المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


الصفحات : 1 [2] 3

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:02 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n80&p1#TOP)باب مَا يُحْقَنُ بِالْأَذَانِ مِنْ الدِّمَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يحقن بالأذان من الدماء‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ قصد البخاري بهذه الترجمة واللتين قبلها استيفاء ثمرات الأذان، فالأولى فيها فضل التأذين لقصد الاجتماع للصلاة، والثانية فيها فضل أذان المنفرد لإيداع الشهادة له بذلك، والثالثة فيها حقن الدماء عند وجود الأذان‏.‏
قال‏:‏ وإذا انتفت عن الأذان فائدة من هذه الفوائد لم يشرع إلا في حكايته عند سماعه، ولهذا عقبه بترجمة ما يقول إذا سمع المنادي ا ه‏.‏
كلامه ملخصا‏.‏
ووجه الاستدلال للترجمة من حديث الباب ظاهر، وباقي المتن من متعلقات الجهاد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ قَالَ فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ
الشرح‏:‏
الحديث قد أورده المصنف في الجهاد بهذا الإسناد وسياقه هناك أتم مما هنا، وسيأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقد روى مسلم طرفه المتعلق بالأذان وسياقه أوضح، أخرجه من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار‏"‏‏.‏
قال الخطابي‏:‏ فيه أن الأذان شعار الإسلام، وأنه لا يجوز تركه، ولو أن أهل بلد اجتمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه ا ه‏.‏
وهذا أحد أقوال العلماء كما تقدم، وهو أحد الأوجه في المذهب‏.‏
وأغرب ابن عبد البر فقال‏:‏ لا أعلم فيه خلافا، وأن قول أصحابنا من نطق بالتشهد في الأذان حكم بإسلامه إلا إذا كان عيسويا فلا يرد عليه مطلق حديث الباب، لأن العيسوية طائفة من اليهود حدثت في آخر دولة بني أمية فاعترفوا بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن إلى العرب فقط، وهم منسوبون إلى رجل يقال له أبو عيسى أحدث لهم ذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في سياق حديث الباب ‏"‏ لم يكن يغر بنا ‏"‏ واختلف في ضبطه، ففي رواية المستملي ‏"‏ يغر ‏"‏ من الإغارة مجزوم على أنه بدل من قوله يكن‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ يغد ‏"‏ بإسكان الغين وبالدال المهملة من الغدو‏.‏
وفي رواية كريمة ‏"‏ يغزو ‏"‏ بزاي بعدها واو من الغزو‏.‏
وفي رواية الأصيلي ‏"‏ يغير ‏"‏ كالأول لكن بإثبات الياء‏.‏
وفي رواية غيرهم بضم أوله وإسكان الغين من الإغراء، ورواية مسلم تشهد لرواية من رواه من الإغارة، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n80&p1#TOP)باب مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الْمُنَادِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقول إذا سماع المنادي‏)‏ هذا لفظ رواية أبي داود الطيالسي عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري في حديث الباب، وآثر المصنف عدم الجزم بحكم ذلك لقوة الخلاف فيه كما سيأتي‏.‏
ثم ظاهر صنيعه يقتضي ترجيح ما عليه الجمهور، وهو أن يقول مثل ما يقول من الأذان إلا الحيعلتين، لأن حديث أبي سعيد الذي بدأ به عام، وحديث معاوية الذي تلاه به يخصصه، والخاص مقدم على العام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عطاء بن زيد‏)‏ في رواية ابن وهب عن مالك ويونس عن الزهري أن عطاء بن يزيد أخبره، أخرجه أبو عوانة‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ اختلف على الزهري في إسناد هذا الحديث، وعلى مالك أيضا، لكنه اختلاف لا يقدح في صحته، فرواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن ماجه‏.‏
وقال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود والترمذي‏:‏ حديث مالك ومن تابعه أصح، ورواه يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أخرجه مسدد في مسنده عنه‏.‏
وقال الدار قطني‏:‏ إنه خطأ والصواب الرواية الأولى، وفيه اختلاف آخر دون ما ذكر لا نطيل به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم‏)‏ ظاهره اختصاص الإجابة بمن يسمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة، قاله النووي في شرح المهذب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقولوا مثل ما يقول المؤذن‏)‏ ادعى ابن وضاح أن قول ‏"‏ المؤذن ‏"‏ مدرج، وأن الحديث انتهى عند قوله ‏"‏ مثل ما يقول‏"‏‏.‏
وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى، وقد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباتها، ولم يصب صاحب العمدة في حذفها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما يقول‏)‏ قال الكرماني‏:‏ قال ‏"‏ ما يقول ‏"‏ ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها‏.‏
قلت‏:‏ والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت ‏"‏ وأما أبو الفتح اليعمري فقال‏:‏ ظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول عقب فراغ المؤذن، لكن الأحاديث التي تضمنت إجابة كل كلمة عقبها دلت على أن المراد المساوقة، يشير إلى حديث عمر بن الخطاب الذي عند مسلم وغيره، فلو لم يجاوبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل‏.‏
قاله النووي في شرح المهذب بحثا‏.‏
وقد قالوه فيما إذا كان له عذر كالصلاة، وظاهر قوله مثل أنه يقول مثل قوله في جميع الكلمات، لكن حديث عمر أيضا وحديث معاوية الآتي يدلان على أنه يستثنى من ذلك ‏"‏ حي على الصلاة وحي على الفلاح ‏"‏ فيقول بدلهما ‏"‏ لا حول ولا قوة إلا بالله ‏"‏ كذلك استدل به ابن خزيمة وهو المشهور عند الجمهور‏.‏
وقال ابن المنذر يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا، وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما، قال‏:‏ فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة، وهو وجه عند الحنابلة‏.‏
أجيب عن المشهور من حيث المعنى بأن الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن في ثوابها، وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة، وذلك يحصل من المؤذن، فعوض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة‏.‏
ولقائل أن يقول‏:‏ يحصل للمجيب الثواب لامتثاله الأمر، ويمكن أن يزداد استيقاظا وإسراعا إلى القيام إلى الصلاة إذا تكرر على سمعه الدعاء إليها من المؤذن ومن نفسه‏.‏
ويقرب من ذلك الخلاف في قول المأموم ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏ كما سيأتي في موضعه‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ معنى الحيعلتين هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلا والفوز بالنعيم آجلا، فناسب أن يقول‏:‏ هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته‏.‏
ومما لوحظت فيه المناسبة ما نقل عيد الرزاق عن ابن جريج قال‏:‏ حدثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتهم للقراءة فلا يقول شيئا إلا قالوا مثله، حتى إذا قال ‏"‏ حي على الصلاة ‏"‏ قالوا ‏"‏ لا حول ولا قوة إلا بالله ‏"‏ وإذا قال ‏"‏ حي على الفلاح ‏"‏ قالوا ‏"‏ ما شاء الله‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
وإلى هذا صار بعض الحنفية‏.‏
وروى ابن أبي شيبة مثله عن عثمان، وروى عن سعيد بن جبير قال‏:‏ يقول في جواب الحيعلة‏:‏ سمعنا وأطعنا‏.‏
ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى، قيل لا يجيبه إلا في التشهدين فقط، وقيل هما والتكبير، وقيل يضيف إلى ذلك الحوقلة دون ما في آخره، وقيل مهما أتى به مما يدل على التوحيد والإخلاص كفاه وهو اختيار الطحاوي، وحكوا أيضا خلافا‏:‏ هل يجيب في الترجيع أو لا، وفيما إذا أذن مؤذن آخر هل يجيبه بعد إجابته للأول أو لا‏.‏
قال النووي‏:‏ لم أر فيه شيئا لأصحابنا‏.‏
وقال ابن عبد السلام‏:‏ يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب، وإجابة الأول أفضل، إلا في الصبح والجمعة فإنهما سواء لأنهما مشروعان‏.‏
وفي الحديث دليل على أن لفظ المثل لا يقتضي المساواة من كل جهة، لأن قوله مثل ما يقول لا يقصد به رفع الصوت المطلوب من المؤذن، كذا قيل وفيه بحث، لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته، والفرق بين المؤذن والمجيب في ذلك أن المؤذن مقصوده الإعلام فاحتاج إلى رفع الصوت، والسامع مقصوده ذكر الله فيكتفي بالسر أو الجهر لا مع الرفع‏.‏
نعم لا يكفيه أن يجريه على خاطره من غير تلفظ لظاهر الأمر بالقول‏.‏
وأغرب ابن المنير فقال‏:‏ حقيقة الأذان جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة‏.‏
وتعقب بأن الأذان معناه الإعلام لغة، وخصه الشرع بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة فإذا وجدت الأذان، وما زاد على ذلك من قول أو فعل أو هيئة يكون من مكملاته صلى الله عليه وسلم ويوجد الأذان من دونها‏.‏
ولو كان على ما أطلق لكان ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الأذان، وليس كذلك لا لغة ولا شرعا‏.‏
واستدل به على جواز إجابة المؤذن في الصلاة عملا بظاهر الأمر، ولأن المجيب لا يقصد المخاطبة، وقيل يؤخر الإجابة حتى يفرغ لأن في الصلاة شغلا، وقيل يجيب إلا في الحيعلتين لأنهما كالخطاب للآدميين والباقي من ذكر الله فلا يمنع‏.‏
لكن قد يقال‏:‏ من يبدل الحيعلة بالحوقلة لا يمنع، لأنها من ذكر الله، قاله ابن دقيق العيد‏.‏
وفرق ابن عبد السلام في فتاويه بين ما إذا كان يقرأ الفاتحة فلا يجيب بناء على وجوب موالاتها وإلا فيجيب، وعلى هذا إن أجاب في الفاتحة استأنف، وهذا قاله بحثا، والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة بل يؤخرها حتى يفرغ، وكذا في حال الجماع والخلاء، لكن إن أجاب بالحيعلة بطلت كذا أطلقه كثير منهم، ونص الشافعي في الأم على عدم فساد الصلاة بذلك، واستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في الإقامة، قالوا‏:‏ إلا في كلمتي الإقامة فيقول ‏"‏ أقامها الله وأدامها ‏"‏ وقياس إبدال الحيعلة بالحوقلة في الأذان أن يجيء هنا، لكن قد يفرق بأن الأذان إعلام عام فيعسر على الجميع أن يكونوا دعاة إلى الصلاة، والإقامة إعلام خاص وعدد من يسمعها محصور فلا يعسر أن يدعو بعضهم بعضا‏.‏
واستدل به على وجوب إجابة المؤذن، حكاه الطحاوي عن قوم من السلف وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وابن وهب، واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره ‏"‏ إنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال‏:‏ على الفطرة، فلما تشهد قال‏:‏ خرج من النار ‏"‏ قال‏:‏ فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب‏.‏
وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال، فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد، وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر، ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر لم يرد أن يدخل نفسه في عموم من خوطب بذلك، قيل ويحتمل أن يكون الرجل لم يقصد الأذان لكن يرد هذا الأخير أن في بعض طرقه أنه حضرته الصلاة
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا فَقَالَ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه سمع معاوية يوما فقال مثله - إلى قوله - وأشهد أن محمدا رسول الله‏)‏ هكذا أورد المتن هنا مختصرا، وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن هشام ولفظه ‏"‏ كنا عند معاوية فنادى المنادي بالصلاة فقال مثل ما قال، ثم قال‏:‏ هكذا سمعت نبيكم ‏"‏ ثم قال البخاري‏:‏ حدثنا إسحاق أنبأنا وهب بن جرير حدثنا هشام عن يحيى نحوه‏.‏
قال يحيى‏:‏ وحدثني بعض إخواننا ‏"‏ أنه لما قال حي على الصلاة قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
وقال‏:‏ هكذا سمعت نبيكم يقول‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
فأحال بقوله نحوه على الذي قبله، وقد عرفت أنه لم يسق لفظه كله، وقد وقع لنا هذا الحديث من طرق عن هشام المذكور تاما، منها للإسماعيلي من طريق معاذ ابن هشام عن أبيه عن يحيى حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا عيسى بن طلحة قال ‏"‏ دخلنا على معاوية، فنادى مناد بالصلاة، فقال‏:‏ الله أكبر الله أكبر، فقال معاوية الله أكبر الله أكبر‏.‏
فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله‏.‏
فقال معاوية‏:‏ وأنا أشهد أن لا إله إلا الله‏.‏
فقال‏:‏ أشهد أن محمدا رسول الله، فقال معاوية‏:‏ وأنا أشهد أن محمدا رسول الله‏"‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى نَحْوَهُ قَالَ يَحْيَى وَحَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَقَالَ هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
الشرح‏:‏
قال يحيى فحدثني صاحب لنا ‏"‏ أنه لما قال حي على الصلاة قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
ثم قال هكذا سمعنا نبيكم‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
فاشتمل هذا السياق على فوائد‏:‏ أحدها تصريح يحيى بن أبي كثير بالسماع له من محمد بن إبراهيم فأمن ما يخشى من تدليسه، ثانيها بيان ما اختصر من روايتي البخاري، ثالثها أن قوله في الرواية الأولى ‏"‏ أنه سمع معاوية يوما فقال مثله ‏"‏ فيه حذف تقديره أنه سمع معاوية يسمع المؤذن يوما فقال مثله، رابعها أن الزيادة في رواية وهب بن جرير لم ينفرد بها لمتابعة معاذ بن هشام له، خامسها أن قوله ‏"‏ قال يحيى ‏"‏ ليس تعليقا من البخاري كما زعمه بعضهم، بل هو عنده بإسناد إسحاق‏.‏
وأبدى الحافظ قطب الدين احتمالا أنه عنده بإسنادين، ثم إن إسحاق هذا لم ينسب وهو ابن راهويه، كذلك صرح به أبو نعيم في مستخرجه، وأخرجه من طريق عبد الله بن شيرويه عنه‏.‏
وأما المبهم الذي حدث يحيى به عن معاوية فلم أقف في شيء من الطرق على تعيينه، وحكى الكرماني عن غيره أن المراد به الأوزاعي، وفيه نظر، لأن الظاهر أن قائل ذلك ليحيى حدثه به عن معاوية، وأين عصر الأوزاعي من عصر معاوية‏؟‏ وقد غلب على ظني أنه علقمة ابن وقاص إن كان يحيى بن أبي كثير أدركه، وإلا فأحد ابنيه عبد الله بن علقمة أو عمرو بن علقمة، وإنما قلت ذلك لأنني جمعت طرقه عن معاوية فلم أجد هذه الزيادة في ذكر الحوقلة إلا من طريقين‏:‏ أحدهما عن نهشل التميمي عن معاوية وهو في الطبراني بإسناد واه، والآخر عن علقمة بن وقاص عنه، وقد أخرجه النسائي واللفظ له، وابن خزيمة وغيرهما من طريق ابن جريج أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمرو أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال ‏"‏ إني لعند معاوية إذ أذن مؤذن، فقال معاوية كما قال، حتى إذا قال حي على الصلاة قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قال حي على الفلاح قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
وقال بعد ذلك ما قال المؤذن، ثم قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ‏"‏ ورواه ابن خزيمة أيضا من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده قال‏:‏ كنت عند معاوية فذكر مثله، وأوضح سياقا منه، وتبين بهذه الرواية أن ذكر الحوقلة في جواب حي على الفلاح اختصر في حديث الباب، بخلاف ما تمسك به بعض من وقف مع ظاهره، وأن ‏"‏ إلى ‏"‏ في قوله في الطريق الأولى ‏"‏ فقال مثل قوله إلى أشهد أن محمدا رسول الله ‏"‏ بمعنى ‏"‏ مع ‏"‏ كقوله تعالى ‏(‏ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم‏)‏ ‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج مسلم من حديث عمر بن الخطاب نحو حديث معاوية، وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في وصله وإرساله كما أشار إليه الدار قطني، ولم يخرج مسلم حديث معاوية لأن الزيادة المقصودة منه ليست على شرط الصحيح للمبهم الذي فيها، لكن إذا انضم أحد الحديثين إلى الآخر قوي جدا‏.‏
وفي الباب أيضا عن الحارث بن نوفل الهاشمي وأبي رافع - وهما في الطبراني وغيره - وعن أنس في البزار وغيره، والله تعالى أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:03 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n80&p1#TOP)باب الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء عند النداء‏)‏ أي عند تمام النداء، وكأن المصنف لم يقيده بذلك اتباعا لإطلاق الحديث كما سيأتي البحث فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني علي بن عياش‏)‏ بالياء الأخيرة والشين المعجمة وهو الحمصي من كبار شيوخ البخاري ولم يلقه من الأئمة الستة غيره، وقد حدث عنه القدماء بهذا الحديث، أخرجه أحمد في مسنده عنه، ورواه علي بن المديني شيخ البخاري مع تقدمه على أحمد عنه، أخرجه الإسماعيلي من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن المنكدر‏)‏ ذكر الترمذي أن شعيبا تفرد به عن ابن المنكدر فهو غريب مع صحته، وقد توبع ابن المنكدر عليه عن جابر أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبي الزبير عن جابر نحوه، ووقع في زوائد الإسماعيلي‏:‏ أخبرني ابن المنكدر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من قال حين يسمع النداء‏)‏ أي الأذان، واللام للعهد، ويحتمل أن يكون التقدير‏:‏ من قال حين يسمع نداء المؤذن‏.‏
وظاهره أنه يقول الذكر المذكور حال سماع الأذان ولا يتقيد بفراغه، لكن يحتمل أن يكون المراد من النداء تمامه، إذ المطلق يحمل على الكامل، ويؤيده حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم بلفظ ‏"‏ قولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، ثم سلوا الله لي الوسيلة ‏"‏ ففي هذا أن ذلك يقال عند فراغ الأذان‏.‏
واستدل الطحاوي بظاهر حديث جابر على أنه لا يتعين إجابة المؤذن بمثل ما يقول، بل لو اقتصر على الذكر المذكور كفاه‏.‏
وقد بين حديث عبد الله بن عمرو المراد، وأن الحين محمول على ما بعد الفراغ، واستدل به ابن بزيزة على عدم وجوب ذلك لظاهر إيراده، لكن لفظ الأمر في رواية مسلم قد يتمسك به من يدعي الوجوب، وبه قال الحنفية وابن وهب من المالكية وخالف الطحاوي أصحابه فوافق الجمهور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رب هذه الدعوة‏)‏ بفتح الدال، زاد البيهقي من طريق محمد بن عون عن علي بن عياش ‏"‏ اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة ‏"‏ والمراد بها دعوة التوحيد كقوله تعالى ‏(‏له دعوة الحق‏)‏ وقيل لدعوة التوحيد ‏"‏ تامة ‏"‏ لأن الشركة نقص‏.‏
أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل، بل هي باقية إلى يوم النشور، أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام وما سواها فمعرض للفساد‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ وصفت بالتامة لأن فيها أتم القول وهو ‏"‏ لا إله إلا الله‏"‏‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ من أوله إلى قوله ‏"‏ محمد رسول الله ‏"‏ هي الدعوة التامة، والحيعلة هي الصلاة القائمة في قوله يقيمون الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاء وبالقائمة الدائمة من قام على الشيء إذا داوم عليه، وعلى هذا فقوله ‏"‏ والصلاة القائمة ‏"‏ بيان للدعوة التامة، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ وهو أظهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الوسيلة‏)‏ هي ما يتقرب به إلى الكبير، يقال توسلت أي تقربت، وتطلق على المنزلة العلية، ووقع ذلك في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم بلفظ ‏"‏ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ‏"‏ الحديث، ونحوه للبزار عن أبي هريرة، ويمكن ردها إلى الأول بأن الواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله فتكون كالقربة التي يتوسل بها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والفضيلة‏)‏ أي المرتبة الزائدة على سائر الخلائق، ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا للوسيلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مقاما محمودا‏)‏ أي يحمد القائم فيه، وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات، ونصب على الظرفية، أي ابعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محمودا، أو ضمن ابعثه معنى أقمه، أو على أنه مفعول به ومعنى ابعثه أعطه، ويجوز أن يكون حالا أي ابعثه ذا مقام محمود‏.‏
قال النووي‏:‏ ثبتت الرواية بالتنكير وكأنه حكاية للفظ القرآن‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ إنما نكره لأنه أفخم وأجزل، كأنه قيل مقاما أي مقاما محمودا بكل لسان‏.‏
قلت‏:‏ وقد جاء في هذه الرواية بعينها من رواية علي بن عياش شيخ البخاري فيه بالتعريف عند النسائي، وهي في صحيح ابن خزيمة وابن حبان أيضا، وفي الطحاوي والطبراني في الدعاء والبيهقي، وفيه تعقب على من أنكر ذلك كالنووي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الذي وعدته‏)‏ زاد في رواية البيهقي ‏"‏ إنك لا تخلف الميعاد ‏"‏ وقال الطيبي‏:‏ المراد بذلك قوله تعالى ‏(‏عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا‏)‏ وأطلق عليه الوعد لأن عسى من الله واقع كما صح عن ابن عيينة وغيره، والموصول إما بدل أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف وليس صفة للنكرة، ووقع في رواية النسائي وابن خزيمة وغيرهما ‏"‏ المقام المحمود ‏"‏ بالألف واللام فيصح وصفه بالموصول والله أعلم‏.‏
قال ابن الجوزي‏:‏ والأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة، وقيل إجلاسه على العرش، وقيل على الكرسي، وحكى كلا من القولين عن جماعة، وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة الإذن في الشفاعة، ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو مشهور وأن يكون الإجلاس هي المنزلة المعبر عنها بالوسيلة أو الفضيلة‏.‏
ووقع في صحيح ابن حبان من حديث كعب بن مالك مرفوعا ‏"‏ يبعث الله الناس، فيكسوني ربي حلة خضراء، فأقول ما شاء الله أن أقول ‏"‏ فذلك المقام المحمود، ويظهر أن المراد بالقول المذكور هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة‏.‏
ويظهر أن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة، ويشعر قوله في آخر الحديث ‏"‏ حلت له شفاعتي ‏"‏ بأن الأمر المطلوب له الشفاعة، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حلت له‏)‏ أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه، يقال حل يحل بالضم إذا نزل، واللام بمعنى على، ويؤيده رواية مسلم ‏"‏ حلت عليه‏"‏‏.‏
ووقع في الطحاوي حديث ابن مسعود ‏"‏ وجبت له ‏"‏ ولا يجوز أن يكون حلت من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة‏.‏
قوله ‏(‏شفاعتي‏)‏ استشكل بعضهم جعل ذلك ثوابا لقائل ذلك مع ما ثبت من أن الشفاعة للمذنبين، وأجيب بأن له صلى الله عليه وسلم شفاعات أخرى‏:‏ كإدخال الجنة بغير حساب، وكرفع الدرجات فيعطى كل أحد ما يناسبه‏.‏
ونقل عياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك بمن قاله مخلصا مستحضرا إجلال النبي صلى الله عليه وسلم، لا من قصد بذلك مجرد الثواب ونحو ذلك، وهو تحكم غير مرضي، ولو كان أخرج الغافل اللاهي لكان أشبه‏.‏
وقال المهلب‏:‏ في الحديث الحض على الدعاء في أوقات الصلوات لأنه حال رجاء الإجابة، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n80&p1#TOP)باب الِاسْتِهَامِ فِي الْأَذَانِ
وَيُذْكَرُ أَنَّ أَقْوَامًا اخْتَلَفُوا فِي الْأَذَانِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستهام في الأذان‏)‏ أي الاقتراع، ومنه قوله تعالى ‏(‏فساهم فكان من المدحضين‏)‏ قال الخطابي وغيره‏:‏ قيل له الاستهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشيء فمن خرج سهمه غلب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر أن قوما اختلفوا‏)‏ أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريق أبي عبيد كلاهما عن هشيم عن عبد الله بن شبرمة قال ‏"‏ تشاح الناس في الأذان بالقادسية فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص، فأقرع بينهم‏.‏
وهذا منقطع‏.‏
وقد وصله سيف بن عمر في الفتوح والطبري من طريقه عنه عن عبد الله ابن شبرمة عن شقيق - وهو أبو وائل - قال ‏"‏ افتتحنا القادسية صدر النهار، فتراجعنا وقد أصيب المؤذن ‏"‏ فذكره وزاد ‏"‏ فخرجت القرعة لرجل منهم فأذن‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ القادسية مكان بالعراق معروف، نسب إلى قادس رجل نزل به، وحكى الجوهري أن إبراهيم عليه السلام قدس على ذلك المكان فلذلك صار منزلا للحاج، وكانت به وقعة للمسلمين مشهورة مع الفرس وذلك في خلافة عمر سنة خمس عشرة، وكان سعد يومئذ الأمير على الناس‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سمي‏)‏ بضم أوله بلفظ التصغير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مولى أبي بكر‏)‏ أي ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لو يعلم الناس‏)‏ قال الطيبي‏:‏ وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما في النداء‏)‏ أي الأذان، وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند السراج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والصف الأول‏)‏ زاد أبو الشيخ في رواية له من طريق الأعرج عن أبي هريرة ‏"‏ من الخير والبركة ‏"‏ وقال الطيبي‏:‏ أطلق مفعول يعلم وهو ما ولم يبين الفضيلة ما هي ليفيد ضربا من المبالغة وأنه مما لا يدخل تحت الوصف، والإطلاق إنما هو في قدر الفضيلة وإلا فقد بينت في الرواية الأخرى بالخير والبركة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم لم يجدوا‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ ثم لا يجدون ‏"‏ وحكى الكرماني أن في بعض الروايات ‏"‏ ثم لا يجدوا ‏"‏ ووجهه بجواز حذف النون تخفيفا، ولم أقف على هذه الرواية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا أن يستهموا‏)‏ أي لم يجدوا شيئا من وجوه الأولوية، أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الوقت وحسن الصوت ونحو ذلك من شرائط المؤذن وتكملاته، وأما في الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة، ويستووا في الفضل فيقرع بينهم، إذا لم يتراضوا فيما بينهم في الحالين‏.‏
واستدل به بعضهم لمن قال بالاقتصار على مؤذن واحد، وليس بظاهر لصحة استهام أكثر من واحد في مقابلة أكثر من واحد، ولأن الاستهام على الأذان يتوجه من جهة التولية من الإمام لما فيه من المزية، وزعم بعضهم أن المراد بالاستهام هنا الترامي بالسهام، وأنه أخرج مخرج المبالغة‏.‏
واستأنس بحديث لفظه ‏"‏ لتجالدوا عليه بالسيوف ‏"‏ لكن الذي فهمه البخاري منه أولى، ولذلك استشهد له بقصة سعد، ويدل عليه رواية لمسلم ‏"‏ لكانت قرعة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عليه‏)‏ أي على ما ذكر ليشمل الأمرين الأذان والصف الأول، وبذلك يصح تبويب المصنف‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ الهاء عائدة على الصف الأول لا على النداء، وهو حق الكلام، لأن الضمير يعود لأقرب مذكور‏.‏
ونازعه القرطبي وقال‏:‏ إنه يلزم منه أن يبقى النداء ضائعا لا فائدة له، قال‏:‏ والضمير يعود على معنى الكلام المتقدم، ومثله قوله تعالى ‏(‏ومن يفعل ذلك يلق أثاما‏)‏ أي جميع ذلك‏.‏
قلت‏:‏ وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ ‏"‏ لاستهموا عليهما ‏"‏ فهذا مفصح بالمراد من غير تكلف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏التهجير‏)‏ أي التبكير إلى الصلاة، قال الهروي‏:‏ وحمله الخليل وغيره على ظاهره فقالوا‏:‏ المراد الإتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت، لأن التهجير مشتق من الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار وهو أول وقت الظهر، وإلى ذلك مال المصنف كمأ سيأتي، ولا يرد على ذلك مشروعية الإبراد لأنه أريد به الرفق، وأما من ترك قائلته وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة فلا يخفى ما له من الفضل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لاستبقوا إليه‏)‏ قال ابن أبي جمرة المراد بالاستباق معنى لا حسا، لأن المسابقة على الأقدام حسا تقتضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه‏.‏
انتهى‏.‏
وسيأتي الكلام على بقية الحديث في ‏"‏ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة ‏"‏ قريبا، ويأتي الكلام على المراد بالصف الأول في أواخر أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:05 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n81&p1#TOP)باب الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ
وَتَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أَذَانِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ أَنْ يَضْحَكَ وَهُوَ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الكلام في الأذان‏)‏ أي في أثنائه بغير ألفاظه‏.‏
وجرى المصنف على عادته في عدم الجزم بالحكم الذي دلالته غير صريحة، لكن الذي أورده فيه يشعر بأنه يختار الجواز، وحكى ابن المنذر الجواز مطلقا عن عروة وعطاء والحسن وقتادة، وبه قال أحمد، وعن النخعي وابن سيرين والأوزاعي الكراهة، وعن الثوري المنع، وعن أبي حنيفة وصاحبيه أنه خلاف الأولى، وعليه يدل كلام مالك والشافعي، وعن إسحاق بن راهويه يكره، إلا إن كان فيما يتعلق بالصلاة، واختاره ابن المنذر لظاهر حديث ابن عباس المذكور في الباب، وقد نازع في ذلك الداودي فقال‏:‏ لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان، بل القول المذكور مشروع من جملة الأذان في ذلك المحل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتكلم سليمان بن صرد في أذانه‏)‏ وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له، وأخرجه البخاري في التاريخ عنه وإسناده صحيح ولفظه ‏"‏ أنه كان يؤذن في العسكر فيأمر غلامه بالحاجة في أذانه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏)‏ لم أره موصولا، والذي أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طرق عنه جواز الكلام بغير قيد الضحك، قيل مطابقته للترجمة من جهة أن الضحك إذا كان بصوت قد يظهر منه حرف مفهم أو أكثر فتفسد الصلاة، ومن منع الكلام في الأذان أراد أن يساويه بالصلاة، وقد ذهب الأكثر إلى أن تعمد الضحك يبطل الصلاة ولو لم يظهر منه حرف، فاستوى مع الكلام في بطلان الصلاة بعمده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ وَعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ رَدْغٍ فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حماد‏)‏ هو ابن زيد، وعبد الحميد هو ابن دينار، وعبد الله بن الحارث هو البصري ابن عم ابن سيرين وزوج ابنته وهو تابعي صغير، ورواية الثلاثة عنه من باب رواية الأقران لأن الثلاثة من صغار التابعين، ورجال الإسناد كلهم بصريون، وقد جمعهم حماد كمسدد كما هنا، وكذلك رواه سليمان بن حرب عنه عند أبي عوانة وأبي نعيم في المستخرج، وكان حماد ربما اقتصر على بعضهم كما سيأتي قريبا في ‏"‏ باب هل يصلي الإمام بمن حضر ‏"‏ عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي عن حماد عن عبد الحميد وعن عاصم فرقهما، ورواه مسلم عن الربيع عن حماد عن أيوب وعاصم من طرق أخرى منها وهيب عن أيوب، وحكى عن وهيب أن أيوب لم يسمعه من عبد الله بن الحارث وفيه نظر، لأن في رواية سليمان بن حرب عن حماد عن أيوب وعبد الحميد قالا‏:‏ سمعنا عبد الله بن الحارث كذلك أخرجه الإسماعيلي وغيره، ولمسدد فيه شيخ آخر وهو ابن علية كما سيأتي في كتاب الجمعة إن شاء الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خطبنا‏)‏ استدل به ابن الجوزي على أن الصلاة المذكورة كانت الجمعة، وفيه نظر‏.‏
نعم وقع التصريح بذلك في رواية ابن علية ولفظه ‏"‏ أن الجمعة عزمة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في يوم رزغ‏)‏ بفتح الراء وسكون الزاي بعدها غين معجمة كذا للأكثر هنا، ولابن السكن والكشميهني وأبي الوقت بالدال المهملة بدل الزاي‏.‏
وقال القرطبي، إنها أشهر‏.‏
وقال‏:‏ والصواب الفتح فإنه الاسم، وبالسكون المصدر‏.‏
انتهى‏.‏
وبالفتح رواية القابسي، قال صاحب المحكم‏:‏ الرزغ الماء القليل في الثماد، وقيل إنه طين وحل، وفي العين‏:‏ الردغة الوحل والرزغة أشد منها‏.‏
وفي الجمهرة والردغة والرزغة الطين القليل من مطر أو غيره‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هنا يوم رزغ بالإضافة‏.‏
وفي رواية الحجبي الآتية في يوم ذي رزغ وهي أوضح‏.‏
وفي رواية ابن علية في يوم مطير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره‏)‏ كذا فيه، وكأن هنا حذفا تقديره أراد أن يقولها فأمره، ويؤيده رواية ابن علية ‏"‏ إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة ‏"‏ وبوب عليه ابن خزيمة وتبعه ابن حبان ثم المحب الطبري حذف ‏"‏ حي على الصلاة في يوم المطر ‏"‏ وكأنه نظر إلى المعنى لأن حي على الصلاة والصلاة في الرحال وصلوا في بيوتكم يناقض ذلك، وعند الشافعية وجه أنه يقول ذلك بعد الأذان، وآخر أنه يقوله بعد الحيعلتين، والذي يقتضيه الحديث ما تقدم‏.‏
وقوله ‏"‏الصلاة في الرحال ‏"‏ بنصب الصلاة والتقدير صلوا الصلاة، والرحال جمع رحل وهو مسكن الرجل وما فيه من أثاثه‏.‏
قال النووي‏:‏ فيه أن هذه الكلمة تقال في نفس الأذان‏.‏
وفي حديث ابن عمر يعني الآتي في ‏"‏ باب الأذان للمسافر ‏"‏ أنها تقال بعده، قال‏:‏ والأمران جائزان كما نص عليه الشافعي، لكن بعده أحسن ليتم نظم الأذان‏.‏
قال‏:‏ ومن أصحابنا من يقول لا يقوله إلا بعد الفراغ، وهو ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس‏.‏
انتهى‏.‏
وكلامه يدل على أنها تزاد مطلقا إما في أثنائه وإما بعده، لا أنها بدل من حي على الصلاة، وقد تقدم عن ابن خزيمة ما يخالفه، وقد ورد الجمع بينهما في حديث آخر أخرجه عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن نعيم ابن النحام قال ‏"‏ أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم للصبح في ليلة باردة، فتمنيت لو قال‏:‏ ومن قعد فلا حرج‏.‏
فلما قال الصلاة خير من النوم قالها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال فعل هذا‏)‏ كأنه فهم من نظرهم الإنكار‏.‏
وفي رواية الحجبي ‏"‏ كأنهم أنكروا ذلك ‏"‏ وفي رواية ابن علية ‏"‏ فكأن الناس استنكروا ذلك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من هو خير منه‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ منهم ‏"‏ وللحجبي ‏"‏ مني ‏"‏ يعني النبي صلى الله عليه وسلم، كذا في أصل الرواية، ومعني رواية الباب من هو خير من المؤذن، يعني فعله مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير من هذا المؤذن، وأما رواية الكشميهني ففيها نظر، ولعل من أذن كانوا جماعة إن كانت محفوظة، أو أراد جنس المؤذنين، أو أراد خير من المنكرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنها‏)‏ أي الجمعة كما تقدم ‏(‏عزمة‏)‏ بسكون الزاي ضد الرخصة، زاد ابن علية ‏"‏ وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين ‏"‏ وفي رواية الحجبي من طريق عاصم ‏"‏ إلى أؤثمكم ‏"‏ وهي ترجح رواية من روى ‏"‏ أحرجكم ‏"‏ بالحاء المهملة‏.‏
وفي رواية جرير عن عاصم عند ابن خزيمة ‏"‏ أن أخرج الناس وأكلفهم أن يحملوا الخبث من طرقهم إلى مسجدكم ‏"‏ وسيأتي الكلام على ما يتعلق بسقوط الجمعة بعذر المطر في كتاب الجمعة إن شاء الله تعالى‏.‏
ومطابقة الحديث للترجمة أنكرها الداودي فقال‏:‏ لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان، بل القول المذكور من جملة الأذان في ذلك المحل، وتعقب بأنه وإن ساغ ذكره في هذا المحل لكنه ليس من ألفاظ الأذان المعهود، وطريق بيان المطابقة أن هذا الكلام لما جازت زيادته في الأذان للحاجة إليه دل على جواز الكلام في الأذان لمن يحتاج إليه‏.‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:06 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n81&p1#TOP)باب أَذَانِ الْأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أذان الأعمى‏)‏ أي جوازه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا كان له من يخبره‏)‏ أي بالوقت، لأن الوقت في الأصل مبني على المشاهدة، وعلى هذا القيد يحمل ما روى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن مسعود وابن الزبير وغيرهما أنهم كرهوا أن يكون المؤذن أعمى، وأما ما نقله النووي عن أبي حنيفة وداود أن أذان الأعمى لا يصح فقد تعقبه السروجي بأنه غلط على أبي حنيفة، نعم في المحيط للحنفية أنه يكره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن مسلمة‏)‏ هو القعنبي، قال الدار قطني‏:‏ تفرد القعنبي بروايته إياه في الموطأ موصولا عن مالك، ولم يذكر غيره من رواة الموطأ فيه ابن عمر، ووافقه على وصله عن مالك - خارج الموطأ - عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق وروح بن عبادة وأبو قرة وكامل بن طلحة وآخرون، ووصله عن الزهري جماعة من حفاظ أصحابه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن بلالا يؤذن بليل‏)‏ فيه إشعار بأن ذلك كان من عادته المستمرة، وزعم بعضهم أن ابتداء ذلك باجتهاد منه، وعلى تقدير صحته فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فصار في حكم المأمور به، وسيأتي الكلام على تعيين الوقت الذي كان يؤذن فيه من الليل بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكلوا‏)‏ فيه إشعار بأن الأذان كان علامة عندهم على دخول الوقت فبين لهم أن أذان بلال بخلاف ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ابن أم مكتوم‏)‏ اسمه عمرو كما سيأتي موصولا في الصيام وفضائل القرآن، وقيل‏:‏ كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، ولا يمتنع أنه كان له اسمان، وهو قرشي عامري، أسلم قديما، والأشهر في اسم أبيه قيس بن زائدة‏.‏
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويستخلفه على المدينة، وشهد القادسية في خلافة عمر فاستشهد بها، وقيل رجع إلى المدينة فمات، وهو الأعمى المذكور في سورة عبس، واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية‏.‏
وزعم بعضهم أنه ولد أعمى فكنيت أمه أم مكتوم لانكتام نور بصره، والمعروف أنه عمي بعد بدر بسنتين صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان رجلا أعمى‏)‏ ظاهره أن فاعل قال هو ابن عمر، وبذلك جزم الشيخ الموفق في ‏"‏ المغني ‏"‏ لكن رواه الإسماعيلي عن أبي خليفة والطحاوي عن يزيد بن سنان كلاهما عن القعنبي فعينا أنه ابن شهاب، وكذلك رواه إسماعيل بن إسحاق ومعاذ بن المثنى وأبو مسلم الكجي الثلاثة عند الدار قطني، والخزاعي عند أبي الشيخ، وتمام عند أبي نعيم، وعتمان الدارمي عند البيهقي، كلهم عن القعنبي‏.‏
وعلى هذا ففي رواية البخاري إدراج‏.‏
ويجاب عن ذلك بأنه لا يمنع كون ابن شهاب قاله أن يكون شيخه قاله، وكذا شيخ شيخه، وقد رواه البيهقي من رواية الربيع بن سليمان عن ابن وهب عن يونس والليث جميعا عن ابن شهاب وفيه ‏"‏ قال سالم‏:‏ وكان رجلا ضرير البصر ‏"‏ ففي هذا أن شيخ ابن شهاب قاله أيضا، وسيأتي في كتاب الصيام عن المصنف من وجه آخر عن ابن عمر ما يؤدي معناه، وسنذكر لفظه قريبا، فثبتت صحة وصله‏.‏
ولابن شهاب فيه شيخ آخر أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه عن سعيد بن المسيب وفيه الزيادة، قال ابن عبد البر‏:‏ هو حديث آخر لابن شهاب، وقد وافق ابن إسحاق معمرا فيه عن ابن شهاب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصبحت أصبحت‏)‏ أي دخلت في الصباح، هذا ظاهره، واستشكل لأنه جعل أذانه غاية للأكل، فلو لم يؤذن حتى يدخل في الصباح للزم منه جواز الأكل بعد طلوع الفجر، والإجماع على خلافه إلا من شذ كالأعمش‏.‏
وأجاب ابن حبيب وابن عبد البر والأصيلي وجماعة من الشراح بأن المراد قاربت الصباح ويعكر على هذا الجواب أن في رواية الربيع التي قدمناها ‏"‏ ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر‏:‏ أذن ‏"‏ وأبلغ من ذلك أن لفظ رواية المصنف التي في الصيام ‏"‏ حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ‏"‏ وإنما قلت إنه أبلغ لكون جميعه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا فقوله ‏"‏ إن بلالا يؤذن بليل ‏"‏ يشعر أن ابن أم مكتوم بخلافه، ولأنه لو كان قبل الصبح لم يكن بينه وبين بلال فرق لصدق أن كلا منهما أذن قبل الوقت، وهذا الموضع عندي في غاية الإشكال، وأقرب ما يقال فيه إن أذانه جعل علامة لتحريم الأكل والشرب، وكأنه كان له من يراعي الوقت بحيث يكون أذانه مقارنا لابتداء طلوع الفجر وهو المراد بالبزوغ، وعند أخذه في الأذان يعترض الفجر في الأفق، ثم ظهر لي أنه لا يلزم من كون المراد بقولهم ‏"‏ أصبحت ‏"‏ أي قاربت الصباح وقوع أذانه قبل الفجر لاحتمال أن يكون قولهم ذلك يقع في آخر جزء من الليل وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر، وهذا وإن كان مستبعدا في العادة فليس بمستبعد من مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالملائكة، فلا يشاركه فيه من لم يكن بتلك الصفة، وقد روى أبو قرة من وجه آخر عن ابن عمر حديثا فيه ‏"‏ وكان ابن أم مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه‏"‏‏.‏
وفي هذا الحديث جواز الأذان قبل طلوع الفجر، وسيأتي بعد باب، واستحباب أذان واحد بعد واحد‏.‏
وأما أذان اثنين معا فمنع منه قوم، ويقال إن أول من أحدثه بنو أمية‏.‏
وقال الشافعية‏:‏ لا يكره إلا إن حصل من ذلك تهويش، واستدل به على جواز اتخاذ مؤذنين في المسجد الواحد، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وأما الزيادة على الاثنين فليس في الحديث تعرض له‏.‏
انتهى‏.‏
ونص الشافعي على جوازه ولفظه‏:‏ ولا يتضيق صلى الله عليه وسلم إن أذن أكثر من اثنين، وعلى جواز تقليد الأعمى للبصير في دخول الوقت وفيه أوجه، واختلف فيه الترجيح، وصحح النووي في كتبه أن للأعمى والبصير اعتماد المؤذن الثقة، وعلى جواز شهادة الأعمى، وسيأتي ما فيه في كتاب الشهادات‏.‏
وعلى جواز العمل بخبر الواحد، وعلى أن ما بعد الفجر من حكم النهار، وعلى جواز الأكل مع الشك في طلوع الفجر لأن الأصل بقاء الليل، وخالف في ذلك مالك فقال‏:‏ يجب القضاء‏.‏
وعلى جواز الاعتماد على الصوت في الرواية إذا كان عارفا به وإن لم يشاهد الراوي، وخالف في ذلك شعبة لاحتمال الاشتباه‏.‏
وعلى جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة إذا كان يقصد التعريف ونحوه، وجواز نسبة الرجل إلى أمه إذا اشتهر بذلك واحتيج إليه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n81&p1#TOP)باب الْأَذَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأذان في الفجر‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ قدم المصنف ترجمة الأذان بعد الفجر على ترجمة الأذان قبل الفجر فخالف الترتيب الوجودي، لأن الأصل في الشرع أن لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت، فقدم ترجمة الأصل على ما ندر عنه‏.‏
وأشار ابن بطال إلى الاعتراض على الترجمة بأنه لا خلاف فيه بين الأئمة، وإنما الخلاف في جوازه قبل الفجر‏.‏
والذي يظهر لي أن مراد المصنف بالترجمتين أن يبين أن المعنى الذي كان يؤذن لأجله قبل الفجر غير المعنى الذي كان يؤذن لأجله بعد الفجر، وأن الأذان قبل الفجر لا يكتفى به عن الأذان بعده، وأن أذان ابن أم مكتوم لم يكن يقع قبل الفجر، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان إذا اعتكف المؤذن للصبح‏)‏ هكذا وقع عند جمهور رواة البخاري وفيه نظر، وقد استشكله كثير من العلماء، ووجهه بعضهم كما سيأتي، والحديث في الموطأ عند جميع رواته بلفظ ‏"‏ كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح ‏"‏ وكذا رواه مسلم وغيره وهو الصواب، وقد أصلح في رواية ابن شبويه عن الفربري كذلك‏.‏
وفي رواية الهمداني ‏"‏ كان إذا أذن ‏"‏ بدل اعتكف، وهي أشبه بالرواية المصوبة‏.‏
ووقع في رواية النسفي عن البخاري بلفظ كان إذا اعتكف وأذن المؤذن وهو يقتضي أن صنيعه ذلك كان مختصا بحال اعتكافه، وليس كذلك، والظاهر أنه من إصلاحه‏.‏
وقد أطلق جماعة من الحفاظ القول بأن الوهم فيه من عبد الله بن يوسف شيخ البخاري، ووجه ابن بطال وغيره بأن معنى ‏"‏ اعتكف المؤذن ‏"‏ أي لازم ارتقابه ونظره إلى أن يطلع الفجر ليؤذن عند أول إدراكه‏.‏
قالوا‏:‏ وأصل العكوف لزوم الإقامة بمكان واحد، وتعقب بأنه يلزم منه أنه كان لا يصليهما إلا إذا وقع ذلك من المؤذن لما يقتضيه مفهوم الشرط، وليس كذلك لمواظبته عليهما مطلقا، والحق أن لفظ ‏"‏ اعتكف ‏"‏ محرف من لفظ ‏"‏ سكت ‏"‏ وقد أخرجه المؤلف في باب الركعتين بعد الظهر من طريق أيوب عن نافع بلفظ ‏"‏ كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبدا الصبح‏)‏ بغير همز أي ظهر، وأغرب الكرماني فصحح أنه بالنون المكسورة والهمزة بعد المد، وكأنه ظن أنه معطوف على قوله ‏"‏ للصبح ‏"‏ فيكون التقدير واعتكف لنداء الصبح، وليس كذلك فإن الحديث في جميع النسخ من الموطأ والبخاري ومسلم وغيرها بالباء الموحدة المفتوحة وبعد الدال ألف مقصورة والواو فيه واو الحال لا واو العطف، وبذلك تتم مطابقة الحديث للترجمة، وسيأتي بقية الكلام عليه في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين النداء والإقامة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ حديث عائشة أبعد في الاستدلال به للترجمة من حديث حفصة، لأن قولها ‏"‏ بين النداء والإقامة ‏"‏ لا يستلزم كون الأذان بعد الفجر‏.‏
ثم أجاب عن ذلك بما محصله‏:‏ إنها بالركعتين ركعتي الفجر، وهما لا يصليان إلا بعد الفجر، فإذا صلاهما بعد الأذان استلزم أن يكون الأذان وقع بعد الفجر‏.‏
انتهى‏.‏
وهو مع ما فيه من التكلف غير سالم من الانتقاد‏.‏
والذي عندي أن المصنف جرى على عادته في الإيماء إلى بعض ما ورد في طرق الحديث الذي يستدل به، وبيان ذلك فيما أورده بعد بابين من وجه آخر عن عائشة ولفظه ‏"‏ كان إذا سكت المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الصبح بعد أن يستبين الفجر‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن دينار‏)‏ هذا إسناد آخر لمالك في هذا الحديث، قال ابن عبد البر‏:‏ لم يختلف عليه فيه، واعترض ابن التيمي فقال‏:‏ هذا الحديث لا يدل على الترجمة، لجعله غاية الأكل ابتداء أذان ابن أم مكتوم، فدل على أن أذانه كان يقع قبل الفجر بقليل‏.‏
وجوابه ما تقدم تقريره في الباب الذي قبله‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ الاستدلال بحديث ابن عمر أوجه من غيره، فإن قوله ‏"‏ حتى ينادي ابن أم مكتوم ‏"‏ يقتضي أنه ينادي حين يطلع الفجر، لأنه لو كان ينادي قبله لكان كبلال ينادي بليل‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال ابن منده حديث عبد الله بن دينار مجمع على صحته، رواه جماعة من أصحابه عنه، ورواه عنه شعبة فاختلف عليه فيه‏:‏ رواه يزيد بن هارون عنه على الشك أن بلالا كما هو المشهور، أو ‏"‏ أن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال‏"‏‏.‏
قال‏:‏ ولشعبة فيه إسناد آخر، فإنه رواه أيضا عن خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة فذكره على الشك أيضا، أخرجه أحمد عن غندر عنه، ورواه أبو داود الطيالسي عنه جازما بالأول، ورواه أبو الوليد عنه جازما بالثاني، وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة، وكذلك أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن زاذان عن خبيب بن عبد الرحمن، وادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب، وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة، وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله ‏"‏ إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد ‏"‏ وأخرجه أحمد، وجاء عن عائشة أيضا أنها كانت تنكر حديث ابن عمر وتقول إنه غلط، أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها فذكر الحديث وزاد ‏"‏ قالت عائشة‏:‏ وكان بلال يبصر الفجر ‏"‏ قال‏:‏ وكانت عائشة تقول‏:‏ غلط ابن عمر‏.‏
انتهى‏.‏
وقد جمع خزيمة والضبعي بين الحديثين بما حاصله‏:‏ أنه يحتمل أن يكون الأذان كان نوبا بين بلال وابن أم مكتوم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن أذان الأول منهما لا يحرم على الصائم شيئا ولا يدل على دخول وقت الصلاة بخلاف الثاني‏.‏
وجزم ابن حبان بذلك ولم يبده احتمالا، وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره، وقيل‏:‏ لم يكن نوبا، وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان‏:‏ فإن بلالا كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر، وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت ‏"‏ كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في المدينة، فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن ‏"‏ أخرجه أبو داود وإسناده حسن، ورواية حميد عن أنس ‏"‏ أن سائلا سأل عن وقت الصلاة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن حين طلع الفجر ‏"‏ الحديث أخرجه النسائي وإسناده صحيح، ثم أردف بابن أم مكتوم وكان يؤذن بليل واستمر بلال على حالته الأولى، وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها، ثم في آخر الأمر أخر ابن أم مكتوم لضعفه ووكل به من يراعي له الفجر، واستقر أدان بلال بليل، وكان سبب ذلك ما روي أنه ربما كان أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه، وأنه أخطأ مرة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول ‏"‏ ألا إن العبد نام ‏"‏ يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبين الفجر، وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا مرفوعا ورجاله ثقات حفاظ، لكن اتفق أئمة الحديث على ابن المديني وأحمد ابن حنبل والبخاري والذهلي وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدار قطني على أن حمادا أخطأ في رفعه، وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب، وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه وأن حمادا انفرد برفعه، ومع ذلك فقد وجد له متابع، أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زربي وهو بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة ثم ياء كياء النسب فرواه عن أيوب موصولا لكن سعيد ضعيف‏.‏
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضا، لكنه أعضله فلم يذكر نافعا ولا ابن عمر‏.‏
وله طريق أخرى عن نافع عند الدار قطني وغيره اختلف في رفعها ووقفها أيضا، وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حميد بن هلال وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلة ووصلها يونس عن سعيد بذكر أنس، وهذه طرق يقوي بعضها بعضا قوة ظاهرة، فلهذا والله أعلم استقر أن بلالا يؤذن الأذان الأول، وسنذكر اختلافهم في تعيين الوقت المراد من قوله ‏"‏ يؤذن بليل ‏"‏ في الباب الذي بعد هذا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n81&p1#TOP)باب الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأذان قبل الفجر‏)‏ أي ما حكمه‏؟‏ هل يشرع أو لا‏؟‏ وإذا شرع هل يكتفى به عن إعادة الأذان بعد الفجر أو لا‏؟‏ وإلى مشروعيته مطلقا ذهب الجمهور‏.‏
وخالف الثوري وأبو حنيفة ومحمد، وإلى الاكتفاء مطلقا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم، وخالف ابن خزيمة وابن المنذر وطائفة من أهل الحديث وقال به الغزالي في الإحياء، وادعى بعضهم أنه لم يرد في شيء من الحديث ما يدل على الاكتفاء، وتعقب بحديث الباب، وأجيب بأنه مسكوت عنه فلا يدل، وعلى التنزل فمحله فيما إذا لم يرد نطق بخلافه، وهنا قد ورد حديث ابن عمر وعائشة بما يشعر بعدم الاكتفاء، وكأن هذا هو السر في إيراد البخاري لحديثهما في هذا الباب عقب حديث ابن مسعود، نعم حديث زياد بن الحارث عند أبي داود يدل على الاكتفاء، فإن فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه، إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام، لكن في إسناده ضعف‏.‏
وأيضا فهي واقعة عين وكانت في سفر، ومن ثم قال القرطبي‏:‏ إنه مذهب واضح، غير أن العمل المنقول بالمدينة على خلافه‏.‏
انتهى‏.‏
فلم يرده إلا بالعمل على قاعدة المالكية‏.‏
وادعى بعض الحنفية - كما حكاه السروجي منهم - أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان، وإنما كان تذكيرا أو تسحيرا كما يقع للناس اليوم، وهذا مردود، لكن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعا، وقد تضافرت الطرق على التعبير بلفظ الأذان، فحمله على معناه الشرعي مقدم، ولأن الأذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين‏.‏
وسياق الخبر يقتضي أنه خشي عليهم الالتباس‏.‏
وادعى ابن القطان أن ذلك كان في رمضان خاصة وفيه نظر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوْ الصُّبْحُ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْقُ وَطَأْطَأَ إِلَى أَسْفَلُ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏زهير‏)‏ هو ابن معاوية الجعفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي عثمان‏)‏ في رواية ابن خزيمة من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه ‏"‏ حدثنا أبو عثمان ‏"‏ ولم أر هذا الحديث من حديث ابن مسعود في شيء من الطرق إلا من رواية أبي عثمان عنه، ولا من رواية أبي عثمان إلا من رواية سليمان التيمي عنه‏.‏
واشتهر عن سليمان، وله شاهد في صحيح مسلم من حديث سمرة بن جندب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أحدكم أو أحد منكم‏)‏ شك من الراوي وكلاهما يفيد العموم وإن اختلفت الحيثية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من سحوره‏)‏ بفتح أوله اسم لما يؤكل في السحر، ويجوز الضم وهو اسم الفعل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليرجع‏)‏ بفتح الياء وكسر الجيم المخففة يستعمل هذا لازما ومتعديا، يقال رجع زيد ورجعت زيدا ولا يقال في المتعدي بالتثقيل‏.‏
فعلى هذا من رواه بالضم والتثقيل أخطأ فإنه يصير من الترجيع وهو الترديد، وليس مرادنا هنا، وإنما معناه يرد القائم - أي المتهجد - إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطا، أو يكون له حاجة إلى الصيام فيتسحر، ويوقظ النائم ليتأهب لها بالغسل ونحوه، وتمسك الطحاوي بحديث ابن مسعود هذا لمذهبه فقال‏:‏ فقد أخبر أن ذلك النداء كان لما ذكر لا للصلاة‏.‏
وتعقب بأن قوله ‏"‏ لا للصلاة ‏"‏ زيادة في الخبر، وليس فيه حصر فيما ذكر، فإن قيل تقدم في تعريف الأذان الشرعي أنه إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة والأذان قبل الوقت، ليس إعلاما بالوقت، فالجواب أن الإعلام بالوقت أعم من أن يكون إعلاما بأنه دخل أو قارب أن يدخل، وإنما اختصت الصبح بذلك من بين الصلوات لأن الصلاة في أول وقتها مرغب فيه، والصبح يأتي غالبا عقب نوم فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها ليتأهبوا ويدركوا فضيلة أول الوقت، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وليس أن يقول الفجر‏)‏ فيه إطلاق القول على الفعل أي يظهر، وكذا قوله‏:‏ ‏(‏وقال بأصابعه ورفعها‏)‏ أي أشار‏.‏
وفي رواية الكشميهني‏.‏
‏"‏ بإصبعيه ورفعهما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى فوق‏)‏ بالضم على البناء، وكذا ‏(‏أسفل‏)‏ لنية المضاف إليه دون لفظه نحو ‏(‏لله الأمر من قبل ومن بعد‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال زهير‏)‏ أي الراوي، وهي أيضا بمعنى أشار، وكأنه جمع بين إصبعيه ثم فرقهما ليحكي صفة الفجر الصادق لأنه يطلع معترضا ثم يعم الأفق ذاهبا يمينا وشمالا، بخلاف الفجر الكاذب وهو الذي تسميه العرب ‏"‏ ذنب السرحان ‏"‏ فإنه يظهر في أعلى السماء ثم ينخفض، وإلى ذلك أشار بقوله رفع وطأطأ رأسه‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي من طريق عيسى بن يونس عن سليمان ‏"‏ فإن الفجر ليس هكذا ولا هكذا، ولكن الفجر هكذا ‏"‏ فكأن أصل الحديث كان بهذا اللفظ مقرونا بالإشارة الدالة على المراد، وبهذا اختلفت عبارة الرواة، وأخصر ما وقع فيها رواية جرير عن سليمان عند مسلم ‏"‏ وليس الفجر المعترض ولكن المستطيل‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ح و حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني إسحاق‏)‏ لم أره منسوبا، وتردد فيه الجياني، وهو عندي ابن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه كما جزم به المزي، ويدل عليه تعبيره بقوله ‏"‏ أخبرنا ‏"‏ فإنه لا يقول قط حدثنا بخلاف إسحاق ابن منصور وإسحاق نن نصر، وأما ما وقع بخط الدمياطي أنه الواسطي ثم فسره بأنه ابن شاهين فليس بصواب لأنه لا يعرف له عن أبي أسامة شيء، لأن أبا أسامة كوفي وليس في شيوخ ابن شاهين أحد من أهل الكوفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبيد الله حدثنا‏)‏ فاعل قال أبو أسامة، وعبيد الله قائل حدثنا، فالتقدير حدثنا عبيد الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن نافع‏)‏ هو معطوف على ‏"‏ عن القاسم بن محمد‏"‏‏.‏
والحاصل أنه أخرج الحديث عن عبيد الله بن عمر من وجهين‏:‏ الأول ذكر له فيه إسناد بن نافع عن ابن عمر والقاسم عن عائشة، وأما الثاني فاقتصر فيه على الإسناد الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يؤذن‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ حتى ينادي‏"‏، وقد أورده في الصيام بلفظ ‏"‏ يؤذن ‏"‏ وزاد في آخره ‏"‏ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ‏"‏ قال القاسم‏:‏ لم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا، وفي هذا تقييد لما أطلق في الروايات الآخرى من قوله ‏"‏ إن بلالا يؤذن بليل‏"‏، ولا يقال إنه مرسل لأن القاسم تابعي فلم يدرك القصة المذكورة، لأنه ثبت عند النسائي من رواية حفص بن غياث، وعند الطحاوي من رواية يحيى القطان كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة فذكر الحديث قالت ‏"‏ ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا ‏"‏ وعلى هذا فمعنى قوله في رواية البخاري ‏"‏ قال القاسم ‏"‏ أي في روايته عن عائشة‏.‏
وقد وقع عند مسلم في رواية ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثل هذه الزيادة، وفيها نظر أوضحته في كتاب ‏"‏ المدرج ‏"‏ وثبتت الزيادة أيضا في حديث أنيسة الذي تقدمت الإشارة إليه، وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر هو وقت السحور، وهو أحد الأوجه في المذهب واختاره السبكي في شرح المنهاج وحكى تصحيحه عن القاضي حسين والمتولي وقطع به البغوي، وكلام ابن دقيق العيد يشعر به، فإنه قال بعد أن حكاه‏:‏ يرجح هذا بأن قوله ‏"‏ إن بلالا ينادي بليل ‏"‏ خبر يتعلق به فائدة للسامعين قطعا، وذلك إذا كان وقت الأذان مشتبها محتملا لأن يكون عند طلوع الفجر فبين صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يمنع الأكل والشرب بل الذي يمنعه طلوع الفجر الصادق، قال‏:‏ وهذا يدل على تقارب وقت أذان بلال من الفجر‏.‏
انتهى‏.‏
ويقويه أيضا ما تقدم من أن الحكمة في مشروعيته التأهب لإدراك الصبح في أول وقتها، وصحح النووي في أكثر كتبه أن مبدأه من نصف الليل الثاني، وأجاب عن الحديث في شرح مسلم فقال‏:‏ قال العلماء معناه أن بلالا كان يؤذن ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه، فإذا قارب طلوع الفجر نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب بالطهارة وغيرها ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر‏.‏
وهذا - مع وضوح مخالفته لسياق الحديث - يحتاج إلى دليل خاص لما صححه حتى يسوغ له التأويل‏.‏
ووراء ذلك أقوال أخرى معروفة في الفقهيات‏.‏
واحتج الطحاوي لعدم مشروعية الأذان قبل الفجر بقوله‏:‏ لما كان بين أذانيهما من القرب ما ذكر في حديث عائشة ثبت أنهما كانا يقصدان وقتا واحدا وهو طلوع الفجر فيخطئه بلال ويصيبه ابن أم مكتوم‏.‏
وتعقب بأنه لو كان كذلك لما أقره النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنا واعتمد عليه، ولو كان كما ادعى لكان وقوع ذلك منه نادرا‏.‏
