذا الحديث، والسبب في حذفه أن الزائد ليس على شرطه لأنه قد اختلف في حديث الحجاج بن عمرو على يحيى بن أبي كثير عن عكرمة مع كون عبد الله بن رافع ليس من شرط البخاري فأخرجه أصحاب السنن وابن خزيمة والدار قطني والحاكم من طرق عن الحجاج الصواف عن يحيى عن عكرمة عن الحجاج به‏.‏
وقال في آخر ‏"‏ قال عكرمة فسألت أبا هريرة وابن عباس فقالا صدق‏"‏‏.‏
ووقع في رواية يحيى القطان وغيره في سياقه ‏"‏ سمعت الحجاج ‏"‏ وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق معمر عن يحيى عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج قال الترمذي‏:‏ وتابع معمرا على زيادة عبد الله بن رافع معاوية بن سلام، وسمعت محمدا يعني البخاري يقول‏:‏ رواية معمر ومعاوية أصح، انتهى‏.‏
فاقتصر البخاري على ما هو من شرط كتابه، مع أن الذي حذفه ليس بعيدا من الصحة، فإنه إن كان عكرمة سمعه من الحجاج بن عمرو فذاك، وإلا فالواسطة بينهما - وهو عبد الله بن رافع - ثقة وإن كان البخاري لم يخرج له‏.‏
وبهذا الحديث احتج من قال‏:‏ لا فرق بين الإحصار بالعدو وبغيره كما تقدمت الإشارة إليه، واستدل به على أن من تحلل بالإحصار وجب عليه قضاء ما تحلل منه وهو ظاهر الحديث‏.‏
وقال الجمهور‏:‏ لا يجب، وبه قال الحنفية‏.‏
وعن أحمد روايتان‏.‏
وسيأتي البحث فيه بعد بابين إن شاء الله تعالى‏؟‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 03:56 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A3%D9%8E%D8%A8%D9%92%D9%88%D9%8E%D8%A7%D8%A8%D 9%8F%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D9%85%D9%8F%D8%AD%D9%92% D8%B5%D9%8E%D8%B1%D9%90%20%D9%88%D9%8E%D8%AC%D9%8E %D8%B2%D9%8E%D8%A7%D8%A1%D9%90%20%D8%A7%D9%84%D8%B 5%D9%91%D9%8E%D9%8A%D9%92%D8%AF%D9%90/i9&d342&c&p1#TOP)باب الْإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإحصار في الحج‏)‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أشار البخاري إلى أن الإحصار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقع في العمرة، فقاس العلماء الحج على ذلك، وهو من الإلحاق بنفي الفارق وهو من أقوى الأقيسة‏.‏
قلت‏:‏ وهذا ينبني على أن مراد ابن عمر بقوله ‏"‏ سنة نبيكم ‏"‏ قياس من يحصل له الإحصار وهو حاج على من يحصل له في الاعتمار، لأن الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم هو الإحصار عن العمرة، ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله سنة نبيكم وبما بينه بعد ذلك شيئا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في حق من لم يحصل له ذلك وهو حاج، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد وقد عقب المصنف هذا الحديث بأن قال ‏"‏ وعن عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري نحوه ‏"‏ وهو معطوف على الإسناد الأول، فكأن ابن المبارك كان يحدث به تارة عن يونس وتارة عن معمر، وليس هو بمعلق كما ادعاه بعضهم‏.‏
وقد أخرجه الترمذي عن أبي كريب عن ابن المبارك عن معمر ولفظه‏:‏ ‏"‏ أنه كان ينكر الاشتراط ويقول‏:‏ أليس حسبكم سنة نبيكم ‏"‏ وهكذا أخرجه الدار قطني من طريق الحسن بن عرفة والإسماعيلي من طريقه ومن طريق أحمد ابن منيع وغيره كلهم عن ابن المبارك، وكذا أخرجه عبد الرزاق وأحمد عنه عن معمر مقتصرا على هذا القدر، وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن عبد الرزاق بتمامه، وكذا أخرجه النسائي وأما إنكار ابن عمر الاشتراط فثابت في رواية يونس أيضا إلا أنه حذف في رواية البخاري هذه، فأخرجه البيهقي من طريق السراج عن أبي كريب عن ابن المبارك عن يونس، وأخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق ابن وهب عن يونس، وأشار ابن عمر بإنكار الاشتراط إلى ما كان يفتي به ابن عباس‏.‏
قال البيهقي‏:‏ لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة في الاشتراط لقال به، وقد أخرجه الشافعي عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضباعة بنت الزبير فقال‏:‏ أما تريدين الحج‏؟‏ فقالت‏:‏ إني شاكية‏.‏
فقال لها‏:‏ حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ‏"‏ قال الشافعي‏:‏ لو ثبت حديث عروة لم أعده إلى غيره، لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال البيهقي‏:‏ قد ثبت هذا الحديث من أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساقه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة موصولا بذكر عائشة فيه وقال‏:‏ وقد وصله عبد الجبار وهو ثقة‏.‏
قال‏:‏ وقد وصله أبو أسامة ومعمر كلاهما عن هشام‏.‏
ثم ساقه من طريق أبي أسامة وقال‏:‏ أخرجه الشيخان من طريق أبي أسامة‏.‏
قلت‏:‏ وطريق أبي أسامة أخرجها البخاري في كتاب النكاح ولم يخرجها في الحج، بل حذف منه ذكر الاشتراط أصلا إثباتا كما في حديث عائشة ونفيا كما في حديث ابن عمر‏.‏
وأما رواية معمر التي أشار إليها البيهقي فأخرجها أحمد عن عبد الرزاق، ومسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن هشام والزهري فرقهما كلاهما عن عروة عن عائشة‏.‏
ولقصة ضباعة شواهد منها حديث ابن عباس ‏"‏ أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ إني امرأة ثقيلة - أي في الضعف - وإني أريد الحج، فما تأمرني‏؟‏ قال‏:‏ أهلي بالحج، واشترطي أن محلي حيث تحبسني‏.‏
قال فأدركت ‏"‏ أخرجه مسلم وأصحاب السنن والبيهقي من طرق عن ابن عباس‏.‏
قال الترمذي‏:‏ وفي الباب عن جابر وأسماء بنت أبي بكر‏.‏
قلت‏:‏ وعن ضباعة نفسها وعن سعدي بنت عوف وأسانيدها كلها قوية‏.‏
وصح القول بالاشتراط عن عمر وعثمان وعلي وعمار وابن مسعود وعائشة وأم سلمة وغيرهم من الصحابة، ولم يصح إنكاره عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر، ووافقه جماعة من التابعين ومن بعدهم من الحنفية والمالكية، وحكى عياض عن الأصيلي قال‏:‏ لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح، قال عياض‏:‏ وقد قال النسائي لا أعلم أسنده عن الزهري غير معمر‏.‏
وتعقبه النووي بأن الذي قاله غلط فاحش، لأن الحديث مشهور صحيح من طرق متعددة، انتهى وقول النسائي لا يلزم منه تضعيف طريق الزهري التي تفرد بها معمر فضلا عن بقية الطرق لأن معمرا ثقة حافظ فلا يضره التفرد، كيف وقد وجد لما رواه شواهد كثيرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن حبس أحدكم عن الحج طاف‏)‏ قال عياض‏:‏ ضبطناه سنة بالنصب على الاختصاص أو على إضمار فعل، أي تمسكوا وشبهه‏.‏
وخبر حسبكم في قوله ‏"‏ طاف بالبيت ‏"‏ ويصح الرفع على أن سنة خبر حسبكم أو الفاعل بمعنى الفعل فيه ويكون ما بعدها تفسيرا للسنة‏.‏
وقال السهيلي‏:‏ من نصب سنة فإنه بإضمار الأمر كأنه قال‏:‏ الزموا سنة نبيكم، وقد قدمت البحث فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏طاف بالبيت‏)‏ أي إذا أمكنه ذلك‏.‏
وقد وقع في رواية عبد الرزاق ‏"‏ إن حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل إليه طاف به ‏"‏ الحديث‏.‏
والذي تحصل من الاشتراط في الحج والعمرة أقوال‏:‏ أحدها مشروعيته، ثم اختلف من قال به فقيل‏:‏ واجب لظاهر الأمر‏.‏
وهو قول الظاهرية‏.‏
وقيل مستحب وهو قول أحمد وغلط من حكى عنه إنكاره، وقيل جائز وهو المشهور عند الشافعية وقطع به الشيخ أبو حامد‏.‏
والحق أن الشافعي نص عليه في القديم وعلق القول بصحته في الجديد فصار الصحيح عنه القول به، وبذلك جزم الترمذي عنه، وهو أحد المواضع التي علق القول بها على صحة الحديث، وقد جمعتها في كتاب مفرد مع الكلام على تلك الأحاديث‏.‏
والذين أنكروا مشروعية الاشتراط أجابوا عن حديث ضباعة بأجوبة، منها‏:‏ أنه خاص بضباعة، حكاه الخطابي ثم الروياني من الشافعية‏.‏
قال النووي‏:‏ وهو تأويل باطل‏.‏
وقيل معناه محلي حيث حبسني الموت إذا أدركتني الوفاة انقطع إحرامي‏.‏
حكاه إمام الحرمين، وأنكره النووي‏.‏
وقال‏:‏ إنه ظاهر الفساد‏.‏
وقيل إن الشرط خاص بالتحلل من العمرة لا من الحج‏.‏
حكاه المحب الطبري‏.‏
وقصة ضباعة ترده كما تقدم من سياق مسلم‏.‏
وقد أطنب ابن حزم في التعقب على من أنكر الاشتراط بما لا مزيد عليه، وسيأتي الكلام على بقية حديث ضباعة في الاشتراط حيث ذكره المصنف في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A3%D9%8E%D8%A8%D9%92%D9%88%D9%8E%D8%A7%D8%A8%D 9%8F%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D9%85%D9%8F%D8%AD%D9%92% D8%B5%D9%8E%D8%B1%D9%90%20%D9%88%D9%8E%D8%AC%D9%8E %D8%B2%D9%8E%D8%A7%D8%A1%D9%90%20%D8%A7%D9%84%D8%B 5%D9%91%D9%8E%D9%8A%D9%92%D8%AF%D9%90/i9&d342&c&p1#TOP)باب النَّحْرِ قَبْلَ الْحَلْقِ فِي الْحَصْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النحر قبل الحلق في الحصر‏)‏ ذكر فيه حديث المسور ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك ‏"‏ وهذا طرف من الحديث الطويل الذي أخرجه المصنف في الشروط من الوجه المذكور هنا ولفظه في أواخر الحديث ‏"‏ فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا ‏"‏ فذكر بقية الحديث وفيه قول أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، فخرج فنحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ‏"‏ وعرف بهذا أن المصنف أورد القدر المذكور هنا بالمعنى، وأشار بقوله في الترجمة ‏"‏ في الحصر ‏"‏ إلى أن هذا الترتيب يختص بحال من أحصر، وقد تقدم أنه لا يجب في حال الاختيار في ‏"‏ باب إذا رمى بعدما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ‏"‏ ولم يتعرض المصنف لما يجب على من حلق قبل أن ينحر، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال‏:‏ عليه دم‏.‏
قال إبراهيم‏.‏
وحدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيِّ قَالَ وَحَدَّثَ نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَسَالِمًا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرِينَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدْنَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ
الشرح‏:‏
أورد المصنف حديث ابن عمر الماضي قبل بباب مختصرا وفيه ‏"‏ فنحر بدنه وحلق رأسه‏"‏، وقد أورده البيهقي من طريق أبي بدر شجاع بن الوليد - وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه بإسناده المذكور ولفظه ‏"‏ أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله بن عمر ليالي نزل الحجاج بابن الزبير وقالا‏:‏ لا يضرك أن لا تحج العام، إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت‏.‏
فقال‏:‏ خرجنا ‏"‏ فذكر مثل سياق البخاري وزاد في آخره ‏"‏ ثم رجع‏"‏، وكذا ساقه الإسماعيلي من طريق أبي بدر إلا أنه لم يذكر القصة التي في أوله، وساقه من طريق أخرى عن أبي بدر أيضا فقال فيها عن ابن عمر أنه قال ‏"‏ إن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فأهل بالعمرة ‏"‏ الحديث‏.‏
قال ابن التيمي‏:‏ ذهب مالك إلى أنه لا هدي على المحصر، والحجة عليه هذا الحديث لأنه نقل فيه حكم وسبب، فالسبب الحصر، والحكم النحر، فاقتضى الظاهر تعلق الحكم بذلك السبب، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A3%D9%8E%D8%A8%D9%92%D9%88%D9%8E%D8%A7%D8%A8%D 9%8F%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D9%85%D9%8F%D8%AD%D9%92% D8%B5%D9%8E%D8%B1%D9%90%20%D9%88%D9%8E%D8%AC%D9%8E %D8%B2%D9%8E%D8%A7%D8%A1%D9%90%20%D8%A7%D9%84%D8%B 5%D9%91%D9%8E%D9%8A%D9%92%D8%AF%D9%90/i9&d342&c&p1#TOP)باب مَنْ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُحْصَرِ بَدَلٌ
وَقَالَ رَوْحٌ عَنْ شِبْلٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّمَا الْبَدَلُ عَلَى مَنْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلَذُّذِ فَأَمَّا مَنْ حَبَسَهُ عُذْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَلَا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَهُوَ مُحْصَرٌ نَحَرَهُ إِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ وَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ وَيَحْلِقُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ نَحَرُوا وَحَلَقُوا وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْهَدْيُ إِلَى الْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا يَعُودُوا لَهُ وَالْحُدَيْبِيَةُ خَارِجٌ مِنْ الْحَرَمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قال ليس على المحصر بدل‏)‏ بفتح الموحدة والمهملة، أي قضاء لما أحصر فيه من حج أو عمرة، وهذا هو قول الجمهور كما تقدم قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال روح‏)‏ يعني ابن عبادة، وهذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في تفسيره عن روح بهذا الإسناد وهو موقوف على ابن عباس، ومراده بالتلذذ وهو بمعجمتين الجماع‏.‏
وقوله ‏"‏حبسه عذر ‏"‏ كذا للأكثر بضم المهملة وسكون المعجمة بعدها راء، ولأبي ذر ‏"‏ حبسه عدو ‏"‏ بفتح أوله وفي آخره واو‏.‏
وقوله ‏"‏أو غير ذلك ‏"‏ أي من مرض أو نفاد نفقة‏.‏
وقد ورد عن ابن عباس نحو هذا بإسناد آخر‏.‏
أخرجه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه وفيه ‏"‏ فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت غير الفريضة فلا قضاء عليه‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏وإن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدي محله ‏"‏ هذه مسألة اختلاف بين الصحابة ومن بعدهم، فقال الجمهور يذبح المحصر الهدي حيث يحل سواء كان في الحل أو في الحرم‏.‏
وقال أبو حنيفة لا يذبحه إلا في الحرم، وفصل آخرون كما قاله ابن عباس هنا وهو المعتمد‏.‏
وسبب اختلافهم في ذلك هل نحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدي بالحديبية في الحل أو في الحرم، وكان عطاء يقول لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم، ووافقه ابن إسحاق‏.‏
وقال غيره من أهل المغازي‏:‏ إنما نحر في الحل‏.‏
وروى يعقوب بن سفيان من طريق مجمع بن يعقوب عن أبيه قال ‏"‏ لما حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا بالحديبية وحلقوا، وبعث الله ريحا فحملت شعورهم فألقتها في الحرم ‏"‏ قال ابن عبد البر في ‏"‏ الاستذكار ‏"‏‏:‏ فهذا يدل على أنهم حلقوا في الحل‏.‏
قلت‏:‏ ولا يخفي ما فيه، فإنه لا يلزم من كونهم ما حلقوا في الحرم لمنعهم من دخوله أن لا يكونوا أرسلوا الهدي مع من نحره في الحرم، وقد ورد ذلك في حديث ناجية بن جندب الأسلمي ‏"‏ قلت يا رسول الله أبعث معي بالهدي حتى أنحره في الحرم، ففعل ‏"‏ أخرجه النسائي من طريق إسرائيل عن مجزأة بن زاهر عن ناجية، وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن إسرائيل لكن قال ‏"‏ عن ناجية عن أبيه ‏"‏ لكن لا يلزم من وقوع هذا وجوبه، بل ظاهر القصة أن أكثرهم نحر في مكانه وكانوا في الحل وذلك دال على الجواز، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مالك وغيره‏)‏ هو مذكور في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ ولفظه أنه بلغه ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدي وحلقوا رءوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدي ‏"‏ ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشيء‏.‏
وسئل مالك عمن أحصر بعدو فقال‏:‏ يحل من كل شيء وينحر هديه ويحلق رأسه حيث حبس وليس عليه قضاء‏.‏
وأما قول البخاري وغيره فالذي يظهر لي أنه عنى به الشافعي، لأن قوله في آخره ‏"‏ والحديبية خارج الحرم ‏"‏ هو من كلام الشافعي في ‏"‏ الأم‏"‏، وعنه أن بعضها في الحل وبعضها في الحرم، لكن إنما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحل استدلالا بقوله تعالى ‏(‏وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله‏)‏ قال‏:‏ ومحل الهدي عند أهل العلم الحرم، وقد أخبر الله تعالى أنهم صدوهم عن ذلك‏.‏
قال‏:‏ فحيث ما أحصر ذبح وحل، ولا قضاء عليه من قبل أن الله تعالى لم يذكر قضاء، والذي أعقله في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت لأنا علمنا من متواطئ أحاديثهم أنه كان معه عام الحديبية رجال معروفون، ثم اعتمر عمرة القضية فتخلف بعضهم بالمدينة من غير ضرورة في نفس ولا مال، ولو لزمهم القضاء لأمرهم بأن لا يتخلفوا عنه‏.‏
وقال في موضع آخر‏:‏ إنما سميت عمرة القضاء والقضية للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، لا على أنهم وجب عليهم قضاء تلك العمرة، انتهى‏.‏
وقد روى الواقدي في المغازي من طريق الزهري ومن طريق أبي معشر وغيرهما قالوا ‏"‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر أو مات، وخرج معه جماعة معتمرين ممن لم يشهد الحديبية وكانت عدتهم ألفين ‏"‏ ويمكن الجمع بين هذا إن صح وبين الذي قبله بأن الأمر كان على طريق الاستحباب، لأن الشافعي جازم بأن جماعة تخلفوا بغير عذر، وقد روى الواقدي أيضا من حديث ابن عمر قال ‏"‏ لم تكن هذه العمرة قضاء، ولكن كان شرطا على قريش أن يعتمر المسلمون من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ وَأَهْدَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم طاف لهما‏)‏ أي للحج والعمرة، وهذا يخالف قول الكوفيين إنه يجب لهما طوافان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورأى أن ذلك مجزئ عنه‏)‏ كذا لأبي ذر وغيره‏.‏
بالرفع على أنه خبر أن، ووقع في رواية كريمة ‏"‏ مجزيا ‏"‏ فقيل هو على لغة من ينصب بأن المبتدأ والخبر، أو هي خبر كان المحذوفة‏.‏
والذي عندي أنه من خطأ الكاتب، فإن أصحاب الموطأ اتفقوا على روايته بالرفع على الصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 03:57 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A3%D9%8E%D8%A8%D9%92%D9%88%D9%8E%D8%A7%D8%A8%D 9%8F%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D9%85%D9%8F%D8%AD%D9%92% D8%B5%D9%8E%D8%B1%D9%90%20%D9%88%D9%8E%D8%AC%D9%8E %D8%B2%D9%8E%D8%A7%D8%A1%D9%90%20%D8%A7%D9%84%D8%B 5%D9%91%D9%8E%D9%8A%D9%92%D8%AF%D9%90/i9&d342&c&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فَأَمَّا الصَّوْمُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى ‏(‏فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ وهو مخير، فأما الصوم فثلاثة أيام‏)‏ أي باب تفسير قوله تعالى كذا، وقوله ‏"‏مخير ‏"‏ من كلام المصنف استفاده من ‏"‏ أو ‏"‏ المكررة‏.‏
وقد أشار إلى ذلك في أول ‏"‏ باب كفارات الأيمان ‏"‏ فقال‏:‏ وقد خير النبي صلى الله عليه وسلم كعبا في الفدية، ويذكر عن ابن عباس وعطاء وعكرمة‏:‏ ما كان في القرآن ‏"‏ أو ‏"‏ فصاحبه بالخيار‏.‏
وسيأتي ذكر من وصل هذه الآثار هناك، وأقرب ما وقفت عليه من طرق حديث الباب إلى التصريح ما أخرجه أبو داود من طريق الشعبي عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ‏"‏ إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي رواية مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن عبد الكريم بإسناده في آخر الحديث ‏"‏ أي ذلك فعلت أجزأ ‏"‏ وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله ‏"‏فأما الصوم ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ الصيام‏"‏، والصيام المطلق في الآية مقيد بما ثبت في الحديث بالثلاث‏.‏
قال ابن التين وغيره‏:‏ جعل الشارع هنا صوم يوم معادلا بصاع، وفي الفطر من رمضان عدل مد، وكذا في الظهار والجماع في رمضان، وفي كفارة اليمين بثلاثة أمداد وثلث، وفي ذلك أقوى دليل على أن القياس لا يدخل في الحدود والتقديرات‏.‏
وقسيم قوله ‏"‏ فأما الصوم ‏"‏ محذوف تقديره‏.‏
وأما الصدقة فهي إطعام ستة مساكين، وقد أفرد ذلك بترجمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ بِشَاةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد بن قيس‏)‏ في رواية أشهب عن مالك ‏"‏ أن حميد بن قيس حدثه‏"‏، أخرجها الدار قطني في ‏"‏ الموطآت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مجاهد عن عبد الرحمن‏)‏ صرح سيف عن مجاهد بسماعه من عبد الرحمن وبأن كعبا حدث عبد الرحمن كما في الباب الذي يليه‏.‏
قال ابن عبد البر في رواية حميد بن قيس هذه‏:‏ كذا رواه الأكثر عن مالك، ورواه ابن وهب وابن القاسم وابن عفير عن مالك بإسقاط عيد الرحمن بين مجاهد وكعب ابن عجرة‏.‏
قلت‏:‏ ولمالك فيه إسنادان آخران في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أحدهما عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد وفي سياقه ما ليس في سياق حميد بن قيس، وقد اختلف فيه على مالك أيضا على العكس مما اختلف فيه على طريق حميد بن قيس، قال الدار قطني‏:‏ رواه أصحاب ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن مالك عن عبد الكريم عن عبد الرحمن لم يذكروا مجاهدا، حنى قال الشافعي‏:‏ إن مالكا وهم فيه، وأجاب ابن عبد البر بأن ابن القاسم وابن وهب في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ وتابعهما جماعة عن مالك خارج الموطأ منهم بشر بن عمر الزهراني وعبد الرحمن بن مهدي وإبراهيم بن طهمان والوليد بن مسلم أثبتوا مجاهدا بينهما، وهذا الجواب لا يرد على الشافعي‏.‏
وطريق ابن القاسم المشار إليها عند النسائي وطريق ابن وهب عند الطبري وطريق عبد الرحمن بن مهدي عند أحمد وسائرها عند الدار قطني في ‏"‏ الغرائب‏"‏‏.‏
والإسناد الثالث لمالك فيه عن عطاء الخراساني عن رجل من أهل الكوفة عن كعب بن عجرة، قال ابن عبد البر‏:‏ يحتمل أن يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى أو عبد الله بن معقل، ونقل ابن عبد البر عن أحمد بن صالح المصري قال‏:‏ حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها لم يروها من الصحابة غيره، ولا رواها عنه إلا ابن أبي ليلى وابن معقل‏.‏
قال‏:‏ وهي سنة أخذها أهل المدينة عن أهل الكوفة‏.‏
قال الزهري‏:‏ سألت عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يبينوا كم عدد المساكين‏.‏
قلت‏:‏ فيما أطلقه ابن صالح نظر، فقد جاءت هذه السنة من رواية جماعة من الصحابة غير كعب، منهم عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبري والطبراني، وأبو هريرة عند سعيد بن منصور، وابن عمر عند الطبري، وفضالة الأنصاري عمن لا يتهم من قومه عند الطبري أيضا‏.‏
ورواه عن كعب ابن عجرة غير المذكورين أبو وائل عن النسائي، ومحمد بن كعب القرظي عند ابن ماجة، ويحيى بن جعدة عند أحمد، وعطاء عند الطبري‏.‏
وجاء عن أبي قلابة والشعبي أيضا عن كعب وروايتهما عند أحمد، لكن الصواب أن بينهما واسطة وهو ابن أبي ليلى على الصحيح‏.‏
وقد أورد البخاري حديث كعب هذا في أربعة أبواب متوالية، وأورده أيضا في المغازي والطب وكفارات‏.‏
الأيمان من طرق أخرى مدار الجميع على ابن أبي ليلى وابن معقل، فيقيد إطلاق أحمد بن صالح بالصحة فإن بقية الطرق التي ذكرتها لا تخلو عن مقال إلا طريق أبي وائل، وسأذكر ما في هذه الطرق من فائدة زائدة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ لعلك‏)‏ في رواية أشهب المقدم ذكرها ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ‏"‏ وفي رواية عبد الكريم ‏"‏ أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم فآذاه القمل ‏"‏ وفي رواية سيف في الباب الذي يليه ‏"‏ وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسي يتهافت قملا فقال‏:‏ أيؤذيك هوامك‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فاحلق رأسك - الحديث وفيه - قال في بزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه‏)‏ زاد في رواية أبي الزبير عن مجاهد عند الطبراني أنه أهل في ذي القعدة‏.‏
وفي رواية مغيرة عن مجاهد عند الطبري أنه لقيه وهو عند الشجرة وهو محرم‏.‏
وفي رواية أيوب عن مجاهد في المغازي ‏"‏ أتى على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أوقد تحت برمة والقمل يتناثر على رأسي ‏"‏ زاد في رواية ابن عون عن مجاهد في الكفارات ‏"‏ فقال ادن، فدنوت‏.‏
فقال‏:‏ أيؤذيك‏"‏‏.‏
وفي رواية ابن بشر عن مجاهد فيه قال ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد حصرنا المشركون، وكانت لي وفرة فجعلت الهوام تتساقط على وجهي، فقال‏:‏ أيؤذيك هوام رأسك‏؟‏ قلت‏.‏
نعم‏.‏
فأنزلت هذه الآية‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي وائل عن كعب ‏"‏ أحرمت فكثر قمل رأسي فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاني وأنا أطبخ قدرا لأصحابي‏"‏‏.‏
وفي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد بعد بابين ‏"‏ رآه وأنه ليسقط القمل على وجهه، فقال‏:‏ أيؤذيك هوامك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فأمره أن يحلق ‏"‏ وهم بالحديبية ولم يبين لهم أنهم يحلون، وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية‏.‏
وأخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن كثير عن مجاهد بهذه الزيادة، ولأحمد وسعيد بن منصور في رواية أبي قلابة‏:‏ ‏"‏ قملت حتى ظننت أن كل شعرة في رأسي فيها القمل من أصلها إلى فرعها ‏"‏ زاد سعيد ‏"‏ وكنت حسن الشعر‏"‏، وأول رواية عبد الله بن معقل بعد باب ‏"‏ جلست إلى كعب بن عجرة فسألته عن الفدية فقال‏:‏ نزلت في خاصة وهي لكن عامة، حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال‏:‏ ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى‏"‏، زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ فسألته عن هذه الآية ‏(‏ففدية من صيام‏)‏ الآية‏"‏‏.‏
ولأحمد من وجه آخر في هذه الطريق ‏"‏ وقع القمل في رأسي ولحيتي حتى حاجبي وشاربي، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلي فدعاني، فلما رآني قال‏:‏ لقد أصابك بلاء ونحن لا نشعر، ادع إلي الحجام، فحلقني ‏"‏ ولأبي داود من طريق الحكم بن عتيبة عن ابن أبي ليلى عن كعب ‏"‏ أصابتني هوام حتى تخوفت على بصري‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي وائل عن كعب عند الطبري ‏"‏ فحك رأسي بأصبعه فانتثر منه القمل ‏"‏ زاد الطبري من طريق الحكم ‏"‏ إن هذا لأذى، قلت شديد يا رسول الله ‏"‏ والجمع بين هذا الاختلاف في قول ابن أبي ليلى عن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به فرآه، وفي قول عبد الله بن معقل ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه فرآه ‏"‏ أن يقال‏:‏ مر به أو لا فرآه على تلك الصورة فاستدعى به إليه فخاطبه وحلق رأسه بحضرته، فنقل كل واحد منهما ما لم ينقله الآخر، ويوضحه قوله في رواية ابن عون السابقة حيث قال فيها ‏"‏ فقال ادن فدنوت ‏"‏ فالظاهر أن هذا الاستدناء كان عقب رؤيته إياه إذ مر به وهو يوقد تحت القدر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لعلك آذاك هوامك‏)‏ قال القرطبي هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم، فلما أخبره بالمشقة التي نالته خفف عنه‏.‏
و ‏"‏ الهوام ‏"‏ بتشديد الميم جمع هامة وهي ما يدب من الأخشاش، والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف، وقد عين في كثير من الروايات أنها القمل، واستدل به على أن الفدية مرتبة على قتل القمل، وتعقب بذكر الحلق، فالظاهر أن الفدية مرتبة عليه، وهما وجهان عند الشافعية، يظهر أثر الخلاف فيما لو حلق ولم يقتل قملا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏احلق رأسا وصم‏)‏ قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم خلافا في إلحاق الإزالة بالحلق سواء كان بموسى أو مقص أو نورة أو غير ذلك، وأغرب ابن حزم فأخرج النتف عن ذلك فقال‏:‏ يلحق جميع الإزالات بالحلق إلا النتف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو أطعم‏)‏ ليس في هذه الرواية بيان قدر الإطعام، وسيأتي البحث فيه بعد باب، وهو طاهر في التخيير بين الصوم والإطعام‏.‏
وكذا قوله ‏"‏ أو انسك بشاة ‏"‏ ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ شاة ‏"‏ بغير موحدة، والأول تقديره تقرب بشاة ولذلك عداه بالباء، والثاني تقديره اذبح شاة‏.‏
والنسك يطلق على العبادة وعلى الذبح المخصوص، وسياق رواية الباب موافق للآية، وقد تقدم أن كعبا قال إنها نزلت بهذا السبب، وقد قدمت في أول الباب أن رواية عبد الكريم صريحة في التخيير حيث قال ‏"‏ أي ذلك فعلت أجزأ‏"‏‏.‏
وكذا رواية أبي داود التي فيها ‏"‏ إن شئت وإن شئت ‏"‏ ووافقتها رواية عبد الوارث عن ابن أبي نجيح أخرجها مسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني، لكن رواية عبد الله بن معقل - الآتية بعد باب - تقتضي أن التخيير إنما هو بين الإطعام والصيام لمن لم يجد النسك ولفظه ‏"‏ قال أتجد شاة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فصم أو أطعم ‏"‏ ولأبي داود في رواية أخرى ‏"‏ أمعك دم‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فإن شئت فصم ‏"‏ ونحوه للطبراني من طريق عطاء عن كعب، ووافقهم أبو الزبير عن مجاهد عند الطبراني وزاد بعد قوله ما أجد هديا ‏"‏ قال‏:‏ فأطعم‏.‏
قال‏:‏ ما أجد‏.‏
قال‏:‏ صم ‏"‏ ولهذا قال أبو عوانة في صحيحه‏:‏ فيه دليل على أن من وجد نسكا لا يصوم، يعني ولا يطعم، لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء إلا ما رواه الطبري وغيره عن سعيد ابن جبير قال‏:‏ النسك شاة، فإن لم يجد قومت الشاة دراهم والدراهم طعاما فتصدق به أو صام لكل نصف صاع يوما، أخرجه من طريق الأعمش عنه قال‏:‏ فذكرته لإبراهيم فقال‏:‏ سمعت علقمة مثله‏.‏
فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين، وقد جمع بينهما بأوجه‏.‏
منها‏:‏ ما قال ابن عبد البر إن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لإيجابه‏.‏
ومنها‏:‏ ما قال النووي‏:‏ ليس المراد أن الصيام أو الإطعام لا يجزئ إلا لفاقد الهدي، بل المراد أنه استخبره‏:‏ هل معه هدي أو لا‏؟‏ فإن كان واجده أعلمه أنه مخير بينه وبين الصيام والإطعام، وإن لم يجده أعلمه أنه مخير بينهما‏.‏
ومحصله أنه لا يلزم من سؤاله عن وجدان الذبح تعيينه لاحتمال أنه لو أعلمه أنه يجده لأخبره بالتخيير بينه وبين الإطعام والصوم‏.‏
ومنها ما قال غيرهما‏:‏ يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن له في حلق رأسه بسبب الأذى أفتاه بأن يكفر بالذبح على سبيل الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بوحي غير متلو، فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين الذبح والإطعام والصيام فخيره حينئذ بين الصيام والإطعام لعلمه بأنه لا ذبح معه، فصام لكونه لم يكن معه ما يطعمه‏.‏
ويوضح ذلك رواية مسلم في حديث عبد الله بن معقل المذكور حيث قال ‏"‏ أتجد شاة‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏
فنزلت هذه الآية ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ فقال‏:‏ صم ثلاثة أيام أو أطعم‏"‏‏.‏
وفي رواية عطاء الخراساني قال ‏"‏ صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين ‏"‏ قال ‏"‏ وكان قد علم أنه ليس عندي ما أنسك به‏"‏‏.‏
ونحوه في رواية محمد بن كعب القرظي عن كعب، وسياق الآية يشعر بتقديم الصيام على غيره، وليس ذلك لكونه أفضل في هذا المقام من غيره، بل السر فيه أن الصحابة الذين خوطبوا شفاها بذلك كان أكثرهم يقدر على الصيام أكثر مما يقدر على الذبح والإطعام‏.‏
وعرف من رواية أبي الزبير أن كعبا افتدى بالصيام‏.‏
ووقع في رواية ابن إسحاق ما يشعر بأنه افتدى بالذبح لأن لفظه ‏"‏ صم أو أطعم أو انسك شاة‏.‏
قال‏:‏ فحلقت رأسي ونسكت‏"‏‏.‏
وروى الطبراني من طريق ضعيفة عن عطاء بن كعب في آخر هذا الحديث ‏"‏ فقلت يا رسول الله خر لي، قال‏:‏ أطعم ستة مساكين ‏"‏ وسيأتي البحث فيه في الباب الأخير وفيه بقية مباحث هذا الحديث إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A3%D9%8E%D8%A8%D9%92%D9%88%D9%8E%D8%A7%D8%A8%D 9%8F%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D9%85%D9%8F%D8%AD%D9%92% D8%B5%D9%8E%D8%B1%D9%90%20%D9%88%D9%8E%D8%AC%D9%8E %D8%B2%D9%8E%D8%A7%D8%A1%D9%90%20%D8%A7%D9%84%D8%B 5%D9%91%D9%8E%D9%8A%D9%92%D8%AF%D9%90/i9&d342&c&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صَدَقَةٍ وَهِيَ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب قول الله عز وجل أو صدقة وهي إطعام ستة مساكين‏)‏ يشير بهذا إلى أن الصدقة في الآية مبهمة فسرتها السنة، وبهذا قال جمهور العلماء‏.‏
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الحسن قال‏.‏
الصوم عشرة أيام، والصدقة على عشرة مساكين‏.‏
وروى الطبري عن عكرمة ونافع نحوه‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ لم يقل بذلك أحد من فقهاء الأمصار‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ وَقَفَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا فَقَالَ يُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاحْلِقْ رَأْسَكَ أَوْ قَالَ احْلِقْ قَالَ فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ إِلَى آخِرِهَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ أَوْ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سيف‏)‏ هو ابن سليمان أو ابن أبي سليمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتهافت‏)‏ بالفاء، أي يتساقط شيئا فشيئا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاحلق رأسك أو احلق‏)‏ بحذف المفعول، وهو شك من الراوي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بفرق‏)‏ بفتح الفاء والراء وقد تسكن، قاله ابن فارس‏.‏
وقال الأزهري‏:‏ كلام العرب بالفتح، والمحدثون قد يسكنونه، وآخره قاف‏:‏ مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلا‏.‏
ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عند أحمد وغيره ‏"‏ الفرق ثلاثة آصع‏"‏، ولمسلم من طريق أبي قلابة عن ابن أبي ليلى ‏"‏ أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين ‏"‏ وإذا ثبت أن الفرق ثلاثة آصع اقتضى أن الصاع خمسة أرطال وثلث خلافا لمن قال إن الصاع ثمانية أرطال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو نسك مما تيسر‏)‏ كذا لأبي ذر والأكثر‏.‏
وفي رواية كريمة ‏"‏ أو أنسك بما تيسر ‏"‏ بصيغة الأمر وبالموحدة وهي المناسبة لما قبلها، وتقدير الأول أو أنسك بنسك، والمراد به الذبح‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A3%D9%8E%D8%A8%D9%92%D9%88%D9%8E%D8%A7%D8%A8%D 9%8F%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D9%85%D9%8F%D8%AD%D9%92% D8%B5%D9%8E%D8%B1%D9%90%20%D9%88%D9%8E%D8%AC%D9%8E %D8%B2%D9%8E%D8%A7%D8%A1%D9%90%20%D8%A7%D9%84%D8%B 5%D9%91%D9%8E%D9%8A%D9%92%D8%AF%D9%90/i9&d342&c&p1#TOP)باب الْإِطْعَامُ فِي الْفِدْيَةِ نِصْفُ صَاعٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإطعام في الفدية نصف صاع‏)‏ أي لكل مسكين من كل شيء، يشير بذلك إلى الرد على من فرق في ذلك بين القمح وغيره‏.‏
قال ابن عبد البر قال أبو حنيفة والكوفيون‏:‏ نصف صاع من قمح وصاع من تمر وغيره‏.‏
وعن أحمد رواية تضاهي قولهم‏.‏
قال عياض‏:‏ وهذا الحديث يرد عليهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْفِدْيَةِ فَقَالَ نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى تَجِدُ شَاةً فَقُلْتُ لَا فَقَالَ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن الأصبهاني‏)‏ هو ابن عبد الله، مر في الجنائز وأنه كوفي ثقة‏.‏
ولشعبة في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه الطبراني من طريق حفص بن عمر عنه عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن معقل‏)‏ في رواية أحمد ‏"‏ سمعت عبد الله بن معقل ‏"‏ أخرجه عن عفان‏.‏
وعن بهز فرقهما عن شعبة حدثنا عبد الرحمن، وهو بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف هو ابن مقرن بالقاف وزن محمد لكن بكسر الراء، لأبيه صحبة وهو من ثقات التابعين بالكوفة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر عن عدي بن حاتم، مات سنة ثمان وثمانين من الهجرة، يلتبس بعبد الله بن مغفل بالغين المعجمة وزن محمد ويجتمعان في أن كلا منهما مزني، لكن يفترقان بأن الراوي عن كعب تابعي والآخر صحابي، وفي التابعين من اتفق مع الراوي عن كعب في اسمه واسم أبيه ثلاثة‏:‏ أحدهم يروي عن عائشة وهو محاربي، والآخر يروي عن أنس في المسح على العمامة وحديثه عند أبي داود، والثالث أصغر منهما أخرج له ابن ماجة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جلست إلى كعب بن عجرة‏)‏ زاد مسلم في روايته من طريق غندر عن شعبة وهو في المسجد، ولأحمد عن بهز ‏"‏ قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد ‏"‏ وزاد في رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني ‏"‏ يعني مسجد الكوفة‏"‏‏.‏
وفيه الجلوس في المسجد ومذاكرة العلم والاعتناء بسبب النزول لما يترتب عليه من معرفة الحكم وتفسير القرآن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ يبلغ بك ‏"‏ وأرى الأولى بضم الهمزة أي أظن، وأرى الثانية بفتح الهمزة من الرؤية، وكذا في قوله ‏"‏ أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ‏"‏ وهو شك من الراوي هل قال الوجع أو الجهد، والجهد‏:‏ بالفتح المشقة، قال النووي والضم لغة في المشقة أيضا، وكذا حكاه عياض عن ابن دريد‏.‏
وقال صاحب العين‏:‏ بالضم الطاقة وبالفتح المشقة، قيتعين الفتح هنا بخلاف لفظ الجهد الماضي في حديث بدء الوحي حيث قال ‏"‏ حتى بلغ مني الجهد ‏"‏ فإنه محتمل للمعنيين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لا‏)‏ زاد مسلم وأحمد ‏"‏ فنزلت هذه الآية ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ قال‏:‏ صوم ثلاث أيام ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لكل مسكين نصف صاع‏)‏ كررها مرتين وللطبراني عن أحمد بن محمد الخزاعي عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه ‏"‏ لكل مسكين نصف صاع تمر ‏"‏ ولأحمد عن بهز عن شعبة ‏"‏ نصف صاع طعام ‏"‏ ولبشر بن عمر عن شعبة ‏"‏ نصف صاع حنطة ‏"‏ ورواية الحكم عن ابن أبي ليلى تقتضي أنه نصف صاع من زبيب فإنه قال ‏"‏ يطعم فرقا من زبيب بين ستة مساكين‏"‏‏.‏
قال ابن حزم‏:‏ لا بد من ترجيح إحدى هذه الروايات لأنها قصة واحدة في مقام واحد في حق رجل واحد‏.‏
قلت‏:‏ المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث ‏"‏ نصف صاع من طعام ‏"‏ والاختلاف عليه في كونه تمرا أو حنطة لعله من تصرف الرواة، وأما الزبيب فلم أره إلا في رواية الحكم، وقد أخرجها أبو داود وفي إسنادها ابن إسحاق، وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف، والمحفوظ رواية التمر فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبي قلابة كما تقدم ولم يختلف فيه على أبي قلابة‏.‏
وكذا أخرجه الطبري من طريق الشعبي عن كعب، وأحمد من طريق سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني، ومن طريق أشعث وداود الشعبي عن كعب، وكذا في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني، وعرف بذلك قوة قول من قال لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة وأن الواجب ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع، ولمسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد في هذا الحديث ‏"‏ وأطعم فرقا بين ستة مساكين ‏"‏ والفرق ثلاثة آصع‏.‏
وأخرجه الطبري من طريق يحيى بن آدم عن ابن عيينة فقال فيه ‏"‏ قال سفيان‏:‏ والفرق ثلاثة آصع ‏"‏ فأشعر بأن تفسير الفرق مدرج، لكنه مقتضى الروايات الأخر، ففي رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني عند أحمد ‏"‏ لكل مسكين نصف صاع‏"‏‏.‏
وفي رواية يحيى بن جعدة عند أحمد أيضا ‏"‏ أو أطعم ستة مساكين مدين مدين‏"‏‏.‏
وأما ما وقع في بعض النسخ عند مسلم من رواية زكريا عن ابن الأصبهاني ‏"‏ أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع ‏"‏ فهو تحريف ممن دون مسلم، والصواب ما في النسخ الصحيحة ‏"‏ لكل مسكينين ‏"‏ بالتثنية، وكذا أخرجه مسدد في مسنده عن أبي عوانة عن ابن الأصبهاني على الصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 03:58 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A3%D9%8E%D8%A8%D9%92%D9%88%D9%8E%D8%A7%D8%A8%D 9%8F%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D9%85%D9%8F%D8%AD%D9%92% D8%B5%D9%8E%D8%B1%D9%90%20%D9%88%D9%8E%D8%AC%D9%8E %D8%B2%D9%8E%D8%A7%D8%A1%D9%90%20%D8%A7%D9%84%D8%B 5%D9%91%D9%8E%D9%8A%D9%92%D8%AF%D9%90/i9&d342&c&p1#TOP)باب النُّسْكُ شَاةٌ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النسك شاة‏)‏ أي النسك المذكور في الآية حيث قال ‏(‏أو نسك‏)‏ وروى الطبري من طريق مغيرة عن مجاهد في آخر هذا الحديث ‏"‏ فأنزل الله ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ والنسك شاة ‏"‏ ومن طريق محمد بن كعب القرظي عن كعب ‏"‏ أمرني أن أحلق وأفتدي بشاة‏"‏‏.‏
قال عياض ومن تبعه لأبي عمر‏:‏ كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرا فإنما ذكروا شاة، وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء‏.‏
قلت‏:‏ يعكر عليه ما أخرجه أبو داود من طريق نافع عن رجل من الأنصار عن كعب بن عجرة أنه أصابه أذى فحلق ‏"‏ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدي بقرة ‏"‏ وللطبراني من طريق عبد الوهاب بن بخت عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ حلق كعب بن عجرة رأسه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتدي، فافتدى ببقرة ‏"‏ ولعبد بن حميد من طريق أبي معشر عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ افتدى كعب من أذى كان برأسه فحلقه ببقرة قلدها وأشعرها ‏"‏ ولسعيد بن منصور من طريق ابن أبي ليلى عن نافع عن سليمان بن يسار ‏"‏ قيل لابن كعب بن عجرة‏:‏ ما صنع أبوك حين أصابه الأذى في رأسه‏؟‏ قال‏:‏ ذبح بقرة، فهذه الطرق كلها تدور على نافع، وقد اختلف عليه في الواسطة الذي بينه وبين كعب وقد عارضها ما هو أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة‏.‏
وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق المقبري عن أبي هريرة ‏"‏ أن كعب بن عجرة ذبح شاة لأذى كان أصابه ‏"‏ وهذا أصوب من الذي قبله، واعتمد ابن بطال على رواية نافع بن سليمان بن يسار فقال‏:‏ أخذ كعب بأرفع الكفارات، ولم يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمره به من ذبح شاة، بل وافق وزاد‏.‏
ففيه أن من أفتى بأيسر الأشياء فله أن يأخذ بأرفعها كما فعل كعب‏.‏
قلت‏:‏ هو فرع ثبوت الحديث، ولم يثبت لما قدمته‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ مِثْلَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه كما جزم به أبو نعيم، وروح هو ابن عبادة، وشبل هو ابن عباد المكي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رآه وأنه يسقط‏)‏ كذا للأكثر، ولابن السكن وأبي ذر ليسقط بزيادة لام والفاعل محذوف والمراد القمل وثبت كذلك في بعض الروايات‏.‏
ورواه ابن خزيمة عن محمد بن معمر عن روح بلفظ‏:‏ ‏"‏ رآه وقمله يسقط على وجهه‏"‏، وللإسماعيلي من طريق أبي حذيفة عن شبل ‏"‏ رأى قمله يتساقط على وجهه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمره أن يحلق وهو بالحديبية، ولم يتبين لهم أنهم يحلون الخ‏)‏ هذه الزيادة ذكرها الراوي لبيان أن الحلق كان استباحة محظور بسبب الأذى لا لقصد التحلل بالحصر وهو واضح‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ يؤخذ منه أن من كان على رجاء من الوصول إلى البيت أن عليه أن يقيم حتى ييأس من الوصول فيحل‏.‏
واتفقوا على أن من يئس من الوصول وجاز له أن يحل فتمادى على إحرامه ثم أمكنه أن يصل أن عليه أن يمضي إلى البيت ليتم نسكه‏.‏
وقال المهلب وغيره ما معناه‏:‏ يستفاد من قوله ‏"‏ ولم يتبين لهم أنهم يحلون ‏"‏ أن المرأة التي تعرف أوان حيضها والمريض الذي يعرف أوان حماه بالعادة فيهما إذا أفطرا في رمضان مثلا في أول النهار ثم ينكشف الأمر بالحيض والحمى في ذلك النهار أن عليهما قضاء ذلك اليوم لأن الذي كان في علم الله أنهم يحلون بالحديبية لم يسقط عن كعب الكفارة التي وجبت عليه بالحلق قبل أن ينكشف الأمر لهم، وذلك لأنه يجوز أن يتخلف ما عرفاه بالعادة فيجب القضاء عليهما لذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل الله الفدية‏)‏ قال عياض‏:‏ ظاهره أن النزول بعد الحكم‏.‏
وفي رواية عبد الله بن معقل أن النزول قبل الحكم‏.‏
قال‏.‏
فيحتمل أن يكون حكم عليه بالكفارة بوحي لا يتلى ثم نزل القرآن ببيان ذلك‏.‏
قلت‏:‏ وهو يؤيد الجمع المتقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن محمد بن يوسف‏)‏ الظاهر أنه عطف على ‏"‏ حدثنا روح ‏"‏ فيكون إسحاق قد رواه عن روح بإسناده، وعن محمد بن يوسف وهو الفريابي بإسناده، وكذا هو في تفسير إسحاق، ويحتمل أن تكون العنعنة‏.‏
للبخاري فيكون أورده عن شيخه الفريابي بالعنعنة كما يروي تارة بالتحديث وبلفظ قال وغير ذلك، وعلى هذا فيكون شبيها بالتعليق‏.‏
وقد أورده الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق هاشم بن سعيد عن محمد بن يوسف الفريابي ولفظه مثل سياق روح في أكثره، وكذا هو في تفسير الفريابي بهذا الإسناد‏.‏
وفي حديث كعب بن عجرة من الفوائد غير ما تقدم أن السنة مبينة لمجمل الكتاب لإطلاق الفدية في القرآن وتقييدها بالسنة، وتحريم حلق الرأس على المحرم، والرخصة له في حلقها إذا آذاه القمل أو غيره من الأوجاع‏.‏
وفيه تلطف الكبير بأصحابه وعنايته بأحوالهم وتفقده لهم، وإذا رأى ببعض أتباعه ضررا سأل عنه وأرشده إلى المخرج منه‏.‏
واستنبط منه بعض المالكية إيجاب الفدية على من تعمد حلق رأسه بغير عذر، فإن إيجابها على المعذور من التنبيه بالأدنى على الأعلى، لكن لا يلزم من ذلك التسوية بين المعذور وغيره، ومن ثم قال الشافعي والجمهور‏:‏ لا يتخير العامد بل يلزمه الدم، وخالف في ذلك أكثر المالكية، واحتج لهم القرطبي بقوله في حديث كعب ‏"‏ أو اذبح نسكا ‏"‏ قال‏:‏ فهذا يدل على أنه ليس بهدي‏.‏
قال‏:‏ فعلى هذا يجوز أن يذبحها حيث شاء‏.‏
قلت‏:‏ لا دلالة فيه إذ لا يلزم تسميتها نسكا أو نسيكة أن لا تسمى هديا أو لا تعطي حكم الهدي، وقد وقع تسميتها هديا في الباب الأخير حيث قال ‏"‏ أو تهدي شاة ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ واهد هديا ‏"‏ وفي رواية للطبري ‏"‏ هل لك هدي‏؟‏ قلت‏:‏ لا أجد ‏"‏ فظهر أن ذلك من تصرف الرواة‏.‏
ويؤيده قوله في رواية مسلم ‏"‏ أو اذبح شاة ‏"‏ واستدل به على أن الفدية لا يتعين لها مكان، وبه قال أكثر التابعين‏.‏
وقال الحسن‏:‏ تتعين مكة‏.‏
وقال مجاهد‏:‏ النسك بمكة ومنى، والإطعام بمكة، والصيام حيث شاء‏.‏
وقريب منه قول الشافعي وأبي حنيفة‏:‏ الدم والإطعام لأهل الحرم، والصيام حيث شاء إذ لا منفعة فيه لأهل الحرم‏.‏
وألحق بعض أصحاب أبي حنيفة وأبو بكر بن الجهم من المالكية الإطعام بالصيام، واستدل به على أن الحج على التراخي لأن حديث كعب دل على أن نزول قوله تعالى ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ كان بالحديبية وهي في سنة ست وفيه بحث، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:00 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n161&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا رَفَثَ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل‏:‏ فلا رفث‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ من حج البيت فلم يرفث ‏"‏ أورده من طريق شعبة عن منصور عن أبي حازم عنه‏.‏
ثم قال ‏"‏ باب قول الله عز وجل‏:‏ ولا فسوق ولا جدال في الحج ‏"‏ وذكر الحديث بعينه لكن من طريق سفيان وهو الثوري عن منصور بهذا السند‏.‏
وليس بين السياقين اختلاف إلا في قوله في رواية شعبة ‏"‏ كما ولدته أمه ‏"‏ وفي رواية سفيان ‏"‏ كيوم ولدته أمه‏"‏‏.‏
وأبو حازم المذكور في الموضعين هو سلمان مولي عزة الأشجعية، وصرح منصور بسماعه له في رواية أبي حازم من شعبة، فانتفى بذلك تعليل من أعله بالاختلاف على منصور، لأن البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم زاد فيه رجلا، فإن كان إبراهيم حفظه فلعله حمله منصور عن هلال ثم لقي أبا حازم فسمعه منه فحدث به على الوجهين‏.‏
وصرح أبو حازم بسماعه له من أبي هريرة كما تقدم في أوائل الحج من طريق شعبة أيضا عن يسار عن أبي حازم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
الشرح‏:‏
وقوله ‏"‏كما ولدته أمه ‏"‏ أي عاريا من الذنوب‏.‏
وللترمذي من طريق ابن عيينة عن منصور ‏"‏ غفر له ما تقدم من ذنبه ‏"‏ ولمسلم من رواية جرير عن منصور ‏"‏ من أتى هذا البيت ‏"‏ وهو أعم من قوله في بقية الروايات ‏"‏ من حج ‏"‏ ويجوز حمل لفظ حج على ما هو أعم من الحج والعمرة فتساوي رواية ‏"‏ من أتى ‏"‏ من حيث أن الغالب أن إتيانه إنما هو للحج أو للعمرة، وقد تقدمت بقية مباحثه في ‏"‏ باب فضل الحج المبرور ‏"‏ في أوائل كتاب الحج، وتقدم تفسير الرفث وما ذكر معه في آخر حديث ابن عباس المذكور في ‏"‏ باب قول الله تعالى ‏(‏ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام‏)‏‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n161&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل‏:‏ فلا رفث‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ من حج البيت فلم يرفث ‏"‏ أورده من طريق شعبة عن منصور عن أبي حازم عنه‏.‏
ثم قال ‏"‏ باب قول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ ولا فسوق ولا جدال في الحج ‏"‏ وذكر الحديث بعينه لكن من طريق سفيان وهو الثوري عن منصور بهذا السند‏.‏
وليس بين السياقين اختلاف إلا في قوله في رواية شعبة ‏"‏ كما ولدته أمه ‏"‏ وفي رواية سفيان ‏"‏ كيوم ولدته أمه‏"‏‏.‏
وأبو حازم المذكور في الموضعين هو سلمان مولي عزة الأشجعية، وصرح منصور بسماعه له في رواية أبي حازم من شعبة، فانتفى بذلك تعليل من أعله بالاختلاف على منصور، لأن البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم زاد فيه رجلا، فإن كان إبراهيم حفظه فلعله حمله منصور عن هلال ثم لقي أبا حازم فسمعه منه فحدث به على الوجهين‏.‏
وصرح أبو حازم بسماعه له من أبي هريرة كما تقدم في أوائل الحج من طريق شعبة أيضا عن يسار عن أبي حازم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر، والحكم هو ابن عتيبة‏.‏
قوله ‏(‏وقصت‏)‏ بفتح القاف والصاد المهملة تقدم تفسيره في ‏"‏ باب كفن المحرم ‏"‏ ويأتي في ‏"‏ باب المحرم يموت بعرفة ‏"‏ بيان اختلاف في هذه اللفظة، والمراد هنا قوله ‏"‏ ولا تقربوه طينا ‏"‏ وهي بتشديد الراء، وسيأتي قريبا بلفظ ‏"‏ ولا تحنطوه ‏"‏ وهو من الحنوط بالمهملة والنون وهو الطيب الذي يصنع للميت‏.‏
وقوله ‏(‏يبعث ملبيا‏)‏ أي على هيئته التي مات عليها‏.‏
واستدل بذلك على بقاء إحرامه خلافا للمالكية والحنفية، وقد تمسكوا من هذا الحديث بلفظة اختلف في ثبوتها وهي قوله ‏"‏ ولا تخمروا وجهه ‏"‏ فقالوا‏:‏ لا يجوز للمحرم تغطية وجهه، مع أنهم لا يقولون بظاهر هذا الحديث فيمن مات محرما، وأما الجمهور فأخذوا بظاهر الحديث وقالوا‏:‏ إن في ثبوت ذكر الوجه مقالا، وتردد ابن المنذر في صحة‏.‏
وقال البيهقي‏:‏ ذكر الوجه غريب وهو وهم من بعض رواته، وفي كل ذلك نظر فإن الحديث ظاهره الصحة ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل عن منصور وأبي الزبير كلاهما سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر الحديث‏.‏
قال منصور ‏"‏ ولا تغطوا وجهه ‏"‏ وقال أبو الزبير ‏"‏ ولا تكشفوا وجهه ‏"‏ وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ ‏"‏ ولا تخمروا وجهه ولا رأسه ‏"‏ وأخرجه مسلم أيضا من حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير بلفظ ‏"‏ ولا يمس طيبا خارج رأسه ‏"‏ قال شعبة‏:‏ ثم حدثني به بعد ذلك فقال ‏"‏ خارج رأسه ووجهه ‏"‏ انتهى‏.‏
وهذه الرواية تتعلق بالتطيب لا بالكشف والتغطية، وشعبة احفظ من كل من روى هذا الحديث، فلعل بعض رواته انتقل ذهنه من التطيب إلى التغطية‏.‏
وقال أهل الظاهر‏:‏ يجوز للمحرم الحي تغطية وجهه ولا يجوز للمحرم الذي يموت عملا بالظاهر في الموضعين‏.‏
وقال آخرون‏:‏ هي واقعة عين لا عموم فيها لأنه علل ذلك بقوله ‏"‏ لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا ‏"‏ وهذا الأمر لا يتحقق وجوده في غيره فيكون خاصا بدلك الرجل؛ ولو استمر بقاؤه على إحرامه لأمر بقضاء مناسكه، وسيأتي ترجمة المصنف بنفي‏.‏
وقال أبو الحسن بن القصار‏:‏ لو أريد تعميم الحكم في كل محرم لقال ‏"‏ فإن المحرم ‏"‏ كما جاء ‏"‏ أن الشهيد يبعث وجرحه يثعب دما‏"‏، وأجيب بأن الحديث ظاهر في أن العلة في الأمر المذكور كونه كان في النسك وهي عامة في كل محرم، والأصل أن كل ما ثبت لواحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت لغيره حتى يتضح التخصيص‏.‏
واختلف في الصائم بموت هل يبطل صومه بالموت حتى يجب قضاء صوم ذلك اليوم عنه أو لا يبطل‏؟‏ وقال النووي‏:‏ يتأول هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس لكون المحرم لا يجوز تغطية وجهه بل هو صيانة للرأس، فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطي رأسه ا ه‏.‏
وروى سعيد بن منصور من طريق عطاء قال‏:‏ يغطي المحرم من وجهه ما دون الحاجبين أي من أعلى‏.‏
وفي رواية‏:‏ ما دون عينيه‏.‏
وكأنه أراد مزيد الاحتياط لكشف الرأس، والله أعلم‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ كان وقوع المحرم المذكور عند الصخرات من عرفة‏.‏
وفي الحديث إطلاق الواقف على الراكب، واستحباب دوام التلبية في الإحرام، وأنها لا تنقطع بالتوجه لعرفة، وجواز غسل المحرم بالسدر ونحوه مما لا يعد طيبا‏.‏
وحكى المزني عن الشافعي أنه استدل على جواز قطع سدر الحرم بهذا الحديث لقوله فيه ‏"‏ واغسلوه بماء وسدر ‏"‏ والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم أقف في شيء من طرق هذا الحديث على تسمية المحرم المذكور، وقد وهم بعض المتأخرين فزعم أن اسمه واقد بن عبد الله وعزاه لابن قتيبة في ترجمة عمر من كتاب المغازي، وسبب الوهم أن ابن قتيبة لما ذكر ترجمة عمر ذكر أولاده ومنهم عبد الله بن عمر، ثم ذكر أولاد عبد الله بن عمر فذكر فيهم واقد بن عبد الله بن عمر فقال‏:‏ وقع عن بعيره وهو محرم فهلك، فظن هذا المتأخر أن لواقد بن عبد الله ابن عمر صحبة وأنه صاحب القصة التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كما ظن فإن واقدا المذكور لا صحبة له فإن أمه صفية بنت أبي عبيد إنما تزوجها أبوه في خلافة أبيه عمر واختلف في صحبتها، وذكرها العجلي وغيره في التابعين، ووجدت في الصحابة واقد بن عبد الله آخر لكن لم أر في شيء من الأخبار أنه وقع عن بعيره فهلك، بل ذكر غير واحد منهم ابن سعد أنه مات في خلافة عمر، فبطل تفسير المبهم بأنه واقد بن عبد الله من كل وجه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n161&p1#TOP)باب جَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَإِذَا صَادَ الْحَلَالُ فَأَهْدَى لِلْمُحْرِمِ الصَّيْدَ أَكَلَهُ وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ بِالذَّبْحِ بَأْسًا وَهُوَ غَيْرُ الصَّيْدِ نَحْوُ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالدَّجَاجِ وَالْخَيْلِ يُقَالُ عَدْلُ ذَلِكَ مِثْلُ فَإِذَا كُسِرَتْ عِدْلٌ فَهُوَ زِنَةُ ذَلِكَ قِيَامًا قِوَامًا يَعْدِلُونَ يَجْعَلُونَ عَدْلًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب جزاء الصيد ونحوه وقول الله تعالى لا تقتلوا الصيد‏)‏ كذا في رواية أبي ذر وأثبت قبل ذلك البسملة، ولغيره ‏"‏ باب قول الله تعالى الخ ‏"‏ بحذف ما قبله‏.‏
قيل السبب في نزول هذه الآية أن أبا اليسر - بفتح التحتانية والمهملة - قتل حمار وحش وهو محرم في عمرة الحديبية فنزلت، حكاه مقاتل في تفسيره‏.‏
ولم يذكر المصنف في رواية أبي ذر في هذه الترجمة حديثا، ولعله أشار إلى أنه لم يثبت على شرطه في جزاء الصيد حديث مرفوع‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ اتفق أئمة الفتوى من أهل الحجاز والعراق وغيرهم على أن المحرم إذا قتل الصيد عمدا أو خطأ فعليه الجزاء، وخالف أهل الظاهر وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية في الخطأ، وتمسكوا بقوله تعالى ‏(‏متعمدا‏)‏ فإن مفهومه أن المخطئ بخلافه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد‏.‏
وعكس الحسن ومجاهد فقالا يجب الجزاء في الخطأ دون العمد فيختص الجزاء بالخطأ والنقمة بالعمد، وعنهما يجب الجزاء على العامد أول مرة، فإن عاد كان أعظم لائمة وعليه النقمة لا الجزاء‏.‏
قال الموفق في ‏"‏ المغني ‏"‏‏:‏ لا نعلم أحدا خالف في وجوب الجزاء على العامد غيرهما‏.‏
واختلفوا في الكفارة فقال الأكثر‏:‏ هو مخير كما هو ظاهر الآية‏.‏
وقال الثوري‏:‏ يقدم المثل فإن لم يجد أطعم فإن لم يجد صام‏.‏
وقال سعيد بن جبير‏:‏ إنما الطعام والصيام فيما لا يبلغ ثمن الصيد واتفق الأكثر على تحريم أكل ما صاده المحرم‏.‏
وقال الحسن والثوري وأبو ثور وطائفة‏:‏ يجوز أكله، وهو كذبيحة السارق، وهو وجه للشافعية‏.‏
وقال الأكثر أيضا‏:‏ إن الحكم في ذلك ما حكم به السلف لا يتجاوز ذلك، وما لم يحكموا فيه يستأنف فيه الحكم، وما اختلفوا فيه يجتهد فيه‏.‏
وقال الثوري‏:‏ الاختيار في ذلك للحكمين في كل زمن‏.‏
وقال مالك‏:‏ يستأنف الحكم، والخيار إلى المحكوم عليه، وله أن يقول للحكمين لا تحكما على إلا بالإطعام‏.‏
وقال الأكثر الواجب في الجزاء نظير الصيد من النعم‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ الواجب القيمة ويجوز صرفها في المثل‏.‏
وقال الأكثر‏:‏ في الكبير كبير وفي الصغير صغير، وفي الصحيح صحيح وفي الكسير كسير‏.‏
وخالف مالك فقال‏:‏ في الكبير والصغير كبير وفي الصحيح والمعيب صحيح‏.‏
واتفقوا على أن المراد بالصيد ما يجوز أكله للحلال من الحيوان الوحشي وأن لا شيء فيما يجوز قتله، واختلفوا في المتولد، فألحقه الأكثر بالمأكول، ومسائل هذا الباب وفروعه كثيرة جدا فلنقتصر على هذا القدر هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم ير ابن عباس وأنس بالذبح بأسا، وهو في غير الصيد نحو الإبل والغنم والبقر والدجاج والخيل‏)‏ المراد بالذبح ما يذبحه المحرم، والأمر ظاهره العموم، لكن المصنف خصصه بما ذكر تفقها، فإن الصحيح أن حكم ما ذبحه المحرم من الصيد حكم الميتة، وقيل يصح مع الحرمة حتى يجوز لغير المحرم أكله، وبه قال الحسن البصري‏.‏
وأثر ابن عباس وصله عبد الرزاق من طريق عكرمة أن ابن عباس أمره أن يذبح جزورا وهو محرم، وأما أثر أنس فوصله ابن أبي شيبة من طريق الصباح البجلي ‏"‏ سألت أنس ابن مالك عن المحرم يذبح‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏وهو ‏"‏ أي المذبوح الخ من كلام المصنف قاله تفقها، وهو متفق عليه فيما عدا الخيل فإنه مخصوص بمن يبيح أكلها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقال عدل مثل، فإذا كسرت عدل فهو زنة ذلك‏)‏ أما تفسير العدل بالفتح بالمثل والكسر بالزنة فهو قول أبي عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏ وغيره‏.‏
وقال الطبري العدل في كلام العرب بالفتح هو قدر الشيء من غير جنسه، والعدل بالكسر قدره من جنسه‏.‏
قال‏:‏ وذهب بعض أهل العلم بكلام العرب إلى أن العدل مصدر من قول القائل‏:‏ عدلت هذا بهذا‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ العدل هو القسط في الحق، والعدل بالكسر المثل‏.‏
انتهى‏.‏
وقد تقدم شيء من هذا في الزكاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قياما‏:‏ قواما‏)‏ ، هو قول أبي عبيدة أيضا‏.‏
وقال الطبري‏:‏ أصله الواو فحولت عين الفعل ياء كما قالوا في الصوم صمت صياما وأصله صواما‏.‏
قال الشاعر‏:‏ قيام دنيا وقوام دين‏.‏
فرده إلى أصله‏.‏
قال الطبري‏:‏ فالمعنى جعل الله الكعبة بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر اتباعه، يقال فلان قيام البيت وقوامه الذي يقيم شأنهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يعدلون‏:‏ يجعلون له عدلا‏)‏ هو متفق عليه بين أهل التفسير، ومناسبة إيراده هنا ذكر لفظ العدل في قوله ‏"‏ أو عدل ذلك صياما‏"‏؛ وفي قوله ‏"‏ يعدلون ‏"‏ فأشار إلى أنهما من مادة واحدة، وقوله ‏"‏يجعلون له عدلا ‏"‏ أي مثلا، تعالى الله عن قولهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ انْطَلَقَ أَبِي عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ وَحُدِّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَدُوًّا يَغْزُوهُ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ تَضَحَّكَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ وَاسْتَعَنْتُ بِهِمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ فَطَلَبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ شَأْوًا فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قُلْتُ أَيْنَ تَرَكْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتَعْهَنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَكَ يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ إِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ فَانْتَظِرْهُمْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ فَقَالَ لِلْقَوْمِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي قتادة‏)‏ في رواية معاوية بن سلام عن يحيى عند مسلم أخبرني عبد الله ابن أبي قتادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏انطلق أبي عام الحديبية‏)‏ هكذا ساقه مرسلا، وكذا أخرجه مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه، وأخرجه أحمد عن ابن علية عن هشام، لكن أخرجه أبو داود الطيالسي عن هشام عن يحيى فقال ‏"‏ عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
وفي رواية علي بن المبارك عن يحيى المذكورة في الباب الذي يليه أن أباه حدثه، وقوله ‏"‏بالحديبية ‏"‏ أصح من رواية الواقدي من وجه آخر عن عبد الله بن أبي قتادة أن ذلك كان في عمرة القضية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأحرم أصحابه ولم يحرم‏)‏ الضمير لأبي قتادة بينه مسلم ‏"‏ أحرم أصحابي ولم أحرم ‏"‏ وفي رواية علي بن المبارك ‏"‏ وأنبئنا بعدو بغيقة فتوجهنا نحوهم ‏"‏ وفي هذا السياق حذف بينته رواية عثمان بن موهب عن عبد الله بن أبي قتادة وهي بعد بابين بلفظ ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة فقال‏:‏ خذوا ساحل البحر حتى نلتقي، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبا قتادة ‏"‏ وسيأتي الجمع هناك بين قوله في هذه الرواية ‏"‏ خرج حاجا ‏"‏ وبين قوله في حديث الباب ‏"‏ عام الحديبية ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏
وبين المطلب عن أبي قتادة عند سعيد بن منصور مكان صرفهم ولفظه ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغنا الروحاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحدث‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول، وقوله ‏"‏بغيقة ‏"‏ أي في غيقة وهو بفتح الغين المعجمة بعدها ياء ساكنة ثم قاف مفتوحة ثم هاء‏.‏
قال السكوني‏:‏ هو ماء لبني غفار بين مكة والمدينة‏.‏
وقال يعقوب‏:‏ هو قليب لبني ثعلبة يصب فيه ماء رضوى ويصب هو في البحر‏.‏
وحاصل القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج في عمرة الحديبية فبلغ الروحاء - وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلا - أخبروه بأن عدوا من المشركين بوادي غيقة يخشى منهم أن يقصدوا غرته، فجهز طائفة من أصحابه فيهم أبو قتادة إلى جهتهم ليأمن شرهم، فلما أمنوا ذلك لحق أبو قتادة وأصحابه بالنبي صلى الله عليه وسلم فأحرموا، إلا هو فاستمر هو حلالا لأنه إما لم يجاوز الميقات وإما لم يقصد العمرة، وبهذا يرتفع الإشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم قال‏:‏ كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث ويقولون‏:‏ كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات وهو غير محرم‏؟‏ ولا يدرون ما وجهه‏.‏
قال‏:‏ حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد فيها ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرمنا، فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في وجه ‏"‏ الحديث‏.‏
قال‏:‏ فإذا أبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة‏.‏
قلت‏:‏ وهذه الرواية التي أشار إليها تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، وليس كذلك لما بيناه‏.‏
ثم وجدت في صحيح ابن حبان والبزار من طريق عياض بن عبد الله عن أبي سعيد قال ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة على الصدقة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا بعسفان ‏"‏ فهذا سبب آخر، ويحتمل جمعهما‏.‏
والذي يظهر أن أبا قتادة إنما أخر الإحرام لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة فساغ له التأخير، وقد استدل بقصة أبي قتادة على جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجا ولا عمرة، وقيل كانت هذه القصة قبل أن يؤقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت‏.‏
وأما قول عياض ومن تبعه‏:‏ إن أبا قتادة لم يكن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وإنما بعثه أهل المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمونه أن بعض العرب قصدوا الإغارة على المدينة، فهو ضعيف مخالف لما ثبت في هذه الطريق الصحيحة طريق عثمان بن موهب الآتية بعد بابين، كما أشرت إليها قبل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبينما أبي مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض‏)‏ في رواية علي بن المبارك ‏"‏ فبصر أصحابي بحمار وحش فجعل بعضهم يضحك إلى بعض ‏"‏ زاد في رواية أبي حازم ‏"‏ وأحبوا لو أني أبصرته ‏"‏ هكذا في جميع الطرق والروايات، ووقع في رواية العذري في مسلم ‏"‏ فجعل بعضهم يضحك إلى ‏"‏ فشددت الياء من إلي‏.‏
قال عياض‏:‏ وهو خطأ وتصحيف، وإنما سقط عليه لفظة ‏"‏ بعض‏"‏، ثم احتج لضعفها بأنهم لو ضحكوا إليه لكانت أكبر إشارة وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل منكم أحد أمره أو أشار إليه‏؟‏ قالوا لا‏.‏
وإذا دل المحرم الحلال على الصيد لم يأكل منه اتفاقا، وإنما اختلفوا في وجوب أجزاء‏.‏
انتهى‏.‏
وتعقبه النووي بأنه لا يمكن رد هذه الرواية لصحتها وصحة الرواية الأخرى، وليس في واحدة منهما دلالة ولا إشارة، فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة‏.‏
قال بعض العلماء‏:‏ وإنما ضحكوا تعجبا من عروض الصيد ثم ولا قدرة لهم عليه‏.‏
قلت‏:‏ قوله فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة صحيح، ولكن لا يكفي في رد دعوى القاضي، فإن قوله ‏"‏ يضحك بعضهم إلى بعض ‏"‏ هو مجرد ضحك، وقوله ‏"‏يضحك بعضهم إلى ‏"‏ فيه مزيد أمر على مجرد الضحك، والفرق بين الموضعين أنهم اشتركوا في رؤيته فاستووا في ضحك بعضهم إلى بعض، وأبو قتادة لم يكن رآه فيكون ضحك بعضهم إليه بغير سبب باعثا له على التفطن إلى رؤيته، ويؤيد ما قال القاضي ما وقع في رواية أبي النضر عن مولي أبي قتادة كما سيأتي في الصيد بلفظ إذ رأيت الناس متشوفين لشيء فذهبت أنظر فإذا هو حمار وحش، فقلت‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقالوا‏:‏ لا ندري فقلت‏:‏ هو حمار وحش‏.‏
فقالوا‏:‏ هو ما رأيت ‏"‏ ووقع في حديث أبي سعيد عند البزار والطحاوي وابن حبان في هذه القصة ‏"‏ وجاء أبو قتادة وهو حل فنكسوا رءوسهم كراهية أن يحدوا أبصارهم له فيفطن فيراه ‏"‏ ا هـ‏.‏
فكيف يظن بهم مع ذلك أنهم ضحكوا إليه‏؟‏ فتبين أن الصواب ما قال القاضي‏.‏
وفي قول الشيخ قد صحت الرواية نظر، لأن الاختلاف في إثبات هذه اللفظة وحذفها لم يقع في طريقين مختلفين، وإنما وقع في سياق إسناد واحد مما عند مسلم، فكان مع من أثبت لفظ ‏"‏ بعض ‏"‏ زيادة علم سالمة من الإشكال فهي مقدمة، وبين محمد بن جعفر في روايته عن أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما سيأتي في الهبة أن قصة صيده للحمار كانت بعد أن اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونزلوا في بعض المنازل ولفظه ‏"‏ كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا والقوم محرمون وأنا غير محرم ‏"‏ وبين في هذه الرواية السبب الموجب لرؤيتهم إياه دون أبي قتادة بقوله ‏"‏ فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به، وأحبوا لو أني أبصرته، والتفت فأبصرته‏"‏‏.‏
ووقع في حديث أبي سعيد المذكور أن ذلك وقع وهم بعسفان وفيه نظر، والصحيح ما سيأتي بعد باب من طريق صالح بن كيسان عن أبي محمد مولي أبي قتادة عنه قال ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة، ومنا المحرم وغير محرم، فرأيت أصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش ‏"‏ الحديث‏.‏
والقاحة بقاف ومهملة خفيفة بعد الألف، موضع قريب من السقيا كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فنظرت‏)‏ هذا فيه التفات، فإن السياق الماضي يقتضي أن يقول فنظر لقوله ‏"‏ فبينا أبي مع أصحابه ‏"‏ فالتقدير‏:‏ قال أبي فنظرت، وهذا يؤيد الرواية الموصولة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا بحمار وحش‏)‏ قد تقدم أن رؤيته له كانت متأخرة عن رؤية أصحابه، وصرح بذلك فضيل بن سليمان في روايته عن أبي حازم كما سيأتي في الجهاد ولفظه ‏"‏ فرأوا حمارا وحشيا قبل أن يراه أبو قتادة، فلما رأوه تركوه حتى رآه فركب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحملت عليه‏)‏ في رواية محمد بن جعفر ‏"‏ فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح‏.‏
فقلت لهم‏:‏ ناولوني السوط والرمح‏.‏
فقالوا‏:‏ لا والله لا نعينك عليه بشيء، فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت ‏"‏ وفي رواية فضيل بن سليمان ‏"‏ فركب فرسا له يقال له الجرادة فسألهم أن يناولوه سوطه فأبوا فتناوله‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي النضر ‏"‏ وكنت نسيت سوطي فقلت لهم‏:‏ ناولوني سوطي، فقالوا لا نعينك عليه، فنزلت فأخذته ‏"‏ ووقع عند النسائي من طريق شعبة عن عثمان بن موهب، وعند ابن أبي شيبة عن طريق عبد العزيز بن رفيع‏.‏
وأخرج مسلم إسنادهما كلاهما عن أبي قتادة ‏"‏ فاختلس من بعضهم سوطا ‏"‏ والرواية الأولى أقوى، ويمكن أن يجمع بينهما بأنه رأى في سوط نفسه تقصيرا فأخذ سوط غيره، واحتاج إلى اختلاسه لأنه لو طلبه منه اختيارا لامتنع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فطعنته فأثبته‏)‏ بالمثلثة ثم الموحدة ثم المثناة أي جعلته ثابتا في مكانه لا حراك به وفي رواية أبي حازم ‏"‏ فشددت على الحمار فعقرته ثم جئت به وقد مات ‏"‏ وفي رواية أبي النضر ‏"‏ حتى عقرته فأتيت إليهم فقلت لهم‏:‏ قوموا فاحتملوا، فقالوا لا نمسه، فحملته حتى جئتهم به‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأكلنا من لحمه‏)‏ في رواية فضيل عن أبي حازم ‏"‏ فأكلوا فندموا ‏"‏ وفي رواية محمد بن جعفر عن أبي حازم ‏"‏ فوقعوا يأكلون منه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبأت العضد معي‏"‏‏.‏
وفي رواية مالك عن أبي النضر ‏"‏ فأكل منه بعضهم وأبى بعضهم‏"‏‏.‏
وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ فجعلوا يشوون منه‏"‏‏.‏
وفي رواية المطلب عن أبي قتادة عند سعيد بن منصور ‏"‏ فظللنا نأكل منه ما شئنا طبيخا وشواء ثم تزودنا منه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وخشينا أن نقتطع‏)‏ أي نصير مقطوعين عن النبي صلى الله عليه وسلم منفصلين عنه لكونه سبقهم، وكذا قوله بعد هذا ‏"‏ وخشوا أن يقتطعوا دونك ‏"‏ وبين ذلك رواية علي بن المبارك عن يحيى عند أبي عوانة بلفظ ‏"‏ وخشينا أن يقتطعنا العدو‏"‏‏.‏
وفيها عند المصنف ‏"‏ وأنهم خشوا أن يقتطعهم العدو دونك ‏"‏ وهذا يشعر بأن سبب إسراع أبي قتادة لإدراك النبي صلى الله عليه وسلم خشية على أصحابه أن ينالهم بعض أعدائهم‏.‏
وفي رواية أبي النضر الآتية في الصيد ‏"‏ فأبى بعضهم أن يأكل، فقلت أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث ‏"‏ ففي هذا أن سبب إدراكه أن يستفتيه عن قصة أكل الحمار، ويمكن الجمع بأن يكون ذلك بسبب الأمرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرفع‏)‏ بالتخفيف والتشديد، أي أكلفه السير، ‏"‏ وشأوا ‏"‏ بالشين المعجمة بعدها همزة ساكنة أي تارة، والمراد أنه يركضه تارة ويسير بسهولة أخرى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلقيت رجلا من بني غفار‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تركته بتعهن، وهو قائل السقيا‏)‏ السقيا بضم المهملة وإسكان القاف بعدها تحتانية مقصورة‏:‏ قرية جامعة بين مكة والمدينة، وتعهن بكسر المثناة وبفتحها بعدها عين مهملة ساكنة ثم هاء مكسورة ثم نون، ورواية الأكثر بالكسر وبه قيدها البكري في معجم البلاد، ووقع عند الكشميهني بكسر أوله وثالثه، ولغيره بفتحهما، وحكى أبو ذر الهروي أنه سمعها من العرب بذلك المكان بفتح الهاء، ومنهم من يضم التاء ويفتح العين ويكسر الهاء، قيل وهو من تغييراتهم والصواب الأول، وأغرب أبو موسى المديني فضبطه بضم أوله وثانيه وبتشديد الهاء وقال‏:‏ ومنهم من يكسر التاء، وأصحاب الحديث يسكنون العين، ووقع في رواية الإسماعيلي بدعهن بالدال المهملة بدل المثناة‏.‏
وقوله ‏"‏قائل ‏"‏ قال النووي‏:‏ روى بوجهين أصحهما وأشهرهما بهمزة بين الألف واللام من القيلولة، أي تركته في الليل وبتعهن وعزمه أن يقيل بالسقيا، فمعنى قوله وهو قائل أي سيقيل‏.‏
والوجه الثاني أنه قابل بالباء الموحدة وهو غريب وكأنه تصحيف، فإن صح فمعناه أن تعهن موضع مقابل للسقيا، فعلى الأول الضمير في قوله ‏"‏ وهو ‏"‏ للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني الضمير للموضع وهو تعهن، ولا شك أن الأول أصوب وأكثر فائدة‏.‏
وأغرب القرطبي فقال‏:‏ قوله ‏"‏ وهو قائل ‏"‏ اسم فاعل من القول أو من القائلة، والأول هو المراد هنا، والسقيا مفعول بفعل مضمر، وكأنه كان بتعهن وهو يقول لأصحابه اقصدوا السقيا‏.‏
ووقع عند الإسماعيلي من طريق ابن علية عن هشام ‏"‏ وهو قائم بالسقيا ‏"‏ فأبدل اللام في قائل ميما وزاد الباء في السقيا، قال الإسماعيلي‏:‏ الصحيح قائل باللام‏.‏
قلت‏:‏ وزيادة الباء توهي الاحتمال الأخير المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت‏)‏ في السياق حذف تقديره‏:‏ فسرت فأدركته فقلت، ويوضحه رواية علي بن المبارك في الباب الذي يليه بلفظ ‏"‏ فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيته فقلت‏:‏ يا رسول الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن أهلك يقرءون عليك السلام‏)‏ المراد بالأهل هنا الأصحاب بدليل رواية مسلم وأحمد وغيرهما من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ أن أصحابك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فانتظرهم‏)‏ بصيغة فعل الأمر من الانتظار، زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ فانتظرهم ‏"‏ بصيغة الفعل الماضي منه، ومثله لأحمد عن ابن علية‏.‏
وفي رواية علي بن المبارك ‏"‏ فانتظرهم ففعل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصبت حمار وحش وعندي منه فاضله‏)‏ كذا للأكثر بضاد معجمة أي فضلة‏.‏
قال الخطابي‏:‏ قطعة فضلت منه فهي فاضلة، أي باقية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال للقوم كلوا‏)‏ سيأتي الكلام عليه وعلى ما في الحديث من الفوائد بعد بابين‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:01 PM
باب إِذَا رَأَى الْمُحْرِمُونَ صَيْدًا فَضَحِكُوا فَفَطِنَ الْحَلَالُ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا رأى المحرمون صيدا فضحكوا ففطن الحلال‏)‏ أي لا يكون ذلك منهم إشارة له إلى الصيد فيحل لهم أكل الصيد، ويجوز كسر الطاء من فطن وفتحها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ فَأُنْبِئْنَا بِعَدُوٍّ بِغَيْقَةَ فَتَوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ فَبَصُرَ أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الْفَرَسَ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمَّ لَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ عَلَيْهِ شَأْوًا فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقُلْتُ أَيْنَ تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَرَكْتُهُ بِتَعْهَنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابَكَ أَرْسَلُوا يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتِهِ وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمْ الْعَدُوُّ دُونَكَ فَانْظُرْهُمْ فَفَعَلَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا اصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ وَإِنَّ عِنْدَنَا فَاضِلَةً
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنبئنا‏)‏ بضم أوله أي أخبرنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبصر‏)‏ بفتح الموحدة وضم المهملة‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فنظر ‏"‏ بنون وظاء مشالة، وعلى هذا فدخول الباء في قوله ‏"‏ بحمار وحش ‏"‏ مشكل إلا أن يقال ضمن نظر معنى بصر، أو الباء بمعنى إلى على مذهب من يقول إنها تتناوب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنا اصدنا‏)‏ بتشديد المهملة والدال للأكثر بالإدغام وأصله اصطدنا فأبدلت الطاء مثناة ثم أدغمت، ولبعضهم بتخفيف الصاد وسكون الدال، أي أثرنا من الاصاد وهو الإثارة‏.‏
ولبعضهم ‏"‏ صدنا ‏"‏ بغير ألف‏.‏
وحدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا صالح بن كيسان عن أبي محمد عن أبي قتادة رضي الله عنه قال ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة، ومنا المحرم ومنا غير المحرم فرأيت أصحابي يتراءون شيئا، فنظرت فإذا حمار وحش - يعني وقع سوطه - فقالوا لا نعينك عليه بشيء، إنا محرمون، فتناولته فأخذته، ثم أتيت الحمار من وراء أكمة فعقرته، فأتيت به أصحابي، فقال بعضهم‏:‏ كلوا‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ لا تأكلوا‏.‏
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمامنا فسألته فقال‏:‏ كلوه حلال‏"‏‏.‏
قال لنا عمرو‏:‏ اذهبوا إلى صالح فسلوه عن هذا وغيره‏.‏
وقدم علينا ها هنا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n161&p1#TOP)باب لَا يُعِينُ الْمُحْرِمُ الْحَلَالَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد‏)‏ أي بفعل ولا قول، قيل أراد بهذه الترجمة الرد على من فرق من أهل الرأي بين الإعانة التي لا يتم الصيد إلا بها فتحرم، وبين الإعانة التي يتم الصيد بدونها فلا تحرم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَاحَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثٍ ح و حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَاحَةِ وَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ يَعْنِي وَقَعَ سَوْطُهُ فَقَالُوا لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إِنَّا مُحْرِمُونَ فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَأْكُلُوا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَمَامَنَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ كُلُوهُ حَلَالٌ قَالَ لَنَا عَمْرٌو اذْهَبُوا إِلَى صَالِحٍ فَسَلُوهُ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ وَقَدِمَ عَلَيْنَا هَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله‏)‏ هو ابن محمد الجعفي المسندي، وسفيان هو ابن عيينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن صالح‏)‏ في رواية كريمة وغيرها ‏"‏ حدثنا صالح‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالقاحة‏)‏ بالقاف والمهملة‏:‏ واد على نحو ميل من السقيا إلى جهة المدينة، ويقال لواديها وادي العباديد‏.‏
وقد بين المصنف في الطريق الأولى أنها من المدينة على ثلاث أي ثلاث مراحل، قال عياض‏:‏ رواه الناس بالقاف إلا القابسي فضبطوه عنه بالفاء، وهو تصحيف‏.‏
قلت‏:‏ ووقع عند الجوزقي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن سفيان ‏"‏ بالصفاح ‏"‏ بدل القاحه، والصفاح بكسر المهملة بعدها فاء وآخره مهملة وهو تصحيف فإن الصفاح موضع بالروحاء، وبين الروحاء وبين السقيا مسافة طويلة، وقد تقدم أن الروحاء هو المكان الذي ذهب أبو قتادة وأصحابه منه إلى جهة البحر ثم التقوا بالقاحة وبها وقع له الصيد المذكور، وكأنه تأخر هو ورفقته للراحة أو غيرها وتقدمهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى السقيا حتى لحقوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحدثنا علي بن عبد الله‏)‏ هو ابن المديني، هكذا حول المصنف الإسناد إلى رواية علي للتصريح فيه عن سفيان بقوله ‏"‏ حدثنا صالح بن كيسان ‏"‏ وقد اعتبرته فوجدته ساق المتن على لفظ على خاصة، وهذه عاده المصنف غالبا إذا تحول إلى إسناد ساق المتن على لفظ الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي محمد‏)‏ هو نافع مولى أبي قتادة الذي روى عنه أبو النضر، وسيأتي في كتاب الصيد من طريق مالك وغيره عنه، ووقع عند مسلم عن ابن عمر عن سفيان عن صالح ‏"‏ سمعت أبا محمد مولى أبي قتادة‏"‏، وكذا وقع هنا في رواية كريمة، ولأحمد من طريق سعد بن إبراهيم ‏"‏ سمعت رجلا كان يقال له مولى أبي قتادة ولم يكن مولى ‏"‏ أي لأبي قتادة‏.‏
وفي رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة أن نافعا مولى بني غفار، فتحصل من ذلك أنه لم يكن مولى لأبي قتادة حقيقة، وقد صرح بذلك ابن حبان فقال‏:‏ هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، وكان يقال له مولى أبي قتادة نسب إليه ولم يكن مولاه‏.‏
قلت‏:‏ فيحتمل أنه نسب إليه لكونه كان زوج مولاته، أو للزومه إياه أو نحو ذلك، كما وقع لمقسم مولى ابن عباس وغيره، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتراءون‏)‏ يتفاعلون من الرؤية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا حمار وحش يعني وقع سوطه فقالوا لا نعينك‏)‏ كذا وقع هنا والشك فيه من البخاري، فقد رواه أبو عوانة عن أبي داود الحراني عن علي بن المديني بلفظ ‏"‏ فإذا حمار وحش، فركب فرسي وأخذت الرمح والسوط، فسقط مني السوط فقلت‏:‏ ناولوني، فقالوا‏:‏ ليس نعينك عليه بشيء، إنا محرمون ‏"‏ وفي قولهم إنا محرمون دلالة على أنهم كانوا قد علموا أنه يحرم على المحرم الإعانة على قتل الصيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتناولته‏)‏ زاد أبو عوانة ‏"‏ بشيء ‏"‏ وبهذا يندفع إشكال من قال ذكر التناول بعد الأخذ تكرار، أو معناه تكلفت الأخذ فأخذته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من وراء أكمة‏)‏ بفتحات هي التل من حجر واحد، وقد تقدم ذكرها في الاستسقاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعضهم كلوا‏)‏ قد تقدم من عدة أوجه أنهم أكلوا، والظاهر أنهم أكلوا أول ما أتاهم به، ثم طرأ عليهم الشك كما في لفظ عثمان بن موهب في الباب الذي يليه ‏"‏ فأكلنا من لحمها ثم قلنا‏:‏ أنأكل من لحم صيد ونحن محرمون ‏"‏ وأصرح من ذلك رواية أبي حازم في الهبة بلفظ ‏"‏ ثم جئت به فوقعوا فيه يأكلون، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ فجعلوا يشوون منه ثم قالوا‏:‏ رسول الله بين أظهرنا، وكان تقدمهم فلحقوه فسألوه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو أمامنا‏)‏ بفتح أوله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال كلوه حلال‏)‏ كذا وقع بحذف المبتدأ، وبين ذلك أبو عوانة فقال ‏"‏ كلوه فهو حلال ‏"‏ وفي رواية مسلم فقال ‏"‏ هو حلال فكلوه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لنا عمرو‏)‏ أي ابن دينار، وصرح به أبو عوانة في روايته، والقائل سفيان، والغرض بذلك تأكيد ضبطه له وسماعه له من صالح وهو ابن كيسان، وقوله ‏"‏هاهنا ‏"‏ يعني مكة‏.‏
والحاصل أن صالح ابن كيسان كان مدنيا فقدم مكة فدل عمرو بن دينار أصحابه عليه ليسمعوا منه‏.‏
وقرأت بخط بعض من تكلم على هذا الحديث ما نصه‏:‏ في قول سفيان ‏"‏ قال لنا عمرو الخ ‏"‏ إشكال، فإن سفيان روى ذلك عن صالح فكيف يقول له عمرو ولمن معه اذهبوا إلى صالح‏؟‏ فيحتمل أنه قال ذلك تأكيدا في تجديد سماع سفيان ذلك منه مرة بعد أخرى، ويؤخذ منه أن سفيان حدث بذلك عن صالح في حال حياته‏.‏
انتهى‏.‏
وهو احتمال بعيد جدا‏.‏
وزعم أن عمرو بن دينار قال لهم ذلك حين قدم عليهم الكوفة‏.‏
قال‏:‏ وكأنه سمع سفيان يحدث به عن صالح فصدقه وأكده بما قال‏.‏
وقوله اذهبوا إليه أي إلى صالح بالمدينة ا هـ‏.‏
وهذا أبعد من الأول، وما سمعه سفيان من صالح إلا بمكة، ولم يقدم عمرو الكوفة وإنما قال ذلك لسفيان وهما بمكة، وما حدث به سفيان لعلي إلا بعد موت صالح وعمرو بمدة طويلة، وأراد بقوله قال لنا عمرو اذهبوا الخ كيفية تحمله له من صالح وأنه بدلالة عمرو، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n161&p1#TOP)باب لَا يُشِيرُ الْمُحْرِمُ إِلَى الصَّيْدِ لِكَيْ يَصْطَادَهُ الْحَلَالُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال‏)‏ أشار المصنف إلى تحريم ذلك، ولم يتعرض لوجوب الجزاء في ذلك، وهي مسألة خلاف‏:‏ فاتفقوا - كما تقدم - على تحريم الإشارة إلى الصيد ليصطاد، وعلى سائر وجوه الدلالات على المحرم، لكن قيده أبو حنيفة بما إذا لم يمكن الاصطياد بدونها، واختلفوا في وجوب الجزاء على المحرم إذا دل الحلال على الصيد بإشارة أو غيرها أو أعان عليه، فقال الكوفيون وأحمد وإسحاق‏:‏ يضمن المحرم ذلك‏.‏
وقال مالك والشافعي‏:‏ لا ضمان عليه كما لو دل الحلال حلالا على قتل صيد في الحرم‏.‏
قالوا‏:‏ ولا حجة في حديث الباب، لأن السؤال عن الإعانة والإشارة إنما وقع ليبين لهم هل يحل لهم أكله أو لا‏؟‏ ولم يتعرض لذكر الجزاء‏.‏
واحتج الموفق بأنه قول علي وابن عباس ولا نعلم لهما مخالفا من الصحابة‏.‏
وأجيب بأنه اختلف فيه علي ابن عباس، وفي ثبوته عن علي نظر، ولأن القاتل انفرد بقتله باختياره مع انفصال الدال عنه فصار كمن دل محرما أو صائما على امرأة فوطئها فإنه يأثم بالدلالة ولا يلزمه كفارة ولا يفطر بذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى نَلْتَقِيَ فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ فَلَمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلَّا أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْحُمُرِ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا وَقَالُوا أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ الْأَتَانِ فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا وَقَدْ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا ثُمَّ قُلْنَا أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا قَالَ أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عثمان هو ابن موهب‏)‏ بفتح الهاء وموهب جده، وهو عثمان بن عبد الله التيمي مدني تابعي ثقة، روى هنا عن تابعي أكبر منه قليلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرج حاجا‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ هذا غلط، فإن القصة كانت في عمرة، وأما الخروج إلى الحج فكان في خلق كثير وكان كلهم على الجادة لا على ساحل البحر‏.‏
ولعل الراوي أراد خرج محرما فعبر عن الإحرام بالحج غلطا‏.‏
قلت‏:‏ لا غلط في ذلك، بل هو من المجاز السائغ‏.‏
وأيضا فالحج في الأصل قصد البيت فكأنه قال خرج قاصدا للبيت، ولهذا يقال للعمرة الحج الأصغر‏.‏
ثم وجدت الحديث من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن أبي عوانة بلفظ ‏"‏ خرج حاجا أو معتمرا ‏"‏ أخرجه البيهقي، فتبين أن الشك فيه من أبي عوانة، وقد جزم يحيى بن أبي كثير بأن ذلك كان في عمرة الحديبية وهذا هو المعتمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا أبا قتادة‏)‏ كذا للكشميهني، ولغيره ‏"‏ إلا أبو قتادة ‏"‏ بالرفع، ووقع بالنصب عند مسلم وغيره من هذا الوجه، قال ابن مالك في ‏"‏ التوضيح ‏"‏‏:‏ حق المستثني بإلا من كلام تام موجب أن ينصب مفردا كان أو مكملا معناه بما بعده، فالمفرد نحو قوله تعالى ‏(‏الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين‏)‏ والمكمل نحو ‏(‏إنا لمنجوهم أجمعين، إلا امرأته قدرنا أنها لمن الغابرين‏)‏ ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع إلا النصب، وقد أغفلوا وروده مرفوعا بالابتداء مع ثبوت الخبر ومع حذفه، فمن أمثلة الثابت الخبر قول أبي قتادة ‏"‏ أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم ‏"‏ فإلا بمعنى لكن، وأبو قتادة مبتدأ ولم يحرم خبره، ونظيره من كتاب الله تعالى ‏(‏ولا يلتفت منكم أحد، إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم‏)‏ فإنه لا يصح أن يجعل امرأتك بدلا من أحد لأنها لم تسر معهم فيتضمنها ضمير المخاطبين‏.‏
وتكلف بعضهم بأنه وإن لم يسر بها لكنها شعرت بالعذاب فتبعتهم ثم التفتت فهلكت‏.‏
قال‏:‏ وهذا على تقدير صحته لا يوجب دخولها في المخاطبين، ومن أمثلة المحذوف الخبر قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كل أمتي معافى إلا المجاهرون ‏"‏ أي لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون، ومنه من كتاب الله تعالى قوله تعالى ‏(‏فشربوا منه إلا قليل منهم‏)‏ أي لكن قليل منهم لم يشربوا‏.‏
قال‏:‏ وللكوفيين في هذا الثاني مذهب آخر وهو أن يجعلوا ‏"‏ إلا ‏"‏ حرف عطف وما بعدها معطوف على ما قبلها ا هـ‏.‏
وفي نسبة الكلام المذكور لابن أبي قتادة دون أبي قتادة نظر، فإن سياق الحديث ظاهر في أن قوله قول أبي قتادة حيث قال ‏"‏ إن أباه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة - إلى أن قال - أحرموا كلهم إلا أبو قتادة‏"‏‏.‏
وقول أبي قتادة ‏"‏ فيهم أبو قتادة ‏"‏ من باب التجريد، وكذا قوله ‏"‏ إلا أبو قتادة ‏"‏ ولا حاجة إلى جعله من قول ابنه لأنه يستلزم أن يكون الحديث مرسلا‏.‏
ومن توجيه الرواية المذكورة وهي قوله إلا أبو قتادة أن يكون على مذهب من يقول‏:‏ علي بن أبو طالب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا‏)‏ في هذا السياق زيادة على جميع الروايات لأنها متفقة على إفراد الحمار بالرؤية، وأفادت هذه الرواية أنه من جملة الحمر وأن المقتول كان أتانا أي أنثى، فعلى هذا في إطلاق الحمار عليها تجوز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحملنا ما بقي من لحم الأتان‏)‏ وفي رواية أبي حازم الآتية للمصنف في الهبة ‏"‏ فرحنا وخبأت العضد معي ‏"‏ وفيه ‏"‏ معكم منه بشيء‏؟‏ فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها ‏"‏ وله في الجهاد قال ‏"‏ معنا رجله، فأخذها فأكلها ‏"‏ وفي رواية المطلب ‏"‏ قد رفعنا لك الذراع، فأكل منها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها‏؟‏ قالوا لا‏)‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ‏"‏ وله من طريق شعبة عن عثمان ‏"‏ هل أشرتم أو أعنتم أو اصطدتم ‏"‏ ولأبي عوانة من هذا الوجه ‏"‏ أشرتم أو اصطدتم أو قتلتم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال فكلوا ما بقي من لحمها‏)‏ صيغة الأمر هنا للإباحة لا للوجوب، لأنها وقعت جوابا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب، فوقعت الصيغة على مقتضى السؤال، ولم يذكر في هذه الرواية أنه صلى الله عليه وسلم أكل من لحمها، وذكره في روايتي أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما تراه ولم يذكر ذلك أحد من الرواة عن عبد الله بن أبي قتادة غيره، ووافقه صالح بن حسان عند أحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة ولفظه ‏"‏ فقال كلوا وأطعموني ‏"‏ وكذا لم يذكرها أحد من الرواة عن أبي قتادة نفسه إلا المطلب عن سعيد بن منصور، ووقع لنا من رواية أبي محمد وعطاء بن يسار وأبي صالح كما سيأتي في الصيد، ومن رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عند إسحاق، ومن رواية عبادة بن تميم وسعد بن إبراهيم عند أحمد، وتفرد معمر عن يحيى بن أبي كثير بزيادة مضادة لروايتي أبي حازم كما أخرجه إسحاق وابن خزيمة والدار قطني من طريقه وقال في آخره ‏"‏ فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت‏:‏ إنما اصطدته لك ‏"‏ فأمر أصحابه فأكلوه، ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له‏.‏
قال ابن خزيمة وأبو بكر النيسابوري والدار قطني والجوزقي‏:‏ تفرد بهذه الزيادة معمر‏.‏
قال ابن خزيمة‏:‏ إن كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله، فلما أعلمه امتنع ا هـ‏.‏
وفيه نطر لأنه لو كان حراما ما أقر النبي صلى الله عليه وسلم على الأكل منه إلى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله، ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز، فإن الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله، وأما إذا أتى بلحم لا يدري ألحم صيدا أو لا فحمله على أصل الإباحة فأكل منه لم يكن ذلك حراما على الآكل‏.‏
وعندي بعد ذلك فيه وقفة، فإن الروايات المتقدمة ظاهرة في أن الذي تأخر هو العضد، وأنه صلى الله عليه وسلم أكلها حتى تعرقها أي لم يبق منها إلا العظم، ووقع عند البخاري في الهبة ‏"‏ حتى نفدها ‏"‏ أي فرغها، فأي شيء يبقى منها حينئذ حتى يأمر أصحابه بأكله‏.‏
لكن رواية أبي محمد الآتية في الصيد ‏"‏ أبقى معكم شيء منه‏؟‏ قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ كلوا، فهو طعمة أطعمكموها الله ‏"‏ فأشعر بأنه بقي منها غير العضد، والله أعلم‏.‏
وسيأتي البحث في حكم ما يصيده الحلال بالنسبة إلى المحرم في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏
وفي حديث أبي قتادة من الفوائد أن تمنى المحرم أن يقع من الحلال الصيد ليأكل المحرم منه لا يقدح في إحرامه، وأن الحلال إذا صاد لنفسه جاز للمحرم الأكل من صيده، وهذا يقوي من حمل الصيد في قوله تعالى ‏(‏وحرم عليكم صيد البر‏)‏ على الاصطياد، وفيه الاستيهاب من الأصدقاء وقبول الهدية من الصديق‏.‏
وقال عياض‏:‏ عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أبي قتادة ذلك تطييبا لقلب من أكل منه بيانا للجواز بالقول والفعل لإزالة الشبهة التي حصلت لهم، وفيه تسمية الفرس، وألحق المصنف به الحمار فترجم له في الجهاد‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ قالوا تجوز التسمية لما لا يعقل، وإن كان لا يتفطن له ولا يجيب إذا نودي، مع أن بعض الحيوانات ربما أدمن على ذلك بحيث يصير يميز اسمه إذا دعي به‏.‏
وفيه إمساك نصيب الرفيق الغائب ممن يتعين احترامه أو ترجى بركته أو يتوقع منه ظهور حكم تلك المسألة بخصوصها‏.‏
وفيه تفريق الإمام أصحابه للمصلحة، واستعمال الطليعة في الغزو، وتبليغ السلام عن قرب وعن بعد، وليس فيه دلالة على جواز ترك رد السلام ممن بلغه لأنه يحتمل أن يكون وقع وليس في الخبر ما ينفيه‏.‏
وفيه أن عقر الصيد ذكاته، وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال ابن العربي‏:‏ هو اجتهاد بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم لا في حضرته‏.‏
وفيه العمل بما أدى إليه الاجتهاد ولو تضاد المجتهدان ولا يعاب واحد منهما على ذلك لقوله ‏"‏ فلم يعب ذلك علينا ‏"‏ وكأن الآكل تمسك بأصل الإباحة، والممتنع نظر إلى الأمر الطارئ‏.‏
وفيه الرجوع إلى النص عند تعارض الأدلة، وركض الفرس في الاصطياد، والتصيد في الأماكن الوعرة، والاستعانة بالفارس، وحمل الزاد في السفر، والرفق بالأصحاب والرفقاء في السير، واستعمال الكناية في الفعل كما تستعمل في القول لأنهم استعملوا الضحك في موضع الإشارة لما اعتقدوه من أن الإشارة لا تحل‏.‏
وفيه جواز سوق الفرس للحاجة والرفق به مع ذلك لقوله ‏"‏ وأسير شأوا ‏"‏ ونزول المسافر وقت القائلة، وفيه ذكر الحكم مع الحكمة في قوله ‏"‏ إنما هي طعمة أطعمكموها الله‏"‏‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ لا يجوز للمحرم قتل الصيد إلا إن صال عليه فقتله دفعا فيجوز، ولا ضمان عليه‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n161&p1#TOP)باب إِذَا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يَقْبَلْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أهدى‏)‏ أي الحلال ‏(‏للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل‏)‏ كذا قيده في الترجمة بكونه حيا، وفيه إشارة إلى أن الرواية التي تدل علي أنه كان مذبوحا موهمة، وسأبين ما في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شهاب الخ‏)‏ لم يختلف على مالك في سياقه معنعنا وأنه من مسند الصعب إلا ما وقع في ‏"‏ موطأ ابن وهب ‏"‏ فإنه قال في روايته عن ابن عباس ‏"‏ أن الصعب بن جثامة أهدى ‏"‏ فجعله من مسند ابن عباس، نبه على ذلك الدار قطني في ‏"‏ الموطآت ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ أهدى الصعب ‏"‏ والمحفوظ في حديث مالك الأول، وسيأتي للمصنف في الهبة من طريق شعيب عن الزهري قال ‏"‏ أخبرني عبيد الله أن ابن عباس أخبره أنه سمع الصعب - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - يخبر أنه أهدى ‏"‏ والصعب بفتح الصاد وسكون العين المهملتين بعدها موحدة، وأبوه جثامة بفتح الجيم وتثقيل المثلثة وهو من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وكان ابن أخت أبي سفيان بن حرب، أمه زينب بنت حرب بن أمية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخي بينه وبين عوف بن مالك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حمارا وحشيا‏)‏ لم تختلف الرواة عن مالك في ذلك، وتابعه عامة الرواة عن الزهري، وخالفهم ابن عيينة عن الزهري فقال ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ أخرجه مسلم، لكن بين الحميدي صاحب سفيان أنه كان يقول في هذا الحديث ‏"‏ حمار وحش ‏"‏ ثم صار يقول ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ فدل على اضطرابه فيه، وقد توبع على قوله ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ من أوجه فيها مقال، منها ما أخرجه الطبراني من طريق عمرو بن دينار عن الزهري لكن إسناده ضعيف‏.‏
وقال إسحاق في مسنده‏.‏
‏:‏ أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن الزهري فقال ‏"‏ لحم حمار ‏"‏ وقد خالفه خالد الواسطي عن محمد بن عمرو فقال ‏"‏ حمار وحش ‏"‏ كالأكثر، وأخرجه الطبراني من طريق ابن إسحاق عن الزهري فقال ‏"‏ رجل حمار وحش ‏"‏ وابن إسحاق حسن الحديث إلا أنه لا يحتج به إذا خولف، ويدل على وهم من قال فيه عن الزهري ذلك ابن جريج قال ‏"‏ قلت للزهري الحمار عقير‏؟‏ قال لا أدري ‏"‏ أخرجه ابن حزيمة وابن عوانة في صحيحيهما، وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر أن الذي أهداه الصعب لحم حمار فأخرجه مسلم من طريق الحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ أهدى الصعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار ‏"‏ وفي رواية عنده ‏"‏ عجز حمار وحش يقطر دما ‏"‏ وأخرجه أيضا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد قال تارة ‏"‏ حمار وحش ‏"‏ وتارة ‏"‏ شق حمار ‏"‏ ويقوى ذلك ما أخرجه مسلم أيضا من طريق طاوس عن ابن عباس قال ‏"‏ قدم زيد بن أرقم، فقال له عبد الله بن عباس يستذكره‏:‏ كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام‏؟‏ قال‏:‏ أهدى له عضو من لحم صيد فرده وقال‏:‏ إنا لا نأكله، إنا حرم‏"‏‏.‏
وأخرجه أبو داود وابن حبان من طريق عطاء عن ابن عباس أنه قال ‏"‏ يا زيد بن أرقم، هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره‏.‏
واتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه، إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية ‏"‏ أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ إن كان هذا محفوظا فلعله رد الحي وقبل اللحم، قلت وفي هذا الجمع نظر لما بينته، فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقبله تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله، وقد قال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ إن كان الصعب أهدى له حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حي وإن كان أهدى له لحما فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له‏.‏
ونقل الترمذي عن الشافعي أنه رده لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه‏.‏
ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر وهو حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك بالجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحا ثم قطع منه عضوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدمه له، فمن قال أهدى حمارا أراد بتمامه مذبوحا حيا، ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون من قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا‏.‏
قال ويحتمل أنه أهداه له حيا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته، فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل، قال‏:‏ والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات‏.‏
وقال النووي‏:‏ ترجم البخاري بكون الحمار حيا، وليس في سياق الحديث تصريح بذلك، وكذا نقلوا هذا التأويل عن مالك، وهو باطل لأن الروايات التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح‏.‏
انتهى‏.‏
وإذا تأملت ما تقدم لم يحسن إطلاقه بطلان التأويل المذكور ولا سيما في رواية الزهري التي هي عمدة هذا الباب، وقد قال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ حديث مالك أن الصعب أهدى حمارا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار‏.‏
وقال الترمذي‏:‏ روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ وهو غير محفوظ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالأبواء‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد‏:‏ جبل من عمل الفرع بضم الفاء والراء بعدها مهملة، قيل سمى الأبواء لوبائه على القلب، وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحمله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو بودان‏)‏ شك من الراوي، وهو بفتح الواو وتشديد الدال وآخرها نون موضع بقرب الجحفة، وقد سبق في حديث عمرو بن أمية أنه كان بالجحفة، وودان أقرب إلى الجحفة من الأبواء فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتي من المدينة ثلاثة وعشرين ميلا، ومن ودان إلى الجحفة ثمانية أميال، وبالشك جزم أكثر الرواة، وجزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان، وجزم معمر وعبد الرحمن ابن إسحاق ومحمد بن عمرو بالأبواء، والذي يظهر لي أن الشك فيه من ابن عباس لأن الطبراني أخرج الحديث من طريق عطاء عنه على الشك أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما رأى ما في وجهه‏)‏ في رواية شعيب ‏"‏ فلما عرف في وجهي رده هديتي‏"‏‏.‏
وفي رواية الليث عن الزهري عند الترمذي ‏"‏ فلما رأى ما في وجهه من الكراهية ‏"‏ وكذا لابن خزيمة من طريق ابن جريج المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنا لم نرده عليك‏)‏ في رواية شعيب وابن جريج ‏"‏ ليس بنا رد عليك ‏"‏ وفي رواية عبد الرحمن ابن إسحاق عن الزهري عند الطبراني ‏"‏ إنا لم نرده عليك كراهية له ولكنا حرم ‏"‏ قال عياض‏:‏ ضبطناه في الروايات ‏"‏ لم نرده ‏"‏ بفتح الدال، وأبى ذلك المحققون من أهل العربية وقالوا‏:‏ الصواب أنه بضم الدال لأن المضاعف من المجزوم يراعى فيه الواو التي توجبها له ضمة الهاء بعدها‏.‏
قال‏:‏ وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب في الفصيح‏.‏
نعم تعقبوه عليه بأنه ضعيف، وأوهم صنيعه أنه فصيح، وأجازوا أيضا الكسر وهو أضعف الأوجه‏.‏
قلت‏:‏ ووقع في رواية الكشميهني بفك الإدغام ‏"‏ لم نردده ‏"‏ بضم الأولى وسكون الثانية ولا إشكال فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا أنا حرم‏)‏ زاد صالح بن كيسان عند النسائي ‏"‏ لا نأكل الصيد‏"‏‏.‏
وفي رواية سعيد عن ابن عباس ‏"‏ لولا أنا محرمون لقبلناه منك‏"‏‏.‏
واستدل بهذا الحديث على تحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقا لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرما فدل على أنه سبب الامتناع خاصة، وهو قول علي وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق لحديث الصعب هذا، ولما أخرجه أبو داود وغيره من حديث علي ‏"‏ أنه قال لناس من أشجع‏:‏ أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم ‏"‏ لكن يعارض هذا الظاهر ما أخرجه مسلم أيضا من حديث طلحة أنه ‏"‏ أهدى له لحم طير وهو محرم، فوقف من أكله وقال‏:‏ أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
وحديث أبي قتادة المذكور في الباب قبله وحديث عمير بن سلمة ‏"‏ أن البهزي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ظبيا وهو محرم، فأمر أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق‏"‏؛ أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره، وبالجواز مطلقا قال الكوفيون وطائفة من السلف، وجمع الجمهور بين ما اختلف من ذلك بأن أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدي منه للمحرم، وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم‏.‏
قالوا والسبب في الاقتصار على الإحرام عند الاعتذار للصعب أن الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له إلا إذا كان محرما، فبين الشرط الأصلي وسكت عما عداه فلم يدل على نفيه، وقد بينه في الأحاديث الأخر‏.‏
ويؤيد هذا الجمع حديث جابر مرفوعا ‏"‏ صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم ‏"‏ أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة‏.‏
قلت‏:‏ وقد تقدم أن عند النسائي من رواية صالح ابن كيسان ‏"‏ إنا حرم لا نأكل الصيد ‏"‏ فبين العلتين جميعا، وجاء عن مالك تفصيل آخر بين ما صيد للمحرم قبل إحرامه يجوز له الأكل منه أو بعد إحرامه فلا، وعن عثمان التفصيل بين ما يصاد لأجله من المحرمين فيمتنع عليه ولا يمتنع على محرم آخر‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ حديث الصعب يشكل على مالك لأنه يقول‏:‏ ما صيد من أجل المحرم يحرم على المحرم وعلى غير المحرم، فيمكن أن يقال قوله ‏"‏ فرده عليه ‏"‏ لا يستلزم أنه أباح له أكله، بل يجوز أن يكون أمره بإرساله إن كان حيا وطرحه إن كان مذبوحا فإن السكوت عن الحكم لا يدل على الحكم بضده، وتعقب بأنه وقت البيان فلو لم يجز له الانتفاع به لم يرده عليه أصلا إذ لا اختصاص له به‏.‏
وفي حديث الصعب الحكم بالعلامة لقوله ‏"‏ فلما رأى ما في وجهي‏"‏‏.‏
وفيه جواز رد الهدية لعلة، وترجم له المصنف ‏"‏ من رد الهدية لعلة ‏"‏ وفيه الاعتذار عن رد الهدية تطييبا لقلب المهدي، وأن الهبة لا تدخل في الملك إلا بالقبول، وأن قدرته على تملكها لا تصيره مالكا لها، وأن على المحرم أن يرسل ما في يده من الصيد الممتنع عليه اصطياده‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:03 PM
باب مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقتل المحرم من الدواب‏)‏ أي مما لا يجب عليه فيه الجزاء، وذكر المصنف فيه ثلاثة أحاديث، الأول منها‏:‏ اختلف فيه علي ابن عمر، فساقه المصنف على الاختلاف كما سأبينه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ حَدَّثَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ حَفْصَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح‏)‏ كذا أورده مختصرا وأحال به على طريق سالم، وهو في الموطأ وتمامه ‏"‏ الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن عبد الله بن دينار‏)‏ هو معطوف على الطريق الأولى، وهو في الموطأ كذلك عن نافع عن ابن عمر، وعن عبد الله بن دينار عن ابن عمر‏.‏
وقد أورده المصنف في بدء الخلق عن القعنبي عن مالك وساق لفظه مثله سواء‏.‏
وكذا أخرجه مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار، وأخرجه أحمد من طريق شعبة عن عبد الله بن دينار فقال ‏"‏ الحية ‏"‏ بدل العقرب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد بن جبير‏)‏ هو الطائي الكوفي، ليس له في الصحيح رواية عن غير ابن عمر، ولا له فيه إلا هذا الحديث وآخر تقدم في المواقيت، وقد خالف نافعا وعبد الله بن دينار في إدخال الواسطة بين ابن عمر وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ووافق سالما، إلا أن زيدا أبهمها وسالما سماها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقتل المحرم‏)‏ كذا ساق منه هذا القدر وأحال به على الطريق التي بعده، وفيه إشارة منه إلى تفسير المبهمة فيه بأنها المسماة في الرواية الأخرى، فقد وصله أبو نعيم في المستخرم من طريق أبي خليفة عن مسدد بإسناد البخاري، وبقيته كرواية حفصة إلا أن فيه تقديما وتأخيرا في بعض الأسماء‏.‏
وأخرجه مسلم عن شيبان عن أبي عوانة فزاد فيه أشياء ولفظه ‏"‏ سأل رجل ابن عمر ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم‏؟‏ فقال‏:‏ حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب والحية ‏"‏ قال ‏"‏ وفي الصلاة أيضا ‏"‏ فلم يقل في أوله خمسا وزاد الحية، وزاد في آخره ذكر الصلاة لينبه بذلك على جواز قتل المذكورات في جميع الأحوال وسأذكر البحث في ذلك، ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق فقد أخرجه مسلم من طريق زهير بن معاوية والإسماعيلي من طريق إسرائيل كلاهما عن زيد بن جبير بدونها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يونس‏)‏ هو ابن يزيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سالم‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ أخبرني سالم ‏"‏ أخرجه عن حرملة عن ابن وهب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ قال لي عبد الله ‏"‏ وفي رواية الإسماعيلي عن سالم عن أبيه أخرجه من طريق إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت حفصة‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ عن حفصة ‏"‏ وهذا والذي قبله قد يوهم أن عبد الله ابن عمر ما سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن وقع في بعض طرق نافع عنه ‏"‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرجه مسلم من طريق ابن جريج قال ‏"‏ أخبرني نافع ‏"‏ وقال مسلم بعده‏:‏ لم يقل أحد عن نافع عن ابن عمر سمعت إلا ابن جريج، وتابعه محمد بن إسحاق، ثم ساقه من طريق ابن إسحاق عن نافع كذلك، فالظاهر أن ابن عمر سمعه من أخته حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه أيضا من النبي صلى الله عليه وسلم يحدث به حين سئل عنه، فقد وقع عند أحمد من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ نادى رجل ‏"‏ ولأبي عوانة في المستخرج من هذا الوجه ‏"‏ أن أعرابيا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نقتل من الدواب إذا أحرمنا ‏"‏ والظاهر أن المبهمة في رواية زيد بن جبير هي حفصة، ويحتمل أن تكون عائشة، وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب فأسقط حفصة من الإسناد والصواب إثباتها في رواية سالم، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يَقْتُلُهُنَّ فِي الْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني يونس‏)‏ هو ابن يزيد أيضا، وظهر بهذا أن لابن وهب عنه عن الزهري فيه إسنادين‏:‏ سالم عن أبيه عن حفصة، وعروة عن عائشة، وقد كان ابن عيينة ينكر طريق الزهري عن عروة، قال الحميدي عن سفيان ‏"‏ حدثنا والله الزهري عن سالم عن أبيه ‏"‏ فقيل له إن معمرا يرويه عن الزهري عن عروة عن عائشة، فقال ‏"‏ حدثنا والله الزهري لم يذكر عروة‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وطريق معمر المشار إليها أوردها المصنف في بدء الخلق من طريق يزيد بن زريع عنه، ورواها النسائي من طريق عبد الرزاق قال عبد الرزاق‏:‏ ذكر بعض أصحابنا أن معمرا كان يذكره عن الزهري عن سالم عن أبيه، وعن عروة عن عائشة، وطريق الزهري عن عروة رواها أيضا شعيب بن أبي حمزة عند أحمد وأبان بن صالح عند النسائي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ‏.‏
وقد تابع الزهري عن عروة هشام بن عروة، أخرجه مسلم أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خمس‏)‏ التقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك لكنه مفهوم عدد، وليس بحجة عند الأكثر، وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولا ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم، فقد ورد في بعض طرق عائشة بلفظ ‏"‏ أربع ‏"‏ وفي بعض طرقها بلفظ ‏"‏ ست ‏"‏ فأما طريق أربع فأخرجها مسلم من طريق القاسم عنها فأسقط العقرب، وأما طريق ست فأخرجها أبو عوانة في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق المحاربي عن هشام عن أبيه عنها فأثبتها وزاد الحية، ويشهد لها طريق شيبان التي تقدمت من عند مسلم وإن كانت خالية عن العدد، وأغرب عياض فقال‏:‏ وفي غير كتاب مسلم ذكر الأفعى فصارت سبعا‏.‏
وتعقب بأن الأفعى داخلة في مسمى الحية‏.‏
والحديث الذي ذكرت فيه أخرجه أبو عوانة في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق ابن عون عن نافع في آخر حديث الباب قال‏:‏ قلت لنافع فالأفعى‏؟‏ قال ومن يشك في الأفعى‏؟‏ ا هـ‏.‏
وقد وقع في حديث أبي سعيد عند أبي داود نحو رواية شيبان وزاد السبع العادي فصارت سبعا‏.‏
وفي حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة وابن المنذر زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة فتصير بهذا الاعتبار تسعا، لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور‏.‏
ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ يقتل المحرم الحية والذئب ‏"‏ ورجاله ثقات‏.‏
وأخرج أحمد من طريق حجاج بن أرطاة عن وبرة عن ابن عمر قال ‏"‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب للمحرم ‏"‏ وحجاج ضعيف‏.‏
وخالفه مسعر عن وبرة فرواه موقوفا أخرجه ابن أبي شيبة، فهذا جميع ما وقفت عليه في الأحاديث المرفوعة زيادة على الخمس المشهورة، ولا يخلو شيء من ذلك من مقال، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من الدواب‏)‏ بتشديد الموحدة، جمع دابة وهو ما دب من الحيوان‏.‏
وقد أخرج بعضهم منها الطير لقوله تعالى ‏(‏وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه‏)‏ الآية، وهذا الحديث يرد عليه، فإنه ذكر في الدواب الخمس الغراب والحدأة، ويدل على دخول الطير أيضا عموم قوله تعالى ‏(‏وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها‏)‏ ؛ وقوله تعالى ‏(‏وكأين من دابة لا تحمل رزقها‏)‏ الآية، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم في صفة بدء الخلق ‏"‏ وخلق الدواب يوم الخميس ‏"‏ ولم يفرد الطير بذكر‏.‏
وقد تصرف أهل العرف في الدابة، فمنهم من يخصها بالحمار، ومنهم من يخصها بالفرس، وفائدة ذلك تظهر في الحلف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كلهن فاسق يقتلن‏)‏ قيل فاسق صفة لكل، وفي يقتلن ضمير راجع إلى معنى كل‏.‏
ووقع في رواية مسلم من هذا الوجه ‏"‏ كلها فواسق‏"‏‏.‏
وفي رواية معمر التي في بدء الخلق ‏"‏ خمس فواسق ‏"‏ قال النووي‏:‏ هو بإضافة خمس لا بتنوينه، وجوز ابن دقيق العيد الوجهين وأشار إلى ترجيح الثاني فإنه قال‏:‏ رواية الإضافة تشعر بالتخصيص فيخالفها غيرها في الحكم من طريق المفهوم، ورواية التنوين تقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى فيشعر بأن الحكم المرتب على ذلك وهو القتل معلل بما جعل وصفا وهو الفسق فيدخل فيه كل فاسق من الدواب، ويؤيده رواية يونس التي في حديث الباب‏.‏
قال النووي وغيره‏:‏ تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية في وفق اللغة، فإن أصل الفسق لغة الخروج، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها‏.‏
وقوله تعالى ‏(‏ففسق عن أمر ربه‏)‏ أي خرج، وسمى الرجل فاسقا لخروجه عن طاعة ربه، فهو خروج مخصوص‏.‏
وزعم ابن الأعرابي أنه لا يعرف في كلام الجاهلية ولا شعرهم فاسق، يعني بالمعنى الشرعي‏.‏
وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق فقيل‏:‏ لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله، وقيل في حل أكله لقوله تعالى ‏(‏أو فسقا أهل لغير الله به‏)‏ ‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق‏)‏ وقيل‏:‏ لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع، ومن ثم اختلف أهل الفتوى‏:‏ فمن قال بالأول ألحق بالخمس كل ما جاز قتله للحلال في الحرم وفي الحل، ومن قال بالثاني ألحق ما لا يؤكل إلا ما نهى عن قتله وهذا قد يجامع الأول، ومن قال بالثالث يخص الإلحاق بما يحصل منه الإفساد‏.‏
ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن ماجة‏:‏ قيل له لم قيل للفأرة فويسقة‏؟‏ فقال‏:‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ لها وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت‏.‏
فهذا يومئ إلى أن سبب تسمية الخمس بذلك لكون فعلها يشبه فعل الفساق، وهو يرجح القول الأخير، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقتل في الحرم‏)‏ تقدم في رواية نافع بلفظ ‏"‏ ليس على المحرم في قتلهن جناح ‏"‏ وعرف بذلك أن لا إثم في قتلها على المحرم ولا في الحرم، ويؤخذ منه جواز ذلك للحلال، وفي الحل من باب الأولى‏.‏
وقد وقع ذكر الحل صريحا عند مسلم من طريق معمر عن الزهري عن عروة بلفظ ‏"‏ يقتلن في الحل والحرم ‏"‏ ويعرف حكم الحلال بكونه لم يقم به مانع وهو الإحرام فهو بالجواز أولى، ثم إنه ليس في نفي الجناح - وكذا الحرج في طريق سالم - دلالة على أرجحية الفعل على الترك، لكن ورد في طريق زيد ابن جبير عند مسلم بلفظ ‏"‏ أمر ‏"‏ وكذا في طريق معمر، ولأبي عوانة من طريق ابن نمير عن هشام عن أبيه بلفظ ‏"‏ ليقتل المحرم ‏"‏ وظاهر الأمر الوجوب، ويحتمل الندب والإباحة، وروى البزار من طريق أبي رافع قال ‏"‏ بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته إذ ضرب شيئا، فإذا هي عقرب فقتلها، وأمر بقتل العقرب والحية والفأرة والحدأة للمحرم، لكن هذا الأمر ورد بعد الحظر لعموم نهي المحرم عن القتل فلا يكون للوجوب ولا للندب، ويؤيد ذلك رواية الليث عن نافع بلفظ ‏"‏ أذن ‏"‏ أخرجه مسلم والنسائي عن قتيبة، لكن لم يسق مسلم لفظه‏.‏
وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره ‏"‏ خمس قتلهن حلل للمحرم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الغراب‏)‏ زاد في رواية سعيد بن المسيب عن عائشة عند مسلم ‏"‏ الأبقع ‏"‏ وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض، وأخذ بهذا القيد بعض أصحاب الحديث كما حكاه ابن المنذر وغيره، ثم وجدت ابن خزيمة قد صرح باختياره، وهو قضية حمل المطلق على المقيد‏.‏
وأجاب ابن بطال بأن هذه الزيادة لا تصح لأنها من رواية قتادة عن سعيد، وهو مدلس وقد شذ بذلك‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ لا تثبت هذه الزيادة‏.‏
وقال ابن قدامة‏:‏ الروايات المطلقة أصح‏.‏
وفي جميع هذا التعليل نظر، أما دعوى التدليس فمردودة بأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم وهذا من رواية شعبة، بل صرح النسائي في روايته من طريق النضر بن شميل عن شعبة بسماع قتادة‏.‏
وأما نفي الثبوت فمردود بإخراج مسلم‏.‏
وأما الترجيح فليس من شرط قبول الزيادة بل الزيادة مقبولة من الثقة الحافظ وهو كذلك هنا‏.‏
نعم قال ابن قدامة‏:‏ يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل‏.‏
وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له غراب الزرع ويقال له الزاغ، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ما عداه من الغربان ملتحقا بالأبقع‏.‏
ومنها الغداف على الصحيح في ‏"‏ الروضة ‏"‏ بخلاف تصحيح الرافعي، وسمى ابن قدامة الغداف غراب البين، والمعروف عند أهل اللغة أنه الأبقع، قيل سمي غراب البين لأنه بان عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض، فلقي جيفة فوقع عليها ولم يرجع إلى نوح، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به فكانوا إذا نعب مرتين قالوا‏:‏ آذن بشر، وإذا نعب ثلاثا قالوا‏:‏ آذن بخير، فأبطل الإسلام ذلك، وكان ابن عباس إذا سمع الغراب قال‏:‏ اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك‏.‏
وقال صاحب الهداية‏:‏ المراد بالغراب في الحديث الغداف والأبقع لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع قلا‏.‏
وكذا استثناه ابن قدامة، وما أظن فيه خلافا، وعليه يحمل ما جاء في حديث أبي سعيد عند أبي داود إن صح حيث قال فيه ‏"‏ ويرمي الغراب ولا يقتله ‏"‏ وروى ابن المنذر وغيره نحوه عن علي ومجاهد، قال ابن المنذر‏:‏ أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإحرام إلا ما جاء عن عطاء قال في محرم كسر قرن غراب فقال‏:‏ إن أدماه فعليه الجزاء وقال الخطابي‏:‏ لم يتابع أحد عطاء على هذا، انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون مراده غراب الزرع‏.‏
وعند المالكية اختلاف آخر في الغراب والحدأة هل يتقيد‏.‏
جواز قتلهما بأن يبتدئا بالأذى، وهل يختص ذلك بكبارها‏؟‏ والمشهور عنهم - كما قال ابن شاس - لا فرق وفاقا للجمهور ومن أنواع الغربان الأعصم، وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياض أو حمرة، وله ذكر في قصة حفر عبد المطلب لزمزم، وحكمه حكم الأبقع‏.‏
ومنها العقعق وهو قدر الحمامة على شكل الغراب، قيل سمي بذلك لأنه يعق فراخه فيتركها بلا طعم، وبهذا ظهر أنه نوع من الغربان، والعرب تتشاءم به أيضا‏.‏
ووقع في فتاوى قاضي خان الحنفي‏:‏ من خرج لسفر فسمع صوت العقعق فرجع كفر، وحكمه حكم الأبقع على الصحيح، وقيل حكم غراب الزرع‏.‏
وقال أحمد‏:‏ إن أكل الجيف وإلا فلا بأس به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والحدأ‏)‏ بكسر أوله وفتح ثانيه بعدها همزة بغير مد، وحكى صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏ المد فيه ندورا، ووقع في رواية الكشميهني في حديث عائشة ‏"‏ الحدأة ‏"‏ بزيادة هاء بلفظ الواحدة وليست للتأنيث بل هي كالهاء في التمرة، وحكى الأزهري فيها ‏"‏ حدوة ‏"‏ بواو بدل الهمزة، وسيأتي في بدء الخلق من حديثها بلفظ ‏"‏ الحديا ‏"‏ بضم أوله وتشديد التحتانية مقصور، ومثله لمسلم في رواية هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ قال قاسم بن ثابت‏:‏ الوجه فيه الهمزة، وكأنه سهل ثم أدغم، وقيل هي لغة حجازية، وغيرهم يقول ‏"‏ حدية ‏"‏ وقد تقدم ذكرها في الكلام على الغراب‏.‏
ومن خواص الحدأة أنها تقف في الطيران، ويقال إنها لا تختطف إلا من جهة اليمين، وقد مضى لها ذكر في الصلاة قصة صاحبة الوشاح‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ يلتبس بالحدأ الحدأة بفتح أوله‏:‏ فأس له رأسان‏.‏
قوله ‏(‏والعقرب‏)‏ هذا اللفظ للذكر والأنثى، وقد يقال عقربة وعقرباء، وليس منها العقربان بل هي دويبة طويلة كثيرة القوائم‏.‏
قال صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏ ويقال إن عينها في ظهرها وإنها لا تضر ميتا ولا نائما حتى يتحرك‏.‏
ويقال لدغته العقرب بالغين المعجمة ولسعته بالمهملتين‏.‏
وقد تقدم اختلاف الرواة في ذكر الحية بدلها في حديث الباب ومن جمعهما، والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وسلم نبه بإحداهما على الأخرى عند الاقتصار وبين حكمهما معا حيث جمع‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب‏.‏
وقال نافع لما قيل له‏:‏ فالحية‏؟‏ قال‏:‏ لا يختلف فيها وفي رواية‏:‏ ومن يشك فيها‏؟‏ وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شعبة أنه سأل الحكم وحمادا فقالا‏:‏ لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب‏.‏
قال‏:‏ ومن حجتهما أنهما من هوام الأرض فيلزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوام، وهذا اعتلال لا معنى له، نعم عند المالكية خلاف في قتل صغير الحية والعقرب التي لا تتمكن من الأذى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والفأر‏)‏ بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل، ولم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم إلا ما حكى عن إبراهيم النخعي فإنه قال‏:‏ فيها جزاء إذا قتلها المحرم أخرجه ابن المنذر‏.‏
وقال‏:‏ هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم‏.‏
وروى البيهقي بإسناد صحيح حماد بن زيد قال لما ذكروا له هذا القول‏:‏ ما كان بالكوفة أفحش ردا للآثار من إبراهيم النخعي لقلة ما سمع منها، ولا أحسن اتباعا لها من الشعبي لكثرة ما سمع‏.‏
ونقل ابن شاس عن المالكية خلافا في جواز قتل الصغير منها الذي لا يتمكن من الأذى‏.‏
والفأر أنواع، منها الجرذ بالجيم بوزن عمر، والخلد بضم المعجمة وسكون اللام، وفأرة الإبل، وفأرة المسك، وفأرة الغيط، وحكمها في تحريم الأكل وجواز القتل سواء، وسيأتي في الأدب إطلاق الفويسقة عليها من حديث جابر، وتقدم سبب تسميتها بذلك من حديث أبي سعيد‏.‏
وقيل إنما سميت بذلك لأنها قطعت حبال سفينة نوح، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والكلب العقور‏)‏ الكلب معروف والأنثى كلبة والجمع أكلب وكلاب وكليب بالفتح، كأعبد وعباد وعبيد‏.‏
وفي الكلب بهيمية سبعية كأنه مركب‏.‏
وفيه منافع للحراسة والصيد كما سيأتي في بابه‏.‏
وفيه من اقتفاء الأثر وشم الرائحة والحراسة وخفة النوم والتودد وقبول التعليم ما ليس لغيره‏.‏
وقيل إن أول من اتخذه للحراسة نوح عليه السلام وقد سبق البحث في نجاسته في كتاب الطهارة ويأتي في بدء الخلق جملة من خصاله‏.‏
واختلف العلماء في المراد به هنا، وهل لوصفه بكونه عقورا مفهوم أو لا‏؟‏ فروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أبي هريرة قال‏:‏ الكلب العقور الأسد‏.‏
وعن سفيان عن زيد بن أسلم أنهم سألوه عن الكلب العقور فقال‏:‏ وأي كلب أعقر من الحية‏؟‏ وقال زفر‏:‏ المراد بالكلب العقور هنا الذئب خاصة‏.‏
وقال مالك في الموطأ‏:‏ كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب هو العقور‏.‏
وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان، وهو قول الجمهور‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ المراد بالكلب هنا الكلب خاصة، ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب‏.‏
واحتج أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ‏"‏ فقتله الأسد‏.‏
وهو حديث حسن أخرجه الحاكم من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه، واحتج بقوله تعالى ‏(‏وما علمتم من الجوارح مكلبين‏)‏ فاشتقها من اسم الكلب، فلهذا قيل لكل جارح عقور‏.‏
واحتج الطحاوي للحنفية بأن العلماء اتفقوا على تحريم قتل البازي والصقر وهما من سباع الطير فدل ذلك على اختصاص التحريم بالغراب والحدأة، وكذلك يختص التحريم بالكلب وما شاركه في صفته وهو الذئب‏.‏
وتعقب برد الاتفاق، فإن مخالفيهم أجازوا قتل كل ما عدا وافترس، فيدحل فيه الصقر وغيره، بل معظمهم قال‏:‏ يلتحق بالخمس كل ما نهى عن أكله إلا ما نهي عن قتله‏.‏
واختلف العلماء في غير العقور مما لم يؤمر باقتنائه، فصرح بتحريم قتله القاضيان حسين والماوردي وغيرهما، ووقع في ‏"‏ الأم ‏"‏ للشافعي الجواز، واختلف كلام النووي فقال في البيع من ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏‏:‏ لا خلاف بين أصحابنا في أنه محترم لا يجوز قتله‏.‏
وقال في التيمم والغصب‏:‏ إنه غير محترم‏.‏
وقال في الحج‏:‏ يكره قتله كراهة تنزيه‏.‏
وهذا اختلاف شديد، وعلى كراهة قتله اقتصر الرافعي وتبعه في ‏"‏ الروضة ‏"‏ وزاد‏:‏ أنها كراهة تنزيه، والله أعلم‏.‏
وذهب الجمهور كما تقدم إلى إلحاق غير الخمس بها في هذا الحكم، إلا أنهم اختلفوا في المعنى فقيل‏:‏ لكونها مؤذية فيجوز قتل كل مؤذ، وهذا قضية مذهب مالك‏.‏
وقيل‏:‏ لكونها مما لا يؤكل، فعلى هذا كل ما يجوز قتله لا فدية على المحرم فيه، وهذا قضية مذهب الشافعي‏.‏
وقد قسم هو وأصحابه الحيوان بالنسبة للمحرم إلى ثلاثة أقسام‏:‏ قسم يستحب كالخمس وما في معناها مما يؤذي، وقسم يجوز كسائر ما لا يؤكل لحمه وهو قسمان‏:‏ ما يحصل منه نفع وضرر فيباح لما فيه من منفعة الاصطياد ولا يكره لما فيه من العدوان، وقسم ليس فيه نفع ولا ضرر فيكره قتله ولا يحرم‏.‏
والقسم الثالث ما أبيح أكله أو نهى عن قتله فلا يجوز ففيه الجزاء إذا قتله المحرم‏.‏
وخالف الحنفية فاقتصروا على الخمس إلا أنهم ألحقوا بها الحية لثبوت الخبر، والذئب لمشاركته للكلب في الكلبية، وألحقوا بذلك من ابتدأ بالعدوان والأذى من غيرها، وتعقب بظهور المعنى في الخمس وهو الأذى الطبيعي والعدوان المركب، والمعنى إذا ظهر في المنصوص عليه تعدي الحكم إلى كل ما وجد فيه ذلك المعنى، كما وافقوا عليه في مسائل الربا‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ والتعدية بمعنى الأذى إلى كل مؤذ قوي بالإضافة إلى تصرف أهل القياس، فإنه ظاهر من جهة الإيماء بالتعليل بالفسق وهو الخروج عن الحد، وأما التعليل بحرمة الأكل ففيه إبطال لما دل عليه إيماء النص من التعليل بالفسق‏.‏
انتهى‏.‏
وقال غيره‏:‏ هو راجع إلى تفسير الفسق، فمن فسره بأنه الخروج عن بقية الحيوان بالأذى علل به، ومن قال بجواز القتل وتحريم الأكل علل به‏.‏
وقال من علل بالأذى‏:‏ أنواع الأذى مختلفة، وكأنه نبه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى باللسع ونحوه من ذوات السموم كالحية والزنبور، وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض كابن عرس، وبالغراب والحدأ على ما يشاركهما بالاختطاف كالصقر، وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر كالأسد والفهد‏.‏
وقال‏:‏ من علل بتحريم الأكل وجواز القتل إنما اقتصر على الخمس لكثرة ملابستها للناس بحيث يعم أذاها، والتخصيص بالغلبة لا مفهوم له‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ نقل الرافعي عن الإمام أن هذه الفواسق لا ملك فيها لأحد ولا اختصاص، ولا يجب ردها على صاحبها، ولم يذكر مثل ذلك في غير الخمس مما يلتحق بها في المعنى، فليتأمل‏.‏
واستدل به على جواز قتل من لجأ إلى الحرم ممن وجب عليه القتل لأن إباحة قتل هذه الأشياء معلل بالفسق والقاتل فاسق فيقتل بل هو أولى، لأن فسق المذكورات طبيعي، والمكلفة إذا ارتكب الفسق هاتك لحرمة نفسه فهو أولى بإقامة مقتضى الفسق عليه‏.‏
وأشار ابن دقيق العيد إلى أنه بحث قابل للنزاع، وسيأتي بسط القول فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ بِمِنًى إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا وَإِنِّي لَأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتُلُوهَا فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثني إبراهيم‏)‏ هو ابن يزيد النخعي، والأسود هو النخعي خاله، وعبد الله هو ابن مسعود‏.‏
وقد اختلف على الأعمش في إسناد هل الحديث كما سيأتي بيانه في بدء الخلق‏.‏
قوله ‏(‏في غار بمنى‏)‏ وقع عند الإسماعيلي من طريق ابن نمير عن حفص بن غياث أن ذلك كان ليلة عرفة، وبذلك يتم الاحتجاج به على مقصود الباب من جواز قتل الحية للمحرم، كما يدل قوله ‏"‏ بمنى ‏"‏ على أن ذلك كان في الحرم، وعرف بذلك الرد على من قال ليس في حديث عبد الله ما يدل على أنه أمر بقتل الحية في حال الإحرام، لاحتمال أن يكون ذلك بعد طواف الإفاضة، وقد رواه مسلم وابن خزيمة واللفظ له عن أبي كريب عن حفص بن غياث مختصرا ولفظه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر محرما بقتل حية في الحرم بمنى ‏"‏ ووقع في رواية أبي الوقت عقب حديث الباب‏:‏ قال أبو عبد الله وهو المصنف‏:‏ إنما أردنا بهذا أن منى من الحرم، وأنهم لم يروا بقتل الحية - يعني فيه - بأسا ووقع هذا الكلام عند أبي ذر في آخر الباب، ومحله عقب حديث ابن مسعود‏.‏
قوله ‏(‏رطبة‏)‏ أي لم يجف ريقه بها‏.‏
قوله ‏(‏كما وقيتم شرها‏)‏ بالنصب لأنه مفعول ثان، وكذلك قوله ‏"‏ وقيت شركم ‏"‏ أي أن الله سلمها منكم كما سلمكم منها، وهو من مجاز المقابلة‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ أجمع من يحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم قتل الحية، وتعقب بما تقدم عن الحكم وحماد وبما عند المالكية من استثناء ما صغر منها بحيث لا يتمكن من الأذى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْوَزَغِ فُوَيْسِقٌ وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ إِنَّمَا أَرَدْنَا بِهَذَا أَنَّ مِنًى مِنْ الْحَرَمِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا بِقَتْلِ الْحَيَّةِ بَأْسًا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس‏.‏
قوله ‏(‏قال للوزغ فويسق‏)‏ اللام بمعنى عن، والمعنى أنه سماه فويسقا، وهو تصغير تحقير مبالغة في الذم‏.‏
قوله ‏(‏ولم أسمعه أمر بقتله‏)‏ هو مقول عن عائشة والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، وقضية تسميته إياه فويسقا أن يكون قتله مباحا، وكونها لم تسمعه لا يدل على منع ذلك فقد سمعه غيرها كما سيأتي في بدء الخلق عن سعد بن أبي وقاص وغيره، ونقل ابن عبد البر الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم، لكن نقل ابن عبد الحكم وغيره عن مالك‏:‏ لا يقتل المحرم الوزغ، زاد ابن القاسم‏:‏ وإن قتله يتصدق لأنه ليس من الخمس المأمور بقتلها‏.‏
وروى ابن أبي شيبة أن عطاء سئل عن قتل الوزغ في الحرم فقال‏:‏ إذا آذاك فلا بأس بقتله‏.‏
وهذا يفهم توقف قتله على أذاه‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:04 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n162&p1#TOP)باب لَا يُعْضَدُ شَجَرُ الْحَرَمِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب لا يعضد شجر الحرم‏)‏ بضم أوله وفتح الضاد المعجمة، أي لا يقطع‏.‏
قوله ‏(‏وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعضد شوكه‏)‏ سيأتي موصولا بعد باب ويأتي البحث فيه هناك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ مَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخُرْبَةٍ خُرْبَةٌ بَلِيَّةٌ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏عن سعيد‏)‏ في رواية عبد الله بن يوسف عن الليث حدثني سعيد كما تقدم في العلم‏.‏
قوله ‏(‏عن أبي شريح العدوي‏)‏ كذا وقع هنا، وفيه نظر لأنه خزاعي من بني كعب بن ربيعة ابن لحي، بطن من خزاعة، ولهذا يقال له الكعبي أيضا، وليس هو من بني عدي، لا عدي قريش ولا عدي مضر، فلعله كان حليفا لبني عدي بن كعب من قريش، وقيل في خزاعة بطن يقال ثم لهو بنو عدي، وقد وقع في رواية ابن أبي ذئب عن سعيد ‏"‏ سمعت أبا شريح ‏"‏ أخرجه أحمد‏.‏
واختلف في اسمه فالمشهور أنه خويلد بن عمرو، وقيل ابن صخر، وقيل هانئ بن عمرو، وقيل عبد الرحمن، وقيل كعب، وقيل عمرو بن خويلد، وقيل مطر، أسلم قبل الفتح، وحمل بعض ألوية قومه، وسكن المدينة ومات بها سنة ثمان وستين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديثين آخرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لعمرو بن سعيد‏)‏ أي ابن أبي العاص بن سعيد بن العاص بن أمية المعروف بالأشدق، وقد تقدم ذلك مع شرح بعض الحديث في ‏"‏ باب تبليغ العلم ‏"‏ من كتاب العلم‏.‏
ووقع عند أحمد من طريق ابن إسحاق عن سعيد المقبري زيادة في أوله توضح المقصود وهي ‏"‏ لما بعث عمرو بن سعيد إلى مكة بعثه لغزو ابن الزبير أتاه أبو شريح فكلمه وأخبره بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلى نادى قومه فجلس فيه، فقمت إليه فجلست معه فحدث قومه قال‏:‏ قلت له يا هذا إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة، فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك، فقام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
وأخرج أحمد أيضا من طريق الزهري عن مسلم بن يزيد الليثي عن أبي شريح الخزاعي أنه سمعه يقول ‏"‏ أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في قتال بني بكر حتى أصبنا منهم ثأرنا وهو بمكة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع السيف، فلقي الغد رهط منا رجلا من هذيل في الحرم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان وترهم في الجاهلية وكانوا يطلبونه فقتلوه، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضبا شديدا ما رأيته غضب أشد منه، فلما صلى قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال‏:‏ أما بعد فإن الله حرم مكة ‏"‏ انتهى‏.‏
وقد ذكر أبو هريرة في حديثه هذه القصة مختصرة وتقدم الكلام عليها في ‏"‏ باب كتابة العلم ‏"‏ من كتاب العلم، وذكرنا أن عمرو بن سعيد كان أميرا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية وأنه جهز إلى مكة جيشا لغزو عبد الله بن الزبير بمكة، وقد ذكر الطبري القصة عن مشايخه فقالوا‏:‏ كان قدوم عمرو بن سعيد واليا علي المدينة من قبل يزيد بن معاوية في ذي القعدة سنة ستين، وقيل قدمها في رمضان منها وهي السنة التي ولى فيها يزيد الخلافة، فامتنع ابن الزبير من بيعته وأقام بمكة، فجهز إليه عمرو بن سعيد جيشا وأمر عليهم عمرو بن الزبير وكان معاديا لأخيه عبد الله، وكان عمرو بن سعيد قد ولاه شرطته ثم أرسله إلى قتال أخيه، فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه فامتنع، وجاء أبو شريح فذكر القصة، فلما نزل الجيش ذا طوى خرج إليهم جماعة من أهل مكة فهزموهم وأسر عمرو بن الزبير فسجنه أخوه بسجن عارم، وكان عمرو بن الزبير قد ضرب جماعة من أهل المدينة ممن اتهم بالميل إلى أخيه فأقادهم عبد الله منه حتى مات عمرو من ذلك الضرب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في السيرة لابن إسحاق ومغازي الواقدي أن المراجعة المذكورة وقعت بين أبي شريح وبين عمرو بن الزبير، فإن كان محفوظا احتمل أن يكون أبو شريح راجع الباعث والمبعوث، والله أعلم‏.‏
قوله ‏(‏وهو يبعث البعوث‏)‏ هي جمع بعث بمعنى مبعوث وهو من تسمية المفعول بالمصدر والمراد به الجيش المجهز للقتال‏.‏
قوله ‏(‏إيذن‏)‏ أصله ائذن بهمزتين فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها‏.‏
قوله ‏(‏أيها الأمير‏)‏ الأصل فيه يا أيها الأمير فحذف حرف النداء، ويستفاد منه حسن التلطف في مخاطبة السلطان ليكون أدعى لقبولهم النصيحة وأن السلطان لا يخاطب إلا بعد استئذانه ولا سيما إذا كان في أمر يعترض به عليه، فترك ذلك والغلظة له قد يكون سببا لإثارة نفسه ومعاندة من يخاطبه، وسيأتي في الحدود قول والد العسيف ‏"‏ وائذن لي‏"‏‏.‏
قوله ‏(‏قام به‏)‏ صفة للقول، والمقول هو حمد الله تعالى الخ‏.‏
وقوله ‏"‏الغد ‏"‏ بالنصب أي ثاني يوم الفتح وقد تقدم بيانه‏.‏
قوله ‏(‏سمعته أذناي الخ‏)‏ فيه إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه، فقوله ‏"‏ سمعته ‏"‏ أي حملته عنه بغير واسطة، وذكر الأذنين للتأكيد، وقوله ‏"‏ووعاه قلبي ‏"‏ تحقيق لفهمه وتثبته، وقوله ‏"‏وأبصرته عيناي ‏"‏ زيادة في تحقيق ذلك وأن سماعه منه ليس اعتمادا على الصوت فقط بل مع المشاهدة، وقوله ‏"‏حين تكلم به ‏"‏ أي بالقول المذكور، ويؤخذ من قوله ‏"‏ ووعاه قلبي ‏"‏ أن العقل محله القلب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنه حمد الله‏)‏ هو بيان لقوله تكلم، ويؤخذ منه استحباب الثناء بين يدي تعليم العلم وتبيين الأحكام والخطبة في الأمور المهمة وقد تقدم من رواية ابن إسحاق أنه قال فيها ‏"‏ أما بعد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الله حرم مكة‏)‏ أي حكم بتحريمها وقضاه، وظاهره أن حكم الله تعالى في مكة أن لا يقاتل أهلها ويؤمن من استجار بها ولا يتعرض له، وهو أحد أقوال المفسرين في قوله تعالى ‏(‏ومن دخله كان آمنا‏)‏ وقوله ‏(‏أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا‏)‏ ، وسيأتي بعد باب في حديث ابن عباس بلفظ ‏"‏ هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض‏"‏، ولا معارضة بين هذا وبين قوله الآتي في الجهاد وغيره من حديث أنس ‏"‏ أن إبراهيم حرم مكة ‏"‏ لأن المعنى أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده، أو أن الله قضى يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة، أو المعنى أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس، وكانت قبل ذلك عند الله حراما، أو أول من أظهره بعد الطوفان‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ معناه أن الله حرم مكة ابتداء من غير سبب ينسب لأحد ولا لأحد فيه مدخل قال‏:‏ ولأجل هذا أكد المعنى بقوله ‏"‏ ولم يحرمها الناس ‏"‏ والمراد بقوله ولم يحرمها الناس أن تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل للعقل فيه، أو المراد أنها من محرمات الله فيجب امتثال ذلك، وليس من محرمات الناس يعني في الجاهلية كما حرموا أشياء من عند أنفسهم فلا يسوغ الاجتهاد في تركه‏.‏
وقيل معناه أن حرمتها مستمرة من أول الخلق، وليس مما اختصت به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا يحل الخ‏)‏ فيه تلبيه على الامتثال لأن من آمن بالله لزمته طاعته، ومن آمن باليوم الآخر لزمه امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه خوف الحساب عليه، وقد تعلق به من قال‏:‏ إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، والصحيح عند الأكثر خلافه، وجوابهم بأن المؤمن هو الذي ينقاد للأحكام وينزجر عن المحرمات فجعل الكلام معه وليس فيه نفي ذلك عن غيره‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ الذي أراه أنه من خطاب التهييج، نحو قوله تعالى ‏(‏وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين‏)‏ فالمعنى أن استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه، فهذا هو المقتضي لذكر هذا الوصف، ولو قيل لا يحل لأحد مطلقا لم يحصل منه هذا الغرض وإن أفاد التحريم‏.‏
قوله ‏(‏أن يسفك بها دما‏)‏ تقدم ضبطه في العلم، واستدل به على تحريم القتل والقتال بمكة، وسيأتي البحث فيه بعد باب في الكلام على حديث ابن عباس‏.‏
قوله ‏(‏ولا يعضد بها شجرة‏)‏ أي لا يقطع‏.‏
قال ابن الجوزي‏:‏ أصحاب الحديث يقولون ‏"‏ يعضد ‏"‏ بضم الضاد‏.‏
وقال لنا ابن الخشاب هو بكسرها، والمعضد بكسر أوله الآلة التي يقطع بها‏.‏
قال الخليل‏:‏ المعضد الممتهن من السيوف في قطع الشجر‏.‏
وقال الطبري‏:‏ أصله من عضد الرجل إذا أصابه بسوء في عضده، ووقع في رواية لعمر بن شبة بلفظ ‏"‏ لا يخضد ‏"‏ بالخاء المعجمة بدل العين المهملة، وهو راجع إلى معناه فإن أصل الخضد الكسر ويستعمل في القطع‏.‏
قال القرطبي‏:‏ خص الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما ينبته الله تعالى من غير صنع آدمي، فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه والجمهور عل الجواز‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ في الجميع الجزاء، ورجحه ابن قدامة‏.‏
واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول فقال مالك‏:‏ لا جزاء فيه بل يأثم‏.‏
وقال عطاء‏:‏ يستغفر‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ يؤخذ بقيمته هدي‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ في العظيمة بقرة وفيما دونها شاة‏.‏
واحتج الطبري بالقياس على جزاء الصيد، وتعقبه ابن القصار بأنه كان يلزمه أن يجعل الجزاء على المحرم إذا قطع شيئا من شجر الحل ولا قائل به‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم، إلا أن الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة، كذا نقله أبو ثور عنه، وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها وبهذا قال عطاء ومجاهد وغيرهما، وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذي بطبعه فأشبه الفواسق، ومنعه الجمهور كما سيأتي في حديث ابن عباس بعد باب بلفظ ‏"‏ ولا يعضد شوكه ‏"‏ وصححه المتولي من الشافعية، وأجابوا بأن القياس المذكور في مقابلة النص‏.‏
فلا يعتبر به، حتى ولو لم يرد النص على تحريم الشوك لكان في تحريم قطع الشجر دليل على تحريم قطع الشوك لأن غالب شجر الحرم كذلك، ولقيام الفارق أيضا فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر‏.‏
قال ابن قدامة‏:‏ ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع من الشجر بغير صنع آدمي ولا بما يسقط من الورق نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا‏.‏
قوله ‏(‏فإن أحد‏)‏ هو فاعل بفعل مضمر يفسره ما بعده، وقوله ‏"‏ترخص ‏"‏ مشتق من الرخصة‏.‏
وفي رواية ابن أبي ذئب عند أحمد ‏"‏ فإن ترخص مترخص فقال‏:‏ أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس ‏"‏ وفي مرسل عطاء بن يزيد عند سعيد بن منصور ‏"‏ فلا يستن بي أحد فيقول قتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنما أذن لي‏)‏ بفتح أوله والفاعل الله، ويروي بضمه على البناء للمفعول‏.‏
قوله ‏(‏ساعة من نهار‏)‏ تقدم في العلم أن مقدارها ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر، ولفظ الحديث عند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏"‏ لما فتحت مكة قال‏:‏ كفوا السلاح، إلا خزاعة عن بني بكر‏.‏
فأذن لهم حتى صلى العصر، ثم قال‏:‏ كفوا السلاح، فلقي رجل من خزاعة رجلا من بني بكر من غد بالمزدلفة فقتله، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام خطيبا فقال، ورأيته مسندا ظهره إلى الكعبة ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
ويستفاد منه أن قتل من أذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتلهم - كابن خطل - وقع في الوقت الذي أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم فيه القتال، خلافا لمن حمل قوله ‏"‏ ساعة من النهار ‏"‏ على ظاهره فاحتاج إلى الجواب عن قصة ابن خطل‏.‏
قوله ‏(‏وقد عادت حرمتها‏)‏ أي الحكم الذي في مقابلة إباحة القتال المستفادة من لفظ الإذن‏.‏
وقوله ‏(‏اليوم‏)‏ المراد به الزمن الحاضر، وقد بين غايته في رواية ابن أبي ذئب المذكورة بقوله ‏"‏ ثم هي حرام إلى يوم القيامة‏"‏‏.‏
وكذا في حديث ابن عباس الآتي بعد باب بقوله ‏"‏ فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليبلغ الشاهد الغائب‏)‏ قال ابن جرير‏:‏ فيه دليل على جواز قبول خبر الواحد، لأنه معلوم أن كل من شهد الخطبة قد لزمه الإبلاغ، وأنه لم يأمرهم بإبلاغ الغائب عنهم إلا وهو لازم له فرض العمل بما أبلغه كالذي لزم السامع سواء، وإلا لم يكن للأمر بالتبليغ فائدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقيل لأبي شريح‏)‏ لم أعرف اسم القائل، وظاهر رواية ابن إسحاق أنه بعض قومه من خزاعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يعيذ‏)‏ بالذال المعجمة أى لا يجير ولا يعصم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا فارا‏)‏ بالفاء وتثقيل الراء أي هاربا، والمراد من وجب عليه حد القتل فهرب إلى مكة مستجيرا بالحرم، وهي مسألة خلاف بين العلماء، وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساق الدليل وفي تخصيصه العموم بلا مستند‏.‏
قوله ‏(‏بخربة‏)‏ تقدم تفسيره في العلم، وأشار ابن العربي إلى ضبطه بكسر أوله وبالزاي بدل الراء والتحتانية بدل الموحدة جعله من الخزي، والمعنى صحيح لكن لا تساعد عليه الرواية‏.‏
وأغرب الكرماني لما حكى هذا الوجه فأبدل الخاء المعجمة جيما جعله من الجزية، وذكر الجزية وكذا الذم بعد ذكر العصيان من الخاص بعد العام‏.‏
قوله ‏(‏خربة بلية‏)‏ هو تفسير من الراوي، والظاهر أنه المصنف، فقد وقع في المغازي في آخره ‏"‏ قال أبو عبد الله‏:‏ الخربة البلية ‏"‏ وسبق في العلم في آخره ‏"‏ يعني المسرقة ‏"‏ وهي أحد ما قيل في تأويلها، وأصلها سرقة الإبل ثم استعملت في كل سرقة‏.‏
وعن الخليل‏:‏ الخربة الفساد في الإبل، وقيل العيب، وقيل بضم أوله العورة وقيل الفساد، وبفتحه الفعلة الواحدة من الخرابة وهي السرقة‏.‏
وقد وهم من عد كلام عمرو بن سعيد هذا حديثا واحتج بما تضمنه كلامه‏.‏
قال ابن حزم‏:‏ لا كرامة للطيم الشيطان يكون أعلم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وأغرب ابن بطال فزعم أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو بن سعيد دال على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور، ويعكر عليه ما وقع في رواية أحمد أنه قال في آخره‏:‏ قال أبو شريح فقلت لعمرو قد كنت شاهدا وكنت غائبا‏.‏
وقد أمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا، وقد بلغتك‏.‏
فهذا يشعر بأنه لم يوافقه، وإنما ترك مشاققته لعجزه عنه لما كان فيه من قوة الشوكة‏.‏
وقال ابن بطال أيضا‏:‏ ليس قول عمرو جوابا لأبي شريح، لأنه لم يختلف معه في أن من أصاب حدا في غير الحرم ثم لجأ إليه أنه يجوز إقامة الحد عليه في الحرم، فإن أبا شريح أنكر بعث عمرو الجيش إلى مكة ونصب الحرب عليها فأحسن في استدلاله بالحديث، وحاد عمرو عن جوابه وأجابه عن غير سؤاله‏.‏
وتعقبه الطيبي بأنه لم يحد في جوابه، وإنما أجاب بما يقتضي القول بالموجب كأنه قال له‏:‏ صح سماعك وحفظك، لكن المعنى المراد من الحديث الذي ذكرته خلاف ما فهمته منه، فإن ذلك الترخص كان بسبب الفتح وليس، بسبب قتل من استحق القتل خارج الحرم ثم استجار بالحرم، والذي أنا فيه من القبيل الثاني‏.‏
قلت‏:‏ لكنها دعوى من عمرو بغير دليل، لأن ابن الزبير لم يجب عليه حد فعاذ بالحرم فرارا منه حتى يصح جواب عمرو، نعم كان عمرو يرى وجوب طاعة يزيد الذي استنابه، وكان يزيد أمر ابن الزبير أن يبايع له بالخلافة ويحضر إليه في جامعة يعني مغلولا فامتنع ابن الزبير وعاذ بالحرم فكان يقال له بذلك عائذ الله، وكان عمرو يعتقد أنه عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد ولهذا صدر كلامه بقوله ‏"‏ إن الحرم لا يعيذ عاصيا ‏"‏ ثم ذكر بقية ما ذكر استطرادا، فهذه شبهة عمرو وهي واهية‏.‏
وهذه المسألة التي وقع فيها الاختلاف بين أبي شريح وعمرو فيها اختلاف بين العلماء أيضا كما سيأتي بعد باب في الكلام على حديث ابن عباس‏.‏
وفي حديث أبي شريح من الفوائد غير ما تقدم جواز إخبار المرء عن نفسه بما يقتضى ثقته وضبطه لما سمعه ونحو ذلك، وإنكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر الدين والموعظة بلطف وتدريج، والاقتصار في الإنكار على اللسان إذا لم يستطع باليد، ووقوع التأكيد في الكلام البليغ، وجواز المجادلة في الأمور الدينية، وجواز النسخ، وأن مسائل الاجتهاد لا يكون فيها مجتهد حجة على مجتهد‏.‏
وفيه الخروج عن عهدة التبليغ والصبر على المكاره لمن لا يستطيع بدا من ذلك، وتمسك به من قال‏:‏ إن مكة فتحت عنوة‏.‏
قال النووي‏:‏ تأول من قال فتحت صلحا بأن القتال كان جائزا له لو فعله لكن لم يحتج إليه، وتعقب بأنه خلاف الواقع، وسيأتي البحث فيه في المغازي‏.‏
وقد تقدمت تسمية القاتل والمقتول في قصة أبي شريح في الكلام على حديث أبي هريرة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n162&p1#TOP)باب لَا يُنَفَّرُ صَيْدُ الْحَرَمِ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب لا ينفر صيد الحرم‏)‏ بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة، قيل هو كناية عن الاصطياد، وقل هو على ظاهره كما سيأتي‏.‏
قال النووي‏:‏ يحرم التنفير - وهو الإزعاج - عن موضعه، فإن نفره عصى سواء تلف أو لا، فإن تلف في نفاره قبل سكونه ضمن وإلا فلا‏.‏
قال العلماء‏:‏ يستفاد من النهي عن التنفير تحريم الإتلاف بالأولى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ وَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ وَعَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا هُوَ أَنْ يُنَحِّيَهُ مِنْ الظِّلِّ يَنْزِلُ مَكَانَهُ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو الثقفي، وخالد هو الحذاء‏.‏
قوله ‏(‏إن الله حرم مكة فلم تحل لأحد بعدي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فلا تحل ‏"‏ وهو أليق بقصد الأمر الآتي، وقد ذكره في الباب الذي بعده بلفظ ‏"‏ وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ‏"‏ وهو عند المصنف في أوائل البيع من طريق خالد الطحان عن خالد الحذاء بلفظ ‏"‏ فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ‏"‏ ومثله لأحمد من طريق وهيب عن خالد‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ ولا تحل لأحد بعدي ‏"‏ الإخبار عن الحكم في ذلك لا الإخبار بما سيقع لوقوع خلاف ذلك في الشاهد كما وقع من الحجاج وغيره‏.‏
انتهى‏.‏
ومحصله أنه خبر بمعنى النهي، بخلاف قوله ‏"‏ فلم تحل لأحد قبلي ‏"‏ فإنه خبر محض، أو معنى قوله ‏"‏ ولا تحل لأحد بعدي ‏"‏ أي لا يحلها الله بعدي، لأن النسخ ينقطع بعده لكونه خاتم النبيين‏.‏
قوله ‏(‏وعن خالد‏)‏ هو بالإسناد المذكور، وسيأتي في أوائل البيوع بأوضح مما هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هل تدري ما لا ينفر صيدها الخ‏)‏ قيل نبه عكرمة بذلك على المنع من الإتلاف وسائر أنواع الأذى تنبيها بالأدنى على الأعلى، وقد خالف عكرمة عطاء ومجاهد فقالا‏:‏ لا بأس بطرده ما لم يفض إلى قتله‏.‏
أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏
وروى ابن أبي شيبه أيضا من طريق الحكم عن شيخ من أهل مكة أن حماما كان على البيت فذرق على يد عمر، فأشار عمر بيده فطار فوقع على بعض بيوت مكة، فجاءت حية فأكلته، فحكم عمر على نفسه بشاة‏.‏
وروى من طريق أخرى عن عثمان نحوه‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:06 PM
باب لَا يَحِلُّ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ وَقَالَ أَبُو شُرَيْحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْفِكُ بِهَا دَمًا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب لا يحل القتال بمكة‏)‏ هكذا ترجم بلفظ القتال، وهو الواقع في حديث الباب، ووقع عند مسلم في رواية كذلك، وفي أخرى بلفظ ‏"‏ القتل ‏"‏ بدل القتال، وللعلماء في كل منهما اختلاف سنذكره‏.‏
قوله ‏(‏وقال أبو شريح الخ‏)‏ تقدم موصولا قبل باب، ووجه الاستدلال به لتحريم القتال من جهة أن القتال يفضي إلى القتل، فقد ورد تحريم سفك الدم بها بلفظ النكرة في سياق النفي فيعم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا قَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ قَالَ قَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏عن مجاهد عن طاوس‏)‏ كذا رواه منصور موصولا، وخالفه الأعمش فرواه عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عنه، وأخرجه أيضا عن سفيان عن داود بن شابور عن مجاهد مرسلا، ومنصور ثقة حافظ فالحكم لوصله‏.‏
قوله ‏(‏يوم افتتح مكة‏)‏ هو ظرف للقول المذكور‏.‏
قوله ‏(‏لا هجرة‏)‏ أي بعد الفتح، وأفصح بذلك في رواية علي بن المديني عن جرير في كتاب الجهاد قوله ‏(‏ولكن جهاد ونية‏)‏ المعنى أن وجوب الهجرة من مكة انقطع بفتحها إذ صارت دار إسلام، ولكن بقي وجوب الجهاد على حاله عند الاحتياج إليه، وفسره بقوله‏:‏ ‏(‏فإذا استنفرتم فانفروا‏)‏ أي إذا دعيتم إلى الغزو فأجيبوا‏.‏
قال الطيبي‏:‏ قوله ‏"‏ ولكن جهاد ‏"‏ عطف على مدخول ‏"‏ لا هجرة ‏"‏ أي الهجرة إما فرارا من الكفار وإما إلى الجهاد وإما إلى نحو طلب العلم، وقد انقطعت الأولى فاغتنموا الأخيرتين، وتضمن الحديث بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم بأن مكة تستمر دار إسلام، وسيأتي البحث في ذلك مستوفي في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن هذا بلد حرم‏)‏ الفاء جواب بشرط محذوف تقديره إذا علمتم ذلك فاعلموا أن هذا بلد حرام، وكأن وجه المناسبة أنه لما كان نصب القتال عليه حراما كان التنفير يقع منه لا إليه، ولما روى مسلم هذا الحديث عن إسحاق عن جرير فصل الكلام الأول من الثاني بقوله ‏"‏ وقال يوم الفتح إن الله حرم الخ ‏"‏ فجعله حديثا آخر مستقلا، وهو مقتضى صنيع من اقتصر على الكلام الأول كعلي بن المديني عن جرير كما سيأتي في الجهاد‏.‏
قوله ‏(‏حرمه الله‏)‏ سبق مشروحا في حديث أبي شريح، ووقع في رواية غير الكشميهني ‏"‏ حرم الله ‏"‏ بحذف الهاء‏.‏
قوله ‏(‏وهو حرام بحرمة الله‏)‏ أي بتحريمه، وقيل الحرمة الحق أى حرام بالحق المانع من تحليله، واستدل به على تحريم القتل والقتال بالحرم، فأما القتل فنقل بعضهم الاتفاق على جواز إقامة حد القتل فيها على من أوقعه فيها، وخص الخلاف بمن قتل في الحل ثم لجأ إلى الحرم، وممن نقل الإجماع على ذلك ابن الجوزي، واحتج بعضهم بقتل ابن خطل بها، ولا حجة فيه لأن ذلك كان في الوقت الذي أحلت فيه للنبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وزعم ابن حزم أن مقتضى قول ابن عمر وابن عباس وغيرهما أنه لا يجوز القتل فيها مطلقا، ونقل التفصيل عن مجاهد وعطاء‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يقتل في الحرم حتى يخرج إلى الحل باختياره، لكن لا يجالس ولا يكلم، ويوعظ ويذكر حتى يخرج‏.‏
وقال أبو يوسف‏:‏ يخرج مضطرا إلى الحل، وفعله ابن الزبير، وروى ابن أبي شيبة من طريق طاوس عن ابن عباس ‏"‏ من أصاب حدا ثم دخل الحرم لم يجالس ولم يبايع ‏"‏ وعن مالك والشافعي‏:‏ يجوز إقامة الحد مطلقا فيها، لأن العاصي هتك حرمة نفسه فأبطل ما جعل الله له من الأمن، وأما القتال فقال الماوردي‏:‏ من خصائص مكة أن لا يحارب أهلها، فلو بغوا على أهل العدل فإن أمكن ردهم بغير قتال لم يجز، وإن لم يمكن إلا بالقتال فقال الجمهور يقاتلون لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى فلا يجوز إضاعتها‏.‏
وقال آخرون‏:‏ لا يجوز قتالهم بل يضيق عليهم إلى أن يرجعوا إلى الطاعة‏.‏
قال النووي‏:‏ والأول نص عليه الشافعي، وأجاب أصحابه عن الحديث بحمله على تحريم نصب القتال بما يعم أذاه كالمنجنيق، بخلاف ما لو تحصن الكفار في بلد فإنه يجوز قتالهم على كل وجه‏.‏
وعن الشافعي قول آخر بالتحريم اختاره القفال وجزم به في ‏"‏ شرح التلخيص ‏"‏ وقال به جماعة من علماء الشافعية والمالكية‏.‏
قال الطبري‏:‏ من أتي حدا في الحل واستجار بالحرم فللإمام إلجاؤه إلى الخروج منه، وليس للإمام أن ينصب عليه الحرب بل يحاصره ويضيق عليه حتى يذعن للطاعة، لقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ‏"‏ فعلم أنها لا تحل لأحد بعده بالمعنى الذي حلت له به وهو محاربة أهلها والقتل فيها‏.‏
ومال ابن العربي إلى هذا‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ قد أكد النبي التحريم بقوله ‏"‏ حرمه الله ‏"‏ ثم قال ‏"‏ فهو حرام بحرمة الله ‏"‏ ثم قال ‏"‏ ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ‏"‏ وكان إذا أراد التأكيد ذكر الشيء ثلاثا‏.‏
قال فهذا نص لا يحتمل التأويل‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ ظاهر الحديث يقتضي تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالقتال لاعتذاره عما أبيح له من ذلك مع أن أهل مكة كانوا إذ ذاك مستحقين للقتال والقتل لصدهم عن المسجد الحرام وإخراجهم أهله منه وكفرهم، وهذا الذي فهمه أبو شريح كما تقدم‏.‏
وقال به غير واحد من أهل العلم‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ يتأكد القول بالتحريم بأن الحديث دال على أن المأذون للنبي صلى الله عليه وسلم فيه لم يؤذن لغيره فيه، والذي وقع له إنما هو مطلق القتال لا القتال الخاص بما يعم كالمنجنيق فكيف يسوغ التأويل المذكور‏؟‏ وأيضا فسياق الحديث يدل على أن التحريم لإظهار حرمة البقعة بتحريم سفك الدماء فيها، وذلك لا يختص بما يستأصل، واستدل به على اشتراط الإحرام على من دخل الحرم‏.‏
قال القرطبي‏:‏ معنى قوله حرمه الله أي يحرم على غير المحرم دخوله حتى يحرم، ويجرى هذا مجرى قوله تعالى ‏(‏حرمت عليكم أمهاتكم‏)‏ أي وطؤهن، و ‏(‏حرمت عليكم الميتة‏)‏ أي أكلها، فعرف الاستعمال يدل على تعيين المحذوف‏.‏
قال‏:‏ وقد دل على صحة هذا المعنى اعتذاره عن دخوله مكة غير محرم مقاتلا بقوله ‏"‏ لم تحل لي إلا ساعة من نهار ‏"‏ الحديث‏.‏
قال‏:‏ وبهذا أخذ مالك والشافعي في أحد قوليهما ومن تبعهما في ذلك فقالوا‏:‏ لا يجوز لأحد أن يدخل مكة إلا محرما، إلا إذا كان ممن يكتر التكرار‏.‏
قلت‏:‏ وسيأتي بسط القول في ذلك بعد سبعة أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنه لا يحل القتال‏)‏ الهاء في ‏"‏ أنه ‏"‏ ضمير الشأن، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ لم يحل ‏"‏ بلفظ ‏"‏ لم ‏"‏ بدل ‏"‏ لا ‏"‏ وهي أشبه لقوله قبلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يعضد شوكه‏)‏ تقدم البحث فيه في حديث أبي شريح‏.‏
قوله ‏(‏ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها‏)‏ سيأتي البحث فيه في كتاب اللقطة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله ‏(‏ولا يختلي خلاها‏)‏ بالخاء المعجمة، والخلا مقصور، وذكر ابن التين أنه وقع في رواية القابسي بالمد وهو الرطب من النبات واختلاؤه قطعه واحتشاشه، واستدل به على تحريم رعيه لكونه أشد من الاحتشاش، وبه قال مالك والكوفيون واختاره الطبري‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ لا بأس بالرعي لمصلحة البهائم وهو عمل الناس، بخلاف الاحتشاش فإنه المنهي عنه فلا يتعدى ذلك إلى غيره‏.‏
وفي تخصيص التحريم بالرطب إشارة إلى جواز رعي اليابس واختلائه، وهو أصح الوجهين للشافعية لأن النبت اليابس كالصيد الميت‏.‏
قال ابن قدامة‏:‏ لكن في استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس من الحشيش، ويدل عليه أن في بعض طرق حديث أبى هريرة ‏"‏ ولا يحتش حشيشها ‏"‏ قال وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم فلا بأس برعيه واختلائه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال العباس‏)‏ أي ابن عبد المطلب كما وقع مبينا في المغازي من وجه آخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا الإذخر‏)‏ يجوز فيه الرفع والنصب، أما الرفع فعلى البدل مما قبله، وأما النصب فلكونه استثناء واقعا بعد النفي‏.‏
وقال ابن مالك‏:‏ المختار النصب لكون الاستثئناء وقع متراخيا عن المستثني منه فبعدت المشاكلة بالبدلية، ولكون الاستثناء أيضا عرض في آخر الكلام ولم يكن مقصودا‏.‏
والإذخر‏:‏ نبت معروف عند أهل مكة طيب الريح له أصل مندفن وقضبان دقاق ينبت في السهل والحزن، وبالمغرب صنف منه فيما قاله ابن البيطار، قال‏:‏ والذي بمكة أجوده، وأهل مكة يسقفون به البيوت بين الخشب ويسدون به الخلل بين اللبنات في القبور ويستعملونه بدلا من الحلفاء في الوقود، ولهذا قال العباس ‏"‏ فإنه لقينهم ‏"‏ وهو بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون أي الحداد‏.‏
وقال الطبري‏:‏ القين عند العرب كل ذي صناعة يعالجها بنفسه، ووقع في رواية المغازي ‏"‏ فإنه لا بد منه للقين والبيوت ‏"‏ وفي الرواية التي في الباب قبله ‏"‏ فإنه لصاغتنا وقبورنا ‏"‏ ووقع في مرسل مجاهد عند عمر بن شبة الجمع بين الثلاثة، ووقع عنده أيضا ‏"‏ فقال العباس‏:‏ يا رسول الله، إن أهل مكة لا صبر لهم عن الإذخر لقينهم وبيوتهم ‏"‏ وهذا يدل على أن الاستثناء في حديث الباب لم يرد به أن يستثني هو وإنما أراد به أن يلقن النبي صلى الله عليه وسلم الاستثناء، وقوله صلى الله عليه وسلم في جوابه ‏"‏ إلا الإذخر ‏"‏ هو استثناء بعض من كل لدخول الإذخر في عموم ما يختلي‏.‏
واستدل به على جواز النسخ قبل الفعل وليس بواضح، وعلى جواز الفصل بين المستثني والمستثنى منه، ومذهب الجمهور اشتراط الاتصال إما لفظا إما حكما لجواز الفصل بالتنفس مثلا، وقد اشتهر عن ابن عباس الجواز مطلقا، ويمكن أن يحتج له بظاهر هذه القصة‏.‏
وأجابوا عن ذلك بأن هذا الاستثناء في حكم المتصل لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يقول إلا الإذخر فشغله العباس بكلامه فوصل كلامه بكلام نفسه فقال‏:‏ إلا الإذخر، وقد قال ابن مالك‏:‏ يجوز الفصل مع إضمار الاستثناء متصلا بالمستثني منه، واختلفوا هل كان قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إلا الإذخر ‏"‏ باجتهاد أو وحي‏؟‏ وقيل كان الله فوض له الحكم في هذه المسألة مطلقا، وقيل أوحى إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء من ذلك فأجب سؤاله‏.‏
وقال الطبري‏:‏ ساغ للعباس أن يستثنى الإذخر لأنه احتمل عنده أن يكون المراد بتحريم مكة تحريم القتال دون ما ذكر من تحريم الاختلاء فإنه من تحريم الرسول باجتهاده فساغ له أن يسأله استثناء الإذخر، وهذا مبني على أن الرسول كان له أن يجتهد في الأحكام، وليس ما قاله بلازم بل في تقريره صلى الله عليه وسلم للعباس على ذلك دليل على جواز تخصيص العام، وحكى ابن بطال عن المهلب أن الاستثناء هنا للضرورة كتحليل أكل الميتة عند الضرورة، وقد بين العباس ذلك بأن الإذخر لا غنى لأهل مكة عنه‏.‏
وتعقبه ابن المنير بأن الذي يباح للضرورة يشترط حصولها فيه، فلو كان الإذخر مثل الميتة لامتنع استعماله إلا فيمن تحققت ضرورته إليه، والإجماع على أنه مباح مطلقا بغير قيد الضرورة‏.‏
انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون مراد المهلب بأن أصل إباحته كانت للضرورة وسببها، لا أنه يريد أنه مقيد بها‏.‏
قال ابن المنير‏:‏ والحق أن سؤال العباس كان على معنى الضراعة، وترخيص النبي صلى الله عليه وسلم كان تبليغا عن الله إما بطريق الإلهام أو بطريق الوحي، ومن ادعى أن نزول الوحي يحتاج إلى أمد متسع فقد وهم‏.‏
وفي الحديث بيان خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكر في الحديث، وجواز مراجعة العالم في المصالح الشرعية، والمبادرة إلى ذلك في المجامع والمشاهد، وعظيم منزلة العباس عند النبي صلى الله عليه وسلم، وعنايته بأمر مكة لكونه كان بها أصله ومنشؤه، وفيه رفع وجوب الهجرة عن مكة إلى المدينة، وإبقاء حكمها من بلاد الكفر إلى يوم القيامة، وأن الجهاد يشترط أن يقصد به الإخلاص ووجوب النفير مع الأئمة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n162&p1#TOP)باب الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ
وَكَوَى ابْنُ عُمَرَ ابْنَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَيَتَدَاوَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الحجامة للمحرم‏)‏ أي هل يمنع منها أو تباح له مطلقا أو للضرورة‏؟‏ والمراد في ذلك كله المحجوم لا الحاجم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكوى ابن عمر ابنه وهو محرم‏)‏ هذا الابن اسمه واقد، وصل ذلك سعيد بن منصور من طريق مجاهد قال ‏"‏ أصاب واقد بن عبد الله بن عمر برسام في الطريق وهو متوجه إلى مكة فكواه ابن عمر ‏"‏ فأبان أن ذلك كان للضرورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويتداوى ما لم يكن فيه طيب‏)‏ هذا من تتمة الترجمة، وليس في أثر ابن عمر كما ترى‏.‏
وأما قول الكرماني‏:‏ فاعل ‏"‏ يتداوى ‏"‏ إما المحرم وإما ابن عمر فكلام من لم يقف على أثر ابن عمر، وقد سبق في أوائل الحج في ‏"‏ باب الطيب عند الإحرام ‏"‏ قول ابن عباس ‏"‏ ويتداوى بما يأكل ‏"‏ وهو موافق لهذا، والجامع بين هذا وبين الحجامة عموم التداوي‏.‏
وروى الطبري من طريق الحسن قال ‏"‏ إن أصاب المحرم شجة فلا بأس بأن يأخذ ما حولها من الشعر ثم يداويها بما ليس فيه طيب‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ لَنَا عَمْرٌو أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ حَدَّثَنِي طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لنا عمرو أول شيء‏)‏ أي أول مرة، في رواية الحميدي عن سفيان ‏"‏ حدثنا عمرو وهو ابن دينار ‏"‏ أخرجه أبو نعيم وأبو عوانة من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم سمعته‏)‏ هو مقول سفيان والضمير لعمرو، وكذا قوله ‏"‏ فقلت لعله سمعه ‏"‏ وقد بين ذلك الحميدي عن سفيان فقال‏:‏ حدثنا بهذا الحديث عمرو مرتين فذكره، لكن قال‏:‏ فلا أدري أسمعه منهما أو كانت إحدى الروايتين وهما، زاد أبو عوانة‏:‏ قال سفيان‏:‏ ذكر لي أنه سمعه منهما جميعا‏.‏
وأخرجه ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة نحو رواية علي بن عبد الله وقال في آخره‏:‏ فظننت أنه رواه عنهما جميعا‏.‏
وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق سليمان بن أيوب عن سفيان قال عن عمرو عن عطاء فذكره‏.‏
قال‏:‏ ثم حدثنا عمرو عن طاوس به، فقلت لعمرو‏:‏ إنما كنت حدثتنا عن عطاء، قال‏:‏ اسكت يا صبي، لم أغلط، كلاهما حدثني‏.‏
قلت‏:‏ فإن كان هذا محفوظا فلعل سفيان تردد في كون عمرو سمعه منهما لما خشي من كون ذلك صدر منه حالة الغضب، على أنه قد حدث به فجمعهما‏.‏
قال أحمد في مسنده‏:‏ حدثنا سفيان قال‏:‏ قال عمرو أولا فحفظناه‏:‏ قال طاوس عن ابن عباس فذكره‏.‏
فقال أحمد‏:‏ وقد حدثنا به سفيان فقال‏:‏ قال عمرو عن عطاء وطاوس عن ابن عباس‏.‏
قلت‏:‏ وكذا جمعهما عن سفيان مسدد عند المصنف في الطب، وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو خيثمة وإسحاق بن راهويه عند مسلم، وقتيبة عند الترمذي والنسائي‏.‏
وتابع سفيان على روايته له عن عمرو لكن عن طاوس وحده زكريا بن إسحاق، أخرجه أحمد وأبو عوانة وابن خزيمة والحاكم، وله أصل عن عطاء أيضا، أخرجه أحمد والنسائي من طريق الليث عن أبي الزبير، ومن طريق ابن جريج كلاهما عنه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ زعم الكرماني أن مراد البخاري بالسياق المذكور أن عمرا حدث به سفيان أولا عن عطاء عن ابن عباس بغير واسطة، ثم حدثه به ثانيا عن عطاء بواسطة طاوس‏.‏
قلت‏:‏ وهو كلام من لم يقف على طريق مسدد التي في الكتاب الذي شرح فيه فضلا عن بقية الطرق التي ذكرناها، ولا تعرف مع ذلك لعطاء عن طاوس رواية أصلا، والله المستعان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو محرم‏)‏ زاد ابن جريج عن عطاء ‏"‏ صائم ‏"‏ ‏(‏بلحي جمل‏)‏ وزاد زكريا ‏"‏ على رأسه ‏"‏ وستأتي رواية عكرمة في الصوم، وهذه الزيادات موافقة لحديث ابن بحينة ثاني حديثي الباب دون ذكر الصيام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن علقمة بن أبي علقمة‏)‏ في رواية النسائي من طريق محمد بن خالد عن سليمان ‏"‏ أخبرني علقمة ‏"‏ واسم أبي علقمة بلال، وهو مدني تابعي صغير سمع أنسا، وهو علقمة بن أم علقمة واسمها مرجانة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن الأعرج عن ابن بحينة‏)‏ في رواية المصنف في الطب عن إسماعيل - وهو ابن أبي أويس - عن سليمان عن علقمة أنه سمع عبد الرحمن الأعرج أنه سمع عبد الله بن بحينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بلحي جمل‏)‏ بفتح اللام وحكى كسرها وسكون المهملة وبفتح الجيم والميم‏:‏ موضع بطريق مكة‏.‏
وقد وقع مبينا في رواية إسماعيل المذكورة ‏"‏ بلحي حمل من طريق مكة ‏"‏ ذكر البكري في معجمه في رسم العقيق قال‏:‏ هي بئر جمل التي ورد ذكرها في حديث أبي جهم، يعني الماضي في التيمم‏.‏
وقال غيره‏:‏ هي عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا‏.‏
ووقع في رواية أبي ذر ‏"‏ بلحي جمل ‏"‏ بصيغة التثنية، ولغيره بالإفراد‏.‏
ووهم من ظنه فكي الجمل الحيوان المعروف وأنه كان آلة الحجم، وجزم الحازمي وغيره بأن ذلك كان في حجة الوداع، وسيأتي البحث في أنه هل كان صائما في كتاب الصيام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في وسط‏)‏ بفتح المهملة أي متوسطه، وهو ما فوق اليافوخ فيما بين أعلى القرنين‏.‏
قال الليث‏:‏ كانت هذه الحجامة في فأس الرأس، وأما التي في أعلاه فلا لأنها ربما أعمت، وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب الطب إن شاء الله تعالى‏.‏
قال النووي‏:‏ إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام لقطع الشعر، وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور، وكرهها مالك‏.‏
وعن الحسن فيها الفدية وإن لم يقطع شعرا‏.‏
وإن كان لضرورة جاز قطع الشعر وتجب الفدية‏.‏
وخص أهل الظاهر الفدية بشعر الرأس‏.‏
قال الداودي‏:‏ إذا أمكن مسك المحاجم بغير حلق لم يجز الحلق‏.‏
واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد وبط الجرح والدمل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهى عنه المحرم من تناول الطيب وقطع الشعر، ولا فدية عليه في شيء من ذلك، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n162&p1#TOP)باب تَزْوِيجِ الْمُحْرِمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب تزويج المحرم‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس في تزويج ميمونة، وظاهر صنيعه أنه لم يثبت عنده النهي عن ذلك، ولا أن ذلك من الخصائص، وقد ترجم في النكاح ‏"‏ باب نكاح المحرم ‏"‏ ولم يزد على إيراد هذا الحديث، ومراده بالنكاح التزويج للإجماع على إفساد الحج والعمرة بالجماع‏.‏
وقد اختلف في تزويج ميمونة، فالمشهور عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم، وصح نحوه عن عائشة وأبي هريرة، وجاء عن ميمونة نفسها أنه كان حلالا، وعن أبي رافع مثله وأنه كان الرسول إليها، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفي في ‏"‏ باب عمرة القضاء ‏"‏ من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏
اختلف العلماء في هذه المسألة، فالجمهور على المنع لحديث عثمان ‏"‏ لا ينكح المحرم ولا ينكح ‏"‏ أخرجه مسلم، وأجابوا عن حديث ميمونة بأنه اختلف في الواقعة كيف كانت ولا تقوم بها الحجة، ولأنها تحتمل الخصوصية، فكان الحديث في النهي عن ذلك أولى بأن يؤخذ به‏.‏
وقال عطاء وعكرمة وأهل الكوفة‏:‏ يجوز للمحرم أن يتزوج كما يجوز له أن يشتري الجارية للوطء، وتعقب بأنه قياس في معارضة السنة فلا يعتبر به‏.‏
وأما تأويلهم حديث عثمان بأن المراد به الوطء فمتعقب بالتصريح فيه بقوله ‏"‏ ولا ينكح ‏"‏ بضم أوله، وبقوله فيه ‏"‏ ولا يخطب‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n162&p1#TOP)باب مَا يُنْهَى مِنْ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَا تَلْبَسْ الْمُحْرِمَةُ ثَوْبًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ينهى‏)‏ أي عنه ‏(‏من الطيب للمحرم والمحرمة‏)‏ أي أنهما في ذلك سواء، ولم يختلف العلماء في ذلك، وإنما اختلفوا في أشياء هل تعد طيبا أو لا‏؟‏ والحكمة في منع المحرم من الطيب أنه من دواعي الجماع ومقدماته التي تفسد الإحرام، وبأنه ينافي حال المحرم فإن المحرم أشعث أغبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة‏:‏ لا تلبس المحرمة ثوبا بورس أو زعفران‏)‏ وصله البيهقي من طريق معاذ عن عائشة قالت ‏"‏ المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران، ولا تبرقع ولا تلثم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت ‏"‏ وقد تقدم في أوائل الباب أن المرأة كالرجل في منع الطيب إجماعا‏.‏