وظاهر حديث ابن عمر يدل على أن ذلك كان شأنه وعادته، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:08 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n82&p1#TOP)باب كَمْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَمَنْ يَنْتَظِرُ الْإِقَامَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كم بين الأذان والإقامة‏)‏ أما ‏"‏ باب ‏"‏ فهو في روايتنا بلا تنوين و ‏"‏ كم ‏"‏ استفهامية ومميزها محذوف وتقديره ساعة أو صلاة أو نحو ذلك، ولعله أشار بذلك إلى ما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال ‏"‏ اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ‏"‏ أخرجه الترمذي والحاكم لكن إسناده ضعيف، وله شاهد من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان أخرجهما أبو الشيخ ومن حديث أبي بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وكلها واهية، فكأنه أشار إلى أن التقدير بذلك لم يثبت‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين، ولم يختلف العلماء في التطوع بين الأذان والإقامة إلا في المغرب كما سيأتي‏.‏
ووقع هنا في رواية نسبت للكشميهني ‏"‏ ومن انتظر الإقامة ‏"‏ وهو خطأ فإن هذا اللفظ ترجمة تلي هذه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ ثَلَاثًا لِمَنْ شَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق الواسطي‏)‏ هو ابن شاهين، ويحتمل أن يكون هو الذي عناه الدمياطي ونقلناه عنه في الذي مضى، لكني رأيته كما نقلته أولا بخط القطب الحلبي، وقد روى البخاري عن إسحاق بن وهب العلاف وهو واسطي أيضا لكن ليست له رواية عن خالد وهو ابن عبد الله الطحان، والجريري سعيد بن أياس وهو بضم الجيم كما تقدم في المقدمة، ووقع مسمى في رواية وهب بن بقية عن خالد عند الإسماعيلي وهي إحدى فوائد المستخرجات، وهو معدود فيمن اختلط، واتفقوا على أن سماع المتأخرين منه كان بعد اختلاطه وخالد منهم، لكن أخرجه الإسماعيلي من رواية يزيد بن زريع وعبد الأعلى وابن علية وهم ممن سمع منه قبل اختلاطه، وهي إحدى فوائد المستخرجات أيضا، وهو عند مسلم من طريق عبد الأعلى أيضا، وقد قال العجلي إنه من أصحهم سماعا من الجريري، فإنه سمع منه قبل اختلاطه بثمان سنين، ولم ينفرد به مع ذلك الجريري بل تابعه عليه كهمس بن الحسن عن ابن بريدة، وسيأتي عند المصنف بعد باب‏.‏
وفي رواية يزيد ابن زريع من الفوائد أيضا تسمية ابن بريدة عبد الله والتصريح بتحديثه للجريري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين كل أذانين‏)‏ أي أذان وإقامة، ولا يصح حمله على ظاهره لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة، والخير ناطق بالتخيير لقوله ‏"‏ لمن شاء‏"‏، وأجرى المصنف الترجمة مجرى البيان للخبر لجزمه بأن ذلك المراد، وتوارد الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم القمرين للشمس والقمر، ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة، كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت، ولا مانع من حمل قوله ‏"‏ أذانين ‏"‏ على ظاهره لأنه يكون التقدير بين كل أذانين صلاة نافلة غير المفروضة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏ أي وقت صلاة، أو المراد صلاة نافلة، أو نكرت لكونها تتناول كل عدد نواه المصلي من النافلة كركعتين أو أربع أو أكثر‏.‏
ويحتمل أن يكون المراد به الحث على المبادرة إلى المسجد عند سماع الأذان لانتظار الإقامة، لأن منتظر الصلاة في صلاة، قاله الزين بن المنير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا‏)‏ أي قالها ثلاثا، وسيأتي بعد باب بلفظ ‏"‏ بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة ‏"‏ ثم قال في الثالثة ‏"‏ لمن شاء ‏"‏ وهذا يبين أنه لم يقل لمن شاء إلا في المرة الثالثة، بخلاف ما يشعر به ظاهر الرواية الأولى من أنه قيد كل مرة بقوله ‏"‏ لمن شاء‏"‏‏.‏
ولمسلم والإسماعيلي ‏"‏ قال في الرابعة لمن شاء ‏"‏ وكأن المراد بالرابعة في هذه الرواية المرة الرابعة، أي أنه اقتصر فيها على قوله ‏"‏ لمن شاء ‏"‏ فأطلق عليها بعضهم رابعة باعتبار مطلق القول، وبهذا توافق رواية البخاري‏.‏
وقد تقدم في العلم حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا وكأنه قال بعد الثلاث ‏"‏ لمن شاء ‏"‏ ليدل على أن التكرار لتأكيد الاستحباب‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ فائدة هذا الحديث أنه يجوز أن يتوهم أن الأذان للصلاة يمنع أن يفعل سوى الصلاة التي أذن لها، فبين أن التطوع بين الأذان والإقامة جائز في حديث أنس، وقد صح ذلك في الإقامة كما سيأتي‏.‏
ووقع عند أحمد ‏"‏ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت ‏"‏ وهو أخص من الرواية المشهورة ‏"‏ إلا المكتوبة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ شَيْءٌ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا قَلِيلٌ
الشرح‏:‏
قوله في حديث أنس ‏(‏كان المؤذن إذا أذن‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ إذا أخذ المؤذن في أذان المغرب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قام ناس‏)‏ في رواية النسائي ‏"‏ قام كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وكذا تقدم للمؤلف في أبواب ستر العورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يبتدرون‏)‏ أي يستبقون‏.‏
و ‏(‏السواري‏)‏ جمع سارية، وكأن غرضهم بالاستباق إليها الاستتار بها ممن يمر بين أيديهم لكونهم يصلون فرادى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهم كذلك‏)‏ أي في تلك الحال‏.‏
وزاد مسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس‏:‏ ‏"‏ فيجيء الغريب فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يكن بينهما‏)‏ أي الأذان والإقامة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شيء‏)‏ التنوين فيه للتعظيم، أي لم يكن بينهما شيء كثير، وبهذا يندفع قول من زعم أن الرواية المعلقة معارضة للرواية الموصولة، بل هي مبينة لها، ونفي الكثير يقتضي إثبات القليل، وقد أخرجها الإسماعيلي موصولة من طريق عثمان بن عمر عن شعبة بلفظ ‏"‏ وكان بين الأذان والإقامة قريب ‏"‏ ولمحمد بن نصر من طريق أبي عامر عن شعبة نحوه‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ يجمع بين الروايتين يحمل النفي المطلق على المبالغة مجازا، والإثبات للقليل على الحقيقة‏.‏
وحمل بعض العلماء حديث الباب على ظاهره فقال‏:‏ دل قوله ‏"‏ ولم يكن بينهما شيء ‏"‏ على أن عموم قوله ‏"‏ بين كل أذانين صلاة ‏"‏ مخصوص بغير المغرب، فإنهم لم يكونوا يصلون بينهما بل كانوا يشرعون في الصلاة في أثناء الأذان ويفرغون مع فراغه‏.‏
قال‏:‏ ويؤيد ذلك ما رواه البزار من طريق حيان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مثل الحديث الأول، وزاد في آخره ‏"‏ إلا المغرب ‏"‏ ا ه‏.‏
وفي قوله ‏"‏ ويفرغون مع فراغه ‏"‏ نظر لأنه ليس في الحديث ما يقتضيه، ولا يلزم من شروعهم في أثناء الأذان ذلك، وأما رواية حيان وهو بفتح المهملة والتحتانية فشاذة لأنه وإن كان صدوقا عند البزار وغيره لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه، وقد وقع في بعض طرقه عند الإسماعيلي‏:‏ وكان بريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب فلو كان الاستثناء محفوظا لم يخالف بريدة روايته‏.‏
وقد نقل ابن الجوزي في الموضوعات عن الفلاس أنه كذب حيانا المذكور‏.‏
وقال القرطبي وغيره‏:‏ ظاهر حديث أنس أن الركعتين بعد المغرب وقبل صلاة المغرب كان أمرا أقر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه وعملوا به حتى كانوا يستبقون إليه، وهذا يدل على الاستحباب، وكأن أصله قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ بين كل أذانين صلاة‏"‏‏.‏
وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يصلهما فلا ينفي الاستحباب، بل يدل على أنهما ليستا من الرواتب‏.‏
وإلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث، وروى عن ابن عمر قال‏:‏ ما رأيت أحدا يصليهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة أنهم كانوا لا يصلونهما‏.‏
وهو قول مالك والشافعي، وادعى بعض المالكية نسخهما فقال‏:‏ إنما كان ذلك في أول الأمر حيث نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، فبين لهم بذلك وقت الجواز، ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها، فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها‏.‏
وتعقب بأن دعوى النسخ لا دليل عليها، والمنقول عن ابن عمر رواه أبو داود من طريق طاوس عنه، ورواية أنس المثبتة مقدمة على نفيه، والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم، وهو منقطع، ولو ثبت لم يكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة‏.‏
وسيأتي في أبواب التطوع أن عقبة بن عامر سأل عن الركعتين قبل المغرب فقال‏:‏ كنا نفعلهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له‏:‏ فما يمنعك الآن‏؟‏ قال‏:‏ الشغل‏.‏
فلعل غيره أيضا منعه الشغل‏.‏
وقد روى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما‏.‏
وأما قول أبي بكر ابن العربي‏:‏ اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم، فمردود بقول محمد بن نصر، وقد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب، ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحيى بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك بن مالك، ومن طريق الحسن البصري أنه سأل عنهما فقال‏:‏ حسنتين والله لمن أراد الله بهما‏.‏
وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول‏:‏ حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين‏.‏
وعن مالك قول آخر باستحبابهما‏.‏
وعند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه‏.‏
وقال في شرح مسلم‏:‏ قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال فاسد منابذ للسنة، ومع ذلك فزمنهما زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها‏.‏
قلت‏:‏ ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر، قيل والحكمة في الندب إليهما رجاء إجابة الدعاء، لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر، واستدل بحديث أنس على امتداد وقت المغرب، وليس ذلك بواضح‏.‏
‏(‏تنبيهان‏)‏ ‏:‏ ‏(‏أحدهما‏)‏ مطابقة حديث أنس للترجمة من جهة الإشارة إلى أن الصحابة إذا كانوا يبتدرون إلى الركعتين قبل صلاة المغرب مع قصر وقتها فالمبادرة إلى التنقل قبل غيرها من الصلوات تقع من باب الأولى، ولا يتقيد بركعتين إلا ما ضاهى المغرب في قصر الوقت كالصبح‏.‏
‏(‏الثاني‏)‏ ‏:‏ لم تتصل لنا رواية عثمان بن جبلة - وهو بفتح الجيم والموحدة - إلى الآن‏.‏
وزعم مغلطاي ومن تبعه أن الإسماعيلي وصلها في مستخرجه، وليس كذلك، فإن الإسماعيلي إنما أخرجه من طريق عثمان بن عمر، وكذلك لم تتصل لنا رواية أبي داود وهو الطيالسي فيما يظهر لي، وقيل هو الحفري بفتح المهملة والفاء‏.‏
وقد وقع لنا مقصود روايتهما من طريق عثمان بن عمر وأبي عامر ولله الحمد‏.‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:12 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n82&p1#TOP)باب مَنْ انْتَظَرَ الْإِقَامَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من انتظر الإقامة‏)‏ موضع الترجمة من الحديث قوله ‏"‏ ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن ‏"‏ وأوردها مورد الاحتمال تنبيها على اختصاص ذلك بالإمام لأن المأموم مندوب إلى إحراز الصف الأول، ويحتمل أن يشارك الإمام في ذلك من كان منزله قريبا من المسجد، وقيل يستفاد من حديث الباب أن الذي ورد من الحض على الاستباق إلى المسجد هو لمن كان على مسافة من المسجد، وأما من كان يسمع الإقامة من داره فانتظاره للصلاة إذا كان متهيئا لها كانتظاره إياها في المسجد، وفي مقصود الترجمة أيضا ما أخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال ‏"‏ كان بلال يؤذن ثم لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدة‏)‏ هو ابن سليمان، وبقية الإسناد والمتن تقدم بأتم سياق في الباب الذي قبله‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n82&p1#TOP)باب بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب بين كل أذانين صلاة‏)‏ تقدم الكلام على فوائده قبل باب، وترجم هنا بلفظ الحديث، وهناك ببعض ما دل عليه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n82&p1#TOP)باب مَنْ قَالَ لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد‏)‏ كأنه يشير إلى ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح ‏"‏ أن ابن عمر كان يؤذن للصبح في السفر أذانين ‏"‏ وهذا مصير منه إلى التسوية بين الحضر والسفر، وظاهر حديث الباب أن الأذان في السفر لا يتكرر، لأنه لم يفرق بين الصبح وغيرها، والتعليل الماضي في حديث ابن مسعود يؤيده، وعلى هذا فلا مفهوم لقوله مؤذن واحد في السفر لأن الحضر أيضا لا يؤذن فيه إلا واحد، ولو احتج إلى تعددهم لتباعد أقطار البلد أذن كل واحد في جهة ولا يؤذنون جميعا، وقد قيل أن أول من أحدث التأذين جميعا بنو أمية‏.‏
وقال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن ولا يؤذن جماعة معا، وإن كان مسجد كبير فلا بأس أن يؤذن في كل جهة منه مؤذن يسمع من يليه في وقت واحد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأذان للمسافرين‏)‏ كذا للكشميهني وللباقين ‏"‏ للمسافر ‏"‏ بالإفراد، وهو للجنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا كانوا جماعة‏)‏ هو مقتضى الأحاديث التي أوردها، لكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد، وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول‏:‏ إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادى بالصلاة ليجتمعوا لها، فأما غيرهم فإنما هي الإقامة‏.‏
وحكى نحو ذلك عن مالك‏.‏
وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعة الأذان لكل أحد، وقد تقدم حديث أبي سعيد في ‏"‏ باب رفع الصوت بالنداء ‏"‏ وهو يقتضي استحباب الأذان للمنفرد، وبالغ عطاء فقال‏:‏ إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة، ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى استحباب الإعادة لا وجوبها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والإقامة‏)‏ بالخفض عطفا على الأذان، ولم يختلف في مشروعية الإقامة في كل حال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكذلك بعرفة‏)‏ لعله يشير إلى حديث جابر الطويل في صفة الحج، وهو عند مسلم، وفيه أن بلالا أذن وأقام لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر يوم عرفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجمع‏)‏ بفتح الجيم وسكون الميم هي مزدلفة، وكأنه أشار بذلك إلى حديث ابن مسعود الذي ذكره في كتاب الحج وفيه‏:‏ أنه صلى المغرب بأذان وإقامة‏.‏
، والعشاء بأذان وإقامة، ثم قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول المؤذن‏)‏ هو بالخفض أيضا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n82&p1#TOP)باب الْأَذَانِ لِلْمُسَافِرِ إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَالْإِقَامَةِ
وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ وَقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأذان للمسافرين‏)‏ كذا للكشميهني وللباقين ‏"‏ للمسافر ‏"‏ بالإفراد، وهو للجنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا كانوا جماعة‏)‏ هو مقتضى الأحاديث التي أوردها، لكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد، وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول‏:‏ إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادى بالصلاة ليجتمعوا لها، فأما غيرهم فإنما هي الإقامة‏.‏
وحكى نحو ذلك عن مالك‏.‏
وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعة الأذان لكل أحد، وقد تقدم حديث أبي سعيد في ‏"‏ باب رفع الصوت بالنداء ‏"‏ وهو يقتضي استحباب الأذان للمنفرد، وبالغ عطاء فقال‏:‏ إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة، ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى استحباب الإعادة لا وجوبها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والإقامة‏)‏ بالخفض عطفا على الأذان، ولم يختلف في مشروعية الإقامة في كل حال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكذلك بعرفة‏)‏ لعله يشير إلى حديث جابر الطويل في صفة الحج، وهو عند مسلم، وفيه أن بلالا أذن وأقام لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر يوم عرفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجمع‏)‏ بفتح الجيم وسكون الميم هي مزدلفة، وكأنه أشار بذلك إلى حديث ابن مسعود الذي ذكره في كتاب الحج وفيه‏:‏ أنه صلى المغرب بأذان وإقامة‏.‏
، والعشاء بأذان وإقامة، ثم قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول المؤذن‏)‏ هو بالخفض أيضا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ
الشرح‏:‏
وقد تقدم الكلام على حديث أبي ذر مستوفى في ‏"‏ باب الإبراد بالظهر ‏"‏ في المواقيت، وفيه البيان أن المؤذن هو بلال وأنه أذن وأقام، فيطابق هذه الترجمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ أَتَى رَجُلَانِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدَانِ السَّفَرَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب بين كل أذانين صلاة‏)‏ تقدم الكلام على فوائده قبل باب، وترجم هنا بلفظ الحديث، وهناك ببعض ما دل عليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لَا أَحْفَظُهَا وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ
الشرح‏:‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هنا في رواية أبي الوقت ‏"‏ حدثنا محمد بن المثني حدثنا عبد الوهاب عن أيوب ‏"‏ فذكر حديث مالك بن الحويرث مطولا نحو ما مضى في الباب قبله، وسيأتي بتمامه في ‏"‏ باب خبر الواحد‏"‏، وعلى ذكره هناك اقتصر باقي الرواة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بضجنان‏)‏ هو بفتح الضاد المعجمة وبالجيم بعدها نون على وزن فعلان غير مصروف، قال صاحب الصحاح وغيره‏:‏ هو جبل بناحية مكة‏.‏
وقال أبو موسى في ذيل الغريبين‏:‏ هو موضع أو جبل بين مكة والمدينة‏.‏
وقال صاحب المشارق ومن تبعه‏:‏ هو جبل على بريد من مكة‏.‏
وقال صاحب الفائق‏:‏ بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلا، وبينه وبين وادي مريسعة أميال‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا القدر أكثر من بريدين‏.‏
وضبطه بالأميال يدل على مزيد اعتناء، وصاحب الفائق ممن شاهد تلك الأماكن واعتنى بها، خلاف من تقدم ذكره ممن لم يرها أصلا‏.‏
ويؤيده ما حكاه أبو عبيد البكري قال‏:‏ وبين قديد وضجنان يوم‏.‏
قال معبد الخزاعي‏:‏ قد جعلت ماء قديد موعدي وماء ضجنان لها ضحى الغد قوله‏:‏ ‏(‏وأخبرنا‏)‏ أي ابن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان يأمر مؤذنا‏)‏ في رواية مسلم كان يأمر المؤذن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يقول على أثره‏)‏ صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ لما ذكر رواية مسلم بلفظ ‏"‏ يقول في آخر ندائه ‏"‏ يحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه، جمعا بينه وبين حديث ابن عباس‏.‏
انتهى‏.‏
وقد قدمنا في ‏"‏ باب الكلام في الأذان ‏"‏ عن ابن خزيمة أنه حمل حديث ابن عباس على ظاهره، وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة نظرا إلى المعنى لأن معنى ‏"‏ حي على الصلاة ‏"‏ هلموا إليها، ومعنى ‏"‏ الصلاة في الرحال ‏"‏ تأخروا عن المجيء ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر ا ه‏.‏
ويمكن الجمع بينهما، ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة‏.‏
ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال‏:‏ ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فمطرنا، فقال‏:‏ ليصل من شاء منكم في رحله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في الليلة الباردة أو المطيرة‏)‏ قال الكرماني فعيلة بمعنى فاعلة، وإسناد المطر إليها مجاز، ولا يقال إنها بمعنى مفعولة - أي ممطور فيها - لوجود الهاء في قوله مطيرة إذ لا يصح ممطورة فيها ا ه‏.‏
ملخصا‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏أو‏)‏ للتنويع لا للشك، وفي صحيح أبي عوانة ‏"‏ ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح ‏"‏ ودل ذلك على أن كلا من الثلاثة عذر في التأخر عن الجماعة، ونقل ابن بطال فيه الإجماع، لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط، وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل، لكن في السنن من طريق ابن إسحاق عن نافع في هذا الحديث ‏"‏ في الليلة المطيرة والغداة القرة‏"‏، وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه ‏"‏ أنهم مطروا يوما فرخص لهم ‏"‏ ولم أر في شيء من الأحاديث الترخص بعذر الريح في النهار صريحا، لكن القيام يقتضي إلحاقه، وقد نقله ابن الرفعة وجها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في السفر‏)‏ ظاهره اختصاص ذلك بالسفر، ورواية مالك عن نافع الآتية في أبواب صلاة الجماعة مطلقة، وبها أخذ الجمهور، لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقا، ويلحق به من تلحقه بذلك مشقة في الحضر دون من لا تلحقه، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ فَجَاءَهُ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَرَجَ بِلَالٌ بِالْعَنَزَةِ حَتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ وقع في رواية أبي الوقت أنه ابن منصور، وبذلك جزم خلف في الأطراف، وقد تردد الكلاباذي هل هو ابن إبراهيم أو ابن منصور، ورجح الجياني أنه ابن منصور واستدل على ذلك بأن مسلما أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد عن إسحاق بن منصور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فآذنه بالصلاة ثم خرج بلال‏)‏ اختصره المصنف، وقد أخرجه الإسماعيلي من طرق عن جعفر ابن عون فقال بعد قوله بالصلاة ‏"‏ فدعا بوضوء فتوضأ ‏"‏ فذكر القصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأقام الصلاة‏)‏ اختصر بقيته، وهي عند الإسماعيلي أيضا وهي ‏"‏ وركزها بين يديه والظعن يمرون ‏"‏ الحديث، وقد قدمنا الكلام عليه في ‏"‏ باب سترة الإمام سترة لمن خلفه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالأبطح‏)‏ هو موضع معروف خارج مكة، وقد بيناه في ذلك الباب، وفهم بعضهم أن المراد بالأبطح موضع جمع لذكره لها في الترجمة، وليس ذلك مراده، بل بين جمع والأبطح مسافة طويلة، وإنما أورد حديث أبي جحيفة لأنه يدخل في أصل الترجمة وهي مشروعية الأذان والإقامة للمسافرين‏.‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:14 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n82&p1#TOP)باب هَلْ يَتَتَبَّعُ الْمُؤَذِّنُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا وَهَلْ يَلْتَفِتُ فِي الْأَذَانِ
وَيُذْكَرُ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَقَالَ عَطَاءٌ الْوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يتتبع المؤذن فاه هاهنا وهاهنا‏)‏ هو بياء تحتانية ثم بتاءين مفتوحات ثم بموحدة مشددة من التتبع‏.‏
وفي رواية الأصيلي ‏"‏ يتبع ‏"‏ بضم أوله وإسكان المثناة وكسر الموحدة من الاتباع، والمؤذن بالرفع لأنه فاعل التتبع، وفاه منصوب على المفعولية، و ‏"‏ هاهنا وهاهنا ‏"‏ ظرفا مكان والمراد بهما جهتا اليمين والشمال كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكلام على الحديث‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ لفظ المؤذن بالنصب وفاعله محذوف تقديره الشخص ونحوه، وفاه بالنصب بدل من المؤذن، قال‏:‏ ليوافق قوله في الحديث ‏"‏ فجعلت أتتبع فاه ‏"‏ ا ه‏.‏
وليس ذلك بلازم، لما عرف من طريقة المصنف أنه لا يقف مع اللفظ الذي يورده غالبا بل يترجم له ببعض ألفاظه الواردة فيه، وكذا وقع هاهنا، فإن في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند أبي عوالة في صحيحه ‏"‏ فجعل يتتبع بفيه يمينا وشمالا‏"‏‏.‏
وفي رواية وكيع عن سفيان عند الإسماعيلي ‏"‏ رأيت بلالا يؤذن يتتبع بفيه ‏"‏ ووصف سفيان يميل برأسه يمينا وشمالا، والحاصل أن بلالا كان يتتبع بفيه الناحيتين، وكان أبو جحيفة ينظر إليه فكل منهما متتبع باعتبار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهل يلتفت في الأذان‏)‏ يشير إلى ما قدمناه في رواية وكيع وفي رواية إسحاق الأزرق عن سفيان عند النسائي ‏"‏ فجعل ينحرف يمينا وشمالا ‏"‏ وسيأتي في رواية يحيى بن آدم بلفظ ‏"‏ والتفت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن بلال أنه جعل إصبعيه في أذنيه‏)‏ يشير بذلك إلى ما وقع في رواية عبد الرزاق وغيره عن سفيان كما سنوضحه بعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر الخ‏)‏ أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن طريق نسير وهو بالنون والمهملة مصغر ابن ذعلوق بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة وضم اللام عن ابن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم‏)‏ يعني النخعي الخ وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن جرير عن منصور عنه بذلك وزاد ‏"‏ ثم يخرج فيتوضأ ثم يرجع فيقيم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء الخ‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جرير قال ‏"‏ قال لي عطاء‏:‏ حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن المؤذن إلا متوضئا، هو من الصلاة، هو فاتحة الصلاة ‏"‏ ولابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء ‏"‏ أنه كره أن يؤذن الرجل على غير وضوء ‏"‏ وقد ورد فيه حديث مرفوع أخرجه الترمذي والبيهقي من حديث أبي هريرة وفي إسناده ضعف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة‏)‏ تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب تقضي الحائض المناسك ‏"‏ من كتاب الحيض، وأن مسلما وصله‏.‏
وفي إيراد البخاري له هنا إشارة إلى اختيار قول النخعي، وهو قول مالك والكوفيين لأن الأذان من جملة الأذكار فلا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة من الطهارة ولا من استقبال القبلة، كما لا يستحب فيه الخشوع الذي ينافيه الالتفات وجعل الإصبع في الأذن، وبهذا تعرف مناسبة ذكره لهذه الآثار في هذه الترجمة ولاختلاف نظر العلماء فها أوردها بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى بِلَالًا يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا بِالْأَذَانِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يوسف‏)‏ هو الفريابي، وسفيان هو الثوري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هاهنا وهاهنا بالأذان‏)‏ كذا أورده مختصرا، ورواية وكيع عن سفيان عند مسلم أتم حيث قال ‏"‏ فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يمينا وشمالا يقول‏:‏ حي على الصلاة، حي على الفلاح ‏"‏ وهذا فيه تقييد للالتفات في الأذان وأن محله عند الحيعلتين، وبوب عليه ابن خزيمة ‏"‏ انحراف المؤذن عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح بفمه لا ببدنه كله ‏"‏ قال‏:‏ وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه، ثم ساقه من طريق وكيع أيضا بلفظ ‏"‏ فجعل يقول في أذانه هكذا، ويحرف رأسه يمينا وشمالا ‏"‏ وفي رواية عبد الرزاق عن الثوري في هذا الحديث زيادتان‏:‏ إحداهما الاستدارة، والأخرى وضع الإصبع في الأذن، ولفظه عند الترمذي ‏"‏ رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وإصبعاه في أذنيه ‏"‏ فأما قوله ‏"‏ ويدور ‏"‏ فهو مدرج في رواية سفيان عن عون، بين ذلك يحيى بن آدم عن سفيان عن عون عن أبيه قال ‏"‏ رأيت بلالا أذن فأتبع فاه هاهنا وهاهنا والتفت يمينا وشمالا ‏"‏ قال سفيان‏:‏ كان حجاج - يعني ابن أرطاة - يذكر لنا عن عون أنه قال ‏"‏ فاستدار في أذانه ‏"‏ فلما لقينا عونا لم يذكر فيه الاستدارة، أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من طريق يحيى بن آدم، وكذا أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان، لكن لم يسم حجاجا، وهو مشهور عن حجاج أخرجه ابن ماجه وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم من طريقه ولم ينفرد به بل وافقه إدريس الأودي ومحمد العرزمي عن عون، لكن الثلاثة ضعفاء، وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون فقال في حديثه ‏"‏ ولم يستدر ‏"‏ أخرجه أبو داود، ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عني استدارة الرأس، ومن نفاها عني استدارة الجسد كله‏.‏
ومشى ابن بطال ومن تبعه على ظاهره فاستدل به على جواز الاستدارة بالبدن كله، قال ابن دقيق العيد‏:‏ فيه دليل على استدارة المؤذنين للإسماع عند التلفظ بالحيعلتين، واختلف هل يستدير ببدنه كله أو بوجهه فقط وقدماه قارتان مستقبل القبلة‏؟‏ واختلف أيضا هل يستدير في الحيعلتين الأوليين مرة وفي الثانيتين مرة، أو يقول حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الصلاة عن شماله وكذا في الأخرى‏؟‏ قال‏:‏ ورجح الثاني لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما، قال‏:‏ والأول أقرب إلى لفظ الحديث‏.‏
وفي المغني عن أحمد‏:‏ لا يدور إلا إن كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين‏.‏
وأما وضع الإصبعين في الأذنين فقد رواه مؤمل أيضا عن سفيان أخرجه أبو عوانة، وله شواهد ذكرتها في ‏"‏ تعليق التعليق ‏"‏ من أصحها ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه قال‏:‏ قلت لبلال كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ قال بلال‏:‏ فجعلت إصبعي في أذني فأذنت ‏"‏ ولابن ماجه والحاكم من حديث سعد القرظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل إصبعيه في أذنيه ‏"‏ وفي إسناده ضعف، قال العلماء في ذلك فائدتان‏:‏ إحداهما أنه قد يكون أرفع لصوته، وفيه حديث ضعيف أخرجه أبو الشيخ من طريق سعد القرظ عن بلال، ثانيهما أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن، ومن ثم قال بعضهم‏:‏ يجعل يده فوق أذنه حسب، قال الترمذي‏:‏ استحب أهل العلم أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان، قال‏:‏ واستحبه الأوزاعي في الإقامة أيضا‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يرد تعيين الإصبع التي يستحب وضعها، وجزم النووي أنها المسبحة، وإطلاق الإصبع مجاز عن الأنملة‏.‏
‏(‏تنبيه آخر‏)‏ ‏:‏ وقع في المغني للموفق نسبة حديث أبي جحيفة بلفظ ‏"‏ أن بلالا أذن ووضع إصبعيه في أذنيه ‏"‏ إلى تخريج البخاري ومسلم، وهو وهم، وساق أبو نعيم في المستخرج حديث الباب من طريق عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق عن سفيان بلفظ عيد الرزاق من غير بيان فما أجاد، لإيهامه أنهما متوافقتان، وقد عرفت ما في رواية عبد الرزاق من الإدراج، وسلامة رواية عبد الرحمن من ذلك، والله المستعان‏.‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:15 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n83&p1#TOP)باب قَوْلِ الرَّجُلِ فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ
وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَقُولَ فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَمْ نُدْرِكْ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَحُّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الرجل فاتتنا الصلاة‏)‏ أي هل يكره أم لا‏؟‏ قوله‏:‏ ‏(‏وكره ابن سيرين الخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عن أزهر عن ابن عون قال ‏"‏ كان محمد - يعني ابن سيرين - يكره ‏"‏ فذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو بالرفع على الابتداء، وأصح خبره‏.‏
وهذا كلام المصنف رادا على ابن سيرين‏.‏
ووجه الرد أن الشارع أطلق لفظ الفوات فدل على الجواز، وابن سيرين مع كونه كرهه فإنما كرهه من جهة اللفظ لأنه قال ‏"‏ وليقل لم ندرك ‏"‏ وهذا محصل معنى الفوات، لكن قوله لم ندرك فيه نسبة عدم الإدراك إليه بخلاف فاتتنا، فلعل ذلك هو الذي لحظه ابن سيربن‏.‏
وقوله أصح معناه صحيح أي بالنسبة إلى قول ابن سيرين، فإنه غير صحيح لثبوت النص بخلافه‏.‏
وعند أحمد من حديث أبي قتادة في قصة نومهم عن الصلاة ‏"‏ فقلت يا رسول الله فاتتنا الصلاة ‏"‏ ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وموقع هذه الترجمة وما بعدها من أبواب الأذان والإقامة أن المرء عند إجابة المؤذن يحتمل أن يدرك الصلاة كلها أو بعضها أو لا يدرك شيئا، فاحتيج إلى جواز إطلاق الفوات وكيفية الإتيان إلى الصلاة وكيفية العمل عند فوات البعض ونحو ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه‏)‏ في رواية مسلم من طريق معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير التصريح بإخبار عبد الله له به وبإخبار أبي قتادة لعبد الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جلبة الرجال‏)‏ وفي رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ جلبة رجال ‏"‏ بغير ألف ولام وهما للعهد الذهني، وقد سمي منهم أبو بكرة فيما رواه الطبراني من رواية يونس عن الحسن عنه نحوه في نحو هذه القصة‏.‏
و ‏"‏ جلبة ‏"‏ بجيم ولام وموحدة مفتوحات، أي أصواتهم حال حركتهم‏.‏
واستدل به على أن التفات خاطر المصلي إلى الأمر الحادث لا يفسد صلاته، وسنذكر الكلام على المتن في الباب الذي بعده‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n83&p1#TOP)باب لَا يَسْعَى إِلَى الصَّلَاةِ وَلْيَأْتِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
وَقَالَ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا قَالَهُ أَبُو قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يسعى إلى الصلاة الخ‏)‏ سقطت هذه الترجمة من رواية الأصيلي ومن رواية أبي ذر عن غير السرخسي، وثبوتها أصوب لقوله فيها ‏"‏ وقاله أبو قتادة ‏"‏ لأن الضمير يعود على ما ذكر في الترجمة، ولولا ذلك لعاد الضمير إلى المتن السابق فيكون ذكر أبي قتادة تكرارا بلا فائدة لأنه ساقه عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلَا تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن الزهري‏)‏ أي بالإسناد الذي قبله، وهو آدم عن ابن أبي ذئب عنه، أي أن ابن أبي ذئب حدث به عن الزهري عن شيخين حدثاه به عن أبي هريرة، وقد جمعهما المصنف في ‏"‏ باب المشي إلى الجمعة ‏"‏ عن آدم فقال فيه ‏"‏ عن سعيد وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة ‏"‏ وكذلك أخرجه مسلم من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عنهما، وذكر الدار قطني الاختلاف فيه على الزهري وجزم بأنه عنده عنهما جميعا قال‏:‏ وكان ربما اقتصر على أحدهما‏.‏
وأما الترمذي فإنه أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة وحده، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد وحده، قال‏:‏ وقول عبد الرزاق أصح، ثم أخرجه من طريق ابن عيينة عن الزهري كما قال عبد الرزاق، وهذا عمل صحيح لو لم يثبت أن الزهري حدث به عنهما‏.‏
وقد أخرجه المصنف في ‏"‏ باب المشي إلى الجمعة ‏"‏ من طريق شعيب ومسلم من طريق يونس كلاهما عن الزهري عن أبي سلمة وحده فترجح ما قال الدار قطني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم الإقامة‏)‏ هو أخص من قوله في حديث أبي قتادة ‏"‏ إذا أتيتم الصلاة ‏"‏ لكن الظاهر أنه من مفهوم الموافقة، لأن المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى ونحو ذلك، ومع ذلك فقد نهى عن الإسراع، فغيره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها فينهي عن الإسراع من باب الأولى‏.‏
وقد لحظ فيه بعضهم معنى غير هذا فقال‏:‏ الحكمة في التقييد بالإقامة أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إلها وقد انبهر فيقرأ وهو في تلك الحالة فلا يحصل له تمام الخشوع في الترتيل وغيره، بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة قد لا تقام فيه حتى يستريح‏.‏
انتهى‏.‏
وقضية هذا أنه لا يكره الإسراع لمن جاء قبل الإقامة، وهو مخالف لصريح قوله ‏"‏ إذا أتيتم الصلاة ‏"‏ لأنه يتناول ما قبل الإقامة، وإنما قيد في الحديث الثاني بالإقامة لأن ذلك هو الحامل في الغالب على الإسراع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعليكم بالسكينة‏)‏ كذا في رواية أبي ذر، ولغيره ‏"‏ وعليكم السكينة ‏"‏ بغير باء، وكذا في رواية مسلم من طريق يونس، وضبطها القرطبي شارحه بالنصب على الإغراء، وضبطها النووي بالرفع على أنها جملة في موضع الحال، واستشكل بعضهم دخول الباء قال‏:‏ لأنه متعد بنفسه كقوله تعالى ‏(‏عليكم أنفسكم‏)‏ وفيه نظر لثبوت زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث ‏"‏ عليكم برخصة الله ‏"‏ وحديث ‏"‏ فعليه بالصوم فإنه له وجاء ‏"‏ وحديث ‏"‏ فعليك بالمرأة ‏"‏ قاله لأبي طلحة في قصة صفية، وحديث ‏"‏ عليك بعيبتك ‏"‏ قالته عائشة لعمر، وحديث ‏"‏ عليكم بقيام الليل ‏"‏ وحديث ‏"‏ عليك بخويصة نفسك ‏"‏ وغير ذلك‏.‏
ثم إن الذي علل به هذا المعترض غير موف بمقصوده، إذ لا يلزم من كونه يجوز أن يتعدى بنفسه امتناع تعديه بالماء، وإذا ثبت ذلك فيدل على أن فيه لغتين والله أعلم‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ الحكمة في هذا الأمر تستفاد من زيادة وقعت في مسلم من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، فذكر نحو حديث الباب وقال في آخره ‏"‏ فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة ‏"‏ أي أنه في حكم المصلي، فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والوقار‏)‏ قال عياض والقرطبي‏:‏ هو بمعنى السكينة، وذكر على سبيل التأكيد‏.‏
وقال النووي‏:‏ الظاهر أن بينهما فرقا، وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث، والوقار في الهيئة كغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا تسرعوا‏)‏ فيه زيادة تأكيد، ويستفاد منه الرد على من أول قوله في حديث أبي قتادة ‏"‏ لا تفعلوا ‏"‏ أي الاستعجال المفضي إلى عدم الوقار، وأما الإسراع الذي لا ينافي الوقار كمن خاف فوت التكبيرة فلا، وهذا محكي عن إسحاق بن راهويه وقد تقدمت رواية العلاء التي فيها ‏"‏ فهو في صلاة ‏"‏ قال النووي‏:‏ نبه بذلك على أنه لم يدرك من الصلاة شيئا لكان محصلا لمقصوده لكونه في صلاة، وعدم الإسراع أيضا يستلزم كثرة الخطا وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث كحديث جابر عند مسلم ‏"‏ أن بكل خطوة درجة ‏"‏ ولأبي داود من طريق سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار مرفوعا ‏"‏ إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة، فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى وقد صلوا بعضا وبقي بعض فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، وإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فما أدركتم فصلوا‏)‏ قال الكرماني‏:‏ الفاء جواب شرط محذوف، أي إذا بينت لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا‏.‏
قلت‏:‏ أو التقدير إذا فعلتم فا أدركتم أي فعلتم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع‏.‏
واستدل بهذا الحديث على حصول فضيلة الجماعة بإدراك جزء من الصلاة لقوله ‏"‏ فما أدركتم فصلوا ‏"‏ ولم يفصل بين القليل والكثير، وهذا قول الجمهور، وقيل‏:‏ لا تدرك الجماعة بأقل من ركعة للحديث السابق ‏"‏ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك ‏"‏ وقياسا على الجمعة، وقد قدمنا الجواب عنه في موضعه وأنه ورد في الأوقات، وأن في الجمعة حديثا خاصا بها‏.‏
واستدل به أيضا على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وجد عليها، وفيه حديث أصرح منه أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع عن رجل من الأنصار مرفوعا ‏"‏ من وجدني راكعا أو قائما أو ساجدا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما فاتكم فأتموا‏)‏ أي أكملوا، هذا هو الصحيح في رواية الزهري، ورواه عنه ابن عيينة بلفظ ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ وحكم مسلم في التمييز عليه بالوهم في هذه اللفظة، مع أنه أخرج إسناده في صحيحه لكن لم يسق لفظه، وكذا روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة فقال ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بلفظ ‏"‏ فأتموا‏"‏‏.‏
واختلف أيضا في حديث أبي قتادة، فرواية الجمهور ‏"‏ فأتموا ‏"‏ ووقع لمعاوية بن هشام عن سفيان ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ كذا ذكره ابن أبي شيبة عنه‏.‏
وأخرج مسلم إسناده في صحيحه عن ابن أبي شيبة فلم يسق لفظه أيضا، وروى أبو داود مثله عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال‏:‏ ووقعت في رواية أبي رافع عن أبي هريرة، واختلف في حديث أبي ذر قال‏:‏ وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة ‏"‏ وليقض‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ ورواية ابن سيرين عند مسلم بلفظ ‏"‏ صل ما أدركت، واقض ما سبقك ‏"‏ والحاصل أن أكثر الروايات ورد بلفظ ‏"‏ فأتموا ‏"‏ وأقلها بلفظ ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ وإنما تظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين الإمام والقضاء مغايرة، لكن إذا كان مخرج الحديث واحدا واختلف في لفظه منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى، وهنا كذلك لأن القضاء وإن كان يطلق على الفائت غالبا لكنه يطلق على الأداء أيضا، ويرد بمعنى الفراغ كقوله تعالى ‏(‏فإذا قضيت الصلاة فانتشروا‏)‏ ، ويرد بمعان أخر فيحمل قوله فاقضوا على معنى الأداء أو الفراغ فلا يغاير قوله فأتموا، فلا حجة فيه لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته حتى استحب له الجهر في الركعتين الأخيرتين وقراءة السورة وترك القنوت، بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه لأن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه، وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال، فلو كان ما يدركه مع الإمام آخرا له لما احتاج إلى إعادة التشهد‏.‏
وقول ابن بطال إنه ما تشهد إلا لأجل السلام لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور، واستدل ابن المنذر لذلك أيضا على أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى، وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور فإنهم قالوا‏.‏
إن ما أدرك المأموم هو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية، لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين، وكأن الحجة فيه قوله ‏"‏ ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن ‏"‏ أخرجه البيهقي، وعن إسحاق والمزني لا يقرأ إلا أم القرآن فقط وهو القياس، واستدل به على أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته، لأنه فاته الوقوف والقراءة فيه، وهو قول أبي هريرة وجماعة، بل حكاه البخاري في ‏"‏ القراءة خلف الإمام ‏"‏ عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام، واختاره ابن خزيمة والضبعي وغيرهما من محدثي الشافعية، وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين والله أعلم‏.‏
وحجة الجمهور حديث أبي بكرة حيث ركع دون الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ زادك الله حرصا ولا تعد ‏"‏ ولم يأمره بإعادة تلك الركعة، وسيأتي في أثناء صفة الصلاة إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:18 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n83&p1#TOP)باب مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة‏؟‏‏)‏ قيل أود الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قوله في الحديث ‏"‏ لا تقوموا ‏"‏ نهى عن القيام، وقوله ‏"‏حتى تروني ‏"‏ تسويغ للقيام عند الرؤية، وهو مطلق غير مقيد بشيء من ألفاظ الإقامة، ومن ثم اختلف السلف في ذلك كما سيأتي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو الدستوائي، وقد رواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه هنا عن أبان العطار عن يحيى، فلعله له فيه شيخان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كتب إلى يحيى‏)‏ ظاهر في أنه لم يسمعه منه، وقد رواه إسماعيل من طريق هشيم عن هشام وحجاج الصواف كلاهما عن يحيى، وهو من تدليس الصيغ وصرح أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن هشام أن يحيى كتب إليه أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه، فأمن بذلك تدليس يحيى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا أقيمت‏)‏ أي إذا ذكرت ألفاظ الإقامة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تروني‏)‏ أي خرجت وصرح به عبد الرزاق وغيره عن معمر عن يحيى أخرجه مسلم، ولابن حبان من طريق عبد الرزاق وحده ‏"‏ حتى تروني خرجت إليكم‏"‏؛ وفيه مع ذلك حذف تقديره فقوموا‏.‏
وقال مالك في الموطأ‏:‏ لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود، إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف‏.‏
وذهب الأكثرون إلى أنهم إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة، وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن ‏"‏ قد قامت الصلاة ‏"‏ رواه ابن المنذر وغيره، وكذا رواه سعيد بن منصور من طريق أبي إسحاق عن أصحاب عبد الله، وعن سعيد بن المسيب قال ‏"‏ إذا قال المؤذن الله أكبر وجب القيام، وإذا قال حي على الصلاة عدلت الصفوف، وإذا قال لا إله إلا الله كبر الإمام ‏"‏ وعن أبي حنيفة يقومون إذا قال حي على الفلاح، فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام، وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه، وخالف من ذكرنا على التفصيل الذي شرحنا، وحديث الباب حجة عليهم وفيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه في ذلك‏.‏
قال القرطبي‏:‏ ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته، وهو معارض لحديث جابر بن سمرة ‏"‏ أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏
ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم‏.‏
قلت‏:‏ ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب ‏"‏ أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن الله أكبر يقومون إلى الصلاة، فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف‏"‏؛ وأما حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ ‏"‏ أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولفظه في مستخرج أبي نعيم ‏"‏ فصف الناس صفوفهم ثم خرج علينا ‏"‏ ولفظه عند مسلم ‏"‏ أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى فقام مقامه ‏"‏ الحديث‏.‏
وعنه في رواية أبي داود ‏"‏ إن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يجيء النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة، وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره ولا يرد هذا حديث أنس الآتي أنه قام في مقامه طويلا في حاجة بعض القوم، لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادرا، أو فعله لبيان الجواز‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n83&p1#TOP)باب لَا يَسْعَى إِلَى الصَّلَاةِ مُسْتَعْجِلًا وَلْيَقُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يقوم إلى الصلاة مستعجلا، وليقم إليها بالسكينة والوقار‏)‏ كذا في رواية الحموي‏.‏
وفي رواية المستملي ‏"‏ باب لا يسعى إلى الصلاة ‏"‏ وسقط من رواية الكشميهني، وجمعا في رواية الباقين بلفظ باب لا يسعى إلى الصلاة ولا يقوم إليها مستعجلا الخ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يسعى‏)‏ كأنه يشير بذلك إلى رواية ابن سيرين في حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه ‏"‏ إذا ثوب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عند المصنف في ‏"‏ باب المشي إلى الجمعة ‏"‏ من كتاب الجمعة ‏"‏ إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ‏"‏ وسيأتي وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى ‏(‏فاسعوا إلى ذكر الله‏)‏ هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعليكم بالسكينة‏)‏ كذا في رواية أبي ذر وكريمة‏.‏
وفي رواية الأصيلي وأبي الوقت ‏"‏ وعليكم السكينة ‏"‏ بحذف الباء، وكذا أخرجه أبو عوانة من طرق عن شيبان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه علي بن المبارك‏)‏ أي عن يحيى، ومتابعته وصلها المؤلف في كتاب الجمعة، ولفظه ‏"‏ عليكم السكينة ‏"‏ بغير باء أيضا‏.‏
وقال أبو العباس الطرقي‏:‏ تفرد شيبان وعلي بن المبارك عن يحيى بهذه الزيادة، وتعقب بأن معاوية بن سلام تابعهما عن يحيى، ذكره أبو داود عقب رواية أبان عن يحيى فقال‏:‏ رواه معاوية بن سلام وعلي بن المبارك عن يحيى وقالا فيه ‏"‏ حتى تروني وعليكم السكينة‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وهذه الرواية المعلقة وصلها الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن معاوية بن سلام وشيبان جميعا عن يحيى كما قال أبو داود‏.‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:19 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n83&p1#TOP)باب هَلْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِعِلَّةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يخرج من المسجد لعلة‏)‏ أي لضرورة، وكأنه يشير إلى تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق أبي الشعثاء عن أبي هريرة ‏"‏ أنه رأى رجلا خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال‏:‏ أما هذا فقد عصى أبا القاسم ‏"‏ فإن حديث الباب يدل على أن ذلك مخصوص بمن ليس له ضرورة، فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم، وكذا من يكون إماما لمسجد آخر ومن في معناه‏.‏
وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه فصرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبالتخصيص ولفظه ‏"‏ لا يسمع النداء في مسجد ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ قَالَ عَلَى مَكَانِكُمْ فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً وَقَدْ اغْتَسَلَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرج وقد أقيمت الصلاة‏)‏ يحتمل أن يكون المعنى خرج في حال الإقامة، ويحتمل أن تكون الإقامة تقدمت خروجه، وهو ظاهر الرواية التي في الباب الذي بعده، لتعقيب الإقامة بالتسوية، وتعقيب التسوية بخروجه جميعا بالفاء، ويحتمل أن يجمع بين الروايتين بأن الجملتين وقعتا حالا أي خرج والحال أن الصلاة أقيمت والصفوف عدلت‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ لفظ ‏"‏ قد ‏"‏ تقرب الماضي من الحال، وكأنه خرج في حال الإقامة وفي حال التعديل، ويحتمل أن يكونوا إنما شرعوا في ذلك بإذن منه أو قرينة تدل عليه‏.‏
قلت‏:‏ وتقدم احتمال أن يكون ذلك سببا للنهي فلا يلزم منه مخالفتهم له، وقد تقدم الجمع بينه وبين حديث أبي قتادة ‏"‏ لا تقوموا حتى تروني قريبا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعدلت الصفوف‏)‏ أي سويت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى إذا قام في مصلاه‏)‏ زاد مسلم من طريق يونس عن الزهري ‏"‏ قبل أن يكبر فانصرف ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب ‏"‏ من أبواب الغسل من وجه آخر عن يونس بلفظ ‏"‏ فلما قام في مصلاه ذكر ‏"‏ ففيه دليل على أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة، وهو معارض لما رواه أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم، ولمالك من طريق عطاء بن يسار مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيده أن امكثوا، ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله ‏"‏ كبر ‏"‏ على أراد أن يكبر، أو بأنهما واقعتان، أبداه عياض والقرطبي احتمالا وقال النووي إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته، فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح، ودعوى ابن بطال أن الشافعي احتج بحديث عطاء على جواز تكبير المأموم قبل تكبير الإمام قال فناقض أصله فاحتج بالمرسل، متعقبه بأن الشافعي لا يرد المراسيل مطلقا، بل يحتج منها بما يعتضد، والأمر هنا كذلك لحديث أبي بكرة الذي ذكرناه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏انتظرنا‏)‏ جملة حالية، و قوله‏:‏ ‏(‏انصرف‏)‏ أي إلى حجرته وهو جواب إذا، و قوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ استئناف أو حال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على مكانكم‏)‏ أي كونوا على مكانكم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على هيئتنا‏)‏ بفتح الهاء بعدها ياء تحتانية ساكنة ثم همزة مفتوحة ثم مثناة، والمراد بذلك أنهم امتثلوا أمره في قوله ‏"‏ على مكانكم ‏"‏ فاستمروا على الهيئة - أي الكيفية - التي تركهم عليها، وهي قيامهم فب صفوفهم المعتدلة‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ على هيئتنا ‏"‏ بكسر الهاء وبعد الياء نون مفتوحة، والهيئة الرفق، ورواية الجماعة أوجه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ينطف‏)‏ بكسر الطاء وضمها أي يقطر كما صرح به في الرواية التي بعد هذه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقد اغتسل‏)‏ زاد الدار قطني من وجه آخر عن أبي هريرة فقال ‏"‏ إني كنت جنبا فنسيت أن اغتسل ‏"‏ وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى في كتاب الغسل جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة لأجل التشريع، وفيه طهارة الماء المستعمل وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة، لأن قوله ‏"‏ فصلى ‏"‏ ظاهر في أن الإقامة لم تعد، والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت‏.‏
وعن مالك إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد، وينبغي أن يحمل على ما إذا لم يكن عذر‏.‏
وفيه أنه لا حياء في أمر الدين، وسبيل من غلب أن يأتي بعذر موهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه رعف‏.‏
وفيه جواز انتظار المأمومين مجيء الإمام قياما عند الضرورة، وهو غير القيام المنهي عنه في حديث أبي قتادة‏.‏
وأنه لا يجب على من احتلم في المسجد فأراد الخروج منه أن يتيمم كما تقدم في الغسل‏.‏
وجواز الكلام بين الإقامة والصلاة وسيأتي في باب مفرد‏.‏
وجواز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ وقع في بعض النسخ هنا‏:‏ قيل لأبي عبد الله - أي البخاري - إذا وقع هذا لأحدنا يفعل مثل هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قيل‏:‏ فينتظرون الإمام قياما أو قعودا‏؟‏ قال‏:‏ إن كان قبل التكبير فلا بأس أن يقعدوا، وإن كان بعد التكبير انتظروه قياما‏.‏
ووقع في بعضها في آخر الباب الذي بعده‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n83&p1#TOP)باب إِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَكَانَكُمْ حَتَّى رَجَعَ انْتَظَرُوهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قال الإمام مكانكم‏)‏ هذا اللفظ في رواية يونس عن الزهري كما مضى في الغسل بلفظ ‏"‏ فقال لنا مكانكم ‏"‏ بحذف حرف الجر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى نرجع‏)‏ بالنون للكشميهني، وبالهمزة للأصيلي، وبالتحتانية للباقين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقَدَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ قَالَ عَلَى مَكَانِكُمْ فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ كذا في جميع الروايات غير منسوب، وجوز ابن طاهر والجياني أنه إسحاق بن منصور، وبه جزم المزي، وكنت أجوز أنه ابن راهويه لثبوته في مسنده عن الفريابي إلى أن رأيت في سياقه له مغايرة‏.‏
ومحمد بن يوسف هو الفريابي وقد أكثر البخاري عنه بغير واسطة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الزهري عن أبي سلمة‏)‏ صرح بالتحديث في الموضعين إسحاق بن راهويه في روايته له عن الفريابي، ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتقدم وهو جنب‏)‏ أي في نفس الأمر، لا أنهم اطلعوا على ذلك منه قبل أن يعلمهم، وقد تقدم في الغسل في رواية يونس ‏"‏ فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي نعيم ‏"‏ ذكر أنه لم يغتسل‏"‏، ومضت فوائده في الباب الذي قبله‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n83&p1#TOP)باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَلَّيْنَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ما صلينا‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ فيه رد لقول إبراهيم النخعي‏:‏ يكره أن يقول الرجل لم نصل ويقول نصلي‏.‏
قلت‏:‏ وكراهة النخعي إنما هي في حق منتظر الصلاة، وقد صرح ابن بطال بذلك، ومنتظر الصلاة في صلاة كما ثبت بالنص، فإطلاق المنتظر ‏"‏ ما صلينا ‏"‏ يقتضي نفي ما أثبته الشارع فلذلك كرهه، والإطلاق الذي في حديث الباب إنما كان من ناس لها أو مشتغل عنها بالحرب كما تقدم تقريره في ‏"‏ باب من صلى بالناس جماعة بعد خروج الوقت ‏"‏ في أبواب المواقيت، فافترق حكمهما وتغايرا‏.‏
والذي يظهر لي أن البخاري أراد أن ينبه على أن الكراهة المحكية عن النخعي ليست على إطلاقها لما دل عليه حديث الباب، ولو أراد الرد على النخعي مطلقا لأفصح به كما أفصح بالرد على ابن سيرين في ترجمة ‏"‏ فاتتنا الصلاة‏"‏، ثم إن اللفظ الذي أورده المؤلف وقع النفي فيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا من قول الرجل، لكن في بعض طرقه وقوع ذلك من الرجل أيضا، وهو عمر كما أورده في المغازي، وهذه عادة معروفة للمؤلف يترجم ببعض ما وقع في طرق الحديث الذي يسوقه ولو لم يقع في الطريق التي يوردها في تلك الترجمة، ويدخل في هذا ما في الطبراني من حديث جندب في قصة النوم عن الصلاة ‏"‏ فقالوا‏:‏ يا رسول الله سهونا فلم نصل حتى طلعت الشمس ‏"‏ وبقية فوائد الحديث تقدمت في المواقيت‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بُطْحَانَ وَأَنَا مَعَهُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى يَعْنِي الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب‏)‏ وذلك بعد ما أفطر الصائم‏.‏
قال الكرماني مستشكلا‏:‏ كيف يكون المجيء بعد الغروب‏؟‏ لأن الصائم إنما يفطر حينئذ مع تصريحه بأنه جاء في اليوم، ثم أجاب بأن المراد بقوله يوم الحندق زمان الخندق، والمراد به بيان التاريخ لا خصوص الوقت ا ه‏.‏
والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله ‏"‏ وذلك بعد ما أفطر الصائم ‏"‏ إشارة إلى الوقت الذي خاطب به عمر النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر العصر، فإنه كان قرب الغروب كما تدل عليه ‏"‏ كاد‏"‏‏.‏
وأما إطلاق اليوم وإرادة زمان الوقعة لا خصوص النهار فهو كثير‏.‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:22 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n84&p1#TOP)باب الْإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة‏)‏ أي هل يباح له التشاغل بها قبل الدخول في الصلاة أو لا‏؟‏ وتعرض بكسر الراء أي تظهر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلًا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ في رواية لمسلم ‏"‏ سمع أنسا ‏"‏ والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقيمت الصلاة‏)‏ أي صلاة العشاء، بينه حماد عن ثابت عن أنس عند مسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يناجي رجلا‏)‏ أي يحادثه، ولم أقف على اسم هذا الرجل، وذكر بعض الشراح أنه كان كبيرا في قومه فأراد أن يتألفه على الإسلام، ولم أقف على مستند ذلك‏.‏
قيل ويحتمل أن يكون ملكا من الملائكة جاء بوحي من الله عز وجل، ولا يخفى بعد هذا الاحتمال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى نام بعض القوم‏)‏ زاد شعبة عن عبد العزيز ‏"‏ ثم قام فصلى ‏"‏ أخرجه مسلم، وهو عند المصنف في الاستئذان‏.‏
ووقع عند إسحاق بن راهويه في مسنده عن ابن علية عن عبد العزيز في هذا الحديث ‏"‏ حتى نعس بعض القوم ‏"‏ وكذا هو عند ابن حبان من وجه آخر عن أنس، وهو يدل على أن النوم المذكور لم يكن مستغرقا، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في ‏"‏ باب الوضوء من النوم ‏"‏ من كتاب الطهارة، وفي الحديث جواز مناجاة الواحد غيره بحضور الجماعة، وترجم عليه المؤلف في الاستئذان ‏"‏ طول النجوى‏"‏، وفيه جواز الفصل بين الإقامة والإحرام إذا كان لحاجة، أما إذا كان لغير حاجة فهو مكروه، واستدل به للرد على من أطلق من الحنفية أن المؤذن إذا قال قد قامت الصلاة وجب على الإمام التكبير، قال الزين ابن المنير‏:‏ خص المصنف الإمام بالذكر مع أن الحكم عام لأن لفظ الخير يشعر بأن المناجاة كانت لحاجة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله ‏"‏ والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلا ‏"‏ ولو كان لحاجة الرجل لقال أنس‏:‏ ورجل يناجي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا ليس بلازم، وفيه غفلة منه عما في صحيح مسلم بلفظ‏:‏ أقيمت الصلاة، فقال رجل‏:‏ لي حاجة‏.‏
فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه ‏"‏ والذي يظهر لي أن هذا الحكم إنما يتعلق بالإمام، لأن المأموم إذا عرضت له الحاجة لا يتقيد به غيره من المأمومين بخلاف الإمام‏.‏
ولما أن كانت مسألة الكلام بين الإحرام والإقامة تشمل المأموم والإمام أطلق المؤلف الترجمة ولم يقيدها بالإمام فقال‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n84&p1#TOP)باب الْكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الكلام إذا أقيمت الصلاة‏)‏ وأشار بذلك إلى الرد على من كرهه مطلقا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ سَأَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ مَا تُقَامُ الصَّلَاةُ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عياش بن الوليد‏)‏ هو الرقام وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة، والإسناد كله بصريون أيضا‏.‏
وقول حميد ‏"‏ سألت ثابتا ‏"‏ يشعر بأن الاختلاف في حكم المسألة كان قديما، ثم إنه ظاهر في كونه أخذه عن أنس بواسطة، وقد قال البزار‏:‏ إن عبد الأعلى بن عبد الأعلى تفرد عن حميد بذلك، ورواه عامة أصحاب حميد عنه عن أنس بغير واسطة‏.‏
قلت كذا أخرجه أحمد عن يحيى القطان وجماعة عن حميد، وكذلك أخرجه ابن حبان من طريق هشيم عن حميد، لكن لم أقف في شيء من طرقه على تصريح بسماعه له من أنس وهو مدلس، فالظاهر أن رواية عبد الأعلى هي المتصلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحبسه‏)‏ أي منعه من الدخول في الصلاة، وزاد هشيم في روايته ‏"‏ حتى نعس بعض القوم ‏"‏ ويدخل في هذا الباب ما سيأتي في الإمامة من طريق زائدة عن حميد قال ‏"‏ حدثنا أنس قال‏:‏ أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه ‏"‏ زاد ابن حبان ‏"‏ قبل أن يكبر فقال‏:‏ أقيموا صفوفكم وتراصوا‏"‏، لكن لما كان هذا يتعلق بمصلحة الصلاة كان الاستدلال بالأول أظهر في جواز الكلام مطلقا، والله أعلم‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الأذان وما معه من الأحاديث المرفوعة على سبعة وأربعين حديثا‏:‏ المعلق منها ستة أحاديث، المكرر فيه وفيما مضى ثلاثة وعشرون والخالص أربعة وعشرون، ووافقه مسلم على تخريجها سوى أربعة أحاديث‏:‏ حديث أبي سعيد ‏"‏ لا يسمع مدى صوت المؤذن ‏"‏ وحديث معاوية وجابر في القول عند سماع الأذان، وحديث بلال في جعل إصبعيه في أذنيه‏.‏
وفيه من الآثار عن الصحابة ومن بعدهم ثمانية آثار، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
أَبْوَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْإِمَامَةِ
الشرح‏:‏
‏(‏أبواب صلاة الجماعة والإمامة‏)‏ ولم يفرده البخاري بكتاب فيما رأينا من نسخ كتابه، بل أتبع به كتاب الأذان لتعلقه به، لكن ترجم عليه أبو نعيم في المستخرج ‏"‏ كتاب صلاة الجماعة ‏"‏ فلعلها رواية شيخه أبي أحمد الجرجاني‏.‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:23 AM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n84&p1#TOP)باب وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب وجوب صلاة الجماعة‏)‏ هكذا بت الحكم في هذه المسألة، وكأن ذلك لقوة دليلها عنده، لكن أطلق الوجوب وهو أعم من كونه وجوب عين أو كفاية، إلا أن الأثر الذي ذكره عن الحسن يشعر بكونه يريد أنه وجوب عين، لما عرف من عادته أنه يستعمل الآثار في التراجم لتوضيحها وتكميلها وتعيين أحد الاحتمالات في حديث الباب، وبهذا يجاب من اعترض عليه بأن قول الحسن يستدل له لا به، ولم ينبه أحد من الشراح على من وصل أثر الحسن، وقد وجدته بمعناه وأتم منه وأصرح في كتاب الصيام للحسين ابن الحسن المروزي بإسناد صحيح ‏"‏ عن الحسن في رجل يصوم - يعني تطوعا - فتأمره أمه أن يفطر، قال‏:‏ فليفطر ولا قضاء عليه، وله أجر الصوم وأجر البر‏.‏
قيل‏:‏ فتنهاه أن يصلي العشاء في جماعة، قال‏:‏ ليس ذلك لها، هذه فريضة ‏"‏ وأما حديث الباب فظاهر في كونها فرض عين، لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن معه‏.‏
ويحتمل أن يقال‏:‏ التهديد بالتحريق المذكور يمكن أن يقع في حق تاركي فرض الكفاية كمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية، وفيه نظر لأن التحريق الذي قد يفضي إلى القتل أخص من المقاتلة، ولأن المقاتلة إنما تشرع فيما إذا تمالأ الجميع على الترك، وإلى القول بأنها فرض عين ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان، وبالغ داود ومن تبعه فجعلها شرطا في صحة الصلاة، وأشار ابن دقيق العيد إلى أنه مبني على أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها، فلما كان لهم المذكور دالا على لازمه وهو الحضور، ووجوب الحضور دليلا على لازمه وهو الاشتراط، ثبت الاشتراط بهذه الوسيلة‏.‏
إلا أنه لا يتم إلا بتسليم أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها، وقد قيل إنه الغالب‏.‏
ولما كان الوجوب قد ينفك عن الشرطية قال أحمد‏:‏ إنها واجبة غير شرط‏.‏
انتهى‏.‏
وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية، وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وقال به كثير من الحنفية والمالكية، والمشهور عند الباقين أنها سنة مؤكدة، وقد أجابوا عن ظاهر حديث الباب بأجوبة‏:‏ منها ما تقدم‏.‏
ومنها وهو ثانيها ونقله إمام الحرمين عن ابن خزيمة، والذي نقله عنه النووي الوجوب حسبما قال ابن بزيزة إن بعضهم استنبط من نفس الحديث عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين فلو كانت الجماعة فرض عين ما هم بتركها إذا توجه‏.‏
وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه‏.‏
قلت‏:‏ وليس فيه أيضا دليل على أنه لو فعل ذلك لم يتداركها في جماعة آخرين‏.‏
ومنها وهو ثالثها ما قال ابن بطال وغيره‏:‏ لو كانت فرضا لقال حين توعد بالإحراق من تخلف عن الجماعة لم تجزئه صلاته، لأنه وقت البيان‏.‏
وتعقبه ابن دقيق العيد بأن البيان قد يكون بالتنصيص وقد يكون بالدلالة، فلما قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لقد هممت الخ ‏"‏ دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان‏.‏
ومنها وهو رابعها ما قال الباجي وغيره إن الخبر ورد مورد الزجر وحقيقته غير مرادة‏.‏
وإنما المراد المبالغة‏.‏
ويرشد إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار، وقد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك، وأجيب بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار، وكان قيل ذلك جائزا بدليل حديث أبي هريرة الآتي في الجهاد الدال على جواز التحريق بالنار ثم على نسخه، فحمل التهديد على حقيقته غير ممتنع‏.‏
ومنها وهو خامسها كونه صلى الله عليه وسلم ترك تحريقهم بعد التهديد، فلو كان واجبا ما عفا عنهم، قال القاضي عياض ومن تبعه‏:‏ ليس في الحديث حجة لأنه عليه السلام هم ولم يفعل، زاد النووي‏:‏ ولو كانت فرض عين لما تركهم، وتعقبه ابن دقيق العيد فقال‏:‏ هذا ضعيف لأنه صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله، وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه، على أنه قد جاء في بعض الطرق بيان سبب الترك وهو فيما رواه أحمد من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏"‏ لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون ‏"‏ الحديث‏.‏
ومنها وهو سادسها أن المراد بالتهديد قوم تركوا الصلاة رأسا لا مجرد الجماعة، وهو متعقب بأن في رواية مسلم‏:‏ ‏"‏ لا يشهدون الصلاة ‏"‏ أي لا يحضرون‏.‏
وفي رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد ‏"‏ لا يشهدون العشاء في الجميع ‏"‏ أي في الجماعة، وفي حديث أسامة بن زيد عند ابن ماجه مرفوعا ‏"‏ لينتهين رجال عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم‏"‏‏.‏
ومنها وهو سابعها أن الحديث ورد في الحث على مخالفة فعل أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم لا لخصوص ترك الجماعة فلا يتم الدليل، أشار إليه الزين بن المنير، وهو قريب من الوجه الرابع‏.‏
ومنها وهو ثامنها أن الحديث ورد في حق المنافقين، فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل، وتعقب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم، وبأنه كان معرضا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم وقد قال ‏"‏ لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ‏"‏ وتعقب ابن دقيق العيد هذا التعقيب بأنه لا يتم إلا إذا ادعى أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبا عليه ولا دليل على ذلك، فإذا ثبت أنه كان مخيرا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين لقوله في صدر الحديث الآتي بعد أربعة أبواب ‏"‏ ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر ‏"‏ الحديث، ولقوله ‏"‏ لو يعلم أحدهم الخ ‏"‏ لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل، لكن المراد به نفاق المعصية لا نفاق الكفر بدليل قوله في رواية عجلان ‏"‏ لا يشهدون العشاء في الجميع ‏"‏ وقوله في حديث أسامة ‏"‏ لا يشهدون الجماعة ‏"‏ وأصرح من ذلك قوله في رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عند أبي داود ‏"‏ ثم آتى قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة ‏"‏ فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر، لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة، فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله به من الكفر والاستهزاء، نبه عليه القرطبي‏.‏
وأيضا فقوله في رواية المقبري ‏"‏ لولا ما في البيوت من النساء والذرية ‏"‏ يدل على أنهم لم يكونوا كفارا لأن تحريق بيت الكافر إذا تعين طريقا إلى الغلبة عليه لم يمنع ذلك وجود النساء والذرية في بيته، وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاق في الحديث نفاق الكفر فلا يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلف عنها، قال الطيبي‏:‏ خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة، بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم بل هو من صفات المنافقين، ويدل عليه قول ابن مسعود ‏"‏ لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق ‏"‏ رواه مسلم، انتهى كلامه‏.‏
وروى ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عمير بن أنس حدثني عمومتي من الأنصار قالوا‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ما يشهدهما منافق ‏"‏ يعني العشاء والفجر‏.‏
ولا يقال فهذا يدل على ما ذهب إليه صاحب هذا الوجه لانتفاء أن يكون المؤمن قد يتخلف، وإنما ورد الوعيد في حق من تخلف لأني أقول بل هذا يقوى ما ظهر لي أولا أن المراد بالنفاق نفاق المعصية لا نفاق الكفر، فعلى هذا الذي خرج هو المؤمن الكامل لا العاصي الذي يجوز إطلاق النفاق عليه مجازا لما دل عليه مجموع الأحاديث‏.‏
ومنها وهو تاسعها ما ادعاه بعضهم أن فرضية الجماعة كانت في أول الإسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ حكاه عياض، ويمكن أن يتقوى بثبوت نسخ الوعيد المذكور في حقهم وهو التحريق بالنار كما سيأتي واضحا في كتاب الجهاد، وكذا ثبوت نسخ ما يتضمنه التحريق من جواز العقوبة بالمال، ويدل على النسخ الأحاديث الواردة في تفصيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ كما سيأتي بيانه في الباب الذي بعد هذا، لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفضل، ومن لازم ذلك الجواز‏.‏
ومنها وهو عاشرها أن المراد بالصلاة الجمعة لا باقي الصلوات، ونصره القرطبي، وتعقب بالأحاديث المصرحة بالعشاء، وفيه بحث لأن الأحاديث اختلفت في تعيين الصلاة التي وقع التهديد بسببها هل هي الجمعة أو العشاء، أو العشاء والفجر معا‏؟‏ فإن لم تكن أحاديث مختلفة ولم يكن بعضها أرجح من بعض وإلا وقف الاستدلال، لأنه لا يتم إلا إن تعين كونها غير الجمعة، أشار إليه ابن دقيق العيد، ثم قال فليتأمل الأحاديث الواردة في ذلك‏.‏
انتهى‏.‏
وقد تأملتها فرأيت التعيين ورد في حديث أبي هريرة وابن أم مكتوم وابن مسعود، أما حديث أبي هريرة فحديث الباب من رواية الأعرج عنه يومي إلى أنها العشاء لقوله في آخره ‏"‏ لشهد العشاء ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ يعني العشاء ‏"‏ ولهما من رواية أبي صالح عنه أيضا الإيماء إلى أنها العشاء والفجر، وعينها السراج في رواية له من هذا الوجه العشاء حيث قال في صدر الحديث ‏"‏ أخر العشاء ليلة فخرج فوجد الناس قليلا فغضب ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
وفي رواية ابن حبان من هذا الوجه ‏"‏ يعني الصلاتين العشاء والغداة ‏"‏ وفي رواية عجلان والمقبري عند أحمد التصريح بتعيين العشاء، ثم سائر الروايات عن أبي هريرة على الإبهام‏.‏
وقد أورده مسلم من طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عنه فلم يسق لفظه وساقه الترمذي وغيره من هذا الوجه بإبهام الصلاة، وكذلك رواه السراج وغيره عن طرق عن جعفر، وخالفهم معمر عن جعفر فقال ‏"‏ الجمعة ‏"‏ أخرجه عبد الرزاق عنه، والبيهقي طريقه وأشار إلى ضعفها لشذوذها، ويدل على وهمه فيها رواية أبي داود والطبراني في الأوسط من طريق يزيد بن يزيد بن جابر عن يزيد بن الأصم فذكر الحديث، قال يزيد‏:‏ قلت ليزيد بن الأصم‏:‏ يا أبا عوف الجمعة عني أو غيرها‏؟‏ قال‏:‏ صمت أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر جمعة ولا غيرها‏.‏
فظهر أن الراجح في حديث أبي هريرة أنها لا تختص بالجمعة، وأما حديث ابن أم مكتوم فسأذكره قريبا وأنه موافق لأبي هريرة‏.‏
وأما حديث ابن مسعود فأخرجه مسلم وفيه الجزم بالجمعة وهو حديث مستقل لأن مخرجه مغاير لحديث أبي هريرة، ولا يقدح أحدهما في الآخر فيحمل على أنهما واقعتان كما أشار إليه النووي والمحب الطبري، وقد وافق ابن أم مكتوم أبا هريرة على ذكر العشاء، وذلك فيما أخرجه ابن خزيمة وأحمد والحاكم من طريق حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شداد عن ابن أم مكتوم ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال‏:‏ لقد هممت أني آتي هؤلاء الذين يتخلفون عن الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم‏.‏
فقام ابن أم مكتوم فقال‏:‏ يا رسول الله قد علمت ما بي‏؟‏ وليس لي قائد - زاد أحمد - وأن بيني وبين المسجد شجرا ونخلا ولا أقدر على قائد كل ساعة‏.‏
قال‏:‏ أتسمع الإقامة‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قال فاحضرها‏.‏
ولم يرخص له ‏"‏ ولابن حبان من حديث جابر قال ‏"‏ أتسمع الأذان‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فأتها ولو حبوا ‏"‏ وقد حمله العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشي وحده ككثير من العميان‏.‏
واعتمد ابن خزيمة وغيره حديث ابن أم مكتوم هذا على فرضية الجماعة في الصلوات كلها ورجحوه بحديث الباب وبالأحاديث الدالة على الرخصة في التخلف عن الجماعة، قالوا‏:‏ لأن الرخصة لا تكون إلا عن واجب، وفيه نظر، ووراء ذلك أمر آخر ألزم به ابن دقيق العيد من يتمسك بالظاهر ولا يتقيد بالمعنى، وهو أن الحديث ورد في صلاة معينة فيدل على وجوب الجماعة فيها دون غيرها، وأشار للانفصال عنه بالتمسك بدلالة العموم، لكن نوزع في كون القول بما ذكر أولا ظاهرية محضة صلى الله عليه وسلم فإن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضيه، ولا يستلزم ذلك ترك اتباع المعنى، لأن غير العشاء والفجر مظنة الشغل بالتكسب وغيره، أما العصران فظاهر، وأما المغرب فلأنها في الغالب وقت الرجوع إلى البيت والأكل ولا سيما للصائم مع ضيق وقتها، بخلاف العشاء والفجر فليس للمتخلف عنهما عذر غير الكسل المذموم، وفي المحافظة عليهما في الجماعة أيضا انتظام الألفة بين المتجاورين في طرفي النهار، وليختموا النهار بالاجتماع على الطاعة ويفتتحوه كذلك‏.‏
وقد وقع في رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد تخصيص التهديد بمن حول المسجد، وسيأتي توجيه كون العشاء والفجر أثقل على المنافقين من غيرهما‏.‏
وقد أطلت في هذا الموضع لارتباط بعض الكلام ببعض، واجتمع من الأجوبة لمن لم يقل بالوجوب عشرة أجوبة لا توجد مجموعة في غير هذا الشرح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الأعرج‏)‏ في رواية السراج من طريق شعيب عن أبي الزناد سمع الأعرج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده‏)‏ هو قسم كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقسم به، والمعنى أن أمر نفوس العباد بيد الله، أي بتقديره وتدبيره صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفيه جواز القسم على الأمر الذي لا شك فيه تنبيها على عظم شأنه، وفيه الرد على من كره أن يحلف بالله مطلقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقد هممت‏)‏ اللام جواب القسم، والهم العزم وقيل دونه، وزاد مسلم في أوله ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناسا في بعض الصلوات فقال‏:‏ لقد هممت ‏"‏ فأفاد ذكر سبب الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بحطب ليحطب‏)‏ كذا للحموي والمستملي بلام التعليل، وللكشميهني والباقين ‏"‏ فيحطب ‏"‏ بالفاء، وكذا هو في الموطأ ومعنى يحطب يكسر ليسهل اشتعال النار به‏.‏
ويحتمل أن يكون أطلق عليه ذلك قبل أن يتصف به تجوزا بمعنى أنه يتصف به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أخالف إلى رجال‏)‏ أي آتيهم من خلفهم‏.‏
وقال الجوهري‏:‏ خالف إلى فلان أي أتاه إذا غاب عنه، أو المعنى أخالف الفعل الذي أظهرت من إقامة الصلاة وأتركه وأسير إليهم، أو أخالف ظنهم في أني مشغول بالصلاة عن قصدي إليهم، أو معنى أخالف أتخلف - أي عن الصلاة - إلى قصدي المذكورين، والتقييد بالرجال يخرج النساء والصبيان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأحرق‏)‏ بالتشديد، والمراد به التكثير، يقال حرقه إذا بالغ في تحريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عليهم‏)‏ يشعر بأن العقوبة ليست قاصرة على المال، بل المراد تحريق المقصودين، والبيوت تبعا للقاطنين بها‏.‏
وفي رواية مسلم من طريق أبي صالح ‏"‏ فأحرق بيوتا على من فيها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده‏)‏ فيه إعادة اليمين للمبالغة في التأكيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عرقا‏)‏ بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف قال الخليل‏:‏ العراق العظم بلا لحم، وإن كان عليه لحم فهو عرق، وفي الحكم عن الأصمعي‏:‏ العرق بسكون الراء قطعة لحم‏.‏
وقال الأزهري‏:‏ العرق واحد العراق وهي العظام التي يؤخذ منها هبر اللحم، ويبقى عليها لحم رقيق فيكسر ويطبخ ويؤكل ما على العظام من لحم دقيق ويتشمس العظام، يقال عرقت اللحم واعترقته وتعرقته إذا أخذت اللحم منه نهشا، وفي المحكم‏:‏ جمع العرق على عراق بالضم عزيز، وقول الأصمعي هو اللائق هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو مرماتين‏)‏ تثنية مرماة بكسر الميم وحكى الفتح، قال الخليل‏:‏ هي ما بين ظلفي الشاة، وحكاه أبو عبيد وقال‏:‏ لا أدري ما وجهه‏.‏
ونقله المستملي في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري قال‏:‏ قال يونس عن محمد بن سليمان عن البخاري‏:‏ المرماة بكسر الميم مثل مسناة وميضاة ما بين ظلفي الشاة من اللحم، قال عياض فالميم على هذا أصلية‏.‏
وقال الأخفش‏:‏ المرماة لعبة كانوا يلعبونها بنصال محدودة يرمونها في كوم من تراب، فأيهم أثبتها في الكوم غلب، وهي المرماة والمدحاة‏.‏
قلت‏:‏ ويبعد أن تكون هذه مراد الحديث لأجل التثنية، وحكى الحربي عن الأصمعي أن المرماة سهم الهدف، قال‏:‏ ويؤيده ما حدثني‏.‏
‏.‏
ثم ساق من طريق أبي رافع عن أبي هريرة نحو الحديث بلفظ ‏"‏ لو أن أحدهم إذا شهد الصلاة معي كان له عظم من شاة سمينة أو سهمان لفعل ‏"‏ وقيل المرماة سهم يتعلم عليه الرمي، وهو سهم دقيق مستو غير محدد، قال الزين ابن المنير‏:‏ ويدل على ذلك التثنية، فإنها مشعرة بتكرار الرمي بخلاف السهام المحددة الحربية فإنها لا يتكرر رميها وقال الزمخشري‏:‏ تفسير المرماة بالسهم ليس بوجيه، ويدفعه ذكر العرق معه‏.‏
ووجهه ابن الأثير بأنه لما ذكر العظم السمين وكان مما يؤكل أتبعه بالسهمين لأنهما مما يلهي به‏.‏
انتهى‏.‏
وإنما وصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفساني على تحصيلهما‏.‏
وفيه الإشارة إلى ذم المتخلفين عن الصلاة بوصفهم بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فيما يحصل رفيع الدرجات ومنازل الكرامة‏.‏
وفي الحديث من الفوائد أيضا تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة، وسره أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزجر اكتفى به عن الأعلى من العقوبة، نبه عليه ابن دقيق العيد، وفيه جواز العقوبة بالمال‏.‏
كذا استدل به كثير من القائلين بذلك من المالكية وغيرهم، وفيه نظر لما أسلفناه، ولاحتمال أن التحريق من باب ما لا يتم الواجب إلا به، إذ الظاهر أن الباعث على ذلك أنهم كانوا يختفون في بيوتهم فلا يتوصل إلى عقوبتهم إلا بتحريقها عليهم‏.‏
وفيه جواز أخذ أهل الجرائم على غرة لأنه صلى الله عليه وسلم هم بذلك في الوقت الذي عهد منه فيه الاشتغال بالصلاة بالجماعة، فأراد أن يبغتهم في الوقت الذي يتحققون أنه لا يطرقهم فيه أحد‏.‏
وفي السياق إشعار بأنه تقدم منه زجرهم عن التخلف بالقول حتى استحقوا التهديد بالفعل، وترجم عليه البخاري في كتاب الأشخاص وفي كتاب الأحكام ‏"‏ باب إخراج أهل المعاصي والريب من البيوت بعد المعرفة ‏"‏ يريد أن من طلب منهم بحق فاختفى أو امتنع في بيته لددا ومطلا أخرج منه بكل طريق يتوصل إليه بها، كما أراد صلى الله عليه وسلم إخراج المتخلفين عن الصلاة بإلقاء النار عليهم في بيوتهم‏.‏
واستدل به ابن العربي وغيره على مشروعية قتل تارك الصلاة متهاونا بها، ونوزع في ذلك‏.‏
ورواية أبي داود التي فيها أنهم كانوا يصلون في بيوتهم كما قدمناه تعكر عليه‏.‏
نعم يمكن الاستدلال منه بوجه آخر وهو أنهم إذا استحقوا التحريق بترك صفة من صفات الصلاة خارجة عنها سواء قلنا واجبة أو مندوبة كان من تركها أصلا رأسا أحق بذلك، لكن لا يلزم من التهديد بالتحريق حصول القتل لا دائما ولا غالبا، لأنه يمكن الفرار منه أو الإخماد له بعد حصول المقصود منه من الزجر والإرهاب‏.‏
وفي قوله في رواية أبي داود ‏"‏ ليست بهم علة ‏"‏ دلالة على أن الأعذار تبيح التخلف عن الجماعة ولو قلنا إنها فرض، وكذا الجمعة‏.‏
وفيه الرخصة للإمام أو نائبه في ترك الجماعة لأجل إخراج من يستخفي في بيته ويتركها، ولا بعد في أن تلحق بذلك الجمعة، فقد ذكروا من الأعذار في التخلف عنها خوف فوات الغريم وأصحاب الجرائم في حق الإمام كالغرماء‏.‏
واستدل به على جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا كان في ذلك مصلحة، قال ابن بزيزة‏:‏ وفيه نظر لأن الفاضل في هذه الصورة يكون غائبا، وهذا لا يختلف في جوازه، واستدل به ابن العربي على جواز إعدام محل المعصية كما هو مذهب مالك، وتعقب بأنه منسوخ صلى الله عليه وسلم كما قيل في العقوبة بالمال، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:25 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n84&p1#TOP)باب فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
وَكَانَ الْأَسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَجَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل صلاة الجماعة‏)‏ أشار الزين بن المنير إلى أن ظاهر هذه الترجمة ينافي الترجمة التي قبلها، ثم أطال في الجواب عن ذلك، ويكفي منه أن كون الشيء واجبا لا ينافي كونه ذا فضيلة، ولكن‏.‏
الفضائل تتفاوت، فالمراد منها بيان زيادة ثواب الجماعة على صلاة الفذ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان الأسود‏)‏ أي ابن يزيد النخعي أحد كبار التابعين، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ولفظه ‏"‏ إذا فاتته الجماعة في مسجد قومه‏"‏‏.‏
ومناسبته للترجمة أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عنده لما ترك فضيلة أول الوقت والمبادرة إلى خلاص الذمة وتوجه إلى مسجد آخر، كذا أشار إليه ابن المنير، والذي يظهر لي أن البخاري قصد الإشارة بأثر الأسود وأنس إلى أن الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته مثلا كما سيأتي البحث فيه في الكلام على حديث أبي هريرة، لأن التجميع لو لم يكن مختصا بالمسجد لجمع الأسود في مكانه ولم ينتقل إلى مسجد آخر لطلب الجماعة ولما جاء أنس إلى مسجد بني رفاعة كما سنبينه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجاء أنس‏)‏ وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبي عثمان قال‏:‏ ‏"‏ مر بنا أنس، بن مالك في مسجد بني ثعلبة ‏"‏ فذكر نحوه قال‏:‏ وذلك في صلاة الصبح، وفيه ‏"‏ فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى بأصحابه ‏"‏ وأخرجه ابن أبي شيبة من طرق عن الجعد، وعند البيهقي من طريق أبي عبد الصمد العمي عن الجعد نحوه وقال ‏"‏ مسجد بني رفاعة ‏"‏ وقال ‏"‏ فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه ‏"‏ وهو يؤيد ما قلناه من إرادة التجميع في المسجد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ‏)‏ بالمعجمة أي المنفرد، يقال فذ الرجل من أصحابه إذا بقي منفردا وحده‏.‏
وقد رواه مسلم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع وسياقه أوضح ولفظه ‏"‏ صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بسبع وعشرين درجة‏)‏ قال الترمذي عامة من رواه قالوا خمسا وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال سبعا وعشرين‏.‏
قلت‏:‏ لم يختلف عليه في ذلك إلا ما وقع عند عبد الرزاق عن عبد الله العمري عن نافع فقال فيه خمس وعشرون لكن العمري ضعيف، ووقع عند أبي عوانة في مستخرجه من طريق أبي أسامة عن عبيد الله ابن عمر عن نافع فإنه قال فيه بخمس وعشرين وهي شاذة مخالفة لرواية الحفاظ من أصحاب عبيد الله وأصحاب نافع وإن كان راويها ثقة‏.‏
وأما ما وقع عند مسلم من رواية الضحاك بن عثمان عن نافع بلفظ بضع وعشرين فليست مغايرة لرواية الحفاظ لصدق البضع على السبع، وأما غير ابن عمر فصح عن أبي سعيد وأبي هريرة كما في هذا الباب، وعن ابن مسعود عند أحمد وابن خزيمة، وعن أبي بن كعب عند ابن ماجه والحاكم، وعن عائشة وأنس عند السراج، وورد أيضا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد وزيد بن ثابت وكلها عند الطبراني، واتفق الجميع على سبع وعشرون سوى رواية أبي فقال أربع أو خمس على الشك، وسوى رواية لأبي هريرة عند أحمد قال فيها سبع وعشرون وفي إسنادها شريك القاضي وفي حفظه ضعف‏.‏
وفي رواية لأبي عوانة بضعا وعشرين وليست مغايرة أيضا لصدق البضع على الخمس، فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع إذ لا أثر للشك، واختلف في أيهما أرجح فقيل رواية الخمس لكثرة رواتها، وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ، ووقع الاختلاف في موضع آخر من الحديث وهو مميز العدد المذكور، ففي الروايات كلها التعبير بقوله ‏"‏ درجة ‏"‏ أو حذف المميز، إلا طرق حديث أبي هريرة ففي بعضها ‏"‏ ضعفا ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ جزءا ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ درجة ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ صلاة ‏"‏ ووقع هذا الأخير في بعض طرق حديث أنس، والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة، ويحتمل أن يكون ذلك من التفنن في العبارة‏.‏
وأما قول ابن الأثير‏:‏ إنما قال درجة ولم يقل جزءا ولا نصيبا ولا حظا ولا نحو ذلك لأنه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع فإن ذلك فوق هذه بكذا وكذا درجة لأن الدرجات إلى جهة فوق، فكأنه بناه على أن الأصل لفظ درجة وما عدا ذلك من تصرف الرواة، لكن نفيه ورود ‏"‏ الجزء ‏"‏ مردود، فإنه ثابت، وكذلك الضعف، وقد جمع بين روايتي الخمس والسبع بوجوه‏:‏ منها أن ذكر القليل لا ينفي الكثير، وهذا قول من لا يعتبر مفهوم العدد، لكن قد قال به جماعة من أصحاب الشافعي وحكى عن نصه، وعلى هذا فقيل وهو الوجه الثاني‏:‏ لعله صلى الله عليه وسلم أخبر بالخمس، ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع، وتعقب بأنه يحتاج إلى التاريخ، وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلف فيه، لكن إذا فرعنا على المنع تعين تقدم الخمس على السبع من جهة أن الفضل من الله يقبل الزيادة لا النقص‏.‏
ثالثها أن اختلاف العددين باختلاف مميزهما، وعلى هذا فقيل‏:‏ الدرجة أصغر من الجزء، وتعقب بأن الذي روى عنه الجزء روى عند الدرجة‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ الجزء في الدنيا والدرجة في الآخرة، وهو مبني على التغاير‏.‏
رابعها الفرق بقرب المسجد وبعده‏.‏
خامسها الفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع‏.‏
سادسها الفرق بإيقاعها في المسجد أو في غيره‏.‏
سابعها الفرق بالمنتظر للصلاة وغيره‏.‏
ثامنها الفرق بإدراك كلها أو بعضها‏.‏
تاسعها الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم‏.‏
عاشرها السبع مختصة بالفجر والعشاء وقيل بالفجر والعصر والخمس بما عدا ذلك‏.‏
حادي عشرها السبع مختصة بالجهرية والخمس بالسرية، وهذا الوجه عندي أوجهها لما سأبينه‏.‏
ثم إن الحكمة في هذا العدد الخاص غير محققة المعنى‏.‏
ونقل الطيبي عن التوربشتي ما حاصله‏:‏ إن ذلك لا يدرك بالرأي، بل مرجعه إلى علم النبوة التي قصرت علوم الألباء عن إدراك حقيقتها كلها، ثم قال‏:‏ ولعل الفائدة هي اجتماع المسلمين مصطفين كصفوف الملائكة، والاقتداء بالإمام، وإظهار شعائر الإسلام وغير ذلك‏.‏
وكأنه يشير إلى ما قدمته عن غيره وغفل عن مراد من زعم أن هذا الذي ذكره لا يفيد المطلوب، لكن أشار الكرماني إلى احتمال أن يكون أصله كون المكتوبات خمسا فأريد المبالغة في تكثيرها فضربت في مثلها فصارت خمسا وعشرين‏.‏
ثم ذكر للسبع مناسبة أيضا من جهة عدد ركعات الفرائض ورواتبها‏.‏
وقال غيره‏:‏ الحسنة بعشر للمصلي منفردا فإذا انضم إليه آخر بلغت عشرين ثم زيد بقدر عدد الصلوات الخمس، أو يزاد عدد أيام الأسبوع، ولا يخفى فساد هذا‏.‏
وقيل‏:‏ الأعداد عشرات ومئين وألوف وخير الأمور الوسط فاعتبرت المائة والعدد المذكور ربعها، وهذا أشد فسادا من الذي قبله‏.‏
وقرأت بخط شيخنا البلقيني فيما كتب على العمدة‏:‏ ظهر لي في هذين العددين شيء لم أسبق إليه، لأن لفظ ابن عمر ‏"‏ صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ ‏"‏ ومعناه الصلاة في الجماعة كما وقع في حديث أبي هريرة ‏"‏ صلاة الرجل في الجماعة ‏"‏ وعلى هذا فكل واحد من المحكوم له بذلك صلى في جماعة، وأدني الأعداد التي يتحقق فيها ذلك ثلاثة حتى يكون كل واحد صلى في جماعة وكل واحد منهم أتى بحسنة وهي بعشرة فيحصل من مجموعه ثلاثون فاقتصر في الحديث على الفضل الزائد وهو سبعة وعشرون دون الثلاثة التي هي أصل ذلك‏.‏
انتهى‏.‏
وظهر لي في الجمع بين العددين أن أقل الجماعة إمام ومأموم، فلولا الإمام ما سمى المأموم وكذا عكسه، فإذا تفضل الله على من صلى جماعة بزيادة خمس وعشرين درجة حمل الخبر الوارد بلفظها على الفضل الزائد، والخبر الوارد بلفظ سبع وعشرين على الأصل والفضل‏.‏
وقد خاض قوم في تعيين الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة، قال ابن الجوزي‏:‏ وما جاءوا بطائل‏.‏
وقال المحب الطبري‏:‏ ذكر بعضهم أن في حديث أبي هريرة - يعني ثالث أحاديث الباب - إشارة إلى بعض ذلك، ويضاف إليه أمور أخرى وردت في ذلك، وقد فصلها ابن بطال وتبعه جماعة من الشارحين، وتعقب الزين ابن المنير بعض ما ذكره واختار تفصيلا آخر أورده، وقد نقحت ما وقفت عليه من ذلك وحذفت ما لا يختص بصلاة الجماعة‏:‏ فأولها إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة، والتبكير إليها في أول الوقت، والمشي إلى المسجد بالسكينة، ودخول المسجد داعيا، وصلاة التحية عند دخوله كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة، سادسها انتظار الجماعة، سابعها صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له، ثامنها شهادتهم له، تاسعها إجابة الإقامة، عاشرها السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة، حادي عاشرها الوقوف منتظرا إحرام الإمام أو الدخول معه في أي هيئة وحده عليها، ثاني عشرها إدراك تكبيرة الإحرام كذلك، ثالث عشرها تسوية الصفوف وسد فرجها، رابع عشرها جواب الإمام عند قوله سمع الله لمن حمده، خامس عشرها الأمن من السهو غالبا وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه، سادس عشرها حصول الخشوع والسلامة عما يلهي غالبا، سابع عشرها تحسين الهيئة غالبا، ثامن عشرها احتفاف الملائكة به، تاسع عشرها التدرب على تجويد القراءة وتعلم الأركان والأبعاض، العشرون إظهار شعائر الإسلام، الحادي والعشرون إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل، الثاني والعشرون السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره الظن بأنه ترك الصلاة رأسا، الثالث والعشرون رد السلام على الإمام، الرابع والعشرون الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل على الناقص، الخامس والعشرون قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات‏.‏
فهذه خمس وعشرون خصلة ورد في كل منها أمر أو ترغيب يخصه، وبقي منها أمران يختصان بالجهرية وهما الإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة، وبهذا يترجح أن السبع تختص بالجهرية صلى الله عليه وسلم والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيهات‏)‏ ‏:‏ ‏(‏الأول‏)‏ مقتضى الخصال التي ذكرتها اختصاص التضعيف بالتجمع في المسجد وهو الراجح في نظري كما سيأتي البحث فيه، وعلى تقدير أن لا يختص بالمسجد فإنما ذكرته ثلاثة أشياء وهي المشي والدخول والتحية، فيمكن أن تعوض من بعض ما ذكر مما يشتمل على خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة كالأخيرتين لأن منفعة الاجتماع على الدعاء والذكر غير منفعة عود بركة الكامل على الناقص، وكذا فائدة قيام نظام الألفة غير فائدة حصول التعاهد، وكذا فائدة أمن المأمومين من السهو غالبا غير تنبيه الإمام إذا سها‏.‏
فهذه ثلاثة يمكن أن يعوض بها الثلاثة المذكورة فيحصل المطلوب‏.‏
‏(‏الثاني‏)‏ لا يرد على الخصال التي ذكرتها كون بعض الخصال يختص ببعض من صلى جماعة دون بعض كالتبكير في أول الوقت وانتظار الجماعة وانتظار إحرام الإمام ونحو ذلك، لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد النية ولو لم يقع كما سبق، والله أعلم‏.‏
‏(‏الثالث‏)‏ معنى الدرجة أو الجزء حصول مقدار صلاة المنفرد بالعدد المذكور للمجمع، وقد أشار ابن دقيق العيد إلى أن بعضهم زعم خلاف ذلك قال‏:‏ والأول أظهر، لأنه قد ورد مبينا في بعض الروايات‏.‏
انتهى‏.‏
وكأنه يشير إلى ما عند مسلم في بعض طرقه بلفظ ‏"‏ صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ ‏"‏ وفي أخرى ‏"‏ صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده ‏"‏ ولأحمد من حديث ابن مسعود بإسناد رجاله ثقات نحوه وقال في آخره ‏"‏ كلها مثل صلاته ‏"‏ وهو مقتضى لفظ رواية أبي هريرة الآتية حيث قال ‏"‏ تضعف ‏"‏ لأن الضعف كما قال الأزهري المثل إلى ما زاد ليس بمقصور على المثلين تقول هذا ضعف الشيء أي مثله أو مثلاه فصاعدا لكن لا يزاد على العشرة‏.‏
وظاهر قوله ‏"‏ تضعف ‏"‏ وكذا قوله في روايتي ابن عمر وأبي سعيد ‏"‏ تفضل ‏"‏ أي تزيد، وقوله في رواية أبي هريرة السابقة في ‏"‏ باب مساجد السوق ‏"‏ يريد أن صلاة الجماعة تساوي صلاة المنفرد وتزيد عليها العدد المذكور فيكون لمصلي الجماعة ثواب ست أو ثمان وعشرين من صلاة المنفرد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن خباب‏)‏ بمعجمة وموحدتين الأولى مثقلة، وهو أنصاري مدني، ويوافقه في اسمه واسم أبيه عبد الله بن خباب بن الأرت، لكن ليست له في الصحيحين رواية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بخمس وعشرين‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ خمسا وعشرين ‏"‏ زاد ابن حبان وأبو داود من وجه آخر عن أبي سعيد ‏"‏ فإن صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة ‏"‏ وكأن السر في ذلك أن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة، بل حكى النووي أنه لا يجري فيه الخلاف في وجوبها صلى الله عليه وسلم لكن فيه نظر فإنه خلاف نص الشافعي، وحكى أبو داود عن عبد الواحد قال‏:‏ في هذا الحديث أن صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة‏.‏
انتهى‏.‏
وكأنه أخذه من إطلاق قوله ‏"‏ فإن صلاها ‏"‏ لتناوله الجماعة والانفراد، لكن حمله على الجماعة أولى، وهو الذي يظهر من السياق، ويلزم على ما قال النووي أن ثواب المندوب يزيد على ثواب الواجب عند من يقول بوجوب الجماعة، وقد استشكله القرافي على أصل الحديث بناء على القول بأنها سنة، ثم أورد عليه أن الثواب المذكور مرتب على صلاة الفرض وصفته من صلاة الجماعة، فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب‏.‏
وأجاب بأنه تفرض المسألة فيمن صلى وحده ثم أعاد في جماعة فإن ثواب الفرض يحصل له بصلاته وحده، والتضعيف يحصل بصلاته في الجماعة، فبقي الإشكال على حاله، وفيه نظر لأن التضعيف لم يحصل بسبب الإعادة وإنما حصل بسبب الجماعة، إذ لو أعاد منفردا لم يحصل له إلا صلاة واحدة فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب‏.‏
ومما ورد من الزيادة على العدد المذكور ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عكرمة عن ابن عباس موقوفا عليه قال ‏"‏ فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد خمس وعشرون درجة‏.‏
قال‏:‏ فإن كانوا أكثر من ذلك فعلى عدد من في المسجد‏.‏
فقال رجل‏:‏ وإن كانوا عشرة آلاف‏؟‏ قال نعم ‏"‏ وهذا له حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي، لكنه غير ثابت‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ سقط حديث أبي سعيد من هذا الباب في رواية كريمة وثبت للباقين، وأورده الإسماعيلي قبل حديث عمر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ
الشرح‏:‏
قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏صلاة الرجل في الجماعة‏)‏ في رواية الحموي والكشميهني ‏"‏ في جماعة ‏"‏ بالتنكير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خمسة وعشرين ضعفا‏)‏ كذا في الروايات التي وقفنا عليها، وحكى الكرماني وغيره أن فيه خمسا وعشرين درجة، بتأويل الضعف بالدرجة أو الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في بيته وفي سوقه‏)‏ مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعة وفرادى قاله ابن دقيق العيد، قال‏:‏ والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا، لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا، قال‏:‏ وبهذا يرتفع الإشكاك عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق‏.‏
انتهى‏.‏
ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية المذكورة، إذ لا يلزم من استوائهما في المفضولية عن المسجد أن لا يكون أحدهما أفضل من الآخر، وكذا لا يلزم منه أن كون الصلاة جماعة في البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا، بل الظاهر أن التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد، والصلاة في البيت مطلقا أولى منها في السوق لما ورد من كون الأسواق موضع الشياطين، والصلاة جماعة في البيت وفي السوق أولى من الانفراد‏.‏
وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع، وفي المسجد العام مع تقرير الفضل في غيره‏.‏
وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص‏:‏ أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته‏؟‏ قال‏:‏ حسن جميل‏.‏
قال‏:‏ فإن صلى في مسجد عشيرته‏؟‏ قال‏:‏ خمس عشرة صلاة‏.‏
قال‏:‏ فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه‏؟‏ قال‏:‏ خمس وعشرون‏.‏
انتهى‏.‏
وأخرج حميد بن زنجويه في ‏"‏ كتاب الترغيب ‏"‏ نحوه من حديث واثلة، وخص الخمس والعشرون بمسجد القبائل‏.‏
قال‏:‏ وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه - أي الجمعة - بخمسمائة، وسنده ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وذلك أنه إذا توضأ‏)‏ ظاهر في أن الأمور المذكورة علة للتضعيف المذكور، إذ التقدير‏:‏ وذلك لأنه، فكأنه يقول‏:‏ التضعيف المذكور سببه كيت وكيت، وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرا أو ليس مقصودا لذاته‏.‏
وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى، فالأخذ بها متوجه، والروايات المطلقة لا تنافيها بل يحمل مطلقها على هذه المقيدة، والذين قالوا بوجوب الجماعة على الكفاية ذهب كثير منهم إلى أن الحرج لا يسقط بإقامة الجماعة في البيوت، وكذا روى عن أحمد في فرض العين، ووجهوه بأن أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد، وهو وصف معتبر لا ينبغي إلغاؤه فيختص به المسجد، ويلحق به ما في معناه مما يحصل به إظهار الشعار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يخرجه إلا الصلاة‏)‏ أي قصد الصلاة في جماعة، واللام فيها للعهد لما بيناه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم يخط‏)‏ بفتح أوله وضم الطاء‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏خطوة‏)‏ ضبطناه بضم أوله ويحوز الفتح، قال الجوهري‏:‏ الخطوة بالضم ما بين القدمين، وبالفتح المرة الواحدة وجزم اليعمري أنها هنا بالفتح‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ إنها في روايات مسلم بالضم، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا صلى‏)‏ قال ابن أبي جمرة‏:‏ أي صلى صلاة تامة، لأنه صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته ‏"‏ رجع فصل، فإنك لم تصل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في مصلاه‏)‏ أي في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد، وكأنه خرج مخرج الغالب، وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرا على نية انتظار الصلاة كان كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اللهم ارحمه‏)‏ أي قائلين ذلك، زاد ابن ماجه ‏"‏ اللهم تب عليه ‏"‏ وفي الطريق الماضية في باب مسجد السوق ‏"‏ اللهم اغفر له ‏"‏ واستدل به على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال لما ذكر من صلاة الملائكة عليه ودعائهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة، وعلى تفضيل صالحي الناس على الملائكة لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة مشغولون بالاستغفار والدعاء لهم‏.‏
واستدل بأحاديث الباب على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة لأن قوله ‏"‏ على صلاته وحده ‏"‏ يقتضي صحة صلاته منفردا لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل، فإن ذلك يقتضي وجود فضيلة في صلاة المنفرد، وما لا يصح لا فضيلة فيه‏.‏
قال القرطبي وغيره‏:‏ ولا يقال إن لفظة أفعل قد ترد لإثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين كقوله تعالى ‏(‏أحسن مقيلا‏)‏ لأنا نقول إنما يقع ذلك على قلة حيث ترد صيغة أفعل مطلقة غير مقيدة بعدد معين، فإذا قلنا هذا العدد أزيد من هذا بكذا فلا بد من وجود أصل العدد، ولا يقال يحمل المنفرد على المعذور لأن قوله ‏"‏ صلاة الفذ ‏"‏ صيغة عموم فيشمل من صلى منفردا بعذر وبغير عذر، فحمله على المعذور يحتاج إلى دليل‏.‏
وأيضا ففضل الجماعة حاصل للمعذور لما سيأتي في هذا الكتاب من حديث أبي موسى مرفوعا ‏"‏ إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما‏"‏‏.‏
وأشار ابن عبد البر إلى أن بعضهم حمله على صلاة النافلة، ثم رده بحديث ‏"‏ أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ‏"‏ واستدل بها على تساوي الجماعات في الفضل سواء كثرت الجماعة أم قلت، لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة فيدخل فيه كل جماعة، كذا قال بعض المالكية، وقواه بما روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح إبراهيم النخعي قال‏:‏ إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهم التضعيف خمسا وعشرين‏.‏
انتهى‏.‏
وهو مسلم في أصل الحصول، لكنه لا ينفي مزيد الفضل لما كان أكثر، لا سيما مع وجود النص المصرح به وهو ما رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث أبي بن كعب مرفوعا ‏"‏ صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله‏"‏، وله شاهد قوي في الطبراني من حديث قباث بن أشيم وهو بفتح القاف والموحدة وبعد الألف مثلثة، وأبوه بالمعجمة بعدها تحتانية بوزن أحمر، ويترتب على الخلاف المذكور أن من قال بالتفاوت استحب إعادة الجماعة مطلقا لتحصيل الأكثرية، ولم يستحب ذلك الآخرون، ومنهم من فصل فقال‏:‏ تعاد مع الأعلم أو الأورع أو في البقعة الفاضلة، ووافق مالك على الأخير لكن قصره على المساجد الثلاثة، والمشهور عنه بالمسجدين المكي والمدني‏.‏
وكما أن الجماعة تتفاوت في الفضل بالقلة والكثرة وغير ذلك مما ذكر كذلك يفوق بعضها بعضا، ولذلك عقب المصنف الترجمة المطلقة في فضل الجماعة بالترجمة المقيدة بصلاة الفجر، واستدل بها على أن أقل الجماعة إمام ومأموم، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
03-31-2013, 10:26 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n84&p1#TOP)باب فَضْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل صلاة الفجر في جماعة‏)‏ هذه الترجمة أخص من التي قبلها، ومناسبة حديث أبي هريرة لها من قوله ‏"‏ وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ‏"‏ فإنه يدل على مزية لصلاة الفجر على غيرها‏.‏
وزعم ابن بطال أن في قوله ‏"‏ وتجتمع ‏"‏ إشارة إلى أن الدرجتين الزائدتين على خمس وعشرين تؤخذ من ذلك، ولهذا عقبه برواية ابن عمر التي فيها بسبع وعشرين، وقد تقدم الكلام على الاجتماع المذكور في ‏"‏ باب فضل صلاة العصر ‏"‏ من المواقيت‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا قَالَ شُعَيْبٌ وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ تَفْضُلُهَا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بخمس وعشرين جزءا‏)‏ كذا في النسخ التي وقفت عليها، ونقل الزركشي في نكته أنه وقع في الصحيحين ‏"‏ خمس ‏"‏ بحذف الموحدة من أوله والهاء من آخره، قال‏:‏ وخفض خمس على تقدير الباء كقول الشاعر أشارت كليب بالأكف الأصابع أي إلى كليب‏.‏
وأما حذف الهاء فعلى تأويل الجزء بالدرجة‏.‏
انتهى‏.‏
وقد أورده المؤلف في التفسير من طريق معمر عن الزهري بلفظ ‏"‏ فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال شعيب وحدثني نافع‏)‏ أي بالحديث مرفوعا نحوه، إلا أنه قال ‏"‏ بسبع وعشرين درجة، وهو موافق لرواية مالك وغيره عن نافع كما تقدم، وطريق شعيب هذه موصولة، وجوز الكرماني أن تكون معلقة وهو بعيد، بل هي معطوفة على الإسناد الأول، والتقدير حدثنا أبو اليمان قال شعيب‏:‏ ونظائر هذا في الكتاب كثيرة، ولكن لم أر طريق شعيب هذه إلا عند المصنف، ولم يستخرجها الإسماعيلي ولا أبو نعيم ولا أوردها الطبراني في مسند الشاميين في ترجمة شعيب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمًا قَالَ سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَقُلْتُ مَا أَغْضَبَكَ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت سالما‏)‏ هو ابن أبي الجعد، وأم الدرداء هي الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية لأن الكبرى ماتت في حياة أبي الدرداء وعاشت الصغرى بعده زمانا طويلا‏.‏
وقد جزم أبو حاتم بأن سالم بن أبي الجعد لم يدرك أبا الدرداء، فعلى هذا لم يدرك أم الدرداء الكبرى‏.‏
وفسرها الكرماني هنا بصفات الكبرى وهو خطأ لقول سالم ‏"‏ سمعت أم الدرداء ‏"‏ وقد تقدم في المقدمة أن اسم الصغرى هجيمة والكبرى خيرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أمة محمد‏)‏ كذا في رواية أبي ذر وكريمة، وللباقين ‏"‏ من محمد ‏"‏ بحذف المضاف، وعليه شرح ابن بطال ومن تبعه فقال‏:‏ يريد من شريعة محمد شيئا لم يتغير عما كان عليه إلا الصلاة في جماعة، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه‏.‏
انتهى‏.‏
ووقع في رواية أبي الوقت ‏"‏ من أمر محمد ‏"‏ بفتح الهمزة وسكون الميم بعدها راء، وكذا ساقه الحميدي في جمعه، وكذا هو في مسند أحمد ومستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم من طرق عن الأعمش، وعندهم ‏"‏ ما أعرف فيهم ‏"‏ أي في أهل البلد الذي كان فيه، وكأن لفظ ‏"‏ فيهم ‏"‏ لما حذف من رواية البخاري صحف بعض النقلة ‏"‏ أمر ‏"‏ بأمة ليعود الضمير في أنهم على الأمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصلون جميعا‏)‏ أي مجتمعين، وحذف المفعول وتقديره الصلاة أو الصلوات، ومراد أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة، وهو أمر نسبي لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها، ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان، فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان‏؟‏ وفي هذا الحديث جواز الغضب عند تغير شيء من أمور الدين، وإنكار المنكر بإظهار الغضب إذا لم يستطع أكثر منه، والقسم على الخبر لتأكيده في نفس السامع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبعدهم فأبعدهم ممشى‏)‏ أي إلى المسجد، وسيأتي الكلام على ذلك بعد باب واحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مع الإمام‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ في جماعة ‏"‏ وبين أنها رواية أنها كريب - وهو محمد بن العلاء - الذي أخرجه البخاري عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من الذي يصلي ثم ينام‏)‏ أي سواء صلى وحده أو في جماعة، ويستفاد منه أن الجماعة تتفاوت كما تقدم‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ استشكل إيراد حديث أبي موسى في هذا الباب، لأنه ليس فيه لصلاة الفجر ذكر، بل آخره يشعر بأنه في العشاء‏.‏
ووجهه ابن المنير وغيره بأنه دل على أن السبب في زيادة الأجر وجود المشقة بالمشي إلى الصلاة، وإذا كان كذلك فالمشي إلى صلاة الفجر في جماعة أشق من غيرها، لأنها وإن شاركتها العشاء في المشي في الظلمة فإنها تزيد عليها بمفارقة النوم المشتهي طبعا، ولم أر أحدا من الشراح نبه على مناسبة حديث أبي الدرداء للترجمة إلا الزين بن المنير فإنه قال‏:‏ تدخل صلاة الفجر في قوله ‏"‏ يصلون جميعا ‏"‏ وهي أخص بذلك من باقي الصلوات‏.‏
وذكر ابن رشيد نحوه وزاد أن استشهاد أبي هريرة في الحديث الأول بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن قرآن الفجر كان مشهودا‏)‏ يشير إلى أن الاهتمام بها آكد‏.‏
وأقول‏:‏ تفنن المصنف بإيراد الأحاديث الثلاثة في الباب إذ تؤخذ المناسبة من حديث أبي هريرة بطريق الخصوص، ومن حديث أبي الدرداء بطريق العموم، ومن حديث أبي موسى بطريق الاستنباط‏.‏
ويمكن أن يقال‏:‏ لفظ الترجمة يحتمل أن يراد به فضل الفجر على غيرها من الصلوات، وأن يراد به ثبوت الفضل لها في الجملة، فحديث أبي هريرة شاهد للأول، وحديث أبي الدرداء شاهد للثاني، وحديث أبي موسى شاهد لهما، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 11:49 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n85&p1#TOP)باب فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل التهجير إلى الظهر‏)‏ كذا للأكثر وعليه شرح ابن التين وغيره، وفي بعضها ‏"‏ إلى الصلاة ‏"‏ وعليه شرح ابن بطال‏.‏
وقد تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب الاستهام في الأذان‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ثُمَّ قَالَ الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِيقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بينما رجل‏)‏ في هذا المتن ثلاثة أحاديث‏:‏ قصة الذي نحي غصن الشوك، والشهداء، والترغيب في النداء وغيره مما ذكر‏.‏
والمقصود منه ذكر التهجير، وقد تقدم الحديث الثالث مفردا في ‏"‏ باب الاستهام ‏"‏ عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ويأتي الثاني في الجهاد عنه أيضا، والأول في المظالم كذلك وتكلمنا على شرحه هناك، وكان قتيبة حدث به عن مالك هكذا مجموعا فلم يتصرف فيه المصنف كعادته في الاختصار، وتكلف الزين بن المنير إبداء مناسبة للأول من جهة أنه دال على أن الطاعة وإن قلت فلا ينبغي أن تترك، واعترف بعدم مناسبة الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأخذه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فأخره‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فشكر الله له‏)‏ أي رضى بفعله وقبل منه، وفيه فضل إماطة الأذى عن الطريق، وقد تقدم في كتاب الإيمان أنها أدنى شعب الإيمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الشهداء خمس‏)‏ كذا لأبي ذر عن الحموي، وللباقين ‏"‏ خمسة ‏"‏ وهو الأصل في المذكر، وجاز الأول لأن المميز غير مذكور، وسيأتي الكلام على مباحثه في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n85&p1#TOP)باب احْتِسَابِ الْآثَارِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب احتساب الآثار‏)‏ أي إلى الصلاة، وكأنه لم يقيدها لتشمل كل مشي إلى كل طاعة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ قَالَ خُطَاهُمْ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلِهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرُوا الْمَدِينَةَ فَقَالَ أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ قَالَ مُجَاهِدٌ خُطَاهُمْ آثَارُهُمْ أَنْ يُمْشَى فِي الْأَرْضِ بِأَرْجُلِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو الثقفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يا بني سلمة‏)‏ بكسر اللام وهم بطن كبير من الأنصار ثم من الخزرج، وقد غفل القزاز وتبعه الجوهري حيث قال‏:‏ ليس في العرب سلمة بكسر اللام غير هذا القبيل، فإن الأئمة الذين صنفوا في المؤتلف والمختلف ذكروا عددا من الأسماء كذلك، لكن يحتمل أن يكون أراد بقيد القبيلة أو البطن فله بعض اتجاه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ألا تحتسبون‏)‏ كذا في النسخ التي وقفنا عليها بإثبات النون، وشرحه الكرماني بحذفها، ووجهه بأن النحاة أجازوا ذلك - يعني تخفيفا - قال‏:‏ والمعنى ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد‏؟‏ فإن لكل خطوة ثوابا ا ه‏.‏
والاحتساب وإن كان أصله العد لكنه يستعمل غالبا في معنى طلب تحصيل الثواب بنية خالصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحدثنا ابن أبي مريم‏)‏ كذا لأبي ذر وحده‏.‏
وفي رواية الباقين ‏"‏ وقال ابن أبي مريم ‏"‏ وذكره صاحب الأطراف بلفظ ‏"‏ وزاد ابن أبي مريم ‏"‏ وقال أبو نعيم في المستخرج ذكره البخاري بلا رواية يعني معلقا، وهذا هو الصواب، وله نظائر في الكتاب في رواية يحيى بن أيوب لأنه ليس على شرطه في الأصول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ كذا لأبي ذر وحده أيضا وللباقين ‏"‏ حدثنا أنس ‏"‏ وكذا ذكره أبو نعيم أيضا، وكذا سمعناه في الأول من فوائد المخلص من طريق أحمد بن منصور عن ابن أبي مريم ولفظه ‏"‏ سمعت أنسا‏"‏، وهذا هو السر في إيراد طريق يحيى بن أيوب عقب طريق عبد الوهاب ليبين الأمن من تدليس حميد، وقد تقدم نظيره في ‏"‏ باب وقت العشاء ‏"‏ وقد أخرجه في الحج من طريق مروان القزارى عن حميد وساق المتن كاملا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فينزلوا قريبا‏)‏ يعني لأن ديارهم كانت بعيدة من المسجد، وقد صرح بذلك في رواية مسلم من طريق أبي الزبير قال ‏"‏ سمعت جابر رسول الله يقول‏:‏ كانت ديارنا بعيدة من المسجد، فأردنا أن نبتاع بيوتا فنقرب من المسجد، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ إن لكم بكل خطوة درجة ‏"‏ وللسراج من طريق أبي نضرة عن جابر‏:‏ أرادوا أن يقربوا من أحل الصلاة‏.‏
ولابن مردويه من طريق أخرى عن أبي نضرة عنه قال ‏"‏ كانت منازلنا بسلع ‏"‏ ولا يعارض هذا ما سيأتي في الاستسقاء من حديث أنس ‏"‏ وما بيننا وبين سلع من دار ‏"‏ لاحتمال أن تكون ديارهم كانت من وراء سلع، وبين سلع والمسجد قدر ميل‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 11:50 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n85&p1#TOP)باب فَضْلِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل صلاة العشاء في الجماعة‏)‏ أورد فيه الحديث الدال على فضل العشاء والفجر، فيحتمل أن يكون مراد الترجمة إثبات فضل العشاء في الجملة أو إثبات أفضليتها على غيرها، والظاهر الثاني، ووجهه أن صلاة الفجر ثبتت أفضليتها كما تقدم، وسوى في هذا بينها وبين العشاء، ومساوى الأفضل يكون أفضل جزما‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس أثقل‏)‏ كذا للأكثر بحذف الاسم، وبينه الكشميهني في رواية أبي ذر وكريمة عنه فقال ‏"‏ ليس صلاة أثقل ‏"‏ ودل هذا على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين، ومنه قوله تعالى ‏(‏ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى‏)‏ وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهما، لأن العشاء وقت السكون والراحة والصبح وقت لذة النوم‏.‏
وقيل وجهه كون المؤمنين يفوزون بما ترتب عليهما من الفضل لقيامهم بحقهما دون المنافقين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولو يعلمون ما فيهما‏)‏ أي من مزيد الفضل ‏(‏لأتوهما‏)‏ أي الصلاتين، والمراد لأتوا إلى المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولو حبوا‏)‏ أي يزحفون إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير، ولابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء ‏"‏ ولو حبوا على المرافق والركب ‏"‏ وقد تقدم الكلام على باقي الحديث في ‏"‏ باب وجوب صلاة الجماعة‏"‏‏.‏
قوله في آخره ‏(‏على من لا يخرج إلى الصلاة بعد‏)‏ كذا للأكثر بلفظ ‏"‏ بعد ‏"‏ ضد قبل، وهي مبنية على الضم، ومعناه بعد أن يسمع النداء إليها أو بعد أن يبلغه التهديد المذكور، وللكشميهني بدلها ‏"‏ يقدر ‏"‏ أي لا يخرج وهو يقدر على المجيء، ويؤيده ما قدمناه من رواية لأبي داود ‏"‏ وليست بهم علة ‏"‏ ووقع عند الداودي للشارح هنا ‏"‏ لا لعذر ‏"‏ وهي أوضح من غيرها لكن لم نقف عليها في شيء من الروايات عند غيره‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 11:51 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n85&p1#TOP)باب اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب اثنان فما فوقهما جماعة‏)‏ هذه الترجمة لفظ حديث ورد من طرق ضعيفة، منها في ابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري وفي معجم البغوي من حديث الحكم بن عمير وفي أفراد الدار قطني من حديث عبد الله بن عمرو وفي البيهقي من حديث أنس وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي أمامة وعند أحمد من حديث أبي أمامة أيضا ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده فقال‏:‏ ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه‏؟‏ فقام رجل فصلى معه، فقال‏:‏ هذان جماعه ‏"‏ والقصة المذكورة دون قوله ‏"‏ هذان جماعة ‏"‏ أخرجها أبو داود والترمذي من وجه آخر صحيح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا حضرت الصلاة‏)‏ تقدم من هذا الوجه في ‏"‏ باب الأذان للمسافر ‏"‏ وأوله ‏"‏ أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال لهما ‏"‏ فذكره‏.‏