وروى أحمد وأبو داود والحاكم أصل حديث الباب من طريق ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب ‏"‏ ثم أورد المصنف حديث ابن عمر ‏"‏ قام رجل فقال‏:‏ يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس‏؟‏ ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد تقدم في أوائل الحج مع سائر مباحثه في ‏"‏ باب ما يلبس المحرم من الثياب ‏"‏ وزاد فيه هنا ‏"‏ ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين ‏"‏ وذكر الاختلاف في رفع هذه الزيادة ووقفها، وسأبين ما في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا الْبَرَانِسَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الْوَرْسُ وَلَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ وَجُوَيْرِيَةُ وَابْنُ إِسْحَاقَ فِي النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَلَا وَرْسٌ وَكَانَ يَقُولُ لَا تَتَنَقَّبْ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا تَتَنَقَّبْ الْمُحْرِمَةُ وَتَابَعَهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه موسى بن عقبة‏)‏ وصله النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عنه عن نافع في آخر الزيادة المذكورة قبل‏.‏
قوله ‏(‏وإسماعيل بن إبراهيم‏)‏ أي ابن عقبة، وهو ابن أخي موسى المذكور قبله، وقد رويناه من طريقه موصولا في ‏"‏ فوائد علي بن محمد المصري ‏"‏ من رواية السلفي عن الثقفي عن ابن بشران عنه عن يوسف بن يزيد عن يعقوب بن أبي عباد عن إسماعيل عن نافع به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجويرية‏)‏ أى ابن أسماء، وصله أبو يعلى عن عبد الله بن محمد بن أسماء عنه عن نافع وفيه الزيادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وابن إسحاق‏)‏ وصله أحمد وغيره كما تقدم في أول الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في النقاب والقفازين‏)‏ أي في ذكرهما في الحديث المرفوع‏.‏
والقفاز بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي‏:‏ ما تلبسه المرأة في يدها فيغطي أصابعها وكفيها عند معاناة الشيء كغزل ونحوه، وهو لليد كالخف للرجل‏.‏
والنقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر، وظاهره اختصاص ذلك بالمرأة، ولكن الرجل في القفاز مثلها لكونه في معنى الخف فإن كلا منهما محيط بجزء من البدن، وأما النقاب فلا يحرم على الرجل من جهة الإحرام لأنه لا يحرم عليه تغطية وجهه على الراجح كما سيأتي الكلام عليه في حديث ابن عباس في هذا الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبيد الله‏)‏ يعني ابن عمر العمري ‏(‏ولا ورس‏)‏ وكان يقول ‏"‏ لا تتنقب المحرمة ولا تلبس القفازين ‏"‏ يعني أن عبيد الله المذكور خالف المذكورين قبل في رواية هذا الحديث عن نافع فوافقهم على رفعه إلى قوله ‏"‏ زعفران ولا ورس ‏"‏ وفصل بقية الحديث فجعله من قول ابن عمر‏.‏
وهذا التعليق عن عبيد الله وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن محمد بن بشر وحماد بن مسعدة وابن خزيمة من طريق بشر ابن المفضل ثلاثتهم عن عبيد الله بن عمر عن نافع فساق الحديث إلى قوله ‏"‏ ولا ورس ‏"‏ قالا‏:‏ وكان عبد الله - يعني ابن عمر - يقول ‏"‏ ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ‏"‏ ورواه يحيى القطان عند النسائي وحفص ابن غياث عند الدار قطني كلاهما عن عبيد الله فاقتصر على المتفق على رفعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مالك الخ‏)‏ هو في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ كما قال، والغرض أن مالكا اقتصر على الموقوف فقط، وفي ذلك تقوية لرواية عبيد الله وظهر الإدراج في رواية غيره‏.‏
وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم بالإدراج في هذا الحديث لورود النهي عن النقاب والقفاز مفردا مرفوعا وللابتداء بالنهي عنهما في رواية ابن إسحاق المرفوعة المقدم ذكرها وقال في ‏"‏ الاقتراح ‏"‏‏:‏ دعوى الإدراج في أول المتن ضعيفة‏.‏
وأجيب بأن الثقات إذا اختلفوا وكان مع أحدهم زيادة قدمت ولا سيما إن كان حافظا ولا سيما إن كان أحفظ، والأمر هنا كذلك فإن عبيد الله بن عمر في نافع أحفظ من جميع من خالفه وفد فصل المرفوع من الموقوف، وأما الذي اقتصر على الموقوف فرفعه فقد شذ بذلك وهو ضعيف، وأما الذي ابتدأ في المرفوع بالموقوف فإنه من التصرف في الرواية بالمعنى، وكأنه رأى أشياء متعاطفة فقدم وأخر لجواز ذلك عنده، ومع الذي فصل زيادة علم فهو أولى، أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي‏"‏‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ فإن قلت فلم قال بلفظ ‏"‏ قال ‏"‏ وثانيا بلفظ‏.‏
‏"‏ كان يقول ‏"‏‏؟‏ قلت لعله قال ذلك مرة وهذا كان بقوله دائما مكررا، والفرق بين المرويين إما من جهة حذف المرأة وإما من جهة أن الأول بلفظ ‏"‏ لا تتنقب ‏"‏ من التفعل والثاني من الافتعال، وإما من جهة أن الثاني بضم الباء على سبيل النفي لا غير والأول بالضم والكسر نفيا ونهيا‏.‏
انتهى كلامه ولا يخفى تكلفه‏.‏
قوله ‏(‏وتابعه ليث بن أبي سليم‏)‏ أي تابع مالكا في وقفه، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة من طريق فضيل بن غزوان عن نافع موقوفا علي ابن عمر‏.‏
ومعنى قوله ‏"‏ ولا تنتقب ‏"‏ أي لا تستر وجهها كما تقدم‏.‏
واختلف العلماء في ذلك فمنعه الجمهور وأجازه الحنفية وهو رواية عند الشافعية والمالكية، ولم يختلفوا في منعها من ستر وجهها وكفيها بما سوى النقاب والقفازين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر، والحكم هو ابن عتيبة‏.‏
قوله ‏(‏وقصت‏)‏ بفتح القاف والصاد المهملة تقدم تفسيره في ‏"‏ باب كفن المحرم ‏"‏ ويأتي في ‏"‏ باب المحرم يموت بعرفة ‏"‏ بيان اختلاف في هذه اللفظة، والمراد هنا قوله ‏"‏ ولا تقربوه طينا ‏"‏ وهي بتشديد الراء، وسيأتي قريبا بلفظ ‏"‏ ولا تحنطوه ‏"‏ وهو من الحنوط بالمهملة والنون وهو الطيب الذي يصنع للميت‏.‏
وقوله ‏(‏يبعث ملبيا‏)‏ أي على هيئته التي مات عليها‏.‏
واستدل بذلك على بقاء إحرامه خلافا للمالكية والحنفية، وقد تمسكوا من هذا الحديث بلفظة اختلف في ثبوتها وهي قوله ‏"‏ ولا تخمروا وجهه ‏"‏ فقالوا‏:‏ لا يجوز للمحرم تغطية وجهه، مع أنهم لا يقولون بظاهر هذا الحديث فيمن مات محرما، وأما الجمهور فأخذوا بظاهر الحديث وقالوا‏:‏ إن في ثبوت ذكر الوجه مقالا، وتردد ابن المنذر في صحة‏.‏
وقال البيهقي‏:‏ ذكر الوجه غريب وهو وهم من بعض رواته، وفي كل ذلك نظر فإن الحديث ظاهره الصحة ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل عن منصور وأبي الزبير كلاهما سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر الحديث‏.‏
قال منصور ‏"‏ ولا تغطوا وجهه ‏"‏ وقال أبو الزبير ‏"‏ ولا تكشفوا وجهه ‏"‏ وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ ‏"‏ ولا تخمروا وجهه ولا رأسه ‏"‏ وأخرجه مسلم أيضا من حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير بلفظ ‏"‏ ولا يمس طيبا خارج رأسه ‏"‏ قال شعبة‏:‏ ثم حدثني به بعد ذلك فقال ‏"‏ خارج رأسه ووجهه ‏"‏ انتهى‏.‏
وهذه الرواية تتعلق بالتطيب لا بالكشف والتغطية، وشعبة احفظ من كل من روى هذا الحديث، فلعل بعض رواته انتقل ذهنه من التطيب إلى التغطية‏.‏
وقال أهل الظاهر‏:‏ يجوز للمحرم الحي تغطية وجهه ولا يجوز للمحرم الذي يموت عملا بالظاهر في الموضعين‏.‏
وقال آخرون‏:‏ هي واقعة عين لا عموم فيها لأنه علل ذلك بقوله ‏"‏ لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا ‏"‏ وهذا الأمر لا يتحقق وجوده في غيره فيكون خاصا بدلك الرجل؛ ولو استمر بقاؤه على إحرامه لأمر بقضاء مناسكه، وسيأتي ترجمة المصنف بنفي‏.‏
وقال أبو الحسن بن القصار‏:‏ لو أريد تعميم الحكم في كل محرم لقال ‏"‏ فإن المحرم ‏"‏ كما جاء ‏"‏ أن الشهيد يبعث وجرحه يثعب دما‏"‏، وأجيب بأن الحديث ظاهر في أن العلة في الأمر المذكور كونه كان في النسك وهي عامة في كل محرم، والأصل أن كل ما ثبت لواحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت لغيره حتى يتضح التخصيص‏.‏
واختلف في الصائم بموت هل يبطل صومه بالموت حتى يجب قضاء صوم ذلك اليوم عنه أو لا يبطل‏؟‏ وقال النووي‏:‏ يتأول هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس لكون المحرم لا يجوز تغطية وجهه بل هو صيانة للرأس، فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطي رأسه ا ه‏.‏
وروى سعيد بن منصور من طريق عطاء قال‏:‏ يغطي المحرم من وجهه ما دون الحاجبين أي من أعلى‏.‏
وفي رواية‏:‏ ما دون عينيه‏.‏
وكأنه أراد مزيد الاحتياط لكشف الرأس، والله أعلم‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ كان وقوع المحرم المذكور عند الصخرات من عرفة‏.‏
وفي الحديث إطلاق الواقف على الراكب، واستحباب دوام التلبية في الإحرام، وأنها لا تنقطع بالتوجه لعرفة، وجواز غسل المحرم بالسدر ونحوه مما لا يعد طيبا‏.‏
وحكى المزني عن الشافعي أنه استدل على جواز قطع سدر الحرم بهذا الحديث لقوله فيه ‏"‏ واغسلوه بماء وسدر ‏"‏ والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم أقف في شيء من طرق هذا الحديث على تسمية المحرم المذكور، وقد وهم بعض المتأخرين فزعم أن اسمه واقد بن عبد الله وعزاه لابن قتيبة في ترجمة عمر من كتاب المغازي، وسبب الوهم أن ابن قتيبة لما ذكر ترجمة عمر ذكر أولاده ومنهم عبد الله بن عمر، ثم ذكر أولاد عبد الله بن عمر فذكر فيهم واقد بن عبد الله بن عمر فقال‏:‏ وقع عن بعيره وهو محرم فهلك، فظن هذا المتأخر أن لواقد بن عبد الله ابن عمر صحبة وأنه صاحب القصة التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كما ظن فإن واقدا المذكور لا صحبة له فإن أمه صفية بنت أبي عبيد إنما تزوجها أبوه في خلافة أبيه عمر واختلف في صحبتها، وذكرها العجلي وغيره في التابعين، ووجدت في الصحابة واقد بن عبد الله آخر لكن لم أر في شيء من الأخبار أنه وقع عن بعيره فهلك، بل ذكر غير واحد منهم ابن سعد أنه مات في خلافة عمر، فبطل تفسير المبهم بأنه واقد بن عبد الله من كل وجه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n162&p1#TOP)باب الِاغْتِسَالِ لِلْمُحْرِمِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ بِالْحَكِّ بَأْسًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاغتسال للمحرم‏)‏ أي ترفها وتنظفا وتطهرا من الجنابة، قال ابن المنذر‏:‏ أجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة، واختلفوا فيما عدا ذلك‏.‏
وكأن المصنف أشار إلى ما روى عن مالك أنه كره للمحرم أن يغطي رأسه في الماء، وروى في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن نافع أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس يدخل المحرم الحمام‏)‏ وصله الدار قطني والبيهقي من طريق أيوب عن عكرمة عنه قال‏:‏ المحرم يدخل الحمام، وينزع ضرسه، وإذا انكسر ظفره طرحه ويقول‏:‏ أميطوا عنكم الأذى فإن الله لا يصنع بأذاكم شيئا‏.‏
وروى البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس أنه دخل حماما بالجحفة وهو محرم وقال‏:‏ إن الله لا يعبأ بأوساخكم شيئا‏.‏
وروى ابن أبي شيبة كراهة ذلك عن الحسن وعطاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم ير ابن عمر وعائشة بالحك بأسا‏)‏ أما أثر ابن عمر فوصله البيهقي من طريق أبي مجلز قال ‏"‏ رأيت ابن عمر يحك رأسه وهو محرم، ففطنت له فإذا هو يحك بأطراف أنامله‏"‏‏.‏
وأما أثر عائشة فوصله مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه واسمها مرجانه ‏"‏ سمعت عائشة تسأل عن المحرم أيحك جسده‏؟‏ قال نعم وليشدد‏.‏
وقالت عائشة‏:‏ لو ربطت يداي ولم أجد إلا أن أحك برجلي لحككت ‏"‏ ا ه‏.‏
ومناسبة أثر ابن عمر وعائشة للترجمة بجامع ما بين الغسل والحك من إزالة الأذى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ وَقَالَ الْمِسْوَرُ لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ اصْبُبْ فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد بن أسلم عن إبراهيم‏)‏ كذا في جميع الموطآت، وأغرب يحيى بن يحيى الأندلسي فأدخل بين زيد وإبراهيم نافعا‏.‏
قال ابن عبد البر وذلك معدود من خطئه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ في رواية ابن عيينة عن زيد ‏"‏ أخبرني إبراهيم ‏"‏ أخرجه أحمد وإسحاق والحميدي في مسانيدهم عنه‏.‏
وفي رواية ابن جريج عند أحمد عن زيد بن أسلم ‏"‏ أن إبراهيم بن عبد الله بن حنين مولى ابن عباس أخبره ‏"‏ كذا قال ‏"‏ مولى ابن عباس ‏"‏ وقد اختلف في ذلك والمشهور أن حنينا كان مولى للعباس وهبه له النبي صلى الله عليه وسلم فأولاده موال له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن ابن عباس‏)‏ في رواية ابن جريج عند أبي عوانة كنت مع ابن عباس والمسور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالأبواء‏)‏ أي وهما نازلان بها‏.‏
وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ بالعرج ‏"‏ وهو بفتح أوله وإسكان ثانيه‏:‏ قرية جامعة قريبة من الأبواء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى أبي أيوب‏)‏ زاد ابن جريج فقال ‏"‏ قل له يقرأ عليك السلام ابن أخيك عبد الله بن عباس ويسألك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين القرنين‏)‏ أي قوني البئر، وكذا هو لبعض رواة الموطأ، وكذا في رواية ابن عيينة، وهما العودان - أي العمودان - المنتصبان لأجل عود البكرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرسلني إليك عبد الله بن عباس يسألك كيف كان الخ‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ الظاهر أن ابن عباس كان عنده في ذلك نص عن النبي صلى الله عليه وسلم أخذه عن أبي أيوب أو غيره، ولهذا قال عبد الله بن حنين لأبي أيوب‏:‏ يسألك كيف كان يغسل رأسه‏؟‏ ولم يقل هل كان يغسل رأسه أو لا على حسب ما وقع فيه اختلاف بين المسور وابن عباس‏.‏
قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون عبد الله بن حنين تصرف في السؤال لفطنته، كأنه لما قال له سله هل يغتسل المحرم أو لا‏؟‏ فجاء فوجده يغتسل، فهم من ذلك أنه يغتسل، فأحب أن لا يرجع إلا بفائدة فسأله عن كيفية الغسل، وكأنه خص الرأس بالسؤال لأنها موضع الإشكال في هذه المسألة لأنها محل الشعر الذي يخشى انتتافه بخلاف بقية البدن غالبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فطأطاه‏)‏ أي أزاله عن رأسه‏.‏
وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ جمع ثيابه إلى صدره حتى نظرت إليه ‏"‏ وفي رواية ابن جريج ‏"‏ حتى رأيت رأسه ووجهه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لإنسان‏)‏ لم أقف على اسمه، ثم قال أي أبو أيوب ‏"‏ هكذا رأيته - أي النبي صلى الله عليه وسلم - يفعل ‏"‏ زاد ابن عيينة ‏"‏ فرجعت إليهما فأخبرتهما، فقال المسور لابن عباس‏:‏ لا أماريك أبدا ‏"‏ أي لا أجادلك‏.‏
وأصل المراء استخراج ما عند الإنسان، يقال أمرى فلان فلانا إذا استخرج ما عنده‏.‏
قاله ابن الأنباري، وأطلق ذلك في المجادلة لأن كلا من المتجادلين يستخرج ما عند الآخر من الحجة‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد مناظرة الصحابة في الأحكام، ورجوعهم إلى النصوص، وقبولهم لخبر الواحد ولو كان تابعيا، وأن قول بعضهم ليس بحجة على بعض‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ لو كان معنى الاقتداء في قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أصحابي كالنجوم ‏"‏ يراد به الفتوى لما احتاج ابن عباس إلى إقامة البينة على دعواه بل كان يقول للمسور أنا نجم وأنت تجم فبأينا اقتدي من بعدنا كفاه، ولكن معناه كما قال المزني وغيره من أهل النظر أنه في النقل، لأن جميعهم عدول‏.‏
وفيه اعتراف للفاضل بفضله، وإنصاف الصحابة بعضهم بعضا، وفيه استتار الغاسل عند الغسل، والاستعانة في الطهارة، وجواز الكلام والسلام حالة الطهارة، وجواز غسل المحرم وتشريبه شعره بالماء ودلكه بيده إذا أمن تناثره، واستدل به القرطبي على وجوب الدلك في الغسل قال‏:‏ لأن الغسل لو كان يتم بدونه لكان المحرم أحق بأن يجوز له تركه، ولا يخفى ما فيه‏.‏
واستدل به على أن تخليل شعر الحية في الوضوء باق على استحبابه، خلافا لمن قال يكره كالمتولي من الشافعية خشية انتتاف الشعر، لأن في الحديث ‏"‏ ثم حرك رأسه بيده ‏"‏ ولا فرق بين شعر الرأس واللحية إلا أن يقال إن شعر الرأس أصلب، والتحقيق أنه خلاف الأولى في حق بعض دون بعض، قاله السبكي الكبير، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:09 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين‏)‏ أي هل يشترط قطعهما أو لا‏؟‏ وأورد فيه حديث ابن عمر في ذلك وحديث ابن عباس، وقد تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب ما لا يلبس المحرم من الثياب ‏"‏ ووقع في رواية أبي زيد المروزي ‏"‏ عن سالم بن عبد الله بن عمر سئل رسول صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قال الجباني‏:‏ الصواب ما رواه ابن السكن وغيره فقالوا ‏"‏ عن سالم عن ابن عمر ‏"‏ قلت‏:‏ تصحفت ‏"‏ عن ‏"‏ فصارت ابن‏.‏
وقوله في حديث ابن عباس ‏"‏ ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل للمحرم ‏"‏ أي هذا الحكم للمحرم لا الحلال، فلا يتوقف جواز لبسه السراويل على فقد الإزار‏.‏
قال القرطبي‏:‏ أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد فأجاز لبس الخف والسراويل للمحرم الذي لا يجد النعلين والإزار على حالهما‏.‏
واشترط الجمهور قطع الخف وفتق السراويل، فلو لبس شيئا منهما على حاله لزمته الفدية، والدليل ثم قوله في حديث ابن عمر ‏"‏ وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين ‏"‏ فيحمل المطلق على المقيد ويلحق النظير بالنظير لاستوائهما في الحكم‏.‏
وقال ابن قدامة‏:‏ الأولى قطعهما عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الخلاف‏.‏
انتهى‏.‏
والأصح عند الشافعية والأكثر جواز لبس السراويل بغير فتق كقول أحمد، واشترط الفتق محمد ابن الحسن وإمام الحرمين وطائفة، وعن أبي حنيفة منع السراويل للمحرم مطلقا، ومثله عن مالك وكأن حديث ابن عباس لم يبلغه، ففي الموطأ أنه سئل عنه فقال‏:‏ لم أسمع بهذا الحديث‏.‏
وقال الرازي من الحنفية‏:‏ يجوز لبسه وعليه الفدية كما قاله أصحابهم في الخفين، ومن أجاز لبس السراويل على حاله قيده بأن لا يكون في حالة لو فتقه لكان إزارا لأنه في تلك الحالة يكون واجد الإزار‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب إِذَا لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس وقد تقدم البحث فيه في الباب الذي قبله، وجزم المصنف بالحكم في هذه المسألة دون التي قبلها لقوة دليلها وتصريح المخالف بأن الحديث لم يبلغه فيتعين على من بلغه العمل به‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب لُبْسِ السِّلَاحِ لِلْمُحْرِمِ
وَقَالَ عِكْرِمَةُ إِذَا خَشِيَ الْعَدُوَّ لَبِسَ السِّلَاحَ وَافْتَدَى وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ فِي الْفِدْيَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لبس السلاح للمحرم‏)‏ أي إذا احتاج إلى ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عكرمة إذا خشي العدو لبس السلاح وافتدى‏)‏ أي وجبت عليه الفدية، ولم أقف على أثر عكرمة هذا موصولا‏.‏
وقوله ‏"‏ولم يتابع عليه في الفدية ‏"‏ يقتضي أنه توبع على جواز لبس السلاح الخشية وخولف في وجوب الفدية، وقد نقل ابن المنذر عن الحسن أنه كره أن يتقلد المحرم السيف، وقد تقدم في العيدين قول ابن عمر للحجاج ‏"‏ أنت أمرت بحمل السلاح في الحرم ‏"‏ وقوله له ‏"‏ وأدخلت السلاح في الحرم ولم يكن السلاح يدخل فيه ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ أمرت بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله ‏"‏ وتقدم الكلام على ذلك مستوفى في ‏"‏ باب من كره حمل السلاح في العيد ‏"‏ وذكر من روى ذلك مرفوعا‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب حديث البراء في عمرة القضاء مختصرا، وسيأتي بتمامه في كتاب الصلح عن عبيد الله ابن موسى بإسناده هذا، ووهم المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ فزعم أن البخاري أخرجه في الحج بطوله وليس كذلك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب دُخُولِ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ
وَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِهْلَالِ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْحَطَّابِينَ وَغَيْرِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام‏)‏ هو من عطف الخاص على العام، لأن المراد بمكة هنا البلد فيكون الحرم أعم‏.‏
قوله ‏(‏ودخل ابن عمر‏)‏ وصله مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن نافع قال ‏"‏ أقبل عبد الله بن عمر من مكة حتى إذا كان بقديد - يعني بضم القاف - جاءه خبر عن الفتنة، فرجع فدخل مكة بغير إحرام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإهلال لمن أراد الحج والعمرة ولم يذكر الحطابين وغيرهم‏)‏ هو من كلام المصنف، وحاصله أنه خص الإحرام بمن أراد الحج والعمرة، واستدل بمفهوم قوله في حديث ابن عباس ‏"‏ ممن أراد الحج والعمرة ‏"‏ فمفهومه أن المتردد إلى مكة - لغير قصد الحج والعمرة - لا يلزمه الإحرام، وقد اختلف العلماء في هذا فالمشهور من مذهب الشافعي عدم الوجوب مطلقا، وفي قول يجب مطلقا، وفيمن يتكرر دخوله خلاف مرتب وأولى بعدم الوجوب، والمشهور عن الأئمة الثلاثة الوجوب‏.‏
وفي رواية عن كل منهم لا يجب، وهو قول ابن عمر والزهري والحسن وأهل الظاهر، وجزم الحنابلة باستثناء ذوي الحاجات المتكررة، واستثنى الحنفية من كان داخل الميقات، وزعم ابن عبد البر أن أكثر الصحابة والتابعين على القول بالوجوب‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب حديثين، أحدهما‏:‏ حديث ابن عباس وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت‏.‏
الثاني‏:‏ حديث أنس في المغفر وقد اشتهر عن الزهري عنه، ووقع لي من رواية يزيد الرقاشي عن أنس في ‏"‏ فوائد أبي الحسن الفراء الموصلي‏"‏‏.‏
وفي الإسناد إلى يزيد مع ضعفه ضعف، وقيل إن مالكا تفرد به عن الزهري، وممن جزم بذلك ابن الصلاح في ‏"‏ علوم الحديث ‏"‏ له في الكلام على الشاذ، وتعقبه شيخنا الحافظ أبو الفضل العراقي بأنه ورد من طريق ابن أخي الزهري وأبي أويس ومعمر والأوزاعي وقال‏:‏ إن رواية ابن أخي الزهري عند البزار ورواية أبي أويس عند ابن سعد وابن عدي وأن رواية معمر ذكرها ابن عدي وأن رواية الأوزاعي ذكرها المزني ولم يذكر شيخنا من أخرج روايتهما، وقد وجدت رواية معمر في ‏"‏ فوائد ابن المقري ‏"‏ ورواية الأوزاعي في ‏"‏ فوائد تمام‏"‏‏.‏
ثم نقل شيخنا عن ابن مسدي أن ابن العربي قال حين قبل له لم يروه إلا مالك‏:‏ قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك، وأنه وعد بإخراج ذلك ولم يخرج شيئا، وأطال ابن مسدي في هذه القصة وأنشد فيها شعرا، وحاصلها أنهم اتهموا ابن العربي في ذلك ونسبوه إلى المجازفة‏.‏
ثم شرع ابن مسدي يقدح في أصل القصة ولم يصب في ذلك، فراوي القصة عدل متقن، والذين اتهموا ابن العربي في ذلك هم الذين أخطئوا لقلة اطلاعهم، وكأنه بخل عليهم بإخراج ذلك لما ظهر له من إنكارهم وتعنتهم، وقد تتبعت طرقه حتى وقفت على أكثر من العدد الذي ذكره ابن العربي ولله الحمد فوجدته من رواية اثني عشر نفسا غير الأربعة التي ذكرها شيخنا وهم‏:‏ عقيل في ‏"‏ معجم ابن جميع‏"‏، ويونس بن يزيد في ‏"‏ الإرشاد ‏"‏ للخليلي وابن أبي حفص في ‏"‏ الرواة عن مالك للخطيب‏"‏، وابن عيينة في ‏"‏ مسند أبي يعلى ‏"‏ وأسامة بن زيد في ‏"‏ تاريخ نيسابور‏"‏، وابن أبي ذئب في ‏"‏ الحلية‏"‏، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في ‏"‏ أفراد الدار قطني ‏"‏ وعبد الرحمن ومحمد ابنا عبد العزيز الأنصاريان في ‏"‏ فوائد عبد الله بن إسحاق الخراساني‏"‏، وابن إسحاق في ‏"‏ مسند مالك لابن عدي‏"‏، وبحر السقاء ذكره جعفر الأندلسي في تخريجه للجيزي بالجيم والزاي، وصالح بن أبي الأخضر ذكره أبو ذر الهروي عقب حديث يحيى بن قزعة عن مالك والمخرج عند البخاري في المغازي، فتبين بذلك أن إطلاق ابن الصلاح متعقب، وأن قول ابن العربي صحيح، وأن كلام من اتهمه مردود، ولكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك، وأقرنها رواية ابن أخي الزهري فقد أخرجها النسائي في ‏"‏ مسند مالك ‏"‏ وأبو عوانة في صحيحه، وتليها رواية أبي أويس أخرجها أبو عوانة أيضا وقالوا إنه كان رقيق مالك في السماع عن الزهري، فيحمل قول من قال انفرد به مالك - أي بشرط الصحة - وقول من قال توبع أي في الجملة‏.‏
وعبارة الترمذي سالمة من الاعتراض فإنه قال بعد تخريجه‏:‏ حسن صحيح غريب لا يعرف كثير أحد رواه غير مالك عن الزهري فقوله ‏"‏ كثير ‏"‏ يشير إلي أنه توبع في الجملة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ اقْتُلُوهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ في رواية أبي أويس عند ابن سعد ‏"‏ أن أنس بن مالك حدثه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عام الفتح وعلى رأسه المغفر‏)‏ بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء‏:‏ زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس، وقيل هو رفرف البيضة قاله في ‏"‏ المحكم‏"‏‏.‏
وفي ‏"‏ المشارق ‏"‏ هو ما يجعل من فضل دروع الحديد على الرأس مثل القلنسوة‏.‏
وفي رواية زيد بن الحباب عن مالك ‏"‏ يوم الفتح وعليه مغفر من حديد ‏"‏ أخرجه الدار قطني في ‏"‏ الغرائب ‏"‏ والحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ وكذا هو في رواية أبي أويس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما نزعه جاءه رجل‏)‏ لم أقف على اسمه، إلا أنه يحتمل أن يكون هو الذي باشر قتله، وقد جزم الفاكهي في ‏"‏ شرح العمدة ‏"‏ بأن الذي جاء بذلك هو أبو برزة الأسلمي، وكأنه لما رجح عنده أنه هو الذي قتله رأي أنه هو الذي جاء مخبرا بقصته، ويوشحه قوله في رواية يحيى بن قزعة في المغازي ‏"‏ فقال اقتله ‏"‏ بصيغة الإفراد‏.‏
على أنه اختلف في اسم قاتله، ففي حديث سعيد بن يربوع عند الدار قطني والحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ أربعة لا أؤمنهم لا في حل ولا حرم‏:‏ الحويرث بن نقيد بالنون والقاف مصغر، وهلال بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن أبي سرح قال فأما هلال بن خطل فقتله الزبير ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار والحاكم والبيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ نحوه لكن قال ‏"‏ أربعة نفر وامرأتين فقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة ‏"‏ فذكرهم لكن قال عبد الله ابن خطل بدل هلال‏.‏
وقال عكرمة بدل الحويرث، ولم يسم المرأتين وقال ‏"‏ فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشب الرجلين فقتله ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي زيادات يونس بن بكير في المغازي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جلد نحوه‏.‏
وروى ابن أبي شيبة والبيهقي في الدلائل من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس ‏"‏ أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم فتح مكة إلا أربعة من الناس‏:‏ عبد العزى بن خطل، ومقيس ابن صبابة الكناني، وعبد الله بن أبي سرح، وأم سارة‏.‏
فأما عبد العزى بن خطل فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة ‏"‏ وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي عثمان النهدي ‏"‏ أن أبا برزة الأسلمي قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ‏"‏ وإسناده صحيح مع إرساله، وله شاهد عند ابن المبارك في ‏"‏ البر والصلة ‏"‏ من حديث أبي برزة نفسه، ورواه أحمد من وجه آخر، وهو أصح ما ورد في تعيين قاتله وبه جزم البلاذري وغيره من أهل العلم بالأخبار، وتحمل بقية الروايات على أنهم ابتدروا قتله فكان المباشر له منهم أبو برزة، ويحتمل أن يكون غيره شاركه فيه، فقد جزم ابن هشام في السيرة بأن سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله، ومنهم من سمى قاتله سعيد بن ذؤيب، وحكى المحب الطبري أن الزبير بن العوام هو الذي قتل ابن خطل‏.‏
وروى الحاكم من طريق أبي معشر عن يوسف بن يعقوب عن السائب بن يزيد قال ‏"‏ فأخذ عبد الله بن خطل من تحت أستار الكعبة بقتل بن المقام وزمزم‏"‏‏.‏
وقد جمع الواقدي عن شيوخه أسماء من لم يؤمن يوم الفتح وأمر بقتله عشرة أنفس‏:‏ ستة رجال وأربع نسوة‏.‏
والسبب في قتل ابن خطل وعدم دخوله في قوله ‏"‏ من دخل المسجد فهو آمن ‏"‏ ما روى ابن إسحاق في المغازي ‏"‏ حدثني عبد الله بن أبي بكر وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة قال‏:‏ لا يقتل أحد من قاتل، إلا نفرا سماهم فقال‏:‏ اقتلوهم وإن وجدتموهم تحت أستار الكعبة، منهم عبد الله بن خطل وعبد الله بن سعد، وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى يخدمه وكان مسلما، فنزل منزلا، فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما، فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا، فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وروى الفاكهي من طريق ابن جريج قال‏:‏ قال مولى ابن عباس‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار ورجلا من مزينة وابن خطل وقال‏:‏ أطيعا الأنصاري حتى ترجعا، فقتل ابن خطل الأنصاري وهرب المزني‏.‏
وكان ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح‏.‏
ومن النفر الذين كان أهدر دمهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح غير من تقدم ذكره هبار بن الأسود وعكرمة ابن أبي جهل كعب بن زهير ووحشي بن حرب وأسيد بن إياس بن أبي زنيم وقينتا ابن خطل وهند بنت عتبة‏.‏
والجمع بين ما اختلف فيه من اسمه أنه كان يسمى عبد العزى فلما أسلم سمى عبد الله، وأما من قال هلال فالتبس عليه بأخ له اسمه هلال، بين ذلك الكلبي في النسب، وقيل هو عبد الله بن هلال بن خطل، وقيل غالب بن عبد الله بن خطل، واسم خطل عبد مناف من بني تيم بن فهر بن غالب‏.‏
وهذا الحديث ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة يوم الفتح لم يكن محرما، وقد صرح بذلك مالك راوي الحديث كما ذكره المصنف في المغازي عن يحيى بن قزعة عن مالك عقب هذا الحديث‏.‏
قال مالك‏:‏ ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فما نرى - والله أعلم - يومئذ محرما ا ه‏.‏
وقول مالك هذا رواه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جازما به، أخرجه الدار قطني في ‏"‏ الغرائب‏"‏‏.‏
ووقع في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ من رواية أبي مصعب وغيره قال مالك ‏"‏ قال ابن شهاب ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرما ‏"‏ وهذا مرسل، ويشهد له ما رواه مسلم من حديث جابر بلفظ ‏"‏ دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام ‏"‏ وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن طاوس قال ‏"‏ لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة إلا محرما إلا يوم فتح مكة ‏"‏ وزعم الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ أن بين حديث أنس في المغفر وبين حديث جابر في العمامة السوداء معارضة، وتعقبوه باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك، فحكى كل منهما ما رآه، ويؤيده أن في حديث عمرو بن حديث عمرو بن حريث ‏"‏ أنه خطب الناس وعليه عمامة سوداء ‏"‏ أخرجه مسلم أيضا، وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول، وهذا الجمع لعياض‏.‏
وقال غيره‏:‏ يجمع بأن العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر أو كانت تحت المغفر وقاية لرأسه من صدأ الحديد، فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متهيئا للحرب، وأراد جابر بذكر العمامة كونه دخل غير محرم، وبهذا يندفع إشكال من قال‏:‏ لا دلالة في الحديث على جواز دخول مكة بغير إحرام لاحتمال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان محرما ولكنه غطى رأسه لعذر، فقد اندفع ذلك بتصريح جابر بأنه لم يكن محرما، لكن فيه إشكال من وجه آخر لأنه صلى الله عليه وسلم كان متأهبا للقتال ومن كان كذلك جاز له الدخول بغير إحرام عند الشافعية وإن كان عياض نقل الاتفاق على مقابله، وأما من قال من الشافعية كابن القاص‏:‏ دخول مكة بغير إحرام من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر، لأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، لكن زعم الطحاوي أن دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي شريح وغيره إنها لم تحل له إلا ساعة من نهار، وأن المراد بذلك جواز دخولهما له بغير إحرام لا تحريم القتل والقتال فيها لأنهم أجمعوا على أن المشركين لو غلبوا والعياذ بالله تعالى على مكة حل للمسلمين قتالهم قتلهم فيها وقد عكس استدلاله النووي فقال‏:‏ في الحديث دلالة على أن مكة تبقى دار إسلام إلى يوم القيامة، فبطل ما صوره الطحاوي‏.‏
وفي دعواه الإجماع نظر فإن الخلاف ثابت كما تقدم، وقد حكاه القفال والماوردي وغيرهما، واستدل بحديث الباب على أنه صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة، وأجاب النووي بأنه صلى الله عليه وسلم كان صالحهم، لكن لما لم يأمن غدرهم دخل متأهبا، وهذا جواب قوي إلا أن الشأن في ثبوت كونه صالحهم فإنه لا يعرف في شيء من الأخبار صريحا كما سيأتي إيضاحه في الكلام على فتح مكة من المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏
واستدل بقصة ابن خطل على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة، قال ابن عبد البر‏:‏ كان تل ابن خطل قودا من قتله المسلم‏.‏
وقال السهيلي‏:‏ فيه أن الكعبة لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من إقامة حد واجب‏.‏
وقال النووي‏:‏ تأول من قال لا يقتل فيها على أنه صلى الله عليه وسلم قتله في الساعة التي أبيحت له، وأجاب عنه أصحابنا بأنها إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وأذعن أهلها، وإنما قتل ابن خطل بعد ذلك‏.‏
انتهى‏.‏
وتعقب بما تقدم في الكلام على حديث أبي شريح أن المرد بالساعة التي أحلت له ما بين أول النهار ودخول وقت العصر، وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعا لأنه قيد في الحديث بأنه كان عند نزعه المغفر وذلك عند استقراره بمكة، وقد قال ابن خزيمة‏:‏ المراد بقوله في حديث ابن عباس ‏"‏ ما أحل الله لأحد فيه القتل غيري ‏"‏ أي قتل النفر الذين قتلوا يومئذ ابن خطل ومن ذكر معه‏.‏
قال‏:‏ وكان الله قد أباح له القتال والقتل معا في تلك الساعة، وقتل ابن خطل وغيره بعد تقضي القتال‏.‏
واستدل به على جواز قتل الذي إذا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه نظر كما قاله ابن عبد البر لأن ابن خطل كان حربيا ولم يدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمانة لأهل مكة، بل استثناه مع من استثني وخرج أمره بقتله مع أمانة لغيره مخرجا واحدا، فلا دلالة فيه لما ذكره‏.‏
انتهى ويمكن أن يتمسك به في جواز قتل من فعل ذلك بغير استتابة من غير تقييد بكونه ذميا، لكن ابن خطل عمل بموجبات القتل فلم يتحتم أن سبب قتله السب، واستدل به على جواز قتل الأسير صبرا لأن القدرة على ابن خطل صيرته كالأسير في يد الإمام وهو مخير فيه بين القتل وغيره لكن قال الخطابي إنه صلى الله عليه وسلم قتله بما جناه في الإسلام‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ قتله قودا من دم المسلم الذي غدر به وقتله ثم ارتد كما تقدم‏.‏
واستدل به على جواز قتل الأسير من غير أن يعرض عليه الإسلام، ترجم بذلك أبو داود‏.‏
وفيه مشروعية لبس المغفر وغيره من آلات السلاح حال الخوف من العدو وأنه لا ينافي التوكل، وقد تقدم في ‏"‏ باب متى يحل للمعتمر ‏"‏ من أبواب العمرة من حديث عبد الله بن أبي أوفى ‏"‏ اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل مكة طاف وطفنا معه ومعه من يستره من أهل مكة أن يرميه أحد ‏"‏ الحديث، وإنما احتاج إلى ذلك لأنه كان حينئذ محرما فخشي الصحابة أن يرميه بعض سفهاء المشركين بشيء يؤذيه فكانوا حوله يسترون رأسه ويحفظونه من ذلك‏.‏
وفيه جواز رفع أخبار أهل الفساد إلى ولاة الأمر، ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة ولا النميمة‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:11 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب إِذَا أَحْرَمَ جَاهِلًا وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَقَالَ عَطَاءٌ إِذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص‏)‏ أي هل يلزمه فدية أو لا‏؟‏ وإنما لم يجزم بالحكم لأن حديث الباب لا تصريح فيه بإسقاط الفدية، ومن ثم استظهر المصنف للراجح بقول عطاء راوي الحديث كأنه يشير إلى أنه أو كانت الفدية واجبة لما خفيت عن عطاء وهو راوي الحديث‏.‏
قال ابن بطال وغيره‏:‏ وجه الدلالة منه أنه لو لزمته الفدية لبينها صلى الله عليه وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وفرق مالك - فيمن تطيب أو لبس ناسيا - بين من بادر فنزع وغسل وبين من تمادى، والشافعي أشد موافقة للحديث لأن السائل في حديث الباب كان غير عارف بالحكم وقد تمادى ومع ذلك لم يؤمر بالفدية، وقول مالك فيه احتياط، وأما قول الكوفيين والمزني مخالف هذا الحديث‏.‏
وأجاب ابن المنير في الحاشية بأن الوقت الذي أحرم فيه الرجل في الجبة كان قبل نزول الحكم ولهذا انتظر النبي صلى الله عليه وسلم الوحي‏.‏
قال‏:‏ ولا خلاف أن التكليف لا يتوجه على المكلف قبل نزول الحكم فلهذا لم يؤمر الرجل بفدية عما مضى، بخلاف من لبس الآن جاهلا فإنه جهل حكما استقر وقصر في علم ما كان عليه أن يتعلمه لكونه مكلفا به وقد تمكن من تعلمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء الخ‏)‏ ذكره ابن المنذر في الأوسط ووصله الطبراني في الكبير، وأما حديث يعلى فقد تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب غسل الخلوق ‏"‏ في أوائل الحج‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةٌ فِيهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ أَوْ نَحْوُهُ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِي تُحِبُّ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ أَنْ تَرَاهُ فَنَزَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ وَعَضَّ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ يَعْنِي فَانْتَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَأَبْطَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله في الإسناد ‏(‏صفوان بن يعلى بن أمية قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هذا وقع في رواية أبي ذر وهو تصحيف، والصواب ما ثبت في رواية غيره ‏"‏ صفوان بن يعلى أبيه ‏"‏ فتصحفت ‏"‏ عن ‏"‏ فصارت ابن و ‏"‏ أبيه ‏"‏ فصارت أمية، أو سقط من السند عن أبيه، وليست لصفوان صحة ولا رواية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعض رجل يد رجل‏)‏ هذا حديث آخر وسيأتي مبسوطا مع الكلام عليه في أبواب الدية إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب الْمُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ
وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المحرم يموت بعرفة ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤدي عنه بقية الحج‏)‏ يعني لم ينقل ذلك‏.‏
وذكر فيه حديث ابن عباس في الرجل المحرم الذي وقع عن بعيره بعرفة فمات، وقد تقدم التنبيه عليه في ‏"‏ باب ما ينهى عن الطيب محرم ‏"‏ وأورده المصنف من حديث حماد بن زيد عن عمرو ابن دينار وعن أيوب فرقهما كلاهما عن سعيد بن جبير، ووقع في رواية عمرو ‏"‏ فوقصته أو قال فأقعصته ‏"‏ وفي رواية أيوب ‏"‏ فوقصته أو قال فأوقصته ‏"‏ وكلها بمعنى، وزاد في رواية أيوب ‏"‏ ولا تمسوه طيبا ‏"‏ والباقي سواء‏.‏
وقد وقع عند مسلم من رواية إسماعيل بن علية في هذا الحديث عن أيوب قال ‏"‏ نبئت عن سعيد بن حبير ‏"‏ فالله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب سُنَّةِ الْمُحْرِمِ إِذَا مَاتَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سنة المحرم إذا مات‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عباس المذكور من وجه آخر ‏"‏ عن سعيد ابن جبير ‏"‏ وقد سبق‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب الْحَجِّ وَالنُّذُورِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالرَّجُلُ يَحُجُّ عَنْ الْمَرْأَةِ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب الحج والنذور عن الميت‏)‏ كذا ثبت للأكثر بلفظ الجمع‏.‏
وفي رواية النسفي ‏"‏ النذر ‏"‏ بالإفراد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والرجل يحج عن المرأة‏)‏ يعني أن حديث الباب يستدل به على الحكمين، وفيه على الحكم الثاني نظر، لأن لفظ الحديث ‏"‏ أن امرأة سألت عن نذر كان على أبيها ‏"‏ فكان حق الترجمة أن يقول والمرأة تحج عن الرجل، وأجاب ابن بطال بأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب المرأة بخطاب دخل فيه الرجال والنساء وهو قوله ‏"‏ اقضوا الله ‏"‏ قال‏:‏ ولا خلاف في جواز حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل، ولم يخالف في جواز حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل إلا الحسن بن صالح‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالترجمة إلى رواية شعبة عن أبي بشر في هذا الحديث فإنه قال فيها ‏"‏ أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن أختي نذرت أن تحج ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فاقض الله فهو أحق بالقضاء‏"‏‏.‏
أخرجه المصنف في كتاب النذور، وكذا أخرجه أحمد والنسائي من طريق شعبة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن امرأة من جهينة‏)‏ لم أقف على اسمها ولا على اسم أبيها، لكن روى ابن وهب عن عثمان ابن عطاء الخراساني عن أبيه ‏"‏ أن غاثية أو غاثية أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ إن أمي ماتت وعليها نذر أن تمشي إلى الكعبة، فقال اقض عنها‏"‏‏.‏
أخرجه ابن مندة في حرف الغين المعجمة من الصحابيات، وتردد هل هي بتقديم المثناة التحتانية على المثلثة أو بالعكس، وجزم ابن طاهر في المبهمات بأنه اسم الجهينية المذكورة في حديث الباب‏.‏
وقد روى النسائي وابن خزيمة وأحمد من طريق موسى بن سلمة الهذلي عن ابن عباس قال ‏"‏ أمرت امرأة سنان بن عبد الله الجهني أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمها توفيت ولم تحج ‏"‏ الحديث لفظ أحمد، ووقع عند النسائي ‏"‏ سنان بن سلمة ‏"‏ والأول أصح، وهذا لا يفسر به المبهم في حديث الباب أن المرأة سألت بنفسها وفي هذا أن زوجها سأل لها، ويمكن الجمع بأن يكون نسبة السؤال إليها مجازية وإنما الذي تولى لها السؤال زوجها، وغايته أنه في هذه الرواية لم يصرح بأن الحجة المسئول عنها كانت نذرا، وأما ما روى ابن ماجة من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس عن سنان بن عبد الله الجهني أن عمته حدثته أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ إن أمي توفيت وعليها مشي إلى الكعبة نذرا، الحديث‏.‏
فإن كان محفوظا حمل على واقعتين بأن تكون امرأته سألت على لسانه عن حجة أمها المفروضة، وبأن تكون عمته سألت بنفسها عن حجة أمها المنذورة، ويفسر من في حديث الباب بأنها عمة سنان واسمها غايثة كما تقدم، ولم تسم المرأة ولا العمة ولا أم واحدة منهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن أمي نذرت أن تحج‏)‏ كذا رواه أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس من رواية أبي عوانة عنه، وسيأتي في النذور من طريق شعبة عن أبي بشر بلفظ ‏"‏ أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إن أختي نذرت أن تحج وأنها ماتت ‏"‏ فإن كان محفوظا احتمل أن يكون كل من الأخ سأل عن أخته والبنت سألت عن أمها، وسيأتي في الصيام من طريق أخرى عن سعيد بن جبير بلفظ ‏"‏ قالت امرأة إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ‏"‏ وسيأتي بسط القول فيه هناك‏.‏
وزعم بعض المخالفين أنه اضطراب يعل به الحديث، وليس كما قال، فإنه محمول على أن المرأة سألت عن كل من الصوم والحج، ويدل عليه ما رواه مسلم عن بريدة ‏"‏ أن امرأة قالت‏:‏ يا رسول الله إني تصدقت على أمي بجارية وأنها ماتت، قال‏:‏ وجب أجرك وردها عليك الميراث‏.‏
قالت‏:‏ إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها‏؟‏ قال‏:‏ صومي عنها‏.‏
قالت إنها لم تحج أفأحج عنها‏؟‏ قال‏:‏ حجي عنها‏"‏‏.‏
وللسؤال عن قصة الحج من حديث ابن عباس أصل آخر أخرجه النسائي من طريق سليمان بن يسار عنه، وله شاهد من حديث أنس عند البزار والطبراني والدار قطني واستدل به على صحة نذر الحج ممن لم يحج فإذا حج أجزأه عن حجة الإسلام عند الجمهور وعليه الحج عن النذر، وقيل يجزئ عن النذر ثم يحج حجة الإسلام، وقيل يجزئ عنهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال نعم حجي عنها‏)‏ في رواية موسى بن سلمة ‏"‏ أفيجزئ عنها أن أحج عنها‏؟‏ قال نعم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت الخ‏)‏ فيه مشروعية القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه، وفيه تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه‏.‏
وفيه أنه يستحب للمفتي التنبيه على وجه الدليل إذا ترتبت على ذلك مصلحة وهو أطيب لنفس المستفتي وأدعى لإذعانه‏.‏
وفيه أن وفاء الدين المالي عن الميت كان معلوما عندهم مقررا ولهذا حسن الإلحاق به‏.‏
وفيه إجزاء الحج عن الميت، وفيه اختلاف‏:‏ فروى سعيد بن منصور وغيره عن ابن عمر بإسناد صحيح لا يحج أحد عن أحد، ونحوه عن مالك والليث، وعن مالك أيضا إن أوصى بذلك فليحج عنه وإلا فلا، وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي يليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أكنت قاضيته‏)‏ كذا للأكثر بضمير يعود على الدين، وللكشميهني قاضية بوزن فاعلة على حذف المفعول‏.‏
وفيه أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله كما أن عليه قضاء ديونه، فقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال فكذلك ما شبه به في القضاء، ويلتحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من كفارة أو نذر أو زكاة أو غير ذلك‏.‏
وفي قوله ‏"‏ فالله أحق بالوفاء ‏"‏ دليل على أنه مقدم على دين الآدمي، وهو أحد أقوال الشافعي، وقيل بالعكس، وقيل هما سواء‏.‏
قال الطيبي‏:‏ في الحديث إشعار بأن المسئول عنه خلف مالا فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن حق الله مقدم على حق العباد وأوجب عليه الحج عنه والجامع علة المالية‏.‏
قلت‏:‏ ولم يتحتم في الجواب المذكور أن يكون خلف مالا كما زعم، لأن قوله ‏"‏ أكنت قاضيته ‏"‏ أعم من أن يكون المراد مما خلفه أو تبرعا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب الْحَجِّ عَمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ الثُّبُوتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة‏)‏ أى من الأحياء، خلافا لمالك في ذلك ولمن قال لا يحج أحد عن أحد مطلقا كابن عمر‏.‏
ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع أنه لا يجوز أن يستنيب من يقدر على الحج بنفسه في الحج الواجب، وأما النفل فيجوز عند أبي حنيفة خلافا للشافعي، وعن أحمد روايتان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ امْرَأَةً ح حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شهاب عن سليمان‏)‏ في رواية الترمذي من طريق روح عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني ابن شهاب حدثني سليمان بن يسار‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ في رواية شعيب الآتية في الاستئذان عن ابن شهاب ‏"‏ أخبرني سليمان أخبرني عبد الله بن عباس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الفضل بن عباس‏)‏ كذا قال ابن جريج وتابعه معمر، وخالفهما مالك وأكثر الرواة عن الزهري فلم يقولوا فيه عن الفضل، وروى ابن ماجة من طريق محمد بن كريب عن أبيه ‏"‏ عن ابن عباس أخبرني حصين بن عوف الخثعمي قال‏:‏ قلت يا رسول الله إن أبي أدركه الحج ولا يستطيع أن يحج ‏"‏ الحديث‏.‏
قال الترمذي‏:‏ سألت محمدا يعني البخاري عن هذا فقال‏:‏ أصح شيء فيه ما روى ابن عباس عن الفضل قال‏:‏ فيحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل ومن غيره ثم رواه بغير واسطة، ا ه‏.‏
وإنما رجح البخاري الرواية عن الفضل لأنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ، وكان ابن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة كما سيأتي بعد باب، وقد سبق في ‏"‏ باب التلبية والتكبير ‏"‏ من طريق عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل فأخبر الفضل أعمه لم يزل يلبي حتى رمي الجمرة، فكأن الفضل حدث أخاه بما شاهده في تلك الحالة‏.‏
ويحتمل أن يكون سؤال الخثعمية وقع بعد رمي جمرة العقبة فحضره ابن عباس فنقله تارة عن أخيه لكونه صاحب القصة وتارة عما شاهده، ويؤيد ذلك ما وقع عند الترمذي وأحمد وابنه عبد الله والطبري من حديث على مما يدل على أن السؤال المذكور وقع عند المنحر بعد الفراغ من الرمي وأن العباس كان شاهدا، ولفظ أحمد عندهم من طريق عبيد الله ابن أبي رافع عن على قال ‏"‏ وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال‏:‏ هذه عرفة وهو الموقف ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ ثم أتى الجمرة فرماها، ثم أتى المنحر فقال‏:‏ هذا المنحر وكل متى منحر، واستفتته ‏"‏ وفي رواية عبد الله ‏"‏ ثم جاءته جارية شابة من خثعم فقالت‏:‏ إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة الله في الحج، أفيجزئ أن أحج عنه‏؟‏ قال‏:‏ حجي عن أبيك‏.‏
قال ولوى عنق الفضل فقال العباس‏:‏ يا رسول الله لويت عنق ابن عمك‏.‏
قال‏:‏ رأيت شابا وشابة فلم آمن عليهما الشيطان ‏"‏ وظاهر هذا أن العباس كان حاضرا لذلك، فلا مانع أن يكون ابنه عبد الله أيضا كان معه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يسق المصنف لفظ رواية ابن جريج، بل تحول إلى إسناد عبد العزيز بن أبي سلمة وساق الحديث على لفظه كعادته، وبقية حديث ابن جريح ‏"‏ أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ إن أبي أدركه الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يركب البعير، أفأحج عنه‏؟‏ قال‏:‏ حجي عنه ‏"‏ أخرجه أبو مسلم الكجي عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه، والطبراني عن أبي مسلم كذلك، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن جريج فقال ‏"‏ إن امرأة من خثعم قالت‏:‏ يا رسول الله إن أبي شيخ كبير عليه فريضة الله في الحج ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عام حجة الوداع‏)‏ في رواية شعيب الآتية في الاستئذان ‏"‏ يوم النحر ‏"‏ وللنسائي من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب ‏"‏ غداة جمع ‏"‏ وسيأتي بقية الكلام عليه في الباب الذي بعده‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب حَجِّ الْمَرْأَةِ عَنْ الرَّجُلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب حج المرأة عن الرجل‏)‏ تقدم نقل الخلاف فيه قبل باب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ فَقَالَتْ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان الفضل‏)‏ يعني ابن عباس، وهو أخو عبد الله وكان أكبر ولد العباس وبه كان يكني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رديف‏)‏ زاد شعيب ‏"‏ على عجز راحلته‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجاءته امرأة من خثعم‏)‏ بفتح المعجمة وسكون المثلثة قبيلة مشهورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجعل الفضل ينظر إليها‏)‏ في رواية شعيب ‏"‏ وكان الفضل رجلا وضيئا - أي جميلا - وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصرف وجه الفضل‏)‏ في رواية شعيب ‏"‏ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فدفع وجهه عن النظر إليها ‏"‏ وهذا هو المراد بقوله في حديث على ‏"‏ فلوى عنق الفضل ‏"‏ ووقع في رواية الطبري في حديث على ‏"‏ وكان الفضل غلاما جميلا، فإذا جاءت الجارية من هذا الشق صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الفضل إلى الشق الآخر، فإذا جاءت إلى الشق الآخر صرف وجهه عنها - وقال في آخره - رأيت غلاما حدثا وجارية حدثه فخشيت أن يدخل بنيهما الشيطان‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن فريضة الله أدراكت أبي شيخا كبيرا‏)‏ في رواية عبد العزيز وشعيب ‏"‏ أن فريضة الله على عباده في الحج ‏"‏ وفي رواية النسائي من طريق يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار ‏"‏ أن أبي أدركه الحج‏"‏، واتفقت الروايات كلها عن ابن شهاب على أن السائلة كانت امرأة وأنها سألت عن أبيها، وخالفه يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان فاتفق الرواة عنه على أن السائل رجل، ثم اختلفوا عليه في إسناده ومتنه، أما إسناده فقال هشيم عنه ‏"‏ عن سليمان عن عبد الله بن عباس ‏"‏ وقال محمد بن سيرين عنه ‏"‏ عن سليمان عن الفضل ‏"‏ أخرجهما النسائي‏.‏
وقال ابن علية عنه ‏"‏ عن سليمان حدثني أحد ابني العباس إما الفضل وإما عبد الله ‏"‏ أخرجه أحمد‏.‏
وأما المتن فقال هشيم ‏"‏ أن رجلا سأل فقال‏:‏ إن أبي مات ‏"‏ وقال ابن سيرين ‏"‏ فجاء رجل فقال‏:‏ إن أمي عجوز كبيرة ‏"‏ وقال ابن علية ‏"‏ فجاء رجل فقال‏:‏ إن أبي أو أمي ‏"‏ وخالف الجميع معمر عن يحيى بن أبي إسحاق فقال في روايته ‏"‏ إن امرأة سألت عن أمها ‏"‏ وهذا الاختلاف كله عن سليمان بن يسار، فأحببنا أن ننظر في سياق غيره فإذا كريب قد رواه عن ابن عباس عن حصين بن عوف الخثعمي قال ‏"‏ قلت يا رسول الله إن أبي أدركه الحج ‏"‏ وإذا عطاء الخراساني قد روى ‏"‏ عن أبي الغوث بن حصين الخثعمي أنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن حجة كانت على أبيه ‏"‏ أخرجهما ابن ماجة‏.‏
والرواية الأولى أقوى إسنادا، وهذا يوافق رواية هشيم في أن السائل عن ذلك رجل سأل عن أبيه، ويوافقه ما روي الطبراني من طريق عبد الله بن شداد عن الفضل بن عباس ‏"‏ أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله إن أبي شيخ كبير ‏"‏ ويوافقهما مرسل الحسن عند ابن خزيمة فإنه أخرجه من طريق عوف عن الحسن قال ‏"‏ بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال إن أبي شيخ كبير أدرك الإسلام لم يحج ‏"‏ الحديث، ثم ساقه من طريق عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال مثله إلا أنه قال إن السائل سأل عن أمه‏.‏
قلت‏:‏ وهذا يوافق رواية ابن سيرين أيضا عن يحيى بن أبي إسحاق كما تقدم‏.‏
والذي يظهر لي من مجموع هذه الطرق أن السائل رجل وكانت ابنته معه فسألت أيضا والمسئول عنه أبو الرجل وأمه جميعا‏.‏
ويقرب ذلك ما رواه أبو يعلي بإسناد قوي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال ‏"‏ كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم وأعرابي معه بنت له حسناء فجعل الأعرابي يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها، وجعلت التفت إليها، ويأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسي فيلويه، فكان يلبي حتى رمى جمرة العقبة ‏"‏ فعلى هذا فقول الشابة أن أبي لعلها أرادت به جدها لأن أباها كان معها وكأنه أمرها أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع كلامها ويراها رجاء أن يتزوجها، فلما لم يرضها سأل أبوها عن أبيه، ولا مانع أن يسأل أيضا عن أمه‏.‏
وتحصل من هذه الروايات أن اسم الرجل حصين بن عوف الخثعمي‏.‏
وأما ما وقع في الرواية الأخرى أنه أبو الغوث بن حصين فإن إسنادها ضعيف ولعله كان فيه عن أبي الغوث حصين فزيد في الرواية ابن أو أن أبا الغوث أيضا كان مع أبيه حصين فسأل كما سأل أبوه وأخته‏.‏
والله أعلم‏.‏
ووقع السؤال عن هذه المسألة من شخص آخر وهو أبو رزين - بفتح الراء كسر الزاي - العقيلي بالتصغير واسمه لقيط بن عامر، ففي السنن وصحيح ابن خزيمة وغيرهما من حديثه أنه قال ‏"‏ يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة، قال‏:‏ حج عن أبيك واعتمر ‏"‏ وهذه قصة أخرى، ومن وجد بينها وبين حديث الخثعمي فقد أبعد وتكلف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ ‏"‏ شيخا ‏"‏ حال ولا يثبت صفة له، ويحتمل أن يكون حالا أيضا ويكون من الأحوال المتداخلة، والمعنى أنه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة‏.‏
وقوله ‏"‏لا يثبت ‏"‏ وقع في رواية عبد العزيز وشعيب ‏"‏ لا يستطيع أن يستوي ‏"‏ وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ لا يستمسك على الرحل‏"‏‏.‏
في رواية يحيى بن أبي إسحاق من الزيادة ‏"‏ وإن شددته خشيت أن يموت ‏"‏ وكذا في مرسل الحسن، وحديث أبي هريرة عند ابن خزيمة بلفظ ‏"‏ وإن شددته بالحبل على الراحلة خشيت أن أقتله ‏"‏ وهذا يفهم منه أن من قدر على غير هذين الأمرين من الثبوت على الراحلة أو الأمن عليه من الأذى لو ربط لم يرخص له في الحج عنه كمن يقدر على محمل موطأ كالمحفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أفأحج عنه‏)‏ أي أيجوز لي أن أنوب عنه فأحج عنه، لأن ما بعد الفاء الداخلة عليها الهمزة معطوف على مقدر‏.‏
وفي رواية عبد العزيز وشعيب ‏"‏ فهل يقضي عنه ‏"‏ وفي حديث علي ‏"‏ هل يجزئ عنه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال نعم‏)‏ في حديث أبي هريرة فقال ‏"‏ احجج عن أبيك‏"‏‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد جواز الحج عن الغير، واستدل الكوفيون بعمومه على جواز صحة من لم يحج نيابة عن غيره، وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه، واستدلوا بما في السنن وصحيح ابن خزيمة وغيره من حديث ابن عباس أيضا ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي رجلا يلبي من شبرمة فقال‏:‏ أحججت عن نفسك‏؟‏ فقال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة‏"‏‏.‏
واستدل به على أن الاستطاعة تكون بالغير كما تكون بالنفس، وعكس بعض المالكية فقال‏:‏ من لم يستطع بنفسه لم يلاقه الوجوب، وأجابوا عن حديث الباب بأن ذلك وقع من السائل على جهة التبرع وليس في شيء من طرقه تصريح بالوجوب، وبأنها عبادة بدنية فلا تصح النيابة فيها كالصلاة، وقد نقل الطبري وغيره الإجماع على أن النيابة لا تدخل في الصلاة، قالوا ولأن العبادات فرضت على جهة الابتلاء، وهو لا يوجد في العبادات البدنية إلا بإتعاب البدن فبه يظهر الانقياد أو النفور، بخلاف الزكاة فإن الابتلاء فيها بنقص المال، وهو حاصل بالنفس وبالغير‏.‏
وأجيب بأن قياس الحج على الصلاة لا يصح، لأن عبادة الحج مالية بدنية معا فلا يترجح إلحاقها بالصلاة على إلحاقها بالزكاة، ولهذا قال المازري‏:‏ من غلب حكم البدن في الحج ألحقه بالصلاة، ومن غلب حكم المال ألحقه بالصدقة‏.‏
وقد أجاز المالكية الحج عن الغير إذا أوصى به ولم يجيزوا ذلك في الصلاة، وبأن حصر الابتلاء في المباشرة ممنوع لأنه يوجد في الآمر من بذله المال في الأجرة‏.‏
وقال عياض‏:‏ لا حجة للمخالف في حديث الباب لأن قوله ‏"‏ إن فريضة الله على عباده الخ ‏"‏ معناه أن إلزام الله عباده بالحج الذي وقع بشرط الاستطاعة صادف أبي بصفة من لا يستطيع فهل أحج عنه‏؟‏ أي هل يجوز لي ذلك، أو هل فيه أجر ومنفعة‏؟‏ فقال‏:‏ نعم‏.‏
وتعقب بأن في بعض طرقه التصريح بالسؤال عن الإجزاء فيتم الاستدلال، وتقدم في بعض طرق مسلم ‏"‏ أن أبي عليه فريضة الله في الحج ‏"‏ ولأحمد في رواية ‏"‏ والحج مكتوب عليه ‏"‏ وادعى بعضهم أن هذه القصة مختصة بالخثعمية كما اختص سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير، حكاه ابن عبد البر، وتعقب بأن الأصل عدم الخصوصية، واحتج بعضهم لذلك بما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب ‏"‏ الواضحة ‏"‏ بإسنادين مرسلين فزاد في الحديث ‏"‏ حج عنه، وليس لأحد بعده ‏"‏ ولا حجة فيه لضعف الإسنادين مع إرسالهما‏.‏
وقد عارضه قوله في حديث الجهنية الماضي في الباب ‏"‏ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء ‏"‏ وادعى آخرون منهم أن ذلك خاص بالابن يحج عن أبيه، ولا يخفى أنه جمود‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ رأى مالك أن ظاهر حديث الخثعمية مخالف لظاهر القرآن فرجح ظاهر القرآن، ولا شك في ترجيحه من جهة تواتره ومن جهة أن القول المذكور قول امرأة ظنت ظنا، قال‏:‏ ولا يقال قد أجابها النبي صلى الله عليه وسلم على سؤالها، ولو كان ظنها غلطا لبينه لها، لأنا نقول إنما أجابها عن قولها ‏"‏ أفأحج عنه‏؟‏ قال حجي عنه ‏"‏ لما رأى من حرصها على إيصال الخير والثواب لأبيها، ا ه‏.‏
وتعقب بأن في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لها على ذلك حجة ظاهرة، وأما ما رواه عبد الرزاق من حديث ابن عباس فزاد في الحديث ‏"‏ حج عن أبيك فإن لم يزده خبرا لم يزده شرا ‏"‏ فقد جزم الحفاظ بأنها رواية شاذة، وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها للمخالف‏.‏
ومن فروع المسألة أن لا فوق بين من استقر الوجوب في ذمته قبل العضب أو طرأ عليه خلافا للحنفية، وللجمهور ظاهر قصة الخثعمية وأن من حج عن غيره وقع الحج عن المستنيب، خلافا لمحمد بن الحسن فقال‏:‏ يقع عن المباشر وللمحجوج عنه أجر النفقة‏.‏
واختلفوا فيما أذاعوا في المعضوب فقال الجمهور‏:‏ لا يجزئه لأنه تبين أنه لم يكن ميئوسا منه‏.‏
وقال أحمد وإسحاق‏:‏ لا تلزمه الإعادة لئلا يفضي إلى إيجاب حجتين‏.‏
واتفق من أجاز النيابة في الحج على أنها لا تجزئ في الفرض إلا عن موت أو عضب، فلا يدخل المريض لأنه يرجى برؤه ولا المجنون لأنه ترجى إفاقته ولا المحبوس لأنه يرجى خلاصه ولا الفقير لأنه يمكن استغناؤه، والله أعلم‏.‏
وفي الحديث من الفوائد أيضا جواز الارتداف وسيأتي مبسوطا قبيل كتاب الأدب، وارتداف المرأة مع الرجل، وتواضع النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة الفضل بن عباس منه، وبيان ما ركب في الآدمي من الشهوة وجبلت طباعه عليه من النظر إلى الصور الحسنة‏.‏
وفيه منع النظر إلي الأجنبيات وغض البصر، قال عياض‏:‏ وزعم بعضهم أنه غير واجب إلا عند خشية الفتنة‏.‏
قال‏:‏ وعندي أن فعله صلى الله عليه وسلم إذ غطى وجه الفضل أبلغ من القول‏.‏
ثم قال‏:‏ لعل الفضل لم ينظر نظرا ينكر بل خشي عليه أن يئول إلى ذلك أو كان قبل نزول الأمر بإدناء الجلابيب‏.‏
ويؤخذ منه التفريق بين الرجال والنساء خشية الفتنة، وجواز كلام المرأة وسماع صوتها للأجانب عند الضرورة كالاستفتاء عن العلم والترافع في الحكم والمعاملة‏.‏
وفيه أن إحرام المرأة في وجهها فيجوز لها كشفه في الإحرام، وروى أحمد وابن خزيمة من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للفضل حين غطى وجهه يوم عرفة ‏"‏ هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له‏"‏‏.‏
وفي هذا الحديث أيضا النيابة في السؤال عن العلم حتى من المرأة عن الرجل وأن المرأة تحج بغير محرم، وأن المحرم ليس من السبيل المشترط في الحج، لكن الذي تقدم من أنها كانت مع أبيها قد يرد على ذلك‏.‏
وفيه بر الوالدين والاعتناء بأمرهما والقيام بمصالحهما من قضاء دين وخدمة ونفقه وغير ذلك من أمور الدين والدنيا‏.‏
واستدل به على أن العمرة غير واجبة لكون الخثعمية لم تذكرها، ولا حجة فيه لأن مجرد ترك السؤال لا يدل على عدم الوجود لاستفادة ذلك من حكم الحج، ولاحتمال أن يكون أبوها قد اعتمر قبل الحج، على أن السؤال عن الحج والعمرة قد وقع في حديث أبي رزين كما تقدم‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ حديث الخثعمية أصل متفق على صحته في الحج خارج عن القاعدة المستقرة في الشريعة من أن ليس عموم للإنسان إلا ما سعى رفقا من الله في استدراك ما فرط فيه المرء بولده وماله، وتعقب بأنه يمكن أن يدخل في عموم السعي، وبأن عموم السعي في الآية مخصوص اتفاقا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب حَجِّ الصِّبْيَانِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب حج الصبيان‏)‏ أي مشروعيته، وكأن الحديث الصريح فيه ليس على شرط المصنف، وهو ما رواه مسلم من طريق كريب عن ابن عباس قال ‏"‏ رفعت امرأة صبيا فقالت‏:‏ يا رسول الله ألهذا حج‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
ولك أجر ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ، إلا أنه إذا حج به كان له تطوعا عند الجمهور‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يصح إحرامه ولا يلزمه شيء بفعل شيء من محظورات الإحرام، وإنما يحج به على جهة التدريب، وشذ بعضهم فقال‏:‏ إذا حج الصبي أجزأه ذلك عن حجة الإسلام، لظاهر قوله ‏"‏ نعم ‏"‏ في جواب ‏"‏ ألهذا حج‏"‏‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ لا حجة فيه لذلك، بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له، لأن ابن عباس راوي الحديث قال‏:‏ أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى، ثم ساقه بإسناد صحيح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ بَعَثَنِي أَوْ قَدَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّقَلِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ
الشرح‏:‏
حديث بن عباس قال ‏"‏ بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في الثقل ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب من قدم ضعفة أهله‏"‏‏.‏
ووجه الدلالة منه هنا أن ابن عباس كان دون البلوغ، ولهذه النكتة أردفه المصنف بحديثه الآخر المصرح فيه بأنه كمان حينئذ قد قارب الاحتلام‏.‏
ثم بين بالطريق المعلقة أن ذلك وقع في حجة الوداع، وقد تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب متى يصح سماع الصغير ‏"‏ من كتاب العلم، وفي ‏"‏ باب سترة المصلي ‏"‏ من كتاب الصلاة
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَقْبَلْتُ وَقَدْ نَاهَزْتُ الْحُلُمَ أَسِيرُ عَلَى أَتَانٍ لِي وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِمِنًى حَتَّى سِرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ نَزَلْتُ عَنْهَا فَرَتَعَتْ فَصَفَفْتُ مَعَ النَّاسِ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
الشرح‏:‏
حدثنا إسحاق نسبه الأصيلي وابن السكن ‏"‏ ابن منصور ‏"‏ ‏"‏ وقد أخرجه ‏"‏ إسحاق بن راهويه ‏"‏ في مسنده عن يعقوب أيضا ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج، لكن يرجح كونه ‏"‏ ابن منصور ‏"‏ أن ابن راهويه لا يعبر عن مشايخه إلا بصيغة ‏"‏ أخبرنا‏"‏‏.‏
ورواية يونس المعلقة وصلها مسلم من طريق ابن وهب عنه ولفظه ‏"‏ أنه أقبل يسير على حمار ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بمنى في حجة الوداع‏"‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن يوسف‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ حدثنا محمد بن يوسف وهو الكندي ‏"‏ حفيد شيخه السائب وقيل سبط وقيل ابن أخيه عبد الله بن يزيد، والسائب بن يزيد أي ابن سعيد ابن ثمامة بن الأسود الكندي حليف بني عبد شمس ويعرف بابن أخت النمر والنمر رجل حضرمي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حج بي‏)‏ كذا للأكثر بضم أوله على البناء لما لم يسم فاعله‏.‏
وقال ابن سعد عن الواقدي عن حاتم ‏"‏ حجت بي أمي ‏"‏ وللفاكهي من وجه آخر عن محمد بن يوسف عن السائب ‏"‏ حج بي أبي ‏"‏ ويجمع بينهما بأنه كان مع أبويه، زاد الترمذي عن قتيبة عن حاتم ‏"‏ في حجة الوداع‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لِلسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَكَانَ قَدْ حُجَّ بِهِ فِي ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الجعيد‏)‏ بالجيم مصغرا، والقاسم بن مالك هو المزني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت بن عبد العزيز يقول للسائب بن يزيد وكان السائب قد حج به في ثقل النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ لم يذكر مقول عمر ولا جواب السائب، وكأنه كان قد سأله عن قدر المد، فسيأتي في الكفارات عن عثمان بن أبي شيبة عن القاسم بن مالك بهذا الإسناد ‏"‏ كان الصاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا، فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز ‏"‏ زاد الإسماعيلي من هذا الوجه ‏"‏ قال السائب وقد حج بي في ثقل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلام ‏"‏ وقال الكرماني‏:‏ اللام في قوله للسائب للتعليل أي سمعت عمر يقول لأجل السائب، والمقول ‏"‏ وكان السائب الخ ‏"‏ كذا قال ولا يخفى بعده، وسيأتي للسائب ترجمة في الكلام على خاتم النبوة إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب حَجِّ النِّسَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب حج النساء‏)‏ أي هل يشترط فيه قدر زائد على حج الرجال أو لا‏؟‏ ثم أورد المصنف فيه عدة أحاديث‏.‏
الحديث‏:‏
و قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْأَزْرَقِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَذِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال لي أحمد بن محمد حدثنا إبراهيم عن أبيه عن جده قال أذن عمر‏)‏ أي ابن الخطاب ‏(‏لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن‏)‏ كذا أورده مختصرا، ولم يستخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم، ونفل الحميدي عن البرقاني أن إبراهيم هو ابن عبد الرحمن بن عوف‏.‏
قال الحميدي‏:‏ وفيه نظر، ولم يذكره أبو مسعود‏.‏
انتهى‏.‏
والحديث معروف، وقد ساقه ابن سعد والبيهقي مطولا، وجعل مغلطاي تنظير الحميدي راجعا إلى نسبة إبراهيم فقال‏:‏ مراد البرقاني بإبراهيم جد إبراهيم المبهم في رواية البخاري، فظن الحميدي أنه عين إبراهيم الأول، وليس كذلك بل هو جده لأنه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف‏.‏
وقوله ‏"‏وقال لي أحمد بن محمد ‏"‏ أي ابن الوليد الأزرقي، وقوله ‏"‏أذن عمر ‏"‏ ظاهره أنه من رواية إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف عن عمر ومن ذكر معه، وإدراكه لذلك ممكن لأن عمره إذ ذاك كان أكثر من عشر سنين، وقد أثبت سماعه من عمر يعقوب بن أبي شيبة وغيره، لكن روى ابن سعد هذا الحديث عن الواقدي عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن عوف قال ‏"‏ أرسلني عمر ‏"‏ لكن الواقدي لا يحتج به فقد رواه البيهقي من طريق عبدان وابن سعد أيضا عن الوليد بن عطاء بن الأغر المكي كلاهما عن إبراهيم ابن سعد مثل ما قال الأزرقي، ويحتمل أن يكون إبراهيم حفظ أصل القصة وحمل تفاصيلها عن أبيه فلا تتخالف الروايتان، ولعل هذا هو النكتة في اقتصار البخاري على أصل القصة دون بقيتها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعبد الرحمن‏)‏ زاد عبدان ‏"‏ عبد الرحمن بن عوف ‏"‏ وكان عثمان ينادي‏:‏ ألا لا يدنو أحد منهن ولا ينظر إليهن، وهن في الهوادج على الإبل، فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب فلم يصعد إليهن أحد، ونزل عبد الرحمن وعثمان بذنب الشعب‏"‏‏.‏
وفي رواية لابن سعد ‏"‏ فكان عثمان يسير أمامهن وعبد الرحمن خلفهن‏"‏‏.‏
وفي رواية له ‏"‏ وعلى هوادجهن الطيالسة الخضر ‏"‏ في إسناده الواقدي، وروى ابن سعد أيضا بإسناد صحيح من طريق أبي إسحاق السبيعي قال ‏"‏ رأيت نساء النبي صلى الله عليه وسلم حججن في هوادج عليها الطيالسة زمن المغيرة ‏"‏ أي ابن شعبة، والظاهر أنه أراد بذلك زمن ولاية المغيرة على الكوفة لمعاوية، وكان ذلك سنة خمسين أو قبلها‏.‏
ولابن سعد أيضا من حديث أم معبد الخزاعية قالت ‏"‏ رأيت عثمان وعبد الرحمن في خلافة عمر حجا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم فنزلن بقديد، فدخلت عليهن وهن ثمان ‏"‏ وله من حديث عائشة ‏"‏ أنهن استأذن عثمان في الحج فقال‏:‏ أنا أحج بكن، فحج بنا جميعا إلا زينب كانت ماتت، وإلا سودة فإنها لم تخرج من بيتها بعد النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وروى أبو داود وأحمد من طريق واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجة الوداع‏:‏ هذه ثم ظهور الحصر ‏"‏ زاد ابن سعد من حديث أبي هريرة ‏"‏ فكن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يحججن، إلا سودة وزينب فقالا‏:‏ لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وإسناد حديث أبي واقد صحيح‏.‏
وأغرب المهلب فزعم أنه من وضع لقصد ذم أم المؤمنين عائشة في خروجها إلى العراق للإصلاح بين الناس في قصة وقعة الجمل، وهو إقدام منه على رد الأحاديث الصحيحة بغير دليل، والعذر عن عائشة أنها تأولت الحديث المذكور كما تأوله غيرها من صواحباتها على أن المراد بذلك أنه لا يجب عليهن غير تلك الحجة، وتأيد ذلك عندها بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لكن أفضل الجهاد الحج والعمرة ‏"‏ ومن ثم عقبه المصنف بهذا الحديث في هذا الباب، وكأن عمر رضي الله عنه كان متوقفا في ذلك ثم ظهر له الجواز فأذن لهن، وتبعه على ذلك من ذكر من الصحابة ومن في عصره من غير نكير‏.‏
وروى ابن سعد من مرسل أبي جعفر الباقر قال ‏"‏ منع عمر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة ‏"‏ ومن طريق أم درة عن عائشة قالت ‏"‏ منعنا عمر الحج والعمرة، حتى إذا كان آخر عام فأذن لنا ‏"‏ وهو موافق لحديث الباب، وفيه زيادة على ما في مرسل أبي جعفر، وهو محمول على ما ذكرناه‏.‏
واستدل به على جواز حج المرأة بغير محرم، وسيأتي البحث فيه في الكلام على الحديث الثالث‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ روى عمر بن شبة هذا الحديث عن سليمان بن داود الهاشمي عن إبراهيم بن سعد بإسناد آخر فقال ‏"‏ عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عن أم كلثوم بنت أبي بكر عن عائشة أن عمر أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فحججن في آخر حجة حجها عمر، فلما ارتحل عمر من الحصبة من آخر الليل أقبل رجل فسلم وقال‏:‏ أين كان أمير المؤمنين ينزل‏؟‏ فقال له قائل وأنا أسمع‏:‏ هذا كان منزله‏.‏
فأناخ في منزل عمر، ثم رفع عقيرته يتغنى‏:‏ عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق الأبيات‏.‏
قالت عائشة‏:‏ فقلت لهم اعلموا لي علم هذا الرجل، فذهبوا فلم يروا أحدا، فكانت عائشة تقول‏:‏ ‏"‏ إني لأحسبه من الجن‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ فَقَالَ لَكِنَّ أَحْسَنَ الْجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الْحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَلَا أَدَعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عائشة‏)‏ في رواية زائدة عن حبيب عند الإسماعيلي ‏"‏ حدثتني عائشة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ألا نغزو أو نجاهد‏)‏ هذا شك من الراوي، وهو مسدد شيخ البخاري، وقد رواه أبو كامل عن أبي عوانة شيخ مسدد بلفظ ‏"‏ ألا تغزو معكم ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، وأغرب الكرماني فقال‏:‏ ليس الغزو والجهاد بمعنى واحد، فإن الغزو القصد إلى القتال، والجهاد بذل النفس في القتال‏.‏
قال‏:‏ أو ذكر الثاني تأكيدا للأول ا ه‏.‏
وكأنه ظن أن الألف تتعلق بنغزو فشرح على أن الجهاد معطوف على الغزو بالواو، أو جعل ‏"‏ أو ‏"‏ بمعنى الواو‏.‏
وقد أخرجه النسائي من طريق جرير عن حبيب بلفظ ‏"‏ ألا نخرج فنجاهد معك ‏"‏ ولابن خزيمة من طريق زائدة عن حبيب مثله وزاد ‏"‏ فإنا نجد الجهاد أفضل الأعمال ‏"‏ وللإسماعيلي من طريق أبي بكر بن عياش عن حبيب ‏"‏ لو جاهدنا معك، قال‏:‏ لا جهاد، ولكن حج مبرور ‏"‏ وقد تقدم في أوائل الحج من طريق خالد عن حبيب بلفظ ‏"‏ نرى الجهاد أفضل العمل ‏"‏ فظهر أن التغاير بين اللفظين من الرواة فيقوى أن ‏"‏ أو ‏"‏ للشك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لكن أحسن الجهاد‏)‏ تقدم نقل الخلاف في توجيهه في أوائل الحج وهل هو بلفظ الاستثناء أو بلفظ خطاب النسوة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الحج حج مبرور‏)‏ في رواية جرير ‏"‏ حج البيت حج مبرور ‏"‏ وسيأتي في الجهاد من وجه آخر عن عائشة بنت طلحة بلفظ ‏"‏ استأذنه نساؤه في الجهاد فقال‏:‏ يكفيكن الحج ‏"‏ ولابن ماجة من طريق محمد بن فضيل عن حبيب ‏"‏ قلت يا رسول الله على النساء جهاد‏؟‏ قال‏:‏ نعم، جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة‏"‏‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ زعم بعض من ينقص عائشة في قصة الجمل أن قوله تعالى ‏(‏وقرن في بيوتكن‏)‏ يقتضى تحريم السفر عليهن‏.‏
قال‏:‏ وهذا الحديث يرد عليهم، لأنه قال ‏"‏ لكن أفضل الجهاد ‏"‏ فدل على أن لهن جهادا غير الحج والحج أفضل منه ا ه‏.‏
ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‏"‏ لا ‏"‏ في جواب قولهن ‏"‏ ألا نخرج فنجاهد معك ‏"‏ أي ليس ذلك واجبا عليكن كما وجب على الرجال، ولم يرد بذلك تحريمه عليهن، فقد ثبت في حديث أم عطية أنهن كن يخرجن فيداوين الجرحى، وفهمت عائشة ومن وافقها من هذا الترغيب في الحج إباحة تكريره لهن كما أبيح للرجال تكرير الجهاد، وخص به عموم قوله ‏"‏ هذه ثم ظهور الحصر ‏"‏ وقوله تعالى ‏(‏وقرن في بيوتكن‏)‏ وكأن عمر كان متوقفا في ذلك ثم ظهر له قوة دليلها فأذن لهن في آخر خلافته، ثم كان عثمان بعده يحج بهن في خلافته أيضا‏.‏
وقد وقف بعضهن عند ظاهر النهي كما تقدم‏.‏
وقال البيهقي‏:‏ في حديث عائشة هذا دليل على أن المراد بحديث أبي واقد وجوب الحج مرة واحدة كالرجال، لا المنع من الزيادة‏.‏
وفيه دليل على أن الأمر بالقرار في البيوت ليس على سبيل الوجوب‏.‏
واستدل بحديث عائشة هذا على جواز حج المرأة مع من تثق به ولو لم يكن زوجا ولا محرما كما سيأتي البحث فيه في الذي يليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي معبد‏)‏ كذا رواه عبد الرزاق عن ابن جريج وابن عيينة كلاهما عمرو عن أبي معبد به، ولعمرو بهذا الإسناد حديث آخر أخرجه عبد الرزاق وغيره عن ابن عيينة عنه عن عكرمة قال ‏"‏ جاء رجل إلى المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أين نزلت‏؟‏ قال‏:‏ على فلانة‏.‏
قال‏:‏ أغلقت عليها بابك‏؟‏ مرتين‏.‏
لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم‏.‏
ورواه عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن عمرو ‏"‏ أخبرني عكرمة أو أبو معبد عن ابن عباس ‏"‏ قلت‏:‏ والمحفوظ في هذا مرسل عكرمة‏.‏
وفي الآخر رواية أبي معبد عن ابن عباس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا تسافر المرأة‏)‏ كذا أطلق السفر وقيده في حديث أبي سعيد الآتي في الباب فقال ‏"‏ مسيرة يومين‏"‏، ومضى في الصلاة حديث أبي هريرة مقيدا بمسيرة يوم وليلة، وعنه روايات أخرى، وحديث ابن عمر فيه مقيدا بثلاثة أيام، وعنه روايات أخرى أيضا، وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات‏.‏
وقال النووي‏:‏ ليس المراد من التحديد ظاهره، بل كل ما يسمى سفر فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم، وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين‏.‏
وقال المنذري‏:‏ يحتمل أن يقال إن اليوم المفرد والليلة المفردة بمعنى اليوم والليلة، يعني فمن أطلق يوما أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها وأن يكون عند جمعهما أشار إلى مدة الذهاب والرجوع، وعند إفرادهما أشار إلى قدر ما تقضي فيه الحاجة‏.‏
قال‏:‏ ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لأوائل الأعداد، فاليوم أول العدد والاثنان أول التكثير والثلاث أول الجمع، وكأنه أشار إلى أن مثل هذا في قلة الزمن لا يحل فيه السفر فكيف بما زاد‏.‏
ويحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها فيؤخذ بأقل ما ورد في ذلك وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد، فعلى هذا يتناول السفر طويل السير وقصيره، ولا يتوقف امتناع سير المرأة على مسافة القصر خلافا للحنفية، وحجتهم أن المنع المقيد بالثلاث متحقق وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن، ونوقض بأن الرواية المطلقة شاملة لكل سفر فينبغي الأخذ بها وطرح ما عداها فإنه مشكوك فيه، ومن قواعد الحنفية تقديم الخبر العام على الخاص، وترك حمل المطلق على المقيد، وقد خالفوا ذلك هنا، والاختلاف إنما وقع في الأحاديث التي وقع فيها التقييد، بخلاف حديث الباب فإنه لم يختلف على ابن عباس فيه‏.‏
وفرق سفيان الثوري بين المسافة البعيدة فمنعها دون القريبة، وتمسك أحمد بعموم الحديث فقال‏:‏ إذا لم تجد زوجا أو محرما لا يجب عليها الحج، هذا هو المشهور عنه‏.‏
وعنه رواية أخرى كقول مالك وهو تخصيص الحديث بغير سفر الفريضة، قالوا‏:‏ وهو مخصوص بالإجماع‏.‏
قال البغوي لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت‏.‏
وزاد غيره أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة‏.‏
قالوا‏:‏ وإذا كان عمومه مخصوصا بالاتفاق فليخص منه حجة الفريضة‏.‏
وأجاب صاحب ‏"‏ المغني ‏"‏ بأنه سفر الضرورة فلا يقاس عليه حالة الاختيار، ولأنها تدفع ضررا متيقنا بتحمل ضرر متوهم ولا كذلك السفر للحج‏.‏
وقد روى الدار قطني وصححه أبو عوانة حديث الباب من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار بلفظ ‏"‏ لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم ‏"‏ فنص في نفس الحديث على منع الحج فكيف يخص من بقية الأسفار‏؟‏ والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات، وفي قول تكفي امرأة واحدة ثقة‏.‏
وفي قول نقله الكرابيسي وصححه في المهذب تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنا، وهذا كله في الواجب من حج أو عمرة‏.‏
وأغرب القفال فطرده في الأسفار كلها، واستحسنه الروياني قال‏:‏ إلا أنه خلاف النص‏.‏
قلت‏:‏ وهو يعكر على نفي الاختلاف الذي نقله البغوي آنفا‏.‏
واختلفوا هل المحرم وما ذكر معه شرط في وجوب الحج عليها أو شرط في التمكن فلا يمنع الوجوب والاستقرار في الذمة‏؟‏ وعبارة أبي الطيب الطبري منهم‏:‏ الشرائط التي يجب بها الحج على الرجل يجب بها على المرأة، فإذا أرادت أن تؤديه فلا يجوز لهم إلا مع محرم أو زوج أو نسوة ثقات‏.‏
ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذا أمن الطريق أول أحاديث الباب، لاتفاق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وعدم نكير غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك، ومن أبى ذلك من أمهات المؤمنين فإنما أباه من جهة خاصة كما تقدم لا من جهة توقف السفر على المحرم، ولعل هذا هو النكتة في إيراد البخاري الحديثين أحدهما عقب الآخر، ولم يختلفوا أن النساء كلهن في ذلك سواء إلا ما نقل عن أبي الوليد الباجي أنه خصه بغير العجوز التي لا تشتهى، وكأنه نقله من الخلاف المشهور في شهود المرأة صلاة الجماعة‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ الذي قاله الباجي تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى، يعني مع مراعاة الأمر الأغلب‏.‏
وتعقبوه بأن لكل ساقطة لاقطة، والمتعقب راعي الأمر النادر وهو الاحتياط‏.‏
قال‏:‏ والمتعقب على الباجي يرى جواز سفر المرأة في الأمن وحدها فقد نظر أيضا إلى المعنى، يعني فليس له أن ينكر على الباجي، وأشار بذلك إلى الوجه المتقدم والأصح خلافه، وقد احتج له بحديث عدي بن حاتم مرفوعا ‏"‏ يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا زوج معها ‏"‏ الحديث‏.‏
وهو في البخاري‏.‏
وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه، وأجيب بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز‏.‏
ومن المستظرف أن المشهور من مذهب من لم يشترط المحرم أن الحج على التراخي، ومن مذهب من يشترطه أنه حج على الفور، وكان المناسب لهذا قول هذا وبالعكس‏.‏
وأما ما قال النووي في شرح حديث جبريل في بيان الإيمان والإسلام عند قوله ‏"‏ أن تلد الأمة ربتها ‏"‏‏:‏ فليس فيه دلالة على إباحة بيع أمهات الأولاد ولا منع بيعهن، خلافا لمن استدل به في كل منهما، لأنه ليس في كل شيء أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع يكون محرما ولا جائزا‏.‏
انتهى‏.‏
وهو كما قال، لكن القرينة المذكورة تقوي الاستدلال به على الجواز‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذه المسألة تتعلق بالعامين إذا تعارضا، فإن قوله تعالى ‏(‏ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا‏)‏ عام في الرجال والنساء، فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع، وقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا تسافر المرأة إلا مع محرم ‏"‏ عام في كل سفر فيدخل فيه الحج، فمن أخرجه عنه خص الحديث بعموم الآية، ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث فيحتاج إلى الترجيح من خارج، وقد رجح المذهب الثاني بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ‏"‏ وليس ذلك بجيد لكونه عاما في المساجد فيخرج عنه المسجد الذي يحتاج إلى السفر بحديث النهي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا مع ذي محرم‏)‏ أي فيحل، ولم يصرح بذكر الزوج، وسيأتي في حديث أبي سعيد في هذا الباب بلفظ ‏"‏ ليس معها زوجها أو ذو محرم منها ‏"‏ وضابط المحرم عند العلماء من حرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها، فخرج بالتأبيد أخت الزوجة وعمتها وبالمباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها وبحرمتها الملاعنة، واستثنى أحمد من حرمت على التأبيد مسلمة لها أب كتابي فقال‏:‏ لا يكون محرما لها لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها إذا خلا بها‏.‏
ومن قال إن عبد المرأة محرم لها يحتاج أن يزيد في هذا الضابط ما يدخله، وقد روى سعيد بن منصور من حديث ابن عمر مرفوعا ‏"‏ سفر المرأة مع عبدها ضيعة ‏"‏ لكن في إسناده ضعف، وقد احتج به أحمد وغيره، وينبغي لمن أجاز ذلك أن يقيده بما إذا كانا في قافلة بخلاف ما إذا كانا وحدهما فلا لهذا الحديث‏.‏
وفي آخر حديث ابن عباس هذا ما يشعر بأن الزوج يدخل في مسمى المحرم، فإنه لما استثنى المحرم فقال القائل إن امرأتي حاجة فكأنه فهم حال الزوج في المحرم، ولم يرد عليه ما فهمه بل قيل له ‏"‏ اخرج معها‏"‏‏.‏
واستثنى بعض العلماء ابن الزوج فكره السفر معه لغلبة الفساد في الناس‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذه الكراهية عن مالك، فإن كانت للتحريم ففيه بعد لمخالفة الحديث، وإن كانت للتنزيه فيتوقف على أن لفظ ‏"‏ لا يحل ‏"‏ هل يتناول المكروه الكراهة التنزيهية‏؟‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم‏)‏ فيه منع الخلوة بالأجنبية وهو إجماع، لكن اختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات‏؟‏ والصحيح الجواز لضعف التهمة به‏.‏
وقال القفال‏:‏ لا بد من المحرم، وكذا في النسوة الثقات في سفر الحج لا بد من أن يكون مع إحداهن محرم‏.‏
ويؤيده نص الشافعي أنه لا يجوز للرجل أن يصلي بنساء مفردات إلا أن تكون إحداهن محرما له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا‏)‏ لم أقف على اسم الرجل ولا امرأته ولا على تعيين الغزوة المذكورة، وسيأتي في الجهاد بلفظ ‏"‏ إني اكتتبت في غزوة كذا ‏"‏ أي كتبت نفسي في أسماء من عين لتلك الغزاة‏.‏
قال ابن المنير‏:‏ الظاهر أن ذلك كان في حجة الوداع فيؤخذ منه أن الحج على التراخي إذ لو كان على الفور لما تأخر الرجل مع رفقته الذين عينوا في تلك الغزاة‏.‏
كذا قال، وليس ما ذكره بلازم لاحتمال أن يكونوا قد حجوا قبل ذلك مع من حج في سنة تسع مع أبي بكر الصديق، أو أن الجهاد قد تعين على المذكورين بتعيين الإمام، كما لو نزل عدو بقوم فإنه يتعين عليهم الجهاد ويتأخر الحج اتفاقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اخرج معها‏)‏ أخذ بظاهره بعض أهل العلم فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره، وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية، والمشهور أنه لا يلزمه كالولي في الحج عن المريض فلو امتنع إلا بأجرة لزمها لأنه من سبيلها فصار في حقها كالمؤنة، واستدل به على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض، وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية، والأصح عندهم أن له منعها لكون الحج على التراخي‏.‏
وأما ما رواه الدار قطني من طريق إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر مرفوعا في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحج فليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها‏؟‏ فأجيب عنه بأنه محمول على حج التطوع عملا بالحديثين، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها، وإنما اختلفوا فيما كان واجبا، واستنبط منه ابن حزم جواز سفر المرأة بغير زوج ولا محرم لكونه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بردها ولا عاب سفرها، وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطا لما أمر زوجها بالسفر معها وتركه الغزو الذي كتب فيه، ولا سيما وقد رواه سعيد بن منصور عن حماد بن زيد بلفظ ‏"‏ فقال رجل‏:‏ يا رسول الله إني نذرت أن أخرج في جيش كذا وكذا ‏"‏ فلو لم يكن شرطا ما رخص له في ترك النذر، قال النووي‏:‏ وفي الحديث تقديم الأهم فالأهم من الأمور المتعارضة، فإنه لما عرض له الغزو والحج رجح الحج لأن امرأته لا يقوم غيره مقامه في السفر معها بخلاف الغزو، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَخْبَرَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيَّةِ مَا مَنَعَكِ مِنْ الْحَجِّ قَالَتْ أَبُو فُلَانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا قَالَ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
الحديث له طريقان موصول ومعلق وآخر معلق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حبيب المعلم‏)‏ هو ابن أبي قريبة بقاف وموحدة، واسم أبي قريبة زيد وقيل زائدة، وهو غير حبيب بن أبي عمرة المذكور في ثاني أحاديث الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت أبو فلان تعني زوجها‏)‏ وقد تقدم أنه أبو سنان، وتقدم الحديث مشروحا في ‏"‏ باب عمرة في رمضان‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه ابن جريج عن عطاء الخ‏)‏ أراد تقوية طريق حبيب بمتابعة ابن جريج له عن عطاء، واستفيد منه تصريح عطاء بسماعه له من ابن عباس، وقد تقدمت طريق ابن جريج موصولة في الباب المشار إليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبيد الله‏)‏ بالتصغير وهو ابن عمرو الرقي ‏(‏عن عبد الكريم‏)‏ وهو ابن مالك الجزري ‏(‏عن عطاء عن جابر‏)‏ ، وأراد البخاري بهذا بيان الاختلاف فيه على عطاء، وقد تقدم في ‏"‏ باب عمرة في رمضان ‏"‏ أن ابن أبي ليلى ويعقوب بن عطاء وافقا حبيبا وابن جريج، فتبين شذوذ رواية عبد الكريم، وشذ معقل الجزري أيضا فقال ‏"‏ عن عطاء عن أم سليم ‏"‏ وصنيع البخاري يقتضي ترجيح رواية ابن جريج ويومئ إلى أن رواية عبد الكريم ليست مطرحة لاحتمال أن يكون لعطاء فيه شيخان، ويؤيد ذلك أن رواية عبد الكريم خالية عن القصة مقتصرة على المتن وهو قوله ‏"‏ عمرة في رمضان تعدل حجة ‏"‏ كذلك وصله أحمد وابن ماجة من طريق عبيد الله بن عمرو، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ وَقَدْ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَالَ أَرْبَعٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ يُحَدِّثُهُنَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي أَنْ لَا تُسَافِرَ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ وَلَا صَوْمَ يَوْمَيْنِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى
الشرح‏:‏
حديث أبي سعيد، تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب الصلاة في مسجد مكة والمدينة ‏"‏ وأنه مشتمل على أربعة أحكام أحدها‏:‏ سفر المرأة، وقد تقدم البحث فيه في هذا الباب، ثانيها‏:‏ منع صوم الفطر والأضحى وسيأتي في الصيام، ثالثها‏:‏ منع الصلاة بعد الصبح والعصر وقد تقدم في أواخر الصلاة، رابعها‏:‏ منع شد الرحل إلى غير المساجد الثلاثة وقد تقدم في أواخر الصلاة أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو قال يحدثهن‏)‏ وقع عند الكشميهني بلفظ ‏"‏ أو قال أخذتهن ‏"‏ بالخاء والذال المعجمتين أي حملتهن عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وآنقنني‏)‏ بفتح النونين وسكون القاف بوزن أعجبنني، ومعناه أي الكلمات، يقال آنقني الشيء بالمد، أي أعجبني‏.‏
وذكر الإعجاب بعده من التأكيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو ذو محرم‏)‏ كذا للأكثر، وفي بعض النسخ عن أبي ذر ‏"‏ أو ذو محرم، محرم ‏"‏ الأول بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه والثاني بوزن محمد أي عليها‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n163&p1#TOP)باب مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى الْكَعْبَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من نذر المشي إلى الكعبة‏)‏ أي وغيرها من الأماكن المعظمة هل يجب عليه الوفاء بذلك أو لا‏؟‏ وإذا وجب فتركه قادرا أو عاجزا ماذا يلزمه‏؟‏ وفي كل ذلك اختلاف بين أهل العلم سيأتي إيضاحه في كتاب النذر إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ حَدَّثَنِي ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ قَالَ مَا بَالُ هَذَا قَالُوا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الفزاري‏)‏ هو مروان بن معاوية كما جزم به أصحاب الأطراف والمستخرجات، وقد أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن مروان هذا بهذا الإسناد‏.‏
وقال ابن حزم‏:‏ هو أبو إسحاق الفزاري أو مروان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني ثابت‏)‏ هكذا قال أكثر الرواة عن حميد، وهذا الحديث مما صرح حميد فيه بالواسطة بينه وبين أنس، وقد حذفه في وقت آخر فأخرجه النسائي من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري والترمذي من طريق ابن أبي عدي كلاهما عن حميد عن أنس، وكذا أخرجه أحمد عن ابن أبي عدي ويزيد بن هارون جميعا عن حميد بلا واسطة، ويقال إن غالب رواية حميد عن أنس بواسطة، لكن قد أخرج البخاري من حديث حميد عن أنس أشياء كثيرة بغير واسطة مع الاعتناء ببيان سماعه لها من أنس، وقد وافق عمران القطان عن حميد الجماعة على إدخال ثابت بينه وبين أنس، لكن خالفهم في المتن، أخرجه الترمذي من طريقه بلفظ ‏"‏ نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله، فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال‏:‏ إن الله لغني عن مشيها، مروها فلتركب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأى شيخا يهادي‏)‏ بضم أوله من المهاداة، وهو أن يمشي معتمدا على غيره‏.‏
وللترمذي من طريق خالد بن الحارث عن حميد ‏"‏ يتهادى ‏"‏ بفتح أوله ثم مثناة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين ابنيه‏)‏ لم أقف على اسم هذا الشيخ ولا على اسم ابنيه، وقرأت بخط مغلطاي ‏"‏ الرجل الذي يهادى ‏"‏ قال الخطيب‏:‏ هو أبو إسرائيل، كذا قال وتبعه ابن الملقن، وليس ذلك في كتاب الخطيب وإنما أورده من حديث مالك ‏"‏ عن حميد بن قيس وثور أنهما أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال‏:‏ ما بال هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ نذر أن لا يستظل ولا يتكلم ويصوم ‏"‏ الحديث‏.‏
قال الخطيب‏:‏ هذا الرجل هو أبو إسرائيل، ثم ساق حديث عكرمة عن ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة فرأى رجلا يقال له أبو إسرائيل فقال‏:‏ ما باله‏؟‏ قالوا‏:‏ نذر أن يصوم ويقوم في الشمس ولا يتكلم ‏"‏ الحديث‏.‏
وهذا الحديث سيأتي في الأيمان والنذور من حديث ابن عباس، والمغايرة بينه وبين حديث أنس ظاهرة من عدة أوجه، فيحتاج من وحد بين القصتين إلى مستند، والله المستعان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ما بال هذا‏؟‏ قالوا نذر أن يمشي‏)‏ في حديث أبي هريرة عند مسلم أن الذي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله ولدا الرجل ولفظه ‏"‏ فقال ما شأن هذا الرجل‏؟‏ قال ابناه‏:‏ يا رسول الله كان عليه نذر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أمره‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وأمره ‏"‏ بزيادة واو‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن يركب‏)‏ زاد أحمد عن الأنصاري عن حميد فركب، وإنما لم يأمره بالوفاء بالنذر إما لأن الحج راكبا أفضل من الحج ماشيا فنذر المشي يقتضي التزام ترك الأفضل فلا يجب الوفاء به، أو لكونه عجز عن الوفاء بنذره وهذا هو الأظهر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ قَالَ وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُفَارِقُ عُقْبَةَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عقبة بن عامر‏)‏ هو الجهني كذا وقع عند أحمد ومسلم وغيرهما في هذا الحديث من هذا الوجه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نذرت أختي‏)‏ قال المنذري وابن القسطلاني والقطب الحلبي ومن تبعهم‏:‏ هي أم حبان بنت عامر، وهي بكسر المهملة وتشديد الموحدة، ونسبوا ذلك لابن ماكولا فوهموا فإن ابن ماكولا إنما نقله عن ابن سعد، وابن سعد إنما ذكر في طبقات النساء أم حبان بنت عامر بن نابي بنون وموحدة ابن زيد بن حرام بمهملتين الأنصارية قال‏:‏ وهي أخت عقبة بن عامر بن نابي، شهد بدرا، وهي زوج حرام بن محيصة، وكان ذكر قبل عقبة بن عامر بن نابي الأنصاري وأنه شهد بدرا ولا رواية له، وهذا كله مغاير للجهني فإن له رواية كثيرة ولم يشهد بدرا وليس أنصاريا، فعلى هذا لم يعرف اسم أخت عقبة ابن عامر الجهني، وقد كنت تبعت في المقدمة من ذكرت ثم رجعت الآن عن ذلك وبالله التوفيق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن تمشي إلى بيت الله‏)‏ زاد مسلم من طريق عبد الله بن عياش بالياء التحتانية والمعجمة عن يزيد ‏"‏ حافية‏"‏، ولأحمد وأصحاب السنن من طريق عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر الجهني ‏"‏ أن أخته نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة‏"‏، وزاد الطبري من طريق إسحاق بن سالم عن عقبة بن عامر ‏"‏ وهي امرأة ثقيلة والمشي يشق عليها‏"‏، ولأبي داود من طريق قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ‏"‏ أن عقبة بن عامر سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أخته نذرت أن تمشي إلى البيت، وشكا إليه ضعفها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لتمشي ولتركب‏)‏ في رواية عبد الله بن مالك ‏"‏ مرها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام‏"‏‏.‏
وروى مسلم عقب هذا الحديث حديث عبد الرحمن بن شماسة وهو بكسر المعجمة وتخفيف الميم بعدها مهملة عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رفعه ‏"‏ كفارة النذر كفارة اليمين ‏"‏ ولعله مختصر من هذا الحديث، فإن الأمر بصيام ثلاثة أيام هو أحد أوجه كفارة اليمين، لكن وقع في رواية عكرمة المذكورة ‏"‏ قال فلتركب ولتهد بدنة ‏"‏ وسيأتي البحث في ذلك في كتاب النذر إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال وكان أبو الخير لا يفارق عقبة‏)‏ هو يقول يزيد بن أبي حبيب الراوي عن أبي الخير، والمراد بذلك بيان سماع أبي الخير له من عقبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن جريج عن يحيى بن أيوب‏)‏ كذا رواه أبو عاصم، ووافقه روح بن عبادة عند مسلم والإسماعيلي جعلا شيخ ابن جريج في هذا الحديث هو يحيى بن أيوب، وخالفهما هشام بن يوسف فجعل شيخ ابن جريج فيه سعيد بن أبي أيوب، ورجح الأول الإسماعيلي لاتفاق أبي عاصم وروح على خلاف ما قال هشام، لكن يعكر عليه أن عبد الرزاق وافق هشاما وهو عند أحمد ومسلم، ووافقهما محمد بن بكر عن ابن جريج وحجاج بن محمد عند النسائي، فهؤلاء أربعة حفاظ رووه عن ابن جريج عن سعيد ابن أبي أيوب، فإن كان الترجيح هنا بالأكثرية فروايتهم أولى‏.‏
والذي ظهر لي من صنيع صاحبي الصحيح أن لابن جريج فيه شيخين، وقد عبر مغلطاي وتبعه الشيخ سراج الدين عن كلام الإسماعيلي ما لا يفهم منه المراد، والله أعلم‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب المحصر وجزاء الصيد وما مع ذلك إلى هنا على أحد وستين حديثا، المعلق منها ثلاثة عشر حديثا والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية وثلاثون حديثا والخالص ثلاثة وعشرون، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عمر في النقاب والقفاز موقوفا ومرفوعا، وحديث ابن عباس ‏"‏ احتجم وهو محرم‏"‏، وحديثه في التي نذرت أن تحج عن أمها، وحديث السائب ابن يزيد أنه حج به، وحديث جابر ‏"‏ عمرة في رمضان‏"‏‏.‏
وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين اثنا عشر أثرا، والله المستعان‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:14 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n164&p1#TOP)باب حَرَمِ الْمَدِينَةِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - فضائل المدينة‏.‏
باب حرم المدينة‏)‏ كذا لأبي ذر عن الحموي، وسقط للباقين سوى قوله ‏"‏ باب حرم المدينة ‏"‏ وفي رواية أبي علي الشبوي ‏"‏ باب ما جاء في حرم المدينة‏"‏‏.‏
والمدينة علم على البلدة المعروفة التي هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم ودفن بها‏.‏
قال الله تعالى ‏(‏يقولون لئن رجعنا إلى المدينة‏)‏ فإذا أطلقت تبادر إلى الفهم أنها المراد، وإذا أريد غيرها بلفظة المدينة فلا بد من قيد، فهي كالنجم للثريا، وكان اسمها قبل ذلك يثرب، قال الله تعالى ‏(‏وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب ‏"‏ ويثرب اسم لموضع منها سميت كلها به، قيل سميت بيثرب بن قانية من ولد إرم بن سام بن نوح لأنه أول من نزلها، حكاه أبو عبيد البكري وقيل غير ذلك، ثم سماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة كما سيأتي في باب مفرد، وكان سكانها العماليق، ثم نزلها طائفة من بني إسرائيل قيل أرسلهم موسى عليه السلام كما أخرجه الزبير بن بكار في أخبار المدينة بسند ضعيف، ثم نزلها الأوس والخزرج لما تفرق أهل سبأ بسبب سيل العرم، وسيأتي إيضاح ذلك في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏
ثم ذكر المصنف هنا أربعة أحاديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَحْوَلُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا وَلَا يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ في رواية عبد الواحد عن عاصم ‏"‏ قلت لأنس ‏"‏ وسيأتي في الاعتصام، وليزيد ابن هارون عن عاصم ‏"‏ سألت أنسا ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏المدينة حرم من كذا إلى كذا‏)‏ هكذا جاء مبهما، وسيأتي في حديث على رابع أحاديث الباب ‏"‏ ما بين عائر إلى كذا ‏"‏ فعين الأول وهو بمهملة وزن فاعل، وذكره في الجزية وغيرها بلفظ ‏"‏ عير ‏"‏ بسكون التحتانية، وهو جبل بالمدينة كما سنوضحه‏.‏
واتفقت روايات البخاري كلها على إبهام الثاني‏.‏
ووقع عند مسلم ‏"‏ إلى ثور ‏"‏ فقيل إن البخاري أبهمه عمدا لما وقع عنده أنه وهم‏.‏
وقال صاحب ‏"‏ المشارق ‏"‏ و ‏"‏ المطالع ‏"‏‏:‏ أكثر رواة البخاري ذكروا عيرا، وأما ثور فمنهم من كنى عنه بكذا ومنهم من ترك مكانه بياضا، والأصل في هذا التوقف قول مصعب الزبيري‏:‏ ليس بالمدينة عير ولا ثور‏.‏
وأثبت غيره عيرا ووافقه على إنكار ثور، قال أبو عبيد‏:‏ قوله ‏"‏ ما بين عير إلى ثور ‏"‏ هذه رواية أهل العراق، وأما أهل المدينة فلا يعرفون جبلا عندهم يقال له ثور وإنما ثور بمكة، ونرى أن أصل الحديث ‏"‏ ما بين عير إلى أحد‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وقد وقع ذلك في حديث عبد الله بن سلام عند أحمد والطبراني‏.‏
وقال عياض‏:‏ لا معنى لإنكار عير بالمدينة فإنه معروف، وقد جاء ذكره في أشعارهم، وأنشد أبو عبيد البكري في ذلك عدة شواهد، منها قول الأحوص المدني الشاعر المشهور‏:‏ فقلت لعمرو تلك يا عمرو ناره تشب قفا عير فهل أنت ناظر وقال ابن السيد في ‏"‏ المثلث ‏"‏‏:‏ عير اسم جبل بقرب المدينة معروف‏.‏
وروى الزبير في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ عن عيسى بن موسى قال‏:‏ قال سعيد بن عمرو لبشر بن السائب أتدري لم سكنا العقبة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ لأنا قتلنا منكم قتيلا في الجاهلية فأخرجنا إليها‏.‏
فقال‏:‏ وددت لو أنكم قتلتم منا آخر وسكنتم وراء عير، يعني جبلا‏.‏
كذا في نفس الخبر‏.‏
وقد سلك العلماء في إنكار مصعب الزبيري لعير وثور مسالك‏:‏ ما منها تقدم، ومنها قول ابن قدامة يحتمل أن يكون المراد مقدار ما بين عير وثور لا أنهما بعينهما في المدينة، أو سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجبلين اللذين بطرفي المدينة عيرا وثورا ارتجالا‏.‏
وحكى ابن الأثير كلام أبي عبيد مختصرا ثم قال‏:‏ وقيل إن عيرا جبل بمكة، فيكون المراد أحرم من المدينة مقدار ما بين عير وثور بمكة على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف‏.‏
وقال النووي‏:‏ يحتمل أن يكون ثور كان اسم جبل هناك إما أحد وإما غيره‏.‏
وقال المحب الطبري في ‏"‏ الأحكام ‏"‏ بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه‏:‏ قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب - أي العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال - فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور، وتواردوا على ذلك‏.‏
قال فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح، وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه‏.‏
قال وهذه فائدة جليلة‏.‏
انتهي‏.‏
وقرأت بخط شيخ شيوخنا القطب الحلبي في شرحه‏:‏ حكى لنا شيخنا الإمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري أنه خرج رسولا إلى العراق فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل وكان يذكر له الأماكن والجبال، قال‏:‏ فلما وصلنا إلى أحد إذا بقربه جبل صغير، فسألته عنه فقال‏:‏ هذا يسمى ثورا‏.‏
قال فعلمت صحة الرواية‏.‏
قلت‏:‏ وكأن هذا كان مبدأ سؤاله عن ذلك‏.‏
وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في مختصره لأخبار المدينة أن خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم أن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى ثورا، قال وقد تحققته بالمشاهدة‏.‏
وأما قول ابن التين أن البخاري أبهم اسم الجبل عمدا لأنه غلط فهو غلط منه، بل إبهامه من بعض رواته، فقد أخرجه في الجزية فسماه، والله أعلم‏.‏
ومما يدل على أن المراد بقوله في حديث أنس من ‏"‏ كذا إلى كذا جبلان ‏"‏ ما وقع عند مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس مرفوعا ‏"‏ اللهم إني أحرم ما بين جبليها ‏"‏ لكن عند المصنف في الجهاد وغيره من طريق محمد بن جعفر ويعقوب بن عبد الرحمن ومالك كلهم عن عمرو بلفظ ‏"‏ ما بين لابتيها ‏"‏ وكذا في حديث أبي هريرة ثالث أحاديث الباب، وسيأتي بعد أبواب من وجه آخر، وكذا في حديث رافع بن خديج وأبي سعيد وسعد وجابر وكلها عند مسلم، وكذا رواه أحمد من حديث عبادة الزرقي والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف والطبراني من حديث أبي اليسر وأبي حسين وكعب ابن مالك كلهم بلفظ ‏"‏ ما بين لابتيها ‏"‏ واللابتان جمع لابة بتخفيف الموحدة وهي الحرة وهي الحجارة السود، وقد تكرر ذكرها في الحديث‏.‏
ووقع في حديث جابر عند أحمد ‏"‏ وأنا أحرم المدينة ما بين حرتيها ‏"‏ فادعى بعض الحنفية أن الحديث مضطرب لأنه وقع في رواية ما بين جبليها وفي رواية ما بين لابتيها وفي رواية مأزميها، وتعقب بأن الجمع بينهما واضح وبمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة، فإن الجمع لو تعذر أمكن الترجيح، ولا شك أن رواية ‏"‏ ما بين لابتيها ‏"‏ أرجح لتوارد الرواة عليها، ورواية جبليها لا تنافيها فيكون عند كل لابة جبل، أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة الشرق والغرب، وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر، وأما رواية ‏"‏ مأزميها ‏"‏ فهي في بعض طرق حديث أبي سعيد، والمأزم بكسر الزاي المضيق بين الجبلين وقد يطلق على الجبل نفسه‏.‏
واحتج الطحاوي بحديث أنس في قصة أبي عمير ما فعل النغير قال‏:‏ لو كان صيدها حراما ما جاز حبس الطير، وأجيب باحتمال أن يكون من صيد الحل‏.‏
قال أحمد‏:‏ من صاد من الحل ثم أدخله المدينة لم يلزمه إرساله لحديث أبي عمير، وهذا قول الجمهور‏.‏
لكن لا يرد ذلك على الحنفية، لأن صيد الحل عندهم إذا دخل الحرم كان له حكم الحرم، ويحتمل أن تكون قصة أبي عمير كانت قبل التحريم، واحتج بعضهم بحديث أنس في قصة قطع النخل لبناء المسجد، ولو كان قطع شجرها حراما ما فعله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وتعقب بأن ذلك كان في أول الهجرة كما سيأتي واضحا في أول المغازي، وحديث تحريم المدينة كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من خيبر كما سيأتي في حديث عمرو بن أبي عمرو عن أنس في الجهاد وفي غزوة أحد من المغازي واضحا‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ يحتمل أن يكون سبب النهي عن صيد المدينة وقطع شجرها كون الهجرة كانت إليها فكان بقاء الصيد والشجر مما يزيد في زينتها ويدعو إلى ألفتها كما روى ابن عمر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هدم آطام المدينة ‏"‏ فإنها من زينة المدينة فلما انقطعت الهجرة زال ذلك، وما قاله ليس بواضح لأن النسخ لا يثبت إلا بدليل، وقد ثبت على الفتوى بتحريمها سعد وزيد بن ثابت وأبو سعيد وغيرهم كما أخرجه مسلم‏.‏
وقال ابن قدامة‏:‏ يحرم صيد المدينة وقطع شجرها وبه قال مالك والشافعي وأكثر أهل العلم‏.‏
وقال أبو حنيفة لا يحرم، ثم من فعل مما حرم عليه فيه شيئا أثم ولا جزاء عليه في رواية لأحمد، وهو قول مالك والشافعي في الجديد وأكثر أهل العلم‏.‏
وفي رواية لأحمد وهو قول الشافعي في القديم وابن أبي ذئب واختاره ابن المنذر وابن نافع من أصحاب مالك‏.‏
وقال القاضي عبد الوهاب أنه الأقيس واختاره جماعة بعدهم فيه الجزاء وهو كما في حرم مكة، وقيل الجزاء في حرم المدينة أخذ السلب لحديث صححه مسلم عن سعد بن أبي وقاص‏.‏
وفي رواية لأبي داود ‏"‏ من وجد أحدا يصيد في حرم المدينة فليسلبه‏"‏‏.‏
قال القاضي عياض‏:‏ لم يقل بهذا بعد الصحابة إلا الشافعي في القديم‏.‏
قلت‏:‏ واختاره جماعة معه وبعده لصحة الخبر فيه، ولمن قال به اختلاف في كيفيته ومصرفه، والذي دل عليه صنيع سعد عند مسلم وغيره أنه كسلب القتيل وأنه للسالب لكنه لا يخمس، وأغرب بعض الحنفية فادعى الإجماع على ترك الأخذ بحديث السلب، ثم استدل بذلك على نسخ أحاديث تحريم المدينة، ودعوى الإجماع مردودة فبطل ما ترتب عليها‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ لو صح حديث سعد لم يكن في نسخ أخذ السلب ما يسقط الأحاديث الصحيحة‏.‏
ويجوز أخذ العلف لحديث أبي سعيد في مسلم ‏"‏ ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف ‏"‏ ولأبي داود من طريق أبي حسان عن علي نحوه‏.‏
وقال المهلب‏:‏ في حديث أنس دلالة على أن المنهي عنه في الحديث الماضي مقصور على القطع الذي يحصل به الإفساد، فأما من يقصد الإصلاح كمن يغرس بستانا مثلا فلا يمتنع عليه قطع ما كان بتلك الأرض من شجر يضر بقاؤه‏.‏
قال‏:‏ وقيل بل فيه دلالة على أن النهي إنما يتوجه إلى ما أنبته الله من الشجر مما لا صنع للآدمي فيه، كما حمل عليه النهي عن قطع شجر مكة‏.‏
وعلى هذا يحمل قطع صلى الله عليه وسلم النخل وجعله قبلة المسجد ولا يلزم منه النسخ المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يقطع شجرها‏)‏ في رواية يزيد بن هارون ‏"‏ لا يختلي خلاها ‏"‏ وفي حديث جابر عند مسلم ‏"‏ لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها ‏"‏ ونحوه عنده عن سعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أحدث فيها حدثا‏)‏ زاد شعبة وحماد بن سلمة عن عاصم عند أبي عوانة ‏"‏ أو آوى محدثا ‏"‏ وهذه الزيادة صحيحة إلا أن عاصما لم يسمعها من أنس كما سيأتي بيان ذلك في كتاب الاعتصام قوله‏:‏ ‏(‏فعليه لعنة الله‏)‏ فيه جواز لعن أهل المعاصي والفساد، لكن لا دلالة فيه على لعن الفاسق المعين‏.‏
وفيه أن المحدث والمؤوى للمحدث في الإثم سواء‏.‏
والمراد بالحدث والمحدث الظلم والظالم على ما قيل، أو ما هو أعم من ذلك‏.‏
قال عياض‏:‏ واستدل بهذا على أن الحدث في المدينة من الكبائر، والمراد بلعنة الملائكة والناس المبالغة في الإبعاد عن رحمة الله‏.‏
قال‏:‏ والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه في أول الأمر، وليس هو كلعن الكافر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي فَقَالُوا لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ فَأَمَرَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ ثُمَّ بِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
حديث أنس في بناء المسجد، أورد منه طرفا، وقد مضى في الصلاة، وسيأتي بتمامه في أول المغازي إن شاء الله تعالى، وقد بينت المراد بإيراده هنا في الكلام على الحديث الأول وهو أن ذلك كان قبل التحريم، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حُرِّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ عَلَى لِسَانِي قَالَ وَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي حَارِثَةَ فَقَالَ أَرَاكُمْ يَا بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ بَلْ أَنْتُمْ فِيهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل بن عبد الله‏)‏ هو ابن أبي أويس، وأخوه اسمه عبد الحميد، وسليمان هو ابن بلال، وقد سمع إسماعيل منه وروى كثيرا عن أخيه عنه، والإسناد كله مدنيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد المقبري عن أبي هريرة‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ رواه جماعة عن عبيد الله هكذا‏.‏
وقال عبدة بن سليمان‏:‏ عن عبيد الله عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة زاد فيه ‏"‏ عن أبيه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حرم ما بين لابتي المدينة‏)‏ كذا للأكثر بضم أول حرم على البناء لما لم يسم فاعله‏.‏
وفي رواية المستملي ‏"‏ حرم ‏"‏ بفتحتين على أنه خبر مقدم وما بين لابتي المدينة المبتدأ، ويؤيد الأول ما رواه أحمد عن محمد ابن عبيد عن عبيد الله بن عمر في هذا الحديث بلفظ ‏"‏ إن الله عز وجل حرم على لساني ما بين لابتي المدينة ‏"‏ ونحوه للإسماعيلي من طريق أنس بن عياض عن عبيد الله، وقد تقدم القول في اللابتين في الحديث الأول، وزاد مسلم في بعض طرقه ‏"‏ وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى ‏"‏ وروى أبو داود من حديث عدي ابن زيد قال ‏"‏ حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريدا بريدا، لا يخبط شجره ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بنى حارثة‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ ثم جاء بني حارثة وهم في سند الحرة ‏"‏ أي في الجانب المرتفع منها، وبنو حارثة بمهملة ومثلثة بطن مشهور من الأوس، وهو حارثة ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، وكان بنو حارثة في الجاهلية وبنو عبد الأشهل في دار واحدة، ثم وقعت بينهم الحرب فانهزمت بنو حارثة إلى خيبر فسكنوها، ثم اصطلحوا فرجع بنو حارثة فلم ينزلوا في دار بني عبد الأشهل وسكنوا في دارهم هذه وهي غربي مشهد حمزة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بل أنتم فيه‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ بل أنتم فيه ‏"‏ أعادها تأكيدا‏.‏
وفي هذا الحديث جواز الجزم بما يغلب على الظن، وإذا تبين أن اليقين على خلافه رجع عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَقَالَ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ عَدْلٌ فِدَاءٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الرحمن‏)‏ هو ابن مهدي، وسفيان هو الثوري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو يزيد بن شريك بن طارق التيمي، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين كوفيون في نسق، وهذه رواية أكثر أصحاب الأعمش عنه، وخالفهم شعبة فرواه عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن علي، أخرجه أحمد والنسائي‏.‏
قال الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏‏:‏ والصواب رواية الثوري ومن تبعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما عندنا شيء‏)‏ أي مكتوب، وإلا فكان عندهم أشياء من السنة سوى الكتاب، أو المنفي شيء اختصوا به عن الناس‏.‏
وسبب قول على هذا يظهر مما أخرجه أحمد من طريق قيادة عن أبي حسان الأعرج ‏"‏ أن عليا كان يأمر بالأمر فيقال له‏:‏ قد فعلناه‏.‏
فيقول‏:‏ صدق الله ورسوله‏.‏
فقال له الأشتر‏:‏ إن هذا الذي تقول أهو شيء عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ ما عهد إلي شيئا خاصة دون الناس، إلا شيئا سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي، فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة فإذا فيها ‏"‏ فذكر الحديث وزاد فيه ‏"‏ المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم‏.‏
ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين حرتيها وحماها كله، لا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، ولا يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره، ولا يحمل فيها السلاح لقتال ‏"‏ والباقي نحوه‏.‏
وأخرجه الدار قطني من وجه آخر عن قتادة عن أبي حسان عن الأشتر عن علي، ولأحمد وأبي داود والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة ‏"‏ عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال‏:‏ انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا‏:‏ هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس عامة‏؟‏ قال‏:‏ لا، إلا ما في كتابي هذا‏.‏
قال وكتاب في قراب سيفه، فإذا فيه‏:‏ المؤمنون تتكافأ دماؤهم ‏"‏ فذكر مثل ما تقدم إلى قوله في عهده ‏"‏ من أحدث حدثا - إلى قوله - أجمعين‏"‏‏.‏
ولم يذكر بقية الحديث‏.‏
ولمسلم من طريق أبي الطفيل ‏"‏ كنت عند علي فأتاه رجل فقال‏:‏ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إليك‏؟‏ فغضب ثم قال‏:‏ ما كان يسر إلي شيئا يكتمه عن الناس، غير أنه حدثني بكلمات أربع ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ ما خصنا بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفة مكتوبا فيها‏:‏ لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا ‏"‏ وقد تقدم في كتاب العلم من طريق أبي جحفية ‏"‏ قلت لعلي‏:‏ هل عندكم كتاب‏؟‏ قال‏:‏ لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة‏.‏
قال قلت‏:‏ وما في هذه الصحيفة‏؟‏ قال‏:‏ العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر‏"‏‏.‏
والجمع بين هذه الأخبار أن الصحيفة المذكورة كانت مشتملة على مجموع ما ذكر، فنقل كل راو بعضها، وأتمها سياقا طريق أبي حسان كما ترى، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏المدينة حرم‏)‏ كذا أورده مختصرا، وسيأتي في الجزية بزيادة في أوله قال فيها ‏"‏ الجراحات وأسنان الإبل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أحدث فيها حدثا‏)‏ يقيد به مطلق ما تقدم في رواية قيس بن عباد، وأن ذلك يختص بالمدينة لفضلها وشرفها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يقبل منه صرف ولا عدل‏)‏ بفتح أولهما، واختلف في تفسيرهما فعند الجمهور الصرف الفريضة والعدل النافلة، ورواه ابن خزيمة بإسناد صحيح عن الثوري، وعن الحسن البصري بالعكس، وعن الأصمعي الصرف التوبة والعدل الفدية، وعن يونس مثله لكن قال‏:‏ الصرف الاكتساب، وعن أبي عبيدة مثله لكن قال‏:‏ العدل الحيلة وقيل المثل، وقيل الصرف الدية والعدل الزيادة عليها، وقيل بالعكس، وحكى صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏ الصرف الوزن والعدل الكيل، وقيل الصرف القيمة والعدل الاستقامة، وقيل الصرف الدية والعدل البديل، وقيل الصرف الشفاعة والعدل الفدية لأنها تعادل الدية وبهذا الأخير جزم البيضاوي، وقيل الصرف الرشوة والعدل الكفيل، قاله أبان بن ثعلب وأنشد‏:‏ لا نقبل الصرف وهاتوا عدلا فحصلنا على أكثر من عشرة أقوال، وقد وقع في آخر الحديث في رواية المستملى ‏"‏ قال أبو عبد الله‏:‏ عدل فداء ‏"‏ وهذا موافق لتفسير الأصمعي، والله أعلم‏.‏
قال عياض‏:‏ معناه لا يقبل قبول رضا وإن قبل قبول جزاء، وقيل يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما، وقد يكون معنى الفدية أنه لا يجد يوم القيامة فدى يفتدى به بخلاف غيره من المذنبين بأن يفديه من النار بيهودي أو نصراني كما رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري‏.‏
وفي الحديث رد لما تدعيه الشيعة بأنه كان عند علي وآل بيته من النبي صلى الله عليه وسلم أمور كثيرة أعلمه بها سرا تشتمل على كثير من قواعد الدين وأمور الإمارة‏.‏
وفيه جواز كتابة العلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذمة المسلمين واحدة‏)‏ أي أمانهم صحيح فإذا أمن الكافر واحد منهم حرم على غيره التعرض له‏.‏
وللأمان شروط معروفة‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ الذمة العهد، سمي بها لأنه يذم متعاطيها على إضاعتها‏.‏
وقوله يسعى بها أي يتولاها ويذهب ويجئ، والمعنى أن ذمة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر شريف أو وضيع، فإذا أمن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمة لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحر والعبد، لأن المسلمين كنفس واحدة، وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الجزية والموادعة‏.‏
وقوله ‏"‏فمن أخفر ‏"‏ بالخاء المعجمة والفاء أي نقض العهد، يقال خفرته بغير ألف‏:‏ أمنته، وأخفرته‏:‏ نقضت عهده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن يتولى قوما بغير إذن مواليه‏)‏ لم يجعل الأذن شرطا لجواز الادعاء، وإنما هو لتأكيد التحريم، لأنه إذا استأذنهم في ذلك منعوه وحالوا بينه وبين ذلك، قاله الخطابي وغيره، ويحتمل أن يكون كنى بذلك عن بيعه، فإذا وقع بيعه جاز له الانتماء إلى مولاه الثاني وهو غير مولاه الأول، أو المراد موالاة الحلف فإذا أراد الانتقال عنه لا ينتقل إلا بإذن‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ الظاهر أنه أراد به ولاء العتق لعطفه على قوله ‏"‏ من ادعى إلى غير أبيه ‏"‏ والجمع بينهما بالوعيد، فإن العتق من حيث أنه لحمة كلحمة النسب، فإذا نسب إلى غير من هو له كان كالدعي الذي تبرأ عمن هو منه وألحق نفسه بغيره فيستحق به الدعاء عليه بالطرد والإبعاد عن الرحمة‏.‏
ثم أجاب عن الإذن بنحو ما تقدم وقال‏:‏ ليس هو للتقييد، وإنما هو للتنبيه على ما هو المانع، وهو إبطال حق مواليه‏.‏
فأورد الكلام على ما هو الغالب‏.‏
وسيأتي البحث في ذلك في كتب الفرائض إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ رتب المصنف أحاديث الباب ترتيبا حسنا، ففي حديث أنس التصريح بكون المدينة حرما، وفي حديثه الثاني تخصيص النهي عن قطع الشجر بما لا ينبته الآدميون، وفي حديث أبي هريرة بيان ما أجمل من حد حرمها في حديث أنس حيث قال كذا وكذا، فبين في هذا أنه ما بين الحرتين، وفي حديث على زيادة تأكيد التحريم وبيان حد الحرم أيضا‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:15 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n164&p1#TOP)باب فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَأَنَّهَا تَنْفِي النَّاسَ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس‏)‏ أي الشرار منهم، وراعى في الترجمة لفظ الحديث، وقرينة إرادة الشرار من الناس ظاهرة من التشبيه الواقع في الحديث، والمراد بالنفي الإخراج، ولو كانت الرواية تنقي بالقاف لحمل لفظ الناس على عمومه‏.‏
وقد ترجم المصنف بعد أبواب ‏"‏ المدينة تنفي الخبث‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى بن سعيد‏)‏ هو الأنصاري وشيخه أبو الحباب بضم المهملة وبالموحدتين الأولى خفيفة، والإسناد كله مدنيون إلا شيخ البخاري، قال ابن عبد البر‏:‏ اتفق الرواة عن مالك على إسناده إلا إسحاق بن عيسى الطباع فقال ‏"‏ عن مالك عن يحيى عن سعيد بن المسيب ‏"‏ بدل سعيد بن يسار، وهو خطأ‏.‏
قلت‏:‏ وتابعه أحمد بن عمر عن خالد السلمي عن مالك، وأخرجه الدار قطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ وقال هذا وهم والصواب عن يحيى عن سعيد بن يسار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أمرت بقرية‏)‏ أي أمرني ربي بالهجرة إليها أو سكناها فالأول محمول على أنه قاله بمكة، والثاني على أنه قاله بالمدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تأكل القرى‏)‏ أي تغلبهم‏.‏
وكنى بالأكل عن الغلبة لأن الآكل غالب على المأكول‏.‏
ووقع في ‏"‏ موطأ ابن وهب ‏"‏‏:‏ قلت لمالك ما تأكل القرى‏؟‏ قال‏:‏ تفتح القرى‏.‏
وبسطه ابن بطال فقال‏:‏ معناه يفتح أهلها القرى فيأكلون أموالهم ويسبون ذراريهم‏.‏
قال‏:‏ وهذا من فصيح الكلام‏.‏
تقول العرب‏:‏ أكلنا بلد كذا إذا ظهروا عليها‏.‏
وسبقه الخطابي إلى معنى ذلك أيضا‏.‏
وقال النووي‏:‏ ذكروا في معناه وجهين، أحدهما هذا والآخر أن أكلها وميرتها من القرى المفتتحة وإليها تساق غنائمها‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بأكلها القرى غلبة فضلها على فضل غيرها، ومعناه أن الفضائل تضمحل في جنب عظيم فضلها حتى تكاد تكون عدما‏.‏
قلت‏:‏ والذي ذكره احتمالا ذكره القاضي عبد الوهاب فقال‏:‏ لا معنى لقوله تأكل القرى إلا رجوح فضلها عليها وزيادتها على غيرها، كذا قال‏.‏
ودعوى الحصر مردودة لما مضى، ثم قال ابن المنير‏:‏ وقد سميت مكة أم القرى، قال‏:‏ والمذكور للمدينة أبلغ منه لأن الأمومة لا تنمحي إذا وجدت ما هي له أم، لكن يكون حق الأم أظهر وفضلها أكثر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقولون يثرب وهي المدينة‏)‏ أي أن بعض المنافقين يسميها يثرب، واسمها الذي يليق بها المدينة‏.‏
وفهم بعض العلماء من هذا كراهة تسمية المدينة يثرب وقالوا‏:‏ ما وقع في القرآن إنما هو حكاية عن قول غير المؤمنين‏.‏
وروى أحمد من حديث البراء بن عازب رفعه ‏"‏ من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله، هي طابة هي طابة ‏"‏ وروى عمر بن شبة من حديث أبي أيوب ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقال للمدينة يثرب ‏"‏ ولهذا قال عيسى بن دينار من المالكية‏:‏ من سمى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة‏.‏
قال‏:‏ وسبب هذه الكراهة لأن يثرب إما من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة، أو من الثرب وهو الفساد، وكلاهما مستقبح، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح‏.‏
وذكر أبو إسحاق الزجاج في مختصره وأبو عبيد البكري في ‏"‏ معجم ما استعجم ‏"‏ أنها سميت بترب باسم يثرب بن قانية ابن مهلايل بن عيل بن عيص بن إرم بن سام بن نوح لأنه أول من سكنها بعد العرب، ونزل أخوه خيبور خيبر فسميت به، وسقط بعض الأسماء من كلام البكري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تنفي الناس‏)‏ قال عياض‏:‏ وكأن هذا مختص بزمنه لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها إلا من ثبت إيمانه‏.‏
وقال النووي‏:‏ ليس هذا بظاهر، لأن عند مسلم ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد ‏"‏ وهذا والله أعلم زمن الدجال‏.‏
انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون المراد كلا من الزمنين، وكان الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم كذلك للسبب المذكور، ويؤيده قصة الأعرابي الآتية بعد أبواب فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث معللا به خروج الأعرابي وسؤاله الإقالة عن البيعة، ثم يكون ذلك أيضا في آخر الزمان عندما ينزل بها الدجال فترجف بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه كما سيأتي بعد أبواب أيضا، وأما ما بين ذلك فلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كما ينفي الكير‏)‏ بكسر الكاف وسكون التحتانية، وفيه لغة أخرى كور بضم الكاف، والمشهور بين الناس أنه الزق الذي ينفخ فيه لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالكير حانوت الحداد والصائغ‏.‏
قال ابن التين‏:‏ وقيل الكير هو الزق والحانوت هو الكور‏.‏
وقال صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏‏:‏ الكير الزق الذي ينفخ فيه الحداد‏.‏
ويؤيد الأول ما رواه عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ بإسناد له إلى أبي مودود قال‏:‏ رأى عمر بن الخطاب كير حداد في السوق فضربه برجله حتى هدمه‏.‏
والخبث بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة أي وسخه الذي تخرجه النار، والمراد أنها لا تترك فيها من في قلبه دغل، بل تميزه عن القلوب الصادقة وتخرجه كما يميز الحداد رديء الحديد من جيده‏.‏
ونسبة التمييز للكير لكونه السبب الأكبر في اشتعال النار التي يقع التمييز بها‏.‏
واستدل بهذا الحديث على أن المدينة أفضل البلاد‏.‏
قال المهلب‏:‏ لأن المدينة هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في الإسلام فصار الجميع في صحائف أهلها، ولأنها تنفي الخبث وأجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة فالفضل ثابت للفريقين ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين، وعن الثاني بأن ذلك إنما هو في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى ‏(‏ومن أهل المدينة مردوا على النفاق‏)‏ والمنافق خبيث بلا شك، وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة ثم علي وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب الخلق، فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت‏.‏
قال ابن حزم‏:‏ لو فتحت بلد من بلد فثبت بذلك الفضل للأولى للزم أن تكون البصرة أفضل من خراسان وسجستان وغيرهما مما فتح من جهة البصرة وليس كذلك، وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الاعتصام‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n164&p1#TOP)باب الْمَدِينَةُ طَابَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المدينة طابة‏)‏ أي من أسمائها إذ ليس في الحديث أنها لا تسمى بغير ذلك، وذكر فيه طرفا من حديث أبي حميد الساعدي وقد مضى مطولا في أواخر الزكاة، ووقع في بعض طرقه طابة وفي بعضها طيبة، وروى مسلم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا ‏"‏ أن الله سمى المدينة طابة ‏"‏ ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن سماك بلفظ ‏"‏ كانوا يسمون المدينة يثرب، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم طابة ‏"‏ وأخرجه أبو عوانة، والطاب والطيب لغتان بمعنى، واشتقاقهما من الشيء الطيب، وقيل لطهارة تربتها، وقيل لطيبها لساكنها، وقيل من طيب العيش بها‏.‏
وقال بعض أهل العلم‏:‏ وفي طيب ترابها وهوائها دليل شاهد على صحة هذه التسمية، لأن من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها‏.‏
وقرأت بخط أبي على الصدفي في هامش نسخته من صحيح البخاري بخطه‏:‏ قال الحافظ أمر المدينة في طيب ترابها وهوائها يجده من أقام بها، ويجد لطيبها أقوى رائحة، ويتضاعف طيبها فيها عن غيرها من البلاد، وكذلك العود وسائر أنواع الطيب‏.‏
وللمدينة أسماء غير ما ذكر، منها ما رواه عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ من رواية زيد بن أسلم قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ للمدينة عشرة أسماء، هي‏:‏ المدينة، وطابة، وطيبة، والمطيبة، والمسكينة، والدار، وجابرة، ومجبورة، ومنيرة، ويثرب‏"‏‏.‏
ومن طريق محمد بن أبي يحيى قال ‏"‏ لم أزل أسمع أن للمدينة عشرة أسماء، هي‏:‏ المدينة، وطيبة، وطابة، والمطيبة، والمسكينة، والمدري، والجابرة، والمجبورة، والمحببة، والمحبوبة‏"‏‏.‏
ورواه الزبير في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ من طريق ابن أبي يحيى مثله وزاد ‏"‏ والقاصمة ‏"‏ ومن طريق أبي سهل بن مالك عن كعب الأحبار قال‏:‏ نجد في كتاب الله الذي أنزل على موسى‏:‏ أن الله قال للمدينة يا طيبة ويا طابة ويا مسكينة لا تقبلي الكنوز، أرفع أجاجيرك على القرى‏.‏
وروى الزبير في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ من حديث عبد الله بن جعفر قال‏:‏ سمى الله المدينة الدار والإيمان‏.‏
ومن طريق عبد العزيز الدراوردي قال‏:‏ بلغني أن لها أربعين اسما‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n164&p1#TOP)باب لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لابتي المدينة‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ لو رأيت الظباء ترتع - أي تسعى أو ترعى - بالمدينة ما ذعرتها ‏"‏ أي ما قصدت أخذها فأخفتها بذلك، وكنى بذلك عن عدم صيدها‏.‏
واستدل أبو هريرة بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ما بين لابتيها - أي المدينة - حرام ‏"‏ لأن المراد بذلك المدينة لأنها بين لابتين شرقية وغربية، ولها لابتان أيضا من الجانبين الآخرين إلا أنهما يرجعان إلى الأولين لاتصالهما بهما‏.‏
والحاصل أن جميع دورها كلها داخل ذلك، وقد تقدم شرح الحديث في الباب الأول‏.‏
وقوله ‏"‏ترتع ‏"‏ أي ترعى وقيل تنبسط، وفي قول أبي هريرة هذا إشارة إلى قوله في الحديث الماضي ‏"‏ لا ينفر صيدها‏"‏، ونقل ابن خزيمة الاتفاق على أن الإجزاء في صيد المدينة بخلاف صيد مكة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n164&p1#TOP)باب مَنْ رَغِبَ عَنْ الْمَدِينَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من رغب عن المدينة‏)‏ أي فهو مذموم، أو باب حكم من رغب عنها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَتْرُكُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ لَا يَغْشَاهَا إِلَّا الْعَوَافِ يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏تتركون المدينة‏)‏ كذا للأكثر بتاء الخطاب، والمراد بذلك غير المخاطبين، لكنهم من أهل البلد أو من نسل المخاطبين أو من نوعهم، وروى ‏"‏ يتركون ‏"‏ بتحتانية ورجحه القرطبي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على خير ما كانت‏)‏ أي على أحسن حال كانت عليه من قبل، قال القرطبي تبعا لعياض‏:‏ قد وجد ذلك حيث صارت معدن الخلافة ومقصد الناس وملجأهم، وحملت إليها خيرات الأرض وصارت من أعمر البلاد، فلما انتقلت الخلافة عنها إلى الشام ثم إلى العراق وتغلبت عليها الأعراب تعاورتها الفتن وخلت من أهلها فقصدتها عوافي الطير والسباع‏.‏
والعواني جمـع عافية وهي التي تطلب أقواتها، ويقال للذكر عاف‏.‏
قال ابن الجوزي‏:‏ اجتمع في العوافي شيئان أحدهما أنها طالبة لأقواتها من قولك عفوت فلانا أعفوه فأنا عاف والجمع عفاة، أي أتيت أطلب معروفه، والثاني من العفاء وهو الموضع الخالي الذي لا أنيس به فإن الطير والوحش تقصده لأمنها على نفسها فيه‏.‏
وقال النووي‏:‏ المختار أن هذا الترك يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة، ويؤيده قصة الراعيين فقد وقع عند مسلم بلفظ ‏"‏ ثم يحشر راعيان ‏"‏ وفي البخاري أنهما آخر من يحشر‏.‏
قلت‏:‏ ويؤيده ما روى مالك عن ابن حماس بمهملتين وتخفيف عن عمه عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الذئب فيعوي على بعض سواري المسجد أو على المنبر‏.‏
قالوا‏:‏ فلمن تكون ثمارها‏؟‏ قال‏:‏ للعوافي الطير والسباع ‏"‏ أخرجه معن بن عيسى في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن مالك ورواه جماعة من الثقات خارج الموطأ، ويشهد له أيضا ما روى أحمد والحاكم وغيرهما من حديث محجن بن الأدرع الأسلمي قال ‏"‏ بعثني النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة، ثم لقيني وأنا خارج من بعض طرق المدينة فأخذ بيدي حتى أتينا أحدا، ثم أقبل على المدينة فقال‏:‏ ويل أمها قرية يوم يدعها أهلها كأينع ما يكون‏.‏
قلت يا رسول الله من يأكل ثمارها‏؟‏ قال‏:‏ عافية الطير والسباع‏"‏‏.‏
وروى عمر بن شبة بإسناد صحيح عن عوف بن مالك قال ‏"‏ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ثم نظر إلينا فقال‏:‏ أما والله ليدعنها أهلها مذللة أربعين عاما للعوافي، أتدرون ما العوافي‏؟‏ الطير والسباع‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وهذا لم يقع قطعا‏.‏
وقال المهلب‏:‏ في هذا الحديث أن المدينة تسكن إلى يوم القيامة وإن خلت في بعض الأوقات لقصد الراعيين بغنمهما إلى المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وآخر من يحشر راعيان من مزينة‏)‏ هذا يحتمل أن يكون حديثا آخر مستقلا لا تعلق له بالذي قبله، ويحتمل أن يكون من تتمة الحديث الذي قبله، وعلى هذين الاحتمالين يترتب الاختلاف الذي حكيته عن القرطبي والنووي، والثاني أظهر كما قال النووي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ينعقان‏)‏ بكسر المهملة بعدها قاف، النعيق زجر الغنم، يقال نعق ينعق بكسر العين وفتحها نعيقا ونعاقا ونعقانا إذا صاح بالغنم، وأغرب الداودي فقال‏:‏ معناه يطلب الكلأ، وكأنه فسره بالمقصود من الزجر لأنه يزجرها عن المرعى الوبيل إلى المرعى الوسيم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيجدانها وحوشا‏)‏ أو يجدانها ذات وحش، أو يجدان أهلها قد صاروا وحوشا، وهذا على أن الرواية بفتح الواو أي يجدانها خالية وفي رواية مسلم ‏"‏ فيجدانها وحشا ‏"‏ أي خالية ليس بها أحد، والوحش من الأرض الخلاء، أو كثرة الوحش لما خلت من سكانها‏.‏
قال النووي‏:‏ الصحيح أن معناه يجدانها ذات وحوش، قال‏:‏ وقد يكون وحشا بمعنى وحوش، وأصل الوحش كل شيء توحش من الحيوان وجمعه وحوش، وقد يعبر بواحده عن جمعه‏.‏
وحكى عن ابن المرابط أن معناه أن غنم الراعيين المذكورين تصير وحوشا إما بأن تنقلب ذاتها وإما أن تتوحش وتنفر منهما، وعلى هذا فالضمير في يجدانها يعود على الغنم والظاهر خلافه‏.‏
قال النووي‏:‏ الصواب الأول‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ القدرة صالحة لذلك‏.‏
انتهى‏.‏
ويؤيده أن في بقية الحديث أنهما يخران على وجوههما إذا وصلا إلى ثنية الوداع، وذلك قبل دخولهما المدينة بلا شك، فيدل على أنهما وجدا التوحش المذكور قبل دخول المدينة فيقوى أن الضمير يعود على غنمهما وكأن ذلك من علامات قيام الساعة‏.‏
ويوضح هذا رواية عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ من طريق عطاء بن السائب عن رجل من أشجع عن أبي هريرة موقوفا قال ‏"‏ آخر من يحشر رجلان رجل من مزينة وآخر من جهينة، فيقولان‏:‏ أين الناس‏؟‏ فيأتيان المدينة فلا يريان إلا الثعالب، فينزل إليهما ملكان فيسحبانهما على وجوههما حتى يلحقاهما بالناس‏"‏‏.‏
قوله ‏"‏وآخر من يحشر ‏"‏ في رواية مسلم من طريق عقيل عن الزهري ‏"‏ ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ‏"‏ لم يذكر في الحديث حشرهما، وإنما ذكر مقدمته، لأن الحشر إنما يقع بعد الموت، فذكر سبب موتهما والحشر يعقبه‏.‏
وقوله على هذا ‏"‏ خرا على وجوههما ‏"‏ أي سقطا ميتين، أو المراد بقوله خرا على وجوههما أي سقطا بمن أسقطهما، وهو الملك كما تقدم في رواية عمر بن شبة‏.‏
وفي رواية للعقيلي ‏"‏ أنهما كانا ينزلان بجبل ورقان‏"‏، وله من حديث حذيفة ابن أسيد ‏"‏ أنهما يفقدان الناس فيقولان‏:‏ ننطلق إلى بني فلان، فيأتيانهم فلا يجدان أحدا فيقولان‏:‏ ننطلق إلى المدينة، فينطلقان فلا يجدان بها أحدا، فينطلقان إلى البقيع فلا يريان إلا السباع والثعالب ‏"‏ وهذا يوضح أحد الاحتمالات المتقدمة، وقد روى ابن حبان من طريق عروة عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ آخر قرية في الإسلام خرابا المدينة‏"‏، وهو يناسب كون آخر من يحشر يكون منها‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أنكر ابن عمر على أبي هريرة تعبيره في هذا الحديث بقوله ‏"‏ خير ما كانت ‏"‏ وقال‏:‏ إن الصواب أعمر ما كانت، أخرج ذلك عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ من طريق مساحق بن عمرو أنه كان جالسا عند ابن عمر ‏"‏ فجاء أبو هريرة فقال له‏:‏ لم ترد على حديثي‏؟‏ فوالله لقد كنت أنا وأنت في بيت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منها أهلها خبر ما كنت‏.‏
فقال ابن عمر‏:‏ أجل ولكن لم يقل خير ما كانت، إنما قال أعمر ما كانت، ولو قال خير ما كانت لكان ذلك وهو حي وأصحابه، فقال أبو هريرة‏:‏ صدقت والذي نفسي بيده‏"‏‏.‏
وروى مسلم من حديث حذيفة أنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عمن يخرج أهل المدينة من المدينة، ولعمر بن شبة من حديث أبي هريرة ‏"‏ قيل يا أبا هريرة من يخرجهم‏؟‏ قال أمراء السوء‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَتُفْتَحُ الشَّأْمُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَتُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو عروة بن الزبير، وعبد الله بن الزبير أخوه‏.‏
وفي الإسناد صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي لأن هشاما قد لقي بعض الصحابة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سفيان بن أبي زهير‏)‏ كذا للأكثر ورواه حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه كذلك وقال في آخره ‏"‏ قال عروة ثم لقيت سفيان بن أبي زهير عند موته فأخبرني بهذا الحديث ‏"‏ وذكر علي بن المديني أنه اختلف فيه على هشام اختلافا آخر، فقال وهيب وجماعة كما قال مالك‏.‏
وقال ابن عيينة عن هشام بسنده‏:‏ عن سفيان بن الغوث‏.‏
وقال أبو معاوية عن هشام بسنده‏:‏ عن سفيان بن عبد الله الثقفي قلت‏:‏ قد رواه الحميدي عن سفيان على الصواب، ورواه أبو خيثمة عن جرير فقال‏:‏ سفيان بن أبي قلابة، كأنه عرف خطأ جرير فكني عنه، واسم أبي زهير القرد بفتح القاف وكسر الراء بعدها مهملة وقيل نمير، وهو الشنوئي من أزد شنوءة بفتح المعجمة وضم النون وبعد الواو همزة مفتوحة وفي النسب كذلك، وقيل بفتح النون بعدها همزة مكسورة بلا واو، وشنوءة هو عبد الله بن كعب بن مالك بن نضر ابن الأزد، وسمي شنوءة لشنآن كان بينه وبين قومه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتح اليمن‏)‏ قال ابن عبد البر وغيره‏:‏ افتتحت اليمن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وفي أيام أبي بكر، وافتتحت الشام بعدها، والعراق بعدها‏.‏
وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد وقع على وفق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ترتيبه، ووقع تفرق الناس في البلاد لما فيها من السعة والرخاء، ولو صبروا على الإقامة بالمدينة لكان خيرا لهم‏.‏
وفي هذا الحديث فضل المدينة على البلاد المذكورة وهو أمر مجمع عليه‏.‏
وفيه دليل على أن بعض البقاع أفضل من بعض، ولم يختلف العلماء في أن للمدينة فضلا على غيرها، وإنما اختلفوا في الأفضلية بينها وبين مكة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يبسون‏)‏ بفتح أوله وضم الموحدة وبكسرها من بس يبس‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ في رواية يحيى بن يحيى بكسر الموحدة، وقيل إن ابن القاسم رواه بضمها، قال أبو عبيد‏:‏ معناه يسوقون دوابهم، والبس سوق الإبل تقول بس بس عند السوق وإرادة السرعة‏.‏
وقال الداودي‏:‏ معناه يزجرون دوابهم فيبسون ما يطؤونه من الأرض من شدة السير فيضير غبارا‏.‏
قال تعالى ‏(‏وبست الجبال بسا‏)‏ أي سالت سيلا، وقيل معناه سارت سيرا‏.‏
وقال ابن القاسم‏:‏ البس المبالغة في الفت ومنه قيل للدقيق المصنوع بالدهن بسيس، وأنكر ذلك النووي وقال إنه ضعيف أو باطل‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ وقيل معنى يبسون يسألون عن البلاد ويستقرئون أخبارها ليسيروا إليها‏.‏
قال‏:‏ وهذا لا يكاد يعرفه أهل اللغة‏.‏
وقيل معناه يزينون لأهلهم البلاد التي تفتح ويدعونهم إلى سكناها فيتحملون بسبب ذلك من المدينة راحلين إليها، ويشهد لهذا حديث أبي هريرة عند مسلم ‏"‏ يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه‏:‏ هلم إلى الرخاء، والمدينة خبر لهم لو كانوا يعلمون ‏"‏ وعلى هذا فالذين يتحملون غير الذين يبسون، كأن الذي حضر الفتح أعجبه حسن البلد ورخاؤها فدعا قريبه إلى المجيء إليها لذلك فيتحمل المدعو بأهله وأتباعه‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ وروى يبسون بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي من أبس إبساسا ومعناه يزينون لأهلهم البلد التي يقصدونها، وأصل الإبساس للتي تحلب حتى تدر باللبن، وهو أن يجري يده على وجهها وصفحة عنقها كأنه يزين لها ذلك ويحسنه لها، وإلى هذا ذهب ابن وهب، وكذا رواه ابن حبيب عن مطرف عن مالك يبسون من الرباعي وفسره بنحو ما ذكرنا، وأنكر الأول غاية الإنكار‏.‏
وقال النووي‏:‏ الصواب أن معناه الإخبار عمن خرج من المدينة متحملا بأهله باسا في سيره مسرعا إلى الرخاء والأمصار المفتتحة‏.‏
قلت‏:‏ ويؤيده رواية ابن خزيمة من طريق أبي معاوية عن هشام عن عروة في هذا الحديث بلفظ ‏"‏ تفتح الشام، فيخرج الناس من المدينة إليها يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ‏"‏ ويوضح ذلك ما روى أحمد من حديث جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ ليأتين على أهل المدينة زمان ينطلق الناس منها إلى الأرياف يلتمسون الرخاء فيجدون رخاء، ثم يأتون فيتحملون بأهليهم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون‏"‏‏.‏
وفي إسناده ابن لهيعة ولا بأس به في المتابعات، وهو يوضح ما قلناه، والله أعلم‏.‏
وروى أحمد في أول حديث سفيان هذا قصة أخرجها من طريق بشر بن سعيد أنه سمع في مجلس الليثيين يذكرون ‏"‏ أن سفيان بن أبي زهير أخبرهم أن فرسه أعيت بالعقيق وهو في بعث بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع إليه يستحمله، فخرج معه يبتغي له بعيرا فلم يجده إلا عند أبي جهم بن حذيفة العدوي، فسامه له، فقال له أبو جهم‏:‏ لا أبيعكها يا رسول الله، ولكن خذه فاحمل عليه من شئت‏.‏
ثم خرج حتى إذا بلغ بئر إهاب قال‏:‏ يوشك البنيان أن يأتي هذا المكان، ويوشك الشام أن يفتح، فيأتيه رجال من أهل هذا البلد فيعجبهم ريعه ورخاؤه، والمدينة خير لهم ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لو كانوا يعلمون‏)‏ أي بفضلها من الصلاة في المسجد النبوي وثواب الإقامة فيها وغير ذلك، ويحتمل أن يكون ‏"‏ لو ‏"‏ بمعنى ليت فلا يحتاج إلى تقدير، وعلى الوجهين ففيه تجهيل لمن فارقها وآثر غيرها، قالوا والمراد به الخارجون من المدينة رغبة عنها كارهين لها، وأما من خرج لحاجة أو تجارة أو جهاد أو نحو ذلك فليس بداخل في معنى الحديث‏.‏
قال الطيبي‏:‏ الذي يقتضيه هذا المقام أن ينزل ما لا يعلمون منزلة اللازم لتنتفي عنهم المعرفة بالكلية، ولو ذهب مع ذلك إلى التمني لكان أبلغ، لأن التمني طلب ما لا يمكن حصوله، أي ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظا وتشديدا‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ المعنى أنه يفتح اليمن فيعجب قوما بلادها وعيش أهلها فيحملهم ذلك على المهاجرة إليها بأنفسهم وأهلهم حتى يخرجوا من المدينة، والحال أن الإقامة في المدينة خير لهم لأنها حرم الرسول وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات، لو كانوا يعلمون ما في الإقامة بها من الفوائد الدينية بالعوائد الأخروية التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها‏.‏
وقواه الطيبي لتنكير قوم ووصفهم بكونهم يبسون، ثم توكيده بقوله ‏"‏ لو كانوا يعلمون ‏"‏ لأنه يشعر بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية والحطام الفاني وأعرضوا عن الإقامة في جوار الرسول، ولذلك كرر قوما ووصفه في كل قرينة بقوله يبسون استحضارا لتلك الهيئة القبيحة، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:16 PM
باب الْإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإيمان يأرز‏)‏ بفتح أوله وسكون الهمزة وكسر الراء وقد تضم بعدها زاي، وحكى ابن التين عن بعضهم فتح الراء وقال إن الكسر هو الصواب، وحكى أبو الحسن بن سراج ضم الراء، وحكى القابسي الفتح ومعناه ينضم ويجتمع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن خبيب‏)‏ بالمعجمة مصغرا وكذا رواه أكثر أصحاب عبيد الله، وخبيب هو خال عبيد الله المذكور، وقد روى عنه بهذا الإسناد عدة أحاديث‏.‏
وفي رواية يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أخرجه ابن حبان والبزار‏.‏
وقال البزار إن يحيى بن سليم أخطأ فيه، وهو كما قال، وهو ضعيف في عبيد الله بن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حفص بن عاصم‏)‏ أي ابن عمر بن الخطاب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كما تأرز الحية إلى جحرها‏)‏ أي أنها كما تنتشر من جحرها في طلب ما تعيش به فإذا راعها شيء رجعت إلى جحرها كذلك الإيمان انتشر في المدينة، وكل مؤمن له من نفسه سائق إلى المدينة لمحبته في النبي صلى الله عليه وسلم، فيشمل ذلك جميع الأزمنة لأنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للتعلم منه، وفي زمن الصحابة والتابعين وتابعهم للاقتداء بهديهم، ومن بعد ذلك لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه‏.‏
وقال الداودي‏:‏ كان هذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم والقرن الذي كان منهم والذين يلونهم والذين يلونهم خاصة‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ فيه تنبيه على صحة مذهب أهل المدينة وسلامتهم من البدع وأن عملهم حجة كما رواه مالك‏.‏
ا ه‏.‏
وهذا إن سلم اختص بعصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وأما بعد ظهور الفتن وانتشار الصحابة في البلاد ولا سيما في أواخر المائة الثانية وهلم جرا فهو بالمشاهدة بخلاف ذلك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n165&p1#TOP)باب إِثْمِ مَنْ كَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إثم من كاد أهل المدينة‏)‏ أي أراد بأهلها سوءا، والكيد المكر والحيلة في المساءة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ عَنْ جُعَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ هِيَ بِنْتُ سَعْدٍ قَالَتْ سَمِعْتُ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الفضل‏)‏ هو ابن موسى، الجعيد هو ابن عبد الرحمن، وعائشة بنت سعد أي ابن أبي وقاص، ‏(‏قالت سمعت سعيدا‏)‏ تعني أباها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا انماع‏)‏ أي ذاب‏.‏
وفي رواية مسلم من طريق أبي عبد الله القراظ عن أبي هريرة وسعد جميعا فذكر حديثا فيه ‏"‏ من أراد أهلها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء‏"‏‏.‏
وفي هذه الطريق تعقب على القطب الحلبي حيث زعم أن هذا الحديث من أفراد البخاري، نعم في أفراد مسلم من طريق عامر بن سعد عن أبيه في أثناء حديث ‏"‏ ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص، أو ذوب الملح في الماء‏"‏‏.‏
قال عياض‏:‏ هذه الزيادة تدفع إشكال الأحاديث الأخر، وتوضح أن هذا حكمه في الآخرة‏.‏
ويحتمل أن يكون المراد من أرادها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بسوء اضمحل أمره كما يضمحل الرصاص في النار، فيكون في اللفظ تقديم وتأخير، ويؤيده قوله ‏"‏ أو ذوب الملح في الماء‏"‏، ويحتمل أن يكون المراد لمن أرادها في الدنيا بسوء وأنه لا يمهل بل يذهب سلطانه عن قرب كما وقع لمسلم ابن عقبة وغيره فإنه عوجل عن قرب وكذلك الذي أرسله، قال ويحتمل أن يكون المراد من كادها اغتيالا وطلبا لغرتها في غفله فلا يتم له أمر، بخلاف من أتى ذلك جهارا كما استباحها مسلم بن عقبة وغيره‏.‏
وروى النسائي من حديث السائب بن خلاد رفعه ‏"‏ من أخاف أهل المدينة ظالما لهم أخافه الله وكانت عليه لعنة الله ‏"‏ الحديث‏.‏
ولابن حبان نحوه من حديث جابر‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n165&p1#TOP)باب آطَامِ الْمَدِينَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب آطام المدينة‏)‏ بالمد، جمع أطم بضمتين وهي الحصون التي تبنى بالحجارة، وقيل هو كل بيت مربع مسطح، والآطام جمع قلة وجمح الكثرة أطؤم، والواحدة أطمة كأكمة‏.‏
وقد ذكر الزبير بن بكار في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ ما كان بها من الآطام قبل حلول الأوس والخزرج بها، ثم ما كان بها بعد حلولهم وأطال في ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ سَمِعْتُ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أشرف‏)‏ أي نظر من مكان مرتفع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مواقع‏)‏ أي مواضع السقوط، و ‏(‏خلال‏)‏ أي نواحيها، شبه سقوط الفتن وكثرتها بسقوط القطر في الكثرة والعموم، وهذا من علامات النبوة لإخباره بما سيكون، وقد ظهر مصداق ذلك من قتل عثمان وهلم جرا ولا سيما يوم الحرة، والرؤية المذكورة يحتمل أن تكون بمعنى العلم أو رؤية العين بأن تكون الفتن مثلت له حتى رآها، كما مثلت له الجنة والنار في القبلة حتى رآهما وهو يصلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه معمر وسليمان بن كثير‏)‏ أما رواية معمر فوصلها المؤلف في الفتن، وأما متابعة سليمان ابن كثير فوصلها المؤلف في ‏"‏ بر الوالدين ‏"‏ له خارج الصحيح، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الفتن‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n165&p1#TOP)باب لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يدخل الدجال المدينة‏)‏ أورد فيه أربعة أحاديث، الأول‏:‏ حديث أبي بكرة، وسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب الفتن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن جده‏)‏ هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على كل باب‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ لكل باب‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏على أنقاب المدينة‏)‏ جمع نقب بفتح النون والقاف بعدها موحدة، ووقع في حديث أنس وأبي سعيد اللذين بعده ‏"‏ على نقابها ‏"‏ جمع نقب بالسكون وما بمعنى‏.‏
قال ابن وهب‏:‏ المراد بها المداخل، وقيل الأبواب‏.‏
وأصل النقب الطريق بين الجبلين، وقيل‏:‏ الأنقاب الطرق التي يسلكها الناس، ومنه قوله تعالى ‏(‏فنقبوا في البلاد‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يدخلها الطاعون ولا الدجال‏)‏ سيأتي في الطب بيان من زاد في هذا الحديث مكة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ
الشرح‏:‏
حديث أنس‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو عمرو‏)‏ هو الأوزاعي وإسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال‏)‏ هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور، وشذا ابن حزم فقال‏:‏ المراد ألا يدخله بعثه وجنوده، وكأنه استبعد إمكان دخول الدجال جميع البلاد لقصر مدته، وغفل عما ثبت في صحيح مسلم أن بعض أيامه يكون قدر السنة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم ترجف المدينة‏)‏ أي يحصل لها زلزلة بعد أخرى ثم ثالثة حتى يخرج منها من ليس مخلصا في إيمانه ويبقى بها المؤمن الخالص فلا يسلط عليه الدجال‏.‏
ولا يعارض هذا ما في حديث أبي بكرة الماضي أنه لا يدخل المدينة رعب الدجال، لأن المراد بالرعب ما يحدث من الفزع من ذكره والخوف من عتوه، لا الرجفة التي تقع بالزلزلة لإخراج من ليس بمخلص‏.‏
وحمل بعض العلماء الحديث الذي فيه أنها تنفي الخبث على هذه الحالة دون غيرها، وقد تقدم أن الصحيح في معناه أنه خاص بناس وبزمان، فلا مانع أن يكون هذا الزمان هو المراد، ولا يلزم من كونه مرادا نفي غيره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا طَوِيلًا عَنْ الدَّجَّالِ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ فَيَقُولُونَ لَا فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَقْتُلُهُ فَلَا أُسَلَّطُ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
حديث أبي سعيد‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏بعض السباخ‏)‏ بكسر المهملة وبالموحدة الخفيفة وآخره معجمة، وسيأتي الكلام عليه أيضا في الفتن‏.‏
وحاصل ما في هذه الأحاديث إعلامه صلى الله عليه وسلم أن الدجال لا يدخل المدينة ولا الرعب منه كما مضى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n165&p1#TOP)باب الْمَدِينَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين ‏(‏المدينة تنفي الخبث‏)‏ أي بإخراجه وإظهاره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَجَاءَ مِنْ الْغَدِ مَحْمُومًا فَقَالَ أَقِلْنِي فَأَبَى ثَلَاثَ مِرَارٍ فَقَالَ الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمرو بن عباس‏)‏ بالموحدة والمهملة، وعبد الرحمن هو ابن مهدي، وسفيان هو الثوري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن جابر‏)‏ وقع في الأحكام من وجه آخر عن ابن المنكدر قال ‏"‏ سمعت جابرا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جاء أعرابي‏)‏ لم أقف على اسمه، إلا أن الزمخشري ذكر في ‏"‏ ربيع الأبرار ‏"‏ أنه قيس بن أبي حازم، وهو مشكل لأنه تابعي كبير مشهور صرحوا بأنه هاجر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، فإن كان محفوظا فلعله آخر وافق اسمه واسم أبيه‏.‏
وفي ‏"‏ الذيل ‏"‏ لأبي موسى ‏"‏ في الصحابة قيس بن أبي حازم المنقري ‏"‏ فيحتمل أن يكون هو هذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبايعه على الإسلام، فجاء من الغد محموما فقال أقلني‏)‏ ظاهره أنه سأل الإقالة من الإسلام وبه جزم عياض‏.‏
وقال غيره إنما استقاله من الهجرة وإلا لكان قتله على الردة، سيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفي في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثلاث مرار‏)‏ يتعلق بأقلني ويقال معا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تنفي خبثها‏)‏ تقدم الكلام عليه في أوائل المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتنصع‏)‏ بفتح أوله وسكون النون وبالمهملتين من النصوع وهو الخلوص، والمعنى أنها إذا نفت الخبث تميز الطيب واستقر فيها، وأما قوله‏:‏ ‏(‏طيبها‏)‏ فضبطه الأكثر بالنصب على المفعولية‏.‏
وفي رواية الكشميهني بالتحتانية أوله ورفع طيبها على الفاعلية وطيبها للجميع بالتشديد، وضبطه القزاز بكسر أوله والتخفيف ثم استشكله فقال‏:‏ لم أر للنصوع في الطيب ذكرا، وإنما الكلام يتضوع بالضاد المعجمة وزيادة الواو الثقيلة‏.‏
قال‏:‏ ويروى ‏"‏ وتنضخ ‏"‏ بمعجمتين، وأغرب الزمخشري في ‏"‏ الفائق ‏"‏ فضبطه بموحدة وضاد معجمة وعين وقال‏:‏ هو من أبضعه بضاعة إذا دفعها إليه، يعني أن المدينة تعطي طيبها لمن سكنها‏.‏
وتعقبه الصغاني بأنه خالف جميع الرواة في ذلك‏.‏
وقال ابن الأثير‏:‏ المشهور بالنون والصاد المهملة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَتْ فِرْقَةٌ نَقْتُلُهُمْ وَقَالَتْ فِرْقَةٌ لَا نَقْتُلُهُمْ فَنَزَلَتْ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن يزيد‏)‏ هو الخطمي، وفي الإسناد صحابيان أنصاريان في نسق واحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رجع ناس من أصحابه‏)‏ هم عبد الله بن أبي ومن تبعه، وسيأتي الكلام عليه في تفسير سورة النساء، والغرض منه هنا بيان ابتداء قوله ‏"‏ تنفي الرجال ‏"‏ وأنه كان في أحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الرجال‏)‏ كذا للأكثر وللكشميهني الدجال بالدال وتشديد الجيم وهو تصحيف، ووقع في غزوة أحد ‏"‏ تنفي الذنوب ‏"‏ وفي تفسير النساء ‏"‏ تنفي الخبث ‏"‏ وأخرجه في هذه المواضع كلها من طريق شعبة، وقد أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طريق غندر عن شعبة باللفظ الذي أخرجه في التفسير من طريق غندر، وغندر أثبت الناس في شعبة، وروايته توافق رواية حديث جابر الذي قبله حيث قال فيه ‏"‏ تنفي خبثها ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ ‏"‏ تخرج الخبث ‏"‏ ومضى في أول فضائل المدينة من وجه آخر عن أبي هريرة ‏"‏ تنفي الناس ‏"‏ والرواية التي هنا بلفظ ‏"‏ تنفي الرجال ‏"‏ لا تنافي الرواية بلفظ الخبث بل هي مفسرة للرواية المشهورة، بخلاف ‏"‏ تنفي الذنوب‏"‏، ويحتمل أن يكون فيه حذف تقديره أهل الذنوب فيلتئم مع باقي الروايات‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n165&p1#TOP)باب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي سَمِعْتُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنْ الْبَرَكَةِ تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ يُونُسَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا للأكثر بلا ترجمة، وسقط من رواية أبي ذر فأشكل، وعلى تقدير ثبوته فلا بد له من تعلق بالذي قبله لأنه بمنزلة الفصل من الباب‏.‏
وقد أورد فيه حديثين لأنس، ووجه تعلق الأول منها بترجمة نفي الخبث أن قضية الدعاء بتضعيف البركة وتكثيرها تقليل ما يضادها فيناسب ذلك نفي الخبث، ووجه تعلق الثاني أن قضية حب الرسول للمدينة أن تكون بالغة في طيب ذاتها وأهلها فيناسب ذلك أيضا، وقد تقدم الكلام على الثاني في أواخر أبواب العمرة، وأما الأول فقوله فيه ‏"‏ حدثنا أبي ‏"‏ هو جرير بن حازم، ويونس هو ابن يزيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة‏)‏ أي من بركة الدنيا بقرينة قوله في الحديث الآخر ‏"‏ اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا ‏"‏ ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك، لكن يستثنى من ذلك ما خرج بدليل، كتضعيف الصلاة بمكة على المدينة، واستدل به عن تفضيل المدينة على مكة وهو ظاهر من هذه الجهة، لكن لا يلزم من حصول أفضلية المفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية له على الإطلاق‏.‏
وأما من ناقض ذلك بأنه يلزم أن يكون الشام واليمن أفضل من مكة لقوله في الحديث الآخر ‏"‏ اللهم بارك لنا في شامنا ‏"‏ وأعادها ثلاثا فقد تعقب بأن التأكيد لا يستلزم التكثير المصرح به في حديث الباب‏.‏
وقال ابن حزم‏:‏ لا حجة في حديث الباب لهم لأن تكثير البركة بها لا يستلزم الفضل في أمور الآخرة‏.‏
ورده عياض بأن البركة أعم من أن تكون في أمور الدين أو الدنيا، لأنها بمعنى النماء والزيادة، فأما في الأمور الدينية فلما يتعلق بها من حق الله تعالى من الزكاة والكفارات ولا سيما في وقوع البركة في الصاع والمد‏.‏
وقال النووي‏:‏ الظاهر أن البركة حصلت في نفس المكيل بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها، وهذا أمر محسوس عند من سكنها‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ إذا وجدت البركة فيها في وقت حصلت إجابة الدعوة ولا يستلزم دوامها في كل حين ولكل شخص، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عثمان بن عمر عن يونس‏)‏ أي تابع جرير بن حازم في روايته لهذا الحديث عن يونس ابن يزيد عن الزهري عثمان بن عمر بن فارس فرواه عن يونس بن يزيد، ورواية عثمان بن عمر موصولة في ‏"‏ كتاب علل حديث الزهري ‏"‏ جمع محمد بن يحيى الذهلي، كذا وجدته بخط بعض المصنفين ولم أقف عليه في كتاب الذهلي، وقد ضاق مخرجه على الإسماعيلي فأخرجه من طريق عبد الله بن وهب ومن طريق شبيب بن سعيد وعلقمة من طريق عنبسة بن خالد كلهم عن يونس بن يزيد، وساق رواية وهب بن جرير فقال ‏"‏ حدثنا أبو يعلى حدثنا زهير أبو خيثمة وقاسم بن أبي شيبة كلاهما عن وهب بن جرير ‏"‏ وصرح في رواية زهير عن وهب بسماع جرير له من يونس، ثم قال قاسم بن أبي شيبة‏:‏ ليس من شرط هذا الكتاب‏.‏
ونقل مغلطاي كلام الإسماعيلي هذا وتبعه شيخنا ابن الملقن وقال في آخره‏:‏ قال الإسماعيلي أبو شيبة ليس من شرط هذا الكتاب، وهو سهو كأنه أراد أن يكتب قاسم بن أبي شيبة فقال وأبو شيبة‏.‏
ثم قال مغلطاي‏:‏ وقال الإسماعيلي ‏"‏ قال الحسن عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ فذكره وقال‏:‏ يعني المدينة ا ه‏.‏
وهذا نظر من لم يطلع على حقيقة الحال فيه، إذ الإسماعيلي ذكر رواية الحسن عن أنس لهذا الحديث متابعة لرواية يونس عن الزهري عن أنس، كما ذكر رواية ابن وهب وشبيب بن سعيد متابعة لجرير ابن حازم عن يونس، وليس كذلك وإنما أورد الإسماعيلي طريق شبيب بن سعيد فقال‏:‏ أخبرني الحسن يعني ابن سفيان حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد حدثنا أبي عن يونس عن الزهري، ثم تحول الإسماعيلي إلى طريق ابن وهب، قال ابن وهب‏:‏ حدثنا يونس عن ابن شهاب حدثني أنس، وساق الحديث على لفظه ثم قال بعد فراغه‏:‏ وقال الحسن عن أنس، ومراده أن رواية ابن وهب فيها تصريح ابن شهاب وهو الزهري أن أنسا حدثه، بخلاف رواية شبيب بن سعيد التي أخرجها من طريق الحسن بن سفيان فإنه قال فيها‏:‏ عن أنس‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:20 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n165&p1#TOP)باب كَرَاهِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَةُ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة‏)‏ ذكر فيه حديث أنس في قصة بني سلمة وقد تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب احتساب الآثار ‏"‏ في أوائل صلاة الجماعة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ترجم البخاري بالتعليلين، فترجم في الصلاة باحتساب الآثار لقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مكانكم تكتب لكم آثاركم ‏"‏ وترجم هنا بما ترى لقول الراوي ‏"‏ فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة ‏"‏ وكأنه صلى الله عليه وسلم اقتصر في مخاطبتهم على التعليل المتعلق بهم لكونه أدعى لهم إلى الموافقة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَةُ وَقَالَ يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ فَأَقَامُوا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏ألا تحتسبون‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية ‏"‏ ألا تحتسبوا ‏"‏ وحذف نون الرفع في مثل هذا لغة مشهورة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n165&p1#TOP)باب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا في جميع النسخ بلا ترجمة، وهو مشتمل على حديثين وأثر، ولكل منهما تعلق بالترجمة التي قبله‏:‏ فحديث ‏"‏ ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ‏"‏ فيه إشارة إلى الترغيب في سكنى المدينة، وحديث عائشة في قصة وعك أبي بكر وبلال فيه دعاؤه صلى الله عليه وسلم للمدينة بقوله ‏"‏ اللهم صححها ‏"‏ وفي ذلك إشارة إلى الترغيب في سكناها أيضا، وأثر عمر في دعائه بأن تكون وفاته بها ظاهر في ذلك، وفي كل ذلك مناسبة لكراهته صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة، أي تصير خالية‏.‏
فأما الحديث الأول في المنبر فقوله ‏"‏ ما بين بيتي ومنبري ‏"‏ كذا للأكثر، ووقع في رواية ابن عساكر وحده قبري بدل ‏"‏ بيتي ‏"‏ وهو خطأ، فقد تقدم هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل الجنائز بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ بيتي ‏"‏ وكذلك هو في مسند مسدد شيخ البخاري فيه، نعم وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار بسند رجاله ثقات وعند الطبراني من حديث ابن عمر بلفظ القبر، فعلى هذا المراد بالبيت في قوله بيتي أحد بيوته لا كلها وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره، وقد ورد الحديث بلفظ ‏"‏ ما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة ‏"‏ أخرجه الطبراني في الأوسط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏روضة من رياض الجنة‏)‏ أي كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حلق الذكر لا سيما في عهده صلى الله عليه وسلم فيكون تشبيها بغير أداة، أو المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة فيكون مجازا، أو هو على ظاهره وأن المراد أنه روضة حقيقة بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة‏.‏
هذا محصل ما أوله العلماء في هذا الحديث، وهي على ترتيبها هذا في القوة، وأما قوله ‏"‏ ومنبري على حوضي ‏"‏ أي ينقل يوم القيامة فينصب على الحوض‏.‏
وقال الأكثر المراد منبره بعينه الذي قال هذه المقالة وهو فوقه، وقيل المراد المنبر الذي يوضع له يوم القيامة، والأول أظهر‏.‏
ويؤيده حديث أبي سعيد المتقدم وقد رواه الطبراني في ‏"‏ الكبير ‏"‏ من حديث أبي واقد الليثي رفعه ‏"‏ إن قوائم منبري رواتب في الجنة ‏"‏ وقيل معناه أن قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد صاحبه إلى الحوض ويقتضي شربه منه، والله أعلم‏.‏
ونقل ابن زبالة أن ذرع ما بين المنبر والبيت الذي فيه القبر الآن ثلاث وخمسون ذراعا وقيل أربع وخمسون وسدس وقيل خمسون إلا ثلثي ذراع وهو الآن كذلك فكأنه نقص لما أدخل من الحجرة في الجدار، واستدل به على أن المدينة أفضل من مكة لأنه أثبت التي بين البيت والمنبر من الجنة، وقد قال الحديث الآخر ‏"‏ لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ‏"‏ وتعقبه ابن حزم بأن قوله أنها من الجنة مجازا إذ لو كانت حقيقة لكانت كما وصف الله الجنة ‏(‏أن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى‏)‏ وإنما المراد أن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة كما يقال في اليوم الطيب هذا من أيام الجنة، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الجنة تحت ظلال السيوف ‏"‏ قال‏:‏ ثم لو ثبت أنه على الحقيقة لما كان الفضل إلا لتلك البقعة خاصة، فإن قيل إن ما قرب منها أفضل مما بعد لزمهم أن يقولوا إن الجحفة أفضل من مكة ولا قائل به‏.‏
وأما حديث عائشة فقوله ‏"‏ وعك ‏"‏ بضم أوله أي أصابه الوعك وهو الحمى، وقيل مغث الحمى، وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفي في كتاب المغازي أول الهجرة إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَ اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا وَصَحِّحْهَا لَنَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ قَالَتْ وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ قَالَتْ فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلًا تَعْنِي مَاءً آجِنًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت‏)‏ يعني عائشة، والقائل عروة فهو متصل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهي أوبأ‏)‏ بالهمز بوزن أفعل من الوباء والوباء مقصور بهمز وبغير همز هو المرض العام، ولا يعارض قدومهم عليها وهي بهذه الصفة نهيه صلى الله عليه وسلم عن القدوم على الطاعون، لأن ذلك كان قبل النهي، أو أن النهي يختص بالطاعون ونحوه من الموت الذريع لا المرض ولو عم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت فكان بطحان‏)‏ يعني وادي، المدينة وقولها ‏(‏يجري نجلا، تعني ماء آجنا‏)‏ هو من تفسير الراوي عنها، وغرضها بذلك بيان السبب في كثرة الوباء بالمدينة، لأن الماء الذي هذه صفته يحدث عنده المرض، وقيل النجل النز بنون وزاي، يقال استنجل الوادي إذا ظهر نزوزه‏.‏
و ‏"‏ نجلا ‏"‏ بفتح النون وسكون الجيم وقد تفتح حكاه ابن التين‏.‏
وقال ابن فارس‏:‏ النجل بفتحتين سعة العين وليس هو المراد هنا‏.‏
وقال ابن السكيت‏:‏ النجل العين حين تظهر وينبع عين الماء‏.‏
وقال الحربي نجلا أي واسعا، ومنه عين نجلاء أي واسعة، وقيل هو الغدير الذي لا يزال فيه الماء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تعني ماء آجنا‏)‏ بفتح الهمزة وكسر الجيم بعدها نون أي متغيرا، قال عياض‏:‏ هو خطأ ممن فسره فليس المراد هنا الماء المتغير‏.‏
قلت‏:‏ وليس كما قال فإن عائشة قالت ذلك في مقام التعليل لكون المدينة كانت وبيئة، ولا شك أن النجل إذا فسر بكونه الماء الحاصل من النز فهو بصدد أن يتغير وإذا تغير كان استعماله مما يحدث الوباء في العادة‏.‏
وأما أثر عمر فذكر ابن سعد سبب دعائه بذلك، وهو ما أخرجه بإسناد صحيح عن عوف بن مالك أنه رأى رؤيا فيها أن عمر شهيد مستشهد، فقال لما قصها عليه أنى لي بالشهادة وأنا بين ظهراني جزيرة العرب لست أغزو والناس حولي ثم قال‏:‏ بلى يأتي بها الله إن شاء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ زُرَيْعٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ سَمِعْتُ عُمَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن زريع روح بن القاسم‏)‏ وصله الإسماعيلي عن إبراهيم بن هاشم عن أمية بن بسطام عن يزيد بن زريع به ولفظه ‏"‏ عن حفصة قالت‏:‏ سمعت عمر يقول‏:‏ اللهم قتلا في سبيلك ووفاة ببلد نبيك‏.‏
قالت فقلت‏:‏ وأنى يكون هذا‏؟‏ قال‏:‏ يأتي به الله إذا شاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال هشام‏)‏ ابن سعد ‏(‏عن زيد عن أبيه‏)‏ أسلم، وصله ابن سعد عن محمد بن إسماعيل ابن أبي فديك عنه ولفظه ‏"‏ عن حفصة أنها سمعت أباها يقول ‏"‏ فذكر مثله، وفي آخره ‏"‏ إن الله يأتي بأمره إن شاء ‏"‏ وأراد البخاري بهذين التعليقين بيان الاختلاف فيه على زيد بن أسلم، فاتفق هشام بن سعد وسعيد ابن أبي هلال على أنه ‏"‏ عن زيد عن أبيه أسلم عن عمر ‏"‏ وقد تابعهما حفص بن ميسرة عن زيد عند عمر ابن شبة، وانفرد روح بن القاسم عن زيد بقوله ‏"‏ عن أمه ‏"‏ وقد رواه ابن سعد ‏"‏ عن معن بن عيسى عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر ‏"‏ فذكره مرسلا، وللحديث طريق أخرى أخرجها البخاري في تاريخه من طريق ‏"‏ محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القارئ عن جده عن أبيه محمد عن أبيه عبد الله أنه سمع عمر يقول ذلك ‏"‏ وطريق أخرى أخرجها عمر بن شبة من طريق ‏"‏ عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر ‏"‏ إسنادها صحيح، ومن وجه آخر منقطع وزاد ‏"‏ فكان الناس يتعجبون من ذلك ولا يدرون ما وجهه حتى طعن أبو لؤلؤة عمر رضي الله عنه‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ تقدم ما يتعلق بفضل الصلاة في المسجد النبوي ومسجد قباء والمسجد الأقصى في أبواب في أواخر كتاب الصلاة‏.‏