وقد اعترض على الترجمة بأنه ليس في حديث مالك ابن الحويرث تسمية صلاة الاثنين جماعة، والجواب أن ذلك مأخوذ بالاستنباط من لازم الأمر بالإمامة، لأنه لو استوت صلاتهما معا مع صلاتهما منفردين لاكتفى بأمرهما بالصلاة كأن يقول‏:‏ أذنا وأقيما وصليا‏.‏
واعترض أيضا على أصل الاستدلال بهذا الحديث بأن مالك بن الحويرث كان مع جماعة من أصحابه، فلعل الاقتصار عل التثنية من تصرف الرواة‏.‏
والجواب أنهما قضيتان كما تقدم، واستدل به على أن أقل الجماعة إمام ومأموم أعم من أن يكون المأموم رجلا أو صبيا أو امرأة‏.‏
وتكلم ابن بطال هنا على مسألة أقل الجمع والاختلاف فيها، ورده الزين بن المنير بأنه لا يلزم من قوله ‏"‏ الاثنان جماعة ‏"‏ أن يكون أقل الجمع اثنين وهو واضح‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n85&p1#TOP)باب مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة‏)‏ أي ليصليها جماعة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏تصلي على أحدكم‏)‏ أي تستغفر له، قيل عبر بتصلي ليتناسب الجزاء والعمل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما دام في مصلاه‏)‏ أي ينتظر الصلاة كما صرح به في الطهارة من وجه آخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يزال أحدكم الخ‏)‏ هذا القدر أفرده مالك في الموطأ عما قبله، وأكثر الرواة ضموه إلى الأول فجعلوه حديثا واحدا، ولا حجر في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في صلاة‏)‏ أي في ثواب صلاة لا في حكمها، لأنه يحل له الكلام وغيره مما منع في الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما دامت‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ما كانت ‏"‏ وهو عكس ما مضى في الطهارة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يمنعه‏)‏ يقتضي أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه الثواب المذكور، وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمر آخر، وهل يحصل ذلك لمن نيته إيقاع الصلاة في المسجد ولو لم يكن فيه‏؟‏ الظاهر خلافه، لأنه رتب الثواب المذكور على المجموع من النية وشغل البقعة بالعبادة، لكن للمذكور ثواب يخصه، ولعل هذا هو السر في إيراد المصنف الحديث الذي يليه وفيه ‏"‏ ورجل قلبه معلق في المساجد ‏"‏ وقد تقدم الكلام في الطهارة على معنى قوله ‏"‏ ما لم يحدث ‏"‏ وفيه زيادة على ما هنا، وأن المراد بالحدث حدث الفرج، لكن يؤخذ منه أن اجتناب حدث اليد واللسان من باب الأولى، لأن الأذى منهما يكون أشد، أشار إلى ذلك ابن بطال‏.‏
وقد تقدم الكلام على باقي فوائده في ‏"‏ باب فضل صلاة الجماعة ‏"‏ ويؤخذ من قوله ‏"‏ في مصلاه الذي صلى فيه ‏"‏ أن ذلك مقيد بمن صلى ثم انتظر صلاة أخرى، وبتقييد الصلاة الأولى بكونها مجزئه، أما لو كان فيها نقص فإنها تجبر بالنافلة كما ثبت في الخبر الآخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اللهم اغفر له، اللهم ارحمه‏)‏ هو مطابق لقوله تعالى ‏(‏والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض‏)‏ ، قيل‏:‏ السر فيه أنهم يطلعون على أفعال بني آدم وما فيها من المعصية والخلل في الطاعة فيقتصرون على الاستغفار لهم من ذلك، لأن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، ولو فرض أن فيهم من تحفظ من ذلك فإنه يعوض من المغفرة بما يقابلها من الثواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري، وخبيب بضم المعجمة وهو خال عبيد الله الراوي عنه، وحفص بن عاصم هو ابن عمر بن الخطاب وهو جد عبيد الله المذكور لأبيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ لم تختلف الرواة عن عبيد الله في ذلك، ورواه مالك في الموطأ عن خبيب فقال ‏"‏ عن أبي سعيد وأبي هريرة ‏"‏ على الشك، ورواه أبو قرة عن مالك بواو العطف فجعله عنهما، وتابعه مصعب الزبيري، وشذا في ذلك عن أصحاب مالك، والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سبعة‏)‏ ظاهره اختصاص المذكورين بالثواب المذكور، ووجهه الكرماني بما محصله أن الطاعة إما أن تكون بين العبد وبين الرب أو بينه وبين الخلق، فالأول باللسان وهو الذكر، أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد، أو بالبدن وهو الناشئ في العبادة‏.‏
والثاني عام وهو العادل، أو خاص بالقلب وهو التحاب، أو بالمال وهو الصدقة، أو بالبدن وهو العفة‏.‏
وقد نظم السبعة العلامة أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل فيما أنشدناه أبو إسحاق التنوخي إذنا عن أبي الهدى أحمد بن أبي شامة عن أبيه سماعا من لفظه قال‏:‏ وقال النبي المصطفى إن سبعة يظلهم الله الكريم بظله محب عفيف ناشئ متصدق وباك مصل والإمام بعـدله ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعا ‏"‏ من أنظر معسرا أو وضـع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ‏"‏ وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية فدل على أن العدل المذكور لا مفهوم له‏.‏
وقد ألقيت هذه المسألة على العالم شمس الدين بن عطاء الرازي المعروف بالهروي لما قدم القاهرة وادعى أنه يحفظ صحيح مسلم، فسألته بحضرة الملك المؤيد عن هذا وعن غيره فما استحضر في ذلك شيئا، ثم تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك فزادت على عشر خصال، وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد ونظمتها في بيتين تذييلا على بيتي أبي شامة وهما‏:‏ وزد سبعة‏:‏ إظلال غاز وعونه وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله وإرفاد ذي غرم وعون مكاتب وتاجر صدق في المقال وفعله فأما إظلال الغازي فرواه ابن حبان وغيره من حديث عمر، وأما عون المجاهد فرواه أحمد والحاكم من حديث سهم بن حنيف، وأما إنظار المعسر والوضيعة عنه ففي صحيح مسلم كما ذكرنا، وأما إرفاد الغارم وعون المكاتب فرواهما أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف المذكور، وأما التاجر الصدوق فرواه البغوي في شرح السنة من حديث سلمان وأبو القاسم التيمي من حديث أنس، والله أعلم‏.‏
ونظمته مرة أخرى فقلت في السبعة الثانية‏:‏ وتحسين خلق مع إعانة غارم خفيف يد حتى مكاتب أهله وحديث تحسين الخلق أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف، ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى ونظمتها في بيتين آخرين وهما‏:‏ وزد سبعة‏:‏ حزن ومشى لمسجد وكره وضوء ثم مطعم فضله وآخـذ حق باذل ثم كافـل وتاجر صدق في المقال وفعله ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى، ولكن أحاديثها ضعيفة وقلت في آخر البيت‏:‏ ‏"‏ تربع به السبعات من فيض فضله‏"‏‏.‏
وقد أوردت الجميع في ‏"‏ الأمالي‏"‏، وقد أفردته في جزء سميته ‏"‏ معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في ظله‏)‏ قال عياض‏:‏ إضافة الظل إلى الله إضافة ملك، وكل ظل فهو ملكه‏.‏
كذا قال، وكان حقه أن يقول إضافة تشريف، ليحصل امتياز هذا على غيره، كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه‏.‏
وقيل المراد بظله كرامته وحمايته كما يقال فلان في ظل الملك، وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض، وقيل المراد ظل عرشه، ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن ‏"‏ سبعة يظلهم الله في ظل عرشه ‏"‏ فذكر الحديث، وإذا كان المراد ظل العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح، وبه جزم القرطبي، ويؤيده أيضا تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به‏.‏
ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر وهو عند المصنف في كتاب الحدود، وبهذا يندفع قول من قال‏:‏ المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل ثم بعد الاستقرار في الجنة‏.‏
ثم إن ذلك مشترك لجميع من يدخلها، والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة، فيرجح أن المراد ظل العرش، وروى الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعا ‏"‏ أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا إمام عادل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الإمام العادل‏)‏ اسم فاعل من العدل، وذكر ابن عبد البر أن بعض الرواة عن مالك رواه بلفظ ‏"‏ العدل ‏"‏ قال وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلا، والمراد به صاحب الولاية العظمى، ويلتحق به كل من ولى شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه، ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه ‏"‏ أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ‏"‏ وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، وقدمه في الذكر لعموم النفع به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وشاب‏)‏ خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى؛ فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في عبادة ربه‏)‏ في رواية الإمام أحمد عن يحيى القطان ‏"‏ بعبادة الله ‏"‏ وهي رواية مسلم، وهما بمعنى، زاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر ‏"‏ حـتى توفى على ذلك ‏"‏ أخرجه الجوزقي‏.‏
وفي حديث سلمان ‏"‏ أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏معلق في المساجد‏)‏ هكذا في الصحيحين، وظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل مثلا إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجا عنه، ويدل عليه رواية الجوزقي ‏"‏ كأنما قلبه معلق في المسجد ‏"‏ ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب، ويدل عليه رواية أحمد ‏"‏ معلق بالمساجد ‏"‏ وكذا رواية سلمان ‏"‏ من حبها ‏"‏ وزاد الحموي والمستملى ‏"‏ متعلق ‏"‏ بزيادة مثناة بعد الميم وكسر اللام، زاد سلمان ‏"‏ من حبها ‏"‏ وزاد مالك ‏"‏ إذا خرج منه حتى يعود إليه‏"‏‏.‏
وهذه الخصلة هي المقصودة من هذا الحديث للترجمة، ومناسبتها للركن الثاني من الترجمة وهو فضل المساجد ظاهرة، وللأول من جهة ما دل عليه من الملازمة للمسجد واستمرار الكون فيه بالقلب وإن عرض للجسد عارض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تحابا‏)‏ بتشديد الباء وأصله تحابيا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارا فقط، ووقع في رواية حماد بن زيد ‏"‏ ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا على ذلك ‏"‏ ونحوه في حديث سلمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ اجتمعا عليه ‏"‏ وهي رواية مسلم أي على الحب المذكور، والمراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق بينهما الموت‏.‏
ووقع في الجمع للحميدي ‏"‏ اجتمعا على خير ‏"‏ ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات وهي عندي تحريف‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ عدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين، أو لما كان المتحابان بمعنى واحد كان عد أحدهما مغنيا عن عد الآخر، لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورجل طلبته ذات منصب‏)‏ بين المحذوف أحمد في روايته عن يحيى القطان فقال ‏"‏ دعته امرأة ‏"‏ وكذا في رواية كريمة، ولمسلم وهو للمصنف في الحدود عن ابن المبارك، والمراد بالمنصب الأصل أو الشرف‏.‏
وفي رواية ومالك ‏"‏ دعته ذات حسب ‏"‏ وهو يطلق على الأصل وعلى المال أيضا، وقد وصفها بأكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن تحصل فيه وهو المنصب الذي يستلزمه الجاه والمال مع الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء، زاد ابن المبارك ‏"‏ إلى نفسها ‏"‏ وللبيهقي في الشعب من طريق أبي صالح عن أبي هريرة ‏"‏ فعرضت نفسها عليه ‏"‏ والظاهر أنها دعته إلى الفاحشة وبه جزم القرطبي ولم يحك غيره‏.‏
وقال بعضهم يحتمل أن تكون دعته إلى التزوج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها، أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها، والأول أظهر، ويؤيده وجود الكناية في قوله ‏"‏ إلى نفسها ‏"‏ ولو كان المراد التزويج لصرح به، والصبر عن الموصوفة بما ذكر من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال إني أخاف الله‏)‏ زاد في رواية كريمة ‏"‏ رب العالمين ‏"‏ والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها، ويحتمل أن يقوله بقلبه، قال عياض قال القرطبي‏:‏ إنما يصدر ذلك عن شدة خوف من الله تعالى ومتين تقوى وحياء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تصدق أخفى‏)‏ بلفظ الماضي‏.‏
قال الكرماني هو جملة حالية بتقدير قد، ووقع في رواية أحمد ‏"‏ تصدق فأخفى ‏"‏ وكذا للمصنف في الزكاة عن مسدد عن يحيى ‏"‏ تصدق بصدقة فأخفاها ‏"‏ ومثله لمالك في الموطأ، فالظاهر أن راوي الأولى حذف العاطف، ووقع في رواية الأصيلي ‏"‏ تصدق إخفاء ‏"‏ بكسر الهمزة ممدودا على أنه مصدر أو نعت لمصدر محذوف، ويحتمل أن يكون حالا من الفاعل أي مخفيا، وقوله ‏"‏بصدقة ‏"‏ نكرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير، وظاهره أيضا يشمل المندوبة والمفروضة، لكن نقل النووي عن العلماء أن إظهار المفروضة أولى من إخفائها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى لا تعلم‏)‏ بضم الميم وفتحها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شماله ما تنفق يمينه‏)‏ هكذا وقع في معظم الروايات في هذا الحديث في البخاري وغيره، ووقع في صحيح مسلم مقلوبا ‏"‏ حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ‏"‏ وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله ابن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب لكنه قصره على ما يقع في الإسناد، ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح ومثل له بحديث ‏"‏ إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل ‏"‏ وقد قدمنا الكلام عليه في كتاب الأذان‏.‏
وقال شيخنا‏:‏ ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس‏.‏
انتهى‏.‏
والأولى تسميته مقلوبا فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء، وقد سماه بعض من تقدم مقلوبا، قال عياض‏:‏ هكذا في جميع النسخ التي وصلت إلينا من صحيح مسلم وهو مقلوب أو الصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين، وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة ‏"‏ باب الصدقة باليمين ‏"‏ قال‏:‏ ويشبه أن يكون الوهم فيه ممن دون مسلم بدليل قوله في رواية مالك لما أوردها عقب رواية عبيد الله بن عمر فقال بمثل حديث عبيد الله فلو كانت بينهما مخالفة لبينها كما نبه على الزيادة في قوله ‏"‏ ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
وليس الوهم فيه ممن دون مسلم ولا منه بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه يحيى القطان، فإن مسلما أخرجه عن زهير بن حرب وابن نمير كلاهما عن يحيى وأشعر سياقه بأن اللفظ لزهير، وكذا أخرجه أبو يعلى في مسنده عن زهير، وأخرجه الجوزقي في مستخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عن عبد الرحمن ابن بشر بن الحكم عن يحيى القطان كذلك، وعقبه بأن قال‏:‏ سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول يحيى القطان عندنا واهم في هذا، إنما هو ‏"‏ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ‏"‏ قلت‏:‏ والجزم بكون يحيى هو الواهم فيه نظر، لأن الإمام أحمد قد رواه عنه على الصواب، وكذلك أخرجه البخاري هنا عن محمد بن بشار وفي الزكاة عن مسدد، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق يعقوب الدورقي وحفص بن عمر وكلهم عن يحيى، وكأن أبا حامد لما رأى عبد الرحمن قد تابع زهيرا ترجح عنده أن الوهم من يحيى، وهو محتمل بأن يكون منه لما حدث به هذين خاصة، مع احتمال أن يكون الوهم منهما تواردا عليه‏.‏
وقد تكلف بعض المتأخرين توجيه هذه الرواية المقلوبة، وليس بجيد لأن المخرج متحد ولم يختلف فيه على عبيد الله بن عمر شيخ يحيى فيه ولا على شيخه خبيب ولا على مالك رفيق عبيد الله بن عمر فيه‏.‏
وأما استدلال عياض على أن الوهم فيه ممن دون مسلم بقوله في رواية مالك مثل عبيد الله فقد عكسه غيره فواخذ مسلما بقوله مثل عبيد الله لكونهما ليستا متساويتين، والذي يظهر أن مسلما لا يقصر لفظ المثل على المساوي في جميع اللفظ والترتيب، بل هو في المعظم إذا تساويا في المعنى، والمعنى المقصود من هذا الموضع إنما هو إخفاء الصدقة والله أعلم، ولم نجد هذا الحديث من وجه من الوجوه إلا عن أبي هريرة، إلا ما وقع عند مالك من التردد هل هو عنه أو عن أبي سعيد كما قدمناه قبل، ولم نجده عن أبي هريرة إلا من رواية حفص، ولا عن حفص إلا من رواية خبيب‏.‏
نعم أخرجه البيهقي في الشعب من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة والراوي له عن سهيل عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف لكنه ليس بمتروك، وحديثه حسن في المتابعات، ووافق في قوله ‏"‏ تصدق بيمينه ‏"‏ وكذا أخرجه سعيد بن منصور من حديث سلمان الفارسي بإسناد حسن موقوفا عليه لكن حكمه الرفع‏.‏
وفي مسند أحمد من حديث أنس بإسناد حسن مرفوعا ‏"‏ إن الملائكة قالت‏:‏ يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال‏؟‏ قال‏:‏ نعم الحديد‏.‏
قالت‏:‏ فهل أشد من الحديد‏؟‏ قال‏:‏ نعم النار‏.‏
قالت‏:‏ فهل أشد من النار‏؟‏ قال‏:‏ نعم الماء‏.‏
قالت‏:‏ فهل أشد من الماء‏؟‏ قال‏:‏ نعم الريح‏.‏
قالت‏:‏ فهل أشد من الريح‏؟‏ قال‏.‏
نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله ‏"‏ ثم إن المقصود منه المبالغة في إخفاء الصدقة بحيث أن شماله مع قربها من يمينه وتلازمهما لو تصور أنها تعلم لما علمت ما فعلت اليمين لشدة إخفائها، فهو على هذا من مجاز التشبيه‏.‏
ويؤيده رواية حماد بن زيد عند الجوزفي ‏"‏ تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله ‏"‏ ويحتمل أن يكون من مجاز الحذف والتقدير حتى لا يعلم ملك شماله‏.‏
وأبعد من زعم أن المراد بشماله نفسه وأنه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل إلى أن نفسه لا تعلم ما تنفق نفسه، وقيل هو من مجاز الحذف والمراد بشماله من على شماله من الناس كأنه قال مجاور شماله، وقل المراد أنه لا يرائي بصدقته فلا يكتبها كاتب الشمال، وحكى القرطبي عن بعض مشايخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه، وفيه نظر إن كان أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة، وإن أراد أن هذا من صور الصدقة المخفية فسلم والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذكر الله‏)‏ أي بقلبه من التذكر أو بلسانه من الذكر، و ‏(‏خاليا‏)‏ أي من الخلو لأنه يكون حينئذ أبعد من الرياء والمراد خاليا من الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملأ، ويؤيده رواية البيهقي ‏"‏ ذكر الله بين يديه ‏"‏ ويؤيد الأول رواية ابن المبارك وحماد بن زيد ‏"‏ ذكر الله في خلاء ‏"‏ أي في موضع خال وهي أصح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ففاضت عيناه‏)‏ أي فاضت الدموع من عينيه، وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت، قال القرطبي‏:‏ وفيض العين بحسب حال الذاكر وبحسب ما يكشف له، ففي حال أوصاف الجلال يكون البكاء من خشية الله، وفي حال أوصاف الجمال يكون البكاء من الشوق إليه‏.‏
قلت‏:‏ قد خص في بعض الروايات بالأول، ففي رواية حماد بن زيد عند الجوزقي ‏"‏ ففاضت عيناه من خشية الله ‏"‏ ونحوه في رواية البيهقي، ويشهد له ما رواه الحاكم من حديث أنس مرفوعا ‏"‏ من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيهان‏)‏ ‏:‏ ‏(‏الأول‏)‏ ذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له بل يشترك النساء معهم فيما ذكر، إلا إن كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى، وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون ذات عيال فتعدل فيهم‏.‏
وتخرج خصلة ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد، وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن، حتى الرجل الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلا فامتنعت خوفا من الله تعالى مع حاجتها، أو شاب جميل دعاه ملك إلى أن يزوجه ابنته مثلا فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه‏.‏
‏(‏الثاني‏)‏ استوعبت شرح هذا الحديث هنا وإن كان مخالفا لما شرطت لأن أليق المواضع به كتاب الرقاق، وقد اختصرها المصنف حيث أورده فيه، وساقه تاما في الزكاة والحدود، فاستوفيته هنا لأن للأولية وجها من الأولوية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ هَلْ اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا فَقَالَ نَعَمْ أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ بَعْدَ مَا صَلَّى فَقَالَ صَلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا وَلَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سئل أنس‏)‏ تقدم التصريح بسماع حميد له منه في ‏"‏ باب وقت العشاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلى الناس‏)‏ أي غير المخاطبين ممن صلى في داره أو مسجد قبيلته، ويستأنس به لمن قال بأن الجماعة غير واجبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم تزالوا في صلاة‏)‏ أي في ثواب صلاة كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبيص‏)‏ بكسر الموحدة وبالمهملة أي بريقه ولمعانه، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في ‏"‏ باب وقت العشاء ‏"‏ ويأتي الكلام على الخاتم في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 11:52 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n85&p1#TOP)باب فَضْلِ مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَنْ رَاحَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من غدا للمسجد ومن راح‏)‏ هكذا للأكثر موافقا للفظ الحديث في الغدو والرواح، ولأبي ذر بلفظ ‏"‏ خرج ‏"‏ بدل غدا، وله عن المستملى والسرخسي بلفظ ‏"‏ من يخرج ‏"‏ بصيغة المضارع، وعلى هذا فالمراد بالغدو الذهاب وبالرواح الرجوع، والأصل في الغدو المضي من بكرة النهار والرواح بعد الزوال، ثم قد يستعملان في كل ذهاب ورجوع توسعا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أعد‏)‏ أي هيأ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نزله‏)‏ للكشميهني ‏"‏ نزلا ‏"‏ بالتنكير، والنزل بضم النون والزاي المكان الذي يهيأ للنزول فيه، وبسكون الزاي ما يهيأ للقادم من الضيافة ونحوها، فعلى هذا ‏"‏ من ‏"‏ في قوله من الجنة للتبعيض على الأول وللتبين على الثاني، ورواه مسلم وابن خزيمة وأحمد بلفظ ‏"‏ نزلا في الجنة ‏"‏ وهو محتمل للمعنيين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كلما غدا أو راح‏)‏ أي بكل غدوة وروحة‏.‏
وظاهر الحديث حصول الفضل لمن أتى المسجد مطلقا، لكن المقصون منه اختصاصه بمن يأتيه للعبادة، والصلاة رأسها، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n85&p1#TOP)باب إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة‏)‏ هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من رواية عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، واختلف على عمرو بن دينار في رفعه ووقفه، وقيل إن ذلك هو السبب في كون البخاري لم يخرجه، ولما كان الحكم صحيحا ذكره في الترجمة وأخرج في الباب ما يغني عنه، لكن حديث الترجمة أعم من حديث الباب لأنه يشمل الصلوات كلها وحديث الباب يختص بالصبح كما سنوضحه، ويحتمل أن يقال‏:‏ اللام في حديث الترجمة عهدية فيتفقان، هذا من حيث اللفظ، وأما من حيث المعنى فالحكم في جميع الصلوات واحد، وقد أخرجه أحمد من وجه آخر بلفظ ‏"‏ فلا صلاة إلا التي أقيمت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا أقيمت‏)‏ أي إذا شرع في الإقامة، وصرح بذلك محمد بن جحادة عن عمرو بن دينار فيما أخرجه ابن حبان بلفظ ‏"‏ إذا أخذ المؤذن في الإقامة ‏"‏ وقوله ‏"‏ فلا صلاة ‏"‏ أي صحيحة أو كاملة، والتقدير الأول أولى لأنه أقرب إلى نفي الحقيقة، لكن لما لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المصلي واقتصر على الإنكار دل على أن المراد نفي الكمال‏.‏
ويحتمل أن يكون النفي بمعنى النهي، أي فلا تصلوا حينئذ، ويؤيده ما رواه البخاري في التاريخ والبزار وغيرهما من رواية محمد بن عمار عن شريك بن أبي نمر عن أنس مرفوعا في نحو حديث الباب وفيه ‏"‏ ونهى أن يصليا إذا أقيمت الصلاة ‏"‏ وورد بصيغة النهي أيضا فيما رواه أحمد من وجه آخر عن ابن بحينة في قصته هذه فقال ‏"‏ لا تجعلوا هذه الصلاة مثل الظهر واجعلوا بينهما فصلا ‏"‏ والنهي المذكور للتنزيه لما تقدم من كونه لم يقطع صلاته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا المكتوبة‏)‏ فيه منع التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة سواء كانت راتبة أم لا، لأن المراد بالمكتوبة المفروضة، وزاد مسلم بن خالد عن عمرو بن دينار في هذا الحديث ‏"‏ قيل يا رسول الله ولا ركعتي الفجر‏؟‏ قال‏:‏ ولا ركعتي الفجر ‏"‏ أخرجه ابن عدي في ترجمة يحيى بن نصر بن الحاجب وإسناده حسن، والمفروضة تشمل الحاضرة والفائتة، لكن المراد الحاضرة، وصرح بذلك أحمد والطحاوي من طريق أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَالَ ح و حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ ابْنُ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاثَ بِهِ النَّاسُ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا الصُّبْحَ أَرْبَعًا تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَمُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ فِي مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَقَالَ حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا سَعْدٌ عَنْ حَفْصٍ عَنْ مَالِكٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل‏)‏ لم يسق البخاري لفظ رواية إبراهيم بن سعد، بل تحول إلى رواية شعبة فأوهم أنهما متوافقتان، وليس كذلك فقد ساق مسلم رواية إبراهيم بن سعد بالسند المذكور ولفظه ‏"‏ مر برجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح، فكلمه بشيء لا ندري ما هو، فلما انصرفنا أحطنا به نقول‏:‏ ماذا قال لك رسول صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال قال لي‏:‏ يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا ‏"‏ ففي هذا السياق مخالفة لسياق شعبة في كونه صلى الله عليه وسلم كلم الرجل وهو يصلي، ورواية شعبة تقتضي أنه كلمه بعد أن فرغ، ويمكن الجمع بينهما بأنه كلمه أولا سرا فلهذا احتاجوا أن يسألوه، ثم كلمه ثانيا جهرا فسمعوه، وفائدة التكرار تأكيد الإنكار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الرحمن‏)‏ هو ابن بشر بن الحكم كما جزم به ابن عساكر وأخرجه الجوزقي من طريقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت رجلا من الأزد‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ من الأسد ‏"‏ بالمهملة الساكنة بدل الزاي الساكنة وهي لغة صحيحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقال له مالك بن بحينة‏)‏ هكذا يقول شعبة في هذا الصحابي، وتابعه على ذلك أبو عوانة وحماد ابن سلمة، وحكم الحفاظ يحيى بن معين وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والإسماعيلي وابن الشرفي والدار قطني وأبو مسعود وآخرون علهم بالوهم فيه في موضعين‏:‏ أحدهما أن بحينة والدة عبد الله لا مالك، وثانيهما أن الصحبة والرواية لعبد الله لا لمالك، وهو عبد الله بن مالك بن القشب بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة وهو لقب واسمه جندب بن نضلة بن عبد الله، قال ابن سعد‏:‏ قدم مالك بن القشب مكة يعني في الجاهلية فحالف بني المطلب بن عبد مناف وتزوج بحينة بنت الحارث بن المطلب واسمها عبدة، وبحينة لقب، وأدركت بحينه الإسلام فأسلمت وصحبت، وأسلم ابنها عبد الله قديما، ولم يذكر أحد مالكا في الصحابة إلا بعض ممن تلقاه من هذا الإسناد ممن لا تمييز له، وكذا أغرب الداودي الشارح فقال‏:‏ هذا الاختلاف لا يضر فأي الرجلين كان فهو صاحب، وحكى ابن عبد البر اختلافا في بحينة هل هي أم عبد الله أو أم مالك‏؟‏ والصواب أنها أم عبد الله كما تقدم، فينبغي أن يكتب ابن بحينة بزيادة ألف ويعرب إعراب عبد الله كما في عبد الله بن أبي بن سلول ومحمد بن علي بن الحنفية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأى رجلا‏)‏ هو عبد الله الراوي كما رواه أحمد من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يصلي‏.‏
وفي رواية أخرى له ‏"‏ خرج وابن القشب يصلي ‏"‏ ووقع لبعض الرواة هنا ‏"‏ ابن أبي القشب ‏"‏ وهو خطأ كما بينته في كتاب الصحابة‏.‏
ووقع نحو هذه القصة أيضا لابن عباس قال ‏"‏ كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة، فجذبني النبي صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ أتصلي الصبح أربعا‏؟‏ ‏"‏ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والبزار والحاكم وغيرهم، فيحتمل تعدد القصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لاث‏)‏ بمثلثة خفيفة، أي أدار وأحاط‏.‏
قال ابن قتيبة‏:‏ أصل اللوث الطي، يقال لاث عمامته إذا أدارها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏به الناس‏)‏ ظاهره أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن طريق إبراهيم بن سعد المتقدمة تقتضي أنه للرجل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏آلصبح أربعا‏؟‏‏)‏ بهمزة ممدودة في أوله، ويجوز قصرها، وهو استفهام إنكار، وأعاده تأكيدا للإنكار‏.‏
والصبح بالنصب بإضمار فعل تقديره أتصلي الصبح‏؟‏ وأربعا منصوب على الحال، قاله ابن مالك‏.‏
وقال الكرماني على البدلية قال‏:‏ ويجوز رفع الصبح أي الصبح تصلي أربعا‏؟‏ ‏.‏
واختلف في حكمة هذا الإنكار فقال القاضي عياض وغيره‏:‏ لئلا يتطاول الزمان فيظن وجوبها‏.‏
ويؤيده قوله في رواية إبراهيم ابن سعد ‏"‏ يوشك أحدكم ‏"‏ وعلى هذا إذا حصل الأمن لا يكره ذلك، وهو متعقب بعموم حديث الترجمة‏.‏
وقيل لئلا تلتبس صلاة الفرض بالنفل‏.‏
وقال النووي‏:‏ الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام، والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة ا هـ‏.‏
وهذا يليق بقول من يرى بقضاء النافلة وهو قول الجمهور، ومن ثم قال من لا يرى بذلك‏:‏ إذا علم أنه يدرك الركعة الأولى مع الإمام‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ إن كان في الأخيرة لم يكره له التشاغل بالنافلة، بشرط الأمن من الالتباس كما تقدم، والأول عن المالكية، والثاني عن الحنفية ولهم في ذلك سلف عن ابن مسعود وغيره، وكأنهم لما تعارض عندهم الأمر بتحصيل النافلة والنهي عن إيقاعها في تلك الحالة جمعوا بين الأمرين بذلك، وذهب بعضهم إلى أن سبب الإنكار عدم الفصل بين الفرض والنفل لئلا يلتبسا، وإلى هذا جنح الطحاوي واحتج له بالأحاديث الواردة بالأمر بذلك، ومقتضاه أنه لو كان في زاوية المسجد لم يكره، وهو متعقب بما ذكر، إذ لو كان المراد مجرد الفصل بين الفرض والنفل لم يحصل إنكار أصلا، لأن ابن بحينة سلم من صلاته قطعا ثم دخل في الفرض، ويدل على ذلك أيضا حديث قيس بن عمرو الذي أخرجه أبو داود وغيره ‏"‏ أنه صلى ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الصبح‏"‏، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله لم ينكر عليه قضاءهما بعد الفراغ من صلاة الصبح متصلا بها فدل على أن الإنكار على ابن بحينة إنما كان للتنفل حال صلاة الفرض، وهو موافق لعموم حديث الترجمة‏.‏
وقد فهم ابن عمر اختصاص المنع بمن يكون في المسجد لا خارجا عنه، فصح عنه أنه كان يحسب من يتنفل في المسجد بعد الشروع في الإقامة، وصح عنه أنه قصد المسجد فسمع الإقامة فصلى ركعتي الفجر في بيت حفصة ثم دخل المسجد فصلى مع الإمام، قال ابن عبد البر وغيره‏:‏ الحجة عند التنازع السنة، فمن أدلى بها فقد أفلح، وترك التنفل عند إقامة الصلاة وتداركها بعد قضاء الفرض أقرب إلى اتباع السنة، ويتأيد ذلك من حيث المعنى بأن قوله في الإقامة ‏"‏ حي على الصلاة ‏"‏ معناه هلموا إلى الصلاة أي التي يقام لها، فأسعد الناس بامتثال هذا الأمر من لم يتشاغل عنه بغيره والله أعلم‏.‏
واستدل بعموم قوله ‏"‏ فلا صلاة إلا المكتوبة ‏"‏ لمن قال يقطع النافلة إذا أقيمت الفريضة، وبه قال أبو حامد وغيره من الشافعية، وخص آخرون النهي بمن ينشئ النافلة عملا بعموم قوله تعالى ‏(‏ولا تبطلوا أعمالكم‏)‏ ، وقيل يفرق بين من يخشى فوت الفريضة في الجماعة فيقطع وإلا فلا، واستدل بقوله ‏"‏ التي أقيمت ‏"‏ بأن المأموم لا يصلي فرضا ولا نفلا خلف من يصلي فرضا آخر، كالظهر مثلا خلف من يصلي العصر، وإن جازت إعادة الفرض خلف من يصلي ذلك الفرض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه غندر ومعاذ عن شعبة عن مالك‏)‏ أي تابعا بهز بن أسد في روايته عن شعبة بهذا الإسناد فقالا عن مالك بن بحينة‏.‏
وفي رواية الكشميهني عن شعبة عن مالك أي بإسناده، والأول يقتضي اختصاص المتابعة بقوله عن مالك بن بحينة فقط، والثاني يشمل جميع الإسناد والمتن، وهو أولى لأنه الواقع في نفس الأمر‏.‏
وطريق غندر وصلها أحمد في مسنده عنه كذلك، وطريق معاذ - وهو ابن معاذ العنبري البصري - وصلها الإسماعيلي من رواية عبيد الله بن معاذ عن أبيه، وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة، وكذا أخرجه أحمد عن يحيى القطان وحجاج والنسائي من رواية وهب بن جرير والإسماعيلي من رواية يزيد ابن هارون كلهم عن شعبة كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن إسحاق‏)‏ أي صاحب المغازي عن سعد أي ابن إبراهيم، وهذه الرواية موافقة لرواية إبراهيم بن سعد عن أبيه وهي الراجحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال حماد‏)‏ يعني ابن سلمة كما جزم به المزي وآخرون، وكذا أخرجه الطحاوي وابن منده موصولا من طريقه، ووهم الكرماني في زعمه أنه حماد بن زيد، والمراد أن حمادا وافق شعبة في قوله عن مالك بن بحينة، وقد وافقهما أبو عوانة فيما أخرجه الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن قتيبة عنه، لكن أخرجه مسلم والنسائي عن قتيبة فوقع في روايتهما عن ابن بحينة مبهما، وكأن ذلك وقع من قتيبة في وقت عمدا ليكون أقرب إلى الصواب، قال أبو مسعود‏:‏ أهل المدينة يقولون عبد الله بن بحينة وأهل العراق يقولون مالك بن بحينة، والأول هو الصواب‏.‏
انتهى‏.‏
فيحتمل أن يكون السهو فيه من سعد بن إبراهيم لما حدث به بالعراق‏.‏
وقد رواه القعنبي عن إبراهيم بن سعد على وجه آخر من الوهم قال ‏"‏ عن عبد الله بن مالك ابن بحينة عن أبيه ‏"‏ قال مسلم في صحيحه‏:‏ قوله عن أبيه خطأ‏.‏
انتهى‏.‏
وكأنه لما رأى أهل العراق يقولون عن مالك بن بحينة ظن أن رواية أهل المدينة مرسلة فوهم في ذلك، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 11:55 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n86&p1#TOP)باب حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب حد المريض أن يشهد الجماعة‏)‏ قال ابن التين تبعا لابن بطال‏:‏ معنى الحد هاهنا الحدة، وقد نقله الكسائي، ومثله قول عمر في أبي بكر ‏"‏ كنت أرى منه بعض الحد ‏"‏ أي الحدة، قال‏:‏ والمراد به هنا الحض على شهود الجماعة، قال ابن التين‏:‏ ويصح أن يقال هنا ‏"‏ جد ‏"‏ بكسر الجيم وهو الاجتهاد في الأمر، لكن لم أسمع أحدا رواه بالجيم‏.‏
انتهى‏.‏
وقد أثبت ابن قرقول رواية الجيم وعزاها للقابسي‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ إنما المعنى ما يحد للمريض أن يشهد معه الجماعة فإذا جاوز ذلك الحد لم يستحب له شهودها‏.‏
ومناسبة ذلك من الحديث خروجه صلى الله عليه وسلم متوكئا على غيره من شدة الضعف فكأنه يشير إلى أنه من بلغ إلى تلك الحال لا يستحب له تكلف الخروج للجماعة إلا إذا وجد من يتوكأ عليه‏.‏
وأن قوله في الحديث الماضي ‏"‏ لأتوهما ولو حبوا ‏"‏ وقع على طريق المبالغة، قال‏:‏ ويمكن أن يقال معناه باب الحد الذي للمريض أن يأخذ فيه بالعزيمة في شهود الجماعة‏.‏
انتهى ملخصا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأُذِّنَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنْ الْوَجَعِ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَكَانَكَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ قِيلَ لِلْأَعْمَشِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ بَعْضَهُ وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏مرضه الذي مات فيه‏)‏ سيأتي الكلام عليه مبينا في آخر المغازي في سببه ووقت ابتدائه وقدره، وقد بين الزهري في روايته كما في الحديث الثاني من هذا الباب أن ذلك كان بعد أن اشتد به المرض واستقر في بيت عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحضرت الصلاة‏)‏ هي العشاء كما في رواية موسى بن أبي عائشة الآتية قريبا في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ وسنذكر هناك الخلاف في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأذن‏)‏ بضم الهمزة على البناء للمفعول‏.‏
وفي رواية الأصيلي ‏"‏ وأذن بالواو ‏"‏ وهو أوجه، والمراد به أذان الصلاة‏.‏
ويحتمل أن يكون معناه أعلم، ويقويه رواية أبي معاوية عن الأعمش الآتية في ‏"‏ باب الرجل يأتم بالإمام ‏"‏ ولفظه ‏"‏ جاء بلال يؤذنه بالصلاة ‏"‏ واستفيد منه تسمية المبهم، وسيأتي في رواية موسى ابن أبي عائشة أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالسؤال عن حضور وقت الصلاة وأنه أراد أن يتهيأ للخروج إليها فأغمي عليه‏.‏
‏.‏
الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مروا أبا بكر فليصل‏)‏ استدل به على أن الآمر بالأمر بالشيء يكون آمرا به، وهي مسألة معروفة في أصول الفقه، وأجاب المانعون بأن المعنى بلغوا أبا بكر أني أمرته‏.‏
وفصل النزاع أن النافي إن أراد أنه ليس أمرا حقيقة فمسلم لأنه ليس فيه صيغة أمر للثاني، وإن أراد أنه لا يستلزمه فمردود والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقيل له‏)‏ قائل ذلك عائشة كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسيف‏)‏ بوزن فعيل وهو بمعنى فاعل من الأسف وهو شدة الحزن، والمراد أنه رقيق القلب‏.‏
ولابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عن مسروق عن عائشة في هذا الحديث‏:‏ قال عاصم والأسيف الرقيق الرحيم، وسيأتي بعد ستة أبواب من حديث ابن عمر في هذه القصة ‏"‏ فقالت له عائشة‏:‏ إنه رجل رقيق، إذا قرأ غلبه البكاء ‏"‏ ومن حديث أبي موسى نحوه، ومن رواية مالك عن هشام عن أبيه عنها بلفظ ‏"‏ قالت عائشة‏:‏ قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأعادوا له‏)‏ أي من كان في البيت، والمخاطب بذلك عائشة كما ترى، لكن جمع لأنهم كانوا في مقام الموافقين لها على ذلك‏.‏
ووقع في حديث أبي موسى بالإفراد ولفظه ‏"‏ فعادت ‏"‏ ولابن عمره ‏"‏ فعاودته‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأعاد الثالثة فقال‏:‏ إنكن صواحب يوسف‏)‏ فيه حذف بينه مالك في روايته المذكرة، وأن المخاطب له حينئذ حفصة بنت عمر بأمر عائشة، وفيه أيضا ‏"‏ فمر عمر، فقال‏:‏ مه إنكن لأنتن صواحب يوسف ‏"‏ وصواحب جمع صاحبة، والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن‏.‏
ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط، كما أن ‏"‏ صواحب ‏"‏ صيغة جمع والمراد زليخا فقط، ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به‏.‏
وقد صرحت هي فيما بعد ذلك فقالت ‏"‏ لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي بتمامه في ‏"‏ باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏
وأخرجه مسلم أيضا‏.‏
وبهذا التقرير يندفع إشكال من قال إن صواحب يوسف لم يقع منهن إظهار يخالف ما في الباطن‏.‏
ووقع في مرسل الجنس عند ابن أبي خيثمة أن أبا بكر أمر عائشة أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرف ذلك عنه، فأرادت التوصل إلى ذلك بكل طريق فلم يتم‏.‏
ووقع في أمالي ابن عبد السلام أن النسوة أتين امرأة العزيز يظهرن تعنيفها، ومقصودهن في الباطن أن يدعون يوسف إلى أنفسهن، كذا قال وليس في سياق الآية ما يساعد ما قال‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ زاد حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم في هذا الحديث أن أبا بكر هو الذي أمر عائشة أن تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر عمر بالصلاة، أخرجه الدورقي في مسنده، وزاد مالك في روايته التي ذكرناها ‏"‏ فقالت حفصة لعائشة‏:‏ ما كنت لأصيب منك خبرا‏"‏‏.‏
ومثله للإسماعيلي في حديث الباب، وإنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة في المعاودة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث، فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسف وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي أمرتها بذلك، ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضا في قصة المغافير كما سيأتي في موضعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليصل بالناس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ للناس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فخرج أبو بكر‏)‏ فيه حذف دل عليه سياق الكلام، وقد بينه في رواية موسى بن أبي عائشة المذكورة ولفظه ‏"‏ فأتاه الرسول ‏"‏ أي بلال لأنه هو الذي أعلم بحضور الصلاة فأجيب بذلك، وفي روايته أيضا ‏"‏ فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس‏.‏
فقال أبو بكر - وكان رجلا رقيقا - يا عمر صل بالناس فقال له عمر‏:‏ أنت أحق بذلك ‏"‏ انتهى‏.‏
وقول أبي بكر هذا لم يرد به ما أرادت عائشة‏.‏
قال النووي‏:‏ تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعا، وليس كذلك، بل قاله للعذر المذكور وهو كونه رقيق القلب كثير البكاء، فخشي أن لا يسمع الناس‏.‏
انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى وعلم ما في تحملها من الخطر، وعلم قوة عمر على ذلك، فاختاره‏.‏
ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح‏.‏
والظاهر أنه لم يطلع على المراجعة المتقدمة، وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك سواء باشر بنفسه أو استحلف‏.‏
قال القرطبي‏:‏ ويستفاد منه أن للمستخلف في الصلاة أن يستحلف لا يتوقف على إذن خاص له بذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى‏)‏ في رواية المستملي والسرخسي ‏"‏ يصلي ‏"‏ وظاهره أنه شرع في الصلاة، ويحتمل أن يكـون المراد أنه تهيأ لها، وسيأتي في رواية أبي معاوية عن الأعمش بلفظ ‏"‏ فلما دخل في الصلاة ‏"‏ وهو محتمل أيضا بأن يكون المراد دخل في مكان الصلاة، ويأتي البحث مع من حمله على ظاهره إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة‏)‏ ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم وجد ذلك في تلك الصلاة بعينها، ويحتمل أن يكون ذلك بعد ذلك وأن يكون فيه حذف كما تقدم مثله في قوله ‏"‏ فخرج أبو بكر ‏"‏ وأوضح منه رواية موسى بن أبي عائشة المذكور ‏"‏ فصلى أبو بكر تلك الأيام‏.‏
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة ‏"‏ وعلى هذا لا يتعين أن تكون الصلاة المذكورة هي العشاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يهادي‏)‏ بضم أوله وفتح الدال أي يعتمد على الرجلين متمايلا في مشيه من شدة الضعف، والتهادي التمايل في المشي البطيء، وقوله ‏"‏يخطان الأرض ‏"‏ أي لم يكن يقدر على تمكينهما من الأرض، وسقط لفظ ‏"‏ الأرض ‏"‏ من رواية الكشميهني‏.‏
وفي رواية عاصم المذكورة عند ابن حبان ‏"‏ إني لأنظر إلى بطون قدميه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين رجلين‏)‏ في الحديث الثاني من حديثي الباب أنهما العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب ومثله في رواية موسى بن أبي عائشة، ووقع في رواية عاصم المذكورة ‏"‏ وجد خفة من نفسه فخرج بين بريرة ونوبة ‏"‏ ويجمع كما قال النووي بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هذين، ومن ثم إلى مقام الصلاة بين العباس وعلي، أو يحمل على التعدد، ويدل عليه ما في رواية الدار قطني أنه خرج بين أسامة بن زيد والفضل بن العباس‏.‏
وأما ما في مسلم أنه خرج بين الفضل بن العباس وعلي فذاك في حال مجيئه إلى بيت عائشة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ نوبة بضم النون وبالموحدة ذكره بعضهم في النساء الصحابيات فوهم، وإنما هو عبد أسود كما وقع عند سيف في كتاب الردة، ويؤيده حديث سالم بن عبيد في صحيح ابن خزيمة بلفظ ‏"‏ خرج بين بريرة ورجل آخر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأراد أبو بكر‏)‏ زاد أبو معاوية عن الأعمش ‏"‏ فلما سمع أبو بكر حسه ‏"‏ وفي رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس في هذا الحديث ‏"‏ فلما أحس الناس به سبحوا ‏"‏ أخرجه ابن ماجه وغيره بإسناد حسن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن مكانك‏)‏ في رواية عاصم المذكورة ‏"‏ أن أثبت مكانك ‏"‏ وفي رواية موسى بن أبي عائشة فأومأ إليه بأن لا يتأخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتى به‏)‏ كذا هنا بضم الهمزة‏.‏
وفي رواية موسى بن أبي عائشة أن ذلك كان بأمره ولفظه ‏"‏ فقال أجلساني إلى جنبه، فأجلساه ‏"‏ وعين أبو معاوية عن الأعمش في إسناد حديث الباب - كما سيأتي بعد أبواب - مكان الجلوس فقال في روايته ‏"‏ حتى جلس عن يسار أبي بكر ‏"‏ وهذا هو مقام الإمام، وسيأتي القول فيه‏.‏
وأغرب القرطبي شارح مسلم لما حكى الخلاف هل كان أبو بكر إماما أو مأموما‏؟‏ فقال‏:‏ لم يقع في الصحيح بيان جلوسه صلى الله عليه وسلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره‏.‏
انتهى‏.‏
ورواية أبي معاوية هذه عند مسلم أيضا، فالعجب منه كيف يغفل عن ذلك في حال شرحه له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقيل للأعمش الخ‏)‏ ظاهرها الانقطاع، لأن الأعمش لم يسنده، لكن في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك متصلا بالحديث، وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة وغيرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه أبو داود‏)‏ هو الطيالسي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعضه‏)‏ بالنصب وهو بدل من الضمير، وروايته هذه وصلها البزار قال‏:‏ حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أبو داود به ولفظه ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم بين يدي أبي بكر، كذا رواه مختصرا، وهو موافق لقضية حديث الباب، لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار عن أبي داود بسنده هذا عن عائشة قالت ‏"‏ من الناس من يقول‏:‏ كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف، ومنهم من يقول‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقدم ‏"‏ ورواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر ‏"‏ أخرجه ابن المنذر، وهذا عكس رواية أبي موسى، وهو اختلاف شديد‏.‏
ووقع في رواية مسروق عنها أيضا اختلاف فأخرجه ابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عنه بلفظ ‏"‏ كان أبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ‏"‏ وأخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة من رواية شعبة عن نعيم بن أبي هند عن شقيق بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر ‏"‏ وظاهر رواية محمد بن بشار أن عائشة لم تشاهد الهيئة المذكورة، ولكن تضافرت الروايات عنها بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة، منها رواية موسى ابن أبي عائشة التي أشرنا إليها ففيها ‏"‏ فجعل أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر ‏"‏ وهذه رواية زائدة بن قدامة عن موسى، وخالفه شعبة أيضا فرواه عن موسى بلفظ ‏"‏ أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه ‏"‏ فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموما للجزم بها، ولأن أبا معاوية أحفظ في حديث الأعمش من غيره، ومنهم من سلك عكس ذلك ورجح أنه كان إماما، وتمسك بقول أبي بكر في ‏"‏ باب من دخل ليؤم الناس ‏"‏ حيث قال ‏"‏ ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد‏.‏
وأجاب عن قول أبي بكر كما سيأتي في بابه‏.‏
ويؤيده اختلاف النقل عن الصحابة غير عائشة، فحديث ابن عباس فيه أن أبا بكر كان مأموما كما سيأتي في رواية موسى بن أبي عائشة، وكذا في رواية أرقم بن شرحبيل التي أشرنا إليها عن ابن عباس، وحديث أنس فيه أن أبا بكر كان إماما أخرجه الترمذي وغيره من رواية حميد عن ثابت عنه بلفظ ‏"‏ آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في ثوب ‏"‏ وأخرجه النسائي من وجه آخر عن حميد عن أنس فلم يذكر ثابتا، وسيأتي بيان ما ترتب على هذا الاختلاف من الحكم في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزاد أبو معاوية عن الأعمش‏:‏ جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما‏)‏ يعني روى الحديث المذكور أبو معاوية عن الأعمش كما رواه حفص بن غياث مطولا وشعبة مختصرا كلهم عن الأعمش بإسناده المذكور، فزاد أبو معاوية ما ذكر‏.‏
وقد تقدمت الإشارة إلى المكان الذي وصله المصنف فيه‏.‏
وغفل مغلطاي ومن تبعه فنسبوا وصله إلى رواية ابن نمير عن أبي معاوية في صحيح ابن حبان، وليس بجيد من وجهين‏:‏ أحدهما أن رواية ابن نمير ليس فيها عن يسار أبي بكر، والثاني أن نسبته إلى تخريج صاحب الكتاب أولى من نسبته لغيره فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَرَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ لِي وَهَلْ تَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ قُلْتُ لَا قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏لما ثقل على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي اشتد به مرضه، يقال ثقل في مرضه إذا ركدت أعضاؤه عن خفة الحركة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأذن له‏)‏ بفتح الهمزة وكسر المعجمة وتشديد النون أي الأزواج، وحكى الكرماني أنه روى بضم الهمزة وكسر الذال وتخفيف النون على البناء للمجهول، واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏
وقد تقدم حديث الزهري هذا في ‏"‏ باب الغسل والوضوء من المخضب ‏"‏ وفيه زيادة على الذي هنا، وسيأتي في رواية ابن أبي عائشة عن عبيد الله شيخ الزهري وسياقه أتم من سياق الزهري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال هو علي بن أبي طالب‏)‏ زاد الإسماعيلي من رواية عبد الرزاق عن معمر ‏"‏ ولكن عائشة لا تطيب نفسا له بخير ‏"‏ ولابن إسحاق في المغازي عن الزهري ‏"‏ ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير ‏"‏ ولم يقف الكرماني على هذه الزيادة فعبر عنها بعبارة شنيعة، وفي هذا رد على من تنطع فقال لا يجوز أن يظن ذلك بعائشة، ورد على من زعم أنها أبهمت الثاني لكونه لم يتعين في جميع المسافة إذ كان تارة يتوكأ على الفضل وتارة على أسامة وتارة على علي، وفي جميع ذلك الرجل الآخر هو العباس، واختص بذلك إكراما له، وهذا توهم ممن قاله والواقع خلافه، لأن ابن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأن المبهم علي فهو المعتمد والله أعلم‏.‏
ودعوى وجود العباس في كل مرة والذي يتبدل غيره مردودة بدليل رواية عاصم التي قدمت الإشارة إليها وغيرها صريح في أن العباس لم يكن في مرة ولا في مرتين منها والله أعلم‏.‏
وفي هذه القصة من الفوائد غير ما مضى تقديم أبي بكر، وترجيحه على جميع الصحابة، وفضيلة عمر بعده، وجواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب، وملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه وخصوصا لعائشة، وجواز مراجعة الصغير الكبير، والمشاورة في الأمر العام، والأدب مع الكبير لهم أبي بكر بالتأخر عن الصف، وإكرام الفاضل لأنه أراد أن يتأخر حتى يستوي مع الصف فلم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم يتزحزح عن مقامه‏.‏
فيه أن البكاء ولو كثر لا يبطل الصلاة لأنه صلى الله صلى الله عليه وسلم بعد أن علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء لم يعدل عنه، ولا نهاه عن البكاء، وأن الإيماء يقوم مقام النطق، واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته، ويحتمل أن يكون للإعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق، وفيه تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد وإن كان المرض يرخص في تركها، ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد وإن كانت الرخصة أولى‏.‏
وقال الطبري‏:‏ إنما فعل ذلك لئلا يعذر أحد من الأئمة بعده نفسه بأدنى عذر فيتخلف عن الإمامة، ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لأهليته لذلك حتى إنه صلى خلفه، واستدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر، وعلى جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة كمن قصد أن يبلغ عنه، ويلتحق به من زحم عن الصف، وعلى جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض وهو قول الشعبي واختيار الطبري وأومأ إليه البخاري كما سيأتي، وتعقب بأن أبا بكر إنما كان مبلغا كما سيأتي في ‏"‏ باب من أسمع الناس التكبير ‏"‏ من رواية أخرى عن الأعمش، وكذا ذكره مسلم على هذا، فمعنى الاقتداء اقتداؤهم بصوته، ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا وكان أبو بكر قائما فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين فمن ثم كان أبو بكر كالإمام في حقهم والله أعلم‏.‏
وفيه اتباع صوت المكبر، وصحة صلاة المستمع والسامع، ومنهم من شرط في صحته تقدم إذن الإمام، واستدل به الطبري على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة‏.‏
وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة، وعلى جواز تقدم إحرام المأموم على الإمام بناء على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قدمنا أنه ظاهر الرواية‏.‏
ويؤيده أيضا أن في رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس ‏"‏ فابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث انتهى أبو بكر، واستدل به على صحة صلاة القادر على القيام قائما خلف القاعد خلافا للمالكية مطلقا ولأحمد حيث أوجب القعود على من يصلي خلف القاعد كما سيأتي الكلام عليه في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤئم به ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 11:59 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n86&p1#TOP)باب الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ وَالْعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله‏)‏ ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره، والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد، والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الأذان، وعلى حديث عتبان في ‏"‏ باب المساجد في البيوت ‏"‏ وسياقه هناك أتم، وإسماعيل شيخه هنا هو ابن أبي أويس‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n86&p1#TOP)باب هَلْ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ وَهَلْ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يصلي الإمام بمن حضر‏)‏ أي وجود العلة المرخصة للتخلف، فلو تكلف قوم الحضور فصلى بهم الإمام لم يكره، فالأمر بالصلاة في الرحال على هذا للإباحة لا للندب، ومطابقة ذلك لحديث ابن عباس من قوله فيه ‏"‏ فنظر بعضهم إلى بعض ‏"‏ لما أمر المؤذن أن يقول ‏"‏ الصلاة في الرحال ‏"‏ فإنه دال على أن بعضهم حضر وبعضهم لم يحضر ومع ذلك خطب وصلى بمن حضر، وأما قوله ‏"‏ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر ‏"‏ فظاهر من حديث ابن عباس وقد تقدم الكلام عليه في الأذان أيضا وفيه أن ذلك كان يوم الجمعة وأن قوله ‏"‏ إنها عزمة ‏"‏ أي الجمعة، وأما مطابقة حديث أبي سعيد فمن جهة أن العادة في يوم المطر أن يتخلف بعض الناس، وأما قول بعض الشراح يحتمل أن يكون ذلك في الجمعة فمردود لأنه سيأتي في الاعتكاف أنها كانت في صلاة الصبح، وحديث أنس لا ذكر للخطبة فيه‏.‏
ولا يلزم أن يدل كل حديث في الباب على كل ما في الترجمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ قُلْ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا فَقَالَ كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ وَعَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ كَرِهْتُ أَنْ أُؤَثِّمَكُمْ فَتَجِيئُونَ تَدُوسُونَ الطِّينَ إِلَى رُكَبِكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله‏)‏ ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره، والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد، والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الأذان، وعلى حديث عتبان في ‏"‏ باب المساجد في البيوت ‏"‏ وسياقه هناك أتم، وإسماعيل شيخه هنا هو ابن أبي أويس‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله ‏"‏سألت أبا سعيد ‏"‏ أي عن ليلة القدر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَبَسَطَ لَهُ حَصِيرًا وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى قَالَ مَا رَأَيْتُهُ صَلَّاهَا إِلَّا يَوْمَئِذٍ
الشرح‏:‏
قوله في حديث أنس ‏(‏قال رجل من الأنصار‏)‏ قيل إنه عتبان بن مالك، وهو محتمل لتقارب القصتين، لكن لم أر ذلك صريحا‏.‏
وقد وقع في رواية ابن ماجه الآتية أنه بعض عمومة أنس وليس عتبان عما لأنس إلا على سبيل المجاز لأنهما من قبيلة واحدة وهي الخزرج لكن كل منهما من بطن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏معك‏)‏ أي في الجماعة في المسجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان رجلا ضخما‏)‏ أي سمينا، وفي هذا الوصف إشارة إلى علة تخلفه، وقد عده ابن حبان من الأعذار المرخصة في التأخر عن الجماعة، وزاد عبد الحميد عن أنس ‏"‏ وإني أحب أن تأكل في بيتي وتصلي فيه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبسط له حصيرا‏)‏ سبق الكلام فيه في حديث أنس في أوائل الصلاة في ‏"‏ باب الصلاة على الحصير‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى عليه ركعتين‏)‏ زاد عبد الحميد ‏"‏ فصلى وصلينا معه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل من آل الجارود‏)‏ في رواية على بن الجعد عن شعبة الآتية للمصنف في صلاة الضحى ‏"‏ فقال فلان ابن فلان ابن الجارود ‏"‏ وكأنه عبد الحميد بن المنذر بن الجارود البصري، وذلك أن البخاري أخرج هذا الحديث من رواية شعبة، وأخرجه في موضع آخر من رواية خالد الحذاء كلاهما عن أنس ابن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس، وأخرجه ابن ماجه وابن حبان من رواية عبد الله ابن عون عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس، فاقتضى ذلك أن في رواية البخاري انقطاعا، وهو مندفع بتصريح أنس بن سيرين عنده بسماعه من أنس، فحينئذ رواية ابن ماجه إما من المزيد في متصل الأسانيد، وإما أن يكون فيها وهم لكون ابن الجارود كان حاضرا عند أنس لما حدث بهذا الحديث وسأله عما سأله من ذلك، فظن بعض الرواة أن له فيه رواية‏.‏