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n165&p1#TOP)‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل ذكر المدينة على ستة وعشرين حديثا، المعلق منها أربعة، والمكرر منها فيه وفيما مضى تسعة، والخالص سبعة عشر، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة في ذكر بني حارثة، وحديث أبي بكرة في ذكر الدجال‏.‏
وفيه من الآثار أقر واحد وهو أثر عمر الذي ختم به فأخرجه موصولا ومعلقا، وفيه إشارة إلى حسن الختام، فنسأل الله تعالى أن يختم لنا بالحسنى، وأن يعين على ختم هذا الشرح، ويرفعنا به إلى المحل الأسنى، إنه على كل شيء قدير‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:23 PM
كِتَاب الصَّوْمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الصوم‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية النسفي ‏"‏ كتاب الصيام ‏"‏ وثبتت البسملة للجميع، والصوم والصيام في اللغة الإمساك، وفي الشرع إمساك مخصوص في زمن مخصوص عن شيء مخصوص بشرائط مخصوصة‏.‏
وقال صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏‏:‏ الصوم ترك الطعام والشراب والنكاح والكلام، يقال صام صوما وصياما ورجل صائم وصوم‏.‏
وقال الراغب‏:‏ الصوم في الأصل الإمساك عن الفعل، ولذلك قيل للفرس الممسك عن السير صائم، وفي الشرع إمساك المكلف بالنية عن تناول المطعم والمشرب والاستمناء والاستقاء من الفجر إلى المغرب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n166&p1#TOP)باب وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب وجوب صوم رمضان‏)‏ كذا للأكثر، وللنسفي ‏"‏ باب وجوب رمضان وفضله ‏"‏ وقد ذكر أبو الخير الطالقاني في كتابه ‏"‏ حظائر القدس ‏"‏ لرمضان ستين اسما، وذكر بعض الصوفية أن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة ثم تاب تأخر قبول توبته مما بقي في جسده من تلك الأكلة ثلاثين يوما، فلما صفا جسده منها تيب عليه ففرض على ذريته صيام ثلاثين يوما، وهذا يحتاج إلى ثبوت السند فيه إلى من يقبل قوله في ذلك، وهيهات وجدان ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله تعالى ‏(‏يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام‏)‏ الآية‏)‏ أشار بذلك إلى مبدأ فرض الصيام، وكأنه لم يثبت عنده على شرطه فيه شيء فأورد ما يشير إلى المراد، فإنه ذكر فيه ثلاثة أحاديث‏:‏ حديث طلحة الدال على أنه لا فرض إلا رمضان‏.‏
وحديث ابن عمر وعائشة المتضمن الأمر بصيام عاشوراء‏.‏
وكأن المصنف أشار إلى أن الأمر في روايتهما محمول على الندب بدليل حصر الفرض في رمضان وهو ظاهر الآية، لأنه تعالى قال ‏(‏كتب عليكم الصيام‏)‏ ثم بينه فقال ‏(‏شهر رمضان‏)‏ وقد اختلف السلف هل فرض على الناس صيام قبل رمضان أو لا‏؟‏ فالجمهور - وهو المشهور عند الشافعية - أنه لم يجب قط صوم قبل صوم رمضان، وفي وجه وهو قول الحنفية أول ما فرض صيام عاشوراء، فلما نزل رمضان نسخ‏.‏
فمن أدلة الشافعية حديث معاوية مرفوعا ‏"‏ لم يكتب الله عليكم صيامه ‏"‏ وسيأتي في أواخر الصيام‏.‏
ومن أدلة الحنفية ظاهر حديثي ابن عمر وعائشة المذكورين في هذا الباب بلفظ الأمر، وحديث الربيع بنت معوذ الآتي وهو أيضا عند مسلم ‏"‏ من أصبح صائما فليتم صومه‏.‏
قالت‏:‏ فلم نزل نصومه ونصوم صبياننا وهم صغار ‏"‏ الحديث‏.‏
وحديث مسلمة مرفوعا ‏"‏ من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم ‏"‏ الحديث‏.‏
وبنوا على هذا الخلاف هل يشترط في صحة الصوم الواجب نية من الليل أو لا‏؟‏ وسيأتي البحث فيه بعد عشرين بابا‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث طلحة في كتاب الإيمان، وقوله فيه ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ هو مالك بن أبي عامر جد مالك بن أنس الإمام، وقوله ‏"‏عن طلحة ‏"‏ قال الدمياطي‏:‏ في سماعه من طلحة نظر، وتعقب بأنه ثبت سماعه من عمر فكيف يكون في سماعه من طلحة نظر‏؟‏ وقد تقدم في كتاب الإيمان في هذا الحديث ما يدل على أنه سمع منهما جميعا، وسيأتي الكلام على حديثي ابن عمر وعائشة في أواخر الصيام إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n166&p1#TOP)باب فَضْلِ الصَّوْمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل الصوم‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عنه، وهو يشتمل على حديثين أفردهما مالك في الموطأ، فمن أوله إلى قوله ‏"‏ الصيام جنة ‏"‏ حديث ومن ثم إلى آخره حديث، وجمعهما عنه هكذا القعنبي، وعنه رواه البخاري هنا‏.‏
ووقع عن غير القعنبي من رواة الموطأ زيادة في آخر الثاني وهي بعد قوله ‏"‏ وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها ‏"‏ زادوا ‏"‏ إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به ‏"‏ وقد أخرج البخاري هذا الحديث بعد أبواب من طريق أبي صالح عن أبي هريرة وبين في أوله أنه من قول الله عز وجل كما سأبينه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏الصيام جنة‏)‏ زاد سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد ‏"‏ جنة من النار ‏"‏ وللنسائي من حديث عائشة مثله، وله من حديث عثمان بن أبي العاص ‏"‏ الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال ‏"‏ ولأحمد من طريق أبي يونس عن أبي هريرة ‏"‏ جنة وحصن حصين من النار ‏"‏ وله من حديث أبي عبيدة ابن الجراح ‏"‏ الصيام جنة ما لم يخرقها ‏"‏ زاد الدارمي ‏"‏ بالغيبة ‏"‏ وبذلك ترجم له هو وأبو داود، والجنة بضم الجيم الوقاية والستر‏.‏
وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار، وبهذا جزم ابن عبد البر‏.‏
وأما صاحب ‏"‏ النهاية ‏"‏ فقال‏:‏ معنى كونه جنة أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ جنة أي سترة، يعني بحسب مشروعيته، فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه، وإليه الإشارة بقوله ‏"‏ فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث الخ‏"‏، ويصح أن يراد أنه ستره بحسب فائدته وهو إضعاف شهوات النفس، وإليه الإشارة بقوله ‏"‏ يدع شهوته الخ‏"‏، ويصح أن يراد أنه سترة بحسب ما يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات‏.‏
وقال عياض في ‏"‏ الإكمال ‏"‏‏:‏ معناه سترة من الآثام أو من النار أو من جميع ذلك، وبالأخير جزم النووي‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ إنما كان الصوم جنة من النار لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات‏.‏
فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النار في الآخرة‏.‏
وفي زيادة أبي عبيدة بن الجراح إشارة إلى أن الغيبة تضر بالصيام، وقد حكى عن عائشة، وبه قال الأوزاعي‏:‏ إن الغيبة تفطر الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم‏.‏
وأفرط ابن حزم فقال‏.‏
يبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه سواء كانت فعلا أو قولا، لعموم قوله ‏"‏ فلا يرفث ولا يجهل ‏"‏ ولقوله في الحديث الآتي بعد أبواب ‏"‏ من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه‏"‏، والجمهور وإن حملوا النهي على التحريم إلا أنهم خصوا الفطر بالأكل والشرب والجماع، وأشار ابن عبد البر إلى ترجيح الصيام على غيره من العبادات فقال‏:‏ حسبك بكون الصيام جنة من النار فضلا‏.‏
وروى النسائي بسند صحيح عن أبي أمامة قال ‏"‏ قلت يا رسول الله مرني آخذه عنك، قال‏:‏ عليك بالصوم فإنه لا مثل له ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ لا عدل له ‏"‏ والمشهور عند الجمهور ترجيح الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا يرفث‏)‏ أي الصائم، كذا وقع مختصرا، وفي الموطأ ‏"‏ الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث الخ ‏"‏ ويرفث بالضم والكسر ويجوز في ماضيه التثليث، والمراد بالرفض هنا وهو بفتح الراء والفاء ثم المثلثة الكلام الفاحش، وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء أو مطلقا، ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يجهل‏)‏ أي لا يفعل شيئا من أفعال أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك‏.‏
ولسعيد ابن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه ‏"‏ فلا يرفث ولا يجادل ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ لا يفهم من هذا أن غير الصوم يباح فيه ما ذكر، وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن امرؤ‏)‏ بتخفيف النون ‏(‏قاتله أو شاتمه‏)‏ ‏.‏
وفي رواية صالح ‏"‏ فإن سابه أحد أو قاتله ‏"‏ ولأبى قرة من طريق سهيل عن أبيه ‏"‏ وإن شتمه إنسان فلا يكلمه ‏"‏ ونحوه في رواية هشام عن أبي هريرة عند أحمد، ولسعيد بن منصور من طريق سهيل ‏"‏ فإن سابه أحد أو ماراه ‏"‏ أي جادله؛ ولابن خزيمة من طريق عجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة ‏"‏ فإن سابك أحد فقل إني صائم وإن كنت قائما فاجلس ‏"‏ ولأحمد والترمذي من طريق ابن المسيب عن أبي هريرة ‏"‏ فإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم ‏"‏ وللنسائي من حديث عائشة ‏"‏ وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه ‏"‏ واتفق الروايات كلها على أنه يقول ‏"‏ إني صائم ‏"‏ فمنهم من ذكرها مرتين ومنهم من اقتصر على واحدة‏.‏
وقد استشكل ظاهره بأن المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من الجانبين والصائم لا تصدر منه الأفعال التي رتب عليها الجواب خصوصا المقاتلة، والجواب عن ذلك أن المراد بالمفاعلة التهيؤ لها، أي إن تهيأ أحد لمقاتلته أو مشاتمته فليقل إني صائم، فإنه إذا قال ذلك أمكن أن يكف عنه، فإن أصر دفعه بالأخف فالأخف كالصائل، هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة، فإن كان المراد بقوله ‏"‏ قاتله ‏"‏ شاتمه لأن القتل يطلق على اللعن واللعن من جملة السب - ويؤيده ما ذكرت من الألفاظ المختلفة فإن حاصلها يرجع إلى الشتم - فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على قوله ‏"‏ إني صائم ‏"‏ واختلف في المراد بقوله ‏"‏ فليقل إني صائم ‏"‏ هل يخاطب بها الذي يكلمه بذلك أو يقولها في نفسه‏؟‏ وبالثاني جزم المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة، ورجح النووي الأول في ‏"‏ الأذكار ‏"‏ وقال في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ كل منهما حسن، والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان حسنا، ولهذا التردد أتي البخاري في ترجمته كما سيأتي بعد أبواب بالاستفهام فقال ‏"‏ باب هل يقول إني صائم إذا شتم‏؟‏ ‏"‏ وقال الروياني‏:‏ إن كان رمضان فليقل بلسانه، وإن كان غيره فليقله في نفسه‏.‏
وادعى ابن العربي أن موضع الخلاف في التطوع‏.‏
وأما في الفرض فيقوله بلسانه قطعا، وأما تكرير قوله ‏"‏ إني صائم ‏"‏ فليتأكد الانزجار منه أو ممن يخاطبه بذلك‏.‏
ونقل الزركشي أن المراد بقوله ‏"‏ فليقل إني صائم مرتين ‏"‏ يقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه، فيستفيد بقوله بقلبه كف لسانه عن خصمه وبقوله بلسانه كف خصمه عنه‏.‏
وتعقب بأن القول حقيقة باللسان، وأجيب بأنه لا يمنع المجاز، وقوله ‏"‏قاتله ‏"‏ يمكن حمله على ظاهره ويمكن أن يراد بالقتل لعن يرجع إلى معنى الشتم، ولا يمكن حمل قاتله وشاتمه على المفاعلة لأن الصائم مأمور بأن الصائم مأمور بأن يكف نفسه عن ذلك فكيف يقع ذلك منه‏؟‏ وإنما المعنى إذا جاءه متعرضا لمقاتلته أو مشاتمته كأن يبدأه بقتل أو شتم اقتضت العادة أن يكافئه عليه‏.‏
فالمراد بالمفاعلة إرادة غير الصائم ذلك من الصائم، وقد تطلق المفاعلة على التهيؤ لها ولو وقع الفعل من واحد، وقد تقع المفاعلة بفعل الواحد كما يقال لواحد عالج الأمر وعافاه الله، وأبعد من حمله على ظاهره فقال المراد إذا بدرت من الصائم مقابلة الشتم بشتم على مقتضى الطبع فلينزجر عن ذلك ويقول إني صائم‏.‏
ومما يبعده قوله في الرواية الماضية ‏"‏ فإن شتمه شتمه ‏"‏ والله أعلم‏.‏
وفائدة قوله ‏"‏ إني صائم ‏"‏ أنه يمكن أن يكف عنه بذلك، فإن أصر دفعه بالأخف فالأخف كالصائل، هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة، فإن كان المراد بقوله ‏"‏ قاتله ‏"‏ شاتمه فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله، بل يقتصر على قوله إني صائم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده‏)‏ أقسم على ذلك تأكيدا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لخلوف‏)‏ بضم المعجمة واللام وسكون الواو بعدها فاء‏.‏
قال عياض‏:‏ هذه الرواية الصحيحة، وبعض الشيوخ يقوله بفتح الخاء، قال الخطابي‏:‏ وهو خطأ، وحكى القابسي الوجهين، وبالغ النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ فقال لا يجوز فتح الخاء، واحتج غيره لذلك بأن المصادر التي جاءت على فعول - بفتح أوله - قليلة ذكرها سيبويه وغيره وليس هذا منها، واتفقوا على أن المراد به تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فم الصائم‏)‏ فيه رد على من قال لا تثبت الميم في الفم عند الإضافة إلا في ضرورة الشعر لثبوته في هذا الحديث الصحيح وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أطيب عند الله من ريح المسك‏)‏ اختلف في كون الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك - مع أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروائح، إذ ذاك من صفات الحيوان، ومع أنه يعلم الشيء على ما هو عليه - على أوجه‏.‏
قال المازري‏:‏ هو مجاز لأنه جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله، فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم، وإلى ذلك أشار ابن عبد البر، وقيل المراد أن ذلك في حق الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك، وقيل المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضد ما هو عندكم، وهو قريب من الأول‏.‏
وقيل المراد أن الله تعالى يجزيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح جرحه تفوح مسكا‏.‏
وقيل المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك لا سيما بالإضافة إلى الخلوف حكاهما عياض‏.‏
وقال الداودي وجماعة‏:‏ المعنى أن الخلوف أكثر ثوابا من المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر، ورجح النووي هذا الأخير، وحاصله حمل معنى الطيب على القبول والرضا، فحصلنا على ستة أوجه‏.‏
وقد نقل القاضي حسين في تعليقه أن للطاعات يوم القيامة ريحا تفوح‏.‏
قال فرائحة الصيام فيها بين العبادات كالمسك، ويؤيد الثلاثة الأخيرة قوله في رواية مسلم وأحمد والنسائي من طريق عطاء عن أبي صالح ‏"‏ أطيب عند الله يوم القيامة ‏"‏ وأخرج أحمد هذه الزيادة من حديث بشير بن الخصاصية، وقد ترجم ابن حبان بذلك في صحيحه ثم قال ‏"‏ ذكر البيان بأن ذلك قد يكون في الدنيا ‏"‏ ثم أخرج الرواية التي فيها ‏"‏ فم الصائم حين يخلف من الطعام ‏"‏ وهي عنده وعند أحمد من طريق الأعمش عن أبي صالح، ويمكن أن يحمل قوله ‏"‏ حين يخلف ‏"‏ على أنه ظرف لوجود الخلوف المشهود له بالطيب فيكون سببا للطيب في الحال الثاني فيوافق الرواية الأولى وهي قوله ‏"‏ يوم القيامة ‏"‏ لكن يؤيد ظاهره وأن المراد به في الدنيا ما روى الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي في الشعب من حديث جابر في أثناء حديث مرفوع في فضل هذه الأمة في رمضان، وأما الثانية ‏"‏ فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك ‏"‏ قال المنذري إسناده مقارب، وهذه المسألة إحدى المسائل التي تنازع فيها ابن عبد السلام وابن الصلاح، فذهب ابن عبد السلام إلى أن ذلك في الآخرة كما في دم الشهيد واستدل بالرواية التي فيها ‏"‏ يوم القيامة ‏"‏ وذهب ابن الصلاح إلى أن ذلك في الدنيا واستدل بما تقدم وأن جمهور العلماء ذهبوا إلى ذلك، فقال الخطابي‏:‏ طيبه عند الله رضاه به وثناؤه عليه‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ أزكى عند الله وأقرب إليه‏.‏
وقال البغوي‏:‏ معناه الثناء على الصائم والرضا بفعله، وبنحو ذلك قال القدوري من الحنفية والداودي وابن العربي من المالكية وأبو عثمان الصابوني وأبو بكر بن السمعاني وغيرهم من الشافعية، جزموا كلهم بأنه عبارة عن الرضا والقبول، وأما ذكر يوم القيامة في تلك الرواية فلأنه يوم الجزاء وفيه يظهر رجحان الخلوف في الميزان على المسك المستعمل لدفع الرائحة الكريهة طلبا لرضا الله تعالى حيث يؤمر باجتنابها، فقيده بيوم القيامة في رواية وأطلق في باقي الروايات نظرا إلى أن أصل أفضليته ثابت في الدارين، وهو كقوله‏:‏ ‏(‏إن ربهم بهم يومئذ لخبير‏)‏ وهو خبير بهم في كل يوم، انتهى‏.‏
ويترتب على هذا الخلاف المشهور في كراهة إزالة هذا الخلوف بالسواك، وسيأتي البحث فيه بعد بضعة وعشرين بابا حيث ترجم له المصنف إن شاء الله تعالى، ويؤخذ من قوله ‏"‏ أطيب من ريح المسك ‏"‏ أن الخلوف أعظم من دم الشهادة لأن دم الشهيد شبه ريحه بريح المسك، والخلوف وصف بأنه أطيب، ولا يلزم من ذلك أن يكون الصيام أفضل من الشهادة لما لا يخفى، ولعل سبب ذلك النظر إلى أصل كل منهما فإن أصل الخلوف طاهر وأصل الدم بخلافه فكان ما أصله طاهر أطيب ريحا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي‏)‏ هكذا وقع هنا، ووقع في الموطأ ‏"‏ وإنما يذر شهوته الخ ‏"‏ ولم يصرح بنسبته إلى الله للعلم به وعدم الإشكال فيه‏.‏
وقد روى أحمد هذا الحديث عن إسحاق ابن الطباع عن مالك فقال بعد قوله من ريح المسك ‏"‏ يقول الله عز وجل‏:‏ إنما يذر شهوته الخ ‏"‏ كذلك رواه سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد فقال في أول الحديث ‏"‏ يقول الله عز وجل‏:‏ كل عمل ابن آدم هو له، إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به، وإنما يذر ابن آدم شهوته وطعامه من أجلي ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي قريبا من طريق عطاء عن أبي صالح بلفظ ‏"‏ قال الله عز وجل‏:‏ كل عمل ابن آدم له ‏"‏ الحديث‏.‏
ويأتي في التوحيد من طريق الأعمش عن أبي صالح بلفظ ‏"‏ يقول الله عز وجل‏:‏ الصوم لي وأنا أجزي به ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد يفهم من الإتيان بصيغة الحصر في قوله ‏"‏ إنما يذر الخ ‏"‏ التنبيه على الجهة التي بها يستحق الصائم ذلك وهو الإخلاص الخاص به، حتى لو كان ترك المذكورات لغرض آخر كالتخمة لا يحصل للصائم الفضل المذكور، لكن المدار في هذه الأشياء على الداعي القوي الذي يدور معه الفعل وجودا وعدما، ولا شك أن من لم يعرض في خاطره شهوة شيء من الأشياء طول نهاره إلى أن أفطر ليس هو في الفضل كمن عرض له ذلك فجاهد نفسه في تركه، والمراد بالشهوة في الحديث شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب، ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص‏.‏
ووقع في رواية الموطأ بتقديم الشهوة عليها فيكون من الخاص بعد العام، ومثله حديث أبي صالح في التوحيد، وكذا جمهور الرواة عن أبي هريرة‏.‏
وفي رواية ابن خزيمة من طريق سهيل عن أبي صالح عن أبيه ‏"‏ يدع الطعام والشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي ‏"‏ وفي رواية أبي قرة من هذا الوجه ‏"‏ يذع امرأته وشهوته وطعامه وشرابه من أجلي ‏"‏ وأصرح من ذلك ما وقع عند الحافظ سمويه في فوائده من طريق المسيب بن رافع عن أبي صالح ‏"‏ يترك شهوته من الطعام والشراب والجماع من أجلي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الصيام لي وأنا أجزي به‏)‏ كذا وقع بغير أداة عطف ولا غيرها، وفي الموطأ ‏"‏ فالصيام ‏"‏ بزيادة الفاء وهي للسببية أي سبب كونه لي أنه يترك شهوته لأجلي‏.‏
ووقع في رواية مغيرة عن أبي الزناد عند سعيد بن منصور ‏"‏ كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ‏"‏ ومثله في رواية عطاء عن أبي صالح الآتية، وقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى ‏"‏ الصيام لي وأنا أجزي به ‏"‏ مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها على أقوال‏:‏ أحدها أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، حكاه المازري ونقله عياض عن أبي عبيد، ولفظ أبي عبيد في غريبه‏:‏ قد علمنا أن أعمال البر كلها لله وهو الذي يجزي بها، فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيء في القلب‏.‏
ويؤيدها هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ليس في الصيام رياء ‏"‏ حدثنيه شبابة عن عقيل عن الزهري فذكره يعني مرسلا قال‏:‏ وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات، إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس، وهذا وجه الحديث عندي، انتهى‏.‏
وقد روى الحديث المذكور البيهقي في ‏"‏ الشعب ‏"‏ من طريق عقيل، وأورده من وجه آخر عن الزهري موصولا عن أبي سلمة عن أبي هريرة وإسناده ضعيف ولفظه ‏"‏ الصيام لا رياء فيه‏.‏
قال الله عز وجل‏:‏ هو لي وأنا أجزي به ‏"‏ وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ لما كانت الأعمال يدخلها الرياء والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه، ولهذا قال في الحديث ‏"‏ يدع شهوته من أجلي ‏"‏ وقال ابن الجوزي‏:‏ جميع العبادات تظهر بفعلها وقل أن يسلم ما يظهر من شوب، بخلاف الصوم‏.‏
وارتضى هذا الجواب المازري وقرره القرطبي بأن أعمال بني آدم لما كانت يمكن دخول الرياء فيها أضيفت إليهم، بخلاف الصوم فإن حال الممسك شبعا مثل حال الممسك تقربا يعني في الصورة الظاهرة‏.‏
قلت‏:‏ معنى النفي في قوله ‏"‏ لا رياء في الصوم ‏"‏ أنه لا يدخله الرياء بفعله، وإن كان قد يدخله الرياء بالقول كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية، فدخول الرياء في الصوم إنما يقع من جهة الإخبار، بخلاف بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها‏.‏
وقد حاول بعض الأئمة إلحاق شيء من العبادات البدنية بالصوم فقال‏:‏ إن الذكر بلا إله إلا الله يمكن أن لا يدخله الرياء، لأنه بحركة اللسان خاصة دون غيره من أعضاء الفم، فيمكن الذاكر أن يقولها بحضرة الناس ولا يشعرون منه بذلك‏.‏
ثانيها أن المراد بقوله ‏"‏ وأنا أجزي به ‏"‏ أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته‏.‏
وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس‏.‏
قال القرطبي‏:‏ معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير‏.‏
ويشهد لهذا السياق الرواية الأخرى يعني رواية الموطأ، وكذلك رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال ‏"‏ كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله - قال الله - إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ‏"‏ أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى ‏(‏إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب‏)‏ انتهى‏.‏
والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال‏.‏
قلت‏:‏ وسبق إلى هذا أبو عبيد في غريبه فقال‏:‏ بلغني عن ابن عيينة أنه قال ذلك، واستدل له بأن الصوم هو الصبر لأن الصائم يصبر نفسه عن الشهوات، وقد قال الله تعالى ‏(‏إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب‏)‏ انتهى‏.‏
ويشهد رواية المسيب بن رافع عن أبي صالح عند سمويه ‏"‏ إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه لا يدري أحد ما فيه ‏"‏ ويشهد له أيضا ما رواه ابن وهب في جامعه عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده زيد مرسلا، ووصله الطبراني والبيهقي في ‏"‏ الشعب ‏"‏ من طريق أخرى عن عمر بن محمد عن عبد الله بن مينار عن ابن عمر مرفوعا ‏"‏ الأعمال عند الله سبع ‏"‏ الحديث، وفيه ‏"‏ وعمل لا يعلم ثواب عامله إلا الله ‏"‏ ثم قال‏:‏ وأما العمل الذي لا يعلم ثواب عامله إلى الله فالصيام، ثم قال القرطبي‏:‏ هذا القول ظاهر الحسن، قال‏:‏ غير أنه تقدم ويأتي في غير ما حديث أن صوم اليوم بعشرة أيام، وهي نص في إظهار التضعيف، فبعد هذا الجواب بل بطل‏.‏
قلت‏:‏ لا يلزم من الذي ذكر بطلانه، بل المراد بما أورده أن صيام اليوم الواحد يكتب بعشرة أيام، وأما مقدار ثواب ذلك فلا يعلمه إلا الله تعالى‏.‏
ويؤيده أيضا العرف المستفاد من قوله ‏"‏ أنا أجزي به ‏"‏ لأن الكريم إذا قال‏:‏ أنا أتولى الإعطاء بنفسي كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه‏.‏
ثالثها معنى قوله ‏"‏ الصوم لي ‏"‏ أي أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي، وقد تقدم قول ابن عبد البر‏:‏ كفى بقوله ‏"‏ الصوم لي ‏"‏ فضلا للصيام على سائر العبادات‏.‏
وروى النسائي وغيره من حديث أبي أمامة مرفوعا ‏"‏ عليك بالصوم فإنه لا مثل له ‏"‏ لكن يعكر على هذا الحديث الصحيح ‏"‏ واعلموا أن خبر أعمالكم الصلاة‏"‏‏.‏
رابعها‏:‏ الإضافة إضافة تشريف وتعظيم كما يقال بيت الله وإن كانت البيوت كلها لله‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف‏.‏
خامسها‏:‏ أن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب جل جلاله، فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ معناه أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق، كأنه يقول إن الصائم يتقرب إلي بأمر هو متعلق بصفة من صفاتي‏.‏
سادسها‏:‏ أن المعنى كذلك، لكن بالنسبة إلى الملائكة لأن ذلك من صفاتهم‏.‏
سابعها‏:‏ أنه خالص لله وليس للعبد فيه حظ، قاله الخطابي، هكذا نقله عياض وغيره، فإن أراد بالحظ ما يحصل من الثناء عليه لأجل العبادة رجع إلى المعنى الأول، وقد أفصح بذلك ابن الجوزي فقال‏:‏ المعنى ليس لنفس الصائم فيه حظ بخلاف غيره فإن له فيه حظا لثناء الناس عليه لعبادته‏.‏
ثامنها‏:‏ سبب الإضافة إلى الله أن الصيام لم يعبد به غير الله، بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك‏.‏
واعترض على هذا بما يقع من عباد النجوم وأصحاب الهياكل والاستخدامات، فإنهم يتعبدون لها بالصيام‏.‏
وأجيب بأنهم لا يعتقدون إلهية الكواكب، وإنما يعتقدون أنها فعالة بأنفسها، وهذا الجواب عندي ليس بطائل، لأنهم طائفتان، إحداهما كانت تعتقد إلهية الكواكب وهم من كان قبل ظهور الإسلام، واستمر منهم من استمر على كفره‏.‏
والأخرى من دخل منهم في الإسلام واستمر على تعظيم الكواكب وهم الذين أشير إليهم‏.‏
تاسعها‏:‏ أن جميع العبادات توفى منها مظالم العباد إلا الصيام، روى ذلك البيهقي من طريق إسحاق بن أيوب بن حسان الواسطي عن أبيه عن ابن عيينة قال‏:‏ إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من عمله حتى لا يبقى له إلا الصوم، فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة‏.‏
قال القرطبي‏:‏ قد كنت استحسنت هذا الجواب إلى أن فكرت في حديث المقاصة فوجدت فيه ذكر الصوم في جملة الأعمال حيث قال ‏"‏ المفلس الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة وصيام، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار ‏"‏ فظاهره أن الصيام مشترك مع بقية الأعمال في ذلك‏.‏
قلت‏:‏ إن ثبت قول ابن عيينة أمكن تخصيص الصيام من ذلك، فقد يستدل له بما رواه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ كل العمل كفارة إلا الصوم، الصوم لي وأنا أجزي به ‏"‏ وكذا رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن محمد بن زياد ولفظه ‏"‏ قال ربكم تبارك وتعالى‏:‏ كل العمل كفارة إلا الصوم ‏"‏ ورواه قاسم بن أصبغ من طريق أخرى عن شعبة بلفظ ‏"‏ كل ما يعمله ابن آدم كفارة له إلا الصوم ‏"‏ وقد أخرجه المصنف في التوحيد عن آدم عن شعبة بلفظ يرويه ‏"‏ عن ربكم قال‏:‏ لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزي به ‏"‏ فحذف الاستثناء، وكذا رواه أحمد عن غندر عن شعبة لكن قال ‏"‏ كل العمل كفارة ‏"‏ وهذا يخالف رواية آدم لأن معناها إن لكل عمل من المعاصي كفارة من الطاعات، ومعنى رواية غندر كل عمل من الطاعات كفارة للمعاصي، وقد بين الإسماعيلي الاختلاف فيه في ذلك على شعبة، وأخرجه من طريق غندر بذكر الاستثناء فاختلف فيه أيضا على غندر، والاستثناء المذكور يشهد لما ذهب إليه ابن عيينة، لكنه وإن كان صحيح السند فإنه يعارضه حديث حذيفة ‏"‏ فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها الصلاة والصيام والصدقة ‏"‏ ولعل هذا هو السر في تعقيب البخاري لحديث الباب بباب الصوم كفارة وأورد فيه حديث حذيفة، وسأذكر وجه الجمع بينهما في الكلام على الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏
عاشرها‏:‏ أن الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظة كما تكتب سائر الأعمال، واستند قائله إلى حديث واه جدا أورده ابن العربي في ‏"‏ المسلسلات ‏"‏ ولفظه ‏"‏ قال الله الإخلاص سر من سري استودعته قلب من أحب لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ‏"‏ ويكفي في رد هذا القول الحديث الصحيح في كتابة الحسنة لمن هم بها وإن لم يعملها‏.‏
فهذا ما وقفت عليه من الأجوبة، وقد بلغني أن بعض العلماء بلغها إلى أكثر من هذا وهو الطالقاني في ‏"‏ حظائر القدس ‏"‏ له ولم أقف عليه، واتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا‏.‏
ونقل ابن العربي عن بعض الزهاد أنه مخصوص بصيام خواص الخواص فقال‏:‏ إن الصوم على أربعة أنواع‏:‏ صيام العوام وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع، وصيام خواص الخواص وهو هذا مع اجتناب المحرمات من قول أو فعل، وصيام الخواص وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته، وصيام خواص الخواص وهو الصوم عن غير الله فلا فطر لهم إلى يوم القيامة‏.‏
وهذا مقال عال لكن في حصر المراد من الحديث في هذا النوع نظر لا يخفى‏.‏
وأقرب الأجوبة التي ذكرتها إلى الصواب الأول والثاني ويقرب منهما الثامن والتاسع‏.‏
وقال البيضاوي في الكلام على رواية الأعمش عن أبي صالح التي بينتها قبل‏:‏ لما أراد بالعمل الحسنات وضع الحسنة في الخبر موضع الضمير الراجع إلى المبتدأ، وقوله ‏"‏إلا الصيام ‏"‏ مستثنى من كلام غير محكي دل عليه ما قبله، والمعنى أن الحسنات يضاعف جزاؤها من عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدر بل ثوابه لا يقدر قدره ولا يحصيه إلا الله تعالى، ولذلك يتولى الله جزاءه بنفسه ولا يكله إلى غيره‏.‏
قال‏:‏ والسبب في اختصاص الصوم بهذه المزية أمران، أحدهما‏:‏ أن سائر العبادات مما يطلع العباد عليه، والصوم سر بين العبد وبين الله تعالى يفعله خالصا ويعامله به طالبا لرضاه، وإلى ذلك الإشارة بقوله ‏"‏ فإنه لي‏"‏‏.‏
والآخر‏:‏ أن سائر الحسنات راجعة إلى صرف المال أو استعمال للبدن، والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقصان، وفيه الصبر على مضض الجوع والعطش وترك الشهوات، وإلى ذلك أشار بقوله ‏"‏ يدع شهوته من أجلي‏"‏‏.‏
قال الطيبي‏:‏ وبيان هذا أن قوله ‏"‏ يدع شهوته الخ ‏"‏ جملة مستأنفة وقعت موقع البيان لموجب الحكم المذكور، وأما قول البيضاوي‏:‏ إن الاستثناء من كلام غير محكي، ففيه نظر، فقد يقال‏:‏ هو مستثنى من كل عمل وهو مروي عن الله لقوله في أثناء الحديث ‏"‏ قال الله تعالى ‏"‏ ولما لم يذكره في صدر الكلام أورده في أثنائه بيانا، وفائدته تفخيم شأن الكلام وأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والحسنة بعشر أمثالها‏)‏ كذا وقع مختصرا عند البخاري، وقد قدمت البيان بأنه وقع في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ تاما، وقد رواه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق القعنبي شيخ البخاري فيه فقال بعد قوله وأنا أجزي به ‏"‏ كل حسنة يعملها ابن آدم بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ‏"‏ فأعاد قوله ‏"‏ وأنا أجزي به ‏"‏ في آخر الكلام تأكيدا، وفيه إشارة إلى الوجه الثاني‏.‏
ووقع في رواية أبي صالح عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث ‏"‏ للصائم فرحتان يفرحهما ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي الكلام عليه بعد ستة أبواب إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:24 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n166&p1#TOP)باب الصَّوْمُ كَفَّارَةٌ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصوم كفارة‏)‏ كذا لأبي ذر والجمهور بتنوين باب، أي الصوم يقع كفارة للذنوب، ورأيته هنا بخط القطب في شرحه ‏"‏ باب كفارة الصوم ‏"‏ أي باب تكفير الصوم للذنوب، وقد تقدم في أثناء الصلاة ‏"‏ باب الصلاة كفارة ‏"‏ وللمستملي ‏"‏ باب تكفير الصلاة ‏"‏ وأورد فيه حديث الباب بعينه من وجه آخر عن أبي وائل، وقد تقدم طرف من الكلام على الحديث ويأتي شرحه مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى، وفيه ما ترجم له لكن أطلق في الترجمة والخبر مقيد بفتنة المال وما ذكر معه، فقد يقال لا يعارض الحديث السابق في الباب قبله وهو كون الأعمال كفارة إلا الصوم لأنه يحمل في الإثبات على كفارة شيء مخصوص وفي النفي على كفارة شيء آخر، وقد حمله المصنف في موضع آخر على تكفير مطلق الخطيئة فقال في الزكاة ‏"‏ باب الصدقة تكفر الخطيئة ‏"‏ ثم أورد هذا الحديث بعينه، ويؤيد الإطلاق ما ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة أيضا مرفوعا ‏"‏ الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ‏"‏ وقد تقدم البحث في الصلاة‏.‏
ولابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا ‏"‏ من صام رمضان وعرف حدوده كفر ما قبله ‏"‏ ولمسلم من حديث أبي قتادة ‏"‏ إن صيام عرفة يكفر سنتين وصيام عاشوراء يكفر سنة ‏"‏ وعلى هذا فقوله ‏"‏ كل العمل كفارة إلا الصيام ‏"‏ يحتمل أن يكون المراد إلا الصيام فإنه كفارة وزيادة ثواب على الكفارة، ويكون المراد بالصيام الذي هذا شأنه ما وقع خالصا سالما من الرياء والشوائب كما تقدم شرحه، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n166&p1#TOP)باب الرَّيَّانُ لِلصَّائِمِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين ‏(‏الريان‏)‏ بفتح الراء وتشديد التحتانية وزن فعلان من الري‏:‏ اسم علم على باب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه، وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه، لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين، وسيأتي أن من دخله لم يظمأ‏.‏
قال القرطبي‏:‏ اكتفي بذكر الري عن الشبع لأنه يدل عليه من حيث أنه يستلزمه، قلت أو لكونه أشق على الصائم من الجوع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أبو حازم‏)‏ هو ابن دينار، وسهل هو ابن سعد الساعدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن في الجنة بابا‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ إنما قال في الجنة ولم يقل للجنة ليشعر بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة في الجنة فيكون أبلغ في التشوق إليه‏.‏
قلت‏:‏ وقد جاء الحديث من وجه آخر بلفظ ‏"‏ إن للجنة ثمانية أبواب، منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون‏"‏‏.‏
أخرجه هكذا الجوزقي من طريق أبي غسان عن أبي حازم، وهو للبخاري من هذا الوجه في بدء الخلق، لكن قال ‏"‏ في الجنة ثمانية أبواب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد‏)‏ كرر نفي دخول غيرهم منه تأكيدا، وأما قوله ‏"‏ فلم يدخل ‏"‏ فهو معطوف على ‏"‏ أغلق ‏"‏ أي لم يدخل منه غير من دخل‏.‏
ووقع عند مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد شيخ البخاري فيه ‏"‏ فإذا دخل آخرهم أغلق ‏"‏ هكذا في بعض النسخ من مسلم، وفي الكثير منها ‏"‏ فإذا دخل أولهم أغلق‏"‏‏.‏
قال عياض وغيره‏:‏ هو وهم‏.‏
والصواب آخرهم‏.‏
قلت‏:‏ وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده وأبو نعيم في مستخرجيه معا من طريقه، وكذا أخرجه الإسماعيلي والجوزقي من طرق عن خالد بن مخلد، وكذا أخرجه النسائي وابن خزيمة من طريق سعيد بن عبد الرحمن وغيره وزاد فيه ‏"‏ من دخل شرب ومن شرب لا يظمأ أبدا ‏"‏ وللترمذي من طريق هشام بن سعد عن أبي حازم نحوه وزاد ‏"‏ ومن دخله لم يظمأ أبدا ‏"‏ ونحوه للنسائي والإسماعيلي من طريق عبد العزيز بن حازم عن أبيه لكنه وقفه، وهو مرفوع قطعا لأن مثله لا مجال للرأي فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنِي مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد بن عبد الرحمن‏)‏ في رواية شعيب عن الزهري الآتية في فضل أبي بكر ‏"‏ أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ اتفق الرواة عن مالك على وصله، إلا يحيى بن بكير وعبد الله بن يوسف فإنهما أرسلاه، ولم يقع عند القعنبي أصلا‏.‏
قلت‏:‏ هذا أخرجه الدار قطني في ‏"‏ الموطآت ‏"‏ من طريق يحيى بن بكير موصولا فلعله اختلف عليه فيه، وأخرجه أيضا من طريق القعنبي فلعله حدث به خارج الموطأ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أنفق زوجين في سبيل الله‏)‏ زاد إسماعيل القاضي عن أبي مصعب عن مالك ‏"‏ من ماله ‏"‏ واختلف في المراد بقوله ‏"‏ في سبيل الله ‏"‏ فقيل أراد الجهاد، وقيل ما هو أعم منه، والمراد بالزوجين إنفاق شيئين من أي صنف من أصناف المال من نوع واحد كما سيأتي إيضاحه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هذا خير‏)‏ ليس اسم التفضيل، بل المعنى هذا خير من الخيرات، والتنوين فيه للتعظيم وبه تظهر الفائدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان‏)‏ في رواية محمد بن عمرو عن الزهري عند أحمد ‏"‏ لكل أهل عمل باب يدعون منه بذلك العمل، فلأهل الصيام باب يدعون منه يقال له الريان ‏"‏ وهذا صريح في مقصود الترجمة، وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في فضائل أبي بكر إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n166&p1#TOP)باب هَلْ يُقَالُ رَمَضَانُ أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ وَمَنْ رَأَى كُلَّهُ وَاسِعًا
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَالَ لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يقال‏)‏ كذا للأكثر على البناء للمجهول، وللسرخسي والمستملي ‏"‏ هل يقول ‏"‏ أي الإنسان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن رأى كله واسعا‏)‏ أي جائزا بالإضافة وبغير الإضافة، وللكشمهيني ‏"‏ ومن رآه ‏"‏ بزيادة الضمير وأشار البخاري بهذه الترجمة إلى حديث ضعيف رواه أبو معشر نجيح المدني عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ لا تقولوا رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله، ولكن قولوا شهر رمضان ‏"‏ أخرجه ابن عدي في الكامل وضعفه بأبي معشر‏.‏
قال البيهقي‏:‏ قد روي عن أبي معشر عن محمد ابن كعب وهو أشبه، وروي عن مجاهد والحسن من طريقين ضعيفين، وقد احتج البخاري لجواز ذلك بعدة أحاديث‏.‏
انتهى‏.‏
وقد ترجم النسائي لذلك أيضا فقال ‏"‏ باب الرخصة في أن يقال لشهر رمضان رمضان ‏"‏ ثم أورد حديث أبي بكرة مرفوعا ‏"‏ لا يقولن أحدكم صمت رمضان ولا قمته كله ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ عمرة في رمضان تعدل حجة ‏"‏ وقد يتمسك للتقييد بالشهر بورود القرآن به حيث قال ‏(‏شهر رمضان‏)‏ مع احتمال أن يكون حذف لفظ شهر من الأحاديث من تصرف الرواة، وكأن هذا هو السر في عدم جزم المصنف بالحكم، ونقل عن أصحاب مالك الكراهية، وعن ابن الباقلاني منهم وكثير من الشافعية إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا يكره، والجمهور على الجواز‏.‏
واختلف في تسمية هذا الشهر رمضان فقيل‏:‏ لأنه ترمض فيه الذنوب، أي تحرق لأن الرمضاء شدة الحر، وقيل وافق ابتداء الصوم فيه زمنا جارا، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من صام رمضان‏.‏
وقال‏:‏ لا تقدموا رمضان‏)‏ أما الحديث الأول فوصله في الباب الذي يليه وفيه تمامه، وأما الثاني فوصله بعد ذلك من طريق هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ لا يتقدمن أحدكم ‏"‏ وأخرجه مسلم من طريق علي بن المبارك عن يحيى بلفظ ‏"‏ لا تقدموا رمضان‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سهيل‏)‏ هو نافع بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن أبي غيمان - بالغين المعجمة والتحتانية - الأصبحي، عم مالك بن أنس بن مالك، وأبوه تابعي كبير أدرك عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة‏)‏ كذا أخرجه مختصرا، وقد أخرجه مسلم والنسائي من هذا الوجه بتمامه مثل رواية الزهري الثانية، والظاهر أن البخاري جمع المتن بإسنادين وذكر موضع المغايرة وهو ‏"‏ أبواب الجنة ‏"‏ في رواية إسماعيل بن جعفر ‏"‏ وأبواب السماء ‏"‏ في رواية الزهري‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني ابن أبي أنس‏)‏ هو أبو سهيل نافع بن أبي أنس مالك بن أبي عامر شيخ إسماعيل بن جعفر، وهو من صغار شيوخ الزهري بحيث أدركه تلامذة الزهري وهو أصغر منهم كإسماعيل بن جعفر‏.‏
وهذا الإسناد يعد من رواية الأقران، وقد تأخر أبو سهيل في الوفاة عن الزهري‏.‏
وقد بين النسائي أن مراد الزهري بابن أبي أنس نافع هذا فأخرج من وجه آخر عن عقيل عن ابن شهاب ‏"‏ أخبرني أبو سهيل عن أبيه ‏"‏ وأخرجه من طريق صالح عن ابن شهاب فقال ‏"‏ أخبرني نافع بن أبي أنس ‏"‏ وروى هذا الحديث معمر عن الزهري فأرسله وحذف من بينه وبين أبي هريرة، ورواه ابن إسحاق عن الزهري عن أويس ابن أبي أويس عديل بني تميم عن أنس، قال النسائي وهو خطأ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مولى التيميين‏)‏ أي مولى بني تيم، والمراد منهم آل طلحة بن عبيد الله أحد العشرة، وكان أبو عامر والد مالك قد قدم مكة فقطنها وحالف عثمان بن عبيد الله أخا طلحة فنسب إليه، وكان مالك الفقيه يقول‏:‏ لسنا موالي آل تيم، إنما نحن عرب من أصبح، ولكن جدي حالفهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسلسلت الشياطين‏)‏ قال الحليمي‏:‏ يحتمل أن يكون المراد من الشياطين مسترقو السمع منهم، وأن تسلسلهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه، لأنهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ، ويحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر‏.‏
وقال غيره‏:‏ المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم، وترجم لذلك ابن خزيمة في صحيحه وأورد ما أخرجه هو والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ‏"‏ وأخرجه النسائي من طريق أبي قلابة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ وتغل فيه مردة الشياطين ‏"‏ زاد أبو صالح في روايته ‏"‏ وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى مناد‏:‏ يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ‏"‏ لفظ ابن خزيمة، وقوله ‏"‏صفدت ‏"‏ بالمهملة المضمومة بعدها فاء ثقيلة مكسورة أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت، ونحوه للبيهقي من حديث ابن مسعود وقال فيه ‏"‏ فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب الشهر كله‏"‏‏.‏
قال عياض‏:‏ يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين‏.‏
قال‏:‏ ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم ‏"‏ فتحت أبواب الرحمة ‏"‏ قال‏:‏ ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات وذلك أسباب لدخول الجنة، وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار، وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ والأول أوجه، ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره‏.‏
وأما الرواية التي فيها ‏"‏ أبواب الرحمة وأبواب السماء ‏"‏ فمن تصرف الرواة، والأصل أبواب الجنة بدليل ما يقابله وهو غلق أبواب النار، واستدل به على أن الجنة في السماء لإقامة هذا مقام هذه في الرواية وفيه نظر، وجزم التوربشتي شارح المصابيح بالاحتمال الأخير وعبارته‏:‏ فتح أبواب السماء كناية عن تنزل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد تارة ببذل التوفيق وأخرى بحسن القبول، وغلق أبواب جهنم كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الفواحش والتخلص من البواعث عن المعاصي بقمع الشهوات‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين وأنه من الله بمنزلة عظيمة، وفيه إذا علم المكلف ذلك بأخبار الصادق ما يزيد في نشاطه ويتلقاه بأريحية‏.‏
وقال القرطبي بعد أن رجح حمله على ظاهره‏:‏ فإن قيل كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك‏؟‏ فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم كما تقدم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية‏.‏
وقال غيره‏:‏ في تصفيد الشياطين في رمضان إشارة إلى رفع عذر المكلف كأنه يقال له قد كفت الشياطين عنك فلا تعتل بهم في ترك الطاعة ولا فعل المعصية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ عَنْ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ وَيُونُسُ لِهِلَالِ رَمَضَانَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه‏)‏ أي الهلال وسيأتي التصريح بذلك بعد خمسة أبواب مع الكلام على الحكم، وكذا هو مصرح بذكر الهلال فيه في الرواية المعلقة، وإنما أراد المصنف بإيراده في هذا الباب ثبوت ذكر رمضان بغير لفظ شهر، ولم يقع ذلك في الرواية الموصولة وإنما وقع في الرواية المعلقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره عن الليث الخ‏)‏ المراد بالغير المذكور أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، كذا أخرجه الإسماعيلي من طريقه قال ‏"‏ حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب ‏"‏ فذكره بلفظ ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا ‏"‏ الحديث‏.‏
ووقع مثله في غير رواية الزهري‏.‏
قال عبد الرزاق ‏"‏ أنبأنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي بيان اختلاف ألفاظ هذا الحديث حيث ذكرته إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n166&p1#TOP)باب مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَنِيَّةً
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ حذف الجواب إيجازا واعتمادا على ما في الحديث، وعطف قوله نية على قوله احتسابا لأن الصوم إنما يكون لأجل التقريب إلى الله، والنية شرط في وقوعه قربة‏.‏
قال‏:‏ والأولى أن يكون منصوبا على الحال‏.‏
وقال غيره‏:‏ انتصب على أنه مفعول له أو تمييز أو حال بأن يكون المصدر في معنى اسم الفاعل أي مؤمنا محتسبا، والمراد بالإيمان الاعتقاد بحق فرضية صومه، وبالاحتساب طلب الثواب من الله تعالى‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ احتسابا أي عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يبعثون على نياتهم‏)‏ هذا طرف من حديث وصله المصنف في أوائل البيوع من طريق نافع بن جبير عنها وأوله ‏"‏ يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم، ثم يبعثون على نياتهم ‏"‏ يعني يوم القيامة ووجه الاستدلال منه هنا أن للنية تأثيرا في العمل لاقتضاء الخبر أن في الجيش المذكور المكره والمختار فإنهم إذا بعثوا على نياتهم وقعت المؤاخذة على المختار دون المكره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ هو ابن عبد الرحمن، ووقع في رواية معاذ بن هشام عن أبيه عن مسلم ‏"‏ حدثني أبو سلمة ‏"‏ ونحوه في رواية شيبان عن يحيى عند أحمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من قام ليلة القدر‏)‏ يأتي الكلام عليه في الباب المعقود لها في أواخر الصيام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏ زاد أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ‏"‏ وما تأخر ‏"‏ وقد رواه أحمد أيضا عن يزيد بن هارون عن محمد ابن عمرو بدون هذه الزيادة، ومن طريق يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بدونها أيضا، ووقعت هذه الزيادة أيضا في رواية الزهري عن أبي سلمة أخرجها النسائي عن قتيبة عن سفيان عنه، وتابعه حامد بن يحيى عن سفيان، أخرجه ابن عبد البر في ‏"‏ التمهيد ‏"‏ واستنكره، وليس بمنكر، فقد تابعه قتيبة كما ترى، وهشام ابن عمار وهو في الجزء الثاني عشر من فوائده، والحسين بن الحسن المروزي أخرجه في كتاب الصيام له، ويوسف بن يعقوب النجاحي أخرجه أبو بكر المقري في فوائده كلهم عن سفيان، والمشهور عن الزهري بدونها‏.‏
وقد وقعت هذه الزيادة أيضا في حديث عبادة بن الصامت عند الإمام أحمد من وجهين وإسناده حسن‏.‏
وقد استوعبت الكلام على طرقه في ‏"‏ كتاب الخصال المكفرة، للذنوب المقدمة والمؤخرة ‏"‏ وهذا محصله‏.‏
وقوله ‏"‏من ذنبه ‏"‏ اسم جنس مضاف فيتناول جميع الذنوب، إلا أنه مخصوص عند الجمهور، وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الوضوء وفي أوائل كتاب المواقيت‏.‏
قال الكرماني‏:‏ وكلمة ‏"‏ من ‏"‏ إما متعلقة بقوله ‏"‏ غفر ‏"‏ أي غفر من ذنبه ما تقدم فهو منصوب المحل، أو هي مبنية لما تقدم وهو مفعول لما لم يسم فاعله فيكون مرفوع المحل‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n166&p1#TOP)باب أَجْوَدُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ فِي رَمَضَانَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في بدء الوحي‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ وجه التشبيه بين أجوديته صلى الله عليه وسلم بالخير وبين أجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي برسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام الذي يكون سببا لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أي فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n166&p1#TOP)باب مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فِي الصَّوْمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يدع‏)‏ أي يترك ‏(‏قول الزور والعمل به‏)‏ زاد في نسخة الصغاني ‏"‏ في الصوم‏"‏‏.‏
قال الزبير بن المنير‏:‏ حذف الجواب لأنه لو نص على ما في الخبر لطالت الترجمة، أو لو عبر عنه بحكم معين لوقع في عهدته فكان الإيجاز ما صنع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعد المقبري عن أبيه‏)‏ كذا في أكثر الروايات عن ابن أبي ذئب، وقد رواه ابن وهب عن ابن أبي ذئب فاختلف عليه‏:‏ رواه الربيع عنه مثل الجماعة، ورواه ابن السراج عنه فلم يقل ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ أخرجها النسائي، وأخرجه الإسماعيلي من طريق حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب بإسقاطه أيضا، واختلف فيه على ابن المبارك فأخرجه ابن حبان من طريقه بالإسقاط، وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة بإثباته، وذكر الدار قطني أن يزيد بن هارون ويونس بن يحيى روياه عن ابن أبي ذئب بالإسقاط أيضا، وقد أخرجه أحمد عن يزيد فقال فيه ‏"‏ عن أبيه‏"‏، والذي يظهر أن ابن أبي ذئب كان تارة لا يقول عن أبيه وفي أكثر الأحوال يقولها، وقد رواه أبو قتادة الحراني عن ابن أبي ذئب بإسناد آخر فقال ‏"‏ عن الزهري عن عبد الله ابن ثعلبة عن أبي هريرة ‏"‏ وهو شاذ والمحفوظ الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قول الزور والعمل به‏)‏ زاد المصنف في الأدب عن أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب ‏"‏ والجهل ‏"‏ وكذا لأحمد عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن ابن أبي ذئب‏.‏
وفي رواية ابن وهب ‏"‏ والجهل في الصوم ‏"‏ ولابن ماجة من طريق ابن المبارك ‏"‏ من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به ‏"‏ جعل الضمير في ‏"‏ به ‏"‏ يعود على الجهل، والأول جعله يعود على قول الزور والمعنى متقارب، ولما روى الترمذي حديث أبي هريرة هذا قال‏:‏ وفي الباب عن أنس‏.‏
قلت‏:‏ وحديث أنس أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ ‏"‏ من لم يدع الخنا والكذب ‏"‏ ورجاله ثقات، والمراد بقول الزور‏:‏ الكذب، والجهل‏:‏ السفه، والعمل به أي بمقتضاه كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه، وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه، وهو مثل قوله ‏"‏ من باع الخمر فليشقص الخنازير ‏"‏ أي يذبحها، ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم بائع الخمر‏.‏
وأما قوله ‏"‏ فليس لله حاجة ‏"‏ فلا مفهوم له، فإن الله لا يحتاج إلى شيء، وإنما معناه فليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة، وقد سبق أبو عمر بن عبد البر إلى شيء من ذلك‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ بل هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به‏:‏ لا حاجة لي بكذا، فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول السالم منه، وقريب من هذا قوله تعالى ‏(‏لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم‏)‏ فإن معناه لن يصيب رضاه الذي ينشأ عنه القبول‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه، ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول، فقوله ‏"‏ ليس لله حاجة ‏"‏ مجاز عن عدم القبول، فنفى السبب وأراد المسبب والله أعلم‏.‏
واستدل به على أن هذه الأفعال تنقص الصوم، وتعقب بأنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر‏.‏
وأجاب السبكي الكبير بأن في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية للأول، لأن الرفث والصخب وقول الزور والعمل به مما علم النهي عنه مطلقا والصوم مأمور به مطلقا، فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة فيه معنى يفهمه، فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين‏:‏ أحدهما زيادة قبحها في الصوم على غيرها، والثاني البحث على سلامة الصوم عنها، وأن سلامته منها صفة كمال فيه، وقوة الكلام تقتضي أن يقبح ذلك لأجل الصوم، فمقتضى ذلك أن الصوم يكمل بالسلامة عنها‏.‏
قال‏:‏ فإذا لم يسلم عنها نقص‏.‏
ثم قال‏:‏ ولا شك أن التكاليف قد ترد بأشياء وينبه بها على أخرى بطريق الإشارة، وليس المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات لأنه يشترط له النية بالإجماع، ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله وأمر بالإمساك عن المفطرات، ونبه الغافل بذلك على الإمساك عن المخالفات، وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده، فيكون اجتناب المفطرات واجبا واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات، والله أعلم‏.‏
وقال شيخنا في شرح الترمذي‏:‏ لما أخرج الترمذي هذا الحديث ترجم ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم، وهو مشكل لأن الغيبة ليست قول الزور ولا العمل به، لأنها أن يذكر غيره بما يكره، وقول الزور هو الكذب، وقد وافق الترمذي بقية أصحاب السنن فترجموا بالغيبة وذكروا هذا الحديث، وكأنهم فهموا من ذكر قول الزور والعمل به الأمر بحفظ النطق، ويمكن أن يكون فيه إشارة إلى الزيادة التي وردت في بعض طرقه وهي الجهل فإنه يصح إطلاقه على جميع المعاصي‏.‏
وأما قوله ‏"‏ والعمل به ‏"‏ فيعود على الزور، ويحتمل أن يعود أيضا على الجهل أي والعمل بكل منهما‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ فليس لله ‏"‏ وقع عند البيهقي في ‏"‏ الشعب ‏"‏ من طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب ‏"‏ فليس به ‏"‏ بموحدة وهاء ضمير، فإن لم يكن تحريفا فالضمير للصائم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n166&p1#TOP)باب هَلْ يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ إِذَا شُتِمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يقول إني صائم إذا شتم‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى قبل ستة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ
الشرح‏:‏
قوله فيه ‏(‏ولا يصخب‏)‏ كذا للأكثر بالمهملة الساكنة بعدها خاء معجمة، ولبعضهم بالسين بدل الصاد وهو بمعناه، والصخب الخصام والصياح، وقد تقدم أن المراد النهي عن ذلك تأكيده حالة الصوم، وإلا فغير الصائم منهي عن ذلك أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لخلوف‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ لخلف ‏"‏ بحذف الواو كأنها صيغة جمع، ويروى في غير البخاري بلفظ ‏"‏ لخفة ‏"‏ على الوحدة كتمر وتمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏للصائم فرحتان يفرحهما‏:‏ إذا أفطر فرح‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ بفطره‏"‏، وقوله ‏"‏يفرحهما ‏"‏ أصله يفرح بهما فحذف الجار ووصل الضمير كقوله صام رمضان أي فيه‏.‏
قال القرطبي‏:‏ معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم، وقيل إن فرحه بفطره إنما هو من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه‏.‏
قلت‏:‏ ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر، ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك، فمنهم من يكون فرحه مباحا وهو الطبيعي، ومنهم من يكون مستحبا وهو من يكون سببه شيء مما ذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا لقي ربه فرح بصومه‏)‏ أي بجزائه وثوابه‏.‏
وقيل الفرح الذي عند لقاء ربه إما لسروره بربه أو بثواب ربه على الاحتمالين‏.‏
قلت‏:‏ والثاني أظهر إذ لا ينحصر الأول في الصوم بل يفرح حينئذ بقبول صومه وترتب الجزاء الوافر عليه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n166&p1#TOP)باب الصَّوْمِ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعُزْبَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة‏)‏ بضم المهملة وسكون الزاي بعدها موحدة، كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ العزوبة ‏"‏ بزيادة واو، والمراد بالخوف من العزوبة ما ينشأ عنها من إرادة الوقوع في العنت‏.‏
ثم أورد المصنف فيه حديث ابن مسعود المشهور، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى، والمراد منه هنا قوله فيه ‏"‏ ومن لم يستطع ‏"‏ أي لم يجد أهبة النكاح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعليه بالصوم فإنه له وجاء‏)‏ بكسر الواو وبجيم ومد وهو رض الخصيتين، وقيل رض عروقهما، ومن يفعل به ذلك تنقطع شهوته، ومقتضاه أن الصوم قامع لشهوة النكاح‏.‏
واستشكل بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الشهوة، لكن ذلك إنما يقع في مبدأ الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:27 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n166&p1#TOP)باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا وَقَالَ صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا رأيتم الهلال فصوموا‏)‏ هذه الترجمة لفظ مسلم من رواية إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة، وقد سبق للمصنف في أول الصيام من طريق ابن شهاب عن سالم عن أبيه بلفظ ‏"‏ إذا رأيتموه ‏"‏ وذكر البخاري في الباب أحاديث تدل على نفي صوم يوم الشك رتبها ترتيبا حسنا‏:‏ فصدرها بحديث عمار المصرح بعصيان من صامه، ثم بحديث ابن عمر من وجهين أحدهما بلفظ ‏"‏ فإن غم عليكم فاقدروا له ‏"‏ والآخر بلفظ ‏"‏ فأكملوا العدة ثلاثين ‏"‏ وقصد بذلك بيان المراد من قوله فاقدروا له، ثم استظهر بحديث ابن عمر أيضا ‏"‏ الشهر هكذا وهكذا وحبس الإبهام في الثالثة ‏"‏ ثم ذكر شاهدا من حديث أبي هريرة لحديث ابن عمر مصرحا بأن عدة الثلاثين المأمور بها تكون من شعبان، ثم ذكر شاهدا لحديث ابن عمر في كون الشهر تسعا وعشرين من حديث أم سلمة مصرحا فيه بأن الشهر تسع وعشرون، ومن حديث أنس كذلك، وسأتكلم عليها حديثا حديثا إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال صلة عن عمار الخ‏)‏ أما صلة فهو بكسر المهملة وتخفيف اللام المفتوحة ابن زفر بزاي وفاء وزن عمر كوفي عبسي بموحدة ومهملة من كبار التابعين وفضلائهم، ووهم ابن حزم فزعم أنه صلة ابن أشيم، والمعروف أنه ابن زفر، وكذا وقع مصرحا به عند جمع ممن وصل هذا الحديث، وقد وصله أبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق عمرو بن قيس عن أبي إسحاق عنه ولفظه عندهم ‏"‏ كنا عند عمار بن ياسر فأتى بشاة مصلية فقال‏:‏ كلوا‏.‏
فتنحى بعض القوم فقال إني صائم‏.‏
فقال عمار‏:‏ من صام يوم الشك ‏"‏ وفي رواية ابن خزيمة وغيره ‏"‏ من صام اليوم الذي يشك فيه‏"‏، وله متابع بإسناد حسن، أخرجه ابن أبي شيبة من طريق منصور عن ربعي ‏"‏ أن عمارا وناسا معه أتوهم يسألونهم في اليوم الذي يشك فيه، فاعتزلهم رجل، فقال له عمار تعال فكل فقال‏:‏ إني صائم، فقال له عمار‏:‏ إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فتعال وكل ‏"‏ ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن منصور عن ربعي عن رجل عن عمار، وله شاهد من وجه آخر أخرجه إسحاق بن راهويه من رواية سماك عن عكرمة‏.‏
ومنهم من وصله بذكر ابن عباس فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم‏)‏ استدل به على تحريم صوم يوم الشك لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه فيكون من قبيل المرفوع‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ هو مسند عندهم لا يختلفون في ذلك‏.‏
وخالفهم الجوهري المالكي فقال‏:‏ هو موقوف‏.‏
والجواب أنه موقوف لفظا مرفوع حكما‏.‏
قال الطيبي‏:‏ إنما أتى بالموصول ولم يقل يوم الشك مبالغة في أن صوم يوم فيه أدنى شك سبب لعصيان صاحب الشرع فكيف بمن صام يوما الشك فيه قائم ثابت، ونحوه قوله تعالى ‏(‏ولا تركنوا إلى الذين ظلموا‏)‏ أي الذين أونس منهم أدنى ظلم، فكيف بالظلم المستمر عليه‏؟‏ قلت‏:‏ وقد علمت أنه وقع في كثير من الطرق بلفظ ‏"‏ يوم الشك ‏"‏ وقوله ‏"‏ أبا القاسم ‏"‏ قيل فائدة تخصيص ذكر هذه الكنية الإشارة إلى أنه هو الذي يقسم بين عباد الله أحكامه زمانا ومكانا وغير ذلك، وأما حديث ابن عمر فاتفق الرواة عن مالك عن نافع فيه على قوله ‏"‏ فاقدروا له ‏"‏ وجاء من وجه آخر عن نافع بلفظ ‏"‏ فاقدروا ثلاثين ‏"‏ كذلك أخرجه مسلم من طريق عبيد الله ابن عمر عن نافع، وهكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع‏.‏
قال عبد الرزاق‏:‏ وأخبرنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع به وقال ‏"‏ فعدوا ثلاثين ‏"‏ واتفق الرواة عن مالك عن عبد الله بن دينار أيضا فيه على قوله ‏"‏ فاقدروا له ‏"‏ وكذلك رواه الزعفراني وغيره عن الشافعي، وكذا رواة إسحاق الحربي وغيره في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن القعنبي، وأخرجه الربيع بن سليمان والمزني عن الشافعي فقال فيه كما قاله البخاري هنا عن القعنبي ‏"‏ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ‏"‏ قال البيهقي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ إن كانت رواية الشافعي والقعنبي من هذين الوجهين محفوظة فيكون مالك قد رواه على الوجهين‏.‏
قلت‏:‏ ومع غرابة هذا اللفظ من هذا الوجه فله متابعات، منها‏:‏ ما رواه الشافعي أيضا من طريق سالم عن ابن عمر بتعيين الثلاثين‏.‏
ومنها‏:‏ ما رواه ابن خزيمة من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين ‏"‏ وله شواهد من حديث حذيفة عند ابن خزيمة، وأبي هريرة وابن عباس عند أبي داود والنسائي وغيرهما، وعن أبي بكرة وطلق بن علي عند البيهقي، وأخرجه من طرق أخرى عنهم وعن غيرهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا تصوموا حتى تروا الهلال‏)‏ ظاهره إيجاب الصوم حين الرؤية متى وجدت ليلا أو نهارا لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل، وبعض العلماء فرق بين ما قبل الزوال أو بعد، وخالف الشيعة الإجماع فأوجبوه مطلقا، وهو ظاهر في النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها، ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة لكفى ذلك لمن تمسك به، لكن اللفظ الذي رواه أكثر الرواة أوقع للمخالف شبهة وهو قوله ‏"‏ فإن غم عليكم فاقدروا له ‏"‏ فاحتمل أن يكون المراد التفرقة بين حكم الصحو والغيم، فيكون التعليق على الرؤية متعلقا بالصحو، وأما الغيم فله حكم آخر‏.‏
ويحتمل أن لا تفرقة ويكون الثاني مؤكدا للأول، وإلى الأول ذهب أكثر الحنابلة، وإلى الثاني ذهب الجمهور فقالوا‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ فاقدروا له ‏"‏ أي انظروا في أول الشهر واحسبوا تمام الثلاثين، ويرجح هذا التأويل الروايات الأخر المصرحة بالمراد وهي ما تقدم من قوله ‏"‏ فأكملوا العدة ثلاثين ‏"‏ ونحوها، وأولى ما فسر الحديث بالحديث، وقد وقع الاختلاف في حديث أبي هريرة في هذه الزيادة أيضا فرواها البخاري كما ترى بلفظ ‏"‏ فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ‏"‏ وهذا أصرح ما ورد في ذلك، وقد قيل إن آدم شيخه انفرد بذلك فإن أكثر الرواة عن شعبة قالوا فيه ‏"‏ فعدوا ثلاثين ‏"‏ أشار إلى ذلك الإسماعيلي وهو عند مسلم وغيره‏.‏
قال فيجوز أن يكون آدم أورده على ما وقع عنده من تفسير الخبر‏.‏
قلت‏:‏ الذي ظنه الإسماعيلي صحيح، فقد رواه البيهقي من طريق إبراهيم بن يزيد عن آدم بلفظ ‏"‏ فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ‏"‏ يعني عدوا شعبان ثلاثين، فوقع للبخاري إدراج التفسير في نفس الخبر‏.‏
ويؤيد رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين‏"‏، فإنه يشعر بأن المأمور بعدده هو شعبان، وقد رواه مسلم من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد بلفظ ‏"‏ فأكملوا العدد ‏"‏ وهو يتناول كل شهر فدخل فيه شعبان، وروى الدار قطني وصححه وابن خزيمة في صحيحه من حديث عائشة ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام ‏"‏ وأخرجه أبو داود وغيره أيضا‏.‏
وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة من طريق ربعي عن حذيفة مرفوعا ‏"‏ لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ‏"‏ وقيل الصواب فيه عن ربعي عن رجل من الصحابة مبهم، ولا يقدح ذلك في صحته‏.‏
قال ابن الجوزي في ‏"‏ التحقيق ‏"‏ لأحمد في هذه المسألة - وهي ما إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان - ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها يجب صومه على أنه من رمضان‏.‏
ثانيها لا يجوز فرضا ولا نفلا مطلقا، بل قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة، وبه قال الشافعي‏.‏
وقال مالك وأبو حنيفة لا يجوز عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك‏.‏
ثالثها المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر‏.‏
واحتج الأول بأنه موافق لرأي الصحابي راوي الحديث‏.‏
قال أحمد‏:‏ حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر فذكر الحديث بلفظ ‏"‏ فاقدروا له ‏"‏ قال نافع‏:‏ فكان ابن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر، فإن رأى فذاك، وإن لما ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا، وإن حال أصبح صائما‏.‏
وأما ما روى الثوري في جامعه عن عبد العزيز بن حكيم سمعت ابن عمر يقول‏:‏ لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه، فالجمع بينهما أنه في الصورة التي أوجب فيها الصوم لا يسمى يوم شك، وهذا هو المشهور عن أحمد أنه خص يوم الشك بما إذا تقاعد الناس عن رؤية الهلال أو شهد برؤيته من لا يقبل الحاكم شهادته، فأما إذا حال دون منظره شيء فلا يسمى شكا‏.‏
واختار كثير من المحققين من أصحابه الثاني‏.‏
قال ابن عبد الهادي في تنقيحه‏:‏ الذي دلت عليه الأحاديث - وهو مقتضى القواعد - أنه أي شهر غم أكمل ثلاثين سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما، فعلى هذا قوله ‏"‏ فأكملوا العدة ‏"‏ يرجع إلى الجملتين وهو قوله ‏"‏ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ‏"‏ أي غم عليكم في صومكم أو فطركم، وبقية الأحاديث تدل عليه فاللام في قوله ‏"‏ فأكملوا العدة ‏"‏ للشهر أي عدة الشهر، ولم يخص صلى الله عليه وسلم شهرا دون شهر بالإكمال إذا غم، فلا فرق بين شعبان وغيره في ذلك، إذ لو كان شعبان غير مراد بهذا الإكمال لبينه فلا تكون رواية من روى ‏"‏ فأكملوا عدة شعبان ‏"‏ مخالفة لمن قال ‏"‏ فأكملوا العدة ‏"‏ بل مبينة لها‏.‏
ويؤيد ذلك قوله في الرواية الأخرى ‏"‏ فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا‏"‏‏.‏
أخرجه أحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وأبو يعلى من حديث ابن عباس هكذا، ورواه الطيالسي من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان ‏"‏ وروى النسائي من طريق محمد بن حنين عن ابن عباس بلفظ ‏"‏ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاقدروا له‏)‏ تقدم أن للعلماء فيه تأويلين، وذهب آخرون إلى تأويل ثالث، قالوا‏:‏ معناه فاقدروه بحساب المنازل‏.‏
قاله أبو العباس بن سريج من الشافعية ومطرف بن عبد الله من التابعين وابن قتيبة من المحدثين‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ لا يصح عن مطرف، وأما ابن قتيبة هو ممن يعرج عليه في مثل هذا‏.‏
قال‏:‏ ونقل ابن خويز منداد عن الشافعي مسألة ابن سريج والمعروف عن الشافعي ما عليه الجمهور، ونقل ابن العربي عن ابن سريج أن قوله ‏"‏ فاقدروا له ‏"‏ خطاب لمن خصه الله بهذا العلم، وأن قوله ‏"‏ فأكملوا العدة ‏"‏ خطاب للعامة‏.‏
قال ابن العربي‏:‏ فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد، قال‏:‏ وهذا بعيد عن النبلاء‏.‏
وقال ابن الصلاح‏:‏ معرفة منازل القمر هي معرفة سير الأهلة، وأما معرفة الحساب فأمر دقيق يختص بمعرفته الآحاد، قال‏:‏ فمعرفة منازل القمر تدرك بأمر محسوس يدركه من يراقب النجوم، وهذا هو الذي أراده ابن سريج وقال به في حق العارف بها في خاصة نفسه‏.‏
ونقل الروياني عنه أنه لم يقل بوجوب ذلك عليه وإنما قال بجوازه، وهو اختيار القفال وأبي الطيب، وأما أبو إسحاق في ‏"‏ المهذب ‏"‏ فنقل عن ابن سريج لزوم الصوم في هذه الصورة فتعددت الآراء في هذه المسألة بالنسبة إلى خصوص النظر في الحساب والمنازل‏:‏ أحدها الجواز ولا يجزئ عن الفرض، ثانيها يجوز ويجزئ، ثالثها يجوز للحاسب ويجزئه لا للمنجم، رابعها يجوز لهما ولغيرهما تقليد الحاسب دون المنجم، خامسها يجوز لهما ولغيرهما مطلقا‏.‏
وقال ابن الصباغ أما بالحساب فلا يلزمه بلا خلاف بين أصحابنا‏.‏
قلت‏:‏ ونقل ابن المنذر قبله الإجماع على ذلك‏.‏
فقال في الإشراف‏:‏ صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة، وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته، هكذا أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره، فمن فرق بينهم كان محجوجا بالإجماع قبله، وسيأتي بقية البحث في ذلك بعد باب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏الشهر تسع وعشرون‏)‏ ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنه لا ينحصر فيه بل قد يكون ثلاثين، والجواب أن المعنى أن الشهر يكون تسعة وعشرين أو اللام للعهد والمراد شهر بعينه أو هو محمول على الأكثر الأغلب لقول ابن مسعود ‏"‏ ما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين ‏"‏ أخرجه أبو داود والترمذي، ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد، ويؤيد الأول قوله في حديث أم سلمة في الباب أن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ قوله ‏"‏ الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا الخ ‏"‏ معناه حصره من جهة أحد طرفيه، أي أنه يكون تسعا وعشرين وهو أقله، ويكون ثلاثين وهو أكثره، فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطا، ولا تقتصروا على الأقل تخفيفا، ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداء وانتهاء باستهلاله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا تصوموا حتى تروه‏)‏ ليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في حق كل أحد، بل المراد بذلك رؤية بعضهم وهو من يثبت به ذلك، إما واحد على رأي الجمهور أو اثنان على رأي آخرين‏.‏
ووافق الحنفية على الأول إلا أنهم خصوا ذلك بما إذا كان في السماء علة من غيم وغيره، وإلا متى كان صحو لم يقبل إلا من جمع كثير يقع العلم بخبرهم‏.‏
وقد تمسك بتعليق الصوم بالرؤية من ذهب إلى إلزام أهل البلد برؤية أهل بلد غيرها، ومن لم يذهب إلى ذلك قال لأن قوله ‏"‏ حتى تروه ‏"‏ خطاب لأناس مخصوصين فلا يلزم غيرهم، ولكنه مصروف عن ظاهره فلا يتوقف الحال على رؤية كل واحد فلا يتقيد بالبلد‏.‏
وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب‏:‏ أحدها لأهل كل بلد رؤيتهم، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس ما يشهد له، وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق، وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه، وحكاه الماوردي وجها للشافعية‏.‏
ثانيها مقابله إذا رؤي ببلدة لزم أهل البلاد كلها، وهو المشهور عند المالكية، لكن حكى ابن عبد البر الإجماع على خلافه‏.‏
وقال‏:‏ أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس‏.‏
قال القرطبي‏:‏ قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم‏.‏
وقال ابن الماجشون‏:‏ لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع‏.‏
وقال بعض الشافعية‏:‏ إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا وإن تباعدت فوجهان‏:‏ لا يجب عند الأكثر، واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب وحكاه البغوي عن الشافعي‏.‏
وفي ضبط البعد أوجه‏:‏ أحدها اختلاف المطالع قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في ‏"‏ الروضة ‏"‏ و ‏"‏ شرح المهذب‏"‏‏.‏
ثانيها مسافة القصر قطع به الإمام والبغوي وصححه الرافعي في ‏"‏ الصغير ‏"‏ والنووي في شرح مسلم‏"‏‏.‏
ثالثها اختلاف الأقاليم‏.‏
رابعها حكاه السرخسي فقال‏:‏ يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنها بلا عارض دون غيرهم‏.‏
خامسها قول ابن الماجشون المتقدم واستدل به على وجوب الصوم والفطر على من رأى الهلال وحده وإن لم يثبت بقوله، وهو قول الأئمة الأربعة في الصوم، واختلفوا في الفطر فقال الشافعي‏:‏ يفطر ويخفيه‏.‏
وقال الأكثر‏:‏ يستمر صائما احتياطا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن غم عليكم‏)‏ بضم المعجمة وتشديد الميم أي حال بينكم وبينه غيم، يقال غممت الشيء إذا غطيته، ووقع في حديث أبي هريرة من طريق المستملي ‏"‏ فإن غم ‏"‏ ومن طريق الكشميهني ‏"‏ أغمى ‏"‏ ومن رواية السرخسي ‏"‏ غبى ‏"‏ بفتح العين المعجمة وتخفيف الموحدة وأغمى وغم وغمى بتشديد الميم وتخفيفها فهو مغموم، الكل بمعنى، وأما غبى فمأخوذ من الغباوة وهي عدم الفطنة وهي استعارة لخفاء الهلال، ونقل ابن العربي أنه روى ‏"‏ عمى ‏"‏ بالعين المهملة من العمى قال وهو بمعناه لأنه ذهاب البصر عن المشاهدات أو ذهاب البصيرة عن المعقولات‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَسَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏الشهر هكذا وهكذا وخنس الإبهام في الثالثة‏)‏ كذا للأكثر بالمعجمة والنون أي قبض، والانخناس الانقباض قاله الخطابي‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ وحبس ‏"‏ بالحاء المهملة ثم الموحدة، أي منع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ شَهْرًا فَقَالَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى بن عبد الله بن صيفي‏)‏ بمهملة وفاء وزن زيدي، وهو اسم بلفظ النسبة‏.‏
ووقع في رواية حجاج عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني يحيى ‏"‏ أخرجه مسلم، وكذا صرح بالإخبار في بقية الإسناد، وسيأتي الكلام على حديث أم سلمة هذا مستوفى في كتاب الطلاق‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتْ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد عن أنس‏)‏ سيأتي في الطلاق من وجه آخر عن سليمان عن حميد أنه مع أنسا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تسعا وعشرين‏)‏ كذا للأكثر وللحموي والمستملي ‏"‏ تسعة وعشرين ‏"‏ وسيأتي بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:29 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n167&p1#TOP)باب شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَهُوَ تَمَامٌ
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجْتَمِعَانِ كِلَاهُمَا نَاقِصٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب شهرا عيد لا ينقصان‏)‏ هكذا ترجم ببعض لفظ الحديث، وهذا القدر لفظ طريق لحديث الباب عند الترمذي من رواية بشر بن المفضل عن خالد الحذاء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شَهْرَانِ لَا يَنْقُصَانِ شَهْرَا عِيدٍ رَمَضَانُ وَذُو الْحَجَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسدد حدثنا معتمر‏)‏ فساق الإسناد ثم قال‏:‏ ‏"‏ وحدثني مسدد قال حدثنا معتمر ‏"‏ فساقه بإسناد آخر لمسدد وساق المتن على لفظ الرواية الثانية، وكأن النكتة في كونه لم يجمع الإسنادين معا مع أنهما لم يتغايرا إلا في شيخ معتمر أن مسددا حدثه به مرة ومعه غيره عن معتمر عن إسحاق، وحدثه به مرة أخرى إما وهو وحده وإما بقراءته عليه عن معتمر عن خالد، ولمسدد فيه شيخ آخر أخرجه أبو داود عنه عن يزيد بن زريع عن خالد وهو محفوظ عن خالد الحذاء من طرق‏.‏
وأما قول قاسم في ‏"‏ الدلائل ‏"‏‏:‏ سمعت موسى بن هارون يحدث بهذا الحديث عن العباس بن الوليد عن يزيد بن زريع مرفوعا، قال موسى وأنا أهاب رفعه، فإن لم يحمل على أن يزيد بن زريع كان ربما وقفه وإلا فليس لمهابة رفعه معنى‏.‏
وأما لفظ إسحاق العدوي فأخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي خليفة وأبي مسلم الكجي جميعا عن مسدد بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ لا ينقص رمضان ولا ينقص ذو الحجة ‏"‏ وأشار الإسماعيلي أيضا إلى أن هذا اللفظ لإسحاق العدوي، لكن أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن محمد بن يحيى عن مسدد بلفظ ‏"‏ شهرا عيدا لا ينقصان ‏"‏ كما هو لفظ الترجمة، وكأن هذا هو السر في اقتصار البخاري على سياق المتن على لفظ خالد دون إسحاق لكونه لم يختلف في سياقه عليه، وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث‏:‏ فمنهم من حمله على ظاهره فقال لا يكون رمضان ولا ذو الحجة أبدا إلا ثلاثين، وهذا قول مردود معاند للموجود المشاهد، ويكفي في رده قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ‏"‏ فإنه لو كان رمضان أبدا ثلاثين لم يحتج إلى هذا‏.‏
ومنهم من تأول له معنى لائقا‏.‏
وقال أبو الحسن كان إسحاق بن راهويه يقول‏:‏ لا ينقصان في الفضيلة إن كانا تسعة وعشرين أو ثلاثين‏.‏
انتهى‏.‏
وقيل لا ينقصان معا، إن جاء أحدهما تسعا وعشرين جاء الآخر ثلاثين ولا بد‏.‏
وقيل لا ينقصان في ثواب العمل فيهما، وهذان القولان مشهوران عن السلف وقد ثبتا منقولين في أكثر الروايات في البخاري، وسقط ذلك في رواية أبي ذر وفي رواية النسفي وغيره عقب الترجمة قبل سياق الحديث‏.‏
قال إسحاق‏:‏ وإن كان ناقصا فهو تمام‏.‏
وقال محمد‏:‏ لا يجتمعان كلاهما ناقص‏.‏
وإسحاق هذا هو ابن راهويه، ومحمد هو البخاري المصنف‏.‏
ووقع عند الترمذي نقل القولين عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل، وكأن البخاري اختار مقالة أحمد فجزم بها أو توارد عليها‏.‏
قال الترمذي قال أحمد‏:‏ معناه لا ينقصان معا في سنة واحدة انتهى‏.‏
ثم وجدت في نسخة الصغاني ما نصه عقب الحديث‏:‏ قال أبو عبد الله قال إسحاق تسعة وعشرون يوما تام‏.‏
وقال أحمد بن حنبل إن نقص رمضان تم ذو الحجة، وإن نقص ذو الحجة تم رمضان‏.‏
وقال إسحاق‏:‏ معناه وإن كان تسعا وعشرين فهو تمام غير نقصان‏.‏
قال‏:‏ وعلى مذهب إسحاق يجوز أن ينقصا معا في سنة واحدة‏.‏
وروى الحاكم في تاريخه بإسناد صحيح أن إسحاق بن إبراهيم سئل عن ذلك فقال‏:‏ إنكم ترون العدد ثلاثين فإذا كان تسعا وعشرين ترونه نقصانا وليس ذلك بنقصان‏.‏
ووافق أحمد على اختياره أبو بكر أحمد بن عمرو البزار فأوهم مغلطاي أنه مراد الترمذي بقوله ‏"‏ وقال أحمد ‏"‏ وليس كذلك، وإنما ذكره قاسم في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ عن البزار فقال‏:‏ سمعت البزار يقول معناه لا ينقصان جميعا في سنة واحدة‏.‏
قال‏:‏ ويدل عليه رواية زيد بن عقبة عن سمرة ابن جندب مرفوعا ‏"‏ شهرا عيد لا يكونان ثمانية وخمسين يوما ‏"‏ وادعى مغلطاي أيضا أن المراد بإسحاق إسحاق ابن سويد العدوي راوي الحديث، ولم يأت على ذلك بحجة‏.‏
وذكر ابن حبان لهذا الحديث معنيين‏:‏ أحدهما ما قاله إسحاق، والآخر أن المراد أنهما في الفضل سواء لقوله في الحديث الآخر ‏"‏ ما من أيام العمل فيها أفضل من عشر ذي الحجة ‏"‏ وذكر القرطبي أن فيه خمسة أقوال فذكر نحو ما تقدم وزاد أن معناه لا ينقصان في عام بعينه وهو العام الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم تلك المقالة‏.‏
وهذا حكاه ابن بزيزة ومن قبله أبو الوليد ابن رشد ونقله المحب الطبري عن أبي بكر بن فورك، وقيل‏:‏ المعنى لا ينقصان في الأحكام، وبهذا جزم البيهقي وقبله الطحاوي فقال‏:‏ معنى لا ينقصان أن الأحكام فيهما وإن كانا تسعة وعشرين متكاملة غير ناقصة عن حكمهما إذا كانا ثلاثين‏.‏
وقيل معناه لا ينقصان في نفس الأمر لكن ربما حال دون رؤية الهلال مانع، وهذا أشار إليه ابن حبان أيضا‏.‏
ولا يخفى بعده‏.‏
وقيل معناه لا ينقصان معا في سنة واحدة على طريق الأكثر الأغلب وإن ندر وقوع ذلك، وهذا أعدل مما تقدم لأنه ربما وجد وقوعهما ووقوع كل منهما تسعة وعشرين قال الطحاوي‏:‏ الأخذ بظاهره أو حمله على نقص أحدهما يدفعه العيان لأنا قد وجدناهما ينقصان معا في أعوام‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ لا يخلو شيء من هذه الأقوال عن الاعتراض، وأقربها أن المراد أن النقص الحسي باعتبار العدد ينجبر بأن كلا منهما شهر عيد عظيم فلا ينبغي وصفهما بالنقصان، بخلاف غيرهما من الشهور‏.‏
وحاصله يرجع إلى تأييد قول إسحاق‏.‏
وقال البيهقي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ إنما خصهما بالذكر لتعلق حكم الصوم والحج بهما، وبه جزم النووي وقال‏:‏ إنه الصواب المعتمد‏.‏
والمعنى أن كل ما ورد عنهما من الفضائل والأحكام حاصل سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعا وعشرين، سواء صادف الوقوف اليوم التاسع أو غيره‏.‏
ولا يخفى أن محل ذلك ما إذا لم يحصل تقصير في ابتغاء الهلال، وفائدة الحديث رفع ما يقع في القلوب من شك لمن صام تسعا وعشرين أو وقف في غير يوم عرفة‏.‏
وقد استشكل بعض العلماء إمكان الوقوف في الثامن اجتهادا، وليس مشكلا لأنه ربما ثبتت الرؤية بشاهدين أن أول ذي الحجة الخميس مثلا فوقفوا يوم الجمعة، ثم تبين أنهما شهدا زورا‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ ظاهر سياق الحديث بيان اختصاص الشهرين بمزية ليست في غيرهما من الشهور، وليس المراد أن ثواب الطاعة في غيرهما ينقص، وإنما المراد رفع الحرج عما عسى أن يقع فيه خطأ في الحكم لاختصاصهما بالعيدين وجواز احتمال وقوع الخطأ فيهما، ومن ثم قال ‏"‏ شهرا عيد ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ شهران لا ينقصان ‏"‏ ولم يقتصر على قوله رمضان وذي الحجة انتهى‏.‏
وفي الحديث حجة لمن قال إن الثواب ليس مرتبا على وجود المشقة دائما، بل لله أن يتفضل بإلحاق الناقص بالتام في الثواب‏.‏
واستدل به بعضهم لمالك في اكتفائه لرمضان بنية واحدة قال‏:‏ لأنه جعل الشهر بجملته عبادة واحدة فاكتفى له بالنية، وهذا الحديث يقتضي أن التسوية في الثواب بين الشهر الذي يكون تسعا وعشرين وبين الشهر الذي يكون ثلاثين إنما هو بالنظر إلى جعل الثواب متعلقا بالشهر من حيث الجملة لا من حيث تفضيل الأيام‏.‏
وأما ما ذكره البزار من رواية زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب فإسناده ضعيف، وقد أخرجه الدار قطني في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ والطبراني من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ لا يتم شهران ستين يوما ‏"‏ وقال أبو الوليد ابن رشد‏:‏ إن ثبت فمعناه لا يكونان ثمانية وخمسين في الأجر والثواب وروى الطبراني حديث الباب من طريق هشيم عن خالد الحذاء بسنده هذا بلفظ ‏"‏ كل شهر حرام لا ينقص ثلاثون يوما وثلاثون ليلة ‏"‏ وهذا بهذا اللفظ شاذ، والمحفوظ عن خالد ما تقدم، وهو الذي توارد عليه الحفاظ من أصحابه كشعبة وحماد ابن زيد ويزيد بن زريع وبشر بن المفضل وغيرهم‏.‏
وقد ذكر الطحاوي أن عبد الرحمن بن إسحاق روى هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة بهذا اللفظ، قال الطحاوي‏:‏ وعبد الرحمن بن إسحاق لا يقاوم خالدا الحذاء في الحفظ‏.‏
قلت‏:‏ فعلى هذا فقد دخل لهشيم حديث في حديث، لأن اللفظ الذي أورده عن خالد هو لفظ عبد الرحمن‏.‏
وقال ابن رشد‏:‏ إن صح فمعناه أيضا في الأجر والثواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رمضان وذو الحجة‏)‏ أطلق على رمضان أنه شهر عيد لقربه من العيد، أو لكون هلال العيد ربما رؤي في اليوم الأخير من رمضان قاله الأثرم، والأول أولى‏.‏
ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏المغرب وتر النهار ‏"‏ أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر، وصلاة المغرب ليلية جهرية، وأطلق كونها وتر النهار لقربها منه‏.‏
وفيه إشارة إلى أن وقتها يقع أول ما تغرب الشمس‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ليس لإسحاق بن سويد - وهو ابن هبيرة البصري العدوي عديى مضر، وهو تابعي صغير روى هنا عن تابعي كبير - في البخاري سوى هذا الحديث الواحد‏.‏
وقد أخرجه مقرونا بخالد الحذاء وقد رمي بالنصب، وذكره ابن العربي في الضعفاء بهذا السبب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n167&p1#TOP)باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نكتب ولا نحسب‏)‏ بالنون فيهما، والمراد أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقالة، وهو محمول على أكثرهم أو المراد نفسه صلى الله عليه وسلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏الأسود بن قيس‏)‏ هو الكوفي تابعي صغير، وشيخه سعيد بن عمرو أي ابن سعيد بن العاص، مدني سكن دمشق ثم الكوفة تابعي شهير، سمع عائشة وأبا هريرة وجماعة من الصحابة، ففي الإسناد تابعي عن تابعي كالذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنا‏)‏ أي العرب، وقيل أراد نفسه‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏أمية‏)‏ بلفظ النسب إلى الأم فقيل أراد أمة العرب لأنها لا تكتب، أو منسوب إلى الأمهات أي أنهم على أصل ولادة أمهم، أو منسوب إلى الأم لأن المرأة هذه صفتها غالبا، وقيل منسوبون إلى أم القرى، و قوله‏:‏ ‏(‏لا نكتب ولا نحسب‏)‏ تفسير لكونهم كذلك، وقيل للعرب أميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة‏.‏
قال الله تعالى ‏(‏هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم‏)‏ ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة، والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضا إلا النزر اليسير، فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا، ويوضحه قوله في الحديث الماضي ‏"‏ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ‏"‏ ولم يقل فسلوا أهل الحساب، والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم، وقد ذهب قوم إلى الرجوع إلى أهل التسيير في ذلك وهم الروافض، ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم‏.‏
قال الباجي‏:‏ وإجماع السلف الصالح حجة عليهم‏.‏
وقال ابن بزيزة‏:‏ وهو مذهب باطل فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع ولا ظن غالب، مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق إذ لا يعرفها إلا القليل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين‏)‏ هكذا ذكره آدم شيخ البخاري مختصرا، وفيه اختصار عما رواه غندر عن شعبة، أخرجه مسلم عن ابن المثنى وغيره عنه بلفظ ‏"‏ الشهر هكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة، والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين ‏"‏ أي أشار أولا بأصابع يديه العشر جميعا مرتين وقبض الإبهام في المرة الثالثة وهذا المعبر عنه بقوله تسع وعشرون، وأشار مرة أخرى بهما ثلاث مرات وهو المعبر عنه بقوله ثلاثون‏.‏
وفي رواية جبلة بن سحيم عن ابن عمر في الباب الماضي ‏"‏ الشهر هكذا وهكذا وخنس الإبهام في الثالثة‏"‏‏.‏
ووقع من هذا الوجه عند مسلم بلفظ ‏"‏ الشهر هكذا وهكذا وصفق بيديه مرتين بكل أصابعه وقبض في الصفقة الثالثة إبهام اليمنى أو اليسرى‏"‏، وروى أحمد وابن أبي شيبة واللفظ له من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابن عمر رفعه ‏"‏ الشهر تسع وعشرون ثم طبق بين كفيه مرتين وطبق الثالثة فقبض الإبهام‏.‏
قال فقالت عائشة‏:‏ يغفر الله لأبي عبد الرحمن، إنما هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا فنزل لتسع وعشرين، فقيل له فقال‏:‏ إن الشهر يكون تسعا وعشرين وشهر ثلاثون‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ في الحديث رفع لمراعاة النجوم بقوانين التعديل، وإنما المعول رؤية الأهلة وقد نهينا عن التكلف‏.‏
ولا شك أن في مراعاة ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون غاية التكلف‏.‏
وفي الحديث مستند لمن رأى الحكم بالإشارة، قلت وسيأتي في كتاب الطلاق‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n167&p1#TOP)باب لَا يَتَقَدَّمُ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يتقدم‏)‏ بضم أوله وفتح ثانيه ويجوز فتحهما، أي المكلف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين‏)‏ أي لا يتقدم رمضان بصوم يوم يعد منه بقصد الاحتياط له فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف، واكتفى في الترجمة عن ذلك لتصريح الخبر به‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو الدستوائي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سلمة عن أبي هريرة‏)‏ في رواية خالد بن الحارث عن هشام عند الإسماعيلي ‏"‏ حدثني أبو سلمة حدثني أبو هريرة‏"‏، ونحوه لأبي عوانة من طريق معاوية بن سلام عن يحيى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم‏)‏ في رواية أبي داود عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه ‏"‏ لا تقدموا صوم رمضان بصوم ‏"‏ وفي رواية خالد بن الحارث المذكورة ‏"‏ لا تقدموا بين يدي رمضان بصوم ‏"‏ ولأحمد عن روح عن هشام ‏"‏ لا تقدموا قبل رمضان بصوم ‏"‏ وللترمذي من طريق علي بن المبارك عن يحيى لا تقدموا شهر رمضان بصيام قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا أن يكون رجل‏)‏ كان تامة، أي إلا أن يوجد رجل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصوم صوما‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ صومه فليصم ذلك اليوم ‏"‏ وفي رواية معمر عن يحيى عند أحمد إلا رجل كان يصوم صياما فيأتي على صيامه ‏"‏ ونحوه لأبي عوانة من طريق أيوب عن يحيى‏.‏
وفي رواية أحمد عن روح ‏"‏ إلا رجل كان يصوم صياما فليصله به ‏"‏ وللترمذي وأحمد من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة ‏"‏ إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم ‏"‏ قال العلماء‏:‏ معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان‏.‏
قال الترمذي لما أخرجه‏:‏ العمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان ا هـ‏.‏
والحكمة فيه التقوى بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط، وهذا فيه نظر لأن مقتضى الحديث أنه لو تقدمه بصيام ثلاثة أيام أو أربعة جاز، وسنذكر ما فيه قريبا، وقيل الحكمة فيه خشية اختلاط النفل بالفرض، وفيه نظر أيضا لأنه يجوز لمن له عادة كما في الحديث، وقيل لأن الحكم علق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم وهذا هو المعتمد، ومعنى الاستثناء أن من كان له ورد فقد أذن له فيه لأنه اعتاده وألفه وترك المألوف شديد وليس ذلك من استقبال رمضان في شيء، ويلتحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما قال بعض العلماء‏:‏ يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالظن، وفي الحديث رد على من يرى تقديم الصوم على الرؤية كالرافضة، ورد على من قال بجواز صوم النفل المطلق، وأبعد من قال‏:‏ المراد بالنهي التقدم بنية رمضان، واستدل بلفظ التقدم لأن التقدم على الشيء بالشيء إنما يتحقق إذا كان من جنسه، فعلى هذا يجوز الصيام بنية النفل المطلق، لكن السياق يأبى هذا التأويل ويدفعه‏.‏
وفيه بيان لمعنى قوله في الحديث الماضي ‏"‏ صوموا لرؤيته ‏"‏ فإن اللام فيه للتأقيت لا للتعليل‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ ومع كونها محمولة على التأقيت فلا بد من ارتكاب مجاز لأن وقت الرؤية - وهو الليل - لا يكون محل الصوم‏.‏
وتعقبه الفاكهي بأن المراد بقوله ‏"‏ صوموا ‏"‏ انووا الصيام، والليل كله ظرف للنية‏.‏
قلت‏:‏ فوقع في المجاز الذي فر منه، لأن الناوي ليس صائما حقيقة بدليل أنه يجوز له الأكل والشرب بعد النية إلى أن يطلع الفجر، وفيه منع إنشاء الصوم قبل رمضان إذا كان لأجل الاحتياط، فإن زاد على ذلك فمفهومه الجواز، وقيل يمتد المنع لما قبل ذلك وبه قطع كثير من الشافعية، وأجابوا عن الحديث بأن المراد منه التقديم بالصوم فحيث وجد منع، وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب ممن يقصد ذلك‏.‏
وقالوا أمد المنع من أول السادس عشر من شعبان لحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ‏"‏ أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره‏.‏
وقال الروياني من الشافعية‏:‏ يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث الباب‏.‏
ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الآخر‏.‏
وقال جمهور العلماء‏:‏ يجوز الصوم تطوعا بعد النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد فيه‏.‏
وقال أحمد وابن معين إنه منكر، وقد استدل البيهقي بحديث الباب على ضعفه فقال‏:‏ الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء، وكذا صنع قبله الطحاوي‏.‏
واستظهر بحديث ثابت عن أنس مرفوعا ‏"‏ أفضل الصيام بعد رمضان شعبان ‏"‏ لكن إسناده ضعيف، واستظهر أيضا بحديث عمران بن حصين ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل‏:‏ هل صمت من سرر شعبان شيئا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين ‏"‏ ثم جمع بين الحديثين بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم، وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان، وهو جمع حسن، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n167&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ‏:‏ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل‏:‏ أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم - إلى قوله - ما كتب الله لكم‏)‏ كذا في رواية أبي ذر، وساق غيره الآية كلها، والمراد بهذه الترجمة بيان ما كان الحال عليه قبل نزول هذه الآية‏.‏
ولما كانت هذه الآية منزلة على أسباب تتعلق بالصيام عجل بها المصنف‏.‏
وقد تعرض لها في التفسير أيضا كما سيأتي‏.‏
ويؤخذ من حاصل ما استقر عليه الحال من سبب نزولها ابتداء مشروعية السحور وهو المقصود في هذا المكان لأنه جعل هذه الترجمة مقدمة لأبواب السحور‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا أَعِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق المذكور، وقد رواه الإسماعيلي من طريق يوسف بن موسى وغيره عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه عن إسرائيل وزهير هو ابن معاوية كلاهما عن أبي إسحاق عن البراء زاد فيه ذكر زهير وساقه على لفظ إسرائيل، وقد رواه الدارمي وعبيد بن حميد في مسنديهما عن عبيد الله بن موسى فلم يذكرا زهيرا، وقد أخرجه النسائي من وجه آخر عن زهير به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي في أول افتراض الصيام، وبين ذلك ابن جرير في روايته من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فنام قبل أن يفطر الخ‏)‏ في رواية زهير ‏"‏ كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليله ويومه حتى تغرب الشمس ‏"‏ ولأبي الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق ‏"‏ كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها ‏"‏ فاتفقت الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيدا بالنوم، وهذا هو المشهور في حديث غيره، وقيد المنع من ذلك في حديث ابن عباس بصلاة العتمة، أخرجه أبو داود بلفظ ‏"‏ كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة ‏"‏ ونحوه في حديث أبي هريرة كما سأذكره قريبا، وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر، ويحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالبا، والتقييد في الحقيقة إنما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث، وبين السدي وغيره أن ذلك الحكم كان على وفق ما كتب على أهل الكتاب كما أخرجه ابن جرير من طريق السدي ولفظه ‏"‏ كتب على النصارى الصيام، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا ولا ينكحوا بعد النوم، وكتب على المسلمين أولا مثل ذلك حتى أقبل رجل من الأنصار ‏"‏ فذكر القصة‏.‏
ومن طريق إبراهيم التيمي ‏"‏ كان المسلمون في أول الإسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب‏:‏ إذا نام أحدهم لم يطعم حتى القابلة ‏"‏ ويؤيد هذا ما أخرجه مسلم من حديث عمرو بن العاص مرفوعا ‏"‏ فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن قيس بن صرمة‏)‏ بكسر الصاد المهملة وسكون الراء هكذا سمي في هذه الرواية، ولم يختلف على إسرائيل فيه إلا في رواية أبي أحمد الزبيري عنه فإنه قال ‏"‏ صرمة بن قيس ‏"‏ أخرجه أبو داود، ولأبي نعيم في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله، قال وكذا رواه أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس، ووقع عند أحمد والنسائي من طريق زهير عن أبي إسحاق أنه ‏"‏ أبو قيس ابن عمرو ‏"‏ وفي حديث السدي المذكور ‏"‏ حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة ‏"‏ ولابن حرير من طريق ابن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان بفتح المهملة وبالموحدة الثقيلة مرسلا ‏"‏ صرمة بن أبي أنس ‏"‏ ولغير ابن جرير من هذا الوجه ‏"‏ صرمة بن قيس ‏"‏ كما قال أبو أحمد الزبيري، وللذهلي في ‏"‏ الزهريات ‏"‏ من مرسل القاسم بن محمد ‏"‏ صرمة بن أنس ‏"‏ ولابن جرير من مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى ‏"‏ صرمة بن مالك ‏"‏ والجمع بين هذه الروايات أنه أبو قيس صرمة بن أبي أنس قيس بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، كذا نسبه ابن عبد البر وغيره، فمن قال قيس بن صرمة قلبه كما جزم الداودي والسهيلي وغيرهما بأنه وقع مقلوبا في رواية حديث الباب، ومن قال صرمة بن مالك نسبه إلى جده، ومن قال صرمة بن أنس حذف أداة الكنية من أبيه، ومن قال أبو قيس بن عمرو أصاب كنيته وأخطأ في اسم أبيه، وكذا من قال أبو قيس بن صرمة، وكأنه أراد أن يقول أبو قيس صرمة فزاد فيه ابن، وقد صحفه بعضهم فرويناه في ‏"‏ جزء إبراهيم بن أبي ثابت ‏"‏ من طريق عطاء عن أبي هريرة قال ‏"‏ كان المسلمون إذا صلوا العشاء حرم عليهم الطعام والشراب والنساء، وأن ضمرة بن أنس الأنصاري غلبته عينه ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد استدرك ابن الأثير في الصحابة ضمرة بن أنس في حرف الضاد المعجمة على من تقدمه، وهو تصحيف وتحريف ولم يتنبه له والصواب صرمة بن أبي أنس كما تقدم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏
وصرمة بن أبي أنس مشهور في الصحابة يكنى أبا قيس‏.‏
قال ابن إسحاق فيما أخرجه السراج في تاريخه من طريقه بإسناده إلى عويم بن ساعدة قال‏:‏ قال صرمة بن أبي أنس وهو يذكر النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى صديقا مؤاتيا الأبيات‏.‏
قال ابن إسحاق‏:‏ وصرمة هذا هو الذي نزل فيه ‏(‏كلوا واشربوا‏)‏ الآية‏.‏
قال‏:‏ وحدثني محمد ابن جعفر بن الزبير قال‏:‏ كان أبو قيس ممن فارق الأوثان في الجاهلية، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم وهو شيخ كبير، وهو القائل‏:‏ يقول أبو قيس وأصبح غاديا ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوا الأبيات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال لها أعندك‏)‏ بكسر الكاف ‏(‏طعام‏؟‏ قالت لا، ولكن أنطلق أطلب لك‏)‏ ظاهره أنه لم يجئ معه بشيء، لكن في مرسل السدي أنه أتاها بتمر فقال‏:‏ استبدلي به طحينا واجعليه سخينا، فإن التمر أحرق جوفي‏.‏
وفيه‏:‏ لعلي آكله سخنا، وأنها استبدلته له وصنعته‏.‏
وفي مرسل ابن أبي ليلى‏:‏ فقال لأهله أطعموني‏.‏
فقالت‏:‏ حتى أجعل لك شيئا سخينا‏.‏
ووصله أبو داود من طريق ابن أبي ليلى فقال ‏"‏ حدثنا أصحاب محمد ‏"‏ فذكره مختصرا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان يومه‏)‏ بالنصب ‏(‏يعمل‏)‏ أي في أرضه، وصرح بها أبو داود في روايته‏.‏
وفي مرسل السدي ‏"‏ كان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة ‏"‏ فعلى هذا فقوله ‏"‏ في أرضه ‏"‏ إضافة اختصاص‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فغلبته عيناه‏)‏ أي نام، وللكشميهني ‏"‏ عينه ‏"‏ بالإفراد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقالت خيبة لك‏)‏ بالنصب وهو مفعول مطلق محذوف العامل، وقيل إذا كان بغير لام يجب نصبه وإلا جاز‏.‏
والخيبة الحرمان يقال خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما انتصف النهار غشي عليه‏)‏ في رواية أحمد ‏"‏ فأصبح صائما، فلما انتصف النهار ‏"‏ وفي رواية أبي داود ‏"‏ فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه ‏"‏ فيحمل الأول على أن الغشي وقع في آخر النصف الأول من النهار‏.‏
وفي رواية زهير عن أبي إسحاق ‏"‏ فلم يطعم شيئا وبات حتى أصبح صائما حتى انتصف النهار فغشي عليه ‏"‏ وفي مرسل السدي ‏"‏ فأيقظته، فكره أن يعصي الله وأبى أن يأكل ‏"‏ وفي مرسل محمد بن يحيى ‏"‏ فقالت له كل، فقال إني قد نمت‏.‏
فقالت لم تنم‏.‏
فأبى فأصبح جائعا مجهودا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد في رواية زكريا عند أبي الشيخ ‏"‏ وأتى عمر امرأته وقد نامت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فنزلت هذه الآية ‏(‏أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم‏)‏ ففرحوا بها فرحا شديدا ونزلت ‏(‏وكلوا واشربوا‏)‏ كذا في هذه الرواية وشرح الكرماني على ظاهرها فقال‏:‏ لما صار الرفث وهو الجماع هنا حلالا بعد أن كان حراما كان الأكل والشرب بطريق الأولى، فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة، هذا وجه مطابقة ذلك لقصة أبي قيس، قال‏:‏ ثم لما كان حلهما بطريق المفهوم نزل بعد ذلك ‏(‏وكلوا واشربوا‏)‏ ليعلم بالمنطوق تسهيل الأمر عليهم صريحا، ثم قال‏:‏ أو المراد من الآية هي بتمامها‏.‏
قلت‏:‏ وهذا هو المعتمد، وبه جزم السهيلي وقال‏:‏ إن الآية بتمامها نزلت في الأمرين معا وقدم ما يتعلق بعمر لفضله‏.‏
قلت‏:‏ وقد وقع في رواية أبي داود فنزلت ‏(‏أحل لكم ليلة الصيام‏)‏ إلى قوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ فهذا يبين أن محل قوله ‏"‏ ففرحوا بها ‏"‏ بعد قوله‏:‏ ‏(‏الخيط الأسود‏)‏ ووقع ذلك صريحا في رواية زكريا بن أبي زائدة ولفظه ‏"‏ فنزلت ‏(‏أحل لكم - إلى قوله - من الفجر‏)‏ ففرح المسلمون بذلك ‏"‏ وسيأتي بيان قصة عمر في تفسير سورة البقرة مع بقية تفسير الآية المذكورة إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n167&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ
ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ فِيهِ الْبَرَاءُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل‏:‏ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم‏)‏ ساق إلى قوله‏:‏ ‏(‏إلى الليل‏)‏ وهذه الترجمة سيقت لبيان انتهاء وقت الأكل وغيره الذي أبيح بعد أن كان ممنوعا، واستفيد من حديث سهل الذي في هذا الباب أن ذكر نزول الآية في حديث البراء أريد به معظمها وهو أن قوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ تأخر نزوله عن بقية الآية مع أنه ليس في حديث البراء التصريح بأن قوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ نزل أولا فإن رواية حديث الباب فيها إلى قوله‏:‏ ‏(‏الخيط الأسود‏)‏ ورواية أبي داود وأبي الشيخ فيها إلى قوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ فيحمل الثاني على أن قوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ لم يدخل في الغاية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيه البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يريد الحديث الذي مضى قبله وهو موصول كما تقدم‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب حديثين‏:‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني حصين‏)‏ ، روى الطحاوي من طريق إسماعيل بن سالم عن هشيم أنبأنا حصين ومجالد، وكذا أخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع عن هشيم إلا أنه فرقهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عدي بن حاتم‏)‏ في رواية الترمذي ‏"‏ أخبرني عدي بن حاتم ‏"‏ وكذا أخرجه ابن خزيمة عن أحمد بن منيع، وهكذا أورده أبو عوانة من طريق أبي عبيد عن هشيم عن حصين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما نزلت‏:‏ حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود‏.‏
عمدت الخ‏)‏ ظاهره أن عديا كان حاضرا لما نزلت هذه الآية، وهو يقتضي تقدم إسلامه، وليس كذلك لأن نزول فرض الصوم كان متقدما في أوائل الهجرة، وإسلام عدي كان في التاسعة أو العاشرة كما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي، فإما أن يقال إن الآية التي في حديث الباب تأخر نزولها عن نزول فرض الصوم وهو بعيد جدا، وإما أن يؤول قول عدي هذا على أن المراد بقوله ‏"‏ لما نزلت ‏"‏ أي لما تليت علي عند إسلامي، أو لما بلغني نزول الآية أو في السياق حذف تقديره لما نزلت الآية ثم قدمت فأسلمت وتعلمت الشرائع عمدت، وقد روى أحمد حديثه من طريق مجالد بلفظ ‏"‏ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والصيام فقال‏:‏ صل كذا وصم كذا، فإذا غابت الشمس فكل حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود‏.‏
قال‏:‏ فأخذت خيطين ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى عقال‏)‏ بكسر المهملة أي حبل وفي رواية مجالد ‏"‏ فأخذت خيطين من شعر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي‏)‏ في رواية مجالد ‏"‏ فلا أستبين الأبيض من الأسود‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال إنما ذلك‏)‏ زاد أبو عبيد ‏"‏ إن وسادك إذا لعريض ‏"‏ وكذا لأحمد عن هشيم، وللإسماعيلي عن يوسف القاضي عن محمد بن الصباح عن هشيم ‏"‏ قال فضحك وقال‏:‏ إن كان وسادك إذا لعريضا ‏"‏ وهذه الزيادة أوردها المصنف في تفسير البقرة من طريق أبي عوانة عن حصين وزاد ‏"‏ إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك ‏"‏ وفي رواية أبي إدريس عن حصين عند مسلم ‏"‏ إن وسادك لعريض طويل ‏"‏ وللمصنف في التفسير من طريق جرير عن مطرف عن الشعبي ‏"‏ إنك لعريض القفا ‏"‏ ولأبي عوانة من طريق إبراهيم بن طهمان عن مطرف ‏"‏ فضحك وقال‏:‏ لا يا عريض القفا ‏"‏ قال الخطابي في ‏"‏ المعالم ‏"‏ في قوله ‏"‏ إن وسادك لعريض ‏"‏ قولان‏:‏ أحدهما يريد أن نومك لكثير، وكنى بالوسادة عن النوم لأن النائم يتوسد، أو أراد أن ليلك لطويل إذا كنت لا تمسك عن الأكل حتى يتبين لك العقال، والقول الآخر أنه كنى بالوسادة عن الموضع الذي يضعه من رأسه وعنقه على الوسادة إذا نام، والعرب تقول فلان عريض القفا إذا كان فيه غباوة وغفلة، وقد روي في هذا الحديث من طريق أخرى ‏"‏ إنك عريض القفا ‏"‏ وجزم الزمخشري بالتأويل الثاني فقال‏:‏ إنما عرض النبي صلى الله عليه وسلم قفا عدي لأنه غفل عن البيان، وعرض القفا مما يستدل به على قلة الفطنة، وأنشد في ذلك شعرا، وقد أنكر ذلك كثير منهم القرطبي فقال‏:‏ حمله بعض الناس على الذم له على ذلك الفهم وكأنهم فهموا أنه نسبه إلى الجهل والجفاء وعدم الفقه، وعضدوا ذلك بقوله ‏"‏ إنك عريض القفا ‏"‏ وليس الأمر على ما قالوه لأن من حمل اللفظ على حقيقته اللسانية التي هي الأصل إن لم يتبين له دليل التجوز لم يستحق ذما ولا ينسب إلى جهل، وإنما عنى والله أعلم أن وسادك إن كان يغطي الخيطين اللذين أراد الله فهو إذا عريض واسع، ولهذا قال في أثر ذلك‏:‏ إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار، فكأنه قال‏:‏ فكيف يدخلان تحت وسادتك‏؟‏ وقوله ‏"‏ إنك لعريض القفا ‏"‏ أي إن الوساد الذي يغطي الليل والنهار لا يرقد عليه إلا قفا عريض للمناسبة‏.‏
قلت‏:‏ وترجم عليه ابن حبان ‏"‏ ذكر البيان بأن العرب تتفاوت لغاتها ‏"‏ وأشار بذلك إلى أن عديا لم يكن يعرف في لغته أن سواد الليل وبياض النهار يعبر عنهما بالخيط الأسود والخيط الأبيض‏.‏
وساق هذا الحديث‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ في حديث عدي جواز التوبيخ بالكلام النادر الذي يسير فيصير مثلا بشرط صحة القصد ووجود الشرط عند أمن الغلو في ذلك فإنه مزلة القدم إلا لمن عصمه الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ح حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أُنْزِلَتْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْ الْفَجْرِ فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ مِنْ الْفَجْرِ فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، وحدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان حدثني أبو حازم‏)‏ كذا أخرجه البخاري عن سعيد عن شيخين له، وأعاده في التفسير عن سعيد عن أبي غسان وحده، وظهر من سياقه أن اللفظ هنا لأبي غسان‏.‏
وقد أخرجه ابن خزيمة عن الذهلي عن سعيد عن شيخيه وبين أبو نعيم في المستخرج أن لفظهما واحد‏.‏
وقد أخرجه مسلم وابن أبي حاتم وأبو عوانة والطحاوي في آخرين من طريق سعيد عن أبي غسان وحده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكان رجال‏)‏ لم أقف على تسمية أحد منهم، ولا يحسن أن يفسر بعضهم بعدي بن حاتم لأن قصة عدي متأخرة عن ذلك كما سبق ويأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ربط أحدهم في رجليه‏)‏ في رواية فضيل بن سليمان عن أبي حازم عند مسلم ‏"‏ لما نزلت هذه الآية جعل الرجل يأخذ خيطا أبيض وخيطا أسود فيضعهما تحت وسادته فينظر متى يستبينهما ‏"‏ ولا منافاة بينهما لاحتمال أن يكون بعضهم فعل هذا وبعضهم فعل هذا، أو يكونوا يجعلونهما تحت الوسادة إلى السحر فيربطونهما حينئذ في أرجلهم ليشاهدوهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يتبين‏)‏ كذا للأكثر بالتشديد، وللكشميهني ‏"‏ حتى يستبين ‏"‏ بفتح أوله وسكون المهملة والتخفيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رؤيتهما‏)‏ كذا لأبي ذر‏.‏
وفي رواية النسفي ‏"‏ رئيهما ‏"‏ بكسر أوله وسكون الهمزة وضم التحتانية، ولمسلم من هذا الوجه ‏"‏ زيهما ‏"‏ بكسر الزاي وتشديد التحتانية، قال صاحب ‏"‏ المطالع ‏"‏ ضبطت هذه اللفظة على ثلاثة أوجه ثالثها بفتح الراء وقد تكسر بعدها همزة ثم تحتانية مشددة‏.‏
قال عياض‏:‏ ولا وجه له إلا بضرب من التأويل، وكأنه رئي بمعنى مرئي، والمعروف أن الرئي التابع من الجن فيحتمل أن يكون من هذا الأصل لترائيه لمن معه من الإنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل الله بعد‏:‏ من الفجر‏)‏ قال القرطبي‏:‏ حديث عدي يقتضي أن قوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ زل متصلا بقوله‏:‏ ‏(‏من الخيط الأسود‏)‏ بخلاف حديث سهل فإنه ظاهر في أن قوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ نزل بعد ذلك لرفع ما وقع لهم من الإشكال‏.‏
قال‏:‏ وقد قيل إنه كان بين نزولهما عام كامل، قال‏:‏ فأما عدي فحمل الخيط على حقيقته وفهم من قوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ من أجل الفجر ففعل ما فعل‏.‏
قال‏:‏ والجمع بينهما أن حديث عدي متأخر عن حديث سهل، فكأن عديا لم يبلغه ما جرى في حديث سهل، وإنما سمع الآية مجردة ففهمها على ما وقع له فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بقوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ أن ينفصل أحد الخيطين عن الآخر، وأن قوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ متعلق بقوله ‏"‏ يتبين ‏"‏ قال‏:‏ ويحتمل أن تكون القصتان في حالة واحدة وأن بعض الرواة - يعني في قصة عدي - تلا الآية تامة كما ثبت في القرآن وإن كان حال النزول إنما نزلت مفرقة كما ثبت في حديث سهل‏.‏
قلت‏:‏ وهذا الثاني ضعيف لأن قصة عدي متأخرة لتأخر إسلامه كما قدمته، وقد روى ابن أبي حاتم من طريق أبي أسامة عن مجالد في حديث عدي ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أخبره بما صنع‏:‏ يا ابن حاتم ألم أقل لك من الفجر ‏"‏ وللطبراني من وجه آخر عن مجالد وغيره ‏"‏ فقال عدي‏:‏ يا رسول الله كل شيء أوصيتني قد حفظته غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود، إني بت البارحة معي خيطان أنظر إلى هذا وإلى هذا، قال‏:‏ إنما هو الذي في السماء ‏"‏ فتبين أن قصة عدي مغايرة لقصة سهل، فأما من ذكر في حديث سهل فحملوا الخيط على ظاهره، فلما نزل ‏"‏ من الفجر ‏"‏ علموا المراد فلذلك قال سهل في حديثه ‏"‏ فعلموا أنما يعني الليل والنهار ‏"‏ وأما عدي فكأنه لم يكن في لغة قومه استعارة الخيط للصبح، وحمل قوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ على السببية فظن أن الغاية تنتهي إلى أن يظهر تمييز أحد الخيطين من الآخر بضياء الفجر، أو نسي قوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ حتى ذكره بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الاستعارة معروفة عند بعض العرب، قال الشاعر‏:‏ ولما تبدت لنا سدفة ولاح من الصبح خيط أنارا قوله‏:‏ ‏(‏فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فعلموا أنه يعني ‏"‏ وقد وقع في حديث عدي ‏"‏ سواد الليل وبياض النهار ‏"‏ ومعنى الآية حتى يظهر بياض النهار من سواد الليل، وهذا البيان يحصل بطلوع الفجر الصادق ففيه دلالة على أن ما بعد الفجر من النهار‏.‏
وقال أبو عبيد‏:‏ المراد بالخيط الأسود الليل وبالخيط الأبيض الفجر الصادق، والخيط اللون، وقيل المراد بالأبيض أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود، وبالأسود ما يمتد معه من غبش الليل شبيها بالخيط، قاله الزمخشري‏.‏
قال‏:‏ وقوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ بيان للخيط الأبيض، واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لأن بيان أحدهما بيان للآخر‏.‏
قال‏:‏ ويجوز أن تكون ‏"‏ من ‏"‏ للتبعيض لأنه بعض الفجر، وقد أخرجه قوله‏:‏ ‏(‏من الفجر‏)‏ من الاستعارة إلى التشبيه، كما أن قولهم رأيت أسدا مجاز فإذا زدت فيه من فلان رجع تشبيها‏.‏
ثم قال‏:‏ كيف جاز تأخير البيان وهو يشبه العبث لأنه قبل نزول ‏(‏من الفجر‏)‏ لا يفهم منه إلا الحقيقة وهي غير مرادة، ثم أجاب بأن من لا يجوزه - وهم أكثر الفقهاء والمتكلمين - لم يصح عندهم حديث سهل، وأما من يجوزه فيقول ليس بعبث لأن المخاطب يستفيد منه وجوب الخطاب ويعزم على فعله إذا استوضح المراد به‏.‏
انتهى‏.‏
ونقله في التجويز عن الأكثر فيه نظر كما سيأتي، وجوابه عنهم بعدم صحة الحديث مردود ولم يقل به أحد من الفريقين لأنه مما اتفق الشيخان على صحته وتلقته الأمة بالقبول، ومسألة تأخير البيان مشهورة في كتب الأصول، وفيها خلاف بين العلماء من المتكلمين وغيرهم، وقد حكى ابن السمعاني في أصل المسألة عن الشافعية أربعة أوجه‏:‏ الجواز مطلقا عن ابن سريج والأصطخري وابن أبي هريرة وابن خيران، والمنع مطلقا عن أبي إسحاق المروزي والقاضي أبي حامد والصيرفي، ثالثها جواز تأخير بيان المجمل دون العام‏.‏
رابعها عكسه وكلاهما عن بعض الشافعية‏.‏
وقال ابن الحاجب‏:‏ تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع إلا عند مجوز تكليف ما لا يطاق، يعني وهم الأشاعرة فيجوزونه وأكثرهم يقولون لم يقع‏.‏
قال شارحه‏:‏ والخطاب المحتاج إلى البيان ضربان‏:‏ أحدهما ماله ظاهر وقد استعمل في خلافه، والثاني ما لا ظاهر له فقال طائفة من الحنفية والمالكية وأكثر الشافعية‏:‏ يجوز تأخيره عن وقت الخطاب، واختاره الفخر الرازي وابن الحاجب وغيرهم، ومال بعض الحنفية والحنابلة كلهم إلى امتناعه‏.‏
وقال الكرخي يمتنع في غير المجمل، وإذا تقرر ذلك فقد قال النووي تبعا لعياض‏:‏ وإنما حمل الخيط الأبيض والأسود على ظاهرهما بعض من لا فقه عنده من الأعراب كالرجال الذين حكي عنهم سهل وبعض من لم يكن في لغته استعمال الخيط في الصبح كعدي، وادعى الطحاوي والداودي أنه من باب النسخ وأن الحكم كان أولا على ظاهره المفهوم من الخيطين، واستدل على ذلك بما نقل عن حذيفة وغيره من جواز الأكل إلى الإسفار، قال‏:‏ ثم نسخ بعد ذلك بقوله تعالى ‏(‏من الفجر‏)‏ ‏.‏
قلت‏:‏ ويؤيد ما قاله ما رواه عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات ‏"‏ أن بلالا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر فقال‏:‏ الصلاة يا رسول الله، قد والله أصبحت‏.‏
فقال‏:‏ يرحم الله بلالا، لولا بلال لرجونا أن يرخص لنا حتى تطلع الشمس ‏"‏ ويستفاد من هذا الحديث - كما قال عياض - وجوب التوقف عن الألفاظ المشتركة وطلب بيان المراد منها وأنها لا تحمل على أظهر وجوهها وأكثر استعمالاتها إلا عند عدم البيان‏.‏
وقال ابن بزيزة في ‏"‏ شرح الأحكام ‏"‏‏:‏ ليس هذا من باب تأخير بيان المجملات، لأن الصحابة عملوا أولا على ما سبق إلى أفهامهم بمقتضى اللسان فعلى هذا فهو من باب تأخير ما له ظاهر أريد به خلاف ظاهره‏.‏
قلت‏:‏ وكلامه يقتضي أن جميع الصحابة فعلوا ما نقله سهل ابن سعد، وفيه نظر، واستدل بالآية والحديث على أن غاية الأكل والشرب طلوع الفجر فلو طلع الفجر وهو يأكل أو يشرب فنزع تم صومه، وفيه اختلاف بين العلماء‏.‏
ولو أكل ظانا أن الفجر لم يطلع لم يفسد صومه عند الجمهور لأن الآية دلت على الإباحة إلى أن يحصل التبيين، وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عباس قال ‏"‏ أحل الله لك الأكل والشرب ما شككت ‏"‏ ولابن أبي شيبة عن أبي بكر وعمر نحوه، وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي الضحى قال ‏"‏ سأل رجل ابن عباس عن السحور، فقال له رجل من جلسائه‏:‏ كل حتى لا تشك، فقال ابن عباس‏:‏ إن هذا لا يقول شيئا كل ما شككت حتى لا تشك ‏"‏ قال ابن المنذر‏:‏ وإلى هذا القول صار أكثر العلماء‏.‏
وقال مالك يقضي‏.‏
وقال ابن بزيزة في ‏"‏ شرح الأحكام ‏"‏‏:‏ اختلفوا هل يحرم الأكل بطلوع الفجر أو بتبينه عند الناظر تمسكا بظاهر الآية، واختلفوا هل يجب إمساك جزء قبل طلوع الفجر أم لا بناء على الاختلاف المشهور في مقدمة الواجب، وسنذكر بقية هذا البحث في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:30 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n167&p1#TOP)باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنعنكم‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ لا يمنعكم ‏"‏ بسكون العين بغير تأكيد، قال ابن بطال‏:‏ لم يصح عند البخاري لفظ الترجمة؛ فاستخرج معناه من حديث عائشة‏.‏
وقد روى لفظ الترجمة وكيع من حديث سمرة مرفوعا ‏"‏ لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق‏"‏‏.‏
وقال الترمذي‏:‏ هو حديث حسن ا هـ‏.‏
وحديث سمرة عند مسلم أيضا لكن لم يتعين في مراد البخاري، إنه قد صح أيضا على شرطه حديث ابن مسعود بلفظ ‏"‏ لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن بليل ليرجع قائمكم ‏"‏ الحديث، وقد تقدم في أبواب الأذان في ‏"‏ باب الأذان قبل الفجر ‏"‏ وأخرج عنه حديث عبيد الله بن عمر عن شيخيه القاسم ونافع كما أخرجه هنا، فالظاهر أنه مراده بما ذكره في هذه الترجمة، وقد تقدم الكلام على حديث عبيد الله بن عمر هناك‏.‏
وفي حديث سمرة الذي أخرجه مسلم بيان لما أبهم في حديث ابن مسعود، وذلك أن في حديث ابن مسعود ‏"‏ وليس الفجر أن يقول -‏.‏
ورفع بأصابعه إلى فوق وطأطأ إلى أسفل - حتى يقول هكذا ‏"‏ وفي حديث سمرة عند مسلم ‏"‏ لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا ‏"‏ يعني معترضا‏.‏
وفي رواية ‏"‏ ولا هذا البياض حتى يستطير ‏"‏ وقد تقدم لفظ رواية الترمذي، وله من حديث طلق بن علي ‏"‏ كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر ‏"‏ وقوله ‏"‏ يهيدنكم ‏"‏ بكسر الهاء أي يزعجنكم فتمتنعوا به عن السحور فإنه الفجر الكاذب، يقال هدته أهيده إذا أزعجته، وأصل الهيد بالكسر الحركة‏.‏
ولابن أبي شيبة عن ثوبان مرفوعا ‏"‏ الفجر فجران‏:‏ فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرمه، ولكن المستطير ‏"‏ أي هو الذي يحرم الطعام ويحل الصلاة، وهذا موافق للآية الماضية في الباب قبله‏.‏
وذهب جماعة من الصحابة - وقال به الأعمش من التابعين وصاحبه أبو بكر بن عياش - إلى جواز السحور إلى أن يتضح الفجر، فروى سعيد بن منصور عن أبي الأحوص عن عاصم عن زر عن حذيفة قال ‏"‏ تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والله النهار غير أن الشمس لم تطلع ‏"‏ وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن عاصم نحوه، وروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ذلك عن حذيفة من طرق صحيحة، وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر من طرق عن أبي بكر أنه أمر بغلق الباب حتى لا يرى الفجر، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن علي أنه صلى الصبح ثم قال‏:‏ الآن حين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ وذهب بعضهم إلى أن المراد بتبين بياض النهار من سواد الليل أن ينتشر البياض في الطرق والسكك والبيوت، ثم حكى ما تقدم عن أبي بكر وغيره‏.‏
وروي بإسناد صحيح عن سالم بن عبيد الأشجعي - وله صحبة - أن أبا بكر قال له ‏"‏ أخرج فانظر هل طلع الفجر‏؟‏ قال فنظرت ثم أتيته فقلت‏:‏ قد ابيض وسطع، ثم قال‏:‏ أخرج فانظر هل طلع‏؟‏ فنظرت فقلت‏:‏ قد اعترض‏.‏
قال‏:‏ الآن أبلغني شرابي ‏"‏ وروي من طريق وكيع عن الأعمش أنه قال ‏"‏ لولا الشهوة لصليت الغداة ثم تسحرت ‏"‏ قال إسحاق‏:‏ هؤلاء رأوا جواز الأكل والصلاة بعد طلوع الفجر المعترض حتى يتبين بياض النهار من سواد الليل‏.‏
قال إسحاق‏:‏ وبالقول الأول أقول، لكن لا أطعن على من تأول الرخصة كالقول الثاني ولا أرى له قضاء ولا كفارة‏.‏
قلت‏:‏ وفي هذا تعقب على الموفق وغيره حيث نقلوا الإجماع على خلاف ما ذهب إليه الأعمش، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَالَ الْقَاسِمُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إِلَّا أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلَ ذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عمر والقاسم بن محمد‏)‏ بالجر عطفا على نافع لا على ابن عمر، لأن عبيد الله بن عمر رواه عن نافع عن ابن عمر وعن القاسم عن عائشة، وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n167&p1#TOP)باب تَأْخِيرِ السَّحُورِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب تعجيل السحور‏)‏ أي الإسراع بالأكل إشارة إلى أن السحور كان يقع قرب طلوع الفجر‏.‏
وروى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه ‏"‏ كنا ننصرف - أي من صلاة الليل - فنستعجل بالطعام مخافة الفجر ‏"‏ قال ابن بطال ولو ترجم له بباب تأخير السحور لكان حسنا، وتعقبه مغلطاي بأنه وجد في نسخة أخرى من البخاري ‏"‏ باب تأخير السحور ‏"‏ ولم أر ذلك في شيء من نسخ البخاري التي وقعت لنا‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ التعجيل من الأمور النسبية، فإن نسب إلى أول الوقت كان معناه التقديم وإن نسب إلى آخره كان معناه التأخير، وإنما سماه البخاري تعجيلا إشارة منه إلى أن الصحابي كان يسابق بسحوره الفجر عند خوف طلوعه وخوف فوات الصلاة بمقدار ذهابه إلى المسجد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ تَكُونُ سُرْعَتِي أَنْ أُدْرِكَ السُّجُودَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه أبي حازم‏)‏ أشار الإسماعيلي إلى أن عبد العزيز بن أبي حازم لم يسمعه من أبيه، فأخرج من طريق مصعب الزبيري عن أبي حازم عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن أبي حازم عن سهل، ثم رواه من طريق أخرى عن عبد الله بن عامر عن أبي حازم‏.‏
وعبد الله بن عامر هو الأسلمي فيه ضعف، وأشار الإسماعيلي إلى تعليل الحديث بذلك‏.‏
ومصعب بن عبد الله الزبيري لا يقاوم الحفاظ الذين رووه عن عبد العزيز عن أبيه بغير واسطة فزيادته شاذة، ويحتمل أن يكون عبد العزيز سمع من عبد الله بن عامر فيه عن أبيه زيادة لم تكن فيما سمعه من أبيه فلذلك حدث به تارة عن أبيه بلا واسطة وتارة بالواسطة‏.‏
وقد أخرجه البخاري في المواقيت من وجه آخر عن أبي حازم فبطل التعليل برواية عبد العزيز بن أبي حازم، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم تكون سرعتي‏)‏ في رواية سليمان بن بلال ‏"‏ ثم تكون سرعة بي ‏"‏ وسرعة بالضم على أن كان تامة ولفظ ‏"‏ بي ‏"‏ متعلق بسرعة أو ليست تامة و ‏"‏ بي ‏"‏ الخبر أو قوله ‏"‏ أن أدرك‏"‏، ويجوز النصب على أنها خبر كان والاسم ضمير يرجع إلى ما يدل عليه لفظ السرعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أدرك السحور‏)‏ كذا في رواية الكشميهني، وللنسفي والجمهور ‏"‏ أن أدرك السجود ‏"‏ وهو الصواب، ويؤيده أن في الرواية المتقدمة في المواقيت ‏"‏ أن أدرك صلاة الفجر ‏"‏ وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ صلاة الصبح ‏"‏ وفي رواية أخرى ‏"‏ صلاة الغداة‏"‏‏.‏
قال عياض‏:‏ مراد سهل بن سعد أن غاية إسراعه أن سحوره لقربه من طلوع الفجر كان بحيث لا يكاد أن يدرك صلاة الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولشدة تغليس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبح‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ المراد أنهم كانوا يزاحمون بالسحور الفجر فيختصرون فيه ويستعجلون خوف الفوات‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال المزي‏:‏ ذكر خلف أن البخاري أخرج هذا الحديث في الصوم عن محمد بن عبيد الله وقتيبة كلاهما عن عبد العزيز، قال‏:‏ ولم نجده في الصحيح ولا ذكره أبو مسعود‏.‏
قلت‏:‏ ورأيت هنا بخط القطب ومغلطاي ‏"‏ محمد بن عبيد ‏"‏ بغير إضافة، وهو غلط والصواب ‏"‏ محمد بن عبيد الله ‏"‏ وهو أبو ثابت المدني مشهور من كبار شيوخ البخاري‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n167&p1#TOP)باب قَدْرِ كَمْ بَيْنَ السَّحُورِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر‏)‏ أي انتهاء السحور وابتداء الصلاة، لأن المراد تقدير الزمان الذي ترك فيه الأكل، والمراد بفعل الصلاة أول الشروع فيها قاله الزين بن المنير‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسَّحُورِ قَالَ قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ سبق في المواقيت من طريق سعيد عن قتادة قال ‏"‏ قلت لأنس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت كم‏)‏ هو مقول أنس، والمقول له زيد بن ثابت، وقد تقدم بيان ذلك في المواقيت وأن قتادة أيضا سأل أنسا عن ذلك، ورواه أحمد أيضا عن يزيد بن هارون عن همام وفيه أن أنسا قال ‏"‏ قلت لزيد ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال قدر خمسين آية‏)‏ أي متوسطة لا طويلة ولا قصيرة لا سريعة ولا بطيئة، وقدر بالرفع على أنه خبر المبتدأ، ويجوز النصب على أنه خبر كان المقدرة في جواب زيد لا في سؤال أنس لئلا تصير كان واسمها من قائل والخبر من آخر‏.‏
قال المهلب وغيره‏:‏ فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال كقوله‏:‏ قدر حلب شاة، وقدر نحر جزور فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة، ولو كانوا يقدرون بغير العمل لقال مثلا قدر درجة أو ثلث خمس ساعة‏.‏
وقال ابن أبي جمرة‏:‏ فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة‏.‏
وفيه تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود‏.‏
قال ابن أبي جمرة‏:‏ كان صلى الله عليه وسلم ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم، ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يفضي إلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر‏.‏
وقال‏:‏ فيه أيضا تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام ولو ترك لشق على بعضهم ولا سيما من كان صفراويا فقد يغشى عليه فيفضي إلى الإفطار في رمضان‏.‏
قال‏:‏ وفي الحديث تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة، وجواز المشي بالليل للحاجة، لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفيه الاجتماع على السحور، وفيه حسن الأدب في العبارة لقوله ‏"‏ تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولم يقل نحن ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما يشعر لفظ المعية بالتبعية‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ فيه دلالة على أن الفراغ من السحور كان قبل طلوع الفجر، فهو معارض لقول حذيفة ‏"‏ هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع ‏"‏ انتهى، والجواب أن لا معارضة بل تحمل على اختلاف الحال، فليس في رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة، فتكون قصة حذيفة سابقة، وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بإسناد هذا الحديث في المواقيت وكونه من مسند زيد بن ثابت أو من مسند أنس‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n167&p1#TOP)باب بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَاصَلُوا وَلَمْ يُذْكَرْ السَّحُورُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب بركة السحور من غير إيجاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واصلوا ولم يذكر السحور‏)‏ بضم ‏"‏ يذكر ‏"‏ على البناء للمجهول، وللكشميهني والنسفي ‏"‏ ولم يذكر سحور ‏"‏ قال الزين بن المنير‏:‏ الاستدلال على الحكم إنما يفتقر إليه إذا ثبت الاختلاف أو كان متوقعا، والسحور إنما هو أكل للشهوة وحفظ القوة، لكن لما جاء الأمر به احتاج أن يبين أنه ليس على ظاهره من الإيجاب، وكذا النهي عن الوصال يستلزم الأمر بالأكل قبل طلوع الفجر‏.‏
انتهى‏.‏
وتعقب بأن النهي عن الوصال إنما هو أمر بالفصل بين الصوم والفطر، فهو أعم من الأكل آخر الليل فلا يتعين السحور، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ندبية السحور‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ في هذه الترجمة غفلة من البخاري لأنه قد أخرج بعد هذا حديث أبي سعيد ‏"‏ أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر ‏"‏ فجعل غاية الوصال السحر وهو وقت السحور، قال‏:‏ والمفسر يقضي على المجمل، انتهى‏.‏
وقد تلقاه جماعة بعده بالتسليم، وتعقبه ابن المنير في الحاشية بأن البخاري لم يترجم على عدم مشروعية السحور وإنما ترجم على عدم إيجابه‏.‏
وأخذ من الوصال أن السحور ليس بواجب، وحيث نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال لم يكن على سبيل تحريم الوصال وإنما هو نهي إرشاد لتعليله إياه بالإشفاق عليهم، وليس في ذلك إيجاب للسحور، ولما ثبت أن النهي عن الوصال للكراهة فضد نهي الكراهة الاستحباب فثبت استحباب السحور، كذا قال‏.‏
ومسألة الوصال مختلف فيها، والراجح عند الشافعية التحريم‏.‏
والذي يظهر لي أن البخاري أراد بقوله ‏"‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واصلوا الخ ‏"‏ الإشارة إلى حديث أبي هريرة الآتي بعد خمسة وعشرين بابا فيه بعد النهي عن الوصال أنه ‏"‏ واصل بهم يوما ثم يوما، ثم رأوا الهلال فقال‏:‏ لو تأخر لزدتكم ‏"‏ فدل ذلك على أن السحور ليس بحتم، إذ لو كان حتما ما واصل بهم فإن الوصال يستلزم ترك السحور سواء قلنا الوصال حرام أو لا، وسيأتي الكلام على اختلاف العلماء في حكم الوصال وعلى حديث ابن عمر أيضا في الباب المشار إليه إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله ‏"‏أظل ‏"‏ بفتح الهمزة والظاء القائمة المعجمة مضارع ظللت إذا عملت بالنهار، وسيأتي هناك بلفظ ‏"‏ أبيت ‏"‏ وهو دال على أن استعمال أظل هنا ليس مقيدا بالنهار‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏تسحروا فإن في السحور بركة‏)‏ هو بفتح السين وبضمها، لأن المراد بالبركة الأجر والثواب فيناسب الضم لأنه مصدر بمعنى التسحر، أو البركة لكونه يقوي على الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح لأنه ما يتسحر به، وقيل البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السحر، والأولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة، وهي اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوى به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية فإن إقامة السنة يوجب الأجر وزيادته، ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية كقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير إضرار بالصائم‏.‏
قال‏:‏ ومما يعلل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب لأنه ممتنع عندهم، وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الأجور الأخروية‏.‏
وقال أيضا‏:‏ وقع للمتصوفة في مسألة السحور كلام من جهة اعتبار حكم الصوم وهي كسر شهوة البطن والفرج، والسحور قد يباين ذلك‏.‏
قال‏:‏ والصواب أن يقال ما زاد في المقدار حتى تنعدم هذه الحكمة بالكلية فليس بمستحب كالذي صنعه المترفون من التأنق في المآكل وكثرة الاستعداد لها، وما عدا ذلك تختلف مراتبه‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ يحصل السحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب‏.‏
وقد أخرج هذا الحديث أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ ‏"‏ السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ‏"‏ ولسعيد بن منصور من طريق أخرى مرسلة ‏"‏ تسحروا ولو بلقمة‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n167&p1#TOP)باب إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا
وَقَالَتْ أُمَّ الدَّرْدَاءِ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ فَإِنْ قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا نوى بالنهار صوما‏)‏ أي هل يصح مطلقا أو لا‏؟‏ وللعلماء في ذلك اختلاف، فمنهم من فرق بين القرض والنفل، ومنهم من خص جواز النفل بما قبل الزوال، وسيأتي بيان ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت أم الدرداء كان أبو الدرداء يقول‏:‏ عندكم طعام‏؟‏ فإن قلنا لا قال‏:‏ فإني صائم يومي هذا‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي قلابة عن أم الدرداء قالت ‏"‏ كان أبو الدرداء يغدونا أحيانا ضحى فيسأل الغداء، فربما لم يوافقه عندنا فيقول‏:‏ إذا أنا صائم ‏"‏ وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي إدريس وعن أيوب عن أبي قلابة عن أم الدرداء، وعن معمر عن قتادة ‏"‏ أن أبا الدرداء كان إذا أصبح سأل أهله الغداء، فإن لم يكن قال‏:‏ أنا صائم‏"‏، وعن ابن جريج عن عطاء عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه ‏"‏ كان يأتي أهله حين ينتصف النهار ‏"‏ فذكر نحوه، ومن طريق شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه ‏"‏ كان ربما دعا بالغداء فلا يجده، فيفرض عليه الصوم ذلك اليوم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وابن عباس وحذيفة‏)‏ أما أثر أبي طلحة فوصله عبد الرزاق من طريق قتادة وابن أبي شيبة من طريق حميد كلاهما عن أنس، ولفظ قتادة ‏"‏ أن أبا طلحة كان يأتي أهله فيقول‏:‏ هل من غداء‏؟‏ فإن قالوا لا صام يومه ذلك ‏"‏ قال قتادة‏:‏ وكان معاذ بن جبل يفعله، ولفظ حميد نحوه وزاد ‏"‏ وإن كان عندهم أفطر ‏"‏ ولم يذكر قصة معاذ‏.‏
وأما أثر أبي هريرة فوصله البيهقي من طريق ابن أبي ذئب عن حمزة عن يحيى عن سعيد بن المسيب قال ‏"‏ رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق، ثم يأتي أهله فيقول‏:‏ عندكم شيء‏؟‏ فإن قالوا لا قال‏:‏ فأنا صائم ‏"‏ ورواه عبد الرزاق بسند آخر فيه انقطاع أن أبا هريرة وأبا طلحة فذكر معناه‏.‏
وأما أثر ابن عباس فوصله الطحاوي من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أنه ‏"‏ كان يصبح حتى يظهر ثم يقول‏:‏ والله لقد أصبحت وما أريد الصوم، وما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم، ولأصومن يومي هذا ‏"‏ وأما أثر حذيفة فوصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي قال‏:‏ قال حذيفة ‏"‏ من بدا له الصيام بعد ما تزول الشمس فليصم ‏"‏ وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ أن حذيفة بدا له في الصوم بعدما زالت الشمس فصام ‏"‏ وقد جاء نحو ما ذكرنا عن أبي الدرداء مرفوعا من حديث عائشة أخرجه مسلم وأصحاب السنن من طريق طلحة بن يحيى بن طلحة عن عمته عائشة بنت طلحة‏.‏
وفي رواية له ‏"‏ حدثتني عائشة بتت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت‏:‏ دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال‏:‏ هل عندكم شيء‏؟‏ قلنا لا‏.‏
قال‏:‏ فإني إذا صائم ‏"‏ الحديث‏.‏
ورواه النسائي والطيالسي من طريق سماك عن عكرمة عن عائشة نحوه ولم يسم النسائي عكرمة‏.‏
قال النووي‏:‏ في هذا الحديث دليل للجمهور في أن صوم النافلة يجوز بنية في النهار قبل زوال الشمس، وتأوله الآخرون على أن سؤاله ‏"‏ هل عندكم شيء ‏"‏ لكونه كأن نوى الصوم من الليل ثم ضعف عنه وأراد الفطر لذلك‏.‏
قال‏:‏ وهو تأويل فاسد وتكلف بعيد‏.‏
وقال ابن المنذر‏:‏ اختلفوا فيمن أصبح يريد الإفطار، ثم بدا له أن يصوم تطوعا‏.‏
فقالت طائفة‏:‏ له أن يصوم متى بدا له، فذكر عمن تقدم، وزاد ابن مسعود وأبا أيوب وغيرهما، وساق ذلك بأسانيده إليهم‏.‏
قال‏:‏ وبه قال الشافعي وأحمد، قال‏:‏ وقال ابن عمر ‏"‏ لا يصوم تطوعا حتى يجمع من الليل أو يتسحر ‏"‏ وقال مالك في النافلة ‏"‏ لا يصوم إلا أن يبيت، إلا إن كان يسرد الصوم فلا يحتاج إلى التبييت ‏"‏ وقال أهل الرأي‏:‏ من أصبح مفطرا ثم بدا له أن يصوم قبل منتصف النهار أجزأه، وإن بدا له ذلك بعد الزوال لم يجزه‏.‏
قلت‏:‏ وهذا هو الأصح عند الشافعية، والذي نقله ابن المنذر عن الشافعي من الجواز مطلقا سواء كان قبل الزوال أو بعده هو أحد القولين للشافعي، والذي نص عليه في معظم كتبه التفرقة، والمعروف عن مالك والليث وابن أبي ذئب أنه لا يصح صيام التطوع إلا بنية من الليل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ إِنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلَا يَأْكُلْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سلمة بن الأكوع‏)‏ في رواية يحيى وهو القطان ‏"‏ عن يزيد بن أبي عبيد حدثنا سلمة بن الأكوع ‏"‏ كما سيأتي في خبر الواحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا ينادي في الناس‏)‏ في رواية يحيى ‏"‏ قال لرجل من أسلم أذن في قومك ‏"‏ واسم هذا الرجل هند بن أسماء بن حارثة الأسلمي له ولأبيه ولعمه هند بن حارثة صحبة، أخرج حديثه أحمد وابن أبي خيثمة من طريق ابن إسحاق ‏"‏ حدثني عبد الله بن أبي بكر عن حبيب ابن هند بن أسماء الأسلمي عن أبيه قال‏:‏ بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومي من أسلم فقال‏:‏ مر قومك أن يصوموا هذا اليوم يوم عاشوراء، فمن وجدته منهم قد أكل في أول يومه فليصم آخره ‏"‏ وروى أحمد أيضا من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن يحيى بن هند قال‏:‏ وكان هند من أصحاب الحديبية وأخوه الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر قومه بالصيام يوم عاشوراء، قال ‏"‏ فحدثني يحيى بن هند عن أسماء ابن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه فقال‏:‏ مر قومك بصيام هذا اليوم‏.‏
قال أرأيت إن وجدتهم قد طعموا‏؟‏ قال‏:‏ فليتموا آخر يومهم ‏"‏ قلت‏:‏ فيحتمل أن يكون كل من أسماء وولده هند أرسلا بذلك، ويحتمل أن يكون أطلق في الرواية الأولى على الجد اسم الأب فيكون الحديث من رواية حبيب بن هند عن جده أسماء فتتحد الروايتان، والله أعلم‏.‏
واستدل بحديث سلمة هذا على صحة الصيام لمن لم ينوه من الليل سواء كان رمضان أو غيره لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم في أثناء النهار فدل على أن النية لا تشترط من الليل، وأجيب بأن ذلك يتوقف على أن صيام عاشوراء كان واجبا، والذي يترجح من أقوال العلماء أنه لم يكن فرضا، وعلى تقدير أنه كان فرضا فقد نسخ بلا ريب، فنسخ حكمه وشرائطه، بدليل قوله ‏"‏ ومن أكل فليتم ‏"‏ ومن لا يشترط النية من الليل لا يجيز صيام من أكل من النهار، وصرح ابن حبيب من المالكية بأن ترك التبييت لصوم عاشوراء من خصائص عاشوراء، وعلى تقدير أن حكمه باق فالأمر بالإمساك لا يستلزم الإجزاء فيحتمل أن يكون أمر بالإمساك لحرمة الوقت كما يؤمر من قدم من سفر في رمضان نهارا وكما يؤمر من أفطر يوم الشك ثم رأى الهلال، وكل ذلك لا ينافي أمرهم بالقضاء، بل ورد ذلك صريحا في حديث أخرجه أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة عن عمه أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ صمتم يومكم هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فأتموا بقية يومكم واقضوه ‏"‏ وعلى تقدير أن لا يثبت هذا الحديث في الأمر بالقضاء فلا يتعين ترك القضاء، لأن من لم يدرك اليوم بكماله لا يلزمه القضاء كمن بلغ أو أسلم في أثناء النهار‏.‏
واحتج الجمهور لاشتراط النية في الصوم من الليل بما أخرجه أصحاب السنن من حديث عبد الله بن عمر عن أخته حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له ‏"‏ لفظ النسائي، ولأبي داود والترمذي ‏"‏ من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له ‏"‏ واختلف في رفعه ووقفه، ورجح الترمذي والنسائي الموقوف بعد أن أطنب النسائي في تخريج طرقه، وحكى الترمذي في ‏"‏ العلل ‏"‏ عن البخاري ترجيح وقفه‏.‏
وعمل بظاهر الإسناد جماعة من الأئمة فصححوا الحديث المذكور، منهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن حزم، وروى له الدار قطني طريقا آخر وقال رجالها ثقات، وأبعد من خصه من الحنفية بصيام القضاء والنذر، وأبعد من ذلك تفرقة الطحاوي بين صوم الفرض إذا كان في يوم بعينه كعاشوراء فتجزئ النية في النهار، أو لا في يوم بعينه كرمضان فلا يجزئ إلا بنية من الليل، وبين صوم التطوع فيجزئ في الليل وفي النهار‏.‏
وقد تعقبه إمام الحرمين بأنه كلام غث لا أصل له‏.‏
وقال ابن قدامة‏:‏ تعتبر النية في رمضان لكل يوم في قول الجمهور، وعن أحمد أنه يجزئه نية واحدة لجميع الشهر؛ وهو كقول مالك وإسحاق‏.‏
وقال زفر يصح صوم رمضان في حق المقيم الصحيح بغير نية وبه قال عطاء ومجاهد، واحتج زفر بأنه لا يصح فيه غير صوم رمضان لتعينه فلا يفتقر إلى نية لأن الزمن معيار له فلا يتصور في يوم واحد إلا صوم واحد‏.‏
وقال أبو بكر الرازي‏:‏ يلزم قائل هذا أن يصحح صوم المغمى عليه في رمضان إذا لم يأكل ولم يشرب لوجود الإمساك بغير نية، قال‏:‏ فإن التزمه كان مستشنعا‏.‏
وقال غيره‏:‏ يلزمه أن من أخر الصلاة حتى لم يبق من وقتها إلا قدرها فصلى حينئذ تطوعا أنه يجزئه عن الفرض‏.‏
واستدل ابن حزم بحديث سلمة على أن من ثبت له هلال رمضان بالنهار جاز له استدراك النية حينئذ ويجزئه وبناه على أن عاشوراء كان فرضا أولا، وقد أمروا أن يمسكوا في أثناء النهار‏.‏
قال‏:‏ وحكم الفرض لا يتغير، ولا يخفى ما يرد عليه مما قدمناه، وألحق بذلك من نسى أن ينوي من الليل لاستواء حكم الجاهل والناسي‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:32 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n168&p1#TOP)باب الصَّائِمِ يُصْبِحُ جُنُبًا الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصائم يصبح جنبا‏)‏ أي هل يصح صومه أو لا‏؟‏ وهل يفرق بين العامد والناسي أو بين الفرض والتطوع‏؟‏ وفي كل ذلك خلاف للسلف، والجمهور على الجواز مطلقا، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَأَبِي حِينَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ح و حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ وَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَكَانَتْ لِأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا وَلَوْلَا مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَهُنَّ أَعْلَمُ وَقَالَ هَمَّامٌ وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ وَالْأَوَّلُ أَسْنَدُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنت أنا وأبي حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة‏)‏ كذا أورده البخاري من رواية مالك مختصرا، وعقبه بطريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن فأوهم أن سياقهما واحد، لكنه ساق لفظ مالك بعد بابين وليس فيه ذكر مروان ولا قصة أبي هريرة، نعم قد أخرجه مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن سمي مطولا، ولمالك فيه شيخ آخر أخرجه في الموطأ عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن مختصرا، وأخرجه مسلم من هذا الوجه أيضا، وأخرجه مسلم أيضا من رواية ابن جريج عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه أتم منه، وله طرق أخرى كثيرة أطنب النسائي في تخريجها وفي بيان اختلاف نقلتها، وسأذكر محصل فوائدها إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله في رواية شعيب ‏(‏أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان‏)‏ أي ابن الحكم، وإخبار عبد الرحمن بما ذكر لمروان كان بعد أن أرسله مروان إلى عائشة وأم سلمة، بين ذلك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ وهو عند مسلم أيضا من طريقه ولفظه ‏"‏ كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم، فقال مروان‏:‏ أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك‏.‏
قال أبو بكر‏:‏ فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة ‏"‏ فساق القصة‏.‏
وبين النسائي في رواية له أن عبد الرحمن بن الحارث إنما سمعه من ذكوان مولى عائشة عنها ومن نافع مولى أم سلمة عنها، فأخرج من طريق عبد ربه بن سعيد عن أبي الحديث عياض عن عبد الرحمن بن الحارث قال ‏"‏ أرسلني مروان إلى عائشة، فأتيتها فلقيت غلامها ذكوان فأرسلته إليها، فسألها عن ذلك فقالت ‏"‏ فذكر الحديث مرفوعا قال ‏"‏ فأتيت مروان فحدثته بذلك فأرسلني إلى أم سلمة، فأتيتها فلقيت غلامها نافعا فأرسلته إليها فسألها عن ذلك ‏"‏ فذكر مثله‏.‏
وفي إسناده نظر، لأن أبا عياض مجهول، فإن كان محفوظا فيجمع بأن كلا من الغلامين كان واسطة بين عبد الرحمن وبين كل منهما في السؤال كما في هذه الرواية، وسمع عبد الرحمن وابنه أبو بكر كلاهما من وراء الحجاب كما في رواية المصنف وغيره، وسأذكره من رواية أبي حازم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عند النسائي ففيه ‏"‏ أن عبد الرحمن جاء إلى عائشة فسلم على الباب فقالت عائشة‏:‏ يا عبد الرحمن ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم‏)‏ في رواية مالك المشار إليها ‏"‏ كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ‏"‏ وفي رواية يونس عن ابن شهاب عن عروة وأبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة ‏"‏ كان يدركه الفجر في رمضان جنبا من غير حلم ‏"‏ وستأتي بعد بابين، وللنسائي من طريق عبد الملك ابن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عنهما ‏"‏ كان يصبح جنبا من غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم ‏"‏ وله من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال ‏"‏ قال مروان لعبد الرحمن بن الحارث‏:‏ اذهب إلى أم سلمة فسلها، فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا مني فيصوم ويأمرني بالصيام‏"‏‏.‏
قال القرطبي‏:‏ في هذا فائدتان، إحداهما أنه كان يجامع في رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بيانا للجواز‏.‏
الثاني أن ذلك كان من جماع لا من احتلام لأنه كان لا يحتلم إذ الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه‏.‏
وقال غيره‏:‏ في قولها ‏"‏ من غير احتلام ‏"‏ إشارة إلى جواز الاحتلام عليه، وإلا لما كان للاستثناء معنى، ورد بأن الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه، وأجيب بأن الاحتلام يطلق على الإنزال وقد وقع الإنزال بغير رؤية شيء في المنام، وأرادت بالتقييد بالجماع المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدا يفطر، وإذا كان فاعل ذلك عمدا لا يفطر فالذي ينسى‏.‏
الاغتسال أو ينام عنه أولى بذلك‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ لما كان الاحتلام يأتي للمرء على غير اختياره فقد يتمسك به من يرخص لغير المتعمد الجماع، فبين في هذا الحديث أن ذلك كان من جماع لإزالة هذا الاحتمال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مروان لعبد الرحمن بن الحارث أقسم بالله‏)‏ في رواية النسائي من طريق عكرمة ابن خالد عن أبي بكر بن عبد الرحمن ‏"‏ فقال مروان لعبد الرحمن‏:‏ الق أبا هريرة فحدثه بهذا، فقال‏:‏ إنه لجاري، وإنه لأكره أن أستقبله بما يكره‏.‏
فقال‏:‏ أعزم عليك لتلقينه ‏"‏ ومن طريق عمر بن أبي بكر ابن عبد الرحمن عن أبيه ‏"‏ فقال عبد الرحمن لمروان‏:‏ غفر الله لك، إنه لي صديق، ولا أحب أن أرد عليه قوله ‏"‏ وبين ابن جريج في روايته عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه سبب ذلك ففيه ‏"‏ عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال‏:‏ سمعت أبا هريرة يقول في قصصه‏:‏ ومن أدركه الفجر جنبا فلا يصم‏.‏
قال فذكرته لعبد الرحمن، فانطلق وانطلقت معه حتى دخلنا على مروان ‏"‏ فذكر القصة، أخرجه عبد الرزاق عنه ومن طريقه مسلم والنسائي وغيرهما‏.‏
وفي رواية مالك عن سمي عن أبي بكر ‏"‏ أن أبا هريرة قال‏:‏ من أصبح جنبا أفطر ذلك يوم ‏"‏ وللنسائي من طريق المقبري ‏"‏ كان أبو هريرة يفتي الناس أنه أصبح جنبا فلا يصوم ذلك اليوم ‏"‏ وله من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أنه سمع أبا هريرة يقول ‏"‏ من احتلم من الليل أو واقع أهله ثم أدركه الفجر ولم يغتسل فلا يصم‏"‏، ومن طريق أبي قلابة عن عبد الرحمن بن الحارث ‏"‏ أن أبا هريرة كان يقول‏:‏ من أصبح جنبا فليفطر ‏"‏ فاتفقت هذه الروايات على أنه كان يفتي بذلك، وسيأتي بيان من روى ذلك عنه مرفوعا في آخر الكلام على هذا الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لتفزعن‏)‏ كذا للأكثر بالفاء والزاي من الفزع وهو الخوف أي لتخيفنه بهذه القصة التي تخالف فتواه، وللكشميهني ‏"‏ لتقرعن ‏"‏ بفتح فقاف وراء مفتوحة، أي تقرع بهذه القصة سمعه، يقال قرعت بكذا سمع فلان إذا أعلمته به إعلاما صريحا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومروان يومئذ على المدينة‏)‏ أي أمير من جهة معاوية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكره ذلك عبد الرحمن‏)‏ قد بينا سبب كراهته، قيل ويحتمل أن يكون كره أيضا أن يخالف مروان لكونه كان أميرا واجب الطاعة في المعروف، وبين أبو حازم عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه سبب تشديد مروان في ذلك، فعند النسائي من هذا الوجه قال ‏"‏ كنت عند مروان مع عبد الرحمن، فذكروا قول أبي هريرة فقال‏:‏ اذهب فاسأل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قال فذهبنا إلى عائشة فقالت‏:‏ يا عبد الرحمن، أما لكم في رسول الله أسوة حسنة ‏"‏ فذكرت الحديث ‏"‏ ثم أتينا أم سلمة كذلك، ثم أتينا مروان فاشتد عليه اختلافهم تخوفا أن يكون أبو هريرة يحدث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال مروان لعبد الرحمن‏:‏ عزمت عليك لما أتيته فحدثته‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قدر لنا أن نجتمع بذي الحليفة‏)‏ أي المكان المعروف وهو ميقات أهل المدينة، وقوله ‏(‏وكان لأبي هريرة هناك أرض‏)‏ فيه رفع توهم من يظن أنهما اجتمعا في سفر، وظاهره أنهما اجتمعا من غير قصد، لكن في رواية مالك المذكورة ‏"‏ فقال مروان لعبد الرحمن‏:‏ أقسمت عليك لتركبن دابتي فإنها بالباب فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق، فلتخبرنه‏.‏
قال فركب عبد الرحمن وركبت معه ‏"‏ فهذا ظاهر في أنه قصد أبا هريرة لذلك، فيحمل قوله ‏"‏ ثم قدر لنا أن نجتمع معه ‏"‏ على المعنى الأعم من التقدير لا على معنى الاتفاق، ولا تخالف بين قوله ‏"‏ بذي الحليفة ‏"‏ وبين قوله ‏"‏ بأرضه بالعقيق ‏"‏ لاحتمال أن يكونا قصداه إلى العقيق فلم يجداه ثم وجداه بذي الحليفة وكان له أيضا بها أرض‏.‏
ووقع في رواية معمر عن الزهري عن أبي بكر ‏"‏ فقال مروان عزمت عليكما لما ذهبتما إلى أبي هريرة، قال فلقينا أبا هريرة عند باب المسجد ‏"‏ والظاهر أن المراد بالمسجد هنا مسجد أبي هريرة بالعقيق لا المسجد النبوي جمعا بين الروايتين، أو يجمع بأنهما التقيا بالعقيق فذكر له عبد الرحمن القصة مجملة أو لم يذكرها بل شرع فيها ثم لم يتهيأ له ذكر تفصيلها وسماع جواب أبي هريرة إلا بعد أن رجعا إلى المدينة وأراد دخول المسجد النبوي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني ذاكر لك‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إني أذكر ‏"‏ بصيغة المضارعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم أذكره لك‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ لم أذكر ذلك ‏"‏ وفيه حسن الأدب مع الأكابر وتقديم الاعتذار قبل تبليغ ما يظن المبلغ أن المبلغ يكرهه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكر قول عائشة وأم سلمة فقال كذلك حدثني الفضل‏)‏ ظاهره أن الذي حدثه به الفضل مثل الذي ذكره له عبد الرحمن عن عائشة وأم سلمة، وليس كذلك لما قدمناه من مخالفة قول أبي هريرة لقول عائشة وأم سلمة، والسبب في هذا الإبهام أن رواية شعيب في حديث الباب لم يذكر في أولها كلام أبي هريرة كما قدمناه فلذلك أشكل أمر الإشارة بقوله كذلك‏.‏
ووقع كلام أبي هريرة في رواية معمر وفي رواية ابن جريج كما قدمناه فلذلك قال في آخره ‏"‏ سمعت ذلك - أي القول الذي كنت أقوله - من الفضل ‏"‏ وفي رواية مالك عن سمي ‏"‏ فقال أبو هريرة لا علم لي بذلك ‏"‏ وفي رواية معمر عن ابن شهاب ‏"‏ فتلون وجه أبي هريرة ثم قال‏:‏ هكذا حدثني الفضل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو أعلم‏)‏ أي بما روى والعهدة عليه في ذلك لا علي‏.‏
ووقع في رواية النسفي عن البخاري ‏"‏ وهن أعلم ‏"‏ أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا في رواية معمر‏.‏
وفي رواية ابن جريج ‏"‏ فقال أبو هريرة أهما قالتاه‏؟‏ قال‏:‏ هما أعلم ‏"‏ وهذا يرجح رواية النسفي، وللنسائي من طريق عمر بن أبي بكر ابن عبد الرحمن عن أبيه ‏"‏ هي - أي عائشة - أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منا ‏"‏ وزاد ابن جريج في روايته ‏"‏ فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك ‏"‏ وكذلك وقع في رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عند النسائي أنه رجع، وروى ابن أبي شيبة من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رجع عن فتياه‏:‏ من أصبح جنبا فلا صوم له، وللنسائي من طريق عكرمة بن خالد ويعلى بن عقبة وعراك بن مالك كلهم عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا هريرة أحال بذلك على الفضل بن عباس، لكن عنده من طريق عمر بن أبي بكر عن أبيه ‏"‏ أن أبا هريرة قال في هذه القصة إنما كان أسامة بن زيد حدثني ‏"‏ فيحمل على أنه كان عنده عن كل منهما‏.‏
ويؤيده رواية أخرى عند النسائي من طريق أخرى عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه قال فيها ‏"‏ إنما حدثني فلان وفلان ‏"‏ وفي رواية مالك المذكورة ‏"‏ أخبر نية مخبر ‏"‏ والظاهر أن هذا من تصرف الرواة، منهم من أبهم الرجلين ومنهم من اقتصر على أحدهما تارة مبهما وتارة مفسرا، ومنهم من لم يذكر عن أبي هريرة أحدا، وهو عند النسائي أيضا من طريق أبي قلابة عن عبد الرحمن بن الحارث ففي آخره ‏"‏ فقال أبو هريرة‏:‏ هكذا كنت أحسب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال همام وابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالفطر والأول أسند‏)‏ أما رواية همام فوصلها أحمد وابن حبان من طريق معمر عنه بلفظ ‏"‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا نودي للصلاة صلاة الصبح وأحدكم جنب فلا يصم حينئذ ‏"‏ وأما رواية ابن عبد الله بن عمر فوصلها عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن ابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة به ‏"‏ وقد اختلف على الزهري في اسمه فقال عنه شعيب عنه ‏"‏ أخبرني عبد الله بن عمر قال لي أبو هريرة‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا ‏"‏ أخرجه النسائي والطبراني في ‏"‏ مسند الشاميين‏"‏‏.‏
وقال عقيل عنه ‏"‏ عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر به ‏"‏ فاختلف على الزهري هل هو عبد الله مكبرا أو عبيد الله مصغرا، وأما قول المصنف‏:‏ والأول أسند فاستشكله ابن التين قال‏:‏ لأن إسناد الخبر رفعه فكأنه قال‏:‏ إن الطريق الأولى أوضح رفعا، قال‏:‏ لكن الشيخ أبو الحسن قال‏:‏ معناه أن الأول أظهر اتصالا‏.‏
قلت‏:‏ والذي يظهر لي أن مراد البخاري أن الرواية الأولى أقوى إسنادا، وهي من حيث الرجحان كذلك لأن حديث عائشة وأم سلمة في ذلك جاءا عنهما من طرق كثيرة جدا بمعنى واحد حتى قال ابن عبد البر أنه صح وتواتر، وأما أبو هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتى به، وجاء عنه من طريق هذين أنه كان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وكذلك وقع في رواية معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن ‏"‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره، أخرجه عبد الرزاق، وللنسائي من طريق عكرمة بن خالد عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال‏:‏ بلغ مروان أن أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وله من طريق المقبري قال بعثت عائشة إلى أبي هريرة لأتحدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأحمد من طريق عبد الله بن عمرو القاري ‏"‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ ورب هذا البيت ما أنا قلت من أدرك الصبح وهو جنب فلا يصم، محمد ورب الكعبة قاله ‏"‏ لكن بين أبو هريرة كما مضى أنه لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمعه بواسطة الفضل وأسامة، وكأنه كان لشدة وثوقه بخبرهما يحلف على ذلك‏.‏
وأما ما أخرجه ابن عبد البر من رواية عطاء بن ميناء عن أبي هريرة أنه قال ‏"‏ كنت حدثتكم من أصبح جنبا فقد أفطر، وأن ذلك من كيس أبي هريرة ‏"‏ فلا يصح ذلك عن أبي هريرة لأنه من رواية عمر بن قيس وهو متروك‏.‏
نعم قد رجع أبو هريرة عن الفتوى بذلك إما لرجحان رواية أمي المؤمنين في جواز ذلك صريحا على رواية غيرهما مع ما في رواية غيرهما من الاحتمال، إذ يمكن أن يحمل الأمر بذلك على الاستحباب في غير الفرض، وكذا النهي عن صوم ذلك اليوم، وإما لاعتقاده أن يكون خبر أمي المؤمنين ناسخا لخبر غيرهما‏.‏
وقد بقي على مقالة أبي هريرة هذه بعض التابعين كما نقله الترمذي، ثم ارتفع ذلك الخلاف واستقر الإجماع على خلافه كما جزم به النووي‏.‏
وأما ابن دقيق العيد فقال‏:‏ صار ذلك إجماعا أو كالإجماع لكن من الآخذين بحديث أبي هريرة من فرق بين من تعمد الجنابة وبين من احتلم كما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه وكذا حكاه ابن المنذر عن طاوس أيضا‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ وهو أحد قولي أبي هريرة‏.‏
قلت‏:‏ ولم يصح عنه، فقد أخرج ذلك ابن المنذر من طريق أبي المهزم وهو ضعيف عن أبي هريرة، ومنهم من قال‏:‏ يتم صومه ذلك اليوم ويقضيه حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وسالم بن عبد الله بن عمر‏.‏
قلت‏:‏ وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن ذلك فقال اختلف أبو هريرة وعائشة فأرى أن يتم صومه ويقضى ا هـ، وكأنه لم يثبت عنده رجوع أبي هريرة عن ذلك، وليس ما ذكره صريحا في إيجاب القضاء‏.‏
ونقل بعض المتأخرين عن الحسن بن صالح بن حي إيجاب القضاء أيضا، والذي نقله الطحاوي عنه استحبابه، ونقل ابن عبد البر عنه وعن النخعي إيجاب القضاء في الفرض والإجزاء في التطوع، ووقع لابن بطال وابن التين والنووي والفاكهي وغير واحد في نقل هذه المذاهب مغايرات في نسبتها لقائلها والمعتمد ما حررته‏.‏
ونقل الماوردي أن هذا الاختلاف كله إنما هو في حق الجنب، وأما المحتلم فأجمعوا على أنه يجزئه، وهذا النقل معترض بما رواه النسائي بإسناد صحيح عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أنه احتلم ليلا في رمضان فاستيقظ قبل أن يطلع الفجر ثم نام قبل أن يغتسل فلم يستيقظ حتى أصبح قال فاستفتيت أبا هريرة فقال أفطر، وله من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أنه سمع أبا هريرة يقول‏:‏ من احتلم من الليل أو واقع أهله ثم أدركه الفجر ولم يغتسل فلا يصم، وهذا صريح في عدم التفرقة‏.‏
وحمل القائلون بفساد صيام الجنب حديث عائشة على أنه من الخصائص النبوية، أشار إلى ذلك الطحاوي بقوله‏:‏ وقال آخرون يكون حكم النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرت عائشة وحكم الناس على ما حكى أبو هريرة‏.‏
وأجاب الجمهور بأن الخصائص لا تثبت إلا بدليل، وبأنه قد ورد صريحا ما يدل على عدمها، وترجم بذلك ابن حبان في صحيحة حيث قال ‏"‏ ذكر البيان بأن هذا الفعل لم يكن المصطفى مخصوصا به ‏"‏ ثم أورد ما أخرجه هو ومسلم والنسائي وابن خزيمة وغيرهم من طريق أبي يونس مولى عائشة عن عائشة ‏"‏ أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب، فقال‏:‏ يا رسول الله تدركني الصلاة - أي صلاة الصبح - وأنا جنب، أفأصوم‏؟‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم‏.‏
فقال‏:‏ لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏.‏
فقال‏:‏ والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى ‏"‏ وذكر ابن خزيمة أن بعض العلماء توهم أن أبا هريرة غلط في هذا الحديث ثم رد عليه بأنه لم يغلط بل أحال على رواية صادق، إلا أن الخبر منسوخ، لأن الله تعالى عند ابتداء فرض الصيام كان منع في ليل الصوم من الأكل والشرب والجماع بعد النوم قال فيحتمل أن يكون خبر الفضل كان حينئذ ثم أباح الله ذلك كله إلى طلوع الفجر فكان للمجامع أن يستمر إلى طلوعه فيلزم أن يقع اغتساله بعد طلوع الفجر، فدل على أن حديث عائشة ناسخ لحديث الفضل ولم يبلغ الفضل ولا أبا هريرة الناسخ فاستمر أبو هريرة على الفتيا به، ثم رجع عنه بعد ذلك لما بلغه‏.‏
قلت‏:‏ ويقويه أن في حديث عائشة هذا الأخير ما يشعر بأن ذلك كان بعد الحديبية لقوله فيها ‏"‏ قد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر ‏"‏ وأشار إلى آية الفتح وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست، وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية، وإلى دعوى النسخ فيه ذهب ابن المنذر والخطابي وغير واحد، وقرره ابن دقيق العيد بأن قوله تعالى ‏(‏أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم‏)‏ يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم، ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر فيلزم إباحة الجماع فيه ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنبا ولا يفسد صومه فإن إباحة التسبب للشيء إباحة لذلك الشيء‏.‏
قلت‏:‏ وهذا أولى من سلوك الترجيح بين الخبرين كما تقدم من قول البخاري والأول أسند ‏"‏ وكذا قال بعضهم‏:‏ إن حديث عائشة أرجح لموافقة أم سلمة لها على ذلك، ورواية اثنين تقدم على رواية واحد، ولا سيما وهما زوجتان وهما أعلم بذلك من الرجال، ولأن روايتهما توافق المنقول وهو ما تقدم من مدلول الآية، والمعقول وهو أن الغسل شيء وجب بالإنزال، وليس في فعله شيء يحرم على صائم، فقد يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ولا يحرم عليه بل يتم صومه إجماعا، فكذلك إذا احتلم ليلا بل هو من باب الأولى، وإنما يمنع الصائم من تعمد الجماع نهارا‏.‏
وهو شبيه بمن يمنع من التطيب وهو محرم لكن لو تطيب وهو حلال ثم أحرم فبقي عليه لونه أو ريحه لم يحرم عليه‏.‏
وجمع بعضهم بين الحدثين‏.‏
أن الأمر في حديث أبي هريرة أمر إرشاد إلى الأفضل، فإن الأفضل أن يغتسل قبل الفجر فلو خالف جاز، ويحمل حديث عائشة على بيان الجواز ونقل النووي هذا عن أصحاب الشافعي، وفيه نظر، فإن الذي نقله البيهقي وغيره عن نص الشافعي سلوك الترجيح وعن ابن المنذر وغيره سلوك النسخ، ويعكر على حمله على الإرشاد التصريح في كثير من طرق حديث أبي هريرة بالأمر بالفطر وبالنهي الصيام فكيف يصح الحمل المذكور إذا وقع ذلك في رمضان‏؟‏ وقيل هو محمول على من أدركه مجامعا فاستدام بعد طلوعه عالما بذلك، ويعكر عليه ما رواه النسائي من طريق أبي حازم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه ‏"‏ أن أبا هريرة كان يقول‏:‏ من احتلم وعلم باحتلامه ولم يغتسل حتى أصبح فلا يصوم ‏"‏ وحكى ابن التين عن بعضهم أنه سقط ‏"‏ لا ‏"‏ من حديث الفضل، وكان في الأصل ‏"‏ من أصبح جنبا في رمضان فلا يفطر ‏"‏ فلما سقط ‏"‏ لا ‏"‏ صار ‏"‏ فليفطر ‏"‏ وهذا بعيد بل باطل، لأنه يستلزم عدم الوثوق بكثير من الأحاديث وأنها يطرقها مثل هذا الاحتمال، وكأن قائله ما وقف على شيء من طرق هذا الحديث إلا على اللفظ المذكور‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم دخول العلماء على الأمراء ومذاكرتهم إياهم بالعلم‏.‏
وفيه فضيلة لمروان ابن الحكم لما يدل عليه الحديث من اهتمامه بالعلم ومسائل الدين‏.‏
وفيه الاستثبات في النقل والرجوع في المعاني إلى الأعلم، فإن الشيء إذا نوزع فيه رد إلى من عنده علمه، وترجيح مروي النساء فيما لهن عليه الاطلاع دون الرجال على مروي الرجال كعكسه، وأن المباشر للأمر أعلم به من المخبر عنه، والائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله ما لم يقم دليل الخصوصية، وأن للمفضول إذا سمع من الأفضل خلاف ما عنده من العلم أن يبحث عنه حتى يقف على وجهه، وأن الحجة عند الاختلاف في المصير إلى الكتاب والسنة‏.‏
وفيه الحجة بخبر الواحد وأن المرأة فيه كالرجل‏.‏
وفيه فضيلة لأبي هريرة لاعترافه بالحق ورجوعه إليه‏.‏
وفيه استعمال السلف من الصحابة والتابعين الإرسال عن العدول من غير نكير بينهم لأن أبا هريرة اعترف بأنه لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه كان يمكنه أن يرويه عنه بلا واسطة وإنما بينها لما وقع من الاختلاف‏.‏
وفيه الأدب مع العلماء، والمبادرة لامتثال أمر ذي الأمر إذا كان طاعة، ولو كان فيه مشقة على المأمور‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ في معنى الجنب الحائض والنفساء إذا انقطع دمها ليلا ثم طلع الفجر قبل اغتسالها، قال النووي في شرح مسلم‏:‏ مذهب العلماء كافة صحة صومها إلا ما حكي عن بعض السلف مما لا يعلم صح عنه أو لا، وكأنه أشار بذلك إلى ما حكاه في شرح المهذب عن الأوزاعي، لكن حكاه ابن عبد البر عن الحسن بن صالح أيضا، وحكى ابن دقيق العيد أن في المسألة في مذهب مالك قولين، وحكاه القرطبي عن محمد بن مسلمة من أصحابهم ووصف قوله بالشذوذ، وحكى ابن عبد البر عن عبد الملك بن الماجشون أنها إذا أخرت غسلها حتى طلع الفجر فيومها يوم فطر لأنها في بعضه غير طاهرة، قال‏:‏ وليس كالذي يصبح جنبا لأن الاحتلام لا ينقض الصوم والحيض ينقضه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n168&p1#TOP)باب الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْجُهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المباشرة للصائم‏)‏ أي بيان حكمها وأصل المباشرة التقاء البشرتين ويستعمل في الجماع سواء أولج أو لم يولج‏.‏
وليس الجماع مرادا بهذه الترجمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة رضي الله عنه يحرم عليه فرجها‏)‏ وصله الطحاوي من طريق أبي مرة مولى عقيل عن حكيم بن عقال قال ‏"‏ سألت عائشة ما يحرم على من امرأتي وأنا صائم‏؟‏ قالت فرجها ‏"‏ إسناده إلى حكيم صحيح، ويؤدي معناه أيضا ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن مسروق ‏"‏ سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته صائما‏؟‏ قالت كل شيء إلا الجماع‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ وَقَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَآرِبُ حَاجَةٌ قَالَ طَاوُسٌ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ الْأَحْمَقُ لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سليمان بن حرب عن شعبة‏)‏ كذا للأكثر، ووقع للكشميهني عن سعيد بمهملة وآخره دال، وهو غلط فاحش فليس في شيوخ سليمان بن حرب أحد اسمه سعيد حدثه عن الحكم، الحكم المذكور هو ابن عتيبة، وإبراهيم هو النخعي‏.‏
وقد وقع عند الإسماعيلي عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب عن شعبة على الصواب، لكن وقع عنده عن إبراهيم ‏"‏ أن علقمة وشريح بن أرطاة رجلان من النخع كانا عند عائشة، فقال أحدهما لصاحبه سلها عن القبلة للصائم، قال‏:‏ ما كنت لأرفث عند أم المؤمنين‏.‏
فقالت ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه ‏"‏ قال الإسماعيلي‏:‏ رواه غندر وابن أبي عدي وغير واحد عن شعبة فقالوا ‏"‏ عن علقمة ‏"‏ وحدث به البخاري عن سليمان بن حرب عن شعبة فقال ‏"‏ عن الأسود ‏"‏ وفيه نظر، وصرح أبو إسحاق بن حمزة فيما ذكره أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ عنه بأنه خطأ‏.‏
قلت‏:‏ وليس ذلك من البخاري، فقد أخرجه البيهقي من طريق محمد بن عبد الله بن معبد عن سليمان بن حرب كما قال البخاري، وكأن سليمان بن حرب حدث به على الوجهين، فإن كان حفظه عن شعبة فلعل شعبة حدث به على الوجهين، وإلا فأكثر أصحاب شعبة لم يقولوا فيه من هذا الوجه عن الأسود، وإنما اختلفوا‏:‏ فمنهم من قال كرواية يوسف المتقدمة وصورتها الإرسال، وكذا أخرجه النسائي بطريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة‏.‏
ومنهم من قال عن إبراهيم عن علقمة وشريح، وقد ترجم النسائي في سننه الاختلاف فيه على إبراهيم، والاختلاف على الحكم وعلى الأعمش وعلى منصور وعلى عبد الله ابن عون كلهم عن إبراهيم، وأورده من طريق إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال ‏"‏ خرج نفر من النخع فيهم رجل يدعى شريحا فحدث أن عائشة قالت ‏"‏ فذكر الحديث، قال فقال له رجل‏:‏ لقد هممت أن أضرب رأسك بالقوس، فقال قولوا له فليكف عني حتى نأتي أم المؤمنين؛ فلما أتوها ‏"‏ قالوا لعلقمة‏:‏ سلها، فقال‏:‏ ما كنت لأرفث عندها اليوم، فسمعته فقالت ‏"‏ فذكر الحديث، ثم ساقه من طريق عبيدة عن منصور فجعل شريحا هو المنكر وأبهم الذي حدث بذلك عن عائشة، ثم استوعب النسائي طرقه، وعرف منها أن الحديث كان عند إبراهيم عن علقمة والأسود ومسروق جميعا فلعله كان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وتارة يجمع وتارة يفرق، وقد قال الدار قطني بعد ذكر الاختلاف فيه على إبراهيم‏:‏ كلها صحاح وعرف من طريق إسرائيل سبب تحديث عائشة بذلك واستدراكها على من حدث عنها به على الإطلاق بقولها ‏"‏ ولكنه كان أملككم لإربه ‏"‏ فأشارت بذلك إلى أن الإباحة لمن يكون مالكا لنفسه دون من لا يأمن من الوقوع فيما يحرم‏.‏
وفي رواية حماد عند النسائي ‏"‏ قال الأسود قلت لعائشة أيباشر الصائم‏؟‏ قالت‏:‏ لا‏.‏
قلت أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم‏؟‏ قالت‏:‏ إنه كان أملككم لإربه ‏"‏ وظاهر هذا أنها اعتقدت خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قاله القرطبي‏.‏
قال‏:‏ وهو اجتهاد منها‏.‏
وقول أم سلمة - يعني الآتي ذكره - أولى أن يؤخذ به لأنه نص في الواقعة‏.‏
قلت‏:‏ قد ثبت عن عائشة صريحا إباحة ذلك كما تقدم، فيجمع بين هذا وبين قولها المتقدم أنه ‏"‏ يحل له كل شيء إلا الجمع ‏"‏ بحمل النهي هنا على كراهة التنزيه فإنها لا تنافي الإباحة‏.‏
وقد رويناه في كتاب الصيام ليوسف القاضي من طريق حماد بن سلمة عن حماد بلفظ ‏"‏ سألت عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها، وكأن هذا هو السر في تصدير البخاري بالأثر الأول عنها لأنه يفسر مرادها بالنفي المذكور في طريق حماد وغيره والله أعلم‏.‏
ويدل على أنها لا ترى بتحريمها ولا بكونها من الخصائص ما رواه مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن أبي النضر ‏"‏ أن عائشة بنت طلحة أخبرته أنها كانت عند عائشة فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر فقالت له عائشة‏:‏ ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتلاعبها وتقبلها‏؟‏ قال أقبلها وأنا صائم‏؟‏ قالت نعم ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏كان يقبل ويباشر وهو صائم‏)‏ التقبيل أخص من المباشرة، فهو من ذكر العام بعد الخاص، وقد رواه عمرو بن ميمون عن عائشة بلفظ ‏"‏ كان يقبل في شهر الصوم ‏"‏ أخرجه مسلم والنسائي‏.‏
وفي رواية لمسلم ‏"‏ يقيل في رمضان وهو صائم ‏"‏ فأشارت بذلك إلى عدم التفرقة بين صوم الفرض والنفل‏.‏
وقد اختلف في القبلة والمباشرة للصائم‏:‏ فكرهها قوم وهو مطلقا وهو مشهور عند المالكية، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر ‏"‏ أنه كان يكره القبلة والمباشرة ‏"‏ ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمها، واحتجوا بقوله تعالى ‏(‏فالآن باشروهن‏)‏ الآية‏.‏
فمنع المباشرة في هذه الآية نهارا، والجواب عن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، هو المبين عن الله تعالى، وقد أباح المباشرة نهارا فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها، والله أعلم‏.‏