وسيأتي الكلام على فوائده في ‏"‏ باب صلاة الضحى ‏"‏ ومطابقته لهذه الترجمة إما من جهة ما يلزم من الرخصة لمن له عذر أن يتخلف عن الحضور فإن ضرورة مواظبته صلى الله عليه وسلم على الصلاة بالجماعة أن يصلي بمن بقي، وإما من جهة ما ورد في طريق عبد الحميد المذكورة حيث قال أنس ‏"‏ فصلى وصلينا معه ‏"‏ فإنه مطابق لقوله ‏"‏ وهل يصلي بمن حضر ‏"‏ والله أعـلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 12:00 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n86&p1#TOP)باب إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ فِقْهِ الْمَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ حذف جواب الشرط في هذه الترجمة إشعارا بعدم الجزم بالحكم لقوة الخلاف‏.‏
انتهى‏.‏
وكأنه أشار بالأثرين المذكورين في الترجمة إلى منزع العلماء في ذلك، فإن ابن عمر حمله على إطلاقه، وأشار أبو الدرداء إلى تقييده بما إذا كان القلب مشغولا بالأكل، وأثر ابن عمر مذكور في الباب بمعناه، وأثر أبي الدرداء وصله ابن المبارك في ‏"‏ كتاب الزهد ‏"‏ وأخرجه محمد بن نصر المروزي في ‏"‏ كتاب تعظيم قدر الصلاة ‏"‏ من طريقه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان، وقد أخرجه السراج من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن هشام بن عروة أيضا لكن لفظه ‏"‏ إذا حضر ‏"‏ وذكره المصنف في كتاب الأطعمة من طريق سفيان عن هشام بلفظ ‏"‏ إذا حضر ‏"‏ وقال بعده ‏"‏ قال يحيى بن سعيد ووهيب عن هشيم إذا وضـع ‏"‏ انتهى‏.‏
ورواية وهيب وصلها الإسماعيلي، وأخرجه مسلم من رواية ابن نمير وحفص ووكيع بلفظ ‏"‏ إذا حضر ‏"‏ ووافق كلا جماعة من الرواة عن هشام، لكن الذين رووه بلفظ ‏"‏ إذا وضع ‏"‏ كما قال الإسماعيلي أكثر، والفرق بين اللفظين أن الحضور أعم من الوضع، فيحمل قوله ‏"‏ حضر ‏"‏ أي بين يديه لتأتلف الروايات لاتحاد المخرج، ويؤيده حديث أنس الآتي بعده بلفظ ‏"‏ إذا قدم العشاء ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ إذا قرب العشاء ‏"‏ وعلى هذا فلا يناط الحكم بما إذا حضر العشاء لكنه لم يقرب للأكل كما لو لم يقرب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأقيمت الصلاة‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ الألف واللام في ‏"‏ الصلاة ‏"‏ لا ينبغي أن تحمل على الاستغراق ولا على تعريف الماهية، بل ينبغي أن تحمل على المغرب، لقوله ‏"‏ فابدؤوا بالعشاء ‏"‏ ويترجح حمله على المغرب لقوله في الرواية الأخرى ‏"‏ فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب ‏"‏ والحديث يفسر بعضه بعضا‏.‏
وفي رواية صحيحة ‏"‏ إذا وضع العشاء وأحدكم صائم ‏"‏ انتهى‏.‏
وسنذكر من أخرج هذه الرواية في الكلام على الحديث الثاني‏.‏
وقال الفاكهاني‏:‏ ينبغي حمله على العموم نظـرا إلى العلة وهي التشويش المفضي إلى ترك الخشوع، وذكر المغرب لا يقتضي حصرا فيها لأن الجائع غير الصائم قد يكون أشوق إلى الأكل من الصائم‏.‏
انتهى‏.‏
وحمله على العموم إنما هو بالنظر إلى المعنى إلحاقا للجائع بالصائم وللغداء بالعشاء لا بالنظر إلى اللفظ الوارد صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فابدؤوا بالعشاء‏)‏ حمل الجمهور هذا الأمر على الندب، ثم اختلفوا‏:‏ فمنهم من قيده بمن كان محتاجا إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية، وزاد الغزالي ما إذا خشي فساد المأكول، ومنهم من لم يقيده وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق، وعليه يدل فعل ابن عمر الآتي، وأفرط ابن حزم فقال‏:‏ تبطل الصلاة‏.‏
ومنهم من اختار البداءة بالصلاة إلا إن كان الطعام خفيفا نقله ابن المنذر عن مالك، وعند أصحابه تفصيل قالوا‏:‏ يبدأ بالصلاة إن لم يكن متعلق النفس بالأكل، أو كان متعلقا به لكن لا يعجله عن صلاته، فإن كان يعجله عن صلاته بدأ بالطعام واستحبت له الإعادة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عقيل‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ حدثني عقيل ‏"‏ وعنده أيضا عن ابن شهاب ‏"‏ أخبرني أنس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا قدم العشاء‏)‏ زاد ابن حبان والطبراني في الأوسط من رواية موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب ‏"‏ وأحدكم صائم ‏"‏ وقد أخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن عمرو بدون هذه الزيادة، وذكر الطبراني أن موسى بن أعين تفرد بها‏.‏
انتهى‏.‏
وموسى ثقة متفق عليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا تعجلوا‏)‏ بضم المثناة وبفتحها والجيم مفتوحة فهما، ويروي بضم أوله وكسر الجيم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَقَالَ زُهَيْرٌ وَوَهْبُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ وَوَهْبٌ مَدِينِيٌّ
الشرح‏:‏
قوله في حديث ابن عمر ‏(‏إذا وضـع عشاء أحدكم‏)‏ هذا أخص من الرواية الماضية حيث قال ‏"‏ إذا وضع العشاء ‏"‏ فيحمل العشاء في تلك الرواية على عشاء من يريد الصلاة، فلو وضع عشاء غيرة لم يدخل في ذلك، ويحتمل أن يقال بالنظر إلى المعنى‏:‏ لو كان جائعا واشتغل خاطره بطعام غيره كان كذلك، وسبيله أن ينتقل عن ذلك المكان أو يتناول مأكولا يزيل شغل باله ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ، ويؤيد هذا الاحتمال عموم قوله في رواية مسلم من طريق أخرى عن عائشة ‏"‏ لا صلاة بحضرة طعام ‏"‏ الحديث، وقوله أبي الدرداء الماضي إقباله على حاجته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يعجل‏)‏ أي أحدكم المذكور أولا‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ أفرد قوله ‏"‏ يعجل ‏"‏ نظرا إلى لفظ أحد، وجمع قوله ‏"‏ فابدؤوا ‏"‏ نظرا إلى لفظ كم‏.‏
وقال‏:‏ والمعنى إذا وضع عشاء أحدكم فابدؤوا أنتم بالعشاء ولا يعجل هو حتى يفرغ معكم منه‏.‏
انتهـى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر‏)‏ هو موصول عطفا على المرفوع، وقد رواه السراج من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع فذكر المرفوع ثم قال ‏"‏ قال نافع‏:‏ وكان ابن عمر إذا حضر عشاؤه وسمع الإقامة وقراءة الإمام لم يقم حتى يفرغ ‏"‏ ورواه ابن حبان من طريق ابن جريج عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس‏.‏
وكان أحيانا يلقاه وهو صائم فيقدم له عشاؤه وقد نودي للصلاة ثم تقام وهو يسمع فلا يترك عشاءه، ولا يعجل حتى يقضي عشاءه، ثم يخرج فيصلي ‏"‏ انتهى، وهذا أصرح ما ورد عنه في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنه يسمع‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وإنه ليسمع ‏"‏ بزيادة لام التأكيد في أوله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال زهير‏)‏ هو ابن معاوية الجعفي، وطريقه هذه موصولة عند أبي عوانة في مستخرجه، وأما رواية وهب بن عثمان فقد ذكر المصنف أن إبراهيم بن المنذر رواها عنه، وإبراهيم من شيوخ البخاري، وقد وافق زهيرا ووهبا أبو ضمرة عند مسلم وأبو بدر عند أبي عوانة والدراوردي عند السراج كلهم عن موسى بن عقبة، قال النووي‏:‏ في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله، لما فيه من ذهاب كمال الخشوع، ويلتحق به ما في معناه مما يشغل القلب، وهذا إذا كان في الوقت سعة، فإن ضاق صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز التأخير، وحكى المتولي وجها أنه يبدأ بالأكل وإن خرج الوقت، لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا إنما يجيء على قول من يوجب الخشوع، ثم فيه نظر ن المفسدتين إذا تعارضتا اقتصر على أخفهما، وخروج الوقت أشد من ترك الخشوع بدليل صلاة الخوف والغريق وغير ذلك، وإذا صلى لمحافظة الوقت صحت مع الكراهة وتستحب الإعادة عند الجمهور صلى الله عليه وسلم‏.‏
وادعى ابن حزم أن في الحديث دلالة على امتداد الوقت في حق من وضع له الطعام ولو خرج الوقت المحدود‏.‏
وقال مثل ذلك في حق النائم والناسي، واستدل النووي وغيره بحديث أنس على امتداد وقت المغرب، واعترضه ابن دقيق العيد بأنه إن أريد بذلك التوسعة إلى غروب الشفق ففيه نظر، وإن أريد به مطلق التوسعة فمسلم ولكن ليس محل الخلاف المشهور، فإن بعض من ذهب إلى ضيق وقتها جعله مقدرا بزمن يدخل فيه مقدار ما يتناول لقيمات يكسر بها سورة الجوع‏.‏
واستدل به القرطبي على أن شهود صلاة الجماعة ليس بواجب، لأن ظاهره أنه يشتغل بالأكل وإن فاتته الصلاة في الجماعة، وفيه نظر لأن بعض من ذهب إلى الوجوب كابن حبان جعل حضور الطعام عذرا في ترك الجماعة فلا دليل فيه حينئذ على إسقاط الوجوب مطلقا، وفيه دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة أول الوقت، واستدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله ‏"‏ فابدؤوا ‏"‏ على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل، وأما من شرع ثم أقيمت الصلاة فلا يتمادى بل يقوم إلى الصلاة، قال النووي‏:‏ وصنيع ابن عمر يبطل ذلك، وهو الصواب‏.‏
وتعقب بأن صنيع ابن عمر اختيار له وإلا فالنظر إلى المعنى يقتضي ما ذكروه، لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما دفع شغل البال به، ويؤيد ذلك حديث عمرو بن أمية المذكور في الباب بعده، ولعل ذلك هو السر في إيراد المصنف له عقبه، وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن أبي هريرة وابن عباس ‏"‏ أنهما كانا يأكلان طعاما وفي التنور شواء، فأراد المؤذن أن يقيم فقال له ابن عباس‏:‏ لا تعجل لئلا نقوم وفي أنفسنا منه شيء‏"‏‏.‏
وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ لئلا يعرض لنا في صلاتنا‏"‏، وله عن الحسن ابن علي قال ‏"‏ العشاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوامة ‏"‏ وفي هذا كله إشارة إلى أن العلة في ذلك تشوف النفس إلى الطعام، فينبغي أن يدار الحكم مع علته وجودا وعدما ولا يتقيد بكل ولا بعض، ويستثنى من ذلك الصائم فلا تكره صلاته بحضرة الطعام، إذ الممتنع بالشرع لا يشغل العاقل نفسه به، لكن إذا غلب استحب له التحول من ذلك المكان‏.‏
‏(‏فائدتان‏)‏ ‏:‏ ‏(‏الأولى‏)‏ قال ابن الجوزي‏:‏ ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الله، وليس كذلك، وإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل الخلق في عبادته بقلوب مقبلة‏.‏
ثم إن طعام القوم كان شيئا يسيرا لا يقطع عن لحاق الجماعة غالبا‏.‏
‏(‏الثانية‏)‏ ما يقع في بعض كتب الفقه إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ، كذا في شرح الترمذي لشيخنا أبي الفضل، لكن رأيت بخط الحافظ قطب الدين أن ابن أبي شيبة أخرج عن إسماعيل وهو ابن علية عن ابن إسحاق قال حدثني عبد الله ابن رافع عن أم سلمة مرفوعا ‏"‏ إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدءوا بالعشاء ‏"‏ فإن كان ضبطه فذاك، وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل بلفظ ‏"‏ وحضرت الصلاة ‏"‏ ثم راجعت مصنف ابن أبي شيبة فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n86&p1#TOP)باب إِذَا دُعِيَ الْإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا دعى الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل‏)‏ قيل أشار بهذا إلى أن الأمر الذي في الباب قبله للندب لا للوجوب، وقد قدمنا قول من فصل بين ما إذا أقيمت الصلاة قبل الشروع في الأكل أو بعده، فيحتمل أن المصنف كان يرى التفصيل، ويحتمل تقييده في الترجمة بالإمام أنه كان يرى تخصيصه به، وأما غيره من المأمومين فالأمر متوجه إليهم مطلقا، ويؤيده قوله فيما سبق ‏"‏ إذا وضع عشاء أحدكم ‏"‏ وقد قدمنا تقرير ذلك مع بقية فوائد الحديث في ‏"‏ باب من لم يتوضأ من لحم الشاة ‏"‏ من كتاب الطهارة‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ لعله صلى الله صلى الله عليه وسلم أخذ في خاصة نفسه بالعزيمة فقدم الصلاة على الطعام، وأمر غيره بالرخصة لأنه لا يقوى على مدافعة الشهوة قوته، وأيكم يملك أربه‏.‏
انتهى‏.‏
ويعكر على من استدل به على أن الأمر للندب احتمال أن يكون اتفق في تلك الحالة أنه قضى حاجته من الأكل فلا يتم الدلالة به‏.‏
وإبراهيم المذكور في الإسناد هو ابن سعد، وصالح هو ابن كيسان، والإسناد كله مدنيون‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 12:01 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n86&p1#TOP)باب مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من كان في حاجة أهله‏)‏ كأنه أشار بهذه الترجمة إلى أنه لا يلحق بحكم الطعام كل أمر يكون للنفس تشوف إليه، إذ لو كان كذلك لم يبق للصلاة وقت في الغالب‏.‏
وأيضا فوضع الطعام بين يدي الآكل فيه زيادة تشوف، وكلما تأخر تناوله ازداد، بخلاف باقي الأمور‏.‏
ومحل النص إذا اشتمل على وصف اعتباره يتعين عدم إلغائه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏في مهنة أهله‏)‏ بفتح الميم وكسرها وسكون الهاء فيهما، وقد فسرها في الحديث بالخدمة، وهي من تفسير آدم بن أبي إياس شيخ المصنف لأنه أخرجه في الأدب عن حفص بن عمر، وفي النفقات عن محمد بن عرعرة، وأخرجه أحمد عن يحيى القطان وغندر والإسماعيلي من طريق ابن مهدي، ورواه أبو داود الطيالسي كلهم عن شعبة بدونها‏.‏
وفي الصحاح المهنة بالفتح الخدمة، وهذا موافق لما قاله، لكن فسرها صاحب المحكم بأخص من ذلك فقال‏:‏ المهنة الحذق بالخدمة والعمل‏.‏
ووقع في رواية المستملي وحده ‏"‏ في مهنة بيت أهله ‏"‏ وهي موجهة مع شذوذها، والمراد بالأهل نفسه أو ما هو أعم من ذلك‏.‏
وقد وقع مفسرا في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ ‏"‏ ما كان إلا بشرا من البشر‏:‏ يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه ‏"‏ ولأحمد وابن حبان من رواية عروة عنها ‏"‏ يخيط ثوبه، ويخصف نعله ‏"‏ وزاد ابن حبان ‏"‏ ويرقع دلوه ‏"‏ زاد الحاكم في الإكليل ‏"‏ ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا حضرت الصلاة‏)‏ في رواية ابن عرعرة ‏"‏ فإذا سمع الأذان ‏"‏ وهو أخص‏.‏
ووقع في الترجمة ‏"‏ فأقيمت الصلاة ‏"‏ وهي أخص، وكأنه أخذه من حديثها المتقدم في ‏"‏ باب من انتظر الإقامة ‏"‏ فإن فيه ‏"‏ حتى يأتيه المؤذن للإقامة‏"‏‏.‏
واستدل بحديث الباب على أنه لا يكره التشمير في الصلاة، وأن النهي عن كف الشعر والثياب للتنزيه، لكونها لم تذكر أنه أزاح عن نفسه هيئة المهنة، كذا ذكره ابن بطال ومن تبعه، وفيه نظر لأنه يحتاج إلى ثبوت أنه كان له هيئتان، ثم لا يلزم من ترك ذكر التهيئة للصلاة عدم وقوعه‏.‏
وفيه الترغيب في التواضع وترك التكبر وخدمة الرجل أهله وترجم عليه المؤلف في الأدب ‏"‏ كيف يكون الرجل في أهله‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n86&p1#TOP)باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى بالناس الخ‏)‏ والحديث مطابق للترجمة، وكأنه لم يجزم فيها بالحكم لما سنبينه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَقُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي قَالَ مِثْلَ شَيْخِنَا هَذَا قَالَ وَكَانَ شَيْخًا يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا وهيب‏)‏ هو ابن خالد، والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة‏)‏ استشكل نفي هذه الإرادة لما يلزم عليها من وجود صلاة غير قربة ومثلها لا يصح، وأجيب بأنه لم يرد نفي القربة وإنما أراد بيان السبب الباعث له على الصلاة في غير وقت صلاة معينة جماعة، وكأنه قال ليس الباعث لي على هذا الفعل حضور صلاة معينة من أداء أو إعادة أو غير ذلك، وإنما الباعث لي عليه قصد التعليم، وكأنه كان تعين عليه حينئذ لأنه أحد من خوطب بقوله ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي ‏"‏ كما سيأتي، ورأى أن التعليم بالفعل أوضح من القول، ففيه دليل على جواز مثل ذلك وأنه ليس من باب التشريك في العبادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصلي‏)‏ زاد في ‏"‏ باب كيف يعتمد على الأرض ‏"‏ عن معلى عن وهيب ‏"‏ ولكني أريد أن أريكم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثل شيخنا‏)‏ هو عمرو بن سلمة كما سيأتي في ‏"‏ باب اللبث بين السجدتين ‏"‏ وسياقه هناك أتم، ونذكر فوائده هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج صاحب العمدة هذا الحديث، وليس هو عند مسلم من حديث مالك بن الحويرث‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 12:05 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n86&p1#TOP)باب أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة‏)‏ أي ممن ليس كذلك، ومقتضاه أن الأعلم والأفضل أحق من العالم والفاضل، وذكر الفضل بعد العلم من العام بعد الخاص، وسيأتي الكلام على ترتيب الأئمة بعد بابين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَعَادَتْ فَقَالَ مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حسين‏)‏ هو ابن علي الجعفي، والإسناد سوى الراوي عنه كلهم كوفيون، وأبو بردة هو ابن أبي موسى، ووهم من زعم أنه هنا أخوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رقيق‏)‏ أي رقيق القلب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم يستطع‏)‏ أي من البكاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأتاه الرسول‏)‏ هو بلال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي إلى أن مات، وكذا صرح به موسى ابن عقبة في المغازي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه عن عائشة‏)‏ كذا رواه جماعة عن مالك موصولا، وهو في أكثر نسخ الموطأ مرسلا ليس فيه عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مه‏)‏ هي كلمة زجر بنيت على السكون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليصل بالناس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ للناس ‏"‏ وقد تقدم الكلام على فوائد هذين الحديثين في ‏"‏ باب حد المريض أن يشهد الجماعة ‏"‏ والظاهر أن حديث أبي موسى من مراسيل الصحابة، ويحتمل أن يكون تلقاه عن عائشة أو بلال‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنْ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ وَأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ
الشرح‏:‏
حديث أنس من طريق الزهري سيأتي في الوفاة من آخر المغازي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمْ يَخْرُجْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَحَ لَنَا فَأَوْمَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَأَرْخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَابَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو معمر‏)‏ هو عبد الله بن عمرو، لا إسماعيل بن إبراهيم، وعبد العزيز هو ابن صهيب‏.‏
والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا‏)‏ كان ابتداؤها من حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم قاعدا كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب‏)‏ هو من إجراء قال مجرى فعل وهو كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما رأينا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ما نظرنا ‏"‏ وقوله ‏"‏ فأومأ بيده إلى أبي بكر أن يتقدم ‏"‏ ليس مخالفا لقوله في أوله ‏"‏ فتقدم أبو بكر ‏"‏ بل في السياق حذف يظهر من رواية الزهري حيث قال فيها ‏"‏ فنكص أبو بكر ‏"‏ والحاصل أنه تقدم ثم ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فتأخر، فأشار إليه حينئذ أن يرجع إلى مكانه‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قع في حديث ابن عباس في نحو هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم في تلك الحالة ‏"‏ ألا وإني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا ‏"‏ الحديث، أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن معبد عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قِيلَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ قَالَ مُرُوهُ فَيُصَلِّي فَعَاوَدَتْهُ قَالَ مُرُوهُ فَيُصَلِّي إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الْكَلْبِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ عُقَيْلٌ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حمزة بن عبد الله‏)‏ أي ابن عمر بن الخطاب، وفي كلام ابن بطال ما يوهم أنه حمزة ابن عمرو الأسلمي وهو خطأ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعاودته‏)‏ بفتح الدال وسكون المثناة أي عائشة، وبسكون الدال وفتح النون، أي هي ومن معها من النساء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه الزبيدي‏)‏ أي تابع يونس بن يزيد، ومتابعته هذه وصلها الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه موصولا مرفوعا وزاد فيه قولها ‏"‏ فمر عمر ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ فراجعته عائشة‏"‏‏.‏
ومتابعة ابن أخي الزهري وصلها ابن عدي من رواية الدراوردي عنه، ومتابعة إسحاق بن يحيى وصلها أبو بكر بن شاذان البغدادي في نسخة إسحاق بن يحيى في رواية يحيى بن صالح عنه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ظن بعضهم أن قوله ‏"‏ عن الزهري ‏"‏ أي موقوفا عليه، وهو فاسد لما بيناه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عقيل ومعمر الخ‏)‏ قال الكرماني‏:‏ الفرق بين رواية الزبيدي وابن أخي الزهري وإسحاق بن يحيى وبين رواية عقيل ومعمر أن الأولى متابعة والثانية مقاولة ا ه ومراده بالمقالة الإتيان فيها بصيغة قال، وليس في اصطلاح المحدثين صيغة مقاولة وإنما السر في تركه عطف رواية عقيل ومعمر على رواية يونس من تابعه أنهما أرسلا الحديث وأولئك وصلوه، أي أنهما خالفا يونس ومن تابعه فأرسلا الحديث، فأما رواية عقيل فوصلها الذهلي في الزهريات، وأما معمر فاختلف عليه فرواه ابن المبارك عنه رسلا كذلك أخرجه ابن سعد وأبو يعلى من طريقه، ورواه عبد الرزاق عن معمر موصولا لكن قال ‏"‏ عن عائشة ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ كذلك أخرجه مسلم، وكأنه رجح عنده لكون عائشة صاحبة القصة ولقاء حمزة لها ممكن، ورجح الأول عند البخاري لأن المحفوظ في هذا عن الزهري من حديث عائشة روايته لذلك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها، ومما يؤيده أن في رواية عبد الرزاق عن معمر متصلا بالحديث المذكور أن عائشة قالت ‏"‏ وقد عاودته، وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر ‏"‏ الحديث‏.‏
وهذه الزيادة إنما تحفظ من رواية الزهري عن عبيد الله عنها لا من رواية الزهري عن حمزة، وقد روى الإسماعيلي هذا الحديث عن الحسن بن سفيان عن يحيى بن سليمان شيخ البخاري فيه مفصلا، فجعل أوله من رواية الزهري عن حمزة عن أبيه بالقدر الذي أخرجه البخاري، وآخره من رواية الزهري عن عبيد الله عنها، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n86&p1#TOP)باب مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الْإِمَامِ لِعِلَّةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قام‏)‏ أي صلى ‏(‏إلى جنب الإمام لعلة‏)‏ أي سبب اقتضى ذلك، وقد تقدم ما فيه في ‏"‏ باب حد المريض‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ قَالَ عُرْوَةُ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عروة فوجد‏)‏ هو بالإسناد المذكور، ووهم من جعله معلقا‏.‏
ثم إن ظاهره الإرسال من قوله ‏"‏ فوجد الخ ‏"‏ لكن رواه ابن أبي شيبة عن ابن نمير بهذا الإسناد متصلا بما قبله، وأخرجه ابن ماجه عنه، وكذا وصله الشافعي عن يحيى بن حبان عن حماد بن سلمة عن هشام، وكذا وصله عن عروة عنها كما تقدم، ويحتمل أن يكون عروة أخذه عن عائشة وعن غيرها، فلذلك قطعه عن القدر الأول الذي أخذه عنها وحدها، والأصل في الإمام أن يكون متقدما على المأمومين إلا إن ضاق المكان أو لم يكن إلا مأموم واحد، وكذا لو كانوا عراة، وما عدا ذلك يجوز ولكن تفوت الفضيلة‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 12:06 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n87&p1#TOP)باب مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ فَجَاءَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ فَتَأَخَّرَ الْأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ جَازَتْ صَلَاتُهُ
فِيهِ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من دخل‏)‏ أي إلى المحراب مثلا ‏(‏ليؤم الناس فجاء الإمام الأول‏)‏ أي الراتب ‏(‏فتأخر الأول‏)‏ أي الداخل فكل منهما أول باعتبار، والمعرفة إذا أعيدت كانت عين الأولى إلا بقرينة، وقرينة كونها غيرها هنا ظاهرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيه عائشة‏)‏ يشير بالشق الأول وهو ما إذا تأخر إلى رواية عروة عنها في الباب الذي قبله حيث قال ‏"‏ فلما رآه استأخر ‏"‏ وبالثاني وهو ما إذا لم يستأخر إلى رواية عبد الله عنها حيث قال ‏"‏ فأراد أن يتأخر ‏"‏ وقد تقدمت في ‏"‏ باب حد المريض ‏"‏ والجواز مستفاد من التقرير، وكلا الأمرين قد وقعا في حديث الباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ امْكُثْ مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سهل بن سعد‏)‏ في رواية النسائي من طريق سفيان عن أبي حازم ‏"‏ سمعت سهلا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذهب إلى بني عمرو بن عوف‏)‏ أي ابن مالك بن الأوس، والأوس أحد قبيلتي الأنصار وما الأوس والخزرج، وبنو عمرو بن عوف بطن كبير من الأوس فيه عدة أحياء كانت منازلهم بقباء، منهم بنو أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف وبنو ضبيعة بن زيد وبنو ثعلبة بن عمرو بن عوف، والسبب في ذهابه صلى الله عليه وسلم إليهم ما في رواية سفيان المذكورة قال ‏"‏ وقع بين حيين من الأنصار كلام ‏"‏ وللمؤلف في الصلح من طريق محمد بن جعفر عن أبي حازم ‏"‏ أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال‏:‏ اذهبوا بنا نصلح بينهم ‏"‏ وله فيه من رواية أبي غسان عن أبي حازم ‏"‏ فخرج في أناس من أصحابه ‏"‏ وسمي الطبراني منهم من طريق موسى بن محمد عن أبي حازم أبي بن كعب وسهيل بن بيضاء، وللمؤلف في الأحكام من طريق حماد بن زيد عن أبي حازم أن توجهه كان بعد أن صلى الظهر، وللطبراني من طريق عمر بن علي عن أبي حازم أن الخبر جاء بذلك وقد أذن بلال لصلاة الظهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحانت الصلاة‏)‏ أي صلاة العصر، وصرح به في الأحكام ولفظه ‏"‏ فلما حضرت صلاة العصر أذن وأقام وأمر أبا بكر فتقدم ‏"‏ ولم يسم فاعل ذلك، وقد أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان من رواية حماد المذكورة فبين الفاعل وأن ذلك كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه ‏"‏ فقال لبلال إن حضرت العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس، فلما حضرت العصر أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم ‏"‏ ونحوه للطبراني من رواية موسى بن محمد عن أبي حازم، وعرف بهذا أن المؤذن بلال‏.‏
وأما قوله لأبي بكر ‏"‏ أتصلي للناس ‏"‏ فلا يخالف ما ذكر لأنه يحمل على أنه استفهمه هل يبادر أول الوقت أو ينتظر قليلا ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ ورجح عند أبي بكر المبادرة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقيم‏)‏ بالنصب ويجوز الرفع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال نعم‏)‏ زاد في رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه ‏"‏ إن شئت ‏"‏ وهو في ‏"‏ باب رفع الأيدي ‏"‏ عند المؤلف، وإنما فوض ذلك له لاحتمال أن يكون عنده زيادة علم من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى أبو بكر‏)‏ أي دخل في الصلاة، ولفظ عبد العزيز المذكور ‏"‏ وتقدم أبو بكر فكبر ‏"‏ وفي رواية المسعودي عن أبي حازم ‏"‏ فاستفتح أبو بكر الصلاة ‏"‏ وهي عند الطبراني، وبهذا يجاب عن الفرق بين المقامين حيث امتنع أبو بكر هنا أن يستمر إماما وحيث استمر في مرض موته صلى الله عليه وسلم حين صلى خلفه الركعة الثانية من الصبح كما صرح به موسى بن عقبة في المغازي، فكأنه لما أن مضى معظم الصلاة حسن الاستمرار ولما أن لم يمض منها إلا اليسير لم يستمر‏.‏
وكذا وقع لعبد الرحمن بن عوف حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه الركعة الثانية من الصبح فإنه استمر في صلاته إماما لهذا المعنى، وقصة عبد الرحمن عند مسلم من حديث المغيرة بن شعبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتخلص‏)‏ في رواية عبد العزيز ‏"‏ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام في الصف الأول ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ فخرق الصفوف حتى قام عند الصف المتقدم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصفق الناس‏)‏ في رواية عبد العزيز ‏"‏ فأخذ الناس في التصفيح‏.‏
قال سهل‏:‏ أتدرون ما التصفيح‏؟‏ هو التصفيق‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا يدل على ترادفهما عنده فلا يلتفت إلى ما يخالف ذلك، وسيأتي البحث فيه في باب مفرد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان أبو بكر لا يلتفت‏)‏ قيل كان ذلك لعلمه بالنهي عن ذلك، وقد صح أنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد كما سيأتي في باب مفرد في صفة الصلاة ‏"‏ فلما أكثر الناس التصفيق ‏"‏ في رواية حماد بن زيد ‏"‏ فلما رأى التصفيح لا يمسك عنه التفت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأشار إليه أن امكث مكانك‏)‏ في رواية عبد العزيز ‏"‏ فأشار إليه يأمره أن يصلي ‏"‏ وفي رواية عمر بن علي ‏"‏ فدفع في صدره ليتقدم فأبى‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرفع أبو بكر يديه فحمد الله‏)‏ ظاهره أنه تلفظ بالحمد، لكن في رواية الحميدي عن سفيان ‏"‏ فرفع أبو بكر رأسه إلى السماء شكرا لله ورجع القهقري ‏"‏ وادعى ابن الجوزي أنه أشار بالشكر والحمد بيده ولم يتكلم، وليس في رواية الحميدي ما يمنع أن يكون تلفظ، ويقوى ذلك ما عند أحمد من رواية عبد العزيز الماجشون عن أبي حازم ‏"‏ يا أبا بكر لم رفعت يديك وما منعك أن تثبت حين أشرت إليك‏؟‏ قال‏:‏ رفعت يدي لأني حمدت الله على ما رأيت منك ‏"‏ زاد المسعودي ‏"‏ فلما تنحى تقدم النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ونحوه في رواية حماد بن زيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية الحمادين والماجشون ‏"‏ أن يؤم النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أكثرتم التصفيق‏)‏ ظاهره أن الإنكار إنما حصل عليهم لكثرته لا لمطلقه، وسيأتي البحث فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من نابه‏)‏ أي أصابه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليسبح‏)‏ في رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم ‏"‏ فليقل سبحان الله ‏"‏ وسيأتي في باب الإشارة في الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏التفت إليه‏)‏ بضم المثناة على البناء للمجهول‏.‏
وفي رواية يعقوب المذكورة ‏"‏ فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنما التصفيق للنساء‏)‏ في رواية عبد العزيز ‏"‏ وإنما التصفيح للنساء ‏"‏ زاد الحميدي ‏"‏ والتسبيح للرجال ‏"‏ وقد روى المصنف هذه الجملة الأخيرة مقتصرا عليها من رواية الثوري عن أبي حازم كما سيأتي في ‏"‏ باب التصفيق للنساء ‏"‏ ووقع في رواية حماد بن زيد بصيغة الأمر ولفظه ‏"‏ إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفح النساء‏"‏‏.‏
وفي هذا الحديث فضل الإصلاح بين الناس وجمع كلمة القبيلة وحسم مادة القطيعة، وتوجه الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك، وتقديم مثل ذلك على مصلحة الإمامة بنفسه‏.‏
واستنبط منه توجه الحاكم لسماع دعوى بعض الخصوم إذا رجح ذلك على استحضارهم‏.‏
وفيه جواز الصلاة الواحدة بإمامين أحدهما بعد الآخر، وأن الإمام الراتب إذا غاب يستخلف غيره، وأنه إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو ويصير النائب مأموما من غير أن يقطع الصلاة، ولا يبطل شيء من ذلك صلاة أحد من المأمومين‏.‏
وادعى ابن عبد البر أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى الإجماع على عدم جواز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم، ونوقض بأن الخلاف ثابت، فالصحيح المشهور عند الشافعية الجواز، وعن ابن القاسم في الإمام يحدث فيستخلف ثم يرجع فيخرج المستخلف ويتم الأول أن الصلاة صحيحة، وفيه جواز إحرام المأموم قبل الإمام، وأن المرء قد يكون في بعض صلاته إماما وفي بعضها مأموما، وأن من أحرم منفردا ثم أقيمت الصلاة جاز له الدخول مع الجماعة من غير قطع لصلاته، كذا استنبطه الطبري من هذه القصة، وهو مأخوذ من لازم جواز إحرام الإمام بعد المأموم كما ذكرنا، وفيه فضل أبي بكر على جميع الصحابة‏.‏
واستدل به جمع من الشراح ومن الفقهاء كالروياني على أن أبا بكر كان عند الصحابة أفضلهم لكونهم اختاروه دون غيره، وعلى جواز تقديم الناس لأنفسهم إذا غاب إمامهم، قالوا‏:‏ ومحل ذلك إذا أمنت الفتنة والإنكار من الإمام، وأن الذي يتقدم نيابة عن الإمام يكون أصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به، وأن المؤذن وغيره يعرض التقدم على الفاضل وأن الفاضل يوافقه بعد أن يعلم أن ذلك برضا الجماعة ا هـ‏.‏
وكل ذلك مبني على أن الصحابة فعلوا ذلك بالاجتهاد، وقد قدمنا أنهم إنما فعلوا ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن الإقامة واستدعاء الإمام من وظيفة المؤذن، وأنه لا يقيم إلا بإذن الإمام، وأن فعل الصلاة - لا سيما العصر - في أول الوقت مقدم على انتظار الإمام الأفضل، وفيه جواز التسبيح والحمد في الصلاة لأنه من ذكر الله ولو كان مراد المسبح إعلام غيره بما صدر منه، وسيأتي في باب مفرد، وفيه رفع اليدين في الصلاة عند الدعاء والثناء وسيأتي كذلك، وفيه استحباب حمد الله لمن تجددت له نعمة ولو كان في الصلاة، وفيه جواز الالتفات للحاجة وأن مخاطبة المصلي بالإشارة أولى من مخاطبته بالعبارة‏.‏
وأنها تقوم مقام النطق لمعاتبة النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على مخالفة إشارته‏.‏
وفيه جواز شق الصفوف والمشي بين المصلين لقصد الوصول إلى الصف الأول لكنه مقصور على من يليق ذلك به كالإمام أو من كان بصدد أن يحتاج الإمام إلى استخلافه أو من أراد سد فرجة في الصف الأول أو ما يليه مع ترك من يليه سدها ولا يكون ذلك معدودا من الأذى‏.‏
قال المهلب‏:‏ لا تعارض بين هذا وبين النهي عن التخطي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في أمر الصلاة ولا غيرها، لأن له أن يتقدم بسبب ما ينزل عليه من الأحكام، وأطال في تقرير ذلك‏.‏
وتعقب بأن هذا ليس من الخصائص، وقد أشار هو إلى المعتمد في ذلك فقال‏:‏ ليس في ذلك شيء من الأذى والجفاء الذي يحصل من التخطي، وليس كمن شق الصفوف والناس جلوس لما فيه من تخطي رقابهم‏.‏
وفيه كراهية التصفيق في الصلاة وسيأتي في باب مفرد، وفيه الحمد والشكر على الوجاهة في الدين وأن من أكرم بكرامة يتخير بين القبول والترك إذا فهم أن ذلك الأمر على غير جهة اللزوم وكأن القرينة التي بينت لأبي بكر ذلك هي كونه صلى الله عليه وسلم شق الصفوف إلى أن انتهى إليه فكأنه فهم من ذلك أن مراده أن يؤم الناس، وأن أمره إياه بالاستمرار في الإمامة من باب الإكرام له والتنويه بقدره، فسلك هو طريق الأدب والتواضع‏.‏
ورجح ذلك عنده احتمال نزول الوحي في حال الصلاة لتغيير حكم من أحكامها، وكأنه لأجل هذا لم يتعقب صلى الله عليه وسلم اعتذاره برد عليه‏.‏
وفيه جواز إمامة المفضول للفاضل، وفيه سؤال الرئيس عن سبب مخالفة أمره قبل الزجر عن ذلك، وفيه إكرام الكبير بمخاطبته بالكنية، واعتماد ذكر الرجل لنفسه بما يشعر بالتواضع من جهة استعمال أبي بكر خطاب الغيبة مكان الحضور‏.‏
إذ كان حد الكلام أن يقول أبو بكر‏:‏ ما كان لي، فعدل عنه إلى قوله‏:‏ ما كان لابن أبي قحافة، لأنه أدل على التواضع من الأول، وفيه جواز العمل القليل في الصلاة لتأخر أبي بكر عن مقامه إلى الصف الذي يليه، وأن من احتاج إلى مثل ذلك يرجع القهقري ولا يستدبر القبلة ولا ينحرف عنها‏.‏
واستنبط ابن عبد البر منه جواز الفتح على الإمام، لأن التسبيح إذا جاز جازت التلاوة من باب الأولى، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 12:10 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n87&p1#TOP)باب إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم‏)‏ هذه الترجمة مع ما سأبينه من زيادة في بعض طرق حديث الباب منتزعة من حديث أخرجه مسلم من رواية أبي مسعود الأنصاري مرفوعا ‏"‏ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانت قراءتهم سواء صلى الله عليه وسلم فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا ‏"‏ الحديث‏.‏
ومداره على إسماعيل بن رجاء عن أوس ضمعج عنه، وليسا جميعا من شرط البخاري، وقد نقل ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أن شعبة كان يتوقف في صحة هذا الحديث، ولكن هو في الجملة يصلح للاحتجاج به عند البخاري، وقد علق منه طرفا بصيغة الجزم كما سيأتي، واستعمله هنا في الترجمة، وأورد في الباب ما يؤدي معناه وهو حديث مالك بن الحويرث لكن ليس فيه التصريح باستواء المخاطبين في القراءة، وأجاب الزين بن المنير وغيره بما حاصله أن تساوى هجرتهم وإقامتهم وغرضهم بها مع ما في الشباب غالبا من الفهم - ثم توجه الخطاب إليهم بأن يعلموا من وراءهم من غير تخصيص بعضهم دون بعض - دال على استوائهم في القراءة والتفقه في الدين‏.‏
قلت‏:‏ وقد وقع التصريح بذلك فيما رواه أبو داود من طريق مسلمة بن محمد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة في هذا الحديث قال ‏"‏ وكنا يومئذ متقاربين في العلم ‏"‏ انتهى‏.‏
وأظن في هذه الرواية إدراجا، فإن ابن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن علية عن خالد قال ‏"‏ قلت لأبي قلابة فأين القراءة‏؟‏ قال‏:‏ إنهما كانا متقاربين ‏"‏ وأخرجه مسلم من طريق حفص بن غياث عن خالد الحذاء وقال فيه ‏"‏ قال الحذاء‏:‏ وكانا متقاربين في القراءة‏"‏‏.‏
ويحتمل أن يكون مستند أبي قلابة في ذلك هو إخبار مالك بن الحويرث، كما أن مستند الحذاء هو إخبار أبي قلابة له به فينبغي الإدراج عن الإسناد صلى الله عليه وسلم والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ضمعج والد أوس بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وفتح العين المهملة بعدها جيم معناه الغليظ، وقوله في حديث أبي مسعود ‏"‏ أقرؤهم ‏"‏ قيل المراد به الأفقه وقيل هو على ظاهره، وبحسب ذلك اختلف الفقهاء‏.‏
قال النووي قال أصحابنا‏:‏ الأفقه مقدم على الأقرأ، فإن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، فقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصلاة فيه إلا كامل الفقه، ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه، كأنه عنى حديث أقرؤكم أبي‏.‏
قال‏:‏ وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه‏.‏
قلت‏:‏ وهذا الجواب يلزم منه أن من نص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه أقرأ من أبي بكر كان أفقه من أبي بكر فيفسد الاحتجاج بأن تقديم أبي بكر كان لأنه الأفقه‏.‏
ثم قال النووي بعد ذلك‏:‏ إن قوله في حديث أبي مسعود ‏"‏ فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم في الهجرة ‏"‏ يدل على تقديم الأقرأ مطلقا انتهى‏.‏
وهو واضح للمغايرة‏.‏
وهذه الرواية أخرجها مسلم أيضا من وجه آخر عن إسماعيل بن رجاء، ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، فأما إذا كان جاهلا بذلك فلا يقدم اتفاقا، والسبب فيه أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القرآن لكونهم أهل اللسان، فالأقرأ منهم بل القارئ كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاءوا بعدهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا فَقَالَ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى بِلَادِكُمْ فَعَلَّمْتُمُوهُمْ مُرُوهُمْ فَلْيُصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونحن شببة‏)‏ بفتح المعجمة والموحدتين جمع شاب، زاد في الأدب من طريق ابن علية عن أيوب ‏"‏ شببة متقاربون ‏"‏ والمراد تقاربهم في السن، لأن ذلك كان في حال قدومهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نحوا من عشرين‏)‏ في رواية ابن علية المذكورة الجزم به ولفظه ‏"‏ فأقمنا عنده عشرين ليلة ‏"‏ والمراد بأيامها، ووقع التصريح بذلك في روايته في خبر الواحد من طريق عبد الوهاب عن أيوب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رحيما فقال لو رجعتم‏)‏ في رواية ابن علية وعبد الوهاب ‏"‏ رحيما رقيقا ‏"‏ فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا، وسألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه فقال‏:‏ ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم‏"‏، ويمكن الجمع بينهما بأن يكون عرض ذلك عليهم على طريق الإيناس بقوله ‏"‏ لو رجعتم ‏"‏ إذ لو بدأهم بالأمر بالرجوع لأمكن أن يكون فيه تنفير فيحتمل أن يكونوا أجابوه بنعم فأمرهم حينئذ بقوله ‏"‏ ارجعوا‏"‏، واقتصار الصحابي على ذكر سبب الأمر برجوعهم بأنه الشوق إلى أهليهم دون قصد التعليم هو لما قام عنده من القرينة الدالة على ذلك، ويمكن أن يكون عرف ذلك بتصريح القول منه صلى الله عليه وسلم وإن كان سبب تعليمهم قومهم أشرف في حقهم، لكنه أخبر بالواقع ولم يتزين بما ليس فيهم، ولما كانت نيتهم صادقة صادف شوقهم إلى أهلهم الحظ الكامل في الدين وهو أهلية التعليم كما قال الإمام أحمد في الحرص على طلب الحديث‏:‏ حظ وافق حقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وليؤمكم أكبركم‏)‏ ظاهره تقديم الأكبر بكثير السن وقليله، وأما من جوز أن يكون مراده بالكبر ما هو أعم من السن أو القدر كالتقدم في الفقه والقراءة والدين فبعيد لما تقدم من فهم راوي الخبر حيث قال للتابعي ‏"‏ فأين القراءة ‏"‏ فإنه دال على أنه أراد كبر السن، وكذا دعوى من زعم أن قوله ‏"‏ وليؤمكم أكبركم ‏"‏ معارض بقوله ‏"‏ يؤم القوم أقرؤهم ‏"‏ لأن الأول يقتضي تقديم الأكبر على الأقرأ والثاني عكسه، ثم انفصل عنه بأن قصة مالك بن الحويرث واقعة عين قابلة للاحتمال بخلاف الحديث الآخر فإنه تقرير قاعدة تفيد التعميم، قال‏:‏ فيحتمل أن يكون الأكبر منهم كان يومئذ هو الأفقه‏.‏
انتهى‏.‏
والتنصيص على تقاربهم في العلم يرد عليه، فالجمع الذي قدمناه أولى والله أعلم‏.‏
وفي الحديث أيضا فضل الهجرة والرحلة في طلب العلم وفضل التعليم، وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة والاهتمام بأحوال الصلاة وغيرها من أمور الدين، وإجازة خبر الواحد وقيام الحجة به، وتقدم الكلام على بقية فوائده في ‏"‏ باب من قال يؤذن في السفر مؤذن واحد‏"‏‏.‏
ويأتي الكلام على قوله صلوا كما رأيتموني أصلي في ‏"‏ باب إجازة خبر الواحد ‏"‏ إن شاء الله تعـالى‏.‏
*

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 12:12 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n87&p1#TOP)باب إِذَا زَارَ الْإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا زار الإمام قوما فأمهم‏)‏ قيل أشار بهذه الترجمة إلى أن حديث مالك بن الحويرث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه مرفوعا ‏"‏ من زار قوما فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم ‏"‏ محمول على من عدا الإمام الأعظم‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ مراده أن الإمام الأعظم ومن يجري مجراه إذا حضر بمكان مملوك لا يتقدم عليه مالك الدار أو المنفعة، ولكن ينبغي للمالك أن يأذن له ليجمع بين الحقين حق الإمام في التقدم، وحق المالك في منع التصرف بغير إذنه‏.‏
انتهى ملخصا‏.‏
ويحتمل أنه أشار إلى ما في حديث أبي مسعود المتقدم ‏"‏ ولا يؤم الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه ‏"‏ فإن مالك الشيء سلطان عليه، والإمام الأعظم سلطان على المالك، وقوله ‏"‏إلا بإذنه ‏"‏ يحمل عوده على الأمرين الإمامة والجلوس، وبذلك جزم أحمد كما حكاه الترمذي عنه، فتحصل بالإذن مراعاة الجانبين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ قَالَ اسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ فَقَامَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا معاذ بن أسد‏)‏ هو مروزي سكن البصرة وليس هو أخا لمعلى بن أسد أحد شيوخ البخاري أيضا، كان معاذ المذكور كاتبا لعبد الله بن المبارك وهو شيخه في هذا الإسناد، وقد تقدم الكلام على حديث عتبان مستوفى في ‏"‏ باب المساجد التي في البيوت‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n87&p1#TOP)باب إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ
وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالنَّاسِ وَهُوَ جَالِسٌ
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ يَعُودُ فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ ثُمَّ يَتْبَعُ الْإِمَامَ وَقَالَ الْحَسَنُ فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ يَسْجُدُ لِلرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِسُجُودِهَا وَفِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً حَتَّى قَامَ يَسْجُدُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏ هذه الترجمة قطعة من الحديث الآتي في الباب، والمراد بها أن الائتمام يقتضي متابعة المأموم لإمامه في أحوال الصلاة، فتنتفي المقارنة والمسابقة والمخالفة إلا ما دل الدليل الشرعي عليه، ولهذا صدر المصنف الباب بقوله ‏"‏ وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه وهو جالس، أي والناس خلفه قياما ولم يأمرهم بالجلوس كما سيأتي، فدل على دخول التخصيص في عموم قوله ‏"‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن مسعود الخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح وسياقه أتم ولفظه ‏"‏ لا تبادروا‏.‏
أئمتكم بالركوع ولا بالسجود، وإذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد فليسجد، ثم ليمكث قدر ما سبقه به الإمام ‏"‏ انتهى‏.‏
وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ ومن قوله ‏"‏ وما فاتكم فأتموا‏"‏‏.‏
وروى عبد الرزاق عن عمر نحو قول ابن مسعود ولفظه ‏"‏ أيما رجل رفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود فليضع رأسه بقدر رفعه إياه ‏"‏ وإسناده صحيح، قال الزين بن المنير‏:‏ إذا كان الرافع المذكور يؤمر عنده بقضاء القدر الذي خرج فيه عن الإمام فأولى أن يتبعه في جملة السجود فلا يسجد حتى يسجد، وظهرت بهذا مناسبة هذا الأثر للترجمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال الحسن الخ‏)‏ فيه فرعان‏:‏ أما الفرع الأول فوصله ابن المنذر في كتابه الكبير ورواه سعيد بن منصور عن هشم عن يونس عن الحسن ولفظه ‏"‏ في الرجل يركع يوم الجمعة فيزحمه الناس فلا يقدر على السجود - قال - فإذا فرغوا من صلاتهم سجد سجدتين لركعته الأولى ثم يقوم فيصلي ركعة وسجدتين ‏"‏ ومقتضاه أن الإمام لا يتحمل الأركان، فمن لم يقدر على السجود معه لم تصح له الركعة، ومناسبته للترجمة من جهة أن المأموم لو كان له أن ينفرد عن الإمام لم يستمر متابعا في صلاته التي اختل بعض أركانها حتى يحتاج إلى تداركه بعد فراغ الإمام‏.‏
وأما الفرع الثاني فوصله ابن أبي شيبة وسياقه أتم ولفظه ‏"‏ في رجل نسي سجدة من أول صلاته فلم يذكرها حتى كان آخر ركعة من صلاته - قال - يسجد ثلاث سجدات، فإن ذكرها قبل السلام يسجد سجدة واحدة، وإن ذكرها بعد انقضاء الصلاة يستأنف الصلاة ‏"‏ وقد تقدم الكلام على حديث عائشة الأول في ‏"‏ باب حد المريض أن يشهد الجماعة ‏"‏ وقد ذكرنا مناسبته للترجمة قبل، وقوله فيه ‏"‏ ضعوني ماء ‏"‏ كذا للمستملي والسرخسي بالنون وللباقين ‏"‏ ضعوا لي ‏"‏ وهو أوجه، وكذلك أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه، والأول كما قال الكرماني محمول على تضمين الوضع معنى الإعطاء أو على نزع الخافض أي ضعوني في ماء‏.‏
والمخضب تقدم الكلام عليه في أبواب الوضوء، وأن الماء الذي اغتسل به كان من سبع قرب، وذكرت حكمة ذلك هناك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ بَلَى ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ قَالَتْ فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ قَالَتْ فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ فَقُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ لَا يَتَأَخَّرَ قَالَ أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ يَأْتَمُّ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ أَلَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَاتِ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِيثَهَا فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ قُلْتُ لَا قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذهب‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ثم ذهب‏"‏‏.‏
‏(‏لينوء‏)‏ بضم النون بعدها مدة، أي لينهض بجهد قوله‏:‏ ‏(‏فأغمي عليه‏)‏ فيه أن الإغماء جائز على الأنبياء لأنه شبيه بالنوم، قال النووي‏:‏ جاز عليهم لأنه مرض من الأمراض بخلاف الجنون فلم يجز عليهم لأنه نقص‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ينتظرون النبي عليه السلام لصلاة العشاء‏)‏ كذا للأكثر بلام التعليل‏.‏
وفي رواية المستملي والسرخسي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لصلاة العشاء الآخرة‏"‏، وتوجيهه أن الراوي كأنه فسر الصلاة المسئول عنها في قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أصلى الناس ‏"‏ فذكره، أي الصلاة المسئول عنها هي العشاء الآخرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فخرج بين رجلين‏)‏ كذا للكشميهني وللباقين ‏"‏ وخرج ‏"‏ بالواو‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لصلاة الظهر‏)‏ هو صريح في أن الصلاة المذكورة كانت الظهر، وزعم بعضهم أنها الصبح، واستدل بقوله في رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس ‏"‏ وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث بلغ أبو بكر ‏"‏ هذا لفظ ابن ماجه وإسناده حسن، لكن في الاستدلال به نظر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم سمع لما قرب من أبي بكر الآية التي كان انتهى إليها خاصة، وقد كان هو صلى الله عليه وسلم يسمع الآية أحيانا في الصلاة السرية كما سيأتي من حديث أبي قتادة، ثم لو سلم لم يكن فيه دليل على أنها الصبح بل يحتمل أن تكون المغرب، فقد ثبت في الصحيحين عن أم الفضل بنت الحارث قالت ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا، ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله ‏"‏ وهذا لفظ البخاري، وسيأتي في باب الوفاة من آخر المغازي، لكن وجدت بعد في النسائي أن هذه الصلاة التي ذكرتها أم الفضل كانت في بيته، وقد صرح الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بالناس في مرض موته في المسجد إلا مرة واحدة، وهي هذه التي صلى فيها قاعدا، وكان أبو بكر فيها أولا إماما ثم صار مأموما يسمع الناس التكبير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي والسرخسي ‏"‏ وهو يأتم ‏"‏ من الائتمام، واستدل بهذا الحديث على أن استخلاف الإمام الراتب إذا اشتكى أولى من صلاته بهم قاعدا، لأنه صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ولم يصل بهم قاعدا غير مرة واحدة، واستدل به على صحة إمامة القاعد المعذور بمثله وبالقائم أيضا، وخالف في ذلك مالك في المشهور عنه ومحمد بن الحسن فيما حكاه الطحاوي، ونقل عنه أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم واحتج بحديث جابر عن الشعبي مرفوعا ‏"‏ لا يؤمن أحد بعدي جالسا ‏"‏ واعترضه الشافعي فقال‏:‏ قد علم من احتج بهذا أن لا حجة فيه لأنه مرسل، ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية عنه يعني جابرا الجعفي‏.‏
وقال ابن بزيزة‏:‏ لو صح لم يكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون المراد منع الصلاة بالجالس، أي يعرب قوله جالسا مفعولا لا حالا‏.‏
وحكى عياض عن بعض مشايخهم أن الحديث المذكور يدل على نسخ أمره المتقدم لهم بالجلوس لما صلوا خلفه قياما‏.‏
وتعقب بأن ذلك يحتاج لو صح إلى تاريخ، وهو لا يصح‏.‏
لكنه زعم أنه تقوى بأن الخلفاء الراشدين لم يفعله أحد منهم، قال‏:‏ والنسخ لا يثبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن مواظبتهم على ترك ذلك تشهد لصحة الحديث المذكور‏.‏
وتعقب بأن عدم النقل لا يدل على عدم الوقوع، ثم لو سلم لا يلزم منه عدم الجواز لاحتمال أن يكونوا اكتفوا باستخلاف القادر على القيام للاتفاق على أن صلاة القاعد بالقائم مرجوحة بالنسبة إلى صلاة القائم بمثله، وهذا كاف في بيان سبب تركهم الإمامة من قعود، واحتج أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى بهم قاعدا لأنه لا يصح التقدم بين يديه لنهي الله عن ذلك ولأن الأئمة شفعاء ولا يكون أحد شافعا له، وتعقب بصلاته صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف، وهو ثابت بلا خلاف‏.‏
وصح أيضا أنه صلى خلف أبي بكر كما قدمناه‏.‏
والعجب أن عمدة مالك في منع إمامة القاعد قول ربيعة‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في تلك الصلاة مأموما خلف أبي بكر، وإنكاره أن يكون صلى الله عليه وسلم أم في مرض موته قاعدا كما حكاه عنه الشافعي في الأم، فكيف يدعي أصحابه عدم تصوير أنه صلى مأموما‏؟‏ وكأن حديث إمامته المذكور لما كان في غاية الصحة ولم يمكنهم رده سلكوا في الانتصار وجوها مختلفة، وقد تبين بصلاته خلف عبد الرحمن بن عوف أن المراد بمنع التقدم بين يديه في غير الإمامة، وأن المراد بكون الأئمة شفعاء أي في حق من يحتاج إلى الشفاعة‏.‏
ثم لو سلم أنه لا يجوز أن يؤمه أحد لم يدل ذلك على منع إمامة القاعد، وقد أم قاعدا جماعة من الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم منهم أسيد بن حضير وجابر وقيس بن فهد وأنس بن مالك، والأسانيد عنهم بذلك صحيحة أخرجها عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم، بل ادعى ابن حبان وغيره إجماع الصحابة على صحة إمامة القاعد كما سيأتي‏.‏
وقال أبو بكر بن العربي‏:‏ لا جواب لأصحابنا عن حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم يخلص عند السبك، واتباع السنة أولى، والتخصيص لا يثبت بالاحتمال‏.‏
قال‏:‏ إلا أني سمعت بعض الأشياخ يقول‏:‏ الحال أحد وجوه التخصيص، وحال النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به وعدم العوض عنه يقتضي الصلاة معه على أي حال كان عليها، وليس ذلك لغيره‏.‏
وأيضا فنقص صلاة القاعد عن القائم لا يتصور في حقه، ويتصور في حق غيره‏.‏
والجواب عن الأول رده بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏"‏، وعن الثاني بأن النقص إنما هو في حق القادر في النافلة، وأما المعذور في الفريضة فلا نقص في صلاته عن القائم، واستدل به على نسخ الأمر بصلاة المأموم قاعدا إذا صلى الإمام قاعدا لكونه صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على القيام خلفه وهو قاعد، هكذا قرره الشافعي، وكذا نقله المصنف في آخر الباب عن شيخه الحميدي وهو تلميذ الشافعي، وبذلك يقول أبو حنيفة وأبو يوسف والأوزاعي، وحكاه الوليد بن مسلم عن مالك، وأنكر أحمد نسخ الأمر المذكور بذلك وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين‏:‏ إحداهما إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعدا لمرض يرجى برؤه فحينئذ يصلون خلفه قعودا، ثانيتهما إذا ابتدأ الإمام الراتب قائما لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياما سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدا أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم، فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائما وصلوا معه قياما، بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالسا فلما صلوا خلفه قياما أنكر عليهم‏.‏
ويقوى هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ، لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم دعوى النسخ مرتين، لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدا، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدا، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد، وأبعد منه ما تقدم عن نقل عياض فإنه يقتضي وقوع النسخ ثلاث مرات، وقد قال بقول أحمد جماعة من محدثي الشافعية كابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان، وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة أخرى منها قول ابن خزيمة‏:‏ إن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلي قاعدا تبعا لإمامه لم يختلف في صحتها ولا في سياقها، وأما صلاته صلى الله عليه وسلم قاعدا فاختلف فيها هل كان إماما أو مأموما‏.‏
قال‏:‏ وما لم يختلف فيه لا ينبغي تركه لمختلف فيه‏.‏
وأجيب بدفع الاختلاف والحمل على أنه كان إماما مرة ومأموما أخرى‏.‏
ومنها أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب، وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز، فعلى هذا الأمر من أم قاعدا لعذر تخير من صلى خلفه بين القعود والقيام، والقعود أولى لثبوت الأمر بالائتمام والاتباع وكثرة الأحاديث الواردة في ذلك‏.‏
وأجاب ابن خزيمة عن استبعاد من استبعد ذلك بأن الأمر قد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك واستمر عليه عمل الصحابة في حياته وبعده، فروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن قيس بن فهد بفتح القاف وسكون الهاء الأنصاري ‏"‏ أن إماما لهم اشتكى لهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ فكان يؤمنا وهو جالس ونحن جلوس‏"‏‏.‏
وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن أسيد بن حضير ‏"‏ أنه كان يؤم قومه، فاشتكى، فخرج إليهم بعد شكواه، فأمروه أن يصلي بهم فقال‏:‏ إني لا أستطيع أن أصلي قائما فاقعدوا، فصلى بهم قاعدا وهم قعود‏"‏‏.‏
وروى أبو داود من وجه آخر عن أسيد بن حضير أنه قال ‏"‏ يا رسول الله إن إمامنا مريض، قال‏:‏ إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا ‏"‏ وفي إسناده انقطاع‏.‏
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر ‏"‏ أنه اشتكى، فحضرت الصلاة فصلى بهم جالسا وصلوا معه جلوسا ‏"‏ وعن أبي هريرة أنه أفتى بذلك وإسناده صحيح أيضا، وقد ألزم ابن المنذر من قال بأن الصحابي أعلم بتأويل ما روى بأن يقول بذلك لأن أبا هريرة وجابرا رويا الأمر المذكور، واستمرا على العمل به والفتيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ويلزم ذلك من قال إن الصحابي إذا روى وعمل بخلافه أن العبرة بما عمل من باب الأولى لأنه هنا عمل بوفق ما روى‏.‏
وقد ادعى ابن حبان الإجماع على العمل به وكأنه أراد السكوت، لأنه حكاه عن أربعة من الصحابة الذين تقدم ذكرهم وقال‏:‏ إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة غيرهم القول بخلافه لا من طريق صحيح ولا ضعيف‏.‏
وكذا قال ابن حزم إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، ثم نازع في ثبوت كون الصحابة صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم وهو قاعد قياما غير أبي بكر، قال‏:‏ لأن ذلك لم يرد صريحا، وأطال في ذلك بما لا طائل فيه‏.‏
والذي ادعى نفيه قد أثبته الشافعي وقال‏:‏ إنه في رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة، ثم وجدته مصرحا به أيضا في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء فذكر الحديث ولفظه ‏"‏ فصلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا وجعل أبو بكر وراءه بينه وبين الناس وصلى الناس وراءه قياما ‏"‏ وهذا مرسل يعتضد بالرواية التي علقها الشافعي عن النخعي، وهذا هو الذي يقتضيه النظر، فإنهم ابتدؤوا الصلاة مع أبي بكر قياما بلا نزاع، فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان‏.‏
ثم رأيت ابن حبان استدل على أنهم قعدوا بعد أن كانوا قياما بما رواه من طريق أبي الزبير عن جابر قال ‏"‏ اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، قال فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا‏.‏
فلما سلم قال‏:‏ إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم، فلا تفعلوا ‏"‏ الحديث‏.‏