وممن أفتى بإفطار من قبل وهو صائم عبد الله بن شبرمة أحد فقهاء الكوفة، ونقله الطحاوي عن قوم لم يسمهم وألزم ابن حزم أهل القياس أن يلحقوا الصيام بالحج في المباشرة ومقدمات النكاح للاتفاق على إبطالهما بالجماع، وأباح القبلة قوم مطلقا وهو المنقول صحيحا عن أبي هريرة وبه قال سعيد وسعد بن أبي وقاص وطائفة، بل بالغ بعض أهل الظاهر فاستحبها، وفرق آخرون بين الشاب والشيخ فكرهها للشاب وأباحها للشيخ وهو مشهور عن ابن عباس أخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما، وجاء فيه حديثان مرفوعان فيهما ضعف أخرج أحدها أبو داود من حديث أبي هريرة والآخر أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وفرق آخرون بين من يملك نفسه ومن لا يملك كما أشارت إليه عائشة وكما تقدم ذلك في مباشرة الحائض في كتاب الحيض‏.‏
وقال الترمذي‏:‏ ورأى بعض أهل العلم أن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبل وإلا فلا؛ ليسلم له صومه، وهو قول سفيان الشافعي، ويدل على ذلك ما رواه مسلم من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم أنه ‏"‏ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم‏؟‏ فقال‏:‏ سل هذه - لأم سلمة - فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك‏.‏
فقال‏:‏ يا رسول الله قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏.‏
فقال‏:‏ أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له ‏"‏ فدل ذلك على أن الشاب والشيخ سواء، لأن عمر حينئذ كان شابا، ولعله كان أول ما بلغ وفيه دلالة على أنه ليس من الخصائص، وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار ‏"‏ عن رجل من الأنصار أنه قبل امرأته وهو صائم، فأمر امرأته أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فسألته فقال إني أفعل ذلك، فقال زوجها‏:‏ يرخص الله لنبيه فيما يشاء‏.‏
فرجعت فقال‏:‏ أنا أعلمكم بحدود الله وأتقاكم ‏"‏ وأخرجه مالك، لكنه أرسله قال ‏"‏ عن عطاء أن رجلا ‏"‏ فذكر نحوه مطولا‏.‏
واختلف فيما إذا باشر أو قبل أو نظر فأنزل أو أمذى، فقال الكوفيون والشافعي‏:‏ يقضي إذا أنزل في غير النظر، ولا قضاء في الإمذاء‏.‏
وقال مالك وإسحاق‏:‏ يقضي في كل ذلك ويكفر، إلا في الإمذاء فيقضي فقط‏.‏
واحتج له بأن الإنزال أقصى ما يطلب بالجماع من الالتذاذ في كل ذلك‏.‏
وتعقب بأن الأحكام علقت بالجماع ولو لم يكن إنزال فافترقا‏.‏
وروى عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك وجوب القضاء فيمن باشر أو قبل فأنعظ ولم يمذ ولا أنزل، وأنكره غيره عن مالك‏.‏
وأبلغ من ذلك ما روى عبد الرزاق عن حذيفة ‏"‏ من تأمل خلق امرأته وهو صائم بطل صومه ‏"‏ لكن إسناده ضعيف‏.‏
وقال ابن قدامة‏:‏ إن قبل فأنزل أفطر بلا خلاف‏.‏
كذا قال وفيه نظر، فقد حكى ابن حزم أنه لا يفطر ولو أنزل، وقوى ذلك وذهب إليه‏.‏
وسأذكر في الباب الذي يليه زيادة في هذه المسألة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأربه‏)‏ بفتح الهمزة والراء وبالموحدة أي حاجته، ويروي بكسر الهمزة وسكون الراء أي عضوه، والأول أشهر، وإلى ترجيحه أشار البخاري بما أورده من التفسير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏.‏
مأرب حاجة‏)‏ مأرب بسكون الهمزة وفتح الراء، وهذا وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏ولي فيها مآرب أخرى‏)‏ قال‏:‏ حاجة أخرى، كذا فيه، وهو تفسير الجمع بالواحد، فلعله كان فيها حاجات أو حوائج فقد أخرجه أيضا من طريق عكرمة عنه بلفظ ‏"‏ مآرب أخرى ‏"‏ قال ‏"‏ حوائج أخرى‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال طاوس ‏(‏غير أولي الإربة‏)‏ الأحمق لا حاجة له في النساء‏)‏ وصله عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قوله‏:‏ ‏(‏غير أولى الإربة‏)‏ قال‏:‏ هو الأحمق الذي ليس له في النساء حاجة‏.‏
وقد وقع لنا هذا الأثر بعلو في ‏"‏ جزء محمد بن يحيى الذهلي‏"‏؛ المروي من طريق السلفي، وقد تقدم في الحيض بيان الاختلاف في قوله ‏"‏ لأربه ‏"‏ ورأيت بخط مغلطاي في شرحه هنا قال‏:‏ وقال ابن عباس - أي في تفسير أولى الإربة - المقعد‏.‏
وقال ابن جبير المعتوه‏.‏
وقال عكرمة العنين، ولم أر ذلك في شيء من نسخ البخاري‏.‏
وإنما أوقعه في ذلك أن القطب لما أخرج أثر طاوس قال بعده ‏"‏ وعن ابن عباس المعقد الخ ‏"‏ ولم يرد القطب أن البخاري ذكر ذلك، وإنما أورده القطب من قبل نفسه من كلام أهل التفسير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال جابر بن زيد‏:‏ إن نظر فأمنى يتم صومه‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق عمر بن هرم ‏"‏ سئل جابر بن زيد عن رجل نظر إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها هل يفطر‏؟‏ قال‏:‏ لا، ويتم صومه ‏"‏ وقد تقدم نقل الخلاف فيه قريبا‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هذا الأثر في رواية أبي ذر وحده هنا، ووقع في رواية الباقين في أول الباب الذي بعده، وذكره ابن بطال في البابين معا، ومناسبته للبابين من جهة التفرقة بين من يقع منه الإنزال باختياره بين من يقع منه بغير اختياره كما سيأتي بسط القول فيه إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:35 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n168&p1#TOP)باب الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ إِنْ نَظَرَ فَأَمْنَى يُتِمُّ صَوْمَهُ
الشرح‏:‏
قوله، ‏(‏باب القبلة للصائم‏)‏ أي بيان حكمها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ ضَحِكَتْ
الشرح‏:‏
قوله، ‏(‏حدثني يحيى‏)‏ هو القطان، وهشام هو ابن عروة، وقد أحال المصنف بالمتن على طريق مالك عن هشام وليس بين لفظهما مخالفة، فقد أخرجه النسائي من طريق يحيى القطان بلفظ ‏"‏ قال إني لم أر القبلة بعض أزواجه وهو صائم ‏"‏ وزاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن علي بن يحيى قال هشام ‏"‏ قال إني لم أر القبلة تدعو إلى خير‏"‏، ورواه سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحمن عن هشام بلفظ ‏"‏ كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت‏"‏، فقال عروة لم أر القبلة تدعو إلى خير، وكذا ذكره مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن هشام عقب الحديث، لكن لم يقل فيه ثم ضحكت‏.‏
وقوله ثم ضحكت يحتمل ضحكها التعجب ممن خالف في هذا، وقيل تعجبت من نفسها إذ تحدث بمثل هذا مما يستحيي من ذكر النساء مثله للرجال، ولكنها ألجأتها الضرورة في تبليغ العلم إلى ذكر ذلك، وقد يكون الضحك خجلا لإخبارها عن نفسها بذلك، أو تنبيها على أنها صاحبة القصة ليكون أبلغ في الثقة بها، أو سرورا بمكانها من النبي صلى الله عليه وسلم وبمنزلتها منه ومحبته لها‏.‏
وقد روى ابن أبي شيبة عن شريك عن هشام في هذا الحديث ‏"‏ فضحكت، فظننا أنها هي ‏"‏ وروى النسائي من طريق طلحة بن عبد الله التيمي عن عائشة قالت ‏"‏ أهوى إلي النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني فقلت إني صائمة، فقال وأنا صائم، فقبلني ‏"‏ وهذا يؤيد ما قدمناه أن النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل، لا للتفرقة بين الشاب والشيخ، لأن عائشة كانت شابة، نعم لما كان الشاب مظنة لهيجان الشهوة فرق من فرق‏.‏
وقال المازري‏:‏ ينبغي أن يعتبر حال المقبل فإن أثارت منه القبلة الإنزال حرمت عليه لأن الإنزال يمنع منه الصائم فكذلك ما أدى إليه، وإن كان عنها المذي فمن رأى القضاء منه قال يحرم في حقه، ومن رأى أن لا قضاء قال يكره، وإن لم تؤد القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها إلا على القول بسد الذريعة‏.‏
قال‏:‏ ومن بديع ما روي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للسائل عنها ‏"‏ أرأيت لو تمضمضت ‏"‏ فأشار إلى فقه بديع، وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم وهي أول الشرب ومفتاحه، كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه، والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع، وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع ا هـ‏.‏
والحديث الذي أشار إليه أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عمر، قال النسائي منكر، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقد سبق الكلام على حديث أم سلمة في كتاب الحيض، والغرض منه هنا قولها ‏"‏ وكان يقبلها وهو صائم ‏"‏ وقد ذكرنا شاهده من رواية عمر بن أبي سلمة في الباب الذي قبله‏.‏
وقال النووي‏:‏ القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها، وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح وقيل مكروهة، وروى ابن وهب عن مالك إباحتها في النفل دون الفرض‏.‏
قال النووي‏:‏ ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا إن أنزل بها‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ روى أبو داود وحده من طريق مصدع بن يحيى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويمص لسانها وإسناده ضعيف، ولو صح فهو محمول على من لم يبتلع ريقه الذي خالط ريقها، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n168&p1#TOP)باب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ
وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوْ الشَّيْءَ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِمِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبِحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلًا وَقَالَ أَنَسٌ إِنَّ لِي أَبْزَنَ أَتَقَحَّمُ فِيهِ وَأَنَا صَائِمٌ وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اسْتَاكَ وَهُوَ صَائِمٌ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَاكُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَلَا يَبْلَعُ رِيقَهُ وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ ازْدَرَدَ رِيقَهُ لَا أَقُولُ يُفْطِرُ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ قِيلَ لَهُ طَعْمٌ قَالَ وَالْمَاءُ لَهُ طَعْمٌ وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب اغتسال الصائم‏)‏ أي بيان جوازه‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ أطلق الاغتسال ليشمل الأغسال المسنونة والواجبة والمباحة، وكأنه يشير إلى ضعف ما روى عن علي من النهي عن دخول الصائم الحمام أخرجه عبد الرزاق وفي إسناده ضعف، واعتمده الحنفية فكرهوا الاغتسال للصائم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبل ابن عمر ثوبا فألقى عليه وهو صائم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فألقاه ‏"‏ وهذا وصله المصنف في التاريخ وابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن أبي عثمان أنه رأى ابن عمر يفعل ذلك، ومناسبته للترجمة من جهة أن بلل الثوب إذا طالت إقامته على الجسد حتى جف ينزل ذلك منزلة الدلك بالماء، وأراد البخاري بأثر ابن عمر هذا معارضة ما جاء عن إبراهيم النخعي بأقوى منه، فإن وكيعا روي عن الحسن بن صالح عن مغيرة عنه أنه كان يكره للصائم بل الثياب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ودخل الشعبي الحمام وهو صائم‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق قال‏:‏ رأيت الشعبي يدخل الحمام وهو صائم، ومناسبته للترجمة ظاهرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس لا بأس أن يتطعم القدر‏)‏ بكسر القاف أي طعام القدر أو الشيء، وصله ابن أبي شيبة من طريق عكرمة عنه بلفظ ‏"‏ لا بأس أن يتطاعم القدر ‏"‏ ورويناه في ‏"‏ الجعديات ‏"‏ من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ لا بأس أن يتطاعم الصائم بالشيء ‏"‏ يعني المرقة ونحوها‏.‏
ومناسبته للترجمة من طريق الفحوى، لأنه إذا لم يناف الصوم إدخال الطعام في الفم وتطعمه وتقريبه من الازدراد لم ينافه إيصاله الماء إلى بشرة الجسد من باب الأولى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏:‏ لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم‏)‏ وصله عبد الرزاق بمعناه، ووقع بعضه في حديث مرفوع أخرجه مالك وأبو داود من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب الماء على رأسه - وهو صائم - من العطش أو من الحر ‏"‏ ومناسبته للترجمة ظاهرة، وسيأتي الكلام على ما يتعلق بالمضمضة في الباب الذي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن مسعود إذا كان يوم صوم أحدكم فليصبح دهينا مترجلا‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ مناسبته للترجمة من جهة أن الإدهان من الليل يقتضي استصحاب أثره في النار، وهو مما يرطب الدماغ ويقوي النفس فهو أبلغ من الاستعانة ببرد الاغتسال لحظة من النهار ثم يذهب أثره‏.‏
قلت‏:‏ وله مناسبة أخرى، وذلك أن المانع من الاغتسال لعله سلك به مسلك استحباب التقشف في الصيام كما ورد مثله في الحج، والإدهان والترجل في مخالفة التقشف كالاغتسال‏.‏
وقال ابن المنير الكبير‏:‏ أراد البخاري الرد على من كره الاغتسال للصائم لأنه إن كرهه خشية وصول الماء حلقه فالعلة باطلة بالمضمضة والسواك وبذوق القدر ونحو ذلك، وإن كرهه للرفاهية فقد استحب السلف للصائم الترفه والتجمل بالترجل والإدهان والكحل ونحو ذلك فلذلك ساق هذه الآثار في هذه الترجمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس‏:‏ إن لي أبزن أتقحم فيه وأنا صائم‏)‏ الأبزن بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الزاي بعدها نون‏:‏ حجر منقور شبه الحوض، وهي كلمة فارسية ولذلك لم يصرفه‏.‏
وأتقحم فيه أي أدخل‏.‏
وهذا الأثر وصله قاسم بن ثابت في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ له من طريق عيسى بن طهمان سمعت أنس بن مالك يقول ‏"‏ إن لي أبزن إذا وجدت الحر تقحمت فيه وأنا صائم ‏"‏ وكأن الأبزن كان ملآن ماء فكان أنس إذا وجد الحر دخل فيه يتبرد بذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر‏:‏ يستاك أول النهار وآخره‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عنه بمعناه ولفظه ‏"‏ كان ابن عمر يستاك إذا أراد أن يروح إلى الظهر وهو صائم ‏"‏ ومناسبته للترجمة قريبة مما تقدم في أثر ابن عباس في تطعم القدر‏.‏
ووقع في نسخة الصغاني بعد قوله وآخره ‏"‏ ولا يبلع ريقه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن سيرين‏:‏ لا بأس بالسواك الرطب، قيل له طعم‏.‏
قال‏:‏ والماء له طعم وأنت تمضمض به‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي حمزة المازني قال ‏"‏ أتى ابن سيرين رجل فقال‏:‏ ما ترى في السواك للصائم‏؟‏ قال لا بأس به‏.‏
قال‏:‏ إنه جريد وله طعم ‏"‏ قال فذكر مثله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأسا‏)‏ أما أنس فروى أبو داود في السنن من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس أنه كان يكتحل وهو صائم، ورواه الترمذي من طريق أبي عاتكة عن أنس مرفوعا وضعفه، وأما الحسن فوصله عبد الرزاق بإسناد صحيح عنه قال ‏"‏ لا بأس بالكحل للصائم‏"‏‏.‏
وأما إبراهيم فاختلف عنه‏:‏ فروى سعيد بن منصور عن جرير عن القعقاع بن يزيد ‏"‏ سألت إبراهيم أيكتحل الصائم‏؟‏ قال نعم‏.‏
قلت أجد طعم الصبر في حلقي‏.‏
قال ليس بشيء‏"‏‏.‏
وروى أبو داود من طريق يحيى بن عيسى عن الأعمش قال ‏"‏ ما رأيت أحدا من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وكان إبراهيم يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر ‏"‏ وروى ابن أبي شيبة عن حفص عن الأعمش عن إبراهيم قال ‏"‏ لا بأس بالكحل للصائم ما لم يجد طعمه ‏"‏ ثم أورد المصنف حديث عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بعد الفجر ويصوم، وأورده أيضا من حديثها وحديث أم سلمة وهو مطابق لما ترجم له، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى قبل بابين بحمد الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n168&p1#TOP)باب الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا
وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ لَا بَأْسَ إِنْ لَمْ يَمْلِكْ وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ الذُّبَابُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا‏)‏ أي هل يجب عليه القضاء أو لا‏؟‏ وهي مسألة خلاف مشهورة، فذهب الجمهور إلى عدم الوجوب، وعن مالك يبطل صومه ويجب عليه القضاء‏.‏
قال عياض هذا هو المشهور عنه وهو قول شيخه ربيع وجميع أصحاب مالك، لكن فرقوا بين الفرض والنفل‏.‏
وقال الداودي‏:‏ لعل مالكا لم يبلغه الحديث، أو أوله على رفع الإثم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء‏:‏ إن استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس إن لم يملك‏)‏ أي دفع الماء بأن غلبه، فإن ملك دفع الماء فلم يدفعه حتى دخل حلقه أفطر‏.‏
ووقع في رواية أبي ذر والنسفي ‏"‏ لا بأس، لم يملك ‏"‏ بإسقاط ‏"‏ إن ‏"‏ وهي على هذا جملة مستأنفة كالتعليل لقوله ‏"‏ لا بأس ‏"‏ وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن ابن جريج ‏"‏ قلت لعطاء إنسان يستنثر فدخل الماء في حلقه‏.‏
قال لا بأس بذلك ‏"‏ قال عبد الرزاق‏.‏
وقاله معمر عن قتادة‏.‏
وقال ابن أبي شيبة حدثنا مخلد عن ابن أبي جريج ‏"‏ إن إنسانا قال لعطاء‏:‏ أمضمض فيدخل الماء في حلقي‏.‏
قال‏:‏ لا بأس، لم يملك ‏"‏ وهذا يقوي رواية أبي ذر والنسفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏:‏ إن دخل الذباب في حلقه فلا شيء عليه‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق ابن أبي نجيح ‏"‏ عن مجاهد عن ابن عباس في الرجل يدخل في حلقه الذباب وهو صائم قال لا يفطر ‏"‏ وعن وكيع عن الربيع عن الحسن قال ‏"‏ لا يفطر ‏"‏ ومناسب هذين الأثرين للترجمة من جهة أن المغلوب بدخول الماء حلقه أو الذباب لا اختيار له في ذلك كالناسي، قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أدخل المغلوب في ترجمة الناسي لاجتماعهما في ترك العمد وسلب الاختيار‏.‏
ونقل ابن المنذر الاتفاق على أن من دخل في حلقه الذباب وهو صائم أن لا شيء عليه، لكن نقل غيره عن أشهب أنه قال‏:‏ أحب إلي أن يقضى؛ حكاه ابن التين‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ دخول الذباب أقعد بالغلبة وعدم الاختيار من دخول الماء لأن الذباب يدخل بنفسه بخلاف الاستنشاق والمضمضة فإنما تنشأ عن تسببه، وفرق إبراهيم بين من كان ذاكرا لصومه حال المضمضة فأوجب عليه القضاء دون الناسي، وعن الشعبي إن كان لصلاة فلا قضاء وإلا قضى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن ومجاهد‏.‏
إن جامع ناسيا فلا شيء عليه‏)‏ هذان الأثران وصلهما عبد الرزاق قال ‏"‏ أخبرنا ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ لو وطئ رجل امرأته وهو صائم ناسيا في رمضان لم يكن عليه فيه شيء‏"‏، ‏"‏ وعن الثوري عن رجل عن الحسن قال‏:‏ هو بمنزلة من أكل أو شرب ناسيا ‏"‏ وظهر بأثر الحسن هذا مناسبة ذكر هذا الأثر للترجمة، وروي أيضا ‏"‏ عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن رجل أصاب امرأته ناسيا في رمضان، قال لا ينسى، هذا كله عليه القضاء ‏"‏ وتابع عطاء على ذلك الأوزاعي والليث ومالك وأحمد وهو أحد الوجهين للشافعية، وفرق هؤلاء كلهم بين الأكل والجماع‏.‏
وعن أحمد في المشهور عنه‏:‏ تجب عليه الكفارة أيضا، وحجتهم قصور حالة المجامع ناسيا عن حالة الآكل، وألحق به بعض الشافعية من أكل كثيرا لندور نسيان ذلك، قال ابن دقيق العيد‏:‏ ذهب مالك إلى إيجاب القضاء على من أكل أو شرب ناسيا وهو القياس، فإن الصوم قد فات ركنه وهو من باب المأمورات، والقاعدة أن النسيان لا يؤثر في المأمورات‏.‏
قال‏:‏ وعمدة من لم يوجب القضاء حديث أبي هريرة لأنه أمر بالإتمام، وسمي الذي يتم صوما، وظاهره حمله على الحقيقة الشرعية فيتمسك به حتى يدل دليل على أن المراد بالصوم هنا حقيقته اللغوية‏.‏
وكأنه يشير بهذا إلى قول ابن القصار‏:‏ إن معنى قوله ‏"‏ فليتم صومه ‏"‏ أي الذي كان دخل فيه وليس فيه نفي القضاء‏.‏
قال وقوله ‏"‏ فإنما أطعمه الله وسقاه ‏"‏ مما يستدل به على صحة الصوم لإشعاره بأن الفعل الصادر منه مسلوب الإضافة إليه فلو كان أفطر لأضيف الحكم إليه، قال‏:‏ وتعليق الحكم بالأكل والشرب للغالب لأن نسيان الجماع نادر بالنسبة إليهما، وذكر الغالب لا يقتضي مفهوما، وقد اختلف فيه القائلون بأن أكل الناسي لا يوجب قضاء، واختلف القائلون بالإفساد هل يوجب مع القضاء الكفارة أو لا مع اتفاقهم على أن أكل الناسي لا يوجبها، ومدار كل ذلك على قصور حالة المجامع ناسيا عن حالة الآكل، ومن أراد إلحاق الجماع بالمنصوص عليه فإنما طريقه القياس والقياس مع وجود الفارق متعذر، إلا أن بين القائس أن الوصف الفارق ملغي ا هـ‏.‏
وأجاب بعض الشافعية بأن عدم وجوب القضاء عن المجامع مأخوذ من عموم قوله في بعض طرق الحديث ‏"‏ من أفطر في شهر رمضان ‏"‏ لأن الفطر أعم من أن يكون بأكل أو شرب أو جماع، وإنما خص الأكل والشرب بالذكر في الطريق الأخرى لكونهما أغلب وقوعا ولعدم الاستغناء عنهما غالبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو الدستوائي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا نسى فأكل‏)‏ في رواية مسلم من طريق إسماعيل عن هشام ‏"‏ من نسى وهو صائم فأكل ‏"‏ وللمصنف في النذر من طريق عوف عن ابن سيرين ‏"‏ من أكل ناسيا وهو صائم ‏"‏ ولأبي داود من طريق حبيب بن الشهيد وأيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة ‏"‏ جاء رجل فقال‏:‏ يا رسول الله إني أكلت وشربت ناسيا وأنا صائم‏"‏، وهذا الرجل هو أبو هريرة راوي الحديث، أخرجه الدار قطني بإسناد ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليتم صومه‏)‏ في رواية الترمذي من طريق قتادة عن ابن سيرين ‏"‏ فلا يفطر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإنما أطعمه الله وسقاه‏)‏ في رواية الترمذي ‏"‏ فإنما هو رزق رزقه الله ‏"‏ وللدار قطني من طريق ابن علية عن هشام ‏"‏ فإنما هو رزق ساقه الله تعالى إليه ‏"‏ قال ابن العربي‏:‏ تمسك جميع فقهاء الأمصار بظاهر هذا الحديث، وتطلع مالك إلى المسألة من طريقها فأشرف عليه، لأن الفطر ضد الصوم والإمساك ركن الصوم فأشبه ما لو نسى ركعة من الصلاة‏.‏
قال‏:‏ وقد روى الدار قطني فيه ‏"‏ لا قضاء عليك ‏"‏ فتأوله علماؤنا على أن معناه لا قضاء عليك الآن وهذا تعسف، وإنما أقول ليته صح فنتبعه ونقول به، إلا على أصل مالك في أن خبر الواحد إذا جاء بخلاف القواعد لم يعمل به، فلما جاء الحديث الأول الموافق للقاعدة في رفع الإثم عملنا به، وأما الثاني فلا يوافقها فلم نعمل به‏.‏
وقال القرطبي احتج به من أسقط القضاء، وأجيب بأنه لم يتعرض فيه للقضاء فيحمل على سقوط المؤاخذة، لأن المطلوب صيام يوم لا خرم فيه، لكن روى الدار قطني فيه سقوط القضاء وهو نص لا يقبل الاحتمال، لكن الشأن في صحته، فإن صح وجب الأخذ به وسقط القضاء ا هـ‏.‏
وأجاب بعض المالكية بحمل الحديث على صوم التطوع كما حكاه ابن التين عن ابن شعبان، وكذا قال ابن القصار، واعتل بأنه لم يقع في الحديث تعيين رمضان فيحمل على التطوع‏.‏
وقال المهلب وغيره‏:‏ لم يذكر في الحديث إثباتا لقضاء فيحمل على سقوط الكفارة عنه وإثبات عذره ورفع الإثم عنه وبقاء نيته التي بيتها اهـ‏.‏
والجواب عن ذلك كله بما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدار قطني من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة ‏"‏ فعين رمضان وصرح بإسقاط القضاء‏.‏
قال الدار قطني‏:‏ تفرد به محمد بن مرزوق عن الأنصاري، وتعقب بأن ابن خزيمة أخرجه أيضا عن إبراهيم ابن محمد الباهلي وبأن الحاكم أخرجه من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري فهو المنفرد به كما قال البيهقي وهو ثقة، والمراد أنه انفرد بذكر إسقاط القضاء فقط لا بتعيين رمضان، فإن النسائي أخرج الحديث من طريق علي بن بكار عن محمد بن عمرو ولفظه ‏"‏ في الرجل يأكل في شهر رمضان ناسيا فقال‏:‏ الله أطعمه وسقاه ‏"‏ وقد ورد إسقاط القضاء من وجه آخر عن أبي هريرة أخرجه الدار قطني من رواية محمد بن عيسى ابن، الطباع عن ابن علية عن هشام عن ابن سيرين ولفظه ‏"‏ فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه ‏"‏ وقال بعد تخريجه‏:‏ هذا إسناد صحيح وكلهم ثقات‏.‏
قلت‏:‏ لكن الحديث عند مسلم وغيره من طريق ابن علية وليس فيه هذه الزيادة‏.‏
وروى الدار قطني أيضا إسقاط القضاء من رواية أبي رافع وأبي سعيد المقبري والوليد بن عبد الرحمن وعطاء بن يسار كلهم عن أبي هريرة‏.‏
وأخرج أيضا من حديث أبي سعيد رفعه ‏"‏ من أكل في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ‏"‏ وإسناده وإن كان ضعيفا لكنه صالح للمتابعة، فأقل‏.‏
درجات الحديث بهذه الزيادة أن يكون حسنا فيصلح للاحتجاج به، وقد وقع الاحتجاج في كثير من المسائل بما هو دونه في القوة، ويعتضد أيضا بأنه قد أفتى به جماعة من الصحابة من غير مخالفة لهم منهم - كما قاله ابن المنذر وابن حزم وغيرها - علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبي هريرة وابن عمر، ثم هو موافق لقوله تعالى ‏(‏ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم‏)‏ فالنسيان ليس من كسب القلب، وموافق للقياس في إبطال الصلاة بعمد الأكل لا بنسيانه فكذلك الصيام، وأما القياس الذي ذكره ابن العربي فهو في مقابلة النص فلا يقبل، ورده للحديث مع صحته بكونه خبر واحد خالف القاعدة ليس بمسلم، لأنه قاعدة مستقلة بالصيام فمن عارضه بالقياس على الصلاة أدخل قاعدة في قاعدة، ولو فتح باب رد الأحاديث الصحيحة بمثل هذا لما بقي من الحديث إلا القليل، وفي الحديث لطف الله بعباده والتيسير عليهم ورفع المشقة والحرج عنهما، وقد روى أحمد لهذا الحديث سببا فأخرج من طريق أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق أنها ‏"‏ كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى بقصعة من ثريد فأكلت معه، ثم تذكرت أنها كانت صائمة، فقال لها ذو اليدين‏:‏ الآن بعدما شبعت‏؟‏ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك ‏"‏ وفي هذا رد على من فرق بين قليل الأكل وكثيره‏.‏
ومن المستظرفات ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار‏:‏ أن إنسانا جاء إلى أبي هريرة فقال أصبحت صائما فنسيت فطعمت، قال لا بأس‏.‏
قال‏:‏ ثم دخلت على إنسان فنسيت وطعمت وشربت، قال‏.‏
لا بأس الله أطعمك وسقاك‏.‏
ثم قال‏:‏ دخلت على آخر فنسيت فطعمت، فقال أبو هريرة‏:‏ أنت إنسان لم تتعود الصيام‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n168&p1#TOP)باب سِوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لِلصَّائِمِ
وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ يَبْتَلِعُ رِيقَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سواك الرطب واليابس للصائم‏)‏ كذا للأكثر وهو كقولهم مسجد الجامع، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ باب السواك الرطب واليابس ‏"‏ وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره للصائم الاستياك بالسواك الرطب كالمالكية والشعبي، وقد تقدم قبل بباب قياس ابن سيرين السواك الرطب على الماء الذي يتمضمض به، ومنه تظهر النكتة في إيراد حديث عثمان في صفة الوضوء في هذا الباب فإن فيه أنه تمضمض واستنشق وقال فيه ‏"‏ من توضأ وضوئي هذا ‏"‏ ولم يفرق بين صائم ومفطر، ويتأيد ذلك بما ذكر في حديث أبي هريرة في الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن عامر بن ربيعة قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعد‏)‏ وصله أحمد وأبو داود والترمذي من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر ابن ربيعة عن أبيه، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه وقال كنت لا أخرج حديث عاصم، ثم نظرت فإذا شعبة والثوري قد رويا عنه، وروى يحيى وعبد الرحمن عن الثوري عنه، وروى مالك عنه خبرا في غير الموطأ‏.‏
قلت‏:‏ وضعفه ابن معين والذهلي والبخاري وغير واحد، ومناسبته للترجمة إشعاره بملازمة السواك ولم يخص رطبا من يابس، وهذا على طريقة المصنف في أن المطلق يسلك به مسلك العموم، أو أن العام في الأشخاص عام في الأحوال، وقد أشار إلى ذلك بقوله في أواخر الترجمة المذكورة ‏"‏ ولم يخص صائما من غيره ‏"‏ أي ولم يخص أيضا رطبا من يابس، وهذا التقرير تظهر مناسبة جميع ما أورده في هذا الباب للترجمة، والجامع لذلك كله قوله في حديث أبي هريرة لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء، فإنه يقتضي إباحته في كل وقت وعلى كل حال، قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أخذ البخاري شرعية السواك للصائم بالدليل الخاص، ثم انتزعه من أعم الأدلة العامة التي تناولت أحوال متناول السواك وأحوال ما يستاك به، ثم انتزع ذلك من أعم من السواك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك الرطب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ السواك مطهرة للفم مرضاة للرب‏)‏ وصله أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أبيه عنها رواه عن عبد الرحمن هذا يزيد بن زريع والدراوردي وسليمان بن بلال وغير واحد، وخالفهم حماد بن سلمة فرواه عن عبد الرحمن بن أبي عتيق عن أبيه عن أبي بكر الصديق أخرجه أبو يعلى والسراج في مسنديهما عن عبد الأعلى بن حماد عن حماد بن سلمة‏.‏
قال أبو يعلى في روايته قال عبد الأعلى‏:‏ هذا خطأ إنما هو عن عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء وقتادة يبتلع ريقه‏)‏ كذا للأكثر وللمستملي يبلع بغير مثناة، وللحموي يتبلع بتقديم المثناة بعدها موحدة ثم مشددة، فأما قول عطاء فوصله سعيد بن منصور وسيأتي في الباب الذي بعده، وأما أثر قتادة فوصله عبد بن حميد في التفسير عن عبد الرزاق عن معمر عنه نحوه، ومناسبته للترجمة من جهة أن أقصى ما يخشى من السواك الرطب أن يتحلل منه في الفم شيء وذلك الشيء كماء المضمضة فإذا قذفه من فيه لا يضره بعد ذلك أن يبتلع ريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء‏)‏ وصله النسائي من طريق بشر بن عمر عن مالك عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة بهذا اللفظ، ووقع لنا بعلو في ‏"‏ جزء الذهلي‏"‏، وأخرجه ابن خزيمة من طريق روح بن عبادة عن مالك بلفظ ‏"‏ لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء ‏"‏ والحديث في الصحيحين بغير هذا اللفظ من غير هذا الوجه، وقد أخرجه النسائي أيضا من طريق عبد الرحمن السراج عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أما حديث جابر فوصله أبو نعيم في كتاب السواك من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عنه بلفظ ‏"‏ مع كل صلاة سواك ‏"‏ وعبد الله مختلف فيه، ووصله ابن عدي من وجه آخر عن جابر بلفظ ‏"‏ لجعلت السواك عليهم عزيمة ‏"‏ وإسناده ضعيف، وأما حديث زيد بن خالد فوصله أصحاب السنن وأحمد من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عنه بلفظ ‏"‏ عند كل صلاة ‏"‏ وحكى الترمذي عن البخاري أنه سأله عن رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ورواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد فقال‏:‏ رواية محمد بن إبراهيم أصح، قال الترمذي‏:‏ كلا الحديثين صحيح عندي‏.‏
قلت‏:‏ رجح البخاري طريق محمد بن إبراهيم لأمرين، أحدهما‏:‏ أن فيه قصة وهي قول أبي سلمة فكان زيد بن خالد يضع السواك منه موضع القلم من أذن الكاتب فكلما قام إلى الصلاة استاك‏.‏
ثانيهما‏:‏ أنه توبع فأخرج الإمام أحمد من طريق يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو سلمة عن يزيد بن خالد فذكر نحوه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية غير أبي ذر في سياق هذه الآثار والأحاديث تقديم وتأخير والخطب فيه يسير، ثم أورد المصنف في الباب حديث عثمان في صفة الوضوء وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الوضوء وفي أوائل الصلاة وذكرت ما يتعلق بمناسبته للترجمة قبل‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:38 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n168&p1#TOP)باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ الْمَاءَ وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصَّائِمِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ إِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ وَيَكْتَحِلُ وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ أَفْرَغَ مَا فِي فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لَا يَضِيرُهُ إِنْ لَمْ يَزْدَرِدْ رِيقَهُ وَمَاذَا بَقِيَ فِي فِيهِ وَلَا يَمْضَغُ الْعِلْكَ فَإِنْ ازْدَرَدَ رِيقَ الْعِلْكِ لَا أَقُولُ إِنَّهُ يُفْطِرُ وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ فَإِنْ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ لَا بَأْسَ لَمْ يَمْلِكْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء‏)‏ هذا الحديث بهذا اللفظ من الأصول التي لم يوصلها البخاري، وقد أخرجه مسلم من طريق همام عن أبي هريرة، ورويناه في مصنف عبد الرزاق وفي نسخة همام من طريق الطبراني عن إسحاق عنه عن معمر عن همام ولفظه ‏"‏ إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخره الماء ثم ليستنثر ‏"‏ وقول المصنف ‏"‏ ولم يميز الصائم من غيره‏"‏‏.‏
قاله تفقها، وهو كذلك في أصل الاستنشاق، لكن ورد تمييز الصائم من غيره في المبالغة في ذلك كما رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من طريق عاصم بن لقيط بن صيرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ‏"‏ بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما‏"‏؛ وكأن المصنف أشار بإيراد أثر الحسن عقبه إلى هذا التفصيل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن لا بأس بالسعوط للصائم إن لم يصل الماء إلى حلقه‏)‏ وصله ابن أبي شيبة نحوه‏.‏
وقال الكوفيون والأوزاعي وإسحاق‏:‏ يجب القضاء على من استعط‏.‏
وقال مالك والشافعي‏:‏ لا يجب إلا إن وصل الماء إلى حلقه‏.‏
وقوله ‏"‏ويكتحل ‏"‏ هو من قول الحسن أيضا وقد تقدم ذكره قبل بابين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء الخ‏)‏ وصله سعيد بن منصور عن ابن المبارك عن ابن جريج ‏"‏ قلت لعطاء الصائم يمضمض ثم يزدرد ريقه وهو صائم‏؟‏ قال‏:‏ لا يضره، وماذا بقي في فيه ‏"‏ وكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج، ووقع في أصل البخاري ‏"‏ وما بقي في فيه‏؟‏ ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ ظاهره إباحة الازدراد لما بقي في الفم من ماء المضمضمة، وليس كذلك لأن عبد الرزاق رواه بلفظ ‏"‏ وماذا بقي في فيه ‏"‏ وكأن ‏"‏ ذا ‏"‏ سقطت من رواية البخاري‏.‏
انتهى‏.‏
و ‏"‏ ما ‏"‏ على ظاهر ما أورده البخاري موصولة، وعلى ما وقع من رواية ابن جريج استفهامية، وكأنه قال‏:‏ وأي شيء يبقى في فيه بعد أن يمج الماء إلا أثر الماء، فإذا بلع ريقه لا يضره‏.‏
وقوله في الأصل ‏"‏ لا يضره ‏"‏ وقع في رواية المستملي ‏"‏ لا يضيره ‏"‏ بزيادة تحتانية والمعنى واحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يمضغ العلك الخ‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ ويمضغ العلك ‏"‏ والأول أولى فكذلك أخرجه عبد الرازق عن ابن جريج ‏"‏ قلت لعطاء يمضغ الصائم العلك‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قلت إنه يمج ريق العلك ولا يزدرده ولا يمصه قال‏.‏
وقلت له‏:‏ أيتسوك الصائم‏؟‏ قال نعم‏.‏
قلت له أيزدرد ريقه‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
فقلت ففعل أيضره‏؟‏ قال لا‏.‏
ولكن ينهى عن ذلك ‏"‏ وقد تقدم الخلاف في المضمضة في ‏"‏ باب من أكل ناسيا ‏"‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمعوا على أنه لا شيء على الصائم فيما يبتلعه مما يجري مع الريق مما بين أسنانه مما لا يقدر على إخراجه، وكان أبو حنيفة يقول‏:‏ إذا كان بين أسنانه لحم‏.‏
فأكله متعمدا فلا قضاء عليه‏.‏
وخالفه الجمهور لأنه معدود من الأكل‏.‏
ورخص في مضغ العلك أكثر العلماء إن كان لا يتحلب منه شيء، فإن تحلب منه شيء فازدرده فالجمهور على أنه يفطر‏.‏
انتهى‏.‏
والعلك بكسر المهملة وسكون اللام بعدها كاف‏:‏ كل ما يمضغ ويبقى في الفم كالمصطكى واللبان، فإن كان يتحلب منه شيء في الفم فيدخل الجوف فهو مفطر، وإلا فهو مجفف ومعطش فيكره من هذه الحيثية‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n168&p1#TOP)باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا جامع في رمضان‏)‏ أي عامدا عالما وجبت عليه الكفارة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن أبي هريرة رفعه‏:‏ من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه‏)‏ وصله أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن خزيمة من طريق سفيان الثوري وشعبة كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة نحوه‏.‏
وفي رواية شعبة ‏"‏ في غير رخصة رخصها الله تعالى له لم يقض عنه وإن صام الدهر كله ‏"‏ قال الترمذي سألت محمدا - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال‏:‏ أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس لا أعرف له غير هذا الحديث‏.‏
وقال البخاري في التاريخ أيضا‏:‏ تفرد أبو المطوس بهذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا‏.‏
قلت‏:‏ واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافا كثيرا فحصلت فيه ثلاث علل‏:‏ الاضطراب والجهل بحال أبي المطوس والشك في سماع أبيه من أبي هريرة، وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء، وذكر ابن حزم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مثله موقوفا‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ أشار بهذا الحديث إلى إيجاب الكفارة على من أفطر بأكل أو شرب قياسا على الجماع، والجامع بينهما انتهاك حرمة الشهر بما يفسد الصوم عمدا‏.‏
وقرر ذلك الزين بن المنير بأنه ترجم بالجماع لأنه الذي ورد فيه الحديث المسند، وإنما ذكر آثار الإفطار ليفهم أن الإفطار بالأكل والجماع واحد‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالآثار التي ذكرها إلى أن إيجاب القضاء مختلف فيه بين السلف، وأن الفطر بالجماع لا بد فيه من الكفارة، وأشار بحديث أبي هريرة إلى أنه لا يصح لكونه لم يجزم به عنه، وعلى تقدير صحته فظاهره يقوي قول من ذهب إلى عدم القضاء في الفطر بالأكل بل يبقى ذلك في ذمته زيادة في عقوبته لأن مشروعية القضاء تقتضي رفع الإثم، لكن لا يلزم من عدم القضاء عدم الكفارة فيما ورد فيه الأمر بها وهو الجماع، والفرق بين الانتهاك بالجماع والأكل ظاهر فلا يصح القياس المذكور‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية ما محصله‏:‏ إن معنى قوله في الحديث ‏"‏ لم يقض عنه صيام الدهر ‏"‏ أي لا سبيل إلى استدراك كمال فضيلة الأداء بالقضاء، أي في وصفه الخاص، وإن كان يقضي عنه في وصفه العام فلا يلزم من ذلك إهدار القضاء بالكلية‏.‏
انتهى‏.‏
ولا يخفى تكلفه، وسياق أثر ابن مسعود الآتي يرد هذا التأويل، وقد سوى بينهما البخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبه قال ابن مسعود‏)‏ أي بما دل عليه حديث أبي هريرة، وأثر ابن مسعود وصله البيهقي ورويناه عاليا في ‏"‏ جزء هلال الحفار ‏"‏ من طريق منصور عن واصل عن المغيرة بن عبد الله اليشكري قال‏:‏ ‏"‏ حدثت أن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ من أفطر يوما من رمضان من غير علة لم يجزه صيام الدهر حتى يلقى الله، فإن شاء غفر له وإن شاء عذبه ‏"‏ وصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة من وجه آخر عن واصل عن المغيرة عن فلان بن الحارث عن ابن مسعود، ووصله الطبراني والبيهقي أيضا من وجه آخر عن عرفجة قال قال عبد الله بن مسعود ‏"‏ من أفطر يوما في رمضان متعمدا من غير علة ثم قضى طول الدهر لم يقبل منه ‏"‏ وبهذا الإسناد عن على مثله، وذكر ابن حزم من طريق ابن المبارك بإسناد له فيه انقطاع أن أبا بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب فيما أوصاه به ‏"‏ من صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه ولو صام الدهر أجمع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال سعيد بن المسيب والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وقتادة وحماد‏:‏ يقضى يوما مكانه‏)‏ أما سعيد بن المسيب فوصله مسدد وغيره عنه في قصة المجامع قال ‏"‏ يقضى يوما مكانه ويستغفر الله ‏"‏ ولم أر عنه التصريح بذلك في الفطر بالأكل، بل روى ابن أبي شيبة من طريق عاصم قال ‏"‏ كتب أبو قلابة إلى سعيد بن المسيب يسأله عن رجل أفطر يوما من رمضان متعمدا، قال‏:‏ يصوم شهرا‏.‏
قلت‏:‏ فيومين‏؟‏ قال صيام شهر‏.‏
قال فعددت أياما قال‏:‏ صيام شهر ‏"‏ قال ابن عبد البر كأنه ذهب إلى وجوب التتابع في رمضان، فإذا تخلله فطر يوم عمدا بطل التتابع ووجب استئناف صيام شهر كمن لزمه صوم شهر متتابع بنذر أو غيره‏.‏
وقال غيره يحتمل أنه أراد عن كل يوم شهر، فقوله ‏"‏ فيومين قال صيام شهر ‏"‏ أي عن كل يوم، والأول أظهر‏.‏
وروى البزار والدار قطني مقتضى هذا الاحتمال مرفوعا عن أنس وإسناده ضعيف‏.‏
وأما الشعبي فقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي في رجل أفطر يوما في رمضان عامدا قال‏:‏ يصوم يوما مكانه ويستغفر الله عز وجل ‏"‏ وأما سعيد بن جبير فوصله ابن أبي شيبة من طريق يعلى بن حكيم عنه فذكر مثله‏.‏
وأما إبراهيم النخعي فقال سعيد بن منصور‏:‏ حدثنا هشيم‏.‏
وقال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا شريك كلاهما عن مغيرة عن إبراهيم فذكر مثله‏.‏
وأما قتادة فذكره عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة في قصة المجامع في رمضان‏.‏
وأما حماد وهو ابن أبي سليمان فذكره عبد الرزاق عن أبي حنيفة عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ احْتَرَقَ قَالَ مَا لَكَ قَالَ أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِكْتَلٍ يُدْعَى الْعَرَقَ فَقَالَ أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ قَالَ أَنَا قَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعد الأنصاري وفي إسناده هذا أربعة من التابعين في نسق كلهم من أهل المدينة‏:‏ يحيى وعبد الرحمن تابعيان صغيران من طبقة واحدة، وفوقهما قليلا محمد بن جعفر، وأما ابن عمه عباد فمن أواسط التابعين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن رجلا‏)‏ قيل هو سلمة بن صخر البياضي ولا يصح ذلك كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنه احترق‏)‏ سيأتي في حديث أبي هريرة أنه عبر بقوله ‏"‏ هلكت ‏"‏ ورواية الاحتراق تفسر رواية الهلاك، وكأنه لما اعتقد أن مرتكب الإثم يعذب بالنار أطلق على نفسه أنه احترق لذلك، وقد أثبت‏.‏
النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوصف فقال ‏"‏ أين المحترق ‏"‏ إشارة إلى أنه لو أصر على ذلك لاستحق ذلك وفيه دلالة على أنه كان عامدا كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تصدق بهذا‏)‏ هكذا وقع مختصرا، وأورده مسلم وأبو داود من طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم وفيه ‏"‏ قال أصبت أهلي، قال تصدق، قال والله ما لي شيء، قال اجلس فجلس، فأقبل رجل يسوق حمارا عليه طعام، فقال أين المحترق آنفا‏؟‏ فقام الرجل، فقال تصدق بهذا‏.‏
فقال أعلى غيرنا‏؟‏ فوالله إنا لجياع‏.‏
قال كلوه ‏"‏ وقد استدل به لمالك حيث جزم في كفارة الجماع في رمضان بالإطعام دون غيره من الصيام والعتق، ولا حجة فيه لأن القصة واحدة وقد حفظها أبو هريرة وقصها على وجهها وأوردتها عائشة مختصرة، أشار إلى هذا الجواب الطحاوي، والظاهر أن الاختصار من بعض الرواة، فقد رواه عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير بهذا الإسناد مفسرا ولفظه ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل فارع - يعني بالفاء والمهملة - فجاءه رجل من بني بياضة فقال‏:‏ احترقت، وقعت بامرأتي في رمضان‏.‏
قال أعتق رقبة، قال لا أجدها، قال أطعم ستين مسكينا، قال ليس عندي ‏"‏ فذكر الحديث، أخرجه أبو داود ولم يسق لفظه، وساقه ابن خزيمة في صحيحه والبخاري في تاريخه ومن طريقه البيهقي، ولم يقع في هذه الرواية أيضا ذكر صيام شهرين، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ اختلفت الرواية عن مالك في ذلك، فالمشهور ما تقدم، وعنه يكفر في الأكل بالتخيير وفي الجماع بالإطعام فقط، وعنه التخيير مطلقا، وقيل يراعى زمان الخصب والجدب، وقيل يعتبر حالة المكفر، وقيل غير ذلك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n168&p1#TOP)باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا جامع في رمضان‏)‏ أي عامدا عالما ‏(‏ولم يكن له شيء‏)‏ يعتق أو يطعم ولا يستطيع الصيام ‏(‏فتصدق عليه‏)‏ أي بقدر ما يجزيه ‏(‏فليكفر‏)‏ أي به لأنه صار واجدا، وفيه إشارة إلى أن الإعسار لا يسقط الكفارة عن الذمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني حميد بن عبد الرحمن‏)‏ أي ابن عوف، هكذا توارد عليه أصحاب الزهري وقد جمعت منهم في جزء مفرد لطرق هذا الحديث أكثر من أربعين نفسا، منهم‏:‏ ابن عيينة والليث ومعمر ومنصور عند الشيخين، والأوزاعي وشعيب وإبراهيم بن سعد عند البخاري ومالك، وابن جريج عند مسلم، ويحيى بن سعيد وعراك بن مالك عند النسائي، وعبد الجبار بن عمر عند أبي عوانة، والجوزقي وعبد الرحمن بن مسافر عند الطحاوي، وعقيل عند ابن خزيمة، وابن أبي حفصة عند أحمد، ويونس وحجاج بن أرطاة وصالح بن أبي الأخضر عند الدار قطني، ومحمد بن إسحاق عند البزار، وسأذكر ما عند كل منهم من زيادة فائدة إن شاء الله تعالى‏.‏
وخالفهم هشام بن سعد فرواه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أخرجه أبو داود وغيره‏.‏
قال البزار وابن خزيمة وأبو عوانة‏:‏ أخطأ فيه هشام بن سعد‏.‏
قلت‏:‏ وقد تابعه عبد الوهاب بن عطاء عن محمد بن أبي حفصة، فرواه عن الزهري أخرجه الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ والمحفوظ عن ابن أبي حفصة كالجماعة‏.‏
كذلك أخرجه أحمد وغيره من طريق روح بن عبادة عنه، ويحتمل أن يكون الحديث عند الزهري عنهما، فقد جمعهما عنه صالح بن أبي الأخضر، أخرجه الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ من طريقه، وسيأتي في الباب الذي بعده حكاية خلاف آخر فيه على منصور وكذلك في الكفارات حكاية خلاف فيه على سفيان بن عيينة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أبا هريرة قال‏)‏ في رواية ابن جريج عند مسلم وعقيل عند ابن خزيمة وابن أبي أويس عند الدار قطني التصريح بالتحديث بين حميد وأبي هريرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بينما نحن جلوس‏)‏ أصلها ‏"‏ بين ‏"‏ وقد ترد بغير ‏"‏ ما ‏"‏ فتشبع الفتحة، وهن خاصة ‏"‏ بينما ‏"‏ أنها تتلقى بإذ وبإذا حيث تجيء للمفاجأة، بخلاف بينا فلا تتلقى بواحدة منهما، وقد وردا في هذا الحديث كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عند النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ فيه حسن الأدب في التعبير لما تشعر العندية بالتعظيم، بخلاف ما لو قال مع، لكن في رواية الكشميهني ‏"‏ مع النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذ جاءه رجل‏)‏ لم أقف على تسميته، إلا أن عبد الغني في المبهمات - وتبعه ابن بشكوال - جزما بأنه سليمان أو سلمة بن صخر البياضي، واستند إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طريق سليمان ابن يسار ‏"‏ عن سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته في رمضان وأنه وطئها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ حرر رقبة، قلت ما أملك رقبة غيرها وضرب صفحة رقبته‏.‏
قال فصم شهرين متتابعين‏.‏
قال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام‏؟‏ قال فأطعم ستين مسكينا‏.‏
قال والذي بعثك بالحق ما لنا طعام‏.‏
قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك ‏"‏ والظاهر أنهما واقعتان فإن في قصة المجامع في حديث الباب أنه كان صائما كما سيأتي، وفي قصة سلمة بن صخر أن ذلك كان ليلا فافترقا، ولا يلزم من اجتماعهما - في كونهما من بني بياضة وفي صفة الكفارة وكونها مرتبة وفي كون كل منهما كان لا يقدر على شيء من خصالها - اتحاد القصتين، وسنذكر أيضا ما يؤيد المغايرة بينهما‏.‏
وأخرج ابن عبد البر في ترجمة عطاء الخراساني من ‏"‏ التمهيد ‏"‏ من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن الرجل الذي وقع على امرأته في رمضان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو سليمان بن صخر‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ أظن هذا وهما، لأن المحفوظ أنه ظاهر من امرأته ووقع عليها في الليل لا أن ذلك كان منه بالنهار ا ه‏.‏
ويحتمل أن يكون قوله في الرواية المذكورة ‏"‏ وقع على امرأته في رمضان ‏"‏ أي ليلا بعد أن ظاهر فلا يكون وهما ولا يلزم الاتحاد، ووقع في مباحث العام من ‏"‏ شرح ابن الحاجب ‏"‏ ما يوهم أن هذا الرجل هو أبو بردة بن يسار وهو وهم يظهر من تأمل بقية كلامه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال يا رسول الله‏)‏ زاد عبد الجبار بن عمر عن الزهري ‏"‏ جاء رجل وهو ينتف شعره ويدق صدره ويقول هلك الأبعد ‏"‏ ولمحمد بن أبي حفصة ‏"‏ يلطم وجهه ‏"‏ ولحجاج بن أرطاة ‏"‏ يدعو ويله ‏"‏ وفي مرسل ابن المسيب عند‏.‏
الدار قطني ‏"‏ ويحثي على رأسه التراب ‏"‏ واستدل بهذا على جواز هذا الفعل والقول من وقعت له معصية، ويفرق بذلك بين مصيبة الدين والدنيا فيجوز في مصيبة الدين لما يشعر به الحال من شدة الندم وصحة الإقلاع، ويحتمل أن تكون هذه الواقعة قبل النهي عن لطم الخدود وحلق الشعر عند المصيبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال هلكت‏)‏ في رواية منصور في الباب الذي يليه ‏"‏ فقال إن الأخر هلك ‏"‏ والأخر بهمزة مفتوحة وخاء معجمة مكسورة بغير مد هو الأبعد، وقيل الغائب، وقيل الأرذل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هلكت‏)‏ في حديث عائشة كما تقدم ‏"‏ احترقت ‏"‏ وفي رواية ابن أبي حفصة ‏"‏ ما أراني إلا قد هلكت ‏"‏ واستدل به على أنه كان عامدا لأن الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدي إلى ذلك، فكأنه جعل المتوقع كالواقع، وبالغ فعبر عنه بلفظ الماضي، وإذا تقرر ذلك فليس فيه حجة على وجوب الكفارة على الناسي وهو مشهور قول مالك والجمهور، وعن أحمد وبعض المالكية يجب على الناسي، وتمسكوا بترك استفساره عن جماعة هل كان عن عمد أو نسيان، وترك الاستفصال في الفعل ينزل منزلة العموم في القول كما اشتهر، والجواب أنه قد تبين حاله بقوله هلكت واحترقت فدل على أنه كان عامدا عارفا بالتحريم، وأيضا فدخول النسيان في الجماع في نهار رمضان في غاية البعد، واستدل بهذا على أن من ارتكب معصية لا حد فيها وجاء مستفتيا أنه لا يعزر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقبه اعترافه بالمعصية، وقد ترجم لذلك البخاري في الحدود وأشار إلي هذه القصة، وتوجهه أن مجيئه مستفتيا يقتضي الندم والتوبة، والتعزير إنما جعل للاستصلاح ولا استصلاح من الصلاح، وأيضا فلو عوقب المستفتي لكان سببا لترك الاستفتاء وهي مفسدة فاقتضى ذلك أن لا يعاقب، هكذا قرره الشيخ تفي الدين، لكن وقع في ‏"‏ شرح السنة للبغوي ‏"‏ أن من جامع متعمدا في رمضان فسد صومه وعليه القضاء والكفارة ويعزر على سوء صنيعه، وهو محمول على من لم يقع منه ما وقع من صاحب هذه القصة من الندم والتوبة، وبناه بعض المالكية على الخلاف في تعزير شاهد الزور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال مالك‏)‏ ‏؟‏ بفتح اللام استفهام عن حاله‏.‏
وفي رواية عقيل ‏"‏ ويحك ما شأنك‏؟‏ ‏"‏ ولابن أبي حفصة ‏"‏ وما الذي أهلكك‏؟‏ ‏"‏ ولعمرو ‏"‏ ما ذاك‏؟‏ ‏"‏ وفي رواية الأوزاعي ‏"‏ ويحك ما صنعت‏؟‏ ‏"‏ أخرجه المصنف في الأدب وترجم ‏"‏ باب ما جاء في قول الرجل ويلك ويحك ‏"‏ ثم قال عقبه ‏"‏ تابعه يونس عن الزهري ‏"‏ يعني في قوله ‏"‏ ويحك ‏"‏ وقال عبد الرحمن بن خالد عن الزهري ‏"‏ ويلك‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وسأذكر من وصلهما هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقد تابع ابن خالد في قوله ‏"‏ ويلك ‏"‏ صالح بن أبي الأخضر، وتابع الأوزاعي في قوله ‏"‏ ويحك ‏"‏ عقيل وابن إسحاق وحجاج بن أرطاة فهو أرجح وهو اللائق بالمقام، فإن ويح كلمة رحمة وويل كلمة عذاب والمقام يقتضي الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقعت على امرأتي‏)‏ وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ أصبت أهلي ‏"‏ وفي حديث عائشة ‏"‏ وطئت امرأتي ‏"‏ ووقع في رواية مالك وابن جريج وغيرهما كما سيأتي بيانه بعد قليل في الكلام على الترتيب والتخيير في أول الحديث ‏"‏ أن رجلا أفطر في رمضان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث واستدل به على إيجاب الكفارة على من أفسد صيامه مطلقا بأي شيء كان وهو قول المالكية، وقد تقدم نقل الخلاف فيه، والجمهور حملوا قوله ‏"‏ أفطر ‏"‏ هنا على المقيد في الرواية الأخرى وهو قوله ‏"‏ وقعت على أهلي ‏"‏ وكأنه قال أفطر بجماع، وهو أولى من دعوى القرطبي وغيره تعدد القصة‏.‏
واحتج من أوجب الكفارة مطلقا بقياس الآكل على المجامع بجامع ما بينهما من انتهاك حرمة الصوم، وبأن من أكره على الأكل فسد صومه كما يفسد صوم من أكره على الجماع بجامع ما بينهما، وسيأتي بيان الترجيح بين الروايتين في الكلام على الترتيب‏.‏
وقد وقع في حديث عائشة نظير ما وقع في حديث أبي هريرة فمعظم الروايات فيها ‏"‏ وطئت ‏"‏ ونحو ذلك‏.‏
وفي رواية ساق مسلم إسنادها وساق أبو عوانة في مستخرجه متنها أنه قال ‏"‏ أفطرت في رمضان ‏"‏ والقصة واحدة ومخرجها متحد فيحمل على أنه أراد أفطرت في رمضان بجماع، وقد وقع في مرسل ابن المسيب عند سعيد ابن منصور ‏"‏ أصبت امرأتي ظهرا في رمضان ‏"‏ وتعيين رمضان معمول بمفهومه، وللفرق في وجوب كفارة المجامع في الصوم بين رمضان وغيره من الواجبات كالنذر، وفي كلام أبي عوانة في صحيحه إشارة إلى وجوب ذلك على من وقع منه في رمضان نهارا سواء كان الصوم واجبا عليه أو غير واجب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنا صائم‏)‏ جملة حالية من قوله ‏"‏ وقعت ‏"‏ فيؤخذ منه أنه لا يشترط في إطلاق اسم المشتق بقاء المعنى المشتق منه حقيقة لاستحالة كونه صائما مجامعا في حالة واحدة، فعلى هذا قوله ‏"‏ وطئت ‏"‏ أي شرعت في الوطء أو أراد جامعت بعد إذ أنا صائم، ووقع في رواية عبد الجبار بن عمر ‏"‏ وقعت على أهلي اليوم وذلك في رمضان‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هل تجد رقبة تعتقها‏)‏ في رواية منصور ‏"‏ أتجد ما تحرر رقبة ‏"‏ وفي رواية ابن أبي حفصة ‏"‏ أتستطيع أن تعتق رقبة ‏"‏ وفي رواية إبراهيم بن سعد والأوزاعي فقال ‏"‏ أعتق رقبة ‏"‏ زاد في رواية مجاهد عن أبي هريرة فقال ‏"‏ بئسما صنعت أعتق رقبة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لا‏)‏ في رواية ابن مسافر ‏"‏ فقال لا والله يا رسول الله ‏"‏ وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ ليس عندي ‏"‏ وفي حديث ابن عمر ‏"‏ فقال والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط ‏"‏ واستدل بإطلاق الرقبة على جواز إخراج الرقبة الكافرة كقول الحنفية، وهو ينبني على أن السبب إذا اختلف واتحد الحكم هل يقيد المطلق أو لا‏؟‏ وهل تقييده بالقيام أو لا‏؟‏ والأقرب أنه بالقياس، ويؤيده التقييد في مواضع أخرى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين‏؟‏ قال‏:‏ لا‏)‏ وفي رواية إبراهيم عن سعد ‏"‏ قال فصم شهرين متتابعين ‏"‏ وفي حديث سعد ‏"‏ قال لا أقدر ‏"‏ وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ وهل لقيت ما لقيت إلا من الصيام‏؟‏ ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ لا إشكال في الانتقال عن الصوم إلى الإطعام، لكن رواية ابن إسحاق هذه اقتضت أن عدم استطاعته لشدة شبقه وعدم صبره عن الوقاع فنشأ للشافعية نظر‏:‏ هل يكون ذلك عذرا - أي شدة الشبق - حتى يعد صاحبه غير مستطيع للصوم أو لا‏؟‏ والصحيح عندهم اعتبار ذلك، ويلتحق به من يجد رقبة لا غنى به عنها فإنه يسوغ له الانتقال إلى الصوم مع وجودها لكونه في حكم غير الواجد، وأما ما رواه الدار قطني من طريق شريك عن إبراهيم بن عامر عن سعيد بن المسيب في هذه القصة مرسلا أنه قال في جواب قوله هل تستطيع أن تصوم ‏"‏ إني لأدع الطعام ساعة فما أطيق ذلك ‏"‏ ففي إسناده مقال، وعلى تقدير صحته فلعله اعتل بالأمرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فهل تجد إطعام ستين مسكينا‏؟‏ قال لا‏)‏ زاد ابن مسافر ‏"‏ يا رسول الله‏"‏‏.‏
ووقع في رواية سفيان ‏"‏ فهل تستطيع إطعام‏؟‏ ‏"‏ وفي رواية إبراهيم بن سعد وعراك بن مالك ‏"‏ فتطعم ستين مسكينا‏؟‏ قال لا أجد ‏"‏ وفي رواية ابن أبي حفصة ‏"‏ أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا‏؟‏ قال لا ‏"‏ وذكر الحاجة‏.‏
وفي حديث ابن عمر ‏"‏ قال والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين فلا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلا، ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال، والمشهور عن الحنفية الإجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينا واحدا في ستين يوما كفي، والمراد بالإطعام الإعطاء لا اشتراط حقيقة الإطعام من وضع المطعوم في الفم بل يكفي الوضع بين يديه بلا خلاف، وفي إطلاق الإطعام ما يدل على الاكتفاء بوجود الإطعام من غير اشتراط مناولة، بخلاف زكاة الفرض فإن فيها النص على الإيتاء وصدقة الفطر فإن فيها النص على الأداء، وفي ذكر الإطعام ما يدل على وجود طاعمين فيخرج الطفل الذي لم يطعم كقول الحنفية، ونظر الشافعي إلى النوع فقال‏:‏ يسلم لوليه، وذكر الستين ليفهم أنه لا يجب ما زاد عليها، ومن لم يقل بالمفهوم تمسك بالإجماع على ذلك‏.‏
وذكر في حكمة هذه الخصال من المناسبة أن من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يعتق رقبة فيفدي نفسه، وقد صح أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار‏.‏
وأما الصيام فمناسبته ظاهره لأنه كالمقاصة بجنس الجناية، وأما كونه شهرين فلأنه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر رمضان على الولاء فلما أفسد منه يوما كان كمن أفسد الشهر كله من حيث أنه عبادة واحدة بالنوع فكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده‏.‏
وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة لأنه مقابلة كل يوم بإطعام مسكين‏.‏
ثم إن هذه الخصال جامعة لاشتمالها على حق الله وهو الصوم، وحق الأحرار بالإطعام، وحق الأرقاء بالإعتاق، وحق الجاني بثواب الامتثال‏.‏
وفيه دليل على إيجاب الكفارة بالجماع خلافا لمن شذ فقال لا تجب مستندا إلى أنه لو كان واجبا لما سقط بالإعسار، وتعقب بمنع الإسقاط كما سيأتي البحث فيه‏.‏
وقد تقدم في آخر ‏"‏ باب الصائم يصبح جنبا ‏"‏ نقل الخلاف في إيجاب الكفارة بالقبلة والنظر والمباشرة والإنعاظ، واختلفوا أيضا هل يلحق الوطء في الدبر بالوطء في القبل، وهل يشترط في إيجاب الكفارة كل وطء في أي فرج كان‏؟‏ وفيه دليل على جريان الخصال الثلاث المذكورة في الكفارة‏.‏
ووقع في ‏"‏ المدونة ‏"‏ ولا يعرف مالك غير الإطعام ولا يأخذ بعتق ولا صيام‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهي معضلة لا يهتدي إلى توجيهها مع مصادمة الحديث الثابت، غير أن بعض المحققين من أصحابه حمل هذا اللفظ وتأوله على الاستحباب في تقديم الطعام على غيره من الخصال، ووجهوا ترجيح الطعام على غيره بأن الله ذكره في القرآن رخصة للقادر ثم نسخ هذا الحكم، ولا يلزم منه نسخ الفضيلة فيترجح الإطعام أيضا لاختيار الله له في حق المفطر بالعذر، وكذا أخبر بأنه في حق من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر، ولمناسبة إيجاب الإطعام لجبر فوات الصيام الذي هو إمساك عن الطعام، ولشمول نفعه للمساكين، وكل هذه الوجوه لا تقاوم ما ورد في الحديث من تقديم العتق على الصيام ثم الإطعام سواء قلنا الكفارة على الترتيب أو التخيير فإن هذه البداءة إن لم تقتض وجوب الترتيب فلا أقل من أن تقتضي استحبابه‏.‏
واحتجوا أيضا بأن حديث عائشة لم يقع فيه سوى الإطعام، وقد تقدم الجواب عن ذلك قبل، وأنه ورد فيه من وجه آخر ذكر العتق أيضا‏.‏
ومن المالكية من وافق على هذا الاستحباب، ومنهم من قال إن الكفارة تختلف باختلاف الأوقات‏:‏ ففي وقت الشدة يكون بالإطعام وفي غيرها يكون بالعتق أو الصوم ونقلوه عن محققي المتأخرين، ومنهم من قال‏:‏ الإفطار بالجماع يكفر بالخصال الثلاث، وبغيره لا يكفر إلا بالإطعام وهو قول أبي مصعب‏.‏
وقال ابن حرير الطبري‏:‏ هو مخير بين العتق والصوم ولا يطعم إلا عند العجز عنهما، وفي الحديث أنه لا مدخل لغير هل هذه الخصال الثلاث في الكفارة‏.‏
وجاء عن بعض المتقدمين إهداء البدنة عند تعذر الرقبة، وربما أيده بعضهم بإلحاق إفساد الصيام بإفساد الحج، وورد ذكر البدنة في مرسل سعيد بن المسيب عند مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن عطاء الخراساني عنه، وهو مع إرساله قد رده سعيد بن المسيب وكذب من نقله عنه كما روى سعيد بن منصور عن ابن علية عن خالد الحذاء عن القاسم ابن عاصم ‏"‏ قلت لسعيد بن المسيب ما حدث حدثناه عطاء ا الخراساني عنك في الذي وقع على امرأته في رمضان أنه يعتق رقبة أو يهدي بدنة‏؟‏ فقال‏:‏ كذب ‏"‏ فذكر الحديث، وهكذا رواه الليث عن عمرو ابن الحارث عن أيوب عن القاسم بن عاصم، وتابعه همام عن قتادة عن سعيد، وذكر ابن عبد البر أن عطاء لم ينفرد بذلك فقد ورد من طريق مجاهد عن أبي هريرة موصولا، ثم ساقه بإسناده لكنه من رواية ليث بن أبي سليم عن مجاهد، وليث ضعيف وقد اضطرب في روايته سندا ومتنا فلا حجة فيه‏.‏
وفي الحديث أيضا أن الكفارة بالخصال الثلاث على الترتيب المذكور‏.‏
قال ابن العربي‏:‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نقله من أمر بعد عدمه لأمر آخر وليس هذا شأن التخيير، ونازع عياض في ظهور دلالة الترتيب في السؤال عن ذلك فقال‏:‏ إن مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير، وقرره ابن المنير في الحاشية بأن شخصا لو حنث فاستفتى فقال له المفتي‏:‏ أعتق رقبة فقال لا أجد، فقال صم ثلاثة أيام الخ، لم يكن مخالفا لحقيقة التخيير، بل يحمل على أن إرشاده إلى العتق لكونه أقرب لتنجيز الكفارة‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ ترتيب الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني يدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط للحكم، وسلك الجمهور في ذلك مسلك الترجيح بأن الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخيير، وتعقبه ابن التين بأن الذين رووا الترتيب ابن عيينة ومعمر والأوزاعي، والذين رووا التخيير مالك وابن جريج وفليح بن سليمان وعمرو بن عثمان المخزومي، وهو كما قال في الثاني دون الأول، فالذين رووا الترتيب في البخاري الذي نحن في شرحه أيضا إبراهيم بن سعد والليث بن سعد وشعيب بن أبي حمزة ومنصور، ورواية هذين في هذا الباب الذي نشرحه وفي الذي يليه، فكيف غفل ابن التين عن ذلك وهو ينظر فيه‏؟‏ بل روى الترتيب عن الزهري كذلك تمام ثلاثين نفسا أو أزيد، ورجح الترتيب أيضا بأن راويه حكى لفظ القصة على وجهها فمعه زيادة علم من صورة الواقعة، وراوي التخيير حكى لفظ راوي الحديث فدل على أنه من تصرف بعض الرواة إما لقصد الاختصار أو لغير ذلك‏.‏
ويترجح الترتيب أيضا بأنه أحوط لأن الأخذ به مجزئ سواء قلنا بالتخيير أو لا بخلاف العكس وجمع بعضهم بين الروايتين كالمهلب والقرطبي بالحمل على التعدد وهو بعيد لأن القصة واحدة والمخرج متحد والأصل عدم التعدد، وبعضهم حمل الترتيب على الأولوية والتخيير على الجواز، وعكسه بعضهم فقال ‏"‏ أو ‏"‏ في الرواية الأخرى ليست للتخيير وإنما هي للتفسير والتقدير، أمر رجلا أن يعتق رقبة أو يصوم إن عجز عن العتق أو يطعم إن عجز عنهما‏.‏
وذكر الطحاوي أن سبب إتيان بعض الرواة بالتخيير أن الزهري راوي الحديث قال في آخر حديثه ‏"‏ فصارت الكفارة إلى عتق رقبة أو صيام شهرين أو الإطعام‏"‏‏.‏
قال فرواه بعضهم مختصرا مقتصرا على ما ذكر الزهري أنه آل إليه الأمر، قال وقد قص عبد الرحمن بن خالد ابن مسافر عن الزهري القصة على وجهها ثم ساقه من طريقه مثل حديث الباب إلى قوله ‏"‏ أطعمه أهلك ‏"‏ قال فصارت الكفارة إلى عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا‏.‏
قلت‏:‏ وكذلك رواه الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري وقال في آخره ‏"‏ فصارت سنة عتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فمكث عند النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا هنا بالميم والكاف المفتوحة، ويجوز ضمها والثاء المثلثة‏.‏
وفي رواية أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من وجهين عن أبي اليمان ‏"‏ فسكت ‏"‏ بالمهملة والكاف المفتوحة والمثناة، وكذا ابن مسافر وابن أبي الأخضر‏.‏
وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اجلس فجلس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبينا نحن على ذلك‏)‏ في رواية ابن عيينة ‏"‏ فبينما هو جالس كذلك ‏"‏ قال بعضهم يحتمل أن يكون سبب أمره له بالجلوس انتظار ما يوحي إليه في حقه، ويحتمل أنه كان عرف أنه سيؤتي بشيء يعينه به، ويحتمل أن يكون أسقط عنه الكفارة بالعجز‏.‏
وهذا الثالث ليس بقوى لأنها لو سقطت ما عادت عليه حيث أمره بها بعد إعطائه إياه المكتل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أتى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا للأكثر بضم أوله على البناء للمجهول وهو جواب ‏"‏ بينا ‏"‏ في هذه الرواية‏.‏
وأما رواية ابن عيينة المشار إليها فقال فيها ‏"‏ إذ أتى ‏"‏ لأنه قال فيها ‏"‏ فبينما هو جالس ‏"‏ وقد تقدم تقرير ذلك، والآتي المذكور لم يسم لكن وقع في رواية معمر كما سيأتي في الكفارات ‏"‏ فجاء رجل من الأنصار ‏"‏ وعند الدار قطني من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب مرسلا ‏"‏ فأتى رجل من ثقيف ‏"‏ فإن لم يحمل على أنه كان حليفا للأنصار أو إطلاق الأنصار بالمعنى الأعم وإلا فرواية الصحيح أصح، ووقع في رواية ابن إسحاق ‏"‏ فجاء رجل بصدقته يحملها ‏"‏ وفي مرسل الحسن عند سعيد بن منصور ‏"‏ بتمر من تمر المصدقة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعرق‏)‏ بفتح المهملة والراء بعدها قاف‏.‏
قال ابن التين كذا لأكثر الرواة‏.‏
وفي رواية أبي الحسن يعني القابسي بإسكان الراء‏.‏
قال عياض والصواب الفتح‏.‏
وقال ابن التين أنكر بعضهم الإسكان لأن الذي بالإسكان هو العظم الذي عليه اللحم‏.‏
قلت‏:‏ إن كان الإنكار من جهة الاشتراك مع العظم فلينكر الفتح لأنه يشترك مع الماء الذي يتحلب من الجسد، نعم الراجح من حيث الرواية الفتح ومن حيث اللغة أيضا، إلا أن الإسكان ليس بمنكر بل أثبته بعض أهل اللغة كالقزاز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والعرق المكتل‏)‏ بكسر الميم وسكون الكاف وفتح المثناة بعدها لام، زاد ابن عيينة عند الإسماعيلي وابن خزيمة‏:‏ المكتل الضخم‏.‏
قال الأخفش‏:‏ سمي المكتل عرقا لأنه يضفر عرقة عرقة جمع فالعرق جمع عرقة كعلق وعلقة، والعرقة الضفيرة من الخوص‏.‏
وقوله والعرق المكتل تفسير من أحد رواته، وظاهر هذه الرواية أنه الصحابي، لكن في رواية ابن عيينة ما يشعر بأنه الزهري‏.‏
وفي رواية منصور في الباب الذي يلي هذا ‏"‏ فأتى بعرق فيه تمر وهو الزبيل ‏"‏ وفي رواية ابن أبي حفصة ‏"‏ فأتى بزبيل وهو المكتل ‏"‏ والزبيل بفتح الزاي وتخفيف الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام بوزن رغيف هو المكتل، قال ابن دريد يسمى زبيلا لحمل الزبل فيه، وفيه لغة أخرى زنبيل بكسر الزاي أوله وزيادة نون ساكنة وقد تدغم النون فتشدد الباء مع بقاء وزنه، وجمعه على اللغات الثلاث زنابيل، ووقع في بعض طرق عائشة عند مسلم ‏"‏ فجاءه عرقان ‏"‏ والمشهور في غيرها عرق ورجحه البيهقي، وجمع غيره بينهما بتعدد الواقعة، وهو جمع لا نرضاه لاتحاد مخرج الحديث والأصل عدم التعدد، والذي يظهر أن التمر كان قدر عرق لكنه كان في عرقين في حال التحميل على الدابة ليكون أسهل في الحمل، فيحتمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في الآخر، فمن قال عرقان أراد ابتداء الحال ومن قال عرق أراد ما آل إليه، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أين السائل‏؟‏‏)‏ زاد ابن مسافر ‏"‏ آنفا ‏"‏ أطلق عليه ذلك لأن كلامه متضمن للسؤال فإن مراده هلكت فينجيني وما يخلصني مثلا، وفي حديث عائشة ‏"‏ أين المحترق آنفا ‏"‏‏؟‏ وقد تقدم توجيهه، ولم يعين في هذه الرواية مقدار ما في المكتل من التمر بل ولا في شيء من طرق الصحيحين في حديث أبي هريرة، ووقع في رواية ابن أبي حفصة ‏"‏ فيه خمسة عشر صاعا ‏"‏ وفي رواية مؤمل عن سفيان ‏"‏ فيه خمسة عشر أو نحو ذلك ‏"‏ وفي رواية مهران بن أبي عمر عن الثوري عن ابن خزيمة ‏"‏ فيه خمسة عشر أو عشرون ‏"‏ وكذا هو عند مالك وعبد الرزاق في مرسل سعيد بن المسيب، وفي مرسله عند الدار قطني الجزم بعشرين صاعا، ووقع في حديث عائشة عند ابن خزيم ‏"‏ فأتى بعرق فيه عشرون صاعا ‏"‏ قال البيهقي قوله عشرون صاعا بلاغ بلغ محمد بن جعفر يعني بعض رواته، وقد بين ذلك محمد بن إسحاق عنه فذكر الحديث وقال في آخره‏:‏ قال محمد بن جعفر فحدثت بعد أنه كان عشرين صاعا من تمر‏.‏
قلت‏:‏ ووقع في مرسل عطاء بن أبي رباح وغيره عند مسدد ‏"‏ فأمر له ببعضه ‏"‏ وهذا يجمع الروايات، فمن قال إنه كان عشرين أراد أصل ما كان فيه، ومن قال خمسة عشر أراد قدر ما تقع به الكفارة، ويبين ذلك حديث على عند الدار قطني ‏"‏ تطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد ‏"‏ وفيه ‏"‏ فأتى بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا ‏"‏ وكذا في رواية حجاج الزهري عند الدار قطني في حديث أبي هريرة، وفيه رد على الكوفيين في قولهم إن واجبه من القمح ثلاثون صاعا ومن غيره ستون صاعا، ولقول عطاء‏:‏ إن أفطر بالأكل أطعم عشرين صاعا، وعلى أشهب في قوله لو غداهم أو عشاهم كفي تصدق الإطعام، ولقول الحسن يطعم أربعين مسكينا عشرين صاعا أو بالجماع أطعم خمسة عشر، وفيه رد على الجوهري حيث قال في الصحاح المكتل يشبه الزبيل يسع خمسة عشر صاعا لأنه لا حصر في ذلك، وروي عن مالك أنه قال يسع خمسة عشر أو عشرين ولعله قال ذلك في هذه القصة الخاصة فيوافق رواية مهران وإلا فالظاهر أنه لا حصر في ذلك والله أعلم‏.‏
وأما ما وقع في رواية عطاء ومجاهد عن أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط أنه ‏"‏ أتى بمكتل فيه عشرون صاعا فقال تصدق بهذا ‏"‏ وقال قبل ذلك تصدق بعشرين صاعا أو بتسع عشرة أو بإحدى وعشرين فلا حجة فيه لما فيه من الشك، ولأنه من رواية ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وقد اضطرب فيه، وفي الإسناد إليه مع ذلك من لا يحتج به‏.‏
ووقع في بعض طرق حديث عائشة عند مسلم ‏"‏ فجاءه عرقان فيهما طعام ‏"‏ ووجهه إن كان محفوظا ما تقدم قريبا والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خذ هذا فتصدق به‏)‏ كذا للأكثر ومنهم من ذكره بمعناه، وزاد ابن إسحاق ‏"‏ فتصدق به عن نفسك ‏"‏ ويؤيده رواية منصور في الباب الذي يليه بلفظ ‏"‏ أطعم هذا عنك ‏"‏ ونحوه في مرسل سعيد ابن المسيب من رواية داود بن أبي هند عنه عند الدار قطني، وعنده من طريق ليث عن مجاهد عن أبي هريرة ‏"‏ نحن نتصدق به عنك ‏"‏ واستدل بإفراده بذلك على أن الكفارة عليه وحده دون الموطوءة، وكذا قوله في المراجعة ‏"‏ هل تستطيع ‏"‏ و ‏"‏ هل تجد ‏"‏ وغير ذلك، وهو الأصح من قولي الشافعية وبه قال الأوزاعي‏.‏
وقال الجمهور وأبو ثور وابن المنذر تجب الكفارة على المرأة أيضا على اختلاف وتفاصيل لهم في الحرة والأمة والمطاوعة والمكرهة وهل هي عليها أو على الرجل عنها، واستدل الشافعية بسكوته عليه الصلاة والسلام عن إعلام المرأة بوجوب الكفارة مع الحاجة، وأجيب بمنع وجود الحاجة إذ ذاك لأنها لم تعترف ولم تسأل واعتراف الزوج عليها لا يوجب عليها حكما ما لم تعترف، وبأنها قضية حال فالسكوت عنها لا يدل على الحكم لاحتمال أن تكون المرأة لم تكن صائمة لعذر من الأعذار‏.‏
ثم إن بيان الحكم للرجل بيان في حقها لاشتراكهما في تحريم الفطر وانتهاك حرمة الصوم كما لم يأمره بالغسل‏.‏
والتنصيص على الحكم في حق بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين، ويحتمل أن يكون سبب السكوت عن حكم المرأة ما عرفه من كلام زوجها بأنها لا قدرة لها على شيء‏.‏
وقال القرطبي اختلفوا في الكفارة هل هي على الرجل وحده على نفسه فقط أو عليه وعليها أو عليه كفارتان عنه وعنها أو عليه عن نفسه وعليها عنها، وليس في الحديث ما يدل على شيء من ذلك لأنه ساكت عن المرأة فيؤخذ حكمها من دليل آخر مع احتمال أن يكون سبب السكوت أنها كانت غير صائمة، واستدل بعضهم بقوله في بعض طرق هذا الحديث ‏"‏ هلكت وأهلكت ‏"‏ وهي زيادة فيها مقال، فقال ابن الجوزي‏:‏ في قوله وأهلكت تنبيه على أنه أكرهها ولولا ذلك لم يكن مهلكا لها، قلت‏:‏ ولا يلزم من ذلك تعدد الكفارة بل لا يلزم من قوله وأهلكت إيجاب الكفارة عليها، بل يحتمل أن يريد بقوله هلكت أثمت وأهلكت أي كنت سببا في تأثيم من طاوعتني فواقعها إذ لا ريب في حصول الإثم على المطاوعة ولا يلزم من ذلك إثبات الكفارة ولا نفيها، أو المعنى هلكت أي حيث وقعت في شيء لا أقدر على كفارته، وأهلكت أي نفسي بفعلي الذي جر على الإثم، وهذا كله بعد ثبوت الزيادة المذكورة، وقد ذكر البيهقي أن للحاكم في بطلانها ثلاثة أجزاء، ومحصل القول فها أنها وردت من طريق الأوزاعي ومن طريق ابن عيينة، أما الأوزاعي فتفرد بها محمد بن المسيب عن عبد السلام بن عبد الحميد عن عمر بن عبد الواحد والوليد بن مسلم وعن محمد بن عقبة عن علقمة عن أبيه ثلاثتهم عن الأوزاعي قال البيهقي رواه جميع أصحاب الأوزاعي بدونها وكذلك جميع الرواة عن الوليد وعقبة وعمر، ومحمد ابن المسيب كان حافظا مكثرا إلا أنه كان في آخر أمره عمى فلعل هذه اللفظة أدخلت عليه، وقد رواه أبو علي النيسابوري عنه بدونها، ويدل على بطلانها ما رواه العباس بن الوليد عن أبيه قال‏:‏ سئل الأوزاعي عن رجل جامع امرأته في رمضان قال‏:‏ عليهما كفارة واحدة إلا الصيام، قيل له فإن استكرهها‏؟‏ قال عليه الصيام وحده‏.‏
وأما ابن عيينة فتفرد بها أبو ثور عن معلى بن منصور عنه، قال الخطابي‏:‏ المعلى ليس بذاك الحافظ‏.‏
وتعقبه ابن الجوزي بأنه لا يعرف أحدا طعن في المعلى، وغفل عن قول الإمام أحمد إنه كان يخطئ كل يوم في حديثين أو ثلاثة، فلعله حدث من حفظه بهذا فوهم، وقد قال الحاكم‏:‏ وقفت على ‏"‏ كتاب الصيام للمعلى ‏"‏ بخط موثوق به وليست هذه اللفظة فيه، وزعم ابن الجوزي أن الدار قطني أخرجه من طريق عقيل أيضا، وهو غلط منه فإن الدار قطني لم يخرج طريق عقيل في ‏"‏ السنن ‏"‏ وقد ساقه في ‏"‏ العلل ‏"‏ بالإسناد الذي ذكره عنه ابن الجوزي بدونها‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ القائل بوجوب كفارة واحدة على الزوج عنه وعن موطوءته يقول يعتبر حالهما فإن كانا من أهل العتق أجزأت رقبة، وإن كانا من أهل الإطعام أطعم ما سبق، وإن كانا من أهل الصيام صاما جميعا، فإن اختلف حالهما ففيه تفريع محله كتب الفروع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال الرجل على أفقر مني‏)‏ أي أتصدق به على شخص أفقر مني‏؟‏ وهذا يشعر بأنه فهم الإذن له في التصدق على من يتصف بالفقر، وقد بين ابن عمر في حديثه ذلك فزاد فيه ‏"‏ إلى من أدفعه‏؟‏ قال إلى أفقر من تعلم ‏"‏ أخرجه البزار والطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ وفي رواية إبراهيم بن سعد ‏"‏ أعلى أفقر من أهلي ‏"‏‏؟‏ ولابن مسافر ‏"‏ أعلى أهل بيت أفقر مني ‏"‏‏؟‏ وللأوزاعي ‏"‏ أعلى غير أهلي ‏"‏‏؟‏ ولمنصور ‏"‏ أعلى أحوج منا ‏"‏ ولابن إسحاق ‏"‏ وهل الصدقة إلا لي وعلي ‏"‏‏؟‏ قوله‏:‏ ‏(‏فوالله ما بين لابتيها‏)‏ تثنية لابة وقد تقدم شرحها في أواخر كتاب الحج والضمير للمدينة، وقوله ‏"‏يريد الحرتين ‏"‏ من كلام بعض رواته، زاد في رواية ابن عيينة ومعمر ‏"‏ والذي بعثك بالحق ‏"‏ ووقع في حديث ابن عمر المذكور ‏"‏ ما بين حرتيها ‏"‏ وفي رواية الأوزاعي الآتية في الأدب ‏"‏ والذي نفسي بيده ما بين طنبي المدينة ‏"‏ تثنية طنب - وهو بضم الطاء المهملة بعدها نون - والطنب أحد أطناب الخيمة فاستعاره للطرف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أهل بيت أفقر من أهل بيتي‏)‏ زاد يونس ‏"‏ مني ومن أهل بيتي ‏"‏ وفي رواية إبراهيم بن سعد ‏"‏ أفقر منا ‏"‏ وأفقر بالنصب على أنها خبر ما النافية، ويجوز الرفع على لغة تميم‏.‏
وفي رواية عقيل ‏"‏ ما أحد أحق به من أهلي، ما أحد أحوج إليه مني ‏"‏ وفي أحق وأحوج ما في أفقر‏.‏
وفي مرسل سعيد من رواية داود عنه ‏"‏ والله ما لعيالي من طعام ‏"‏ وفي حديث عائشة عند ابن خزيمة ‏"‏ ما لنا عشاء ليلة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه‏)‏ في رواية ابن إسحاق ‏"‏ حتى بدت نواجذه ‏"‏ ولأبي قرة في ‏"‏ السنن ‏"‏ عن ابن جريج ‏"‏ حتى بدت ثناياه ‏"‏ ولعلها تصحيف من أنيابه فإن الثنايا تبين بالتبسم غالبا وظاهر السياق إرادة الزيادة على التبسم، ويحمل ما ورد في صفته صلى الله عليه وسلم أن ضحكه كان تبسما على غالب أحواله، وقيل كان لا يضحك إلا في أمر يتعلق بالآخرة فإن كان في أمر الدنيا لم يزد على التبسم، قيل وهذه القضية تعكر عليه وليس كذلك فقد قيل إن سبب ضحكه صلى الله عليه وسلم كان من تباين حال الرجل حيث جاء خائفا على نفسه راغبا في فدائها مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه من الكفارة، وقيل ضحك من حال الرجل في مقاطع كلامه وحسن تأتيه وتلطفه في الخطاب وحسن توسله في توصله إلى مقصوده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال أطعمه أهلك‏)‏ تابعه معمر وابن أبي حفصة‏.‏
وفي رواية لابن عيينة في الكفارات ‏"‏ أطعمه عيالك ‏"‏ ولإبراهيم بن سعد ‏"‏ فأنتم إذا ‏"‏ وقدم على ذلك ذكر الضحك، ولأبي قرة عن ابن جريج ‏"‏ ثم قال كله ‏"‏ ونحوه ليحيى بن سعيد وعراك، وجمع بينهما ابن إسحاق ولفظه ‏"‏ خذها وكلها وأنفقها على عيالك ‏"‏ ونحوه في رواية عبد الجبار وحجاج وهشام بن سعد كلهم عن الزهري، ولابن خزيمة في حديث عائشة ‏"‏ عد به عليك وعلى أهلك ‏"‏ وقال ابن دقيق العيد‏:‏ تباينت في هذه القصة المذاهب فقيل إنه دل على سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لوجوبها لأن الكفارة لا تصرف إلى النفس ولا إلى العيال، ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره، وهو أحد قولي الشافعية وجزم به عيسى ابن دينار من المالكية‏.‏
وقال الأوزاعي‏:‏ يستغفر الله ولا يعود‏.‏
ويتأيد ذلك بصدقة الفطر حيث تسقط بالإعسار المقارن لسبب وجوبها وهو هلال الفطر، لكن الفرق بينهما أن صدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه، وكفارة الجماع لا أمد لها فتستقر في الذمة، وليس في الخبر ما يدل على إسقاطها بل فيه ما يدل على استمرارها على العاجز‏.‏
وقال الجمهور‏:‏ لا تسقط الكفارة بالإعسار، والذي أذن له في التصرف فيه ليس على سبيل الكفارة‏.‏
ثم اختلفوا فقال الزهري‏:‏ هو خاص بهذا الرجل، وإلى هذا نحا إمام الحرمين، ورد بأن الأصل عدم الخصوصية‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ هو منسوخ، ولم يبين قائله ناسخه، وقيل‏:‏ المراد بالأهل الذين أمر بصرفها إليهم من لا تلزمه نفقته من أقاربه، وهو قول بعض الشافعية، وضعف بالرواية الأخرى التي فيها عيالك، وبالرواية المصرحة بالإذن له في الأكل من ذلك، وقيل لما كان عاجزا عن نفقة أهله جاز له أن يصرف الكفارة لهم، وهذا هو ظاهر الحديث، وهو الذي حمل أصحاب الأقوال الماضية على ما قالوه بأن المرء لا يأكل من كفارة نفسه‏.‏
قال الشيخ تقي الدين‏:‏ وأقوى من ذلك أن يجعل الإعطاء لا على جهة الكفارة بل على جهة التصدق عليه وعلى أهله بتلك الصدقة لما ظهر من حاجتهم، وأما الكفارة فلم تسقط بذلك، ولكن ليس استقرارها في ذمته مأخوذا من هذا الحديث‏.‏
وأما ما اعتلوا به من تأخير البيان فلا دلالة فيه، لأن العلم بالوجوب قد تقدم، ولم يرد في الحديث ما يدل على الإسقاط لأنه لما أخبره بعجزه ثم أمره بإخراج العرق دل على أن لا سقوط عن العاجز، ولعله أخر البيان إلى وقت الحاجة وهو القدرة ا ه‏.‏
وقد ورد ما يدل على إسقاط الكفارة أو على إجزائها عنه بإنفاقه إياها على عياله وهو قوله في حديث علي ‏"‏ وكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك ‏"‏ ولكنه حديث ضعيف لا يحتج بما انفرد به، والحق أنه لما قال له صلى الله عليه وسلم خذ هذا فتصدق به لم يقبضه بل اعتذر بأنه أحوج إليه من غيره فأذن له حينئذ في أكله، فلو كان قبضه لملكه ملكا مشروطا بصفة وهو إخراجه عنه في كفارته فينبني على الخلاف المشهور في التمليك المقيد بشرط، لكنه لما لم يقبضه لم يملكه، فلما أذن له صلى الله عليه وسلم في إطعامه لأهله وأكله منه كان تمليكا مطلقا بالنسبة إليه وإلى أهله وأخذهم إياه بصفة الفقر المشروحة، وقد تقدم أنه كان من مال الصدقة، وتصرف النبي صلى الله عليه وسلم فيه تصرف الإمام في إخراج مال الصدقة، واحتمل إنه كان تمليكا بالشرط الأول ومن ثم نشأ الإشكال، والأول أظهر فلا يكون فيه إسقاط ولا أكل المرء من كفارة نفسه ولا إنفاقه على من تلزمه نفقتهم من كفارة نفسه‏.‏
وأما ترجمة البخاري الباب الذي يليه ‏"‏ باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج ‏"‏ فليس فيه تصريح بما تضمنه حكم الترجمة‏.‏
وإنما أشار إلى الاحتمالين المذكورين بإتيانه بصيغة الاستفهام والله أعلم‏.‏
واستدل به على جواز إعطاء الصدقة جميعها في صنف واحد، وفيه نظر لأنه لم يتعين أن ذلك القدر هو جميع ما يجب على ذلك الرجل الذي أحضر التمر، وعلى سقوط قضاء اليوم الذي أفسده الجامع اكتفاء بالكفارة، إذ لم يقع التصريح في الصحيحين بقضائه وهو محكي في مذهب الشافعي، وعن الأوزاعي يقضي إن كفر بغير الصوم وهو وجه للشافعية أيضا، قال ابن العربي‏:‏ إسقاط القضاء لا يشبه منصب الشافعي إذ لا كلام في القضاء لكونه أفسد العبادة وأما الكفارة فإنما هي لما اقترف من الإثم، قال‏:‏ وأما كلام الأوزاعي فليس بشيء‏.‏
قلت‏:‏ وقد ورد الأمر بالقضاء في هذا الحديث في رواية أبي أويس وعبد الجبار وهشام بن سعد كلهم عن الزهري، وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الليث عن الزهري، وحديث إبراهيم بن سعد في الصحيح عن الزهري نفسه بغير هذه الزيادة، وحديث الليث عن الزهري في الصحيحين بدونها، ووقعت الزيادة أيضا في مرسل سعيد بن المسيب ونافع بن جبير والحسن ومحمد بن كعب، وبمجموع هذه الطرق تعرف أن لهذه الزيادة أصلا، ويؤخذ من قوله ‏"‏ صم يوما ‏"‏ عدم اشتراط الفورية للتنكير في قوله ‏"‏ يوما‏"‏‏.‏
وفي الحديث من الفوائد - غير ما تقدم - السؤال عن حكم ما يفعله المرء مخالفا للشرع، والتحدث بذلك لمصلحة معرفة الحكم، واستعمال الكناية فيما يستقبح ظهوره بصريح لفظه لقوله واقعت أو أصبت، على أنه قد ورد في بعض طرقه - كما تقدم - وطئت، والذي يظهر أنه من تصرف الرواة‏.‏
وفيه الرفق بالمتعلم والتلطف في التعليم والتألف على الدين، والندم على المعصية، واستشعار الخوف‏.‏
وفيه الجلوس في المسجد لغير الصلاة من المصالح الدينية كنشر العلم، وفيه جواز الضحك عند وجود سببه، وإخبار الرجل بما يقع منه مع أهله للحاجة‏.‏
وفيه الحلف لتأكيد الكلام، وقبول قول المكلف مما لا يطلع عليه إلا من قبله لقوله في جواب قوله أفقر منا أطعمه أهلك ويحتمل أن يكون هناك قرينة لصدقه‏.‏
وفيه التعاون على العبادة والسعي في إخلاص المسلم وإعطاء الواحد فوق حاجته الراهنة، وإعطاء الكفارة أهل بيت واحد، وأن المضطر إلى ما بيده لا يجب عليه أن يعطيه أو بعضه لمضطر آخر‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:39 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n169&p1#TOP)باب الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ هَلْ يُطْعِمُ أَهْلَهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ إِذَا كَانُوا مَحَاوِيجَ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج‏)‏ ‏؟‏ يعني أم لا‏؟‏ ولا منافاة بين هذه الترجمة والتي قبلها، لأن التي قبلها آذنت بأن الإعسار بالكفارة لا يسقطها عن الذمة لقوله فيها ‏"‏ إذا جامع ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر ‏"‏ والثانية ترددت هل المأذون له بالتصرف فيه نفس الكفارة أم لا‏؟‏ وعلى هذا يتنزل لفظ الترجمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ الْأَخِرَ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ أَتَجِدُ مَا تُحَرِّرُ رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ أَفَتَجِدُ مَا تُطْعِمُ بِهِ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا قَالَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ وَهُوَ الزَّبِيلُ قَالَ أَطْعِمْ هَذَا عَنْكَ قَالَ عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا قَالَ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الزهري عن حميد‏)‏ كذا للأكثر من أصحاب منصور عنه، وكذا رواه مؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن منصور، وخالفه مهران بن أبي عمر فرواه عن الثوري بهذا الإسناد فقال ‏"‏ عن سعيد ابن المسيب ‏"‏ بدل حميد بن عبد الرحمن أخرجه ابن خزيمة، وهو قول شاذ والمحفوظ الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الأخر‏)‏ بهمزة غير ممدودة بعدها خاء معجمة مكسورة، تقدم في أوائل الباب الذي قبله، وحكى ابن القوطية فيه مد الهمزة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أتجد ما تحرر رقبة‏)‏ ‏؟‏ بالنصب على البدل من لفظ ‏"‏ ما ‏"‏ وهي مفعول بتجد، ومثله قوله ‏"‏ أفتجد ما تطعم ستين مسكينا ‏"‏ وقد تقدم باقي الكلام عليه مستوفى في الذي قبله، وقد اعتنى به بعض المتأخرين ممن أدركه شيوخنا فتكلم عليه في مجلدين جمع فيهما ألف فائدة وفائدة، ومحصله إن شاء الله تعالى فيما لخصته مع زيادات كثيرة عليه، فلله الحمد على ما أنعم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n169&p1#TOP)باب الْحِجَامَةِ وَالْقَيْءِ لِلصَّائِمِ