وهو حديث صحيح أخرجه مسلم، لكن ذلك لم يكن في مرض موته، وإنما كان ذلك حيث سقط عن الفرس كما في رواية أبي سفيان عن جابر أيضا قال ‏"‏ ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا بالمدينة فصرعه على جذع نخلة فانفكت قدمه ‏"‏ الحديث أخرجه أبو داود وابن خزيمة بإسناد صحيح، فلا حجة على هذا لما ادعاه، إلا أنه تمسك بقوله في رواية أبي الزبير ‏"‏ وأبو بكر يسمع الناس التكبير ‏"‏ وقال إن ذلك لم يكن إلا في مرض موته لأن صلاته في مرضه الأول كانت في مشربة عائشة ومعه نفر من أصحابه لا يحتاجون إلى من يسمعهم تكبيره بخلاف صلاته في مرض موته فإنها كانت في المسجد يجمع كثير من الصحابة فاحتاج أبو بكر أن يسمعهم التكبير‏.‏
انتهى‏.‏
ولا راحة له فيما تمسك به لأن إسماع التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه أحد، وعلى تقدير أنه حفظه فلا مانع أن يسمعهم أبو بكر التكبير في تلك الحالة لأنه يحمل على أن صوته صلى الله عليه وسلم كان خفيا من الوجع، وكان من عادته أن يجهر بالتكبير فكان أبو بكر يجهر عنه بالتكبير لذلك‏.‏
ووراء ذلك كله أنه أمر محتمل لا يترك لأجله الخبر الصريح بأنهم صلوا قياما كما تقدم في مرسل عطاء وغيره، بل في مرسل عطاء أنهم استمروا قياما إلى أن انقضت الصلاة‏.‏
نعم وقع في مرسل عطاء المذكور متصلا به بعد قوله‏:‏ وصلى الناس وراءه قياما ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما صليتم إلا قعودا، فصلوا صلاة إمامكم ما كان، إن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا ‏"‏ وهذه الزيادة تقوى ما قال ابن حبان أن هذه القصة كانت في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم، ويستفاد منها نسخ الأمر بوجوب صلاة المأمومين قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم في هذه المرة الأخيرة بالإعادة، لكن إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز، والجواز لا ينافي الاستحباب فيحمل أمره الأخير بأن يصلوا قعودا على الاستحباب لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم وترك أمرهم بالإعادة‏.‏
هذا مقتضى الجمع بين الأدلة وبالله التوفيق والله أعلم‏.‏
وقد تقدم الكلام على باقي فوائد هذا الحديث في ‏"‏ باب حد المريض أن يشهد الجماعة‏"‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏في بيته‏)‏ أي في المشربة التي في حجرة عائشة كما بينه أبو سفيان عن جابر، وهو دال على أن تلك الصلاة لم تكن في المسجد، وكأنه صلى الله عليه وسلم عجز عن الصلاة بالناس في المسجد فكان يصلي في بيته بمن حضر، لكنه لم ينقل أنه استخلف، ومن ثم قال عياض‏:‏ أن الظاهر أنه صلى في حجرة عائشة وائتم به من حضر عنده ومن كان في المسجد، وهذا الذي قاله محتمل، ويحتمل أيضا أن يكون استخلف وإن لم ينقل، ويلزم على الأول صلاة الإمام أعلى من المأمومين ومذهب عياض خلافه، لكن له أن يقول محل المنع ما إذا لم يكن مع الإمام في مكانه العالي أحد وهنا كان معه بعض أصحابه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو شاك‏)‏ بتخفيف الكاف بوزن قاض من الشكاية وهي المرض، وكان سبب ذلك ما في حديث أنس المذكور بعده أن سقط عن فرس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى جالسًا‏)‏ قال عياض‏:‏ يحتمل أن يكون أصابه من السقطة رض في الأعضاء منعه من القيام‏.‏
قال‏:‏ وليس كذلك، وإنما كانت قدمه صلى الله عليه وسلم انفكت كما في رواية بشير بن المفضل عن حميد عن أنس الإسماعيلي، وكذا لأبي داود وابن خزيمة من رواية أبي سفيان عن جابر كما قدمناه‏.‏
وأما قوله في رواية الزهري عن أنس بن مالك ‏"‏ جحش شقه الأيمن ‏"‏ وفي رواية يزيد عن حميد عن أنس ‏"‏ جحش ساقه ‏"‏ أو ‏"‏ كتفه ‏"‏ كما تقدم في ‏"‏ باب الصلاة على السطوح ‏"‏ فلا ينافي ذلك كون قدمه انفكت لاحتمال وقوع الأمرين، وقد تقدم تفسير الجحش بأن الخدش والخدش قشر الجلد، ووقع عند المصنف في ‏"‏ باب يهوي بالتكبير ‏"‏ من رواية سفيان عن الزهري عن أنس قال سفيان‏:‏ حفظت من الزهري شقه الأيمن، فلما خرجنا قال ابن جريج‏:‏ ساقه الأيمن‏.‏
قلت‏:‏ ورواية ابن جريج أخرجها عبد الرزاق عنه، وليست مصحفة كم زعم بعضهم لموافقة رواية حميد المذكورة لها، وإنما هي مفسرة لمحل الخدش من الشق الأيمن لأن الخدش لم يستوعبه‏.‏
وحاصل ما في القصة أن عائشة أبهمت الشكوى، وبين جابر وأنس السبب وهو السقوط عن الفرس، وعين جابر العلة في الصلاة قاعدا وهي انفكاك القدم، وأفاد ابن حبان أن هذا القصة كانت في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى وراءه قوم قياما‏)‏ ولمسلم من رواية عبدة عن هشام ‏"‏ فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه ‏"‏ الحديث، وقد سمى منهم في الأحاديث أنس كما في الحديث الذي بعده عند الإسماعيلي، وجابر كما تقدم، وأبو بكر كما في حديث جابر، وعمر كما في رواية الحسن مرسلا عند عبد الرزاق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأشار إليهم‏)‏ كذا للأكثر هنا من الإشارة، وكذا لجميعهم في الطب من رواية يحيى القطان عن هشام، ووقع هنا للحموي ‏"‏ فأشار عليهم ‏"‏ من المشورة، والأول أصح فقد رواه أبوب عن هشام بلفظ ‏"‏ فأومأ إليهم ‏"‏ ورواه عبد الرزاق عن معمر عن هشام بلفظ ‏"‏ فأخلف بيده يومئ بها إليهم ‏"‏ وفي مرسل الحسن ‏"‏ ولم يبلغ بها الغاية‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏ قال البيضاوي وغيره‏:‏ الائتمام الاقتداء والاتباع أي جعل الإمام إماما ليقتدى به ويتبع، ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدم عليه في موقفه، بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال‏.‏
وقال النووي وغيره‏:‏ متابعة الإمام واجبه في الأفعال الظاهرة، وقد نبه عليها في الحديث فذكر الركوع وغيره بخلاف النية فإنها لم تذكر وقد خرجت بدليل آخر، وكأنه يعني قصة معاذ الآتية‏.‏
ويمكن أن يستدل من هذا الحديث على عدم دخولها لأنه يقتضي الحصر في الاقتداء به في أفعاله لا في جميع أحواله كما لو كان محدثا أو حامل نجاسة فإن الصلاة خلفه تصح لم يعلم حاله على الصحيح عند العلماء، ثم مع وجوب المتابعة ليس بشيء منها شرطا في صحة القدوة إلا تكبيرة الإحرام، واختلف في الائتمام والمشهور عند المالكية اشتراطه مع الإحرام والقيام من التشهد الأول، وخالف الحنفية فقالوا‏:‏ تكفي المقارنة، قالوا لأن معنى الائتمام الامتثال ومن فعل مثل فعل إمامه عد ممتثلا، وسيأتي بعد باب الدليل على تحريم التقدم على الإمام في الأركان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا ركع فاركعوا‏)‏ قال ابن المنير‏:‏ مقتضاه أن ركوع المأموم يكون بعد ركوع الإمام إما بعد تمام انحنائه وإما أن يسبقه الإمام بأوله فيشرع فيه بعد أن يشرع، قال‏:‏ وحديث أنس أتم من حديث عائشة لأنه زاد فيه المتابعة في القول أيضا‏.‏
قلت‏:‏ قد وقعت الزيادة المذكورة وهي قوله‏:‏ ‏"‏ وإذا قال سمع الله لمن حمده ‏"‏ في حديث عائشة أيضا، ووقع في رواية الليث عن الزهري عن أنس زيادة أخرى في الأقوال وهي قوله في أوله ‏"‏ فإذا كبر فكبروا ‏"‏ وسيأتي في ‏"‏ باب إيجاب التكبير ‏"‏ وكذا فيه من رواية الأعرج عن أبي هريرة، وزاد في رواية عبدة عن هشام في الطب ‏"‏ وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا ‏"‏ وهو يتناول الرفع من الركوع والرفع من السجود وجميع السجدات، وكذا وردت زيادة ذلك في حديث أنس الذي في الباب، وقد وافق عائشة وأنسا وجابرا على رواية هذا الحديث دون القصة التي في أوله أبو هريرة، وله طرق عنه عند مسلم منها ما اتفق عليه الشيخان من رواية همام عنه كما سيأتي في ‏"‏ باب إقامة الصف ‏"‏ وفيه جميع ما ذكر في حديث عائشة وحديث أنس بالزيادة، وزاد أيضا بعد قوله ليؤتم به‏:‏ ‏"‏ لا فلا تختلفوا عليه ‏"‏ ولم يذكرها المصنف في رواية أبي الزناد عن الأعرج عنه من طريق شعيب عن أبي الزناد في ‏"‏ باب إيجاب التكبير ‏"‏ لكن ذكرها السراج والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في المستخرج عنه من طريق أبي اليمان شيخ البخاري فيه وأبو عوانة من رواية بشر بن شعيب عن أبيه شيخ أبي اليمان ومسلم من رواية مغيرة بن عبد الرحمن والإسماعيلي من رواية مالك وورقاء كلهم عن أبي الزناد شيخ شعيب‏.‏
وأفادت هذه الزيادة أن الأمر بالاتباع يعم جميع المأمومين ولا يكفي في تحصيل الائتمام اتباع بعض دون بعض، ولمسلم من رواية الأعمش عن أبي صالح عنه ‏"‏ لا تبادروا الإمام، إذا كبر فكبروا ‏"‏ الحديث، زاد أبو داود من رواية مصعب بن محمد عن أبي صالح ‏"‏ ولا تركعوا حتى يركع ولا تسجدوا حتى يسجد ‏"‏ وهي زيادة حسنة تنفي احتمال إرادة المقارنة من قوله إذا كبر فكبروا‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ جزم ابن بطال ومن تبعه حتى ابن دقيق العيد أن الفاء في قوله‏:‏ ‏"‏ فكبروا ‏"‏ للتعقيب، قالوا ومقتضاه الأمر بأن أفعال المأموم تقع عقب فعل الإمام، لكن تعقب بأن الفاء التي للتعقيب هي العاطفة، وأما التي هنا فهي للربط فقط لأنها وقعت جوابا للشرط، فعلى هذا لا تقتضي تأخر أفعال المأموم عن الإمام إلا على القول بتقدم الشرط على الجزاء، وقد قال قوم إن الجزاء يكون مع الشرط، فعلى هذا لا تنفي المقارنة، لكن رواية أبي داود هذه صريحة في انتقاء التقدم والمقارنة والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ قَوْلُهُ إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا هُوَ فِي مَرَضِهِ الْقَدِيمِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقولوا ربنا ولك الحمد‏)‏ كذا لجميع الرواة في حديث عائشة بإثبات الواو، وكذا لهم في حديث أبي هريرة وأنس إلا في رواية الليث عن الزهري في ‏"‏ باب إيجاب التكبير ‏"‏ فللكشميهني بحذف الواو ورجح إثبات الواو بأن فيها معنى زائدا لكونها عاطفة على محذوف تقديره ربنا استجب أو ربنا أطعناك ولك الحمد فيشتمل على الدعاء والثناء معا، ورجح قوم حذفها لأن الأصل عدم التقدير فتكون عاطفة على كلام غير تام، والأول أوجه كما قال ابن دقيق العيد‏.‏
وقال النووي‏:‏ ثبتت الرواية بإثبات الواو وحذفها، والوجهان جائزان بغير ترجيح، وسيأتي في أبواب صفة الصلاة الكلام على زيادة ‏"‏ اللهم ‏"‏ قبلها، ونقل عياض عن القاضي عبد الوهاب أنه استدل به على أن الإمام يقتصر على قوله ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏ وأن المأموم يقتصر على قوله ‏"‏ ربنا ولك الحمد ‏"‏ وليس في السياق ما يقتضي المنع من ذلك لأن السكوت عن الشيء لا يقتضي ترك فعله، نعم مقتضاه أن المأموم يقول ‏"‏ ربنا لك الحمد ‏"‏ عقب قول الإمام ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏ فأما منع الإمام من قول ربنا ولك الحمد فليس بشيء لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما كما سيأتي في ‏"‏ باب ما يقول عند رفع رأسه من الركوع ‏"‏ ويأتي باقي الكلام عليه هناك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ في رواية شعيب عن الزهري ‏"‏ أخبرني أنس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى صلاة من الصلوات‏)‏ في رواية سفيان عن الزهري ‏"‏ فحضرت الصلاة ‏"‏ وكذا في رواية حميد عن أنس عند الإسماعيلي، قال القرطبي‏:‏ اللام للعهد ظاهرا، والمراد الفرض، لأنها التي عرف من عادتهم أنهم يجتمعون لها بخلاف النافلة‏.‏
وحكى عياض عن ابن القاسم أنها كانت نفلا، وتعقب بأن في رواية جابر عند ابن خزيمة وأبي داود الجزم بأنها فرض كما سيأتي، لكن لم أقف على تعيينها، إلا أن في حديث أنس ‏"‏ فصلى بنا يومئذ ‏"‏ فكأنها نهارية، الظهر أو العصر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلينا وراءه قعودا‏)‏ ظاهره يخالف حديث عائشة، والجمع بينهما أن في رواية أنس هذه اختصارا، وكأنه اقتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم الجلوس، وقد تقدم في ‏"‏ باب الصلاة في السطوح ‏"‏ من رواية حميد عن أنس بلفظ ‏"‏ فصلى بهم جالسا وهم قيام، فلما سلم قال‏:‏ إنما جعل الإمام ‏"‏ وفيها أيضا اختصار لأنه لم يذكر فيه قوله لهم ‏"‏ اجلسوا‏"‏، والجمع بينهما أنهم ابتدؤوا الصلاة قياما فأومأ إليهم بأن يقعدوا فقعدوا، فنقل كل من الزهري وحميد أحد الأمرين، وجمعتهما عائشة، وكذا جمعهما جابر عند مسلم، وجمع القرطبي بين الحديثين باحتمال أن يكون بعضهم قعد من أول الحال وهو الذي حكاه أنس، وبعضهم قام حتى أشار إليه بالجلوس وهذا الذي حكته عائشة‏.‏
وتعقب باستبعاد قعود بعضهم بغير إذنه صلى الله عليه وسلم لأنه يستلزم النسخ بالاجتهاد لأن فرض القادر في الأصل القيام‏.‏
وجمع آخرون بينهما باحتمال تعدد الواقعة وفيه بعد، لأن حديث أنس إن كانت القصة فيه سابقة لزم منه ما ذكرنا من النسخ بالاجتهاد، وإن كانت متأخرة لم يحتج إلى إعادة قول ‏"‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به الخ ‏"‏ لأنهم قد امتثلوا أمره السابق وصلوا قعودا لكونه قاعدا‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية جابر عند أبي داود أنهم دخلوا يعودونه مرتين فصلى بهم فيهما، لكن بين أن الأولى كانت نافلة وأقرهم على القيام وهو جالس، والثانية كانت فريضة وابتدؤوا قياما فأشار إليهم بالجلوس‏.‏
وفي رواية بشر عن حميد عن أنس عند الإسماعيلي نحوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا صلى جالسا‏)‏ استدل به على صحة إمامة الجالس كما تقدم‏.‏
وادعى بعضهم أن المراد بالأمر أن يقتدي به في جلوسه في التشهد وبين السجدتين، لأنه ذكر ذلك عقب ذكر الركوع والرفع منه والسجود، قال‏:‏ فيحمل على أنه لما جلس للتشهد قاموا تعظيما له فأمرهم بالجلوس تواضعا، وقد نبه على ذلك بقوله في حديث جابر ‏"‏ إن كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا ‏"‏ وتعقبه ابن دقيق العيد وغيره بالاستبعاد، وبأن سياق طرق الحديث تأباه، وبأنه لو كان المراد الأمر بالجلوس في الركن لقال وإذا جلس فاجلسوا ليناسب قوله وإذا سجد فاسجدوا، فلما عدل على ذلك إلى قوله ‏"‏ وإذا صلى جالسا ‏"‏ كان كقوله وإذا صلى قائما، فالمراد بذلك جميع الصلاة‏.‏
ويؤيد ذلك قول أنس ‏"‏ فصلينا وراءه قعودا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أجمعون‏)‏ كذا في جميع الطرق في الصحيحين بالواو، إلا أن الرواة اختلفوا في رواية همام عن أبي هريرة كما سيأتي في ‏"‏ باب إقامة الصف ‏"‏ فقال بعضهم ‏"‏ أجمعين ‏"‏ بالياء والأول تأكيد لضمير الفاعل في قوله ‏"‏ صلوا‏"‏، وأخطأ من ضعفه فإن المعنى عليه، والثاني نصب على الحال أي جلوسا مجتمعين، أو على التأكيد لضمير مقدر منصوب كأنه قال‏:‏ أعنيكم أجمعين‏.‏
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم مشروعية ركوب الخيل والتدرب على أخلاقها والتأسي لمن يحصل له سقوط ونحوه بما اتفق للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة وبه الأسوة الحسنة‏.‏
وفيه أنه يجوز عليه صلى الله عليه وسلم ما يجوز على البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره بذلك، بل ليزداد قدره رفعة ومنصبه جلالة‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 12:14 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n88&p1#TOP)باب مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ
قَالَ أَنَسٌ فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يسجد من خلف الإمام‏)‏ أي إذا اعتدل أو جلس بين السجدتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس‏)‏ هو طرف من حديثه الماضي في الباب قبله، لكن في بعض طرقه دون بعض، وسيأتي في ‏"‏ باب إيجاب التكبير ‏"‏ من رواية الليث عن الزهري بلفظه، ومناسبته لحديث الباب مما قدمناه أنه يقتضي تقديم ما يسمى ركوعا من الإمام بناء على تقدم الشرط على الجزاء وحديث الباب يفسره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَهُ بِهَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سفيان‏)‏ هو الثوري، وأبو إسحاق هو السبيعي، وعبد الله بن يزيد هو الخطمي، كذا وقع منسوبا عند الإسماعيلي في رواية لشعبة عن أبي إسحاق، وهو منسوب إلى خطمة بفتح المعجمة وإسكان الطاء بطن من الأوس، وكان عبد الله المذكور أميرا على الكوفة في زمن ابن الزبير، ووقع للمصنف في ‏"‏ باب رفع البصر في الصلاة ‏"‏ أن أبا إسحاق قال ‏"‏ سمعت عبد الله بن يزيد يخطب‏"‏، وأبو إسحاق معروف بالرواية عن البراء بن عازب لكنه سمع هذا عنه بواسطة‏.‏
وفيه لطيفة وهي رواية صحابي ابن صحابي عن صحابي ابن صحابي من الأنصار ثم من الأوس وكلاهما سكن الكوفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو غير كذوب‏)‏ الظاهر أنه من كلام عبد الله بن يزيد وعلى ذلك جرى الحميدي في جمعه وصاحب العمدة، لكن روى عباس الدوري في تاريخه عن يحيى بن معين أنه قال‏:‏ قوله ‏"‏ هو غير كذوب ‏"‏ إنما يريد عبد الله بن يزيد الراوي عن البراء لا البراء‏.‏
ولا يقال لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كذوب، يعني أن هذه العبارة إنما تحسن في مشكوك في عدالته والصحابة كلهم عدول لا يحتاجون إلى تزكية‏.‏
وقد تعقبه الخطابي فقال‏:‏ هذا القول لا يوجب تهمة في الراوي إنما يوجب حقيقة الصدق له، قال‏:‏ وهذه عادتهم إذا أرادوا تأكيد العلم بالراوي والعمل بما روى، كان أبو هريرة يقول ‏"‏ سمعت خليلي الصادق المصدوق‏"‏‏.‏
وقال ابن مسعود ‏"‏ حدثني الصادق المصدوق ‏"‏ وقال عياض وتبعه النووي‏:‏ لا وصم في هذا على الصحابة لأنه لم يرد به التعديل، وإنما أراد به تقوية الحديث إذ حدث به البراء وهو غير متهم، ومثل هذا قول أبي مسلم الخولاني‏:‏ حدثني الحبيب الأمين‏.‏
وقد قال ابن مسعود وأبو هريرة فذكرهما‏.‏
قال‏:‏ وهذا قالوه تنبيها على صحة الحديث لا أن قائله قصد به تعديل راويه‏.‏
وأيضا فتنزيه ابن معين للبراء عن التعديل لأجل صحبته ولم ينزه عن ذلك عبد الله بن يزيد لا وجه له، فإن عبد الله بن يزيد معدود في الصحابة‏.‏
انتهى كلامه‏.‏
وقد علمت أنه أخذ كلام الخطابي فبسطه واستدرك عليه الإلزام الأخير، وليس بوارد لأن يحيى بن معين لا يثبت صحبة عبد الله بن يزيد، وقد نفاها أيضا مصعب الزبيري وتوقف فيها أحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو داود وأثبتها ابن البرقي والدار قطني وآخرون‏.‏
وقال النووي‏:‏ معنى الكلام حدثني البراء وهو غير متهم كما علمتم فثقوا بما أخبركم به عنه، وقد اعترض بعض المتأخرين على التنظير المذكور فقال‏:‏ كأنه لم يلم بشيء من علم البيان، للفرق الواضح بين قولنا فلان صدوق وفلان غير كذوب لأن في الأول إثبات الصفة للموصوف، وفي الثاني نفي ضدها عنه فهما مفترقان‏.‏
قال‏:‏ والسر فيه أن نفي الضد كأنه يقع جوابا لمن أثبته يخالف إثبات الصفة‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر لي أن الفرق بينهما أنه يقع في الإثبات بالمطابقة وفي النفي بالالتزام، لكن التنظير صحيح بالنسبة إلى المعنى المراد باللفظين، لأن كلا منهما يرد عليه أنه تزكية في حق مقطوع بتزكيته فيكون من تحصيل الحاصل، ويحصل الانفصال عن ذلك بما تقدم من أن المراد بكل منهما تفخيم الأمر وتقويته في نفس السامع‏.‏
وذكر ابن دقيق العيد أن بعضهم استدل على أنه كلام عبد الله بن يزيد بقول أبي إسحاق في بعض طرقه‏:‏ سمعت عبد الله بن يزيد وهو يخطب يقول ‏"‏ حدثنا البراء وكان غير كذوب ‏"‏ قال وهو محتمل أيضا‏.‏
قلت‏:‏ لكنه أبعد من الأول‏.‏
وقد وجدت الحديث من غير طريق أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد وفيه قوله أيضا ‏"‏ حدثنا البراء وهو غير كذوب ‏"‏ أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق محارب بن دثار قال‏:‏ سمعت عبد الله بن يزيد على المنير يقول‏.‏
فذكره‏.‏
وأصله في مسلم، لكن ليس فيه قوله ‏"‏ وكان غير كذوب ‏"‏ وهذا يقوى أن الكلام لعبد الله ابن يزيد، والله أعلم‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ روى الطبراني في مسند عبد الله بن يزيد هذا شيئا يدل على سبب روايته لهذا الحديث، فإنه أخرج من طريقه أنه كان يصلي بالناس بالكوفة فكان الناس يضعون رءوسهم قبل أن يضع رأسه ويرفعون قبل أن يرفع رأسه، فذكر الحديث في إنكاره عليهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا قال سمع الله لمن حمده‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ إذا رفع رأسه من الركوع ‏"‏ ولمسلم من رواية محارب بن دثار ‏"‏ فإذا رفع رأسه من الركوع فقال سمع الله لمن حمده لم نزل قياما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم يحن‏)‏ بفتح التحتانية وسكون المهملة أي لم يثن، يقال حنيت العود إذا ثنيته‏.‏
وفي رواية لمسلم ‏"‏ لا يحنو ‏"‏ وهي لغة صحيحة يقال حنيت وحنوت بمعنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يقع ساجدا‏)‏ في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق ‏"‏ حتى يضع جبهته على الأرض ‏"‏ وسيأتي في ‏"‏ باب سجود السهو‏"‏، ونحوه لمسلم من رواية زهير عن أبي إسحق، ولأحمد عن غندر عن شعبة ‏"‏ حتى يسجد ثم يسجدون ‏"‏ واستدل به ابن الجوزي على أن المأموم لا يشرع في الركن حتى يتمه الإمام، وتعقب بأنه ليس فيه إلا التأخر حتى يتلبس الإمام بالركن الذي ينتقل إليه بحيث يشرع المأموم بعد شروعه وقبل الفراغ منه‏.‏
ووقع في حديث عمرو بن حريث عند مسلم ‏"‏ فكان لا يحنى أحد منا ظهره حتى يستتم ساجدا ‏"‏ ولأبي يعلى من حديث أنس ‏"‏ حتى يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود ‏"‏ وهو أوضح في انتفاء المقارنة‏.‏
واستدل به على الطمأنينة وفيه نظر، وعلى جواز النظر إلى الإمام لاتباعه في انتقالاته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان‏.‏
نحوه‏)‏ هكذا في رواية المستملى وكريمة، وسقط للباقين‏.‏
وقد أخرجه أبو عوانة عن الصغاني وغيره عن أبي نعيم ولفظه ‏"‏ كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 12:15 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n88&p1#TOP)باب إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام‏)‏ أي من السجود كما سيأتي بيانه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ لَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن زياد‏)‏ هو الجمحي مدني سكن البصرة وله في البخاري أحاديث عن أبي هريرة، وفي التابعين أيضا محمد بن زياد الالهاني الحمصي وله عنده حديث واحد عن أبي أمامة في المزارعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أما يخشى أحدكم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أو لا يخشى ‏"‏ ولأبي داود عن حفص بن عمر عن شعبة ‏"‏ أما يخشى أو ألا يخشى ‏"‏ بالشك‏.‏
و ‏"‏ أما ‏"‏ بتخفيف الميم حرف استفتاح مثل ألا، وأصلها النافية دخلت عليها همزة الاستفهام وهو هنا استفهام توبيخ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا رفع رأسه قبل الإمام‏)‏ زاد ابن خزيمة من رواية حماد بن زيد عن محمد بن زياد ‏"‏ في صلاته‏"‏‏.‏
وفي رواية حفص بن عمر المذكورة ‏"‏ الذي يرفع رأسه والإمام ساجد ‏"‏ فتبين أن المراد الرفع من السجود ففيه تعقب على من قال إن الحديث نص في المنع من تقدم المأموم على الإمام في الرفع من الركوع والسجود معا، وإنما هو نص في السجود، ويلتحق به الركوع لكونه في معناه، ويمكن أن يفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه لأنه غاية الخضوع المطلوب منه، فلذلك خص بالتنصيص عليه، ويحتمل أن يكون من باب الاكتفاء، وهو ذكر أحد الشيئين المشتركين في الحكم إذا كان للمذكور مزية، وأما التقدم على الإمام في الخفض في الركوع والسجود فقيل يلتحق به من باب الأولى، لأن الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل، والركوع والسجود من المقاصد، وإذا دل الدليل على وجوب الموافقة فيما هو وسيلة فأولى أن يجب فيما هو مقصد، ويمكن أن يقال ليس هذا بواضح لأن الرفع من الركوع والسجود يستلزم قطعه عن غاية كماله، ودخول النقص في المقاصد أشد من دخوله في الوسائل، وقد ورد الزجر عن الخفض والرفع قبل الإمام في حديث آخر أخرجه البزار من رواية مليح صلى الله عليه وسلم بن عبد الله السعدي عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان‏"‏‏.‏
وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفا وهو المحفوظ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو يجعل الله صورته صورة حمار‏)‏ الشك من شعبة، فقد رواه الطيالسي عن حماد بن سلمة وابن خزيمة من رواية حماد بن زيد ومسلم من رواية يونس بن عبيد والربيع بن مسلم كلهم عن محمد بن زياد بغير تردد، فأما الحمادان فقالا ‏"‏ رأس ‏"‏ وأما‏.‏
يونس فقال ‏"‏ صورة ‏"‏ وأما الربيع فقال ‏"‏ وجه‏"‏، والظاهر أنه من تصرف الرواة‏.‏
قال عياض‏:‏ هذه الروايات متفقة لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه‏.‏
قلت‏:‏ لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضا، وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتمدة، وخص وقوع الوعيد عليها لأن بها وقعت الجناية وهي أشمل، وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات، وبذلك جزم النووي في شرح المهذب، ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته، وعن ابن عمر تبطل وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر بناء على أن النهي يقتضي الفساد، وفي المغني عن أحمد أنه قال في رسالته‏:‏ ليس لمن سبق الإمام صلاة لهذا الحديث، قال‏:‏ ولو كانت له صلاة لرجى له الثواب ولم يخش عليه العقاب‏.‏
واختلف في معنى الوعيد المذكور فقيل‏:‏ يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي، فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام، ويرجح هذا المجازى أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين، لكن ليس في الحديث ما يدل أن ذلك يقع ولا بد، وإنما يدل على كون فاعله متعرضا لذلك وكون فعله ممكنا لأن يقع عنه ذلك الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء، قاله ابن دقيق العيد‏.‏
وقال ابن بزيزة‏:‏ يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معا‏.‏
وحمله آخرون على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك، وسيأتي في كتاب الأشربة الدليل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة، وهو حديث أبي مالك الأشعري في المغازي فإن فيه ذكر الخسف وفي آخره ‏"‏ ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة ‏"‏ وسيأتي مزيد لذلك في تفسير سورة الأنعام إن شاء الله تعالى‏.‏
ويقوى حمله على ظاهره أن في رواية ابن حبان من وجه آخر عن محمد بن زياد ‏"‏ أن يحول الله رأسه رأس كلب ‏"‏ فهذا يبعد المجاز لانتقاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار‏.‏
ومما يبعده أيضا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة، ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلا فرأسه رأس حمار، وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور فلا يحسن أن يقال له يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليدا، مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة‏.‏
وقال ابن الجوزي في الرواية التي عبر فيها بالصورة‏:‏ هذه اللفظة تمنع تأويل من قال المراد رأس حمار في البلادة، ولم يبين وجه المنع‏.‏
وفي الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته وبيانه لهم الأحكام وما يترتب عليها من الثواب والعقاب، واستدل به على جواز المقارنة، ولا دلالة فيه لأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة، وبمفهومه على طلب المتابعة، وأما المقارنة فمسكوت عنها‏.‏
وقال ابن بزيزة‏:‏ استدل بظاهره قوم لا يعقلون على جواز التناسخ‏.‏
قلت‏:‏ وهو مذهب رديء مبني على دعاوى بغير برهان، والذي استدل بذلك منهم إنما استدل بأصل النسخ لا بخصوص هذا الحديث‏.‏
‏(‏لطيفة‏)‏ ‏:‏ قال صاحب ‏"‏ القبس ‏"‏‏:‏ ليس للتقدم قبل الإمام سبب إلا طلب الاستعجال، ودواؤه أن يستحضر أنه لا يسلم قبل الإمام فلا يستعجل في هذه الأفعال، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n88&p1#TOP)باب إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى
وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنْ الْمُصْحَفِ وَوَلَدِ الْبَغِيِّ وَالْأَعْرَابِيِّ وَالْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إمامة العبد والمولى‏)‏ أي العتيق، قال الزين بن المنير‏:‏ لم يفصح بالجواز لكن لوح به لإيراده أدلته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكانت عائشة الخ‏)‏ وصله أبو داود صلى الله عليه وسلم في ‏"‏ كتاب المصاحف ‏"‏ من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة أن عائشة كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف، ووصله ابن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة أنها أعتقت غلاما لها عن دبر، فكان يؤمها في رمضان في المصحف‏.‏
ووصله الشافعي وعبد الرزاق من طريق أخرى عن ابن أبي مليكة أنه كان يأتي عائشة بأعلى الوادي - هو وأبوه وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير - فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وهو يومئذ غلام لم يعتق، وأبو عمرو المذكور هو ذكوان، وإلى صحة إمامة العبد ذهب الجمهور‏.‏
وخالف مالك فقال‏:‏ لا يؤم الأحرار إلا إن كان قارئا وهم لا يقرءون فيؤمهم، إلا في الجمعة لأنها لا تجب عليه‏.‏
وخالفه أشهب واحتج بأنها تجزئه إذا حضرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في المصحف‏)‏ استدل به على جواز قراءة المصلي من المصحف، ومنع منه آخرون لكونه عملا كثيرا في الصلاة صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وولد البغي‏)‏ بفتح الموحدة وكسر المعجمة والتشديد أي الزانية، ونقل ابن التين أنه رواه بفتح الموحدة وسكون المعجمة والتخفيف، والأول أولى، وهو معطوف على قوله ‏"‏ والمولى ‏"‏ لكن فصل بين المتعاطفين بأثر عائشة، وغفل القرطبي في مختصر البخاري فجعله من بقية الأثر المذكور، وإلى صحة إمامة ولد الزنا ذهب الجمهور أيضا، وكان مالك يكره أن يتخذ إماما راتبا، وعلته عنده أنه يصير معرضا لكلام الناس فيأثمون بسببه، وقيل لأنه ليس في الغالب من يفقهه صلى الله عليه وسلم فيغلب عليه الجهل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والأعرابي‏)‏ بفتح الهمزة أي ساكن البادية، وإلى صحة إمامته ذهب الجمهور أيضا، وخالف مالك وعلته عنده غلبة الجهل على ساكن البوادي، وقيل لأنهم يديمون نقص السنن وترك حضور الجماعة غالبا قوله‏:‏ ‏(‏والغلام الذي لم يحتلم‏)‏ ظاهره أنه أراد المراهق، ويحتمل الأعم لكن يخرج منه من كان دون سن التمييز بدليل آخر، ولعل المصنف راعى اللفظ الوارد في النهي عن ذلك وهو فيما رواه عبد الرزاق من حديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ لا يؤم الغلام حتى يحتلم ‏"‏ وإسناده ضعيف، وقد أخرج المصنف في غزوة الفتح حديث عمرو بن سلمة بكسر اللام أنه كان يؤم قومه وهو ابن سبع سنين، وقيل إنما لم يستدل به هنا لأن أحمد بن حنبل توقف فيه فقيل‏:‏ لأنه ليس فيه اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقيل لاحتمال أن يكون أراد أنه كان يؤمهم في النافلة دون الفريضة، وأجيب عن الأول بأن زمان نزول الوحي لا يقع فيه لأحد من الصحابة التقرير على ما لا يجوز فعله، ولهذا استدل أبو سعيد وجابر على جواز العزل بأنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل كما سيأتي في موضعه، وأيضا فالوفد الذين قدموا عمرو بن سلمة كانوا جماعة من الصحابة، وقد نقل ابن حزم أنه لا يعلم لهم في ذلك مخالف منهم‏.‏
وعن الثاني بأن سياق رواية المصنف تدل على أنه كان يؤمهم في الفرائض لقوله فيه ‏"‏ صلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي رواية لأبي داود قال عمرو ‏"‏ فما شهدت مشهدا في جرم صلى الله عليه وسلم إلا كنت إمامهم ‏"‏ وهذا يعم الفرائض والنوافل واحتج ابن حزم على عدم الصحة بأنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يؤمهم أقرؤهم قال‏:‏ فعلى هذا إنما يؤم من يتوجه إليه الأمر، والصبي ليس بمأمور لأن القلم رفع عنه فلا يؤم، كذا قال، ولا يخفى فساده لأنا نقول‏:‏ المأمور من يتوجه إليه الأمر من البالغين بأنهم يقدمون من اتصف بكونه أكثر قرآنا فبطل ما احتج به، وإلى صحة إمامة الصبي ذهب أيضا الحسن البصري والشافعي وإسحاق، وكرهها مالك والثوري، وعن أبي حنيفة وأحمد روايتان والمشهور عنهما الإجزاء في النوافل دون الفرائض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقول النبي صلى الله عليه وسلم يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله‏)‏ أي فكل من اتصف بذلك جازت إمامته من عبد وصبي وغيرها، وهذا طرف من حديث أبي مسعود الذي ذكرناه في ‏"‏ باب أهل العلم أحق بالإمامة ‏"‏ وقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن بلفظ ‏"‏ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي حديث عمرو بن سلمة المذكور عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ وليؤمكم أكثركم قرآنا ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عند مسلم أيضا ‏"‏ إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم ‏"‏ واستدل بقوله أقرؤهم على أن إمامة الكافر لا تصح لأنه لا قراءة له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يمنع العبد من الجماعة‏)‏ هذا من كلام المصنف، وليس من الحديث المعلق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بغير علة‏)‏ أي بغير ضرورة لسيده، فلو قصد تفويت الفضيلة عليه بغير ضرورة لم يكن له ذلك، وسنذكر مستنده في الكلام على قصة سالم في أول حديثى الباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو العمري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما قدم المهاجرون الأولون‏)‏ أي من مكة إلى المدينة وبه صرح في رواية الطبراني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏العصبة‏)‏ بالنصب على الظرفية لقوله ‏"‏ قدم ‏"‏ كذا في جميع الروايات‏.‏
وفي رواية أبي داود ‏"‏ نزلوا العصبة ‏"‏ أي المكان المسمى بذلك وهو بإسكان الصاد المهملة بعدها موحدة، واختلف في أوله فقيل بالفتح وقيل بالضم، ثم رأيت في النهاية ضبطه بعضهم بفتح العين والصاد المهملتين، قال أبو عبيد البكري‏:‏ لم يضبطه الأصيلي في روايته، والمعروف ‏"‏ المعصب ‏"‏ بوزن محمد بالتشديد وهو موضع بقباء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة‏)‏ زاد في الأحكام من رواية ابن جريج عن نافع ‏"‏ وفيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة - أي ابن عبد الأسد - وزيد أي ابن حارثة وعامر بن ربيعة ‏"‏ واستشكل ذكر أبي بكر فيهم إذ في الحديث أن ذلك كان قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر كان رفيقه، ووجهه البيهقي باحتمال أن يكون سالم المذكور استمر على الصلاة بهم فيصح ذكر أبي بكر، ولا يخفى ما فيه‏.‏
ووجه الدلالة منه إجماع كبار الصحابة القرشيين على تقديم سالم عليهم، وكان سالم المذكور مولى امرأة من الأنصار فأعتقته، وكأن إمامته بهم كانت قبل أن يعتق، وبذلك تظهر مناسبة قول المصنف ‏"‏ ولا يمنع العبد‏"‏‏.‏
وإنما قيل له مولى أبي حذيفة لأنه لازم أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بعد أن عتق فتبناه، فلما نهوا عن ذلك قيل له مولاه كما سيأتي في موضعه‏.‏
واستشهد سالم باليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان أكثرهم قرآنا‏)‏ إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه‏.‏
وفي رواية للطبراني ‏"‏ لأنه كان أكثرهم قرآنا‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اسمعوا وأطيعوا‏)‏ أي فيما فيه طاعة لله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن استعمل‏)‏ أي جعل عاملا، وللمصنف في الأحكام عن مسدد عن يحيى ‏"‏ وإن استعمل عليكم عبد حبشي ‏"‏ وهو أصرح في مقصود الترجمة، وذكره بعد باب من طريق غندر عن شعبة بلفظ ‏"‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر‏:‏ اسمع وأطع ‏"‏ الحديث، وقد أخرجه مسلم من طريق غندر أيضا لكن بإسناد له آخر عن شعبة عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال ‏"‏ إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن اسمع وأطع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف‏"‏‏.‏
وأخرجه الحاكم والبيهقي من هذا الوجه، وفيه قصة أن أبا ذر انتهى إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة فإذا عبد يؤمهم، قال فقيل‏:‏ هذا أبو ذر، فذهب يتأخر، فقال أبو ذر‏:‏ ‏"‏ أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
وأخرج مسلم أيضا من طريق غندر أيضا عن شعبة عن يحيى بن الحصين سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول ‏"‏ ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله ‏"‏ وفي هذه الرواية فائدتان‏:‏ تعيين جهة الطاعة، وتاريخ الحديث وأنه كان في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كأن رأسه زبيبة‏)‏ قيل شبهه بذلك لصغر رأسه، وذلك معروف في الحبشة، وقيل لسواده، وقيل لقصر شعر رأسه وتفلفله‏.‏
ووجه الدلالة منه على صحة إمامة العبد أنه إذا أمر بطاعته فقد أمر بالصلاة خلفه قاله ابن بطال‏.‏
ويحتمل أن يكون مأخوذا من جهة ما جرت به عادتهم أن الأمير هو الذي يتولى الإمامة بنفسه أو نائبه، واستدل به على المنع من القيام على السلاطين وإن جاروا لأن القيام عليهم يفضي غالبا إلى أشد مما ينكر عليهم، ووجه الدلالة منه أنه أمر بطاعة العبد الحبشي والإمامة العظمى إنما تكون بالاستحقاق في قريش فيكون غيرهم متغلبا، فإذا أمر بطاعته استلزم النهي عن مخالفته والقيام عليه‏.‏
ورده ابن الجوزي بأن المراد بالعامل هنا من يستعمله الإمام لا من يلي الإمامة العظمى، وبأن المراد بالطاعة الطاعة فيما وافق الحق‏.‏
انتهى‏.‏
ولا مانع من حمله على أعم من ذلك، فقد وجد من ولى الإمامة العظمى من غير قريش من ذوى الشوكة متغلبا، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأحكام‏.‏
وقد عكسه بعضهم فاستدل به على جواز الإمامة في غير قريش، وهو متعقب، إذ لا تلازم بين الإجزاء والجواز، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 12:16 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n88&p1#TOP)باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الْإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه‏)‏ يشير بذلك إلى حديث عقبة بن عامر وغيره كما سيأتي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الفضل بن سهل‏)‏ هو البغدادي المعروف بالأعرج من صغار شيوخ البخاري ومات قبله بسنة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصلون‏)‏ أي الأئمة، واللام في قوله ‏"‏ لكلم ‏"‏ للتعليل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن أصابوا فلكم‏)‏ أي ثواب صلاتكم، زاد أحمد عن الحسن بن موسى بهذا السند ‏"‏ ولهم ‏"‏ أي ثواب صلاتهم، وهو يغني عن تكلف توجيه حذفها، وتمسك ابن بطال بظاهر الرواية المحذوفة فزعم أن المراد بالإصابة هنا إصابة الوقت، واستدل بحديث ابن مسعود مرفوعا ‏"‏ لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها، فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم في الوقت ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة ‏"‏ وهو حديث حسن أخرجه النسائي وغيره، فالتقدير على هذا‏:‏ فإن أصابوا الوقت وإن أخطؤوا الوقت فلكم يعني الصلاة التي في الوقت‏.‏
انتهى‏.‏
وغفل عن الزيادة التي في رواية أحمد فإنها تدل على أن المراد صلاتهم معهم لا عند الانفراد، وكذا أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طرق عن الحسن بن موسى، وقد أخرج ابن حبان حديث أبي هريرة من وجه آخر أصرح في مقصود الترجمة ولفظه ‏"‏ يكون أقوام يصلون الصلاة، فإن أتموا فلكم ولهم ‏"‏ وروى أبو داود من حديث عقبة بن عامر مرفوعا ‏"‏ من أم الناس فأصاب الوقت فله ولهم‏"‏‏.‏
وفي رواية أحمد في هذا الحديث ‏"‏ فإن صلوا الصلاة لوقتها وأتموا الركوع والسجود فهي لكم ولهم ‏"‏ فهذا يبين أن المراد ما هو أعم من ترك إصابة الوقت، قال ابن المنذر‏:‏ هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن أخطؤوا‏)‏ أي ارتكبوا الخطيئة، ولم يرد به الخطأ المقابل للعمد لأنه لا إثم فيه‏.‏
قال المهلب‏:‏ فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه‏.‏
ووجه غيره قوله إذا خيف منه بأن الفاجر إنما يؤم إذا كان صاحب شوكة‏.‏
وقال البغوي في شرح السنة‏:‏ فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم محدثا أنه تصح صلاة المأمومين وعليه الإعادة‏.‏
واستدل به غيره على أعم من ذلك وهو صحة الائتمام بمن يخل بشيء من الصلاة ركنا كان أو غيره إذا أتم المأموم، وهو عند الشافعية بشرط أن يكون الإمام هو الخليفة أو نائبه، والأصح عندهم صحة الاقتداء بمن علم أنه ترك واجبا‏.‏
ومنهم من استدل به على الجواز مطلقا بناء على أن المراد بالخطأ ما يقابل العمد، قال‏:‏ ومحل الخلاف في الأمور الاجتهادية كمن يصلي خلف من لا يرى قراءة البسملة ولا أنها من أركان القراءة ولا أنها آية من الفاتحة بل يرى أن الفاتحة تجزئ بدونها قال‏:‏ فإن صلاة المأموم تصح إذا قرأ هو البسملة لأن غاية حال الإمام في هذه الحالة أن يكون أخطأ‏.‏
وقد دل الحديث على أن خطأ الإمام لا يؤثر في صحة صلاة المأموم إذا أصاب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ حديث الباب من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وفيه مقال، وقد ذكرنا له شاهدا عند ابن حبان، وروى الشافعي معناه من طريق صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ ‏"‏ يأتي قوم فيصلون لكم، فإن أتموا كان لهم ولكم، وإن نقصوا كان عليهم ولكم‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 12:18 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n88&p1#TOP)باب إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدِعِ
وَقَالَ الْحَسَنُ صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إمامة المفتون‏)‏ أي الذي دخل في الفتنة فخرج على الإمام، ومنهم من فسره بما هو أعم من ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والمبتدع‏)‏ أي من اعتقد شيئا مما يخالف أهل السنة والجماعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن صل وعليه بدعته‏)‏ وصله سعيد بن منصور عن ابن المبارك عن هشام بن حسان أن الحسن سئل عن الصلاة خلف صاحب البدعة فقال الحسن ‏"‏ صل خلفه وعليه بدعته‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ قَالَ الزُّهْرِيُّ لَا نَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُخَنَّثِ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال لنا محمد بن يوسف‏)‏ هو الفريابي، قيل عبر بهذه الصيغة لأنه مما أخذه من شيخه في المذاكرة فلم يقل فيه حدثنا، وقيل إن ذلك مما تحمله بالإجازة أو المناولة أو العرض، وقيل‏:‏ هو متصل من حيث اللفظ منقطع من حيث المعنى‏.‏
والذي ظهر لي بالاستقراء خلاف ذلك، وهو أنه متصل لكنه لا يعبر بهذه الصيغة إلا إذا كان المتن موقوفا أو كان فيه راو ليس على شرطه، والذي هنا من قبيل الأول، وقد وصله الإسماعيلي من رواية محمد بن يحيى قال‏:‏ حدثنا محمد بن يوسف الفريابي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد بن عبد الرحمن‏)‏ أي ابن عوف‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ أخبرني حميد‏"‏‏.‏
وأخرجه الإسماعيلي من طريق أخرى عن الأوزاعي، وخالفه يونس بن يزيد فقال‏:‏ عن الزهري عن عروة أخرجه الإسماعيلي أيضا، وكذلك رواه معمر عن الزهري أخرجه عمر بن شبة في ‏"‏ كتاب مقتل عثمان ‏"‏ عن غندر عنه، ويحتمل أن يكون للزهري فيه شيخان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن عدي‏)‏ في رواية ابن المبارك عن الأوزاعي عند الإسماعيلي وأبي نعيم ‏"‏ حدثني عبيد الله بن عدي بن الخيار من بني نوفل بن عبد مناف ‏"‏ وعبيد الله المذكور تابعي كبير معدود في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان عثمان من أقارب أمه كما سيأتي في موضعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنك إمام عامة‏)‏ أي جماعة‏.‏
وفي رواية يونس ‏"‏ وأنت الإمام ‏"‏ أي الأعظم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونزل بك ما نرى‏)‏ أي من الحصار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويصلي لنا‏)‏ أي يؤمنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إمام فتنة‏)‏ أي رئيس فتنة، واختلف في المشار إليه بذلك فقيل‏:‏ هو عبد الرحمن بن عديس البلوى أحد رءوس المصريين الذين حصروا عثمان، قاله ابن وضاح فيما نقله عنه ابن عبد البر وغيره‏.‏
وقاله ابن الجوزي وزاد‏:‏ إن كنانة بن بشر أحد رءوسهم صلى بالناس أيضا‏.‏
قلت‏:‏ وهو المراد هنا، فإن سيف بن عمر روى حديث الباب في ‏"‏ كتاب الفتوح ‏"‏ من طريق أخرى عن الزهري بسنده فقال فيه ‏"‏ دخلت على عثمان وهو محصور وكنانة يصلي بالناس فقلت كيف ترى ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد صلى بالناس يوم حصر عثمان أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري لكن بإذن عثمان، ورواه عمر بن شبة بسند صحيح، ورواه ابن المديني من طريق أبي هريرة‏.‏
وكذلك صلى بهم علي بن أبي طالب فيما رواه إسماعيل الخطي في ‏"‏ تاريخ بغداد ‏"‏ من رواية ثعلبة بن يزيد الحماني قال‏:‏ فلما كان يوم عيد الأضحى جاء علي فصلى بالناس‏.‏
وقال ابن المبارك فيما رواه الحسن الحلواني‏:‏ لم يصل بهم غيرها‏.‏
وقال غيره‏:‏ صلى بهم عدة صلوات وصلى بهم أيضا سهل بن حنيف، رواه عمر بن شبة بإسناد قوى‏.‏
وقيل صلى بهم أيضا أبو أيوب الأنصاري وطلحة بن عبيد الله، وليس واحد من هؤلاء مرادا بقوله إمام فتنة‏.‏
وقال الداودي‏:‏ معنى قوله ‏"‏ إمام فتنة ‏"‏ أي إمام وقت فتنة، وعلى هذا لا اختصاص له بالخارجي‏.‏
قال‏:‏ ويدل على صحة ذلك أن عثمان لم يذكر الذي أمهم بمكروه بل ذكر أن فعله أحسن الأعمال‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا مغاير لمراد المصنف من ترجمته، ولو كان كما قال لم يكن قوله ‏"‏ ونتحرج ‏"‏ مناسبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونتحرج‏)‏ في رواية ابن المبارك ‏"‏ وأنا لنتحرج من الصلاة معه ‏"‏ والتحرج التأثم، أي نخاف الوقوع في الإثم، وأصل الحرج الضيق، ثم استعمل للإثم‏.‏
لأنه يضيق على صاحبه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال الصلاة أحسن‏)‏ في رواية ابن المبارك ‏"‏ أن الصلاة أحسن ‏"‏ وفي رواية معقل بن زياد عن الأوزاعي عند الإسماعيلي ‏"‏ من أحسن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا أحسن الناس فأحسن‏)‏ ظاهره أنه رخص له في الصلاة معهم كأنه يقول لا يضرك كونه مفتونا، بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه واترك ما افتتن به، وهو المطابق لسياق الباب، وهو الذي فهمه الداودي حتى احتاج إلى تقدير حذف في قوله إمام فتنة، وخالف ابن المنير فقال‏:‏ يحتمل أن يكون رأى أن الصلاة خلفه لا تصح فحاد عن الجواب بقوله إن الصلاة أحسن، لأن الصلاة التي هي أحسن هي الصلاة الصحيحة، وصلاة الخارجي غير صحيحة لأنه إما كافر أو فاسق‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا قاله نصرة لمذهبه في عدم صحة الصلاة خلف الفاسق، وفيه نظر لأن سيفا روى في الفتوح عن سهل بن يوسف الأنصاري عن أبيه قال‏:‏ كره الناس الصلاة خلف الذين حصروا عثمان إلا عثمان فإنه قال‏:‏ من دعا إلى الصلاة فأجيبوه‏.‏
انتهى‏.‏
فهذا صريح في أن مقصوده بقوله ‏"‏ الصلاة أحسن ‏"‏ الإشارة إلى الإذن بالصلاة خلفه، وفيه تأييد لما فهمه المصنف من قوله إمام فتنة، وروى سعيد بن منصور من طريق مكحول قال‏:‏ قالوا لعثمان إنا نتحرج أن نصلي خلف هؤلاء الذين حصروك، فذكر نحو حديث الزهري‏.‏
وهذا منقطع إلا أنه اعتضد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا أساؤوا فاجتنب‏)‏ فيه تحذير من الفتنة والدخول فيها ومن جميع ما ينكر من قول أو فعل أو اعتقاد، وفي هذا الأثر الحض على شهود الجماعة ولا سيما في زمن الفتنة لئلا يزداد تفرق الكلمة، وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل الجماعة، وفيه رد على زعم أن الجمعة لا يجزئ أن تقام بغير إذن الإمام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الزبيدي‏)‏ بضم الزاي هو محمد بن الوليد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏المخنث‏)‏ رويناه بكسر النون وفتحها، فالأول المراد به من فيه تكسر وتثن وتشبه بالنساء‏.‏
والثاني المراد به من يؤتي، وبه جزم أبو عبد الملك فيما حكاه ابن التين محتجا بأن الأول لا مانع من الصلاة خلفه إذا كان ذلك أصل خلقته‏.‏
ورد بأن المراد من يتعمد ذلك فيتشبه بالنساء فإن ذلك بدعة قبيحة، ولهذا جوز الداودي أن يكون كل منهما مرادا‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ ذكر البخاري هذه المسألة هنا لأن المخنث مفتتن في طريقته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا من ضرورة‏)‏ أي بأن يكون ذا شوكة أو من جهته فلا تعطل الجماعة بسببه، وقد رواه معمر عن الزهري بغير قيد أخرجه عبد الرزاق عنه ولفظه ‏"‏ قلت‏:‏ فالمخنث‏؟‏ قال‏:‏ لا ولا كرامة، لا يؤتم به ‏"‏ وهو محمول على حالة الاختيار‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِحَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن أبان‏)‏ هو البلخي مستملى وكيع، وقيل الواسطي وهو محتمل لكن لم نجد للواسطي رواية عن غندر بخلاف البلخي، وقد تقدم عنه بموضع آخر في المواقيت وهذا جميع ما أخرج عنه البخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اسمع وأطع‏)‏ تقدم الكلام عليه قبل بباب، قال ابن المنير‏:‏ وجه دخوله في هذا الباب أن الصفة المذكورة إنما توجد غالبا في عجمي حديث عهد بالإسلام لا يخلو من جهل بدينه، وما يخلو من هذه صفته ارتكاب البدعة، ولو لم يكن إلا افتتانه بنفسه حتى تقدم للإمامة وليس من أهلها‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n88&p1#TOP)باب يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يقوم‏)‏ أي المأموم ‏(‏عن يمين الإمام بحذائه‏)‏ بكسر المهملة وذال معجمة بعدها مدة، أي بجنبه، فأخرج بذلك من كان خلفه أو مائلا عنه‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏سواء‏)‏ أخرج به من كان إلى جنبه لكن على بعد عنه، كذا قال الزين بن المنير، والذي يظهر أن قوله بحذائه يخرج هذا أيضا‏.‏
وقوله سواء أي لا يتقدم ولا يتأخر، وفي انتزاع هذا من الحديث الذي أورده بعد‏.‏
وقد قال أصحابنا‏:‏ يستحب أن يقف المأموم دونه قليلا، وكأن المصنف أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه، فقد تقدم في الطهارة من رواية مخرمة عن كريب عن ابن عباس بلفظ ‏"‏ فقمت إلى جنبه ‏"‏ وظاهره المساواة‏.‏
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس نحوا من هذه القصة، وعن ابن جريج قال قلت لعطاء‏:‏ الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه‏؟‏ قال‏:‏ إلى شقه الأيمن‏.‏
قلت‏:‏ أيحاذى به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قلت‏:‏ أتحب أن يساويه حتى لا تكون بينهما فرجة‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
وفي الموطأ عن عبد الله بن عتبة ابن مسعود قال ‏"‏ دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح، فقمت وراءه فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا كانا‏)‏ أي إماما ومأموما، بخلاف ما إذا كانا مأمومين مع إمام فلهما حكم آخر‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ هكذا في جميع الروايات ‏"‏ باب ‏"‏ بالتنوين ‏"‏ يقوم الخ‏"‏، وأورده الزين بن المنير بلفظ ‏"‏ باب من يقوم ‏"‏ بالإضافة وزيادة من، وشرحه على ذلك، وتردد بين كونها موصولة أو استفهامية ثم أطال في حكمة ذلك وأن سببه كون المسألة مختلفا فيها‏.‏
والواقع أن من محذوفه والسياق ظاهر في أن المصنف جازم بحكم المسألة لا متردد والله أعلم‏.‏
وقد نقل بعضهم الاتفاق على أن المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام إلا النخعي فقال ‏"‏ إذا كان الإمام ورجل قام الرجل خلف الإمام، فإن ركع الإمام قبل أن يجيء أحد قام عن يمينه ‏"‏ أخرجه سعيد بن منصور، ووجهه بعضهم بأن الإمام مظنة الاجتماع فاعتبرت في موقف المأموم حتى يظهر خلاف ذلك، وهو حسن لكنه مخالف للنص، وهو قياس فاسد ثم ظهر لي أن إبراهيم إنما كان يقول بذلك حيث يظن ظنا قويا مجيء ثان، وقد روى سعيد بن منصور أيضا عنه قال ‏"‏ ربما قمت خلف الأسود وحدي حتى يجيء المؤذن ‏"‏ وذكر البيهقي أنه يستفاد من حديث الباب امتناع تقديم المأموم على الإمام خلافا لمالك، لما في رواية مسلم ‏"‏ فقمت عن يساره فأدارني من خلفه حتى جعلني عن يمينه ‏"‏ وفيه نظر‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 12:24 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n88&p1#TOP)باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ فَحَوَّلَهُ الْإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام الخ‏)‏ وجه الدلالة من حديث ابن عباس المذكور أنه صلى الله عليه وسلم لم يبطل صلاة ابن عباس مع كونه قام عن يساره أولا، وعن أحمد تبطل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقره على ذلك، والأول هو قول الجمهور، بل قال سعيد بن المسيب‏:‏ إن موقف المأموم الواحد يكون عن يسار الإمام، ولم يتابع على ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نِمْتُ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ عَلَى يَسَارِهِ فَأَخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ عَمْرٌو فَحَدَّثْتُ بِهِ بُكَيْرًا فَقَالَ حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ بِذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد‏)‏ لم أره منسوبا في شيء من الروايات، لكن جزم أبو نعيم في المستخرج بأنه ابن صالح وأخرجه من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عمرو‏)‏ هو ابن الحارث المصري، وكذا وقع عند أبي نعيم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد ربه‏)‏ بفتح الراء وتشديد الموحدة وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نمت‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأخذني فجعلني‏)‏ قد تقدم أنه أداره من خلفه، واستدل به على أن مثل ذلك من العمل لا يفسد الصلاة كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عمرو‏)‏ أي ابن الحارث المذكور بالإسناد المذكور إليه، ووهم من زعم أنه من تعليق البخاري، فقد ساقه أبو نعيم مثل سياقه، وبكير المذكور في هذا هو ابن عبد الله بن الأشج، واستفاد عمرو بن الحارث بهذه الرواية عنه العلو برجل‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n88&p1#TOP)باب إِذَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ أَنْ يَؤُمَّ ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ فَأَمَّهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم ينو الإمام أن يؤم الخ‏)‏ لم يجزم يحكم المسألة لما فيه من الاحتمال، لأنه ليس في حديث ابن عباس التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينو الإمامة، كما أنه ليس فيه أنه نوى لا في ابتداء صلاته ولا بعد أن قام ابن عباس فصلى معه، لكن في إيقافه إياه منه موقف المأموم ما يشعر بالثاني، وأما الأول فالأصل عدمه، وهذه المسألة مختلف فيها، والأصح عند الشافعية لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة، واستدل ابن المنذر أيضا بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في شهر رمضان قال ‏"‏ فجئت فقمت إلى جنبه، وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطا، فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بنا تجوز في صلاته ‏"‏ الحديث، وهو ظاهر في أنه لم ينو الإمامة ابتداء، وائتموا هم به وأقرهم‏.‏
وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وعلقه البخاري كما سيأتي في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى‏.‏
وذهب أحمد إلى التفرقة بين النافلة والفريضة فشرط أن ينوي في الفريضة دون النافلة، وفيه نظر لحديث أبي سعيد ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده فقال‏:‏ ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ‏"‏ أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن سعيد بن جبير‏)‏ هو من أقران أيوب الراوي عنه، ورجال الإسناد كلهم بصريون، وسيأتي الكلام على بقية فوائد حديث ابن عباس المذكور في هذه الأبواب الثلاثة تاما في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n88&p1#TOP)باب إِذَا طَوَّلَ الْإِمَامُ
وَكَانَ لِلرَّجُلِ حَاجَةٌ فَخَرَجَ فَصَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا طول الإمام وكان للرجل‏)‏ أي المأموم ‏(‏حاجة فخرج وصلى‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ فصلى ‏"‏ بالفاء، وهذه الترجمة عكس، التي قبلها، لأن في الأولى جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة، وفي الثانية جواز قطع الائتمام بعد الدخول فيه، وأما قوله في الترجمة ‏"‏ فخرج ‏"‏ فيحتمل أنه خرج من القدوة، أو من الصلاة رأسا، أو من المسجد، قال ابن رشيد‏:‏ الظاهر أن المراد خرج إلى منزله فصلى فيه، وهو ظاهر قوله في الحديث ‏"‏ فانصرف الرجل‏"‏‏.‏
قال‏:‏ وكان سبب ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الذي رآه يصلي ‏"‏ أصلاتان معا ‏"‏ كما تقدم‏.‏
قلت‏:‏ وليس الواقع كذلك، فإن في رواية النسائي ‏"‏ فانصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد ‏"‏ وهذا يحتمل أن يكون قطع الصلاة أو القدوة، لكن في مسلم ‏"‏ فانحرف الرجل فسلم ثم صلى وحده‏"‏‏.‏
واعلم أن هذا الحديث رواه عن جابر عمرو بن دينار ومحارب بن دثار وأبو الزبير وعبيد الله بن مقسم، فرواية عمرو للمصنف هنا عن شعبة وفي الأدب عن سليم بن حيان ولمسلم عن ابن عيينة ثلاثتهم عنه، ورواية محارب تأتي بعد بابين، وهي عند النسائي مقرونة بأبي صالح، ورواية أبي الزبير عند مسلم، ورواية عبيد الله عند ابن خزيمة، وله طرق أخرى غير هذه سأذكر ما يحتاج إليه منها معزوا، وإنما قدمت ذكر هذه لتسهل الحوالة عليها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، والظاهر أن روايته عن شعبة مختصرة كما هنا وكذلك أخرجها البيهقي من طريق محمد بن أيوب الرازي عنه‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ الظاهر من قوله ‏"‏ فصلى العشاء الخ ‏"‏ داخل تحت الطريق الأولى، وكان الحامل له على ذلك أنها لو خلت عن ذلك لم تطابق الترجمة ظاهرا‏.‏
لكن لقائل أن يقول‏:‏ إن مراد البخاري بذلك الإشارة إلى أصل الحديث على عادته، واستفاد بالطريق الأولى علو الإسناد، كما أن في الطريق الثانية فائدة التصريح بسماع عمرو من جابر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد سلم من رواية منصور عن عمرو ‏"‏ عشاء الآخرة ‏"‏ فكأن العشاء هي التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين‏.‏
قوله ‏(‏ثم يرجع فيؤم قومه‏)‏ في رواية منصور المذكورة ‏"‏ فيصلي بهم تلك الصلاة ‏"‏ وللمصنف في الأدب ‏"‏ فيصلي بهم الصلاة ‏"‏ أي المذكورة، وفي هذا رد على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم غير الصلاة التي كان يصليها بقومه‏.‏
وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم ‏"‏ وفي رواية الحميدي عن ابن عيينة ‏"‏ ثم يرجع إلى بني سلمة فيصليها بهم ‏"‏ ولا مخالفة فيه لأن قومه هم بنو سلمة‏.‏
وفي رواية الشافعي عنه ‏"‏ ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة ‏"‏ ولأحمد ‏"‏ ثم يرجع فيؤمنا‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فَتَّانٌ فَتَّانٌ فَتَّانٌ ثَلَاثَ مِرَارٍ أَوْ قَالَ فَاتِنًا فَاتِنًا فَاتِنًا وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ قَالَ عَمْرٌو لَا أَحْفَظُهُمَا
الشرح‏:‏