وَقَالَ لِي يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا قَاءَ فَلَا يُفْطِرُ إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلَا يُولِجُ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَرَكَهُ فَكَانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلًا وَيُذْكَرُ عَنْ سَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأُمِّ سَلَمَةَ احْتَجَمُوا صِيَامًا وَقَالَ بُكَيْرٌ عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ فَلَا تَنْهَى وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مَرْفُوعًا فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ وَقَالَ لِي عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ قِيلَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الحجامة والقيء للصائم‏)‏ أي هل يفسدان هما أو أحدهما الصوم أو لا‏؟‏ قال الزين بن المنير‏:‏ جمع بين القيء والحجامة مع تغايرهما، وعادته تفريق التراجم إذا نظمها خبر واحد فضلا عن خبرين، وإنما صنع ذلك لاتحاد مأخذهما لأنهما إخراج والإخراج لا يقتضي الإفطار، وقد أومأ ابن عباس إلى ذلك كما سيأتي البحث فيه، ولم يذكر المصنف حكم ذلك، ولكن إيراده للآثار المذكورة يشعر بأنه يرى عدم الإفطار بهما، ولذلك عقب حديث ‏"‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏"‏ بحديث ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم ‏"‏ وقد اختلف السلف في المسألتين‏:‏ أما القيء فذهب الجمهور إلى التفرقة بين من سبقه فلا يفطر وبين من تعمده فيفطر، ونقل ابن المنذر الإجماع على بطلان الصوم بتعمد القيء، لكن نقل ابن بطال عن ابن عباس وابن مسعود لا يفطر مطلقا وهي إحدى الروايتين عن مالك، واستدل الأبهري بإسقاط القضاء عمن تقيأ عمدا بأنه لا كفارة عليه على الأصح عندهم قال فلو وجب القضاء لوجبت الكفارة، وعكس بعضهم فقال هذا يدل على اختصاص الكفارة بالجماع دون غيره من المفطرات، وارتكب عطاء والأوزاعي وأبو ثور فقالوا يقضي ويكفر، ونقل ابن المنذر أيضا الإجماع على ترك القضاء على من ذرعه القيء ولم يتعمده إلا في إحدى الروايتين عن الحسن‏.‏
وأما الحجامة فالجمهور أيضا على عدم الفطر بها مطلقا، وعن علي وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور يفطر الحاجم والمحجوم، وأوجبوا عليهما القضاء‏.‏
وشذ عطاء فأوجب الكفارة أيضا‏.‏
وقال بقول أحمد من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وأبو الوليد النيسابوري وابن حبان‏.‏
ونقل الترمذي عن الزعفران أن الشافعي علق القول على صحة الحديث، وبذلك قال الداودي من المالكية، وحجة الفريقين قد ذكرها المصنف في هذا الباب، وسنذكر البحث في ذلك في آخر الباب إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال لي يحيى بن صالح‏)‏ هكذا وقع في جميع النسخ من الصحيح، وعادة البخاري الإتيان بهذه الصيغة في الموقوفات إذا أسندها‏.‏
وقوله في الإسناد ‏"‏ حدثنا يحيى ‏"‏ هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا قاء فلا يفطر، إنما يخرج ولا يولج‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ أنه يخرج ولا يولج ‏"‏ قال ابن المنير في الحاشية يؤخذ من هذا الحديث أن الصحابة كانوا يؤولون الظاهر بالأقيسة من حيث الجملة، ونقض غيره هذا الحضر بالمني فإنه إنما يخرج، وهو موجب للقضاء والكفارة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر، والأول أصح‏)‏ كأنه يشير بذلك إلى ما رواه هو في ‏"‏ التاريخ الكبير ‏"‏ قال‏:‏ قال لي مسدد عن عيسى بن يونس حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رفعه قال ‏"‏ من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه القضاء، وإن استقاء فليقض ‏"‏ قال البخاري‏:‏ لم يصح، وإنما يروى عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وعبد الله ضعيف جدا‏.‏
ورواه الدارمي من طريق عيسى بن يونس، ونفل عن عيسى أنه قال‏:‏ زعم أهل البصرة أن هشاما وهم فيه‏.‏
وقال أبو داود سمعت أحمد يقول‏:‏ ليس من ذا شيء‏.‏
ورواه أصحاب السنن الأربعة والحاكم من طريق عيسى بن يونس به وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من رواية عيسى بن يونس عن هشام‏.‏
وسألت محمدا عنه فقال‏:‏ لا أراه محفوظا‏.‏
انتهى‏.‏
وقد أخرجه ابن ماجة والحاكم من طريق حفص بن غياث أيضا عن هشام قال‏:‏ وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة ولا يصح إسناده ولكن العمل عليه عند أهل العلم‏.‏
قلت‏:‏ ويمكن الجمع بين قول أبي هريرة ‏"‏ إذا قاء لا يفطر ‏"‏ وبين قوله ‏"‏ إنه يفطر ‏"‏ مما فصل في حديثه هذا المرفوع، فيحتمل قوله قاء أنه تعمد القيء واستدعى به، وبهذا أيضا يتأول قوله في حديث أبي الدرداء الذي أخرجه أصحاب السنن مصححا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر أي استقاء عمدا، وهو أولى من تأويل من أوله بأن المعنى قاء فضعف فأفطر والله أعلم، حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ ليس في الحديث أن القيء فطره، وإنما فيه أنه قاء فأفطر بعد ذلك‏.‏
وتعقبه ابن المنير بأن الحكم إذا عقب بالفاء دل على أنه العلة كقولهم سها فسجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس وعكرمة الصوم مما دخل، وليس مما خرج‏)‏ أما قول ابن عباس فوصله ابن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس في الحجامة للصائم قال‏:‏ الفطر مما دخل وليس مما خرج، والوضوء مما خرج وليس مما دخل، وروى من طريق إبراهيم النخعي أنه سئل عن ذلك فقال ‏"‏ قال عبد الله يعني ابن مسعود فذكر مثله ‏"‏ وإبراهيم لم يلق ابن مسعود وإنما أخذ عن كبار أصحابه، وأما قول عكرمة فوصله ابن أبي شيبة عن هشيم عن حصين عن عكرمة مثله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر يحتجم وهو صائم ثم تركه فكان يحتجم بالليل‏)‏ وصله مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ أنه احتجم وهو صائم، ثم ترك ذلك، وكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر ورويناه في نسخة أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس عن الزهري ‏"‏ كان ابن عمر يحتجم وهو صائم في رمضان وغيره، ثم تركه لأجل الضعف ‏"‏ هكذا وجدته منقطعا، ووصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه، وكان ابن عمر كثير الاحتياط، فكأنه ترك الحجامة نهارا لذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏واحتجم أبو موسى ليلا‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق حميد الطويل ‏"‏ عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي العالية قال‏:‏ ‏"‏ دخلت على أبي موسى وهو أمير البصرة ممسيا فوجدته يأكل تمرا وكامخا وقد احتجم، فقلت له ألا تحتجم نهارا‏؟‏ قال‏:‏ أتأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم ‏"‏‏؟‏ ورواه النسائي والحاكم من طريق مطر الوراق ‏"‏ عن بكر أن أبا رافع قال‏:‏ دخلت على أبي موسى وهو يحتجم ليلا فقلت‏:‏ ألا كان هذا نهارا‏؟‏ فقال‏:‏ أتأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏"‏ قال الحاكم سمعت أبا على النيسابوري يقول‏:‏ قلت لعبدان الأهوازي يصح في ‏"‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏"‏ شيء‏؟‏ قال سمعت عباسا العنبري يقول سمعت علي بن المديني يقول‏:‏ قد صح حديث أبي رافع عن أبي موسى‏.‏
قلت‏:‏ إلا أن مطرا خولف في رفعه فالله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن سعد وزيد بن أرقم وأم سلمة أنهم احتجموا صياما‏)‏ هكذا أخرجه بصيغة التمريض، والسبب في ذلك يظهر بالتخريج، فأما أثر سعد وهو ابن أبي وقاص فوصله مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن ابن شهاب ‏"‏ أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان ‏"‏ وهذا منقطع عن سعد، لكن ذكره ابن عبد البر من وجه آخر عن عامر بن سعد عن أبيه، وأما أثر زيد بن أرقم فوصله عبد الرزاق ‏"‏ عن الثوري عن يونس بن عبد الله الجرمي عن دينار قال‏:‏ حجمت زيد بن أرقم وهو صائم ‏"‏ ودينار هو الحجام مولى جرم بفتح الجيم لا يعرف إلا في هذا الأثر‏.‏
وقال أبو الفتح الأزدي لا يصح حديثه‏.‏
وأما أثر أم سلمة فوصله ابن أبي شيبة من طريق الثوري أيضا ‏"‏ عن فرات عن مولى أم سلمة أنه رأى أم سلمة تحتجم وهي صائمة ‏"‏ وفرات هو ابن عبد الرحمن ثقة لكن مولى أم سلمة مجهول الحال‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ وممن رخص في الحجامة للصائم أنس وأبو سعيد والحسين بن علي وغيرهم من الصحابة والتابعين، ثم ساق ذلك بأسانيده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال بكير عن أم علقمة‏:‏ كنا نحتجم عند عائشة فلا ننهى‏)‏ أما بكير فهو ابن عبد الله ابن الأشج، وأما أم علقمة فاسمها مرجانة‏.‏
وقد وصله البخاري في تاريخه من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن أم علقمة قالت ‏"‏ كنا نحتجم عند عائشة ونحن صيام وبنو أخي عائشة فلا تنهاهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويروى عن الحسن عن غير واحد مرفوعا‏:‏ أفطر الحاجم والمحجوم‏)‏ وصله النسائي من طرق عن أبي حرة عن الحسن به‏.‏
وقال علي بن المديني‏:‏ روى يونس عن الحسن حديث ‏"‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏"‏ عن أبي هريرة، ورواه قتادة عن الحسن عن ثوبان، ورواه عطاء بن السائب عن الحسن عن معقل بن يسار، ورواه مطر عن الحسن عن علي، ورواه أشعث عن الحسن عن أسامة، زاد الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ أنه اختلف على عطاء بن السائب في الصحابي فقيل‏:‏ معقل بن يسار المزني، وقبل معقل ابن سنان الأشجعي، وروي عن عاصم عن الحسن عن معقل بن يسار أيضا، وقيل عن مطر عن الحسن عن معاذ‏.‏
واختلف على قتادة عن الحسن في الصحابي فقيل أيضا على، وقيل أبو هريرة‏.‏
قلت‏:‏ واختلف على يونس أيضا كما سأذكره‏.‏
قال‏:‏ وقال أبو حرة ‏"‏ عن الحسن عن غير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قال فإن كان حفظه صحت الأقوال كلها‏.‏
قلت‏:‏ لم ينفرد به أبو حرة كما سأبينه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال لي عياش‏)‏ بتحتانية ومعجمة، وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يونس‏)‏ هو ابن عبيد ‏(‏عن الحسن‏)‏ مثله أي ‏"‏ أفطر الحاجم والمحجوم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قيل له‏:‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال نعم‏.‏
ثم قال‏:‏ الله أعلم‏)‏ وهذا متابع لأبي حرة عن الحسن، وقد أخرجه البخاري في تاريخه والبيهقي أيضا من طريقه قال حدثني عياش فذكره، رواه عن ابن المديني في ‏"‏ العلل ‏"‏ والبيهقي أيضا من طريقه قال حدثنا المعتمر هو ابن سليمان التيمي عن أبيه عن الحسن عن غير واحد به، ورواية يونس عن الحسن عن أبي هريرة عند النسائي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن يونس، وأخرجه من طريق بشر بن المفضل عن يونس عن الحسن قوله، وذكره الدار قطني من طريق عبيد الله بن تمام عن يونس عن الحسن عن أسامة، والاختلاف على الحسن في هذا الحديث واضح لكن نقل الترمذي في ‏"‏ العلل الكبير ‏"‏ عن البخاري أنه قال‏:‏ يحتمل أن يكون سمعه عن غير واحد، وكذا قال الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ إن كان قول الحسن عن غير واحد من الصحابة محفوظا صحت الأقوال كلها‏.‏
قلت‏:‏ يريد بذلك انتفاء الاضطراب، وإلا فالحسن لم يسمع من أكثر للمذكورين‏.‏
ثم الظاهر من السياق أن الحسن كان يشك في رفعه وكأنه حصل له بعد الجزم تردد، وحمل الكرماني جزمه على وثوقه بخبر من أخبره به، وتردده لكونه خبر واحد فلا يفيد اليقين، وهو حمل في غاية البعد‏.‏
ونقل الترمذي أيضا عن البخاري يعني عن أبي قلابة، قال‏:‏ كلاهما عندي صحيح لأن يحيى بن أبي كثير روي عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان، وعن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد روى الحديثين جميعا، يعني فانتفى الاضطراب وتعين الجمع بذلك‏.‏
وكذا قال عثمان الدارمي‏:‏ صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم من طريق ثوبان وشداد قال‏:‏ وسمعت أحمد يذكر ذلك‏.‏
وقال المروزي‏:‏ قلت لأحمد إن يحيى بن معين قال ليس فيه شيء يثبت، فقال‏:‏ هذا مجازفة‏.‏
وقال ابن خزيمة‏:‏ صح الحديثان جميعا، وكذا قال ابن حبان والحاكم، وأطنب النسائي في تخريج طرق هذا المتن وبيان الاختلاف فيه فأجاد وأفاد‏.‏
وقال أحمد‏:‏ أصح بشيء في باب ‏"‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏"‏ حديث رافع بن خديج‏.‏
قلت‏:‏ يريد ما أخرجه هو والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب ابن يزيد عن رافع، لكن عارض أحمد يحيى بن معين في هذا فقال‏:‏ حديث رافع أضعفها‏.‏
وقال البخاري‏:‏ هو غير محفوظ‏.‏
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه‏:‏ هو عندي باطل‏.‏
وقال الترمذي‏:‏ سألت إسحاق بن منصور عنه فأبي أن يحدثني به عن عبد الرزاق وقال‏:‏ هو غلط، قلت ما علته‏؟‏ قال‏:‏ روى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد حديث ‏"‏ مهر البغي خبيث ‏"‏ وروى عن يحيى عن أبي قلابة أن أبا أسماء حدثه أن ثوبان أخبره به، فهذا هو المحفوظ عن يحيى، فكأنه دخل لمعمر حديث في حديث والله أعلم‏.‏
وقال الشافعي في ‏"‏ اختلاف الحديث ‏"‏ بعد أن أخرج حديث شداد ولفظه ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمان الفتح فرأى رجلا يحتجم لثمان عشرة خلت من رمضان فقال وهو آخذ بيدي‏:‏ أفطر الحاجم والمحجوم، ثم ساق حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم قال‏:‏ وحديث ابن عباس أمثلهما إسنادا، فإن توقى أحد الحجامة كان أحب إلى احتياطا، والقياس مع حديث ابن عباس، والذي أحفظ عن الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم أنه لا يفطر أحد بالحجامة‏.‏
قلت‏:‏ وكأن هذا هو السر في إيراد البخاري لحديث ابن عباس عقب حديث ‏"‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏"‏ وحكى الترمذي عن الزعفراني أن الشافعي علق القول بأن الحجامة تفطر على صحة الحديث، قال الترمذي‏:‏ كان الشافعي يقول ذلك ببغداد وأما بمصر فمال إلى الرخصة والله أعلم‏.‏
وأول بعضهم حديث ‏"‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏"‏ أن المراد به أنهما سيفطران كقوله تعالى ‏(‏إني أراني أعصر خمرا‏)‏ أي ما يؤول إليه، ولا يخفى تكلف هذا التأويل، ويقربه ما قال البغوي في ‏"‏ شرح السنة ‏"‏ معنى قوله ‏"‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏"‏‏:‏ أي تعرضا للإفطار، أما الحاجم فلأنه لا يأمن وصول شيء من الدم إلى جوفه عند المص، وأما المحجوم فلأنه لا يأمن ضعف قوته بخروج الدم فيؤول أمره إلى أن يفطر، وقيل معنى أفطرا فعلا مكروها وهو الحجامة فصارا كأنهما غير متلبسين بالعبادة، وسأذكر بقية كلامهم في الحديث الذي يليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم‏)‏ هكذا أخرجه من طريق وهيب عن عكرمة عن ابن عباس، وتابعه عبد الوارث عن أيوب موصولا كما سيأتي في الطب، ورواه ابن علية ومعمر عن أيوب عن عكرمة مرسلا واختلف على حماد بن زيد في وصله وإرساله، وقد بين ذلك النسائي‏.‏
وقال مهنا‏:‏ سألت أحمد عن هذا الحديث فقال ليس فيه ‏"‏ صائم ‏"‏ إنما هو ‏"‏ وهو محرم‏"‏، ثم ساقه من طرق عن ابن عباس لكن ليس فيها طريق أيوب هذه، والحديث صحيح لا مرية فيه‏.‏
قال ابن عبد البر وغيره‏:‏ فيه دليل على أن حديث ‏"‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏"‏ منسوخ لأنه جاء في بعض طرقه أن ذلك كان في حجة الوداع، وسبق إلى ذلك الشافعي، واعترض ابن خزيمة بأن في هذا الحديث أنه كان صائما محرما، قال ولم يكن قط محرما مقيما ببلده إنما كان محرما وهو مسافر، والمسافر إن كان ناويا للصوم فمضى عليه بعض النهار وهو صائم أبيح له الأكل والشرب على الصحيح، فإذا جاز له ذلك جاز له أن يحتجم وهو مسافر، قال‏:‏ فليس في خبر ابن عباس ما يدل على إفطار المحجوم فضلا عن الحاجم ا ه‏.‏
وتعقب بأن الحديث ما ورد هكذا إلا لفائدة، فالظاهر أنه وجدت منه الحجامة وهو صائم لم يتحلل من صومه واستمر‏.‏
وقال ابن خزيمة أيضا‏:‏ جاء بعضهم بأعجوبة فزعم أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال ‏"‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏"‏ لأنهما كانا يغتابان، قال فإذا قيل له فالغيبة تفطر الصائم‏؟‏ قال لا، قال فعلى هذا لا يخرج من مخالفة الحديث بلا شبهة‏.‏
انتهى‏.‏
وقد أخرج الحديث المشار إليه الطحاوي وعثمان الدارمي والبيهقي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ وغيرهم من طريق يزيد بن أبي ربيعة عن أبي الأشعث عن ثوبان، ومنهم من أرسله، ويزيد بن ربيعة متروك وحكم علي بن المديني بأنه حديث باطل‏.‏
وقال ابن حزم‏:‏ صح حديث ‏"‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏"‏ بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أبي سعيد ‏"‏ أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم ‏"‏ وإسناده صحيح فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجما أو محجوما‏.‏
انتهى‏.‏
والحديث المذكور أخرجه النسائي وابن خزيمة والدار قطني ورجاله ثقات، ولكن اختلف في رفعه ووقفه، وله شاهد من حديث أنس أخرجه الدار قطني ولفظه ‏"‏ أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أفطر هذان‏.‏
ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم‏.‏
وكان أنس يحتجم وهو صائم ‏"‏ ورواته كلهم من رجال البخاري، إلا أن في المتن ما ينكر لأن فيه أن ذلك كان في الفتح، وجعفر كان قتل قبل ذلك‏.‏
ومن أحسن ما ورد في ذل‏:‏ ما رواه عبد الرزاق وأبو داود من طريق عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ نهى النبي عن الحجامة للصائم وعن المواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه ‏"‏ إسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر، وقوله ‏"‏إبقاء على أصحابه ‏"‏ يتعلق بقوله نهى، وقد رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري بإسناده هذا ولفظه ‏"‏ عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم وكرهها للضعيف ‏"‏ أي لئلا يضعف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ قَالَ لَا إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ وَزَادَ شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت ثابتا البناني قال‏:‏ سئل أنس بن مالك‏)‏ كذا في أكثر أصول البخاري ‏"‏ سئل ‏"‏ بضم أوله على البناء للمجهول‏.‏
وفي رواية أبي الوقت ‏"‏ سأل أنسا ‏"‏ وهذا غلط فإن شعبة ما حضر سؤال ثابت لأنس، وقد سقط منه رجل بين شعبة وثابت فرواه الإسماعيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق جعفر بن محمد القلانسي وأبي قرصافة محمد بن عبد الوهاب وإبراهيم بن الحسين بن دريد كلهم عن آدم بن أبي إياس شيخ البخاري فيه فقال ‏"‏ عن شعبة عن حميد قال سمعت ثابتا وهو يسأل أنس بن مالك ‏"‏ فذكر الحديث، وأشار الإسماعيلي والبيهقي إلى أن الرواية التي وقعت للبخاري خطأ وأنه سقط منه حميد، قال الإسماعيلي‏:‏ وكذلك رواه على بن سهل عن أبي النضر عن شعبة عن حميد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزاد شبابة حدثنا‏:‏ شعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هذا يشعر بأن رواية شبابة موافقة لرواية آدم في الإسناد والمتن إلا أن شبابة زاد فيه ما يؤكد رفعه‏.‏
وقد أخرج ابن منده في ‏"‏ غرائب شعبة ‏"‏ طريق شبابة فقال ‏"‏ حدثنا محمد بن أحمد بن حاتم حدثنا عبد الله بن روح حدثنا شبابة حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد ‏"‏ وبه ‏"‏ عن شبابة عن شعبة عن حميد عن أنس ‏"‏ نحوه وهذا يؤكد صحة ما اعترض به الإسماعيلي ومن تبعه ويشعر بأن الخلل فيه من غير البخاري، إذ لو كان إسناد شبابة عنده مخالفا لإسناد آدم لبينه وهو واضح لا خفاء به، والله أعلم بالصواب

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:42 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n169&p1#TOP)باب الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالْإِفْطَارِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصوم في السفر والإفطار‏)‏ أي إباحة ذلك وتخيير المكلف فيه سواء كان رمضان أو غيره، وسأذكر بيان الاختلاف في ذلك بعد باب، وذكر المؤلف في الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب وموضـع الدلالة منه ما يشعر به سياقه من مراجعة الرجل له بكون الشمس لم تغرب في جواب طلبه لما يشير به، فهو ظاهر في أنه كان صلى الله عليه وسلم صائما، وقد كره في ‏"‏ باب متى يحل فطر الصائم ‏"‏ وفي غيره بلفظ صريح في ذلك حيث قال ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم‏"‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ لِرَجُلٍ انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ ثُمَّ رَمَى بِيَدِهِ هَا هُنَا ثُمَّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏الشمس يا رسول الله‏)‏ بالرفع، ويجوز النصب وتوجيههما ظاهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه جرير وأبو بكر بن عياش عن الشيباني‏)‏ يعني تابعا سفيان وهو ابن عيينة، والشيباني هو أبو إسحاق شيخهم فيه، ومتابعة جرير وصلها المؤلف في الطلاق، ومتابعة أبي بكر ستأتي موصولة بعد قليل في ‏"‏ باب تعجيل الإفطار ‏"‏ وتابعهم غير من ذكر كما سيأتي ولفظهم متقارب، والمراد المتابعة في أصل الحديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وهشام هو ابن عروة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن حمزة بن عمرو الأسلمي‏)‏ هكذا رواه الحفاظ عن هشام‏.‏
وقال عبد الرحيم بن سليمان عند النسائي والدراوردي عند الطبراني ويحيى بن عبد الله بن سالم عند الدار قطني ثلاثتهم عن هشام عن أبيه عن عائشة عن حمزة بن عمرو جعلوه من مسند حمزة والمحفوظ أنه من مسند عائشة، ويحتمل أن يكون هؤلاء لم يقصدوا بقولهم ‏"‏ عن حمزة ‏"‏ الرواية عنه وإنما أرادوا الإخبار عن حكايته فالتقدير عن عائشة عن قصة حمزة أنه سأل، لكن قد صح مجيء الحديث من رواية حمزة، فأخرجه مسلم من طريق أبي الأسود عن عروة عن أبي مراوح عن حمزة، وكذلك رواه محمد بن إبراهيم التيمي عن عروة لكنه أسقط أبا مراوح والصواب إثباته، وهو محمول على أن لعروة فيه طريقين‏:‏ سمعه من عائشة، وسمعه من أبي مراوح عن حمزة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسرد الصوم‏)‏ أي أتابعه، واستدل به على أن لا كراهية في صيام الدهر، ولا دلالة فيه لأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر، فإن ثبت النهي عن صوم الدهر لم يعارضه هذا الإذن بالسرد، بل الجمع بينهما واضح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أأصوم في السفر الخ‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ ليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان فلا يكون فيه حجة على من منع صيام رمضان في السفر‏.‏
قلت‏:‏ وهو كما قال بالنسبة إلى سياق حديث الباب، لكن في رواية أبي مراوح التي ذكرتها عند مسلم أنه قال ‏"‏ يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هي رخصة من الله، فن أخذ بها حسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ‏"‏ وهذا يشعر بأنه سأل عن صيام، الفريضة، وذلك أن الرخصة إنما تطلق في مقابلة ما هو واجب‏.‏
وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه أنه قال ‏"‏ يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه، وأنه ربما صادفني هذا الشهر - يعني رمضان - وأنا أجد القوة، وأجدني أن أصوم أهون علي من أن أوخره فيكون دينا علي، فقال‏:‏ أي ذلك شئت يا حمزة‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n169&p1#TOP)باب إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر‏)‏ أي هل يباح له الفطر أو لا، وكأنه أشار إلى تضعيف ما روي عن علي، وإلى رد ما روي عن غيره في ذلك، قال ابن المنذر‏:‏ روي عن علي بإسناد ضعيف‏.‏
وقال به عبيدة بن عمرو وأبو مجلز وغيرهما ونقله النووي عن أبي مجلز وحده، ووقع في بعض الشروح أبو عبيدة وهو وهم، قالوا‏:‏ إن من استهل عليه رمضان في الحضر ثم سافر بعد ذلك فليس له أن يفطر لقوله تعالى ‏(‏فمن شهد منكم الشهر فليصمه‏)‏ قال‏:‏ وقال اكثر أهل العلم لا فرق بينه وبين من استهل رمضان في السفر، ثم ساق ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عمر قال‏:‏ قوله تعالى ‏(‏فمن شهد منكم الشهر فليصمه‏)‏ نسخها قوله تعالى ‏(‏ومن كان مريضا أو على سفر‏)‏ الآية‏.‏
ثم احتج للجمهور بحديث ابن عباس المذكور في هذا الباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَالْكَدِيدُ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرج إلى مكة‏)‏ كان ذلك في غزوة الفتح كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما بلغ الكديد‏)‏ بفتح الكاف وكسر الدال المهملة مكان معروف وقع تفسيره في نفس الحديث بأنه بين عسفان وقديد، يعني بضم القاف على التصغير‏.‏
ووقع في رواية المستملي وحده نسبة هذا التفسير للبخاري، لكن سيأتي في المغازي موصولا من وجه آخر في نفس الحديث، وسيأتي قريبا عن ابن عباس من وجه آخر ‏"‏ حتى بلغ عسفان ‏"‏ بدل الكديد، وفيه مجاز القرب لأن الكديد أقرب إلى المدينة من عسفان، وبين الكديد ومكة مرحلتان، قال البكري‏:‏ هو بين أمج - بفتحتين وجيم - وعسفان وهو ماء عليه نخل كثير‏.‏
ووقع عند مسلم في حديث جابر ‏"‏ فلما بلغ كراع الغميم ‏"‏ هو بضم الكاف والغميم بفتح المعجمة وهو اسم واد أمام عسفان، قال عياض‏:‏ اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر صلى الله عليه وسلم فيه، والكل في قصة واحدة وكلها متقاربة والجميع من عمل عسفان ا ه، وسيأتي في المغازي من طريق معمر عن الزهري سياق هذا الحديث أوضح من رواية مالك، ولفظ رواية معمر ‏"‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف من المسلمين، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة فسار ومن معه من المسلمين يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطروا، قال الزهري‏:‏ وإنما يؤخذ بالآخرة فالآخرة من أمره صلى الله عليه وسلم، وهذه الزيادة التي في آخره من قول الزهري، وقعت مدرجة عند مسلم من طريق الليث عن الزهري ولفظه ‏"‏ حتى بلغ الكديد أفطر، قال وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره ‏"‏ وأخرجه من طريق سفيان عن الزهري قال مثله، قال سفيان‏:‏ لا أدري من قول من هو، ثم أخرجه من طريق معمر ومن طريق يونس كلاهما عن الزهري، وبينا أنه من قول الزهري، وبذلك جزم البخاري في الجهاد، وظاهره أن الزهري ذهب إلى أن الصوم في السفر منسوخ ولم يوافق على ذلك كما سيأتي قريبا‏.‏
وأخرج البخاري في المغازي أيضا من طريق خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان والناس صائم ومفطر، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته ثم نظر الناس ‏"‏ زاد في رواية أخرى من طريق طاوس عن ابن عباس ‏"‏ ثم دعا بماء فشرب نهارا ليراه الناس ‏"‏ وأخرجه الطحاوي من طريق أبي الأسود عن عكرمة أوضح من سياق خالد ولفظه ‏"‏ فلما بلغ الكديد بلغه أن الناس يشق عليهم الصيام، فدعا بقدح من لبن فأمسكه بيده حتى رآه الناس وهو على راحلته ثم شرب فأفطر، فناوله رجلا إلى جنبه فشرب ‏"‏ ولمسلم من طريق الدراوردي عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر في هذا الحديث ‏"‏ فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر ‏"‏ وله من وجه آخر عن جعفر ‏"‏ ثم شرب فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال‏:‏ أولئك العصاة ‏"‏ واستدل بهذا الحديث على تحتم الفطر في السفر، ولا دلالة فيه كما سيأتي‏.‏
واستدل به على أن للمسافر أن يفطر في أثناء النهار ولو استهل رمضان في الحضر والحديث نص في الجواز إذ لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم استهل رمضان في عام غزوة الفتح وهو بالمدينة ثم سافر في أثنائه‏.‏
ووقع في رواية ابن إسحاق في المغازي عن الزهري في حديث الباب أنه خرج لعشر مضين من رمضان، ووقع في مسلم من حديث أبي سعيد اختلاف من الرواة في ضبط ذلك، والذي اتفق عليه أهل السير أنه خرج في عاشر رمضان ودخل مكة لتسع عشرة ليلة خلت منه، واستدل به على أن للمرء أن يفطر ولو نوى الصيام من الليل وأصبح صائما فله أن يفطر في أثناء النهار وهو قول الجمهور وقطع به أكثر الشافعية، وفي وجه ليس له أن يفطر وكأن مستند قائله ما وقع في البويطي من تعليق القول به على صحة حديث ابن عباس هذا، وهذا كله فيما لو نوى الصوم في السفر، فأما لو نوى الصوم وهو مقيم ثم سافر في أثناء النهار فهل له أن يفطر في ذلك النهار‏؟‏ منعه الجمهور‏.‏
وقال أحمد وإسحاق بالجواز، واختاره المزني محتجا بهذا الحديث، فقيل له قال كذلك، ظنا منه أنه صلى الله عليه وسلم أفطر في اليوم الذي خرج فيه من المدينة، وليس كذلك فإن بين المدينة والكديد عدة أيام‏.‏
وقد وقع في البويطي مثل ما وقع عند المزني فسلم المزني، وأبلغ من ذلك ما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي عن أنس أنه كان إذا أراد السفر يفطر في الحضر قبل أن يركب‏.‏
ثم لا فرق عند المجيزين في الفطر بكل مفطر، وفرق أحمد في المشهور عنه بين الفطر بالجماع وغيره فمنعه في الجماع، قال فلو جامع فعليه الكفارة إلا إن أفطر بغير الجماع قبل الجماع، واعترض بعض المانعين في أصل المسألة فقال‏:‏ ليس في الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم نوى الصيام في ليله اليوم الذي أفطر فيه، فيحتمل أن يكون نوى أن يصبح مفطرا ثم أظهر الإفطار ليفطر الناس، لكن سياق الأحاديث ظاهر في أنه كان أصبح صائما ثم أفطر‏.‏
وقد روى ابن خزيمة وغيره من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران، فأتى بطعام فقال لأبي بكر وعمر‏:‏ ادنوا فكلا، فقالا إنا صائمان، فقال اعملوا لصاحبيكم ارحلوا لصاحبيكم ادنوا فكلا ‏"‏ قال ابن خزيمة‏:‏ فيه دليل على أن للصائم السفر الفطر بعد مضي بعض النهار‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال القابسي‏:‏ هذا الحديث من مرسلات الصحابة لأن ابن عباس كان في هذه السفرة مقيما مع أبويه بمكة فلم يشاهد هذه القصة، فكأنه سمعها من غيره من الصحابة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n169&p1#TOP)باب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ رَوَاحَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا للأكثر بغير ترجمة، وسقط من رواية النسفي، وعلى الحالين لا بد أن يكون لحديث أبي الدرداء المذكور فيه تعلق بالترجمة، ووجهه ما وقع من إفطار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في السفر بمحضر منه، ولم ينكر عليهم فدل على الجواز، وعلى رد قول من قال‏:‏ من سافر في شهر رمضان امتنع عليه الفطر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أم الدرداء‏)‏ في رواية أبي داود من طريق سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله وهو ابن أبي المهاجر الدمشقي ‏"‏ حدثتني أم الدرداء ‏"‏ والإسناد كله شاميون سوى شيخ البخاري وقد دخل الشام، وأم الدرداء هي الصغرى التابعية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره‏)‏ في رواية مسلم من طريق سعيد بن عبد العزيز أيضا ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد ‏"‏ الحديث، وبهذه الزيادة يتم المراد من الاستدلال، ويتوجه الرد بها على أبي محمد بن حزم في زعمه أن حديث أبي الدرداء هذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوعا، وقد كنت ظننت أن هذه السفرة غزوة الفتح لما رأيت في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن عن رجل من الصحابة قال ‏"‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج في الحر وهو يصب على رأسه الماء - وهو صائم - من العطش ومن الحر، فلما بلغ الكديد أفطر ‏"‏ فإنه يدل على أن غزاة الفتح كانت في أيام شدة الحر، وقد اتفقت الروايتان على أن كلا من السفرتين كان في رمضان، لكنني رجعت عن ذلك وعرفت أنه ليس بصواب لأن عبد الله بن رواحة استشهد بمؤتة قبل غزوة الفتح بلا خلاف وإن كانتا جميعا في سنة واحدة، وقد استثناه أبو الدرداء في هذه السفرة النبي صلى الله عليه وسلم فصح أنها كانت سفرة أخرى‏.‏
وأيضا فإن في سياق أحاديث غزوة الفتح أن الذين استمروا من الصحابة صياما كانوا جماعة، وفي هذا أنه عبد الله بن رواحة وحده‏.‏
وأخرج الترمذي من حديث عمر ‏"‏ غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان يوم بدر ويوم الفتح ‏"‏ الحديث، ولا يصح حمله أيضا على بدر لأن أبا الدرداء لم يكن حينئذ أسلم، وفي الحديث دليل على أن لا كراهية في الصوم في السفر لمن قوى عليه ولم يصبه منه مشقة شديدة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n169&p1#TOP)باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر‏:‏ ليس من البر الصيام في السفر‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ليس من البر الصيام في السفر ‏"‏ ما ذكره من المشقة، وأن من روى الحديث مجردا فقد اختصر القصة، وبما أشار إليه من اعتبار شدة المشقة يجمع بين حديث الباب والذي قبله، فالحاصل أن الصوم لمن قوى عليه أفضل من الفطر، والفطر لمن شق عليه الصوم أو أعرض عن قبول الرخصة أفضل من الصوم، وأن من لم يتحقق المشقة يخير بين الصوم والفطر‏.‏
وقد اختلف السلف في هذه المسألة فقالت طائفة‏:‏ لا يجزئ الصوم في السفر عن الفرض، بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر لظاهر قوله تعالى ‏(‏فعدة من أيام أخر‏)‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ليس من البر الصيام في السفر ‏"‏ ومقابلة البر الإثم، وإذا كان آثما بصومه لم يجزئه وهذا قول بعض أهل الظاهر، وحكى عن عمر وابن عمر وأبي هريرة والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم، واحتجوا بقوله تعالى ‏(‏فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر‏)‏ قالوا ظاهره فعليه عدة أو فالواجب عدة، وتأوله الجمهور بأن التقدير فأفطر فعدة، ومقابل هذا القول قول من قال إن الصوم في السفر لا يجوز إلا لمن خاف على نفسه الهلاك أو المشقة الشديدة حكاه الطبري عن قوم، وذهب أكثر العلماء ومنهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن الصوم أفضل لمن قوى عليه ولم يشق عليه‏.‏
وقال كثير منهم الفطر أفضل عملا بالرخصة وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق‏.‏
وقال آخرون هو مخير مطلقا‏.‏
وقال آخرون أفضلهما أيسرهما لقوله تعالى ‏(‏يريد الله بكم اليسر‏)‏ فإن كان الفطر أيسر عليه فهو أفضل في حقه، وإن كان الصيام أيسر كمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل وهو قول عمر بن عبد العزيز واختاره ابن المنذر، والذي يترجح قول الجمهور، ولكن قد يكون الفطر أفضل لمن اشتد عليه الصوم وتضرر به، وكذلك من ظن به الإعراض عن قبول الرخصة كما تقدم نظيره في المسح على الخفين، وسيأتي نظيره في تعجيل الإفطار، وقد روى أحمد من طريق أبي طعمة قال‏:‏ قال رجل لابن عمر‏:‏ إني أقوى على الصوم في السفر، فقال له ابن عمر‏:‏ من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة، وهذا محمول على من رغب عن الرخصة لقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏من رغب عن سنتي فليس مني ‏"‏ وكذلك من خاف على نفسه العجب أو الرياء إذا صام في السفر فقد يكون الفطر أفضل له، وقد أشار إلى ذلك ابن عمر، فروى الطبري من طريق مجاهد قال‏:‏ إذا سافرت فلا تصم، فإنك إن تصم قال أصحابك‏:‏ اكفوا الصائم، ارفعوا للصائم، وقاموا بأمرك‏.‏
وقالوا فلان صائم، فلا تزال كذلك حتى يذهب أجرك‏.‏
ومن طريق مجاهد أيضا عن جنادة بن أمية عن أبي ذر نحو ذلك، وسيأتي في الجهاد من طريق مؤرق عن أنس نحو هذا مرفوعا حيث قال صلى الله عليه وسلم للمفطرين حيث خدموا الصيام ‏"‏ ذهب المفطرون اليوم بالأجر ‏"‏ واحتج من منع الصوم أيضا بما وقع في الحديث الماضي أن ذلك كان آخر الأمرين، وأن الصحابة كانوا يأخذون بالآخر فالآخر من فعله، وزعموا أن صومه صلى الله عليه وسلم في السفر منسوخ، وتعقب أولا بما تقدم من أن هذه الزيادة مدرجة من قول الزهري، وبأنه استند إلى ظاهر الخبر من أنه صلى الله عليه وسلم أفطر بعد أن صام ونسب من صام إلى العصيان، ولا حجة في شيء من ذلك لأن مسلما أخرج من حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم صام بعد هذه القصة في السفر ولفظه ‏"‏ سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، فنزلنا منزلا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر، فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنكم مصبحو عدوكم فالفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت عزيمة فأفطرنا‏.‏
ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر ‏"‏ وهذا الحديث نص في المسألة، ومنه يؤخذ الجواب عن نسبته صلى الله عليه وسلم الصائمين إلى العصيان لأنه عزم عليهم فخالفوا، وهو شاهد لما قلناه من أن الفطر أفضل لمن شق عليه الصوم، ويتأكد ذلك إذا كان يحتاج إلى الفطر للتقوى به على لقاء العدو، وروى الطبري في تهذيبه من طريق خيثمة سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر فقال‏:‏ لقد أمرت غلامي أن يصوم، قال فقلت له فأين هذه الآية ‏(‏فعدة من أيام أخر‏)‏ فقال‏:‏ إنها نزلت ونحن نرتحل جياعا وننزل على غير شبع، وأما اليوم فنرتحل شباعا وننزل على شبع، فأشار أنس إلى الصفة التي يكون فيها الفطر أفضل من الصوم‏.‏
وأما الحديث المشهور ‏"‏ الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ‏"‏ فقد أخرجه ابن ماجة مرفوعا من حديث ابن عمر بسند ضعيف، وأخرجه الطبري من طريق أبي سلمة عن عائشة مرفوعا أيضا وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، ورواه الأثرم من طريق أبي سلمة عن أبيه مرفوعا والمحفوظ عن أبي سلمة عن أبيه موقوفا كذلك أخرجه النسائي وابن المنذر، ومع وقفه فهو منقطع لأن أبا سلمة لم يسمع من أبيه، وعلى تقدير صحته فهو محمول على ما تقدم أولا حيث يكون الفطر أولى من الصوم والله أعلم‏.‏
وأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ليس من البر الصيام في السفر ‏"‏ فسلك المجيزون فيه طرقا‏:‏ فقال بعضهم قد خرج على سبب فيقصر عليه وعلى من كان في مثل حاله، وإلى هذا جنح البخاري في ترجمته، ولذا قال الطبري بعد أن ساق نحو حديث الباب من رواية كعب بن عاصم الأشعري ولفظه ‏"‏ سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في حر شديد، فإذا رجل من القوم قد دخل تحت ظل شجرة وهو مضطجع كضجعة الوجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما لصاحبكم، أي وجع به‏؟‏ فقالوا ليس به وجع، ولكنه صائم وقد اشتد عليه الحر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ليس البر أن تصوموا في السفر، عليكم برخصة الله التي رخص لكم ‏"‏ فكان قوله صلى الله عليه وسلم ذلك لمن كان في مثل ذلك الحال‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ أخذ من هذه القصة أن كراهة الصوم في السفر مختصة بمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب، فينزل قوله ‏"‏ ليس من البر الصوم في السفر ‏"‏ على مثل هذه الحالة‏.‏
قال‏:‏ والمانعون في السفر يقولون إن اللفظ عام، والعبرة بعمومه لا بخصوص السبب، قال‏:‏ وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام على سبب، فإن بين العامين فرقا واضحا، ومن أجراهما مجرى واحدا لم يصب، فإن مجرد ورود العام على سبب لا يقتضي التخصيص به كنزول آية السرقة في قصة سرقة رداء صفوان، وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة لبيان المجملات وتعيين المحتملات كما في حديث الباب‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ هذه القصة تشعر بأن من اتفق له مثل ما اتفق لذلك الرجل أنه يساويه في الحكم؛ وأما من سلم من ذلك ونحوه فهو في جواز الصوم على أصله والله أعلم‏.‏
وحمل الشافعي نفى البر المذكور في الحديث على من أبى قبول الرخصة فقال‏:‏ معنى قوله ‏"‏ ليس من البر ‏"‏ أن يبلغ رجل هذا بنفسه في فريضة صوم ولا نافلة، وقد أرخص الله تعالى له أن يفطر وهو صحيح، قال ويحتمل أن يكون معناه ليس من البر المفروض الذي من خالفه أثم، وجزم ابن خزيمة وغيره بالمعنى الأول‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ المراد بالبر هنا البر الكامل الذي هو أعلى مراتب البر، وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون برأ لأن الإفطار قد يكون أبر من الصوم إذا كان للتقوى على لقاء العدو مثلا، قال‏:‏ وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ليس المسكين بالطواف ‏"‏ الحديث، فإنه لم يرد إخراجه من أسباب المسكنة كلها، وإنما أراد أن المسكين الكامل المسكنة الذي لا يجد غني يغنيه ويستحيي أن يسأل ولا يفطن له‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأنصاري‏)‏ عند مسلم من طريق غندر عن شعبة عن محمد ابن عبد الرحمن يعني ابن سعد، ولأبي داود عن أبي الوليد عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن يعني بن سعد ابن زرارة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت محمد بن عمرو الخ‏)‏ أدخل محمد بن عبد الرحمن بن سعد بينه وبين جابر محمد بن عمرو ابن الحسن في رواية شعبة عنه، واختلف في حديثه على يحيى بن أبي كثير فأخرجه النسائي من طريق شعيب ابن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن حدثني جابر بن عبد الله فذكره، قال النسائي‏:‏ هذا خطأ، ثم ساقه من طريق الفريابي عن الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن حدثني من سمع جابرا، ومن طريق علي بن المبارك عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن رجل عن جابر ثم قال‏:‏ ذكر تسمية هذا الرجل المبهم، فساق طريق شعبة ثم قال هذا هو الصحيح، يعني إدخال رجل بين محمد بن عبد الرحمن وجابر، وتعقبه المزي فقال ظن النسائي أن محمد بن عبد الرحمن شيخ شعبة في هذا الحديث هو محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى بن أبي كثير فيه، وليس كذلك لأن شيخ يحيى هو محمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان وشيخ شعبة هو ابن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ا ه‏.‏
والذي يترجح في نظري أن الصواب مع النسائي، لأن مسلما لما روى الحديث من طريق أبي داود عن شعبة قال في آخره‏:‏ قال شعبة كان بلغني هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الإسناد في هذا الحديث ‏"‏ عليكم برخصة الله التي رخص لكم ‏"‏ فلما سألته لم يحفظه ا هـ‏.‏
والضمير في سألت يرجع إلى محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى لأن شعبة لم يلق يحيى فدل على أن شعبة أخبر أنه كان يبلغه عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو عن جابر في هذا الحديث زيادة، ولأنه لما لقي محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى سأله عنها فلم يحفظها‏.‏
وأما ما وقع في رواية الأوزاعي عن يحيى أنه نسب محمد بن عبد الرحمن فقال فيه ابن ثوبان فهو الذي اعتمده المزي، لكن جزم أبو حاتم كما نقله عنه ابنه في ‏"‏ العلل ‏"‏ بأن من قال فيه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان فقد وهم، وإنما هو ابن عبد الرحمن بن سعد ا ه‏.‏
وقد اختلف فيه مع ذلك على الأوزاعي، وجل الرواة عن يحيى ابن أبي كثير لم يزيدوا على محمد بن عبد الرحمن، لا يذكرون جده ولا جد جده والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر‏)‏ تبين من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أنها غزوة الفتح، ولابن خزيمة من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر ‏"‏ سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ‏"‏ فذكر نحوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورجلا قد ظلل عليه‏)‏ في رواية حماد المذكورة ‏"‏ فشق على رجل الصوم فجعلت راحلته تهيم به تحت الشجرة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأمره أن يفطر ‏"‏ الحديث ولم أقف على اسم هذا الرجل، ولولا ما قدمته من أن عبد الله بن رواحة استشهد قبل غزوة الفتح لأمكن أن يفسر به لقول أبي الدرداء إنه لم يكن من الصحابة في تلك السفرة صائما غيره، وزعم مغلطاي أنه أبو إسرائيل وعزا ذلك لمبهمات الخطيب، ولم يقل الخطيب ذلك في هذه القصة وإنما أورد حديث مالك عن حميد بن قيس وغيره ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقالوا نذر أن لا يستظل ولا يتكلم ولا يجلس ويصوم ‏"‏ الحديث، ثم قال‏:‏ هذا الرجل هو أبو إسرائيل القرشي العامري، ثم ساق بإسناده إلى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فنظر إلى رجل من قريش يقال له أبو إسرائيل فقالوا‏:‏ نذر أن يصوم ويقوم في الشمس ‏"‏ الحديث فلم يزد الخطيب على هذا، وبين القصتين مغايرات ظاهرة أظهرها أنه كان في الحضر في المسجد وصاحب القصة في حديث جابر كان في السفر تحت ظلال الشجر والله أعلم‏.‏
وفي الحديث استحباب التمسك بالرخصة عند الحاجة إليها، وكراهة تركها على وجه التشديد والتنطيع‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أوهم كلام صاحب ‏"‏ العمدة ‏"‏ أن قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏عليكم برخصة الله التي رخص لكم ‏"‏ مما أخرجه مسلم بشرطه، وليس كذلك وإنما هي بقية في الحديث لم يوصل إسنادها كما تقدم بيانه، نعم وقعت عند النسائي موصولة في حديث يحيى بن أبي كثير بسنده، وعند الطبراني من حديث كعب بن عاصيم الأشعري كما تقدم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n169&p1#TOP)باب لَمْ يَعِبْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لم يعب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم بعضا في الصوم والإفطار‏)‏ أي في الأسفار، وأشار بهذا إلى تأكيد ما اعتمده من تأويل الحديث الذي قبله، وأنه محمول على من بلغ حالة يجهد بها، وأن من لم يبلغ ذلك لا يعاب عليه الصيام ولا الفطر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ في رواية أبي خالد عند مسلم عن حميد التصريح بالإخبار بين حميد وأنس، ولفظه عن حميد ‏"‏ خرجت فصمت فقالوا لي أعد، فقلت إن أنسا أخبرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، قال حميد فلقيت ابن أبي مليكة فأخبرني عن عائشة مثله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في حديث أبي سعيد عند مسلم ‏"‏ كنا نغزو مع رسول الله فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفا فأفطر أن ذلك حسن، وهذا التفصيل هو المعتمد، وهو نص رافع للنزاع كما تقدم والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ نقل ابن عبد البر عن محمد بن وضاح أن مالكا تفرد بسياق هذا الحديث على هذا اللفظ، وتعقبه بأن أبا إسحاق الفزاري وأبا ضمرة وعبد الوهاب الثقفي وغيرهم رووه عن حميد مثل مالك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n169&p1#TOP)باب مَنْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أفطر في السفر ليراه الناس‏)‏ أي إذا كان ممن يقتدي به، وأشار بذلك إلى أن أفضلية الفطر لا تختص بمن أجهده الصوم أو خشي العجب والرياء أو ظن به الرغبة عن الرخصة، بل يلحق بذلك من يقتدي به ليتابعه من وقع له شيء من الأمور الثلاثة ويكون الفطر في حقه في تلك الحالة أفضل لفضيلة البيان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَرَفَعَهُ إِلَى يَدَيْهِ لِيُرِيَهُ النَّاسَ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس‏)‏ كذا عنده من طريق أبي عوانة عن منصور عن مجاهد، وكذا أخرجه من طريق جرير عن منصور في المغازي، وأخرجه النسائي من طريق شعبة عن منصور فلم يذكر طاوسا في الإسناد، وكذا أخرجه من طريق الحكم عن مجاهد عن ابن عباس، فيحتمل أن يكون مجاهد أخذه عن طاوس عن ابن عباس ثم لقي ابن عباس فحمله عنه، أو سمعه من ابن عباس وثبته فيه طاوس، وقد تقدم نظير ذلك في حديث ابن عباس في قصة الجريدتين على القبرين في الطهارة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرفعه إلى يده‏)‏ كذا في الأصول التي وقفت عليها من البخاري، وهو مشكل لأن الرفع إنما يكون باليد، وأجاب الكرماني بأن المعنى يجتمل أن يكون رفعه إلى أقصى طول يده، أي انتهى الرفع إلى أقصى غايتها‏.‏
قلت‏.‏
‏:‏ وقد وقع عند أبي داود عن مسدد عن أبي عوانة بالإسناد المذكور في البخاري ‏"‏ فرفعه إلى فيه ‏"‏ وهذا أوضح، ولعل الكلمة تصحفت، وقد تقدم ما يؤيد ذلك سياق ألفاظ الرواة لهذا الحديث عن ابن عباس وغيره مع بقية مباحث المتن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليراه الناس‏)‏ كذا للأكثر، والناس بالرفع على الفاعلية‏.‏
وفي رواية المستملي ‏"‏ ليريه ‏"‏ بضم أوله وكسر الراء وفتح التحتانية والناس بالنصب على المفعولية، ويحتمل أن يكون الناسخ كتب ‏"‏ ليراه الناس ‏"‏ بالياء فلا يكون بين الروايتين اختلاف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكان ابن عباس يقول الخ‏)‏ فهم ابن عباس من فعله صلى الله عليه وسلم ذلك أنه لبيان الجواز لا للأولوية، وقد تقدم في حديث أبي سعيد جابر عند مسلم ما يوضح المراد‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:45 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n170&p1#TOP)باب وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ نَسَخَتْهَا شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى ‏(‏وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين‏)‏‏)‏ قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع‏:‏ نسختها ‏(‏شهر رمضان الذي أنزل فيه - إلى قوله - على ما هداكم ولعلكم تشكرون‏)‏ أما حديث ابن عمر فوصله في آخر الباب عن عياش وهو بتحتانية ومعجمة، وقد أخرجه عنه أيضا في التفسير وزاد أنه ابن الوليد وهو الرقام، وشيخه عبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى البصري السامي بالمهملة، ولكن لم يعين الناسخ، وقد أخرجه الطبري من طريق عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر بلفظ‏:‏ نسخت هذه الآية ‏(‏وعلى الذين يطيقونه‏)‏ التي بعدها ‏(‏فمن مهد منكم الشهر فليصمه‏)‏ وعلى هذا فقوله في الترجمة ‏"‏ وفي حديث سلمة نسختها شهر رمضان ‏"‏ أي الآية التي أولها ‏(‏شهر رمضان‏)‏ لاشتمالها على موضع النسخ، وقوله تعالى ‏(‏فمن شهد منكم الشهر فليصمه‏)‏ ، وأما حديث سلمة فوصله في تفسير البقرة بلفظ لما نزلت ‏(‏وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين‏)‏ كان من أراد أن يفطر أفطر وافتدى حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن نمير الخ‏)‏ وصله أبو نعيم في المستخرج والبيهقي من طريقه، ولفظ البيهقي ‏"‏ قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولا عهد لهم بالصيام، فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل ‏(‏شهر رمضان‏)‏ فاستكثروا ذلك وشق عليهم، فكان من أطعم مسكينا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك، ثم نسخه ‏(‏وأن تصوموا خير لكم‏)‏ فأمروا بالصيام ‏"‏ وهذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش مطولا في الأذان والقبلة والصيام، واختلف في إسناده اختلافا كثيرا، وطريق ابن نمير هذه أرجحها، وإذا تقرر أن الإفطار والإطعام كان رخصة ثم نسخ لزم أن يصبر الصيام حتما واجبا فكيف يلتئم مع قوله تعالى ‏(‏وأن تصوموا خير لكم‏)‏ والخيرية لا تدل على الوجوب بل المشاركة في أصل الخير‏؟‏ أجاب الكرماني بأن المعنى فالصوم خير من التطوع بالفدية، والتطوع بها كان سنة، والخير من السنة لا يكون إلا واجبا أي لا يكون شيء خيرا من السنة إلا الواجب، كذا قال ولا يخفى بعده وتكلفه‏.‏
ودعوى الوجوب في خصوص الصيام في هذه الآية ليست بظاهرة، بل هو واجب مخير، من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم، فنصت الآية على أن الصوم أفضل، وكون بعض الواجب المخير أفضل من بعض لا إشكال فيه، واتفقت هذه الأخبار على أن قوله‏:‏ ‏(‏وعلى الذين يطيقونه فدية‏)‏ منسوخ، وخالف في ذلك ابن عباس فذهب إلى أنها محكمة لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير ونحوه، وسيأتي بيان ذلك والبحث فيه في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف من تفسير البقرة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n170&p1#TOP)باب مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي صَوْمِ الْعَشْرِ لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ الْإِطْعَامَ إِنَّمَا قَالَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يقضي قضاء رمضان‏؟‏‏)‏ أي متى تصام الأيام التي تقضي عن فوات رمضان‏؟‏ وليس المراد قضاء القضاء على ما هو ظاهر اللفظ، ومراد الاستفهام هل يتعين قضاؤه متتابعا أو يجوز متفرقا‏؟‏ وهل يتعين على الفور أو يجوز على التراخي‏؟‏ قال الزين بن المنير‏:‏ جعل المصنف الترجمة استفهاما لتعارض الأدلة، لأن ظاهر قوله تعالى ‏(‏فعدة من أيام أخر‏)‏ يقتضي التفريق لصدق ‏"‏ أيام أخر ‏"‏ سواء كانت متتابعة أو متفرقة، والقياس يقتضي التتابع إلحاقا لصفة القضاء بصفة الأداء، وظاهر صنيع عائشة يقتضي إيثار المبادرة إلى القضاء لولا ما منعها من الشغل، فيشعر بأن من كان بغير عذر لا ينبغي له التأخير‏.‏
قلت‏:‏ ظاهر صنيع البخاري يقتضي جواز التراخي والتفريق لما أودعه في الترجمة من الآثار كعادته وهو قول الجمهور، ونقل ابن المنذر وغيره عن علي وعائشة وجوب التتابع وهو قول بعض أهل الظاهر، وروى عبد الرزاق بسنده عن ابن عمر قال‏:‏ يقضيه تباعا‏.‏
وعن عائشة‏:‏ نزلت ‏"‏ فعدة من أيام أخر متتابعات ‏"‏ فسقطت متتابعات‏.‏
وفي ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أنها قراءة أبي كعب، وهذا إن صح يشعر بعدم وجوب التتابع فكأنه كان أولا واجبا ثم نسخ، ولا يختلف المجيزون للتفريق أن التتابع أولى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ لا بأس أن يفرق لقول الله تعالى‏:‏ ‏(‏فعدة من أيام أخر‏)‏‏)‏ وصله مالك عن الزهري‏:‏ أن ابن عباس وأبا هريرة اختلفا في قضاء رمضان، فقال أحدهما يفرق وقال الآخر لا يفرق‏.‏
هكذا أخرجه منقطعا مبهما، ووصله عبد الرزاق معينا عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس فيمن عليه قضاء من رمضان قال‏:‏ يقضيه مفرقا، قال الله تعالى ‏(‏فعدة من أيام أخر‏)‏ ، وأخرجه الدار قطني من وجه آخر عن معمر بسنده قال‏:‏ صمه كيف شئت‏.‏
ورويناه في ‏"‏ فوائد أحمد ابن شبيب ‏"‏ من روايته عن أبيه عن يونس عن الزهري بلفظ‏:‏ لا يضرك كيف قضيتها إنما هي عدة من أيام أخر فأحصه‏.‏
وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس وأبا هريرة قالا‏:‏ فرقه إذا أحصيته‏.‏
وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي هريرة نحو قول ابن عمر، وكأنه اختلف فيه عن أبي هريرة‏.‏
وروى ابن أبي شيبة أيضا من طريق معاذ بن جبل‏:‏ إذا أحصى العدة فليصم كيف شاء‏.‏
ومن طريق أبي عبيدة بن الجراح ورافع بن خديج نحوه، وروى سعيد بن منصور عن أنس نحوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر لا يصلح حق يبدأ برمضان‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عنه نحوه ولفظه ‏"‏ لا بأس أن يقضي رمضان في العشر ‏"‏ وظاهر قوله جواز التطوع بالصوم لمن عليه دين من رمضان، إلا أن الأولى له أن يصوم الدين أولا لقوله ‏"‏ لا يصلح ‏"‏ فإنه ظاهر في الإرشاد إلى البداءة بالأهم والآكد، وقد روى عبد الرزاق عن أبي هريرة أن رجلا قال له إن علي أياما من رمضان أفأصوم العشر تطوعا‏؟‏ قال‏:‏ لا، ابدأ بحق الله ثم تطوع ما شئت‏.‏
وعن عائشة نحوه‏.‏
وروى ابن المنذر عن علي أنه نهى عن قضاء رمضان في عشر ذي الحجة وإسناده ضعيف، قال وروى بإسناد صحيح نحوه عن الحسن والزهري وليس مع أحد منهم حجة على ذلك، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عمر أنه كان يستحب ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم‏)‏ أي النخعي ‏(‏إذا فرط حتى جاء رمضان آخر يصومهما، ولم ير عليه إطعاما‏)‏ وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ حتى جاز ‏"‏ بزاي بدل الهمزة من الجواز، وفي نسخة ‏"‏ حان ‏"‏ بمهملة ونون من الحين، وصله سعيد بن منصور من طريق يونس عن الحسن، ومن طريق الحارث العكلي عن إبراهيم، قال‏:‏ إذا تتابع عليه رمضانان صامهما فإن صح بينهما فلم يقض الأول فبئسما صنع فليستغفر الله وليصم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن أبي هريرة مرسلا، وعن ابن عباس أنه يطعم‏)‏ أما أثر أبي هريرة فوجدته عنه من طرق موصولا، فأخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء عن أبي هريرة قال‏:‏ أي إنسان مرض في رمضان ثم صح فلم يقضه حتى أدركه رمضان آخر فليصم الذي حدث ثم يقض الآخر ويطعم مع كل يوم مسكينا‏.‏
قلت لعطاء‏:‏ كم بلغك يطعم‏؟‏ قال مدا زعموا ‏"‏ وأخرجه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن أبي إسحاق، عن مجاهد عن أبي هريرة نحوه وقال فيه ‏"‏ وأطعم عن كل يوم نصف صاع من قمح ‏"‏ وأخرجه الدار قطني من طريق مطرف عن أبي إسحاق نحوه، ومن طريق رقبة وهو ابن مصقلة قال ‏"‏ زعم عطاء أنه سمع أبا هريرة يقول في المريض يمرض ولا يصوم رمضان ثم يترك حتى يدركه رمضان آخر قال‏:‏ يصوم الذي حضره ثم يصوم الآخر ويطعم لكل يوم مسكينا ‏"‏ ومن طريق ابن جريج وقيس بن سعد عن عطاء نحوه‏.‏
وأما قول ابن عباس فوصله سعيد بن منصور عن هشيم والدار قطني من طريق ابن عيينة كلاهما عن يونس ‏"‏ عن أبي إسحاق عن مجاهد عن ابن عباس قال‏:‏ من فرط في صيام رمضان حتى أدركه رمضان آخر فليصم هذا الذي أشركه ثم ليصم ما فاته ويطعم مع كل يوم مسكينا ‏"‏ وأخرجه عبد الرزاق من طريق جعفر بن برقان، وسعيد بن منصور من طريق حجاج، والبيهقي من طريق شعبة عن الحكم، كلهم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس نحوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يذكر الله تعالى الإطعام، إنما قال‏:‏ فعدة من أيام أخر‏)‏ هذا من كلام المصنف قاله تفقها، وظن الزين بن المنير أنه بقية كلام إبراهيم النخعي، وليس كما ظن فإنه مفصول من كلامه بأثر أبي هريرة وابن عباس، لكن إنما يقوى ما احتج به إذا لم يصح في السنة دليل الإطعام إذ لا يلزم من عدم ذكره في الكتاب أن لا يثبت بالسنة، ولم يثبت فيه شيء مرفوع وإنما جاء فيه عن جماعة من الصحابة منهم من ذكر ومنهم عمر عند عبد الرزاق، ونقل الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال‏:‏ وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم فيه مخالفا‏.‏
انتهى‏.‏
وهو قول الجمهور، وخالف في ذلك إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأصحابه، ومال الطحاوي إلى قول الجمهور في ذلك، وممن قال بالإطعام ابن عمر لكنه بالغ في ذلك فقال يطعم ولا يصوم، فروى عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما من طرق صحيحة عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ من تابعه رمضانان وهو مريض لم يصح بينهما قضى الآخر منها بصيام وقضى الأول منهما بإطعام مد من حنطة كل يوم ولم يصم ‏"‏ لفظ عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع، قال الطحاوي تفرد ابن عمر بذلك‏.‏
قلت‏:‏ لكن عند عبد الرزاق عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد قال‏:‏ بلغني مثل ذلك عن عمر، لكن المشهور عن عمر خلافه، فروى عبد الرزاق أيضا من طريق عوف بن مالك سمعت عمر يقول ‏"‏ من صام يوما من غير رمضان وأطعم مسكينا فإنهما يعدلان يوما من رمضان ‏"‏ ونقله ابن المنذر عن ابن عباس وعن قتادة، وانفرد ابن وهب بقوله‏:‏ من أفطر يوما في قضاء رمضان وحب عليه لكل يوم صوم يومين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ قَالَ يَحْيَى الشُّغْلُ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زهير‏)‏ هو ابن معاوية الجعفي أبو خيثمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن سعيد الأنصاري، ووهم الكرماني تبعا لابن التين فقال‏:‏ هو يحيى ابن أبي كثير، وغفل عما أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه فقال في نفس السند ‏"‏ عن يحيى ابن سعيد ويحيى بن سعيد هذا هو الأنصاري ‏"‏ وذهل مغلطاي فنقل عن الحافظ الضياء أنه القطان، وليس كما قال، فإن الضياء حكى قول من قال إنه يحيى بن أبي كثير ثم رده وجزم بأنه يحيى بن سعيد ولم يقل القطان، ولا جائز أن يكون القطان لأنه لم يدرك أبا سلمة، وليست لزهير بن معاوية عنه رواية وإنما هو يروي عن زهير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق أبي خالد عن يحيى بن سعيد ‏"‏ سمعت أبا سلمة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان‏)‏ استدل به على أن عائشة كانت لا تتطوع بشيء من الصيام لا في عشر ذي الحجة ولا في عاشوراء ولا غير ذلك، وهو مبني على أنها كانت لا ترى جواز صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان، ومن أين لقائله ذلك‏؟‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال يحيى‏)‏ أي الراوي المذكور بالسند المذكور إليه فهو موصول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الشغل من النبي أو بالنبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو خبر مبتدأ محذوف تقديره‏:‏ المانع لها الشغل، أو هو مبتدأ محذوف الخبر تقديره الشغل هو المانع لها‏.‏
وفي قوله ‏"‏ قال يحيى ‏"‏ هذا تفصيل لكلام عائشة من كلام غيرها، ووقع في رواية مسلم المذكورة مدرجا لم يقل فيه قال يحيى فصار كأنه من كلام عائشة أو من روي عنها، وكذا أخرجه أبو عوانة من وجه آخر عن زهير، وأخرجه مسلم من طريق سليمان ابن بلال عن يحيى مدرجا أيضا ولفظه ‏"‏ وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأخرجه من طريق ابن جريج عن يحيى فبين إدراجه ولفظه ‏"‏ فظننت أن ذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ يحيى يقوله، وأخرجه أبو داود من طريق مالك، والنسائي من طريق يحيى القطان، وسعيد بن منصور عن ابن شهاب وسفيان، والإسماعيلي من طريق أبي خالد كلهم عن يحيى بدون الزيادة، وأخرجه مسلم من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بدون الزيادة لكن فيه ما يشعر بها فإنه قال فيه ما معناه‏:‏ فما أستطيع قضاءها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون المراد بالمعية الزمان أي أن ذلك كان خاصا بزمانه‏.‏
وللترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الله البهي عن عائشة ‏"‏ ما قضيت شيئا مما يكون على من رمضان إلا في شعبان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ومما يدل على ضعف الزيادة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم لنسائه فيعدل وكان يدنو من المرأة في غير نوبتها فيقبل ويلمس من غير جماع، فليس في شغلها بشيء من ذلك ما يمنع الصوم، اللهم إلا أن يقال إنها كانت لا تصوم إلا بإذنه ولم يكن يأذن لاحتمال احتياجه إليها فإذا ضاق الوقت أذن لها، وكان هو صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم في شعبان كما سيأتي بعد أبواب فلذلك كانت لا يتهيأ لها القضاء إلا في شعبان، وفي الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقا سواء كان لعذر أو لغير عذر لأن الزيادة كما بيناه مدرجة فلو لم تكن مرفوعة لكان الجواز مقيدا بالضرورة لأن حديث حكم الرفع لأن الظاهر إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع توفر دواعي أزواجه على السؤال منه عن أمر الشرع فلولا أن ذلك كان جائزا لم تواظب عائشة عليه، ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر‏.‏
وأما الإطعام فليس فيه ما يثبته ولا ينفيه وقد تقدم البحث فيه‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-21-2013, 04:46 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n170&p1#TOP)باب الْحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ اتِّبَاعِهَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الحائض تترك الصوم والصلاة‏)‏ قال الزين بن المنير ما محصله‏:‏ إن الترجمة لم تتضمن حكم القضاء لتطابق حديث الباب فإنه ليس فيه تعرض لذلك، قال وأما تعبيره بالترك فللإشارة إلى أنه ممكن حسا، وإنما تتركه اختيارا لمنع الشرع لها من مباشرته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو الزناد الخ‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ نظر أبو الزناد إلى الحيض فوجده مانعا من هاتين العبادتين، وما سلب الأهلية استحال أن يتوجه به خطاب الاقتضاء، وما يمنع صحة الفعل يمنع الوجوب، فلذلك استبعد الفرق بين الصلاة والصوم فأحال بذلك على اتباع السنة والتعبد المحض، وقد تقدم في كتاب الحيض سؤال معاذ من عائشة عن الفرق المذكور وأنكرت عليها عائشة السؤال وخشيت عليها أن تكون تلقنته من الخوارج الذين جرت عادتهم باعتراض السنن بآرائهم، ولم تزدها على الحوالة على النص، وكأنها قالت لها‏:‏ دعي السؤال عن العلة إلى ما هو أهم من معرفتها وهو الانقياد إلى الشارع‏.‏
وقد تكلم بعض الفقهاء في الفرق المذكور، واعتمد كثير منهم على أن الحكمة فيه أن الصلاة تتكرر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم الذي لا يقع في السنة إلا مرة، واختار إمام الحرمين أن المتبع ذلك هو النص وأن كل شيء ذكروه من الفرق ضعيف والله أعلم‏.‏
وزعم المهلب أن السبب في منع الحائض من الصوم أن خروج الدم يحدث ضعفا في النفس غالبا فاستعمل هذا الغالب في جميع الأحوال، فلما كان الضعف يبيح الفطر ويوجب القضاء كان كذلك الحيض، ولا يخفي ضعف هذا المأخذ، فان المريض لو تحامل فصام صح صومه بخلاف الحائض، وأن المستحاضة في نزف الدم أسد من الحائض وقد أبيح لها الصوم‏.‏
وقول أبي الزناد إن السنن لتأتي كثيرا على خلاف الرأي كأنه يشير إلى قول علي‏:‏ لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أحق بالمسح من أعلاه أخرجه احمد وأبو داود والدار قطني ورجال إسناده ثقات، ونظائر ذلك في الشرعيات كثير‏.‏
ومما يفرق فيه بين الصوم والصلاة في حق الحائض أنها لو طهرت قبل الفجر ونوت صح صومها في قول الجمهور ولا يتوقف على الغسل، بخلاف الصلاة، ثم أورد المصنف طرفا من حديث أبي سعيد الماضي في كتاب الحيض مقتصرا على قوله ‏"‏ أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ‏"‏ وقد أخرجه مسلم من حديث ابن عمر بلفظ ‏"‏ تمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين ‏"‏ الحديث‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n170&p1#TOP)باب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ
وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من مات وعليه صوم‏)‏ أي هل يشرع قضاؤه عنه أم لا‏؟‏ وإذا شرع هل يختص بصيام دون صيام أو يعم كل صيام‏؟‏ وهل يتعين الصوم أو يجزئ الإطعام‏؟‏ وهل يختص الولي بذلك أو يصح منه ومن غيره‏؟‏ والخلاف في ذلك مشهور للعلماء كما سنبينه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن إن صام عنه ثلاثون رجلا يوما وأحدا جاز‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ في يوم واحد ‏"‏ والمراد من مات وعليه صيام شهر‏.‏
وهذا الأثر وصله الدار قطني في كتاب الذبح من طريق عبد الله بن المبارك عن سعيد بن عامر وهو الضبعي عن أشعث عن الحسن فيمن مات وعليه صوم ثلاثين يوما فجمع له ثلاثون رجلا فصاموا عنه يوما واحدا أجزأ عنه، قال النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏‏:‏ هذه المسألة لم أر فيها نقلا في المذهب، وقياس، المذهب الإجزاء‏.‏
قلت‏:‏ لكن الجواز مقيد بصوم لم يجب فيه التتابع لفقد التتابع في الصورة المذكورة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ تَابَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن خالد‏)‏ أي ابن خلي بمعجمة وزن علي كما جزم به أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج‏"‏، وجزم الجوزقي بأنه الذهلي فإنه أخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عنه وقال‏:‏ أخرجه البخاري عن محمد أين يحيى وبذلك جزم الكلاباذي، وصنيع المزي يوافقه وهو الراجح، وعلى هذا فقد نسبه البخاري هنا إلى جد أبيه لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد وشيخه محمد بن موسى بن أعين أدركه البخاري لكنه لم يرو عنه إلا بواسطة وكأنه لم يلقه، وعمرو بن الحارث هو المصري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من مات‏)‏ عام في المكلفين لقرينة ‏"‏ وعليه صيام ‏"‏ وقوله ‏"‏ صام عنه وليه ‏"‏ خير بمعنى الأمر تقديره فليصم عنه وليه، وليس هذا الأمر للوجوب عند الجمهور، وبالغ إمام الحرمين ومن تبعه فادعوا الإجماع على ذلك، وفيه نطر لأن بعض أهل الظاهر أوجبه فلعله لم يعتد بخلافهم على قاعدته‏.‏
وقد اختلف السلف في هذه المسألة‏:‏ فأجاز الصيام عن الميت أصحاب الحديث، وعلق الشافعي في القديم القول به على صحة الحديث كما نقله البيهقي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ وهو قول أبي ثور وجماعة من محدثي الشافعية‏.‏
وقال البيهقي في ‏"‏ الخلافيات ‏"‏‏:‏ هذه المسألة ثابتة لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في صحتها فوجب العمل بها، ثم ساق بسنده إلى الشافعي قال‏:‏ كل ما قلت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فخذوا بالحديث ولا تقلدوني‏.‏
وقال الشافعي في الجديد ومالك وأبو حنيفة لا يصام عن الميت‏.‏
وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد‏:‏ لا يصام عنه إلا النذر حملا للعموم الذي في حديث عائشة على المقيد في حديث ابن عباس، وليس بينهما تعارض حتى يجمع بينهما، فحديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له، وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قيل في آخره ‏"‏ فدين الله أحق أن يقضي‏"‏‏.‏
وأما رمضان فيطعم عنه، فأما المالكية فأجابوا عن حديث الباب بدعوى عمل أهل المدينة كعادتهم، وادعى القرطبي تبعا لعياض أن الحديث مضطرب، وهذا لا يتأتى إلا في حديث ابن عباس ثاني حديثي الباب، وليس الاضطراب فيه مسلما كما سيأتي، وأما حديث عائشة فلا اضطراب فيه‏.‏
واحتج القرطبي بزيادة ابن لهيعة المذكورة لأنها تدل على عدم الوجوب، وتعقب بأن معظم المجيزين لم يوجبوه كما تقدم وإنما قالوا يتخير الولي بين الصيام والإطعام، وأجاب الماوردي عن الجديد بأن المراد بقوله ‏"‏ صام عنه وليه أي فعل عنه وليه ما يقوم مقام الصوم وهو الإطعام، قال وهو نظير قوله ‏"‏ التراب وضوء المسلم إذا لم يجد الماء ‏"‏ قال فسمي البدل باسم المبدل فكذلك هنا، وتعقب بأنه صرف للفظ عن ظاهره بغير دليل‏.‏
وأما الحنفية فاعتلوا لعدم القول بهذين الحديثين بما روي عن عائشة أنها ‏"‏ سئلت عن امرأة ماتت وعليها صوم، قالت‏:‏ يطعم عنها‏"‏‏.‏
وعن عائشة قالت ‏"‏ لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم ‏"‏ أخرجه البيهقي، وبما روي عن ابن عباس ‏"‏ قال في رجل مات وعليه رمضان قال يطعم عنه ثلاثون مسكينا ‏"‏ أخرجه عبد الرزاق، وروى النسائي عن ابن عباس قال ‏"‏ لا يصوم أحد عن أحد ‏"‏ قالوا فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دل ذلك على أن العمل على خلاف ما روياه، وهذه قاعدة لهم معروفة، إلا أن الآثار المذكورة عن عائشة وعن ابن عباس فيها مقال، وليس فيها ما يمنع الصيام إلا الأثر الذي عن عائشة وهو ضعيف جدا، والراجح أن المعتبر ما رواه لا ما رآه لاحتمال أن يخالف ذلك لاجتهاد ومستنده فيه لم يتحقق ولا يلزم من ذلك ضعف الحديث عنده، وإذا تحققت صحة الحديث لم يترك المحقق للمظنون، والمسألة مشهورة في الأصول‏.‏
واختلف المجيزون في المراد بقوله ‏"‏ وليه ‏"‏ فقيل كل قريب، وقيل الوارث خاصة، وقيل عصبته، والأول أرجح، والثاني قريب، ويرد الثالث قصة المرأة التي سألت عن نذر أمها‏.‏
واختلفوا أيضا هل يختص ذلك بالولي‏؟‏ لأن الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية، ولأنها عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة فكذلك في الموت إلا ما ورد فيه الدليل فيقتصر على ما ورد فيه ويبقى الباقي على الأصل وهذا هو الراجح، وقيل يختص بالولي فلو أمر أجنبيا بأن يصوم عنه أجزأ كما في الحج، وقيل يصح استقلال الأجنبي بذلك وذكر الولي لكونه الغالب، وظاهر صنيع البخاري اختيار هذا الأخير، وبه جزم أبو الطيب الطبري وقواه بتشبيهه صلى الله عليه وسلم ذلك بالدين والدين لا يختص بالقريب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه ابن وهب عن عمرو‏)‏ يعني ابن الحارث المذكور بسنده، وهذه المتابعة وصلها مسلم وأبو داود وغيرهما بلفظه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورواه يحيى بن أيوب‏)‏ يعني المصري عن عبيد الله بن أبي جعفر بسنده المذكور، وروايته هذه عند أبي عوانة والدار قطني من طريق عمرو بن الربيع وابن خزيم من طريق سعيد بن أبي مريم كلاهما عن يحيى بن أيوب وألفاظهم متوافقة، ورواه البزار من طريق ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر فزاد في آخر المتن ‏"‏ إن شاء‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى قَالَ سُلَيْمَانُ فَقَالَ الْحَكَمُ وَسَلَمَةُ وَنَحْنُ جَمِيعًا جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَا سَمِعْنَا مُجَاهِدًا يَذْكُرُ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ الْحَكَمِ وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَقَالَ يَحْيَى وَأَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَتْ أُمِّي وَعَلَيْهَا صَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الرحيم‏)‏ هو الحافظ المعروف بصاعقة، ومعاوية بن عمرو هو الأزدي ويعرف بابن الكرماني من قدماء شيوخ البخاري حدث عنه بغير واسطة في أواخر كتاب الجمعة وحدث عنه هنا وفي الجهاد وفي الصلاة بواسطة، وكان طلب معاوية المذكور للحديث وهو كبير وإلا فلو كان طلبه وهو على قدر سنه لكان من أعلى شيوخ البخاري، وزائدة شيخه هو ابن قدامة الثقفي مشهور قد لقي البخاري جماعة من أصحابه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن مسلم البطين‏)‏ بفتح الموحدة وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم نون، وسيأتي أن الحديث جاء من رواية شعبة عن الأعمش عن مسلم المذكور، وشعبة لا يحدث عن شيوخه الذين ربما دلسوا إلا بما تحقق أنهم سمعوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل‏)‏ في رواية غير زائدة ‏"‏ جاءت امرأة ‏"‏ وقد تقدم القول في تسميتها في كتاب الحج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل‏)‏ لم أقف على اسمه، واتفق من عدا زائدة وعبثر بن القاسم على أن السائل امرأة، وزاد أبو حريز في روايته أنها خثعمية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن أمي‏)‏ خالف أبو حامد جميع من رواه فقال ‏"‏ إن أختي ‏"‏ واختلف على أبي بشر عن سعيد ابن جبير فقال هشيم عنه ‏"‏ ذات قرابة لها ‏"‏ وقال شعبة عنه ‏"‏ إن أختها ‏"‏ أخرجهما أحمد‏.‏
وقال حماد عنه ذات قرابة لها إما أختها وإما ابنتها ‏"‏ وهذا يشعر بأن التردد فيه من سعيد بن جبير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعليها صوم شهر‏)‏ هكذا في أكثر الروايات‏.‏
وفي رواية أبي حريز ‏"‏ خمسة عشر يوما ‏"‏ وفي رواية أبي خالد ‏"‏ شهرين متتابعين ‏"‏ وروايته تقتضي أن لا يكون الذي عليها صوم شهر رمضان بخلاف رواية غيره فإنها محتملة إلا رواية زيد بن أبي أنيسة فقال ‏"‏ إن عليها صوم نذر ‏"‏ وهذا واضح في أنه غير رمضان، وبين أبو بشر في روايته سبب النذر فروى أحمد من طريق شعبة عن أبي بشر ‏"‏ أن امرأة ركبت البحر فنذرت أن تصوم شهرا فماتت قبل أن تصوم، فأتت أختها النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث ورواه أيضا عن هشيم عن أبي بشر نحوه، وأخرجه البيهقي من حديث حماد بن سلمة‏.‏
وقد ادعى بعضهم أن هذا الحديث اضطرب فيه الرواة عن سعيد ن جبير، فمنهم من قال‏:‏ إن السائل امرأة، ومنهم من قال‏:‏ رجل، ومنهم من قال‏:‏ إن السؤال وقع عن نذر، فمنهم من فسره بالصوم ومنهم من فسره بالحج لما تقدم في أواخر الحج والذي يظهر أنهما قصتان، ويؤيده أن السائلة في نذر الصوم خثعمية كما في رواية أبي حريز المعلقة السائلة عن نذر الحج جهنية كما تقدم في موضعه‏.‏
وقد قدمنا في أواخر الحج أن مسلما روى من حديث بريدة أن امرأة سألت عن الحج وعن الصوم معا‏.‏
وأما الاختلاف في كون السائل رجلا أو امرأة والمسئول عنه أختا أو أما فلا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث لأن الغرض منه مشروعية الصوم أو الحج عن الميت ولا اضطراب في ذلك، وقد تقدمت الإشارة إلى كيفية الجمع بين مختلف الروايات فيه عن الأعمش وغيره والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فدين الله أحق أن يقضي‏)‏ تقدمت مباحثه في أواخر الحج قبيل ‏"‏ فضل المدينة ‏"‏ مستوفى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال سليمان‏)‏ هو الأعمش، يعني بالإسناد المذكور أولا إليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال الحكم‏)‏ أي ابن عتيبة، وسلمة أي ابن كهيل، والحاصل أن الأعمش سمع هذا الحديث من ثلاثة أنفس، في مجلس واحد مسلم البطين‏:‏ أولا عن سعيد بن جبير، ثم من الحكم وسلمة عن مجاهد‏.‏
قد خالف زائدة في ذلك أبو خالد الأحمر كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن أبي خالد حدثنا الأعمش الخ‏)‏ محصله أن أبا خالد جمع بين شيوخ الأعمش الثلاثة، فحدث به عنه عنهم عن شيوخ ثلاثة‏.‏
وظاهره أنه عند كل منهم عن كل منهم‏.‏
ويحتمل أن يكون أراد به اللف والنشر بغير ترتيب، فيكون شيخ الحكم عطاء، وشيخ البطين سعيد بن جبير، وشيخ سلمة مجاهدا، ويؤيده أن النسائي أخرجه من طريق عبد الرحمن بن مغراء عن الأعمش مفصلا هكذا، وهو مما يقوى رواية أبي خالد وقد وصلها مسلم لكن لم يسق المتن بل أحال به على رواية زائدة، وهو معترض لأن بينهما مخالفة سيأتي بيانها‏.‏
ووصلها أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والدار قطني من طريق أبي خالد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال يحيى‏)‏ أي ابن سعيد ‏(‏وأبو معاوية عن الأعمش الخ‏)‏ وافقا زائدة على أن شيخ مسلم البطين فيه سعيد بن جبير، وكذلك رواه شعبة وعبد الله بن نمير وعبثر بن القاسم وعبيدة بن حميد وآخرون عن الأعمش وطرقهم عند النسائي وأحمد وغيرهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبيد الله بن عمرو‏)‏ أي الرقي ‏(‏عن زيد بن أبي أنيسة الخ‏)‏ هذا يخالف رواية عبد الرحمن ابن مغراء من حيث أن شيخ الحكم فيها عطاء وفي هذه شيخه سعيد، ويحتمل أن يكون سمعه من كل منهما، وطريق عبيد الله هذه وصلها مسلم أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حريز‏)‏ بالمهملة والراء والزاي، وهو عبد الله بن الحسين قاضي سجستان، وطريقه هذه وصلها ابن خزيمة والحسن بن سفيان ومن جهته البيهقي‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n170&p1#TOP)باب مَتَى يَحِلُّ فِطْرُ الصَّائِمِ
وَأَفْطَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ حِينَ غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يحل فطر الصائم‏)‏ غرض هذه الترجمة الإشارة إلى أنه هل يجب إمساك جزء من الليل لتحقق مضى النهار أم لا‏؟‏ وظاهر صنيعه يقتضي ترجيح الثاني لذكره لأثر أبي سعيد في الترجمة، لكن محله إذا ما حصل تحقق غروب الشمس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس‏)‏ وصله سعيد بن منصور وأبو بكر ابن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال ‏"‏ دخلنا على أبي سعيد فأفطر ونحن نرى أن الشمس لم تغرب ‏"‏ ووجه الدلالة منه أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك، فلو كان يجب عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك والله أعلم‏.‏
ثم ذكر المصنف في الباب حديثين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة، والإسناد كله حجازيون‏:‏ الحميدي وسفيان مكيان، والباقون مدنيون‏.‏
وفيه رواية الأبناء عن الآباء، ورواية تابعي صغير عن تابعي كبير هشام عن أبيه، وصحابي صغير عن صحابي كبير عاصم عن أبيه، وكان مولد عاصم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يسمع منه شيئا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية ابن خزيمة من طريق أبي معاوية عن هشام ‏"‏ قال لي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا أقبل الليل من هاهنا‏)‏ أي من جهة المشرق كما في الحديث الذي يليه، والمراد به وجود الظلمة حسا، وذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور، لأنها وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة، فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة بل لوجود أمر يغطي ضوء الشمس وكذلك إدبار النهار فمن ثم قيد بقوله ‏"‏ وغربت الشمس ‏"‏ إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والإدبار، وأنهما بواسطة غروب الشمس لا بسبب آخر، ولم يذكر ذلك في الحديث الثاني فيحتمل أن ينزل على حالين‏:‏ أما حيث ذكرها ففي حال الغيم مثلا وأما حيث لم يذكرها ففي حال الصحو، ويحتمل أن يكونا في حالة واحدة وحفظ أحد الراويين ما لم يحفظ الآخر، وإنما ذكر الإقبال والإدبار معا لإمكان وجود أحدهما مع عدم تحقق الغروب قاله القاضي عياض‏.‏
وقال شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏‏:‏ الظاهر الاكتفاء بأحد الثلاثة لأنه يعرف انقضاء النهار بأحدهما، ويؤيده الاقتصار في رواية ابن أبي أوفى على إقبال الليل قوله‏:‏ ‏(‏فقد أفطر الصائم‏)‏ أي دخل في وقت الفطر كما يقال أنجد إذا أقام بنجد وأتهم إذا أقام بتهامة‏.‏
ويحتمل أن يكون معناه فقد صار مفطرا في الحكم لكون الليل ليس طرفا للصيام الشرعي، وقد رد ابن خزيمة هذا الاحتمال وأومأ إلى ترجيح الأول فقال‏:‏ قوله ‏"‏ فقد أفطر الصائم ‏"‏ لفظ خبر ومعناه الأمر أي فليفطر الصائم، ولو كان المراد فقد صار مفطرا كان فطر جمع الصوام واحدا ولم يكن للترغيب في تعجيل الإفطار معنى ا ه‏.‏
وقد يجاب بأن المراد فعل الإفطار حسا ليوافق الأمر الشرعي، ولا شك أن الأول أرجح، ولو كان الثاني معتمدا لكان من حلف أن لا يفطر فصام فدخل الليل حنث بمجرد دخوله ولو لم يتناول شيئا، ويمكن الانفصال عن ذلك بأن الأيمان مبنية على العرف، وبذلك أفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في مثل هذه الواقعة بعينها، ومثل هذا لو قال إن أفطرت فأنت طالق فصادف يوم العيد لم تطلق حتى يتناول ما يفطر به، وقد ارتكب بعضهم الشطط فقال يحنث، ويرجح الأول أيضا رواية شعبة أيضا بلفظ ‏"‏ فقد حل الإفطار ‏"‏ وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق الثوري عن الشيباني، وسيأتي لذلك مزيد بيان في ‏"‏ باب الوصال ‏"‏ بعد ثلاثة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ الْقَوْمِ يَا فُلَانُ قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ فَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد‏)‏ هو ابن عبد الله الواسطي والشيباني هو أبو إسحاق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي أوفى‏)‏ سيأتي الباب الذي يليه من وجه آخر عن أبي إسحاق ‏"‏ سمعت ابن أبي أوفى‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر‏)‏ هذا السفر يشبه أن يكون سفر غزوة الفتح، ويؤيده رواية هشميم عن الشيباني عند مسلم بلفظ ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في شهر رمضان ‏"‏ وقد تقدم أن سفره في رمضان منحصر في غزوة بدر وغزوة الفتح، فإن ثبت فلم يشهد ابن أبي أوفى بدرا فتعينت غزوة الفتح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما غابت الشمس‏)‏ في رواية الباب الذي يليه ‏"‏ فلما غربت الشمس ‏"‏ وهي تفيد معنى أزيد من معنى غابت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لبعض القوم يا فلان‏)‏ في رواية شعبة عن الشيباني عند أحمد ‏"‏ فدعا صاحب شرابه بشراب فقال لو أمسيت ‏"‏ وسأذكر من سماه في الباب الذي يليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاجدح‏)‏ بالجيم ثم الحاء المهملة، والجدح تحريك السويق ونحوه بالماء بعود يقال له المجدح مجنح الرأس، وزعم الداودي أن معنى قوله اجدح لي أي احلب، وغلطوه في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن عليك نهارا‏)‏ يحتمل أن يكون المذكور كان يرى كثرة الضوء من شدة الصحو فيظن أن الشمس لم تغرب ويقول لعلها غطاها شيء من جبل ونحوه، أو كان هناك غيم فلم يتحقق غروب الشمس، وأما قول الراوي ‏"‏ وغربت الشمس ‏"‏ فإخبار منه بما في نفس الأمر وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت ما توقف لأنه حينئذ يكون معاندا، وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة، قال الزين بن المنير‏:‏ يؤخذ من هذا جواز الاستفسار عن الظواهر لاحتمال أن لا يكون المراد إمرارها على ظاهرها، وكأنه أخذ ذلك من تقريره صلى الله عليه وسلم الصحابي على ترك المبادرة إلى الامتثال‏.‏
وفي الحديث أيضا استحباب تعجيل الفطر، وأنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقا، بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر‏.‏
وفيه تذكر العالم بما يخشى أن يكون نسيه وترك المراجعة له بعد ثلاث‏.‏
وقد اختلفت الروايات عن الشيباني في ذلك فأكثر ما وقع فيها أن المراجعة وقع ثلاثا وفي بعضها مرتين وفي بعضها مرة واحدة، وهو محمول على أن بعض الرواة اختصر القصة، ورواية خالد المذكورة في هذا الباب أتمهم سياقا وهو حافظ فزيادته مقبولة، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يراجع بعد ثلاث، وهو عند أحمد من حديث عبد الله ابن أبي حدرد في حديث أوله ‏"‏ كان ليهودي عليه دين‏"‏‏.‏
وفي حديثي الباب من الفوائد بيان وقت الصوم وأن الغروب متى تحقق كفي، وفيه إيماء إلى الزجر عن متابعة أهل الكتاب فإنهم يؤخرون الفطر عن الغروب‏.‏
وفيه أن الأمر الشرعي أبلغ من الحسي، وأن العقل لا يقضي على الشرع‏.‏
وفيه البيان بذكر اللازم والملزوم جميعا لزيادة الإيضاح‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n170&p1#TOP)باب يُفْطِرُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يفطر بما تيسر من الماء أو غيره‏)‏ أي سواء كان وحده أو مخلوطا‏.‏
وفي رواية أبي ذر عن غير الكشميهني ‏"‏ بالماء ‏"‏ وذكر فيه حديث ابن أبي أوفى وهو ظاهر فيما ترجم له، ولعله أشار إلى أن الأمر في قوله ‏"‏ من وجد تمرا فليفطر عليه ومن لا فليفطر على الماء ‏"‏ ليس على الوجوب، وهو حديث أخرجه الحاكم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس مرفوعا وصححه الترمذي وابن حبان من حديث سلمان بن عامر، وقد شذ ابن حزم فأوجب الفطر على التمر وإلا فعلى الماء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ سُلَيْمَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَنَزَلَ فَجَدَحَ ثُمَّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال‏:‏ انزل فاجدح لنا‏)‏ لم يسم المأمور بذلك، وقد أخرجه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه فسماه ولفظه ‏"‏ فقال يا بلال انزل الخ ‏"‏ وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عن عبد الواحد وهو ابن زياد شيخ مسدد فيه فاتفقت رواياتهم على قوله ‏"‏ يا فلان ‏"‏ فلعلها تصحفت، ولعل هذا هو السر في حذف البخاري لها، وقد سبق الحديث في الباب الذي قبله من رواية خالد من الشيباني بلفظ ‏"‏ يا فلان ‏"‏ وذكرنا أن في حديث عمر عند ابن خزيمة ‏"‏ قال‏:‏ قال لي النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل الخ ‏"‏ فيحتمل أن يكون المخاطب بذلك عمر فإن الحديث واحد، فلما كان عمر هو المقول له ‏"‏ إذا أقبل الليل الخ ‏"‏ احتمل أن يكون هو المقول له أولا ‏"‏ اجدح ‏"‏ لكن يؤيد كونه بلالا قوله في رواية شعبة المذكورة قبل ‏"‏ فدعا صاحب شرابه ‏"‏ فإن بلالا هو المعروف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