‏(‏فصلى العشاء‏)‏ كذا في معظم الروايات، ووقع في رواية لأبي عوانة والطحاوي من طريق محارب ‏"‏ صلى بأصحابه المغرب ‏"‏ وكذا لعبد الرزاق من رواية أبي الزبير، فإن حمل على تعدد القصة كما سيأتي أو على أن المراد بالمغرب العشاء مجازا تم، وإلا فما في الصحيح أصح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقرأ بالبقرة‏)‏ استدل به على من يكره أن يقول البقرة بل سورة البقرة، لكن في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه ‏"‏ فقرأ سورة البقرة ‏"‏ ولمسلم عن ابن عيينة نحوه، وللمصنف في الأدب ‏"‏ فقرأ بهم البقرة ‏"‏ فالظاهر أن ذلك من تصرفات الرواة، والمراد أنه ابتدأ في قراءتها، وبه صرح مسلم ولفظه ‏"‏ فافتتح سورة البقرة ‏"‏ وفي رواية محارب ‏"‏ فقرأ بسورة البقرة أو النساء ‏"‏ على الشك، وللسراج من رواية مسعر عن محارب ‏"‏ فقرأ بالبقرة والنساء ‏"‏ كذا رأيته بخط الزكي البرزالي بالواو، فإن كان ضبطه احتمل أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة وفي الثانية بالنساء، ووقع عند أحمد من حديث بريدة بإسناد قوى ‏"‏ فقرأ اقتربت الساعة ‏"‏ وهي شاذة إلا إن حمل على التعدد، ولم يقع في شيء من الطرق المتقدمة تسمية هذا الرجل، لكن روى أبو داود الطيالسي في مسنده والبزار من طريقه عن طالب بن حبيب عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال ‏"‏ مر حزم بن أبي بن كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي بقومه صلاة العتمة فافتتح بسورة طويلة ومع حزم ناضح له ‏"‏ الحديث‏.‏
قال البزار‏:‏ لا نعلم أحدا سماه عن جابر إلا ابن جابر ا ه‏.‏
وقد رواه أبو داود في السنن من وجه آخر عن طالب فجعله عن ابن جابر عن حزم صاحب القصة، وابن جابر لم يدرك حزما‏.‏
ووقع عنده ‏"‏ صلاة المغرب ‏"‏ وهو نحو ما تقدم من الاختلاف في رواية محارب، ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر فسماه حازما وكأنه صحفه أخرجه ابن شاهين من طريقه، ورواه أحمد والنسائي وأبو يعلى وابن السكن بإسناد صحيح عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال ‏"‏ كان معاذ يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخله ‏"‏ الحديث كذا فيه براء بعدها ألف، وظن بعضهم أنه حرام بن ملحان خال أنس وبذلك جزم الخطيب في المبهمات، لكن لم أره منسوبا في الرواية، ويحتمل أن يكون تصحيفا من حزم فتجتمع هذه الروايات، وإلى ذلك يومئ صنيع ابن عبد البر فإنه ذكر في الصحابة حرام بن أبي بن كعب وذكر له‏.‏
هذه القصة، وعزا تسميته لرواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس، ولم أقف في رواية عبد العزيز على تسمية أبيه وكأنه بنى على أن اسمه تصحف والأب واحد، سماه جابر ولم يسمه أنس، وجاء في تسميته قول آخر أخرجه أحمد أيضا من رواية معاذ بن رفاعة عن رجل من بني سلمة يقال له سليم أنه ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا نبي الله، إنا نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسي فنصلي، فيأتي معاذ بن جبل فينادي بالصلاة فنأتيه فيطول علينا ‏"‏ الحديث، وفيه أنه استشهد بأحد، وهذا مرسل لأن معاذ بن رفاعة لم يدركه، وقد رواه الطحاوي والطبراني من هذا الوجه عن معاذ ابن رفاعة أن رجلا من بني سلمة فذكره مرسلا، ورواه البزار من وجه آخر عن جابر وسماه سليما أيضا، لكن وقع عند ابن حزم من هذا الوجه أن اسمه سلم بفتح أوله وسكون اللام وكأنه تصحيف والله أعلم‏.‏
وجمع بعضهم بين هذا الاختلاف بأنهما واقعتان، وأيد ذلك بالاختلاف في الصلاة هل هي العشاء أو المغرب وبالاختلاف في السورة هل هي البقرة أو اقتربت، وبالاختلاف في عذر الرجل هل هو لأجل التطويل فقط لكونه جاء من العمل وهو تعبان أو لكونه أراد أن يسقي نخله إذ ذاك أو لكونه خاف على الماء في النخل كما في حديث بريدة‏.‏
واستشكل هذا الجمع لأنه لا يظن بمعاذ أنه صلى الله عليه وسلم يأمره بالتخفيف ثم يعود إلى التطويل، ويجاب عن ذلك باحتمال أن يكون قرأ أولا بالبقرة فلما نهاه قرأ اقتربت وهي طويلة بالنسبة إلى السور التي أمره أن يقرأ بها كما سيأتي، ويحتمل أن يكون النهي أولا وقع لما يخشى من تنفير بعض من يدخل في الإسلام، ثم لما اطمأنت نفوسهم بالإسلام ظن أن المانع زال فقرأ باقتربت لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فصادف صاحب الشغل، وجمع النووي باحتمال أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة فانصرف رجل، ثم قرأ اقتربت في الثانية فانصرف آخر‏.‏
ووقع في رواية أبي الزبير عند مسلم ‏"‏ فانطلق رجل منا ‏"‏ وهذا يدل على أنه كان من بني سلمة، ويقوى رواية من سماه سليما، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فانصرف الرجل‏)‏ اللام فيه للعهد الذهني، ويحتمل أن يراد به الجنس، فكأنه قال واحد من الرجال، لأن المعرف تعريف الجنس كالنكرة في مؤداه‏.‏
ووقع في رواية الإسماعيلي ‏"‏ فقام رجل فانصرف ‏"‏ وفي رواية سليم بن حيان ‏"‏ فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة ‏"‏ ولابن عيينة عند مسلم ‏"‏ فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده ‏"‏ وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة، لكن ذكر البيهقي أن محمد بن عباد شيخ مسلم تفرد عن ابن عيينة بقوله ‏"‏ ثم سلم‏"‏، وأن الحفاظ من أصحاب ابن عيينة وكذا من أصحاب شيخه عمرو بن دينار وكذا من أصحاب جابر لم يذكروا السلام، وكأنه فهم أن هذه اللفظة تدل على أن الرجل قطع الصلاة لأن السلام يتحلل به من الصلاة، وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفردا‏.‏
قال الرافعي في ‏"‏ شرح المسند ‏"‏ في الكلام على رواية الشافعي عن ابن عيينة في هذا الحديث ‏"‏ فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده‏"‏‏.‏
هذا يحتمل من جهة اللفظ أنه قطع الصلاة وتنحى عن موضع صلاته واستأنفها لنفسه، لكنه غير محمول عليه لأن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه‏.‏
انتهى‏.‏
ولهذا استدل به الشافعية على أن للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا‏.‏
ونازع النووي فيه فقال‏:‏ لا دلالة فيه لأنه ليس فيه أنه فارقه وبنى على صلاته، بل في الرواية التي فيها أنه سلم دليل على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها، فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكأن معاذ ينال منه‏)‏ وللمستملى ‏"‏ تناول منه ‏"‏ وللكشميهني ‏"‏ فكأن - بهمزة ونون مشددة - معاذا تناول منه ‏"‏ والأولى تدل على كثرة ذلك منه بخلاف الثانية، ومعنى ينال منه أو تناوله‏:‏ ذكره بسوء، وقد فسره في رواية سليم بن حيان ولفظه ‏"‏ فبلغ ذلك معاذا فقال إنه منافق ‏"‏ وكذا لأبي الزبير، ولابن عيينة ‏"‏ فقالوا له‏:‏ أنافقت يا فلان‏؟‏ قال‏:‏ لا، والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه ‏"‏ وكأن معاذا قال ذلك أولا ثم قاله أصحاب معاذ للرجل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ بين ابن عيينة في روايته وكذا محارب وأبو الزبير أنه الذي جاء فاشتكى من معاذ‏.‏
وفي رواية النسائي ‏"‏ فقال معاذ‏:‏ لئن أصبحت لأذكرن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فأرسل إليه فقال‏:‏ ما حملك على الذي صنعت‏؟‏ فقال‏:‏ يا رسول الله عملت على ناضح لي ‏"‏ فذكر الحديث، وكأن معاذل سبقه بالشكوى، فلما أرسل إليه جاء فاشتكى من معاذ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال فتان‏)‏ في رواية ابن عيينة ‏"‏ أفتان أنت ‏"‏ زاد محارب ‏"‏ ثلاثا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو قال فاتنا‏)‏ شك من الراوي، وهو منصوب على أنه خبر كان المقدرة‏.‏
وفي رواية أبي الزبير ‏"‏ أتريد أن تكون فاتنا ‏"‏ ولأحمد في حديث معاذ بن رفاعة المتقدم ‏"‏ يا معاذ لا تكن فاتنا ‏"‏ وزاد في حديث أنس ‏"‏ لا تطول بهم ‏"‏ ومعنى الفتنة هاهنا أن التطويل يكون سببا لخروجهم من الصلاة وللتكره للصلاة في الجماعة، وروى البيهقي في الشعب بإسناد صحيح عن عمر قال ‏"‏ لا تبغضوا إلى الله عباده صلى الله عليه وسلم يكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه‏"‏‏.‏
وقال الداودي‏:‏ يحتمل أن يريد بقوله ‏"‏ فتان ‏"‏ أي معذب لأنه عذبهم بالتطويل، ومنه قول الله تعالى ‏(‏إن الذين فتنوا المؤمنين‏)‏ قيل معناه عذبوهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأمره بسورتين من أوسط المفصل، قال عمرو‏)‏ أي ابن دينار ‏(‏لا أحفظهما‏)‏ وكأنه قال ذلك في حال تحديثه لشعبة، وإلا ففي رواية سليم بن حيان عن عمرو ‏"‏ اقرأ والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها‏"‏‏.‏
وقال في رواية ابن عيينة عند مسلم ‏"‏ اقرأ بكذا واقرأ بكذا ‏"‏ قال ابن عيينة‏:‏ فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال ‏"‏ اقرأ بالشمس وضحاها والليل إذا يغشى وبسبح اسم ربك الأعلى ‏"‏ فقال عمرو نحو هذا، وجزم بذلك محارب في حديثه عن جابر‏.‏
وفي رواية الليث عن أبي الزبير عند مسلم مع الثلاثة ‏"‏ اقرأ باسم ربك ‏"‏ زاد ابن جريج عن أبي الزبير ‏"‏ والضحى ‏"‏ أخرجه عبد الرزاق‏.‏
وفي رواية الحميدي عن ابن عيينة مع الثلاثة الأول ‏"‏ والسماء ذات البروج والسماء والطارق ‏"‏ وفي المراد بالمفصل أقوال ستأتي في فضائل القرآن أصحها أنه من أول ق إلى آخر القرآن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أوسط‏)‏ يحتمل أن يريد به المتوسط والسور التي مثل بها من قصار المتوسط، ويحتمل أن يريد به المعتدل أي المناسب للحال من المفصل، والله أعلم‏.‏
واستدل بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل، بناء على أن معاذا كان ينوي بالأولى الفرض وبالثانية النفل، ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق والشافعي والطحاوي والدار قطني وغيرهم من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث الباب زاد ‏"‏ هي له تطوع ولهم فريضة ‏"‏ وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، وقد صرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه، فقول ابن الجوزي إنه لا يصح مردود، وتعليل الطحاوي له بأن ابن عيينة ساقه عن عمرو أتم من سياق ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة ليس بقادح في صحته، لأن ابن جريج أسن وأجل من ابن عيينة وأقدم أخذا عن عمرو منه، ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها‏.‏
وأما رد الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة فجوابه أن الأصل عدم الإدراج حتى يثبت التفصيل، فمهما كان مضموما إلى الحديث فهو منه ولا سيما إذا روى من وجهين، والأمر هنا كذلك، فإن الشافعي أخرجها من وجه آخر عن جابر متابعا لعمرو بن دينار عنه، وقول الطحاوي هو ظن من جابر مردود لأن جابرا كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه ولا يظن بجابر أنه يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد إلا بأن يكون ذلك الشخص أطلعه عليه‏.‏
وأما احتجاج أصحابنا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ‏"‏ فليس بجيد، لأن حاصله النهي عن التلبس بصلاة غير التي أقيمت من غير تعرض لنية فرض أو نفل، ولو تعينت نية الفريضة لامتنع على معاذ أن يصلي الثانية بقومه لأنها ليست حينئذ فرضا له، وكذلك قول بعض أصحابنا لا يظن بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في المسجد الذي هو من أفضل المساجد، فإنه وإن كان فيه نوع ترجيح لكن للمخالف أن يقول‏:‏ إذا كان ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتنع أن يحصل له الفضل بالاتباع، وكذلك قول الخطابي إن العشاء في قوله ‏"‏ كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ‏"‏ حقيقة في المفروضة، فلا يقال كان ينوي بها التطوع لأن لمخالفه أن يقول‏:‏ هذا لا ينافي أن ينوي بها التنفل‏.‏
وأما قول ابن حزم‏:‏ إن المخالفين لا يجيزون لمن عليه فرض إذا أقيم أن يصليه متطوعا فكيف ينسبون إلى معاذ ما لا يجوز عندهم‏؟‏ فهذا إن كان كما قال نقص قوي، وأسلم الأجوبة التمسك بالزيادة المتقدمة‏.‏
وأما قول الطحاوي‏:‏ لا حجة فيها لأنها لم تكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقريره، فجوابه أنهم لا يختلفون في أن رأي الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة، والواقع هنا كذلك، فإن الذين كان يصلي بهم معاذ كلهم صحابة وفيهم ثلاثون عقبيا وأربعون بدريا، قاله ابن حزم، قال‏:‏ ولا يحفظ عن غيرهم من الصحابة امتناع ذلك، بل قال معهم بالجواز عمر وابن عمر وأبو الدرداء وأنس وغيرهم‏.‏
وأما قول الطحاوي‏:‏ لو سلمنا جميع ذلك لم يكن فيه حجة لاحتمال أن ذلك كان في الوقت الذي كانت الفريضة فيه تصلي مرتين، أي فيكون منسوخا، فقد تعقبه ابن دقيق العيد بأنه يتضمن إثبات النسخ بالاحتمال وهو لا يسوغ، وبأنه يلزمه إقامة الدليل على ما ادعاه من إعادة الفريضة ا ه‏.‏
وكأنه لم يقف على كتابه فإنه قد ساق فيه دليل ذلك وهو حديث ابن عمر رفعه ‏"‏ لا تصلوا الصلاة في اليوم مرتين ‏"‏ ومن وجه آخر مرسل ‏"‏ إن أهل العالية كانوا يصلون في بيوتهم ثم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فنهاهم ‏"‏ ففي الاستدلال بذلك على تقدير صحته نظر، لاحتمال أن يكون النهي عن أن يصلوها مرتين على أنها فريضة، وبذلك جزم البيهقي جمعا بين الحديثين، بل لو قال قائل‏:‏ هذا النهي منسوخ بحديث معاذ، لم يكن بعيدا، ولا يقال القصة قديمة لأن صاحبها استشهد بأحد لأنا نقول‏:‏ كانت أحد في أواخر الثالثة فلا مانع أن يكون النهي في الأولى والإذن في الثالثة مثلا، وقد قال صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين لم يصليا معه ‏"‏ إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها نافلة ‏"‏ أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد بن الأسود العامري وصححه ابن خزيمة وغيره، وكان ذلك في حجة الوداع في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على الجواز أيضا أمره صلى الله عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها أن ‏"‏ صلوها في بيوتكم في الوقت ثم اجعلوها معهم نافلة‏"‏‏.‏
وأما استدلال الطحاوي أنه صلى الله عليه وسلم نهي معاذا عن ذلك بقوله في حديث سليم بن الحارث ‏"‏ إما أن تصلي معي وإما أن تخفف بقومك ‏"‏ ودعواه أن معناه إما أن تصلي معي ولا تصل بقومك وإما أن تخفف بقومك ولا تصل معي، ففيه نظر لأن لمخالفه أن يقول‏:‏ بل التقدير إما أن تصلي معي فقط إذا لم تخفف وإما أن تخفف بقومك فتصلي معي، وهو أولى من تقديره، لما فيه من مقابلة التخفيف بترك التخفيف لأنه هو المسئول عنه المتنازع فيه، وأما تقوية بعضهم بكونه منسوخا بأن صلاة الخوف وقعت مرارا على صفة فيها مخالفة ظاهرة بالأفعال المنافية في حال الأمن، فلو جازت صلاة المفترض خلف المتنفل لصلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم مرتين على وجه لا تقع فيه منافاة، فلما لم يفعل دل ذلك على المنع، فجوابه أنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف مرتين كما أخرجه أبو داود عن أبي بكرة صريحا، ولمسلم عن جابر نحوه، وأما صلاته بهم على نوع من المخالفة فلبيان الجواز‏.‏
وأما قول بعضهم كان فعل معاذ للضرورة لقلة القراء في ذلك الوقت فهو ضعيف كما قال ابن دقيق العيد، لأن القدر المجزئ من القراءة في الصلاة كان حافظوه كثيرا، وما زاد لا يكون سببا لارتكاب أمر ممنوع منه شرعا في الصلاة‏.‏
وفي حديث الباب من الفوائد أيضا استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين، وأما من قال لا يكره التطويل إذا علم رضاء المأمومين فيشكل عليه أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة كما في حديث الباب، فعلى هذا يكره التطويل مطلقا إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم‏.‏
وفيه أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة، وجواز إعادة الواحدة في اليوم الواحد مرتين صلى الله عليه وسلم وجواز خروج المأموم من الصلاة لعذر، وأما بغير عذر فاستدل به بعضهم وتعقب‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ لو كان كذلك لم يكن لأمر الأئمة بالتخفيف فائدة، وفيه نظر لأن فائدة الأمر بالتخفيف المحافظة على صلاة الجماعة، ولا ينافي ذلك جواز الصلاة منفردا، وهذا كما استدل بعضهم بالقصة على وجوب صلاة الجماعة وفيه نحو هذا النظر‏.‏
وفيه جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلي فيه بالجماعة إذا كان بعذر‏.‏
وفيه الإنكار بلطف لوقوعه بصورة الاستفهام، ويؤخذ منه تعزيز كل أحد بحسبه، والاكتفاء في التعزيز بالقول، والإنكار في المكروهات، وأما تكراره ثلاثا فللتأكيد، وقد تقدم في العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه‏.‏
وفيه اعتذار من وقع منه خطأ في الظاهر، وجواز الوقوع في حق من وقع في محذور ظاهر وإن كان له عذر باطن للتنفير عن فعل ذلك، وأنه لا لوم على من فعل ذلك متأولا، وأن التخلف عن الجماعة من صفة المنافق‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:17 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%A5%D9%90%D8%B0%D9%8E%D8%A 7%20%D8%B7%D9%8E%D9%88%D9%91%D9%8E%D9%84%D9%8E%20% D8%A7%D9%84%D9%92%D8%A5%D9%90%D9%85%D9%8E%D8%A7%D9 %85%D9%8F/i9&d17939&c&p1#TOP)باب إِذَا طَوَّلَ الْإِمَامُ
وَكَانَ لِلرَّجُلِ حَاجَةٌ فَخَرَجَ فَصَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا طول الإمام وكان للرجل‏)‏ أي المأموم ‏(‏حاجة فخرج وصلى‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ فصلى ‏"‏ بالفاء، وهذه الترجمة عكس، التي قبلها، لأن في الأولى جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة، وفي الثانية جواز قطع الائتمام بعد الدخول فيه، وأما قوله في الترجمة ‏"‏ فخرج ‏"‏ فيحتمل أنه خرج من القدوة، أو من الصلاة رأسا، أو من المسجد، قال ابن رشيد‏:‏ الظاهر أن المراد خرج إلى منزله فصلى فيه، وهو ظاهر قوله في الحديث ‏"‏ فانصرف الرجل‏"‏‏.‏
قال‏:‏ وكان سبب ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الذي رآه يصلي ‏"‏ أصلاتان معا ‏"‏ كما تقدم‏.‏
قلت‏:‏ وليس الواقع كذلك، فإن في رواية النسائي ‏"‏ فانصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد ‏"‏ وهذا يحتمل أن يكون قطع الصلاة أو القدوة، لكن في مسلم ‏"‏ فانحرف الرجل فسلم ثم صلى وحده‏"‏‏.‏
واعلم أن هذا الحديث رواه عن جابر عمرو بن دينار ومحارب بن دثار وأبو الزبير وعبيد الله بن مقسم، فرواية عمرو للمصنف هنا عن شعبة وفي الأدب عن سليم بن حيان ولمسلم عن ابن عيينة ثلاثتهم عنه، ورواية محارب تأتي بعد بابين، وهي عند النسائي مقرونة بأبي صالح، ورواية أبي الزبير عند مسلم، ورواية عبيد الله عند ابن خزيمة، وله طرق أخرى غير هذه سأذكر ما يحتاج إليه منها معزوا، وإنما قدمت ذكر هذه لتسهل الحوالة عليها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، والظاهر أن روايته عن شعبة مختصرة كما هنا وكذلك أخرجها البيهقي من طريق محمد بن أيوب الرازي عنه‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ الظاهر من قوله ‏"‏ فصلى العشاء الخ ‏"‏ داخل تحت الطريق الأولى، وكان الحامل له على ذلك أنها لو خلت عن ذلك لم تطابق الترجمة ظاهرا‏.‏
لكن لقائل أن يقول‏:‏ إن مراد البخاري بذلك الإشارة إلى أصل الحديث على عادته، واستفاد بالطريق الأولى علو الإسناد، كما أن في الطريق الثانية فائدة التصريح بسماع عمرو من جابر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد سلم من رواية منصور عن عمرو ‏"‏ عشاء الآخرة ‏"‏ فكأن العشاء هي التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين‏.‏
قوله ‏(‏ثم يرجع فيؤم قومه‏)‏ في رواية منصور المذكورة ‏"‏ فيصلي بهم تلك الصلاة ‏"‏ وللمصنف في الأدب ‏"‏ فيصلي بهم الصلاة ‏"‏ أي المذكورة، وفي هذا رد على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم غير الصلاة التي كان يصليها بقومه‏.‏
وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم ‏"‏ وفي رواية الحميدي عن ابن عيينة ‏"‏ ثم يرجع إلى بني سلمة فيصليها بهم ‏"‏ ولا مخالفة فيه لأن قومه هم بنو سلمة‏.‏
وفي رواية الشافعي عنه ‏"‏ ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة ‏"‏ ولأحمد ‏"‏ ثم يرجع فيؤمنا‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فَتَّانٌ فَتَّانٌ فَتَّانٌ ثَلَاثَ مِرَارٍ أَوْ قَالَ فَاتِنًا فَاتِنًا فَاتِنًا وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ قَالَ عَمْرٌو لَا أَحْفَظُهُمَا
الشرح‏:‏
‏(‏فصلى العشاء‏)‏ كذا في معظم الروايات، ووقع في رواية لأبي عوانة والطحاوي من طريق محارب ‏"‏ صلى بأصحابه المغرب ‏"‏ وكذا لعبد الرزاق من رواية أبي الزبير، فإن حمل على تعدد القصة كما سيأتي أو على أن المراد بالمغرب العشاء مجازا تم، وإلا فما في الصحيح أصح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقرأ بالبقرة‏)‏ استدل به على من يكره أن يقول البقرة بل سورة البقرة، لكن في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه ‏"‏ فقرأ سورة البقرة ‏"‏ ولمسلم عن ابن عيينة نحوه، وللمصنف في الأدب ‏"‏ فقرأ بهم البقرة ‏"‏ فالظاهر أن ذلك من تصرفات الرواة، والمراد أنه ابتدأ في قراءتها، وبه صرح مسلم ولفظه ‏"‏ فافتتح سورة البقرة ‏"‏ وفي رواية محارب ‏"‏ فقرأ بسورة البقرة أو النساء ‏"‏ على الشك، وللسراج من رواية مسعر عن محارب ‏"‏ فقرأ بالبقرة والنساء ‏"‏ كذا رأيته بخط الزكي البرزالي بالواو، فإن كان ضبطه احتمل أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة وفي الثانية بالنساء، ووقع عند أحمد من حديث بريدة بإسناد قوى ‏"‏ فقرأ اقتربت الساعة ‏"‏ وهي شاذة إلا إن حمل على التعدد، ولم يقع في شيء من الطرق المتقدمة تسمية هذا الرجل، لكن روى أبو داود الطيالسي في مسنده والبزار من طريقه عن طالب بن حبيب عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال ‏"‏ مر حزم بن أبي بن كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي بقومه صلاة العتمة فافتتح بسورة طويلة ومع حزم ناضح له ‏"‏ الحديث‏.‏
قال البزار‏:‏ لا نعلم أحدا سماه عن جابر إلا ابن جابر ا ه‏.‏
وقد رواه أبو داود في السنن من وجه آخر عن طالب فجعله عن ابن جابر عن حزم صاحب القصة، وابن جابر لم يدرك حزما‏.‏
ووقع عنده ‏"‏ صلاة المغرب ‏"‏ وهو نحو ما تقدم من الاختلاف في رواية محارب، ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر فسماه حازما وكأنه صحفه أخرجه ابن شاهين من طريقه، ورواه أحمد والنسائي وأبو يعلى وابن السكن بإسناد صحيح عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال ‏"‏ كان معاذ يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخله ‏"‏ الحديث كذا فيه براء بعدها ألف، وظن بعضهم أنه حرام بن ملحان خال أنس وبذلك جزم الخطيب في المبهمات، لكن لم أره منسوبا في الرواية، ويحتمل أن يكون تصحيفا من حزم فتجتمع هذه الروايات، وإلى ذلك يومئ صنيع ابن عبد البر فإنه ذكر في الصحابة حرام بن أبي بن كعب وذكر له‏.‏
هذه القصة، وعزا تسميته لرواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس، ولم أقف في رواية عبد العزيز على تسمية أبيه وكأنه بنى على أن اسمه تصحف والأب واحد، سماه جابر ولم يسمه أنس، وجاء في تسميته قول آخر أخرجه أحمد أيضا من رواية معاذ بن رفاعة عن رجل من بني سلمة يقال له سليم أنه ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا نبي الله، إنا نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسي فنصلي، فيأتي معاذ بن جبل فينادي بالصلاة فنأتيه فيطول علينا ‏"‏ الحديث، وفيه أنه استشهد بأحد، وهذا مرسل لأن معاذ بن رفاعة لم يدركه، وقد رواه الطحاوي والطبراني من هذا الوجه عن معاذ ابن رفاعة أن رجلا من بني سلمة فذكره مرسلا، ورواه البزار من وجه آخر عن جابر وسماه سليما أيضا، لكن وقع عند ابن حزم من هذا الوجه أن اسمه سلم بفتح أوله وسكون اللام وكأنه تصحيف والله أعلم‏.‏
وجمع بعضهم بين هذا الاختلاف بأنهما واقعتان، وأيد ذلك بالاختلاف في الصلاة هل هي العشاء أو المغرب وبالاختلاف في السورة هل هي البقرة أو اقتربت، وبالاختلاف في عذر الرجل هل هو لأجل التطويل فقط لكونه جاء من العمل وهو تعبان أو لكونه أراد أن يسقي نخله إذ ذاك أو لكونه خاف على الماء في النخل كما في حديث بريدة‏.‏
واستشكل هذا الجمع لأنه لا يظن بمعاذ أنه صلى الله عليه وسلم يأمره بالتخفيف ثم يعود إلى التطويل، ويجاب عن ذلك باحتمال أن يكون قرأ أولا بالبقرة فلما نهاه قرأ اقتربت وهي طويلة بالنسبة إلى السور التي أمره أن يقرأ بها كما سيأتي، ويحتمل أن يكون النهي أولا وقع لما يخشى من تنفير بعض من يدخل في الإسلام، ثم لما اطمأنت نفوسهم بالإسلام ظن أن المانع زال فقرأ باقتربت لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فصادف صاحب الشغل، وجمع النووي باحتمال أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة فانصرف رجل، ثم قرأ اقتربت في الثانية فانصرف آخر‏.‏
ووقع في رواية أبي الزبير عند مسلم ‏"‏ فانطلق رجل منا ‏"‏ وهذا يدل على أنه كان من بني سلمة، ويقوى رواية من سماه سليما، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فانصرف الرجل‏)‏ اللام فيه للعهد الذهني، ويحتمل أن يراد به الجنس، فكأنه قال واحد من الرجال، لأن المعرف تعريف الجنس كالنكرة في مؤداه‏.‏
ووقع في رواية الإسماعيلي ‏"‏ فقام رجل فانصرف ‏"‏ وفي رواية سليم بن حيان ‏"‏ فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة ‏"‏ ولابن عيينة عند مسلم ‏"‏ فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده ‏"‏ وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة، لكن ذكر البيهقي أن محمد بن عباد شيخ مسلم تفرد عن ابن عيينة بقوله ‏"‏ ثم سلم‏"‏، وأن الحفاظ من أصحاب ابن عيينة وكذا من أصحاب شيخه عمرو بن دينار وكذا من أصحاب جابر لم يذكروا السلام، وكأنه فهم أن هذه اللفظة تدل على أن الرجل قطع الصلاة لأن السلام يتحلل به من الصلاة، وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفردا‏.‏
قال الرافعي في ‏"‏ شرح المسند ‏"‏ في الكلام على رواية الشافعي عن ابن عيينة في هذا الحديث ‏"‏ فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده‏"‏‏.‏
هذا يحتمل من جهة اللفظ أنه قطع الصلاة وتنحى عن موضع صلاته واستأنفها لنفسه، لكنه غير محمول عليه لأن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه‏.‏
انتهى‏.‏
ولهذا استدل به الشافعية على أن للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا‏.‏
ونازع النووي فيه فقال‏:‏ لا دلالة فيه لأنه ليس فيه أنه فارقه وبنى على صلاته، بل في الرواية التي فيها أنه سلم دليل على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها، فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكأن معاذ ينال منه‏)‏ وللمستملى ‏"‏ تناول منه ‏"‏ وللكشميهني ‏"‏ فكأن - بهمزة ونون مشددة - معاذا تناول منه ‏"‏ والأولى تدل على كثرة ذلك منه بخلاف الثانية، ومعنى ينال منه أو تناوله‏:‏ ذكره بسوء، وقد فسره في رواية سليم بن حيان ولفظه ‏"‏ فبلغ ذلك معاذا فقال إنه منافق ‏"‏ وكذا لأبي الزبير، ولابن عيينة ‏"‏ فقالوا له‏:‏ أنافقت يا فلان‏؟‏ قال‏:‏ لا، والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه ‏"‏ وكأن معاذا قال ذلك أولا ثم قاله أصحاب معاذ للرجل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ بين ابن عيينة في روايته وكذا محارب وأبو الزبير أنه الذي جاء فاشتكى من معاذ‏.‏
وفي رواية النسائي ‏"‏ فقال معاذ‏:‏ لئن أصبحت لأذكرن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فأرسل إليه فقال‏:‏ ما حملك على الذي صنعت‏؟‏ فقال‏:‏ يا رسول الله عملت على ناضح لي ‏"‏ فذكر الحديث، وكأن معاذل سبقه بالشكوى، فلما أرسل إليه جاء فاشتكى من معاذ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال فتان‏)‏ في رواية ابن عيينة ‏"‏ أفتان أنت ‏"‏ زاد محارب ‏"‏ ثلاثا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو قال فاتنا‏)‏ شك من الراوي، وهو منصوب على أنه خبر كان المقدرة‏.‏
وفي رواية أبي الزبير ‏"‏ أتريد أن تكون فاتنا ‏"‏ ولأحمد في حديث معاذ بن رفاعة المتقدم ‏"‏ يا معاذ لا تكن فاتنا ‏"‏ وزاد في حديث أنس ‏"‏ لا تطول بهم ‏"‏ ومعنى الفتنة هاهنا أن التطويل يكون سببا لخروجهم من الصلاة وللتكره للصلاة في الجماعة، وروى البيهقي في الشعب بإسناد صحيح عن عمر قال ‏"‏ لا تبغضوا إلى الله عباده صلى الله عليه وسلم يكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه‏"‏‏.‏
وقال الداودي‏:‏ يحتمل أن يريد بقوله ‏"‏ فتان ‏"‏ أي معذب لأنه عذبهم بالتطويل، ومنه قول الله تعالى ‏(‏إن الذين فتنوا المؤمنين‏)‏ قيل معناه عذبوهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأمره بسورتين من أوسط المفصل، قال عمرو‏)‏ أي ابن دينار ‏(‏لا أحفظهما‏)‏ وكأنه قال ذلك في حال تحديثه لشعبة، وإلا ففي رواية سليم بن حيان عن عمرو ‏"‏ اقرأ والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها‏"‏‏.‏
وقال في رواية ابن عيينة عند مسلم ‏"‏ اقرأ بكذا واقرأ بكذا ‏"‏ قال ابن عيينة‏:‏ فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال ‏"‏ اقرأ بالشمس وضحاها والليل إذا يغشى وبسبح اسم ربك الأعلى ‏"‏ فقال عمرو نحو هذا، وجزم بذلك محارب في حديثه عن جابر‏.‏
وفي رواية الليث عن أبي الزبير عند مسلم مع الثلاثة ‏"‏ اقرأ باسم ربك ‏"‏ زاد ابن جريج عن أبي الزبير ‏"‏ والضحى ‏"‏ أخرجه عبد الرزاق‏.‏
وفي رواية الحميدي عن ابن عيينة مع الثلاثة الأول ‏"‏ والسماء ذات البروج والسماء والطارق ‏"‏ وفي المراد بالمفصل أقوال ستأتي في فضائل القرآن أصحها أنه من أول ق إلى آخر القرآن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أوسط‏)‏ يحتمل أن يريد به المتوسط والسور التي مثل بها من قصار المتوسط، ويحتمل أن يريد به المعتدل أي المناسب للحال من المفصل، والله أعلم‏.‏
واستدل بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل، بناء على أن معاذا كان ينوي بالأولى الفرض وبالثانية النفل، ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق والشافعي والطحاوي والدار قطني وغيرهم من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث الباب زاد ‏"‏ هي له تطوع ولهم فريضة ‏"‏ وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، وقد صرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه، فقول ابن الجوزي إنه لا يصح مردود، وتعليل الطحاوي له بأن ابن عيينة ساقه عن عمرو أتم من سياق ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة ليس بقادح في صحته، لأن ابن جريج أسن وأجل من ابن عيينة وأقدم أخذا عن عمرو منه، ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها‏.‏
وأما رد الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة فجوابه أن الأصل عدم الإدراج حتى يثبت التفصيل، فمهما كان مضموما إلى الحديث فهو منه ولا سيما إذا روى من وجهين، والأمر هنا كذلك، فإن الشافعي أخرجها من وجه آخر عن جابر متابعا لعمرو بن دينار عنه، وقول الطحاوي هو ظن من جابر مردود لأن جابرا كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه ولا يظن بجابر أنه يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد إلا بأن يكون ذلك الشخص أطلعه عليه‏.‏
وأما احتجاج أصحابنا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ‏"‏ فليس بجيد، لأن حاصله النهي عن التلبس بصلاة غير التي أقيمت من غير تعرض لنية فرض أو نفل، ولو تعينت نية الفريضة لامتنع على معاذ أن يصلي الثانية بقومه لأنها ليست حينئذ فرضا له، وكذلك قول بعض أصحابنا لا يظن بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في المسجد الذي هو من أفضل المساجد، فإنه وإن كان فيه نوع ترجيح لكن للمخالف أن يقول‏:‏ إذا كان ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتنع أن يحصل له الفضل بالاتباع، وكذلك قول الخطابي إن العشاء في قوله ‏"‏ كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ‏"‏ حقيقة في المفروضة، فلا يقال كان ينوي بها التطوع لأن لمخالفه أن يقول‏:‏ هذا لا ينافي أن ينوي بها التنفل‏.‏
وأما قول ابن حزم‏:‏ إن المخالفين لا يجيزون لمن عليه فرض إذا أقيم أن يصليه متطوعا فكيف ينسبون إلى معاذ ما لا يجوز عندهم‏؟‏ فهذا إن كان كما قال نقص قوي، وأسلم الأجوبة التمسك بالزيادة المتقدمة‏.‏
وأما قول الطحاوي‏:‏ لا حجة فيها لأنها لم تكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقريره، فجوابه أنهم لا يختلفون في أن رأي الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة، والواقع هنا كذلك، فإن الذين كان يصلي بهم معاذ كلهم صحابة وفيهم ثلاثون عقبيا وأربعون بدريا، قاله ابن حزم، قال‏:‏ ولا يحفظ عن غيرهم من الصحابة امتناع ذلك، بل قال معهم بالجواز عمر وابن عمر وأبو الدرداء وأنس وغيرهم‏.‏
وأما قول الطحاوي‏:‏ لو سلمنا جميع ذلك لم يكن فيه حجة لاحتمال أن ذلك كان في الوقت الذي كانت الفريضة فيه تصلي مرتين، أي فيكون منسوخا، فقد تعقبه ابن دقيق العيد بأنه يتضمن إثبات النسخ بالاحتمال وهو لا يسوغ، وبأنه يلزمه إقامة الدليل على ما ادعاه من إعادة الفريضة ا ه‏.‏
وكأنه لم يقف على كتابه فإنه قد ساق فيه دليل ذلك وهو حديث ابن عمر رفعه ‏"‏ لا تصلوا الصلاة في اليوم مرتين ‏"‏ ومن وجه آخر مرسل ‏"‏ إن أهل العالية كانوا يصلون في بيوتهم ثم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فنهاهم ‏"‏ ففي الاستدلال بذلك على تقدير صحته نظر، لاحتمال أن يكون النهي عن أن يصلوها مرتين على أنها فريضة، وبذلك جزم البيهقي جمعا بين الحديثين، بل لو قال قائل‏:‏ هذا النهي منسوخ بحديث معاذ، لم يكن بعيدا، ولا يقال القصة قديمة لأن صاحبها استشهد بأحد لأنا نقول‏:‏ كانت أحد في أواخر الثالثة فلا مانع أن يكون النهي في الأولى والإذن في الثالثة مثلا، وقد قال صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين لم يصليا معه ‏"‏ إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها نافلة ‏"‏ أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد بن الأسود العامري وصححه ابن خزيمة وغيره، وكان ذلك في حجة الوداع في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على الجواز أيضا أمره صلى الله عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها أن ‏"‏ صلوها في بيوتكم في الوقت ثم اجعلوها معهم نافلة‏"‏‏.‏
وأما استدلال الطحاوي أنه صلى الله عليه وسلم نهي معاذا عن ذلك بقوله في حديث سليم بن الحارث ‏"‏ إما أن تصلي معي وإما أن تخفف بقومك ‏"‏ ودعواه أن معناه إما أن تصلي معي ولا تصل بقومك وإما أن تخفف بقومك ولا تصل معي، ففيه نظر لأن لمخالفه أن يقول‏:‏ بل التقدير إما أن تصلي معي فقط إذا لم تخفف وإما أن تخفف بقومك فتصلي معي، وهو أولى من تقديره، لما فيه من مقابلة التخفيف بترك التخفيف لأنه هو المسئول عنه المتنازع فيه، وأما تقوية بعضهم بكونه منسوخا بأن صلاة الخوف وقعت مرارا على صفة فيها مخالفة ظاهرة بالأفعال المنافية في حال الأمن، فلو جازت صلاة المفترض خلف المتنفل لصلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم مرتين على وجه لا تقع فيه منافاة، فلما لم يفعل دل ذلك على المنع، فجوابه أنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف مرتين كما أخرجه أبو داود عن أبي بكرة صريحا، ولمسلم عن جابر نحوه، وأما صلاته بهم على نوع من المخالفة فلبيان الجواز‏.‏
وأما قول بعضهم كان فعل معاذ للضرورة لقلة القراء في ذلك الوقت فهو ضعيف كما قال ابن دقيق العيد، لأن القدر المجزئ من القراءة في الصلاة كان حافظوه كثيرا، وما زاد لا يكون سببا لارتكاب أمر ممنوع منه شرعا في الصلاة‏.‏
وفي حديث الباب من الفوائد أيضا استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين، وأما من قال لا يكره التطويل إذا علم رضاء المأمومين فيشكل عليه أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة كما في حديث الباب، فعلى هذا يكره التطويل مطلقا إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم‏.‏
وفيه أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة، وجواز إعادة الواحدة في اليوم الواحد مرتين صلى الله عليه وسلم وجواز خروج المأموم من الصلاة لعذر، وأما بغير عذر فاستدل به بعضهم وتعقب‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ لو كان كذلك لم يكن لأمر الأئمة بالتخفيف فائدة، وفيه نظر لأن فائدة الأمر بالتخفيف المحافظة على صلاة الجماعة، ولا ينافي ذلك جواز الصلاة منفردا، وهذا كما استدل بعضهم بالقصة على وجوب صلاة الجماعة وفيه نحو هذا النظر‏.‏
وفيه جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلي فيه بالجماعة إذا كان بعذر‏.‏
وفيه الإنكار بلطف لوقوعه بصورة الاستفهام، ويؤخذ منه تعزيز كل أحد بحسبه، والاكتفاء في التعزيز بالقول، والإنكار في المكروهات، وأما تكراره ثلاثا فللتأكيد، وقد تقدم في العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه‏.‏
وفيه اعتذار من وقع منه خطأ في الظاهر، وجواز الوقوع في حق من وقع في محذور ظاهر وإن كان له عذر باطن للتنفير عن فعل ذلك، وأنه لا لوم على من فعل ذلك متأولا، وأن التخلف عن الجماعة من صفة المنافق‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:18 PM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب تَخْفِيفِ الْإِمَامِ فِي الْقِيَامِ وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود‏)‏ قال الكرماني‏:‏ الواو بمعنى مع كأنه قال باب التخفيف بحيث لا يفوقه شيء من الواجبات، فهو تفسير لقوله في الحديث ‏"‏ فليتجوز ‏"‏ لأنه لا يأمر بالتجوز المؤدي إلى فساد الصلاة، قال ابن المنير وتبعه ابن رشيد وغيره‏:‏ خص التخفيف في الترجمة بالقيام مع أن لفظ الحديث أعم حيث قال ‏"‏ فليتجوز ‏"‏ لأن الذي يطول في الغالب إنما هو القيام، وما عداه لا يشق إتمامه على أحد، وكأنه حمل حديث الباب على قصة معاذ، فإن الأمر بالتخفيف فيها مختص بالقراءة‏.‏
انتهى ملخصا‏.‏
والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالترجمة إلى بعض ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته، وأما قصة معاذ فمغايرة لحديث الباب لأن قصة معاذ كانت في العشاء وكان الإمام فيها معاذا وكانت في مسجد بني سلمة، وهذه كانت في الصبح وكانت في مسجد قباء، ووهم من فسر الإمام المبهم هنا بمعاذ، بل المراد به أبي بن كعب كما أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن من رواية عيسى بن جارية وهو بالجيم عن جابر قال‏:‏ ‏"‏ كان أبي بن كعب يصلي بأهل قباء فاستفتح سورة طويلة، فدخل معه غلام من الأنصار في الصلاة، فلما سمعه استفتحها انفتل من صلاته، فغضب أبي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو الغلام، وأتى الغلام يشكو أبيا، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه ثم قال‏:‏ إن منكم منفرين، فإذا صليتم فأوجزوا، فإن خلفكم الضعيف والكبير والمريض وذا الحاجة ‏"‏ فأبان هذا الحديث أن المراد بقوله في حديث الباب ‏"‏ مما يطيل بنا فلان ‏"‏ أي في القراءة، واستفيد منه أيضا تسمية الإمام وبأي موضع كان‏.‏
وفي الطبراني من حديث عدي بن حاتم ‏"‏ من أمنا فليتم الركوع والسجود‏"‏‏.‏
وفي قول ابن المنير إن الركوع والسجود لا يشق إتمامهما نظر، فإنه إن أراد أقل ما يطلق عليه اسم تمام فذاك لا بد منه، وإن أراد غاية التمام فقد يشق، فسيأتي حديث البراء قريبا أنه صلى الله عليه وسلم كان قيامه وركوعه وسجوده قريبا من السواء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ سَمِعْتُ قَيْسًا قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زهير‏)‏ هو ابن معاوية الجعفي، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وأبو مسعود هو الأنصاري البدري، والإسناد كله كوفيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا‏)‏ لم أقف على اسمه، ووهم من زعم أنه حزم بن أبي كعب لأن قصته كانت مع معاذ لا مع أبي بن كعب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني لأتأخر عن صلاة الغداة‏)‏ أي فلا أحضرها مع الجماعة لأجل التطويل‏.‏
وفي رواية ابن المبارك في الأحكام ‏"‏ والله إني لأتأخر ‏"‏ بزيادة القسم، وفيه جواز مثل ذلك لأنه لم ينكر عليه، وتقدم في كتاب العلم في ‏"‏ باب الغضب في العلم ‏"‏ بلفظ ‏"‏ إني لا أكاد أدرك الصلاة ‏"‏ وتقدم توجيهه‏.‏
ويحتمل أيضا أن يكون المراد أن الذي ألفه من تطويله اقتضى له أن يتشاغل عن المجيء في أول الوقت وثوقا بتطويله، بخلاف ما إذا لم يكن يطول فإنه كان يحتاج إلى المبادرة إليه أول الوقت، وكأنه يعتمد على تطويله فيتشاغل ببعض شغله ثم يتوجه فيصادف أنه تارة يدركه وتارة لا يدركه فلذلك قال ‏"‏ لا أكاد أدرك مما يطول بنا ‏"‏ أي بسبب تطويله‏.‏
واستدل به على تسمية الصبح بذلك، ووقع في رواية سفيان الآتية قريبا ‏"‏ عن الصلاة في الفجر ‏"‏ وإنما خصها بالذكر لأنها تطول فيها القراءة غالبا، ولأن الانصراف منها وقت التوجه لمن له حرفة إليها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أشد‏)‏ بالنصب وهو نعت لمصدر محذوف أي غضبا أشد، وسببه إما لمخالفة الموعظة أو للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه، كذا قاله ابن دقيق العيد، وتعقبه تلميذه أبو الفتح اليعمري بأنه يتوقف على تقدم الإعلام بذلك، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون ما ظهر من الغضب لإرادة الاهتمام بما يلقيه لأصحابه ليكونوا من سماعه على بال لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله‏.‏
وأقول‏:‏ هذا أحسن في الباعث على أصل إظهار الغضب، أما كونه أشد فالاحتمال الثاني أوجه ولا يرد عليه التعقب المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن منكم منفرين‏)‏ فيه تفسير للمراد بالفتنة في قوله في حديث معاذ ‏"‏ أفتان أنت ‏"‏ ويحتمل أن تكون قصة أبي هذه بعد قصة معاذ، فلهذا أتى بصيغة الجمع‏.‏
وفي قصة معاذ واجهه وحده بالخطاب، وكذا ذكر في هذا الغضب ولم يذكره في قصة معاذ، وبهذا يتوجه الاحتمال الأول لابن دقيق العيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأيكم ما صلى‏)‏ ما زائدة، ووقع في رواية سفيان ‏"‏ فمن أم الناس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليخفف‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنسبة لعادة آخرين‏.‏
قال‏:‏ وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا قلت‏:‏ وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ‏"‏ أنت إمام قومك، وأقدر القوم بأضعفهم ‏"‏ إسناده حسن وأصله في مسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن فيهم‏)‏ في رواية سفيان ‏"‏ فإن خلفه ‏"‏ وهو تعليل الأمر المذكور، ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصف بصفة من المذكورات لم يضر التطويل، وقد قدمت ما يرد عليه في الباب الذي قبله من إمكان مجيء من يتصف بإحداها‏.‏
وقال اليعمري‏:‏ الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة، فينبغي للأئمة التخفيف مطلقا‏.‏
قال‏:‏ وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وعلل بالمشقة، وهو مع ذلك يشرع ولو لم يشق عملا بالغالب، لأنه لا يدري ما يطرأ عليه، وهنا كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الضعيف والكبير‏)‏ كذا للأكثر، ووقع في رواية سفيان في العلم ‏"‏ فإن فيهم المريض والضعيف ‏"‏ وكأن المراد بالضعيف هنا المريض وهناك من يكون ضعيفا في خلقته كالنحيف والمسن، وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد قول فيه‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:19 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء‏)‏ يريد أن عموم الأمر بالتخفيف مختص بالأئمة، فأما المنفرد فلا حجر عليه في ذلك‏.‏
لكن اختلف فيما إذا أطال القراءة حتى خرج الوقت كما سنذكره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ مِنْهُمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن فيهم‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ فإن منهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الضعيف والسقيم‏)‏ المراد بالضعيف هنا ضعيف الخلقة وبالسقيم من به مرض، زاد مسلم من وجه آخر عن أبي الزناد ‏"‏ والصغير والكبير ‏"‏ وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص ‏"‏ والحامل والمرضع ‏"‏ وله من حديث عدي بن حاتم ‏"‏ والعابر السبيل ‏"‏ وقوله في حديث أبي مسعود الماضي ‏"‏ وذا الحاجة ‏"‏ وهي أشمل الأوصاف المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليطول ما شاء‏)‏ ولمسلم ‏"‏ فليصل كيف شاء ‏"‏ أي مخففا أو مطولا واستدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت، وهو المصحح عند بعض أصحابنا وفيه نظر، لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة ‏"‏ إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى ‏"‏ أخرجه مسلم، وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة ترك المفسدة أولى، واستدل بعمومه أيضا على جواز تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ
وَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ طَوَّلْتَ بِنَا يَا بُنَيَّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من شكا إمامه إذا طول‏)‏ فيه حديث أبي مسعود وهو ظاهر في الترجمة، وكذا حديث جابر، والتعليق عن أبي أسيد وهو الأنصاري وصله ابن أبي شيبة من رواية المنذر بن أبي أسيد قال ‏"‏ كان أبي يصلي خلفي، فربما قال‏:‏ يا بني طولت بنا اليوم ‏"‏ واستفيد منه تسمية الابن المذكور، وفيه حجة على من كره للرجل أن يؤم أباه كعطاء، ورأيت بخط البدر الزركشي أنه رأى في بعض نسخ البخاري ‏"‏ وكره عطاء أن يؤم الرجل أباه ‏"‏ فإن ثبت ذلك فقد وصل ابن أبي شيبة هذا التعليق، وكأن المنذر كان إماما راتبا في المسجد‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية المستملي ‏"‏ أبو أسيد ‏"‏ بفتح الهمزة والصواب الضم كما للباقين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ النِّسَاءِ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ أَوْ أَفَاتِنٌ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ أَحْسِبُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ وَمِسْعَرٌ وَالشَّيْبَانِيُّ قَالَ عَمْرٌو وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَرَأَ مُعَاذٌ فِي الْعِشَاءِ بِالْبَقَرَةِ وَتَابَعَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ مُحَارِبٍ
الشرح‏:‏
قوله في حديث محارب عن جابر ‏(‏أقبل رجل بناضحين‏)‏ الناضح بالنون والضاد المعجمة والحاء المهملة ما استعمل من الإبل في سقى النخل والزرع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقد جنح الليل‏)‏ أي أقبل بظلمته، وهو يؤيد أن الصلاة المذكورة كانت العشاء كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بسورة البقرة أو النساء‏)‏ زاد أبو داود الطيالسي عن شعبة شك محارب، وفي هذا رد على من زعم أن الشك فيه من جابر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلولا صليت‏)‏ أي فهلا صليت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإنه يصلي وراءك‏)‏ تقدم شرحه في الباب الذي قبله فكان هذا هو الحامل لمن وحد بين القصتين، لكن في ثبوت هذه الزيادة في هذه القصة نظر، لقوله بعدها ‏(‏أحسب هذا في الحديث‏)‏ يعني هذه الجملة الأخيرة ‏"‏ فإنه يصلي الخ‏"‏، وقائل ذلك هو شعبة الراوي عن محارب، وقد رواه غير شعبة من أصحاب محارب عنه بدونها، وكذا أصحاب جابر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه سعيد بن مسروق‏)‏ هو والد سفيان الثوري، وروايته هذه وصلها أبو عوانة من طريق أبي الأحوص عنه، ومتابعة مسعر وصلها السراج من رواية أبي نعيم عنه، ومتابعة الشيباني وهو أبو إسحاق وصلها البزار من طريقه كلهم عن محارب، والمراد أنهم تابعوا شعبة عن محارب في أصل الحديث لا في جميع ألفاظه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عمرو‏)‏ هو ابن دينار وقد تقدمت روايته قبل ببابين، ورواية عبيد الله بن مقسم وصلها ابن خزيمة من رواية محمد بن عجلان عنه وهي عند أبي داود باختصار، ورواية أبي الزبير وصلها عبد الرزاق عن ابن جريج عنه وهي عند مسلم من طريق الليث عنه لكن لم يعين أن السورة البقرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتابعه الأعمش عن محارب‏)‏ أي تابع شعبة، وروايته عند النسائي من طريق محمد بن فضيل عن الأعمش عن محارب وأبي صالح كلاهما عن جابر بطوله وقال فيه ‏"‏ فيطول بهم معاذ ‏"‏ ولم يعين السورة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب الْإِيجَازِ فِي الصَّلَاةِ وَإِكْمَالِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها‏)‏ ثبتت هذه الترجمة عند المستملي وكريمة، وكذا ذكرها الإسماعيلي، وسقطت للباقين، وعلى تقدير سقوطها فمناسبة حديث أنس للترجمة من جهة أن من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الإيجاز والإتمام لا يشكى منه تطويل، وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي مجلز قال ‏"‏ كانوا - أي الصحابة - يتمون ويوجزون ويبادرون الوسوسة ‏"‏ فبين العلة في تخفيفهم، ولهذا عقب المصنف هذه الترجمة بالإشارة إلى أن تخفيف النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهذا السبب لعصمته من الوسوسة بل كان يخفف عند حدوث أمر يقتضيه كبكاء صبي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوجِزُ الصَّلَاةَ وَيُكْمِلُهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عبد العزيز‏)‏ هو ابن صهيب، والإسناد كله بصريون‏.‏
والمراد بالإيجاز مع الإكمال الإتيان بأقل ما يمكن من الأركان والأبعاض‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:19 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ التراجم السابقة بالتخفيف تتعلق بحق المأمومين، وهذه الترجمة تتعلق بقدر زائد على ذلك وهو مصلحة غير المأموم، لكن حيث تتعلق بشيء يرجع إليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ تَابَعَهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَبَقِيَّةُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى بن أبي كثير‏)‏ في رواية بشر بن بكر الآتية عن الأوزاعي ‏"‏ حدثني يحيى‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي قتادة‏)‏ في رواية ابن سماعة عن الأوزاعي عند الإسماعيلي ‏"‏ حدثني عبد الله ابن أبي قتادة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني لأقوم في الصلاة أريد‏)‏ في رواية بشر بن بكر ‏"‏ لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه بشر بن بكر‏)‏ هي موصولة عند المؤلف في ‏"‏ باب خروج النساء إلى المساجد ‏"‏ قبيل كتاب الجمعة، ومتابعة ابن المبارك وصلها النسائي، ومتابعة بقية وهو ابن الوليد لم أقف عليها، واستدل بهذا الحديث على جواز إدخال الصبيان المساجد، وفيه نظر لاحتمال أن يكون الصبي كان مخلفا في بيت يقرب من المسجد بحيث يسمع بكاؤه‏"‏‏.‏
وعلى جواز صلاة النساء في الجماعة مع الرجال، وفيه شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ومراعاة أحوال الكبير منهم والصغير‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني شريك بن عبد الله‏)‏ أي ابن أبي نمر، والإسناد كله مدنيون غير خالد فهو كوفي سكن المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخف صلاة ولا أتم‏)‏ إلى هنا أخرج مسلم من هذا الحديث، من رواية إسماعيل بن جعفر عن شريك، ووافق سليمان بن بلال على تكلمته أبو ضمرة عند الإسماعيلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيخفف‏)‏ بين مسلم في رواية ثابت عن أنس محل التخفيف ولفظه ‏"‏ فيقرأ بالسورة القصيرة‏"‏، وبين ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن سابط مقدارها ولفظه ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى بسورة طويلة فسمع بكاء صبي فقرأ بالثانية بثلاث آيات ‏"‏ وهذا مرسل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن تفتن أمه‏)‏ أي تلتهي عن صلاتها لاشتغال قلبها ببكائه، زاد عبد الرزاق من مرسل عطاء ‏"‏ أو تتركه فيضيع‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد‏)‏ هو ابن أبي عروبة، والإسناد كله بصريون، وكذا ما بعده موصولا ومعلقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنا أريد إطالتها‏)‏ فيه أن من قصد في الصلاة الإتيان بشيء مستحب لا يجب عليه الوفاء به خلافا لأشهب حيث ذهب إلى أن من نوى التطوع قائما ليس له أن يتمه جالسا‏.‏
قوله في رواية ابن أبي عدي ‏(‏مما أعلم‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ لما أعلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجد أمه‏)‏ أي حزنها‏.‏
قال صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏ وجد يجد وجدا - بالسكون والتحريك - حزن، وكأن ذكر الأم هنا خرج مخرج الغالب، وإلا فمن كان في معناها ملتحق بها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ فَأُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ وَقَالَ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال موسى‏)‏ أي ابن إسماعيل وهو أبو سلمة التبوذكي، وأبان هذا ابن يزيد العطار، والمراد بهذا بيان سماع قتادة له من أنس، وروايته هذه وصلها السراج عن عبيد الله بن جرير وابن المنذر عن محمد ابن إسماعيل كلاهما عن أبي سلمة‏.‏
ووقع التصريح أيضا عند الإسماعيلي من رواية خالد بن الحارث عن سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك حدثه‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ احتج به من قال يجوز للإمام إطالة الركوع إذا سمع بحس داخل ليدركه، وتعقبه ابن المنير بأن التخفيف نقيض التطويل فكيف يقاس عليه‏؟‏ قال‏:‏ ثم إن فيه مغايرة للمطلوب، لأن فيه إدخال مشقة على جماعة لأجل واحد‏.‏
انتهى‏.‏
ويمكن أن يقال‏:‏ محل ذلك ما لم يشق على الجماعة، وبذلك قيده أحمد وإسحاق وأبو ثور، وما ذكره ابن بطال سبقه إليه الخطابي، ووجهه بأنه إذا جاز التخفيف لحاجة من حاجات الدنيا كان التطويل لحاجة من حاجات الدين أجوز، وتعقبه القرطبي بأن في التطويل هنا زيادة عمل في الصلاة غير مطلوب، بخلاف التخفيف فإنه مطلوب، انتهى‏.‏
وفي هذه المسألة خلاف عند الشافعية وتفصيل، وأطلق النووي عن المذهب استحباب ذلك، وفي التجريد للمحاملي نقل كراهيته عن الجديد، وبه قال الأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأبو يوسف‏.‏
وقال محمد بن الحسن‏:‏ أخشى أن يكون شركا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا صلى ثم أم قوما‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يذكر جواب إذا جريا على عادته في ترك الجزم بالحكم المختلف فيه، وقد تقدم البحث في ذلك قريبا
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ
الشرح‏:‏
تقدم الحديث من وجه آخر عن عمرو‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:20 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أسمع الناس تكبير الإمام‏)‏ تقدم الكلام على حديث عائشة في ‏"‏ باب حد المريض أن يشهد الجماعة ‏"‏ والشاهد فيه قوله ‏"‏ وأبو بكر يسمع الناس التكبير ‏"‏ وهذه اللفظة مفسرة عند الجمهور للمراد بقوله في الرواية الماضية ‏"‏ وكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر ‏"‏ وقد ذكر البخاري أن محاضرا تابع عبد الله بن داود على ذلك، وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي بعده، قال ابن مالك‏:‏ ووقع في بعض الروايات هنا ‏"‏ إن يقم مقامك يبكي، ومروا أبا بكر يصلي ‏"‏ بإثبات الياء فيهما، وهو من قبيل إجراء المعتل لمجرى الصحيح والاكتفاء بحذف الحركة ومنه قراءة من قرأ ‏(‏إنه من يتقي ويصبر‏)‏ ‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ سقط في رواية أبي زيد المروزي من هذا الإسناد ‏"‏ إبراهيم ‏"‏ ولا بد منه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ
وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ هذا موافق لقول مسروق والشعبي إن الصفوف يؤم بعضها بعضا خلافا للجمهور، قلت‏:‏ وليس المراد أنهم يأتمون بهم في التبليغ فقط كما فهمه بعضهم بل الخلاف معنوي، لأن الشعبي قال فيمن أحرم قبل أن يرفع الصف الذي يليه رءوسهم من الركعة‏:‏ إنه أدركها ولو كان الإمام رفع قبل ذلك، لأن بعضهم لبعض أئمة‏.‏
انتهى‏.‏
فهذا يدل على أنه يرى أنهم يتحملون عن بعضهم بعض ما يتحمله الإمام، وأثر الشعبي الأول وصله عبد الرزاق، والثاني وصله ابن أبي شيبة، ولم يفصح البخاري باختياره في هذه المسألة لأنه بدأ بالترجمة الدالة على أن المراد بقوله ‏"‏ ويأتم الناس بأبي بكر ‏"‏ أي أنه في مقام المبلغ، ثم ثنى بهذه الرواية التي أطلق فيها اقتداء الناس بأبي بكر، ورشح ظاهرها‏.‏
بظاهر الحديث المعلق، فيحتمل أن يكون يذهب إلى قول الشعبي ويرى أن قوله في الرواية الأولى ‏"‏ يسمع الناس التكبير ‏"‏ لا ينفي كونهم يأتمون به لأن إسماعه لهم التكبير جزء من أجزاء ما يأتمون به فيه، وليس فيه نفي لغيره‏.‏
ويؤيد ذلك رواية الإسماعيلي من طريق عبد الله بن داود المذكور ووكيع جميعا عن الأعمش بهذا الإسناد قال فيه ‏"‏ والناس يأتمون بأبي بكر وأبو بكر يسمعهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هذا طرف من حديث أبي سعيد الخدري قال ‏"‏ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخرا فقال‏:‏ تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم ‏"‏ الحديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن من رواية أبي نضرة عنه‏.‏
قيل‏:‏ وإنما ذكره البخاري بصيغة التمريض لأن أبا نضرة ليس على شرطه لضعف فيه، وهذا عندي ليس بصواب، لأنه لا يلزم من كونه على غير شرطه أنه لا يصلح عنده للاحتجاج به، بل قد يكون صالحا للاحتجاج به عنده وليس هو على شرط صحيحه الذي هو أعلى شروط الصحة‏.‏
والحق أن هذه الصيغة لا تختص بالضعيف بل قد تستعمل في الصحيح أيضا‏.‏
بخلاف صيغة الجزم فإنها لا تستعمل إلا في الصحيح، وظاهره يدل لمذهب الشعبي‏.‏
وأجاب النووي بأن معنى ‏"‏ وليأتم بكم من بعدكم ‏"‏ أي يقتدي بكم من خلفكم مستدلين على أفعالي بأفعالكم، قال‏:‏ وفيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه أو صف قدامه يراه متابعا للإمام، وقيل‏:‏ معناه تعلموا مني أحكام الشريعة وليتعلم منكم التابعون بعدكم وكذلك أتباعهم إلى انقراض الدنيا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِلَالٌ يُؤذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ مَتَى مَا يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعُ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعُ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ قَالَ إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ يَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَاعِدًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مُقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏مروا أبا بكر يصلي‏)‏ كذا فيه بإثبات الياء، وقد تقدم توجيه ابن مالك له‏.‏
ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ أن يصلي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏متى يقوم‏)‏ كذا وقع للأكثر في الموضعين بإثبات الواو، ووجهه ابن مالك بأنه شبه متى بإذا فلم تجزم، كما شبه إذا بمتى في قوله ‏"‏ إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين ‏"‏ فحذف النون‏.‏
ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ متى ما يقم ‏"‏ ولا إشكال فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تخطان الأرض‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يخطان في الأرض‏"‏‏.‏
وقد تقدمت بقية مباحث الحديث في ‏"‏ باب حد المريض ‏"‏ وقوله في السند ‏"‏ الأعمش عن إبراهيم عن الأسود ‏"‏ كذا للجميع وهو الصواب، وسقط إبراهيم بين الأعمش والأسود من رواية أبي المروزي وهو وهم قاله الجياني‏.

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:21 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب هَلْ يَأْخُذُ الْإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس‏)‏ أورد فيه قصة ذي اليدين في السهو، وسيأتي الكلام عليها في موضعه‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ أراد أن محل الخلاف في هذه المسألة هو ما إذا كان الإمام شاكا، أما إذا كان على يقين من فعل نفسه فلا خلاف أنه لا يرجع إلى أحد‏.‏
انتهى‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم شك بأخبار ذي اليدين فسألهم إرادة تيقن أحد الأمرين، فلما صدقوا ذا اليدين علم صحة قوله، قال‏:‏ وهذا الذي أراد البخاري بتبويبه‏.‏
وقال ابن بطال بعد أن حكى الخلاف في هذه المسألة‏:‏ حمل الشافعي رجوعه عليه الصلاة والسلام على أنه تذكر فذكر، وفيه نظر، لأنه لو كان كذلك لبينه لهم ليرتفع اللبس، ولو بينه لنقل، ومن ادعى ذلك فليذكره‏.‏
قلت‏:‏ قد ذكره أبو داود من طريق الأوزاعي عن الزهري عن سعيد وعبيد الله عن أبي هريرة بهذه القصة قال ‏"‏ ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب إِذَا بَكَى الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا بكى الإمام في الصلاة‏)‏ أي هل تفسد أو لا‏؟‏ والأثر والخبر اللذان في الباب يدلان على الجواز، وعن الشعبي والنخعي والثوري أن البكاء والأنين يفسد الصلاة‏.‏
وعن المالكية والحنفية إن كان لذكر النار والخوف لم يفسد، وفي مذهب الشافعي ثلاثة أوجه أصحها إن ظهر منه حرفان أفسد وإلا فلا‏.‏
ثانيها وحكى عن نصه في الإملاء أنه لا يفسد مطلقا لأنه ليس من جنس الكلام ولا يكاد يبين منه حرف محقق فأشبه الصوت الغفل‏.‏
ثالثها عن القفال إن كان فمه مطبقا لم يفسد وإلا أفسد إن ظهر منه حرفان، وبه قطع المتولي‏.‏
والوجه الثاني أقوى دليلا‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ أطلق جماعة التسوية بين الضحك والبكاء‏.‏
وقال المتولي‏:‏ لعل الأظهر في الضحك البطلان مطلقا لما فيه من هتك حرمة الصلاة، وهذا أقوى من حيث المعنى، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الله بن شداد‏)‏ أي ابن الهاد، وهو تابعي كبير له رؤية ولأبيه صحبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت نشيج عمر‏)‏ النشيج - بفتح النون وكسر المعجمة وآخره جيم - قال ابن فارس‏:‏ نشج الباكي ينشج نشيجا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب‏.‏
وقال الهروي‏:‏ النشيج صوت معه ترجيع كما يردد الصبي بكاءه في صدره‏.‏
وفي ‏"‏ المحكم ‏"‏‏:‏ هو أشد البكاء‏.‏
وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعد سمع عبد الله بن شداد بهذا وزاد ‏"‏ في صلاة الصبح‏"‏‏.‏
وأخرجه ابن المنذر من طريق عبيد بن عمير عن عمر نحوه، وقد تقدم الكلام على حديث أبي بكر وقوله فيه ‏"‏ من البكاء ‏"‏ أي لأجل البكاء‏.‏
وفي الباب حديث عبد الله بن الشخير ‏"‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ‏"‏ رواه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل وإسناده قوى، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ووهم من زعم أن مسلما أخرجه‏.‏
والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم القدر إذا غلت‏.‏
والأزيز بفتح الهمزة بعدها زاي ثم تحتانية ساكنة ثم زاي أيضا وهو صوت القدر إذا غلت، وفي لفظ ‏"‏ كأزيز الرحى‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ وَبَعْدَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها‏)‏ ليس في حديثي الباب دلالة على تقييد التسوية بما ذكر، لكن أشار بذلك إلى ما في بعض الطرق كعادته، ففي حديث النعمان عند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عندما كاد أن يكبر، وفي حديث أنس في الباب الذي بعد هذا ‏"‏ أقيمت الصلاة فأقبل علينا فقال‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لتسون‏)‏ بضم التاء المثناة وفتح السين وضم الواو المشددة وتشديد النون، وللمستملى ‏"‏ لتسوون ‏"‏ بواوين‏.‏
قال البيضاوي‏:‏ هذه اللام هي التي يتلقى بها القسم، والقسم هنا مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة‏.‏
انتهى‏.‏
وسيأتي من رواية أبي داود قريبا إبراز القسم في هذا الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو ليخالفن الله بين وجوهكم‏)‏ أي إن لم تسووا، والمراد بتسوية الصفوف اعتدال‏.‏
القائمين بها على سمت واحد، أو يراد بها سد الخلل الذي في الصف كما سيأتي‏.‏
واختلف في الوعيد المذكور فقيل‏:‏ هو على حقيقته والمراد تسوية الوجه بتحويل خلقه عن وضعه يجعله موضع القفا أو نحو ذلك، فهو نظير ما تقدم من الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، وفيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية وهي المخالفة، وعلى هذا فهو واجب، والتفريط فيه حرام، وسيأتي البحث في ذلك في ‏"‏ باب إثم من لم يتم الصفوف ‏"‏ قريبا، ويؤيد حمله على ظاهره حديث أبي أمامة ‏"‏ لتسون الصفوف أو لتطمسن الوجوه ‏"‏ أخرجه أحمد وفي إسناده ضعف، ولهذا قال ابن الجوزي‏:‏ الظاهر أنه مثل الوعيد المذكور في قوله تعالى ‏(‏من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها‏)‏ ، وحديث أبي أمامة أخرجه أحمد وفي إسناده ضعف، ومنهم من حمله على المجاز، قال النووي‏:‏ معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، كما تقول‏:‏ تغير وجه فلان علي، أي ظهر لي من وجهه كراهية، لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن‏.‏
ويؤيده رواية أبي داود وغيره بلفظ أو ليخالفن الله بين قلوبكم كما سيأتي قريبا‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجها غير الذي أخذ صاحبه، لأن تقدم الشخص على غيره مظنة الكبر المفسد للقلب الداعي إلى القطيعة‏.‏
والحاصل أن المراد بالوجه إن حمل على العضو المخصوص فالمخالفة إما بحسب الصورة الإنسانية أو الصفة أو جعل القدام وراء، وإن حمل على ذات الشخص فالمخالفة بحسب المقاصد‏.‏
أشار إلى ذلك الكرماني‏.‏
ويحتمل أن يراد بالمخالفة في الجزاء فيجازي المسوى بخير ومن لا يسوى بشر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي
الشرح‏:‏
قوله في حديث أنس ‏(‏أقيموا‏)‏ أي عدلوا، يقال أقام العود إذا عدله وسواه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإني أراكم‏)‏ فيه إشارة إلى سبب الأمر بذلك، أي إنما أمرت بذلك لأني تحققت منكم خلافه‏.‏
وقد تقدم القول في المراد بهذه الرواية في ‏"‏ باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة ‏"‏ وأن المختار حملها على الحقيقة خلافا لمن زعم أن المراد بها خلق علم ضروري له بذلك‏.‏
ونحو ذلك قال الزين بن المنير لا حاجة إلى تأويلها لأنه في معنى تعطيل لفظ الشارع من غير ضرورة‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ بل حملها على ظاهرها أولى لأن فيه زيادة في كرامة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:22 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب إِقْبَالِ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف‏)‏ أورد فيه حديث أنس الذي في الباب قبله، وقد تقدم الكلام عليه فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا معاوية بن عمرو‏)‏ هو من قدماء شيوخ البخاري، وروى له هنا بواسطة، فكأنه لم يسمعه منه وإنما نزل فيه لما وقع في الإسناد من تصريح حميد بتحديث أنس له فأمن بذلك تدليسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتراصوا‏)‏ بتشديد الصاد المهملة أي تلاصقوا بغير خلل، ويحتمل أن يكون تأكيدا لقوله أقيموا، والمراد بأقيموا سووا كما وقع في رواية معمر عن حميد عند الإسماعيلي بدل أقيموا واعتدلوا، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة، وقد تقدم في باب مفرد، وفيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب الصَّفِّ الْأَوَّلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصف الأول‏)‏ والمراد به ما يلي الإمام مطلقا، وقيل أول صف تام يلي الإمام، لا ما تخلله شيء كمقصورة‏.‏
وقيل المراد به من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف قاله ابن عبد البر واحتج بالاتفاق على أن من جاء أول الوقت ولم يدخل في الصف الأول فهو أفضل ممن جاء في آخره وزاحم إليه، ولا حجة له في ذلك كما لا يخفى‏.‏
قال النووي‏:‏ القول الأول هو الصحيح المختار وبه صرح المحققون، والقولان الآخران غلط صريح‏.‏
انتهى‏.‏
وكأن صاحب القول الثاني لحظ أن المطلق ينصرف إلى الكامل، وما فيه خلل فهو ناقص، وصاحب القول الثالث لحظ المعنى في تفضيل الصف الأول دون مراعاة لفظه، وإلى الأول أشار البخاري لأنه ترجم بالصف الأول وحديث الباب فيه الصف المقدم وهو الذي لا يتقدمه إلا الإمام، قال العلماء‏:‏ في الحض على الصف الأول المسارعة إلى خلاص الذمة، والسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام، واستماع قراءته والتعلم منه، والفتح عليه، والتبليغ عنه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من رؤية من يكون قدامه، وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين‏.‏

*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إقامة الصف من تمام الصلاة‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه في ‏"‏ باب إيجاب التكبير ‏"‏ قريبا وفي آخره هنا ‏"‏ وأقيموا الصفوف الخ ‏"‏ وهو المقصود بهذه الترجمة، وقد أفرده مسلم وأحمد وغيرهما من طريق عبد الرزاق المذكورة عما قبله فجعلوه حديثين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏من حسن الصلاة‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ إنما قال البخاري في الترجمة ‏"‏ من تمام الصلاة ‏"‏ ولفظ الحديث ‏"‏ من حسن الصلاة ‏"‏ لأنه أراد أن يبين أنه المراد بالحسن هنا، وأنه لا يعني به الظاهر المرئي من الترتيب، بل المقصود منه الحسن الحكمي بدليل حديث أنس وهو الثاني من حديثى الباب حيث عبر بقوله ‏"‏ من إقامة الصلاة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله في حديث أنس ‏(‏فإن تسوية الصفوف‏)‏ وفي رواية الأصيلي ‏"‏ الصف ‏"‏ بالإفراد، والمراد به الجنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من إقامة الصلاة‏)‏ هكذا ذكره البخاري عن أبي الوليد، وذكره غيره عنه بلفظ ‏"‏ من تمام الصلاة ‏"‏ كذلك أخرجه الإسماعيلي عن ابن حذيفة صلى الله عليه وسلم والبيهقي من طريق عثمان الدارمي كلاهما عنه، وكذلك أخرجه أبو داود عن أبي الوليد وغيره، وكذا مسلم وغيره من طريق جماعة عن شعبة، وزاد الإسماعيلي من طريق أبي داود الطيالسي قال ‏"‏ سمعت شعبة يقول‏:‏ داهنت في هذا الحديث لم أسأل قتادة أسمعته من أنس أم لا‏؟‏ انتهى‏.‏
ولم أره عن قتادة إلا معنعنا، ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري لحديث أبي هريرة معه في الباب تقوية له‏.‏
واستدل ابن حزم بقوله ‏"‏ إقامة الصلاة ‏"‏ على وجوب تسوية الصفوف قال‏:‏ لأن إقامة الصلاة واجبة‏.‏
وكل شيء من الواجب واجب، ولا يخفى ما فيه، ولا سيما وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة‏.‏
وتمسك ابن بطال بظاهر لفظ حديث أبي هريرة فاستدل به على أن التسوية سنة قال‏:‏ لأن حسن الشيء زيادة على تمامه، وأورد عليه رواية ‏"‏ من تمام الصلاة‏"‏‏.‏
وأجاب ابن دقيق العيد فقال‏:‏ قد يؤخذ من قوله تمام الصلاة الاستحباب لأن تمام الشيء في العرف أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها، وإن كان يطلق بحسب الوضع على بعض ما لا تتم الحقيقة إلا به، كذا قال، وهذا الأخذ بعيد لأن لفظ الشارع لا يحمل إلا على ما دل عليه الوضع في اللسان العربي، وإنما يحمل على العرف إذا ثبت أنه عرف الشارع لا العرف الحادث‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لفظ الترجمة أورده عبد الرزاق من حديث جابر‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:23 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n89&p1#TOP)باب إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إثم من لم يتم الصفوف‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ أورد فيه حديث أنس ‏"‏ ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف ‏"‏ وتعقب بأن الإنكار قد يقع على ترك السنة فلا يدل ذلك على حصول الإثم، وأجيب بأنه لعله حمل الأمر في قوله تعالى ‏(‏فليحذر الذين يخالفون عن أمره‏)‏ على أن المراد بالأمر الشأن والحال لا مجرد الصيغة، فيلزم منه أن من خالف شيئا من الحال التي كان عليها صلى الله عليه وسلم أن يأثم لما يدل عليه الوعيد المذكور في الآية، وإنكار أنس ظاهر في أنهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامة الصفوف، فعلى هذا تستلزم المخالفة التأثيم‏.‏
انتهى كلام ابن رشيد ملخصا‏.‏
وهو ضعيف لأنه يفضي إلى أن لا يبقى شيء مسنون، لأن التأثيم إنما يحصل عن ترك واجب‏.‏
وأما قول ابن بطال‏:‏ إن تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلها المدح عليها دل على أن تاركها يستحق الذم، فهو متعقب من جهة أنه لا يلزم من ذم تارك السنة أن يكون آثما‏.‏
سلمنا، لكن يرد عليه التعقب الذي قبله‏.‏
ويحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله ‏"‏ سووا صفوفكم ‏"‏ ومن عموم قوله ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي ‏"‏ ومن ورود الوعيد على تركه، فرجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن، ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنسا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة‏.‏
وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف، وبما صح عن سويد بن غفلة قال ‏"‏ كان بلال يسوي مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة ‏"‏ فقال‏:‏ ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب وفيه نظر، لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّكُمْ لَا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ قَدِمَ عَلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ بِهَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بشير‏)‏ هو بالمعجمة مصغر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما أنكرت منذ يوم عهدت‏)‏ في رواية المستملي والكشميهني ‏"‏ ما أنكرت منا منذ عهدت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عقبة بن عبيد‏)‏ هو أبو الرحال بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة وهو أخو سعيد بن عبيد راوي الإسناد الذي قبله، وليس لعقبة في البخاري إلا هذا الموضع المعلق، وأراد به بيان سماع بشير بن يسار له من أنس، وقد وصله أحمد في مسنده عن يحيى القطان عن عقبة بن عبيد الطائي ‏"‏ حدثني بشير بن يسار قال‏:‏ جاء أنس إلى المدينة فقلنا ما أنكرت منا من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ ما أنكرت منكم شيئا غير أنكم لا تقيمون الصفوف‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ هذه القدمة لأنس غير القدمة التي تقدم ذكرها في ‏"‏ باب وقت العصر‏"‏، فإن ظاهر الحديث فيها أنه أنكر تأخير الظهر إلى أول وقت العصر كما مضى، وهذا الإنكار أيضا غير الإنكار الذي تقدم ذكره في ‏"‏ باب تضييع الصلاة عن وقتها ‏"‏ حيث قال ‏"‏ لا أعرف شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا الصلاة وقد ضيعت ‏"‏ فإن ذاك كان بالشام وهذا بالمدينة، وهذا يدل على أن أهل المدينة كانوا في ذلك الزمان أمثل من غيرهم في التمسك بالسنن‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:25 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n90&p1#TOP)باب إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف‏)‏ المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله، وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النعمان بن بشير‏)‏ هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة من رواية أبي القاسم الجدلي واسمه حسين بن الحارث قال ‏"‏ النعمان بن بشير يقول‏:‏ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال‏:‏ أقيموا صفوفكم ثلاثا، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم‏.‏
قال‏:‏ فلقد رأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه ‏"‏ واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرجل - وهو عند ملتقى الساق والقدم - وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه، خلافا لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم، وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم وأثبته بعضهم في مسألة الحج لا الوضوء، وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ رواه سعيد بن منصور عن هشيم فصرح فيه بتحديث أنس لحميد وفيه الزيادة التي في آخره وهي قوله ‏"‏ وكان أحدنا الخ ‏"‏ وصرح بأنها من قول أنس‏.‏
وأخرجه الإسماعيلي من رواية معمر عن حميد بلفظ ‏"‏ قال أنس‏:‏ فلقد رأيت أحدنا الخ ‏"‏ وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته، وزاد معمر في روايته ‏"‏ ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شموس‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:26 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n90&p1#TOP)باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ وَحَوَّلَهُ الْإِمَامُ خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه تمت صلاته‏)‏ تقدم أكثر لفظ هذه الترجمة قبل بنحو من عشرين بابا لكن ليس هناك لفظ ‏"‏ خلفه ‏"‏ وقال هناك ‏"‏ لم تفسد صلاتهما ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ تمت صلاته ‏"‏ وأخرج هناك حديث ابن عباس هذا لكن من وجه آخر، ولم ينبه أحد من الشراح على حكمة هذه الإعادة، بل أسقط بعضهم الكلام على هذا الباب‏.‏
والذي يظهر لي أن حكمهما مختلف لاختلاف الجوابين، فقوله ‏"‏ لم تفسد صلاتهما ‏"‏ أي بالعمل الواقع منهما لكونه خفيفا وهو من مصلحة الصلاة أيضا، وقوله ‏"‏تمت صلاته ‏"‏ أي المأموم ولا يضر وقوفه عن يسار الإمام أولا مع كونه في غير موقفه، ولأنه معذور بعدم العلم بذلك الحكم‏.‏

ويحتمل أن يكون الضمير للإمام وتوجيهه أن الإمام وحده في مقام الصف، ومحاولته لتحويل المأموم فيه التفات ببعض بدنه ولكن ليس تركا لإقامة الصف للمصلحة المذكورة، فصلاته على هذا لا نقص فيها من هذه الجهة والله أعلم‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يكون الضمير للرجل لأن الفاعل وإن تأخر لفظا لكنه متقدم رتبة فلكل منها قرب من وجه‏.‏
قلت‏:‏ لكن إذا عاد الضمير للإمام أفاد أنه احترز أن يحوله من بين يديه لئلا يصير كالمار بين يديه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n90&p1#TOP)باب الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا تَكُونُ صَفًّا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المرأة وحدها تكون صفا‏)‏ أي في حكم الصف، وبهذا يندفع اعتراض الإسماعيلي حيث قال‏:‏ الشخص الواحد لا يسمى صفا، وأقل ما يقوم الصف باثنين‏.‏
ثم إن هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه ابن عبد البر من حديث عائشة مرفوعا ‏"‏ والمرأة وحدها صف‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن محمد‏)‏ هو الجعفي، وإن كان عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قد روى هذا الحديث أيضا عن سفيان وهو ابن عيينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن إسحاق عن أنس‏)‏ في رواية الحميدي عند أبي نعيم وعلي بن المديني عند الإسماعيلي كلاهما عن سفيان ‏"‏ حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صليت أنا ويتيم‏)‏ كذا للجميع، وكذا وقع في خبر يحيى بن يحيى المشهور من روايته عن ابن عيينة‏.‏
ووقع عند ابن فتحون فيما رواه عن ابن السكن بسنده في الخبر المذكور ‏"‏ صليت أنا وسليم ‏"‏ بسين مهملة ولام مصغرا فتصحفت على الراوي من لفظ ‏"‏ يتيم ‏"‏ ومشى على ذلك ابن فتحون فقال في ذيله على الاستيعاب‏:‏ سليم غير منسوب وساق هذا الحديث‏.‏
ثم إن هذا طرف من حديث اختصره سفيان وطوله مالك كما تقدم في ‏"‏ باب الصلاة على الحصير ‏"‏ واستدل بقوله ‏"‏ فصففت أنا واليتيم وراءه ‏"‏ على أن السنة في موقف الاثنين أن يصفا خلف الإمام، خلافا لمن قال من الكوفيين أن أحدهما يقف عن يمينه والآخر عن يساره، وحجتهم في ذلك حديث ابن مسعود الذي أخرجه أبو داود وغيره عنه أنه أقام علقمة عن يمينه والأسود عن شماله، وأجاب عنه ابن سيربن بأن ذلك كان لضيق المكان، رواه الطحاوي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأمي أم سليم خلفنا‏)‏ فيه أن المرأة لا تصف مع الرجال، وأصله ما يخشى من الافتتان بها فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور، وعن الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة، وهو عجيب وفي توجيهه تعسف حيث قال قائلهم‏:‏ دليله قول ابن مسعود ‏"‏ أخروهن من حيث أخرهن الله ‏"‏ والأمر للوجوب، وحيث ظرف مكان ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها، وحكاية هذا تغني عن تكـلف جوابه، والله المستعان‏.‏
فقد ثبت النهي عن الصلاة في الثوب المغصوب وأمر لابسه أن ينزعه، فلو خالف فصلى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته، فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك‏؟‏ وأوضح منه لو كان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها شخص بغير إذنه مع اقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته وأثم، وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته ولا سيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ الأقرب أن البخاري قصد أن يبين أن هذا مستثنى من عموم الحديث الذي فيه ‏"‏ لا صلاة لمنفرد خلف الصف ‏"‏ يعني أنه مختص بالرجال، والحديث المذكور أخرجه ابن حبان من حديث علي بن شيبان، وفي صحته نظر كما سنذكره في ‏"‏ باب إذا ركع دون الصف ‏"‏ واستدل به ابن بطال على صحة صلاة المنفرد خلف الصف خلافا لأحمد، قال‏:‏ لأنه لما ثبت ذلك للمرأة كان للرجل أولى، لكن لمخالفه أن يقول‏:‏ إنما ساغ ذلك لامتناع أن تصف مع الرجال، بخلاف الرجل فإن له أن يصف معهم وأن يزاحمهم وأن يجذب رجلا من حاشية الصف فيقوم معه فافترقا‏.‏
وباقي مباحثه تقدمت في ‏"‏ باب الصلاة على الحصير‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:30 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n90&p1#TOP)باب مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ميمنة المسجد والإمام‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس مختصرا، وهو موافق للترجمة‏:‏ أما للإمام فبالمطابقة، وأما للمسجد فباللزوم‏.‏
وقد تعقب من وجه آخر، وهو أن الحديث إنما ورد فيما إذا كان المأموم واحدا، أما إذا كثروا فلا دليل فيه على فضيلة ميمنة المسجد‏.‏
وكأنه أشار إلى ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن البراء قال ‏"‏ كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه‏"‏، ولأبي داود بإسناد حسن عن عائشة مرفوعا ‏"‏ أن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف‏"‏‏.‏
وأما ما رواه ابن ماجه عن ابن عمر قال ‏"‏ قيل للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن ميسرة المسجد تعطلت، فقال‏:‏ من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر ‏"‏ ففي إسناده مقال‏.‏
وإن ثبت فلا يعارض الأول لأن ما ورد لمعنى عارض يزول بزواله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قُمْتُ لَيْلَةً أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي أَوْ بِعَضُدِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى‏)‏ هو ابن إسماعيل التبوذكي، وعاصم هو ابن سليمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال بيده‏)‏ أي تناول، ويدل عليه رواية الإسماعيلي ‏"‏ فأخذ بيدي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من ورائي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ من ورائه ‏"‏ وهو أوجه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n90&p1#TOP)باب إِذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ
وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة‏)‏ أي هل يضر ذلك بالاقتداء أو لا‏؟‏ والظاهر من تصرفه أنه لا يضر كما ذهب إليه المالكية، والمسألة ذات خلاف شهير، ومنهم من فرق بين المسجد وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏)‏ لم أره موصولا بلفظه، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه في الرجل يصلي خلف الإمام أو فوق سطح يأتم به‏:‏ لا بأس بذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو مجلز‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عن معتمر عن ليث بن أبي سليم عنه بمعناه، وليث ضعيف، لكن أخرجه عبد الرزاق عن ابن التيمي وهو معتمر عن أبيه عنه، فإن كان مضبوطا فهو إسناد صحيح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ فَقَامَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ فَقَامَ مَعَهُ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ صَنَعُوا ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَخْرُجْ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ فَقَالَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد‏)‏ هو ابن سلام، قاله أبو نعيم وبه جزم ابن عساكر في روايته، وعبدة هو ابن سليمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في حجرته‏)‏ ظاهره أن المراد حجرة بيته، ويدل عليه ذكر جدار الحجرة، وأوضح منه رواية حماد بن زيد عن يحيى عند أبي نعيم بلفظ ‏"‏ كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه ‏"‏ ويحتمل أن المراد الحجرة التي كان احتجرها في المسجد بالحصير كما في الرواية التي بعد هذه، وكذا حديث زيد بن ثابت الذي بعده، ولأبي داود ومحمد بن نصر من وجهين آخرين عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي نصبت له الحصير على باب بيتها، فإما أن يحمل على التعدد، أو على المجاز في الجدار وفي نسبة الحجرة إليها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام ناس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فقام أناس ‏"‏ وهذا موضع الترجمة لأن مقتضاه أنهم كانوا يصلون بصلاته وهو داخل الحجرة وهم خارجها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام ليلة الثانية‏)‏ كذا للأكثر، وفيه حذف تقديره ليلة الغداة الثانية‏.‏
وفي رواية الأصيلي ‏"‏ فقام الليلة الثانية‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما أصبح ذكر ذلك الناس‏)‏ أي له، وأفاد عبد الرزاق أن الذي خاطبه بذلك عمر رضي الله عنه، أخرجه عن معمر عن الزهري عن عروة عنها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن تكتب عليكم‏)‏ أي تفرض، وهي رواية حماد بن زيد عند أبي نعيم، وكذا رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري عن عروة عنها، وستأتي بقية مباحثه في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:36 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n90&p1#TOP)باب صَلَاةِ اللَّيْلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الليل‏)‏ كذا وقع في رواية المستملي وحده، ولم يعرج عليه أكثر الشراح ولا ذكره الإسماعيلي، وهو السياق لأن التراجم متعلقة بأبواب الصفوف وإقامتها، ولما كانت الصلاة بالحائل قد يتخيل أنها مانعة من إقامة الصف‏.‏
ترجم لها وأوردها ما عنده فيها، فأما صلاة الليل بخصوصها فلها كتاب مفرد سيأتي في أواخر الصلاة، وكأن النسخة وقع فيها تكرير لفظ ‏"‏ صلاة الليل ‏"‏ وهي الجملة التي في آخر الحديث الذي قبله فظن الراوي أنها ترجمة مستقلة فصدرها بلفظ ‏"‏ باب ‏"‏ وقد تكلف ابن رشيد توجيهها بما حاصله‏:‏ إن من صلى بالليل مأموما في الظلمة كانت فيه مشابهة بمن صلى وراء حائل‏.‏
وأبعد منه من قال‏:‏ يريد أن من صلى بالليل مأموما في الظلمة كان كمن صلى وراء حائط‏.‏
ثم ظهر لي احتمال أن يكون المراد صلاة الليل جماعة فحذف لفظ جماعة‏.‏
والذي يأتي في أبواب التهجد إنما هو حكم صلاة الليل وكيفيتها في عدد الركعات أو في المسجد أو البيت وهو ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْلِ فَثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ فَصَلَّوْا وَرَاءَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن المقبري‏)‏ هو سعيد، والإسناد كله مدنيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويحتجزه‏)‏ كذا للأكثر بالراء أي يتخذه مثل الحجرة‏.‏
وفي رواية الكشميهني بالزاي بدل الراء أي يجعله حاجزا بينه وبين غيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فثاب‏)‏ كذا للأكثر بمثلثة ثم موحدة أي اجتمعوا، ووقع عند الخطابي ‏"‏ آبوا ‏"‏ أي رجعوا‏.‏
وفي رواية الكشمهيني والسرخسي ‏"‏ فثار ‏"‏ بالمثلثة والراء أي قاموا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلوا وراءه‏)‏ كذا أورده مختصرا، وغرضه بيان أن الحجرة المذكورة في الرواية التي قبل هذه كانت حصيرا‏.‏
وقد ساقه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي ذئب تاما، وسنذكر الكلام على فوائده في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْرَةً قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ قَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مُوسَى سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ عَنْ بُسْرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سالم أبي النضر‏)‏ كذا لأكثر الرواة عن موسى بن عقبة، وخالفهم ابن جريج عن موسى فلم يذكر أبا النضر في الإسناد أخرجه النسائي، ورواية الجماعة أولى‏.‏
وقد وافقهم مالك في الإسناد لكن لم يرفعه في الموطأ، وروى عنه خارج الموطأ مرفوعا، وفيه ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق أولهم موسى المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حجرة‏)‏ كذا للأكثر بالراء، وللكشميهني أيضا بالزاي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من صنيعكم‏)‏ كذا للأكثر وللكشميهني بضم الصاد وسكون النون، وليس المراد به صلاتهم فقط، بل كونهم رفعوا أصواتهم وسبحوا به ليخرج إليهم، وحصب بعضهم الباب لظنهم أنه نائم كما ذكر المؤلف ذلك في الأدب وفي الاعتصام، وزاد فيه ‏"‏ حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به ‏"‏ وقد استشكل الخطابي هذه الخشية كما سنوضحه في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة‏)‏ ظاهره أنه يشمل جميع النوافل، لأن المراد بالمكتوبة المفروضة، لكنه محمول على ما لا يشرع فيه التجميع، وكذا ما لا يخص المسجد كركعتي التحية، كذا قال بعض أئمتنا‏.‏
ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة ما يشرع في البيت وفي المسجد معا فلا تدخل تحية المسجد لأنها لا تشرع في البيت، وأن يكون المراد بالمكتوبة ما تشرع فيه الجماعة، وهل يدخل ما وجب بعارض كالمنذورة‏؟‏ فيه نظر، والمراد بالمكتوبة الصلوات الخمس لا ما وجب بعارض كالمنذورة، والمراد بالمرء جنس الرجال فلا يرد استثناء النساء لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا تمنعوهن المساجد وبيوتهن خير لهن ‏"‏ أخرجه مسلم؛ قال النووي‏:‏ إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وليتبرك البيت بذلك فتنزل فيه الرحمة وينفر منه الشيطان، وعلى هذا يمكن أن يخرج بقوله ‏"‏ في بيته ‏"‏ بيت غيره ولو أمن فيه من الرياء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عفان‏)‏ كذا في رواية كريمة وحدها، ولم يذكره الإسماعيلي ولا أبو نعيم، وذكر خلف في الأطراف في رواية حماد بن شاكر ‏"‏ حدثنا عفان ‏"‏ وفيه نظر لأنه أخرجه في كتاب الاعتصام بواسطة بينه وبين عفان‏.‏
ثم فائدة هذه الطريق بيان سماع موسى بن عقبة له من أبي النضر‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب الجماعة والإمامة من الأحاديث المرفوعة على مائة واثنين وعشرين حديثا، الموصول منها ستة وتسعون، والمعلق ستة وعشرون، المكرر منها فيه وفيما مضى تسعون حديثا، الخالص اثنان وثلاثون، وافقه مسلم على تخريجها سوى تسعة أحاديث وهي‏:‏ حديث أبي سعيد في فضل الجماعة، وحديث أبي الدرداء ‏"‏ ما أعرف شيئا‏"‏، وحديث أنس ‏"‏ كان رجل من الأنصار ضخما‏"‏، وحديث مالك بن الحويرث في صفة الصلاة، وحديث ابن عمر ‏"‏ لما قدم المهاجرون‏"‏‏.‏
وحديث أبي هريرة ‏"‏ يصلون فإن أصابوا‏"‏، وحديث النعمان المعلق في الصفوف، وحديث أنس ‏"‏ كان أحدنا يلزق منكبه‏"‏، وحديثه في إنكاره إقامة الصفوف‏.‏
وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين سبعة عشر أثرا كلها معلقة إلا أثر ابن عمر أنه ‏"‏ كان يأكل قبل أن يصلي‏"‏، وأثر عثمان ‏"‏ الصلاة أحسن ما يعمل الناس ‏"‏ فإنهما موصولان والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:38 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n90&p1#TOP)باب إِيجَابِ التَّكْبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة‏)‏ قيل‏:‏ أطلق الإيجاب والمراد الوجوب تجوزا، لأن الإيجاب خطاب الشارع، والوجوب ما يتعلق بالمكلف وهو المراد هنا‏.‏
ثم الظاهر أن الواو عاطفة إما على المضاف وهو إيجاب وإما على المضاف إليه وهو التكبير، والأول أولى إن كان المراد بالافتتاح الدعاء لكنه لا يجب، والذي يظهر من سياقه أن الواو بمعنى مع، وأن المراد بالافتتاح الشروع في الصلاة‏.‏
وأبعد من قال إنها بمعنى الموحدة أو اللام، وكأنه أشار إلى حديث عائشة ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح بالتكبير ‏"‏ وسيأتي بعد بابين حديث ابن عمر ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة ‏"‏ واستدل به وبحديث عائشة على تعين لفظ التكبير دون غيره من ألفاظ التعظيم، وهو قول الجمهور، ووافقهم أبو يوسف‏.‏
وعن الحنفية تنعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم‏.‏
ومن حجة الجمهور حديث رفاعة في قصة المسيء صلاته أخرجه أبو داود بلفظ ‏"‏ لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ثم يكبر ‏"‏ ورواه الطبراني بلفظ ‏"‏ ثم يقول الله أكبر ‏"‏ وحديث أبي حميد ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه ثم قال‏:‏ الله أكبر ‏"‏ أخرجه ابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وهذا فيه بيان المراد بالتكبير وهو قول ‏"‏ الله أكبر‏"‏‏.‏
وروى البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم عن علي ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال‏:‏ الله أكبر ‏"‏ ولأحمد والنسائي من طريق واسع بن حبان أنه سأل ابن عمر عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏"‏ الله أكبر كلما وضع ورفع ‏"‏ ثم أورد المصنف حديث أنس ‏"‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ من وجهين ثم حديث أبي هريرة في ذلك، واعترضه الإسماعيلي فقال‏:‏ ليس في الطريق الأول ذكر التكبير ولا في الثاني والثالث بيان إيجاب التكبير وإنما فيه الأمر بتأخير المأموم عن الإمام قال‏:‏ ولو كان ذلك إيجابا للتكبير لكان قوله ‏"‏ فقولوا ربنا ولك الحمد ‏"‏ إيجابا لذلك على المأموم‏.‏
وأجيب عن الأول بأن مراد المصنف أن يبين أن حديث أنس من الطريقين واحد اختصره شعيب وأتمه الليث، وإنما احتاج إلى ذكر الطريق المختصرة لتصريح الزهري فيها بإخبار أنس له، وعن الثاني بأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وفعله بيان لمجمل الصلاة، وبيان الواجب واجب، كذا وجهه ابن رشيد، وتعقب بالاعتراض الثالث وليس بوارد على البخاري لاحتمال أن يكون قائلا بوجوبه كما قال به شيخه إسحاق بن راهويه‏.‏
وقيل في الجواب أيضا، إذا ثبت إيجاب التكبير في حالة من الأحوال طابق الترجمة، ووجوبه على المأموم ظاهر من الحديث، وأما الإمام فمسكوت عنه‏.‏
ويمكن أن يقال‏:‏ في السياق إشارة إلى الإيجاب لتعبيره بإذا التي تختص بما يجزم بوقوعه‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ الحديث دال على الجزء الثاني من الترجمة لأن لفظ ‏"‏ إذا صلى قائما ‏"‏ متناول لكون الافتتاح في حال القيام فكأنه قال‏:‏ إذا افتتح الإمام الصلاة قائما فافتتحوا أنتم أيضا قياما‏.‏
قال‏:‏ ويحتمل أن تكون الواو بمعنى مع والمعنى باب إيجاب التكبير عند افتتاح الصلاة، فحينئذ دلالته على الترجمة مشكل‏.‏
انتهى‏.‏
ومحصل كلامه أنه لم يظهر له توجيه إيجاب التكبير من هذا الحديث، والله أعلم‏.‏
وقال في قوله ‏"‏ فقولوا ربنا ولك الحمد ‏"‏ لولا الدليل الخارجي وهو الإجماع على عدم وجوبه لكان هو أيضا واجبا‏.‏
انتهى‏.‏
وقد قال بوجوبه جماعة من السلف منهم الحميدي شيخ البخاري، وكأنه لم يطلع على ذلك‏.‏
وقد تقدم الكلام على فوائد المتن المذكور مستوفى في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به‏"‏‏.‏
ووقع في رواية المستملي وحده في طريق شعيب عن الزهري ‏"‏ وإذا سجد فاسجدوا‏"‏‏.‏
ووقع في رواية الكشميهني في طريق الليث ‏"‏ ثم انصرف ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ فلما انصرف ‏"‏ وزيادة الواو في قوله ‏"‏ ربنا لك الحمد ‏"‏ وسقط لفظ ‏"‏ جعل ‏"‏ عند السرخسي في حديث أبي هريرة من قوله ‏"‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ تكبيرة الإحرام ركن عند الجمهور، وقيل شرط وهو عند الحنفية، ووجه عند الشافعية، وقيل سنة‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ لم يقل به أحد غير الزهري، ونقله غيره عن سعيد بن المسيب والأوزاعي ومالك ولم يثبت عن أحد منهم تصريحا، وإنما قالوا فيمن أدرك الإمام راكعا تجزئه تكبيرة الركوع‏.‏
نعم نقله الكرخي من الحنفية عن إبراهيم بن علية وأبي بكر الأصم، ومخالفتهما للجمهور كثيرة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يختلف في إيجاب النية في الصلاة، وقد أشار إليه المصنف في أواخر الإيمان حيث قال‏:‏ ‏"‏ باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنية ‏"‏ فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة إلى آخر كلامه‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-01-2013, 05:39 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n90&p1#TOP)باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مَعَ الِافْتِتَاحِ سَوَاءً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء‏)‏ هو ظاهر قوله في حديث الباب ‏"‏ يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ‏"‏ وفي رواية شعيب الآتية بعد باب ‏"‏ يرفع يديه حين يكبر ‏"‏ فهذا دليل المقارنة‏.‏
وقد ورد تقديم الرفع على التكبير وعكسه أخرجهما مسلم، ففي حديث الباب عنده من رواية ابن جريج وغيره عن ابن شهاب بلفظ ‏"‏ رفع يديه ثم كبر ‏"‏ وفي حديث مالك بن الحويرث عنده ‏"‏ كبر ثم رفع يديه ‏"‏ وفي المقارنة وتقديم الرفع على التكبير خلاف بين العلماء، والمرجح عند أصحابنا المقارنة، ولم أر من قال بتقديم التكبير على الرفع، ويرجح الأول حديث وائل بن حجر عند أبي داود بلفظ ‏"‏ رفع يديه مع التكبير ‏"‏ وقضية المعية أنه ينتهي بانتهائه، وهو الذي صححه النووي في شرح المهذب ونقله عن نص الشافعي، وهو المرجح عند المالكية‏.‏
وصحح في الروضة - تبعا لأصلها - أنه لا حد لانتهائه‏.‏
وقال صاحب الهداية من الحنفية‏:‏ الأصح يرفع ثم يكبر، لأن الرفع نفي صفة الكبرياء عن غير الله، والتكبير إثبات ذلك له، والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة‏.‏
وهذا مبني على أن الحكمة في الرفع ما ذكر‏.‏
وقد قال فريق من العلماء‏:‏ الحكمة في اقترانهما أن يراه الأصم ويسمعه الأعمى‏.‏
وقد ذكرت في ذلك مناسبات أخر فقيل‏:‏ معناه الإشارة إلى طرح الدنيا والإقبال بكليته على العبادة، وقيل إلى الاستسلام والانقياد ليناسب فعله قوله الله أكبر‏.‏
وقيل إلى استعظام ما دخل فيه، وقيل إشارة إلى تمام القيام، وقيل إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود، وقيل ليستقبل بجميع بدنه، قال القرطبي‏:‏ هذا أنسبها‏.‏
وتعقب‏.‏
وقال الربيع قلت للشافعي‏:‏ ما معنى رفع اليدين‏؟‏ قال‏:‏ تعظيم الله واتباع سنة نبيه‏.‏
ونقل ابن عبد البر عن ابن عمر أنه قال‏:‏ رفع اليدين من زينة الصلاة‏.‏
وعن عقبة بن عامر قال ‏"‏ بكل رفع عشر حسنات، بكل إصبع حسنة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن مسلمة‏)‏ هو القعنبي، وفي روايته هذه عن مالك خلاف ما في روايته عنه في الموطأ، وقد أخرجه الإسماعيلي من روايته بلفظ الموطأ قال الدار قطني‏:‏ رواه الشافعي والقعنبي، وسرد جماعة من رواة الموطأ فلم يذكروا فيه الرفع عند الركوع‏.‏
قال‏:‏ وحدث به عن مالك في غير الموطأ ابن المبارك وابن مهدي والقطان وغيرهم بإثباته‏.‏
وقال ابن عبد البر كل من رواه عن ابن شهاب أثبته غير مالك في الموطأ خاصة، قال النووي في شرح مسلم‏:‏ أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ثم قال بعد أسطر‏:‏ أجمعوا على أنه لا يجب شيء من الرفع، إلا أنه حكى وجوبه عند تكبيرة الإحرام عن داود، وبه قال أحمد بن سيار من أصحابنا ا هـ‏.‏
واعترض عليه بأنه تناقض، وليس كما قال المعترض، فلعله أراد إجماع من قبل المذكورين أو لم يثبت عنده عنهما أو لأن الاستحباب لا ينافي الوجوب، وبالاعتذار الأول يندفع اعتراض من أورد عليه أن مالكا قال في روايته عنه إنه لا يستحب، نقله صاحب التبصرة منهم، وحكاه الباجي عن كثير من متقدميهم‏.‏
وأسلم العبارات قول ابن المنذر‏:‏ لم يختلفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة‏.‏
وقول ابن عبد البر‏:‏ أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة‏.‏
وممن قال بالوجوب أيضا الأوزاعي والحميدي شيخ البخاري وابن خزيمة من أصحابنا نقله عنه الحاكم في ترجمة محمد بن علي العلوي، وحكاه القاضي حسين على الإمام أحمد‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ كل من نقل عنه الإيجاب لا يبطل الصلاة بتركه إلا في رواية عن الأوزاعي والحميدي‏.‏
قلت‏:‏ ونقل بعض الحنفية عن أبي حنيفة يأثم تاركه، وأما قول النووي في شرح المهذب أجمعوا على استحبابه ونقله ابن المنذر ونقل العبدري عن الزيدية أنه لا يرفع ولا يعتد بخلافهم، ونقل القفال عن أحمد بن سيار أنه أوجبه، وإذا لم يرفع لم تصح صلاته، وهو مردود بإجماع من قبله، وفي نقل الإجماع نظر فقد نقل القول بالوجوب عن بعض من تقدمه ونقله القفال في فتاويه عن أحمد بن سيار الذي مضى ونقله القرطبي في أوائل تفسيره عن بعض المالكية وهو مقتضى قول ابن خزيمة إنه ركن، واحتج ابن حزم بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد قال ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي ‏"‏ وسيأتي ما يرد عليه في ذلك في الباب الذي يليه، ويأتي الكلام على نهاية الرفع بعد بباب‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:35 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n91&p1#TOP)باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع‏)‏ قد صنف البخاري في هذه المسألة جزءا منفردا، وحكى فيه عن الحسن وحميد بن هلال أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك‏.‏
قال البخاري‏:‏ ولم يستثن الحسن أحدا‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ كل من روى عنه ترك الرفع في الركوع والرفع منه روى عنه فعله إلا ابن مسعود‏.‏
وقال محمد بن نصر المروزي‏:‏ أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم‏.‏
والذي نأخذ به الرفع على حديث ابن عمر، وهو الذي رواه ابن وهب وغيره عن مالك، ولم يحك الترمذي عن مالك غيره، ونقل الخطابي وتبعه القرطبي في المفهم أنه آخر قولي مالك وأصحهما، ولم أر للمالكية دليلا على تركه ولا متمسكا إلا بقول ابن القاسم‏.‏
وأما الحنفية فعولوا على رواية مجاهد أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك‏.‏
وأجيبوا بالطعن في إسناده لأن أبا بكر بن عياش راويه ساء حفظه بآخره، وعلى تقدير صحته فقد أثبت ذلك سالم ونافع وغيرهما عنه، وستأتي رواية نافع بعد بابين، والعدد الكثير أولى من واحد، لاسيما وهم مثبتون وهو ناف، مع أن الجمع بين الروايتين ممكن وهو أنه لم يكن يراه واجبا ففعله تارة وتركه أخرى‏.‏
ومما يدل على ضعفه ما رواه البخاري في ‏"‏ جزء رفع اليدين ‏"‏ عن مالك أن ابن عمر كان إذا رأى رجلا لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصا، واحتجوا بحديث ابن مسعود ‏"‏ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الافتتاح ثم لا يعود ‏"‏ أخرجه أبو داود، ورده الشافعي بأنه لم يثبت، قال‏:‏ ولو ثبت لكان المثبت مقدما على النافي، وقد صححه بعض أهل الحديث، لكنه استدل به على عدم الوجوب، والطحاوي إنما نصب الخلاف مع من يقول بوجوبه كالأوزاعي وبعض أهل الظاهر، ونقل البخاري عقب حديث ابن عمر في هذا الباب عن شيخه علي بن المديني قال‏:‏ حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع والرفع منه لحديث ابن عمر هذا، وهذا في رواية ابن عساكر‏.‏
وقد ذكره البخاري في ‏"‏ جزء رفع اليدين ‏"‏ وزاد‏:‏ وكان علي أعلم أهل زمانه‏.‏
ومقابل هذا قول بعض الحنفية أنه يبطل الصلاة‏.‏
ونسب بعض متأخري المغاربة فاعله إلى البدعة، ولهذا مال بعض محققيهم كما حكاه ابن دقيق العيد إلى تركه درءا لهذه المفسدة‏.‏
وقد قال البخاري في ‏"‏ جزء رفع اليدين ‏"‏‏:‏ من زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة فإنه لم يثبت عن أحد منهم تركه‏.‏
قال‏:‏ ولا أسانيد أصح من أسانيد الرفع‏.‏
انتهى‏.‏
والله أعلم‏.‏
وذكر البخاري أيضا أنه رواه سبعة عشر رجلا من الصحابة، وذكر الحاكم وأبو القاسم بن منده ممن رواه العشرة المبشرة، وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَيَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد‏.‏
وأفادت هذه الطريق تصريح الزهري بإخبار سالم له به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ سماه غير أبي ذر فقالوا ‏"‏ عن عبد الله بن عمر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين يكبر للركوع‏)‏ أي عند ابتداء الركوع، وهو مقتضى رواية مالك بن الحويرث المذكورة في الباب حيث قال ‏"‏ وإذا أراد أن يركع رفع يديه ‏"‏ وسيأتي في ‏"‏ باب التكبير إذا قام من السجود ‏"‏ من حديث أبي هريرة ‏"‏ ثم يكبر حين يركع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع‏)‏ أي إذا أراد أن يرفع‏.‏
ويؤيده رواية أبي داود من طريق الزبيدي عن الزهري بلفظ ‏"‏ ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه ‏"‏ ومقتضاه أنه يبتدئ رفع يديه عند ابتداء القيام من الركوع، وأما رواية ابن عيينة عن الزهري التي أخرجها عنه أحمد وأخرجها عن أحمد أبو داود بلفظ ‏"‏ وبعد ما يرفع رأسه من الركوع ‏"‏ فمعناه بعد ما يشرع في الرفع لتتفق الروايات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يفعل ذلك في السجود‏)‏ أي لا في الهوى إليه ولا في الرفع منه كما في رواية شعيب في الباب الذي بعده حيث قال ‏"‏ حين يسجد ولا حين يرفع رأسه ‏"‏ وهذا يشمل ما إذا نهض من السجود إلى الثانية والرابعة والتشهدين، ويشمل ما إذا قام إلى الثالثة أيضا لكن بدون تشهد لكونه غير واجب وإذا قلنا باستحباب جلسة الاستراحة لم يدل هذا اللفظ على نفي ذلك عند القيام منها إلى الثانية والرابعة، لكن قد روى يحيى القطان عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا هذا الحديث وفيه ‏"‏ ولا يرفع بعد ذلك ‏"‏ أخرجه الدار قطني في الغرائب بإسناد حسن‏.‏
وظاهره يشمل النفي عما عدا المواطن الثلاثة، وسيأتي إثبات ذلك في موطن رابع بعد بباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ هَكَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن خالد‏)‏ هو الحذاء‏.‏
وفي رواية المستملي والسرخسي ‏"‏ حدثنا خالد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا صلى كبر ورفع يديه‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ ثم رفع ‏"‏ وزاد مسلم من رواية نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث ‏"‏ حتى يحاذي بهما أذنيه ‏"‏ ووهم المحب الطبري فعزاه للمتفق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحدث‏)‏ أي مالك بن الحويرث، وليس معطوفا على قوله ‏"‏ رأى ‏"‏ فيبقى فاعله أبو قلابة فيصير مرسلا‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:37 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n91&p1#TOP)باب إِلَى أَيْنَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إلى أين يرفع يديه‏)‏ لم يجزم المصنف بالحكم كما جزم به قبل وبعد جريا على عادته فيما إذا قوى الخلاف، لكن الأرجح عنده محاذاة المنكبين لاقتصاره على إيراد دليله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حميد الخ‏)‏ هذا التعليق طرف من حديث سيأتي في ‏"‏ باب سنة الجلوس في التشهد ‏"‏ وسنذكر هناك من عرفنا اسمه من أصحابه المذكورين إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حذو منكبيه‏)‏ بفتح المهملة وإسكان الذال المعجمة أي مقابلهما، والمنكب مجمع عظم العضد والكتف، وبهذا أخذ الشافعي والجمهور‏.‏
وذهب الحنفية إلى حديث مالك بن الحويرث المقدم ذكره عند مسلم، وفي لفظ له عنه حتى يحاذي بهما فروع أذنيه، وعند أبي داود من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر بلفظ ‏"‏ حتى حاذتا أذنيه ‏"‏ ورجح الأول لكون إسناده أصح‏.‏
وروى أبو ثور عن الشافعي أنه جمع بينهما فقال‏:‏ يحاذي بظهر كفيه المنكبين وبأطراف أنامله الأذنين‏.‏
ويؤيده رواية أخرى عن وائل عند أبي داود بلفظ ‏"‏ حتى كانتا حيال منكبيه، وحاذى بإبهاميه أذنيه ‏"‏ وبهذا قال المتأخرون من المالكية فيما حكاه ابن شاس في الجواهر لكن روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه في الافتتاح، وفي غيره دون ذلك، أخرجه أبو داود‏.‏
ويعارضه قول ابن جريج‏:‏ قلت لنافع أكان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهن‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
ذكره أبو داود أيضا وقال‏:‏ لم يذكر رفعهما دون ذلك غير مالك فيما أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَهُ وَقَالَ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا قال سمع الله لمن حمده فعل مثله‏)‏ ظاهره أنه يقول التسميع في ابتداء ارتفاعه من الركوع، وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب قليلة‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ لم يرد ما يدل على التفرقة في الرفع بين الرجل والمرأة، وعن الحنفية يرفع الرجل إلى الأذنين والمرأة إلى المنكبين لأنه أستر لها‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n91&p1#TOP)باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين‏)‏ أي بعد التشهد، فيخرج ما إذا تركه ونهض قائما من السجود لعموم قوله في الرواية التي قبله ‏"‏ ولا حين يرفع رأس من السجود‏"‏، ويحتمل حمل النفي هناك على حالة رفع الرأس من السجود لا على ما بعد ذلك حين يستوي قائما‏.‏
وأبعد من استدل بقول سالم في روايته ‏"‏ ولا يفعل ذلك في السجود ‏"‏ على موافقة رواية نافع في حديث هذا الباب حيث قال ‏"‏ وإذا قام من الركعتين ‏"‏ لأنه لا يلزم من كونه لم ينفه أنه أثبته بل هو ساكت عنه‏.‏
وأبعد أيضا من استدل برواية سالم على ضعف رواية نافع، والحق أنه ليس بين روايتي نافع وسالم تعارض، بل في رواية نافع زيادة لم ينفها سالم، وستأتي الإشارة إلى أن سالما أثبتها من وجه آخر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مُخْتَصَرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عياش‏)‏ هو بالمثناة التحتانية وبالمعجمة وهو ابن الوليد الرقام، وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى، وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قال أبو داود‏:‏ رواه الثقفي يعني عبد الوهاب عن عبيد الله فلم يرفعه وهو الصحيح، وكذا رواه الليث بن سعد وابن جريج ومالك يعني عن نافع موقوفا، وحكي الدار قطني في العلل الاختلاف في وقفه ورفعه وقال‏:‏ الأشبه بالصواب قول عبد الأعلى‏.‏
وحكى الإسماعيلي عن بعض مشايخه أنه أومأ إلى أن عبد الأعلى أخطأ في رفعه، قال الإسماعيلي‏:‏ وخالفه عبد الله بن إدريس وعبد الوهاب الثقفي والمعتمر يعني عن عبيد الله فرووه موقوفا عن ابن عمر‏.‏
قلت‏:‏ وقفه معتمر وعبد الوهاب عن عبيد الله عن نافع كما قال، لكن رفعاه عن عبيد الله عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أخرجهما البخاري في ‏"‏ جزء رفع اليدين ‏"‏ وفيه الزيادة، وقد توبع نافع على ذلك عن ابن عمر، وهو فيما رواه أبو داود وصححه البخاري في الجزء المذكور من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر قال ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه ‏"‏ وله شواهد منها حديث أبي حميد الساعدي وحديث علي بن أبي طالب أخرجهما أبو داود وصححهما ابن خزيمة وابن حبان‏.‏
وقال البخاري في الجزء المذكور‏:‏ ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح، لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ هذه زيادة يجب قبولها لمن يقول بالرفع‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ لم يقل به الشافعي، وهو لازم على أصله في قبول الزيادة‏.‏
وقال ابن خزيمة‏:‏ هو سنة، وإن لم يذكره الشافعي فالإسناد صحيح، وقد قال‏:‏ قولوا بالسنة ودعوا قولي‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ قياس نظر الشافعي أنه يستحب الرفع فيه لأنه أثبت الرفع عند الركوع والرفع منه لكونه زائدا على من اقتصر عليه عند الافتتاح، والحجة في الموضعين واحدة، وأول راض سيرة من يسيرها‏.‏
قال‏:‏ والصواب إثباته، وأما كونه مذهبا للشافعي لكونه قال‏:‏ إذا صح الحديث فهو مذهبي ففيه نظر‏.‏
انتهى‏.‏
ووجه النظر أن محل العمل بهذه الوصية ما إذا عرف أن الحديث لم يطلع عليه الشافعي، أما إذا عرف أنه اطلع عليه ورده أو تأوله بوجه من الوجوه فلا، والأمر هنا محتمل‏.‏
واستنبط البيهقي من كلام الشافعي أنه يقول به لقوله في حديث أبي حميد المشتمل على هذه السنة وغيرها‏:‏ وبهذا نقول‏.‏
وأطلق النووي في الروضة أن الشافعي نص عليه، لكن الذي رأيت في الأم خلاف ذلك فقال في ‏"‏ باب رفع اليدين في التكبير في الصلاة ‏"‏ بعد أن أورد حديث ابن عمر من طريق سالم وتكلم عليه‏:‏ ولا نأمره أن يرفع يديه في شيء من الذكر في الصلاة التي لها ركوع وسجود إلا في هذه المواضع الثلاثة‏.‏
وأما ما وقع في أواخر البويطي‏:‏ يرفع يديه في كل خفض ورفع، فيحمل الخفض على الركوع والرفع على الاعتدال، وإلا فحمله على ظاهره يقتضي استحبابه في السجود أيضا وهو خلاف ما عليه الجمهور، وقد نفاه ابن عمر‏.‏
وأغرب الشيخ أبو حامد في تعليقه فنقل الإجماع على أنه لا يشرع الرفع في غير المواطن الثلاثة، وتعقب بصحة ذلك عن ابن عمر وابن عباس وطاوس ونافع وعطاء كما أخرجه عبد الرزاق وغيره عنهم بأسانيد قوية، وقد قال به من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وأبو علي الطبري والبيهقي والبغوي وحكاه ابن خويز منداد عن مالك وهو شاذ‏.‏
وأصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع في السجود ما رواه النسائي من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن نصر ابن عاصم عن مالك بن الحويرث ‏"‏ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من ركوعه، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه ‏"‏ وقد أخرج مسلم بهذا الإسناد طرفه الأخير كما ذكرناه في أول الباب الذي قبل هذا، ولم ينفرد به سعيد فقد تابعه همام عن قتادة عند أبي عوانة في صحيحه‏.‏
وفي الباب عن جماعة من الصحابة لا يخلو شيء منها عن مقال، وقد روى البخاري في ‏"‏ جزء رفع اليدين ‏"‏ في حديث على المرفوع ‏"‏ ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد ‏"‏ وأشار إلى تضعيف ما ورد في ذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ روى الطحاوي حديث الباب في مشكله من طريق نصر بن علي عن عبد الأعلى بلفظ ‏"‏ كان يرفع يديه في كل خفض ورفع وركوع وسجود وقيام وقعود وبين السجدتين ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ‏"‏ وهذه رواية شاذة، فقد رواه الإسماعيلي عن جماعة من مشايخه الحفاظ عن نصر بن علي المذكور بلفظ عياش شيخ البخاري، وكذا رواه هو وأبو نعيم من طريق أخرى عن عبد الأعلى كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه حماد بن سلمة عن أيوب الخ‏)‏ وصله البخاري في الجزء المذكور عن موسى بن إسماعيل عن حماد مرفوعا ولفظه ‏"‏ كان إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورواه ابن طهمان‏)‏ يعني إبراهيم عن أيوب وموسى بن عقبة، وهذا وصله البيهقي من طريق عمر بن عبد الله بن رزين عن إبراهيم بن طهمان بهذا السند موقوفا نحو حديث حماد وقال في آخره ‏"‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك‏"‏‏.‏
واعترض الإسماعيلي فقال‏:‏ ليس في حديث حماد ولا ابن طهمان الرفع من الركعتين المعقود لأجله الباب، قال‏:‏ فلعل المحدث عنه دخل له باب في باب، يعني أن هذا التعليق يليق بحديث سالم الذي في الباب الماضي‏.‏
وأجيب بأن البخاري قصد الرد على من جزم بأن رواية نافع لأصل الحديث موقوفة وأنه خالف في ذلك سالما كما نقله ابن عبد البر وغيره، وقد تبين بهذا التعليق أنه اختلف على نافع في وقفه ورفعه لا خصوص هذه الزيادة، والذي يظهر أن السبب في هذا الاختلاف أن نافعا كان يرويه موقوفا ثم يعقبه بالرفع، فكأنه كان أحيانا يقتصر على الموقوف أو يقتصر عليه بعض الرواة عنه، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:38 PM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n91&p1#TOP)باب وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة‏)‏ أي في حال القيام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو حَازِمٍ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِسْمَاعِيلُ يُنْمَى ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ يَنْمِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان الناس يؤمرون‏)‏ هذا حكمه الرفع لأنه محمول على أن الآمر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على ذراعه‏)‏ أبهم موضعه من الذراع، وفي حديث وائل عند أبي داود والنسائي ‏"‏ ثم وضع يده اليمنى على ظهره كفه اليسرى والرسغ والساعد ‏"‏ وصححه ابن خزيمة وغيره، وأصله في صحيح مسلم بدون الزيادة، والرسغ بضم الراء وسكون السين المهملة بعدها معجمة هو المفصل بين الساعد والكف، وسيأتي أثر على نحوه في أواخر الصلاة، ولم يذكر أيضا محلهما من الجسد‏.‏
وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره، والبزار عند صدره، وعند أحمد في حديث هلب الطائي نحوه‏.‏
وهلب بضم الهاء وسكون اللام بعدها موحدة، وفي زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت السرة وإسناده ضعيف‏.‏
واعترض الداني في أطراف الموطأ فقال‏:‏ هذا معلول، لأنه ظن من أبي حازم، ورد بأن أبا حازم لو لم يقل لا أعلمه الخ لكان في حكم المرفوع، لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر وهو النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع فيحمل على من صدر عنه الشرع، ومثله قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم فإنه محمول على أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وأطلق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل النقل والله أعلم‏.‏
وقد ورد في سنن أبي داود والنسائي وصحيح ابن السكن شيء يستأنس به على تعيين الآمر والمأمور، فروى عن ابن مسعود قال ‏"‏ رآني النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يدي اليسرى على يدي اليمنى فنزعها ووضع اليمنى على اليسرى ‏"‏ إسناده حسن، قيل‏:‏ لو كان مرفوعا ما احتاج أبو حازم إلى قوله لا أعلمه الخ، والجواب أنه أراد الانتقال إلى التصريح، فالأول لا يقال له مرفوع وإنما يقال‏:‏ له حكم الرفع، قال العلماء‏:‏ الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل، وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع، وكأن البخاري لحظ ذلك فعقبه بباب الخشوع‏.‏
ومن اللطائف قول بعضهم‏:‏ القلب موضع النية، والعادة أن من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين، وهو الذي ذكره مالك في الموطأ، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره‏.‏
وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه، وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة‏.‏
ومنهم من كره الإمساك‏.‏
ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الراحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو حازم‏)‏ يعني راويه بالسند المذكور إليه ‏(‏لا أعلمه‏)‏ أي سهل بن سعد ‏(‏إلا ينمي‏)‏ أوله وسكون النون وكسر الميم، قال أهل اللغة‏:‏ نميت الحديث إلى غيري رفعته وأسندته وصرح بذلك معن بن عيسى وابن يوسف الإسماعيلي والدار قطني، وزاد ابن وهب‏:‏ ثلاثتهم عن مالك بلفظ ‏"‏ يرفع ذلك‏"‏، ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي ينميه فمراده يرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يقيده‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إسماعيل ينمي ذلك ولم يقل ينمي‏)‏ الأول بضم أوله وفتح الميم بلفظ المجهول، والثاني وهو المنفي كرواية القعنبي، فعلى الأول الهاء ضمير الشأن فيكون مرسلا لأن أبا حازم لم يعين من نماه له، وعلى رواية القعنبي الضمير لسهل شيخه فهو متصل‏.‏
وإسماعيل هذا هو ابن أبي أويس شيخ البخاري كما جزم به الحميدي في الجمع‏.‏
وقرأت بخط مغلطاي هو إسماعيل بن إسحاق القاضي، وكأنه رأى الحديث عند الجوزقي والبيهقي وغيرهما من روايته عن القعنبي فظن أنه المراد، وليس كذلك لأن رواية إسماعيل بن إسحاق موافقة لرواية البخاري، ولم يذكر أحد أن البخاري روى عنه وهو أصغر سنا من البخاري وأحدث سماعا، وقد شاركه في كثير من مشايخه البصريين القدماء‏:‏ ووافق إسماعيل بن أبي أويس على هذه الرواية عن مالك ابن سويد بن سعيد فيما أخرجه الدار قطني في الغرائب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ حكى في المطالع أن رواية القعنبي بضم أوله من أنمى، قال‏:‏ وهو غلط؛ وتعقب بأن الزجاج ذكر في ‏"‏ كتاب فعلت وأفعلت ‏"‏‏:‏ نميت الحديث وأنميته، وكذا حكاه ابن دريد وغيره‏.‏
ومع ذلك فالذي ضبطناه في البخاري عن القعنبي بفتح أوله من الثلاثي، فلعل الضم رواية القعنبي في الموطأ، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n91&p1#TOP)باب الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الخشوع في الصلاة‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ من رواية أبي ذر‏.‏
والخشوع تارة يكون من فعل القلب كالخشية، وتارة من فعل البدن كالسكون، وقيل‏:‏ لا بد من اعتبارهما حكاه الفخر الرازي في تفسيره‏.‏
وقال غيره‏:‏ هو معنى يقوم بالنفس يظهر عنه سكون في الأطراف يلائم مقصود العبادة‏.‏
ويدل على أنه من عمل القلب حديث على ‏"‏ الخشوع في القلب ‏"‏ أخرجه الحاكم‏.‏
وأما حديث ‏"‏ لو خشع هذا خشعت جوارحه ‏"‏ ففيه إشارة إلى أن الظاهر عنوان الباطن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلَا خُشُوعُكُمْ وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة من هذا الوجه سبق الكلام عليه في ‏"‏ باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة ‏"‏ من أبواب القبلة‏.‏
وأورد فيه أيضا حديث أنس من وجه آخر ببعض مغايرة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي وَرُبَّمَا قَالَ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ عند الإسماعيلي من رواية أبي موسى عن غندر التصريح بقولي قتادة ‏"‏ سمعت أنس بن مالك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقيموا الركوع والسجود‏)‏ أي أكملوهما‏.‏
وفي رواية معاذ عن شعبة عن الإسماعيلي ‏"‏ أتموا ‏"‏ بدل أقيموا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فوالله إني لأراكم من بعدي‏)‏ تقدم الكلام على معنى هذه الرواية‏.‏
وأغرب الداودي الشارح فحمل البعدية هنا على ما بعد الوفاة؛ يعني أن أعمال الأمة تعرض عليه، وكأنه لم يتأمل سياق حديث أبي هريرة حيث بين فيه سبب هذه المقالة، وقد تقدم في الباب المذكور ما يدل على أن حديث أبي هريرة وحديث أنس في قضية واحدة، وهو مقتضى صنيع البخاري في إيراده الحديثين في هذا الباب، وكذا أوردهما مسلم معا‏.‏
واستشكل إيراد البخاري لحديث أنس هذا لكونه لا ذكر فيه للخشوع الذي ترجم له، وأجيب بأنه أراد أن ينبه على أن الخشوع يدرك بسكون الجوارح إذ الظاهر عنوان الباطن‏.‏
وروى البيهقي بإسناد صحيح عن مجاهد قال ‏"‏ كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود ‏"‏ وحدث أن أبا بكر الصديق كان كذلك‏.‏
قال وكان يقال‏:‏ ذاك الخشوع في الصلاة‏.‏
واستدل بحديث الباب على أنه لا يجب إذ لم يأمرهم بالإعادة، وفيه نظر‏.‏
نعم في حديث أبي هريرة من وجه آخر عند مسلم ‏"‏ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ثم انصرف فقال‏:‏ يا فلان ألا تحسن صلاتك ‏"‏ وله في رواية أخرى ‏"‏ أتموا الركوع والسجود ‏"‏ وفي أخرى ‏"‏ أقيموا الصفوف ‏"‏ وفي أخرى ‏"‏ لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ‏"‏ وعند أحمد ‏"‏ صلى بنا الظهر وفي مؤخر الصفوف رجل فأساء الصلاة ‏"‏ وعنده من حديث أبي سعيد الخدري أن بعض الصحابة تعمد المسابقة لينظر هل يعلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا‏؟‏ فلما قضى الصلاة نهاه عن ذلك‏.‏
واختلاف هذه الأسباب يدل على أن جميع ذلك صدر من جماعة في صلاة واحدة أو في صلوات، وقد حكى النووي الإجماع على أن الخشوع ليس بواجب، ولا يرد عليه قول القاضي حسين‏:‏ إن مدافعة الأخبثين إذا انتهت إلى حد يذهب معه الخشوع أبطلت الصلاة‏.‏
وقاله أيضا أبو زيد المروزي، لجواز أن يكون بعد الإجماع السابق أو المراد بالإجماع أنه لم يصرح أحد بوجوبه، وكلاهما في أمر يحصل من مجموع المدافعة وترك الخشوع، وفيه تعقب على من نسب إلى القاضي وأبى زيد أنهما قالا أن الخشوع شرط في صحة الصلاة، وقد حكاه المحب الطبري وقال‏:‏ هو محمول على أن يحصل في الصلاة في الجملة لا في جميعها، والخلاف في ذلك عند الحنابلة أيضا، وأما قول ابن بطال‏:‏ فإن قال قائل فإن الخشوع فرض في الصلاة، قيل له بحسب الإنسان أن يقبل على صلاته بقلبه ونيته يريد بذلك وجه الله عز وجل ولا طاقة له بما اعترضه من الخواطر‏.‏
فحاصل كلامه أن القدر المذكور هو الذي يجب من الخشوع، وما زاد على ذلك فلا‏.‏
وأنكر ابن المنير إطلاق الفرضية وقال‏:‏ الصواب أن عدم الخشوع تابع لما يظهر عنه من الآثار وهو أمر متفاوت، فإن أثر نقصا في الواجبات كان حراما وكان الخشوع واجبا وإلا فلا‏.‏
وقد سئل عن الحكمة في تحذيرهم من النقص في الصلاة برؤيته إياهم دون تحذيرهم برؤية الله تعالى لهم، وهو مقام الإحسان المبين في سؤال جبريل كما تقدم في كتاب الإيمان ‏"‏ اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ‏"‏ فأجيب بأن في التعليل برؤيته صلى الله عليه وسلم تنبيها على رؤية الله تعالى لهم، فإنهم إذا أحسنوا الصلاة لكون النبي صلى الله عليه وسلم يراهم أيقظهم ذلك إلى مراقبة الله تعالى مع ما تضمنه الحديث من المعجزة له صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكونه يبعث شهيدا عليهم يوم القيامة فإذا علموا أنه يراهم تحفظوا في عبادتهم ليشهد لهم بحسن عبادتهم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:39 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n91&p1#TOP)باب مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقول بعد التكبير‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ باب ما يقرأ ‏"‏ بدل ‏"‏ ما يقول ‏"‏ وعليها اقتصر الإسماعيلي‏.‏
واستشكل إيراد حديث أبي هريرة إذ لا ذكر للقراءة فيه‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ ضمن قوله ما يقرأ ما يقول من الدعاء قولا متصلا بالقراءة، أو لما كان الدعاء والقراءة يقصد بهما التقرب إلى الله تعالى استغنى بذكر أحدهما عن الآخر كما جاء ‏"‏ علفتها تبنا وماء باردا‏"‏‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ دعاء الافتتاح يتضمن مناجاة الرب والإقبال عليه بالسؤال، وقراءة الفاتحة تتضمن هذا المعنى، فظهرت المناسبة بين الحديثين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كانوا يفتتحون الصلاة‏)‏ أي القراءة في الصلاة، وكذلك رواه ابن المنذر والجوزقي وغيرهما من طريق أبي عمر الدوري وهو حفص بن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ‏"‏ وكذلك رواه البخاري في ‏"‏ جزء القراءة خلف الإمام ‏"‏ عن عمرو بن مرزوق عن شعبة وذكر أنها أبين من رواية حفص بن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالحمد لله رب العالمين‏)‏ بضم الدال على الحكاية‏.‏
واختلف في المراد بذلك فقيل‏:‏ المعنى كانوا يفتتحون بالفاتحة، وهذا قول من أثبت البسملة في أولها، وتعقب بأنها إنما تسمى الحمد فقط، وأجيب بمنع الحصر، ومستنده ثبوت تسميتها بهذه الجملة وهي ‏"‏ الحمد لله رب العالمين ‏"‏ في صحيح البخاري أخرجه في فضائل القرآن من حديث أبي سعيد بن المعلى ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن ‏"‏ فذكر الحديث وفيه قال ‏"‏ الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى‏.‏
وقيل المعنى كانوا يفتتحون بهذا اللفظ تمسكا بظاهر الحديث، وهذا قول من نفى قراءة البسملة، لكن لا يلزم من قوله كانوا يفتتحون بالحمد أنهم لم يقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم سرا، وقد أطلق أبو هريرة السكوت على القراءة سرا كما في الحديث الثاني من الباب، وقد اختلف الرواة عن شعبة في لفظ الحديث‏:‏ فرواه جماعة من أصحابه عنه بلفظ ‏"‏ كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين ‏"‏ ورواه آخرون عنه بلفظ ‏"‏ فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم ‏"‏ كذا أخرجه مسلم من رواية أبي داود الطيالسي ومحمد بن جعفر، وكذا أخرجه الخطيب من رواية أبي عمر الدوري شيخ البخاري فيه، وأخرجه ابن خزيمة من رواية محمد بن جعفر باللفظين، وهؤلاء من أثبت أصحاب شعبة، ولا يقال هذا اضطراب من شعبة لأنا نقول قد رواه جماعة من أصحاب قتادة عنه باللفظين، فأخرجه البخاري في ‏"‏ جزء القراءة ‏"‏ والنسائي وابن ماجه من طريق أيوب وهؤلاء والترمذي من طريق أبي عوانة والبخاري في ‏"‏ جزء القراءة ‏"‏ وأبو داود من طريق هشام الدستوائي والبخاري فيه وابن حبان من طريق حماد بن سلمة والبخاري فيه والسراج من طريق همام كلهم عن قتادة باللفظ الأول، وأخرجه مسلم من طريق الأوزاعي عن قتادة بلفظ ‏"‏ لم يكونوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم‏"‏، وقد قدح بعضهم في صحته بكون الأوزاعي رواه عن قتادة مكاتبة، وفيه نظر فإن الأوزاعي لم ينفرد به فقد رواه أبو يعلى عن أحمد الدورقي والسراج عن يعقوب الدورقي وعبد الله بن أحمد بن عبد الله السلمي ثلاثتهم عن أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ ‏"‏ فلم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم‏"‏‏.‏
قال شعبة قلت لقتادة‏:‏ سمعته من أنس‏؟‏ قال‏:‏ نحن سألناه‏.‏
لكن هذا النفي محمول على ما قدمناه أن المراد أنه لم يسمع منهم البسملة، فيحتمل أن يكونوا يقرءونها سرا، ويؤيده رواية من رواه عنه بلفظ ‏"‏ فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ‏"‏ كذا رواه سعيد بن أبي عروبة عند النسائي وابن حبان وهمام عند الدار قطني وشيبان عند الطحاوي وابن حبان وشعبة أيضا من طريق وكيع عنه عند أحمد أربعتهم عن قتادة‏.‏
ولا يقال هذا اضطراب من قتادة لأنا نقول‏:‏ قد رواه جماعة من أصحاب أنس عنه كذلك‏:‏ فرواه البخاري في ‏"‏ جزء القراءة ‏"‏ والسراج وأبو عوانة في صحيحه من طريق إسحاق بن أبي طلحة والسراج من طريق ثابت البناني والبخاري فيه من طريق مالك بن دينار كلهم عن أنس باللفظ الأول، ورواه الطبراني في الأوسط من طريق إسحاق أيضا وابن خزيمة من طريق ثابت أيضا والنسائي من طريق منصور بن زاذان وابن حبان من طريق أبي قلابة والطبراني من طريق أبي نعامة كلهم عن أنس باللفظ النافي للجهر، فطريق الجمع بين هذه الألفاظ حمل نفي القراءة على نفي السماع ونفي السماع على نفي الجهر، ويؤيده أن لفظ رواية منصور بن زاذان ‏"‏ فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم‏"‏، وأصرح من ذلك رواية الحسن عن أنس عند ابن خزيمة بلفظ ‏"‏ كانوا يسرون بسم الله الرحمن الرحيم ‏"‏ فاندفع بهذا تعليل من أعله بالاضطراب كابن عبد البر، لأن الجمع إذا أمكن تعين المصير إليه‏.‏
وأما من قدح في صحته بأن أبا سلمة سعيد بن يزيد سأل أنسا عن هذه المسألة فقال ‏"‏ إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه ولا سألني عنه أحد قبلك ‏"‏ ودعوى أبي شامة أن أنسا سئل عن ذلك سؤالين فسؤال أبي سلمة ‏"‏ هل كان الافتتاح بالبسملة أو الحمدلة ‏"‏ وسؤال قتادة ‏"‏ هل كان يبدأ بالفاتحة أو غيرها ‏"‏ قال‏:‏ ويدل عليه قول قتادة في صحيح مسلم ‏"‏ نحن سألناه ‏"‏ انتهى‏.‏
فليس بجيد، لأن أحمد روى في مسنده بإسناد الصحيحين أن سؤال قتادة نظير سؤال أبي سلمة، والذي في مسلم إنما قاله عقب رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة، ولم يبين مسلم صورة المسألة، وقد بينها أبو يعلى والسراج وعبد الله بن أحمد في رواياتهم التي ذكرناها عن أبي داود أن السؤال كان عن افتتاح القراءة بالبسملة، وأصرح من ذلك رواية ابن المنذر عن طريق أبي جابر عن شعبة عن قتادة قال ‏"‏ سألت أنسا‏:‏ أيقرأ الرجل في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم‏؟‏ فقال‏:‏ صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم ‏"‏ فظهر اتحاد سؤال أبي سلمة وقتادة وغايته أن أنسا أجاب قتادة بالحكم دون أبي سلمة، فلعله تذكره لما سأله قتادة بدليل قوله في رواية أبي سلمة ‏"‏ ما سألني عنه أحد قبلك ‏"‏ أو قاله لهما معا فحفظه قتادة دون أبي سلمة فإن قتادة أحفظ من أبي سلمة بلا نزاع، وإذا انتهى البحث إلى أن محصل حديث أنس نفي الجهر بالبسملة على ما ظهر من طريق الجمع بين مختلف الروايات عنه فمتى وجدت رواية فيها إثبات الجهر قدمت على نفيه، لا لمجرد تقديم رواية المثبت على النافي لأن أنسا يبعد جدا أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلم مدة عشر سنين ثم يصحب أبا بكر وعمر وعثمان خمسا وعشرين سنة فلم يسمع منهم الجهر بها في صلاة واحدة، بل لكون أنس اعترف بأنه لا يحفظ هذا الحكم كأنه لبعد عهده به، ثم تذكر منه الجزم بالافتتاح بالحمد جهرا ولم يستحضر الجهر بالبسملة، فيتعين الأخذ بحديث من أثبت الجهر‏.‏
وسيأتي الكلام على ذلك في ‏"‏ باب جهر المأموم بالتأمين ‏"‏ إن شاء الله قريبا‏.‏
وترجم له ابن خزيمة وغيره ‏"‏ إباحة الإسرار بالبسملة في الجهرية ‏"‏ وفيه نظر لأنه لم يختلف في إباحته، بل في استحبابه، واستدل به المالكية على ترك دعاء الافتتاح، وحديث أبي هريرة الذي بعده يرد عليه، وكأن هذا هو السر في إيراده، وقد تحرر أن المراد بحديث أنس بيان ما يفتتح به القراءة، فليس فيه تعرض لنفي دعاء الافتتاح‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع ذكر عثمان في حديث أنس في رواية عمرو بن مرزوق عن شعبة عند البخاري في ‏"‏ جزء القراءة ‏"‏ وكذا في رواية حجاج بن محمد عن شعبة عند أبي عوانة، وهو في رواية شيبان وهشام والأوزاعي‏.‏
وقد أشرنا إلى روايتهم فيما تقدم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ‏.‏
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو زرعة‏)‏ هو ابن عمرو بن جرير البجلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت‏)‏ ضبطناه بفتح أوله من السكوت، وحكى الكرماني عن بعض الروايات بضم أوله من الإسكات، قال الجوهري‏:‏ يقال تكلم الرجل ثم سكت بغير ألف، فإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قلت أسكت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إسكاتة‏)‏ بكسر أوله بوزن إفعالة من السكوت، وهو من المصادر الشاذة نحو أثبته إثباتة، قال الخطابي‏:‏ معناه سكوت يقتضي بعده كلاما مع قصر المدة فيه، وسياق الحديث يدل على أنه أراد السكوت عن الجهر لا عن مطلق القول، أو السكوت عن القراءة لا عن الذكر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أحسبه قال هنية‏)‏ هذه رواية عبد الواحد بن زياد بالظن، ورواه جرير عند مسلم وغيره وابن فضيل عند ابن ماجه وغيره بلفظ ‏"‏ سكت هنية ‏"‏ بغير تردد، وإنما اختار البخاري رواية عبد الواحد لوقوع التصريح بالتحديث فيها في جميع الإسناد‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ المراد أنه قال - بدل إسكاتة - هنية‏.‏
قلت‏:‏ وليس بواضح، بل الظاهر أنه شك هل وصف الإسكاتة بكونها هنية أم لا، وهنية بالنون بلفظ التصغير، وهو عند الأكثر بتشديد الياء، وذكر عياض والقرطبي أن أكثر رواة مسلم قالوه بالهمزة، وأما النووي فقال‏:‏ الهمز خطأ‏.‏
قال‏:‏ وأصله هنوة فلما صغر صار هنيوة فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ثم أدغمت‏.‏
قال غيره‏:‏ لا يمنع ذلك إجازة الهمز، فقد تقلب الياء همزة‏.‏
وقد وقع في رواية الكشميهني هنيهة بقلبها هاء، وهي رواية إسحاق والحميدي في مسنديهما عن جرير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بأبي وأمي‏)‏ الباء متعلقة بمحذوف اسم أو فعل والتقدير أنت مفدي أو أفديك، واستدل به على جواز قول ذلك، وزعم بعضهم أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إسكاتك‏)‏ بكسر أوله وهو بالرفع على الابتداء‏.‏
وقال المظهري شارح المصابيح‏:‏ هو بالنصب على أنه مفعول بفعل مقدر أي أسألك إسكاتك، أو على نزع الخافض‏.‏انتهى‏.‏
والذي في روايتنا بالرفع للأكثر، ووقع في رواية المستملي والسرخسي بفتح الهمزة وضم السين على الاستفهام‏.‏
وفي رواية الحميدي ‏"‏ ما تقول في سكتتك بين التكبير والقراءة ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ أرأيت سكوتك ‏"‏ وكله مشعر بأن هناك قولا لكونه قال ‏"‏ ما تقول ‏"‏ ولم يقل هل تقول‏؟‏ نبه عليه ابن دقيق العيد قال‏:‏ ولعله استدل على أصل القول بحركة الفم كما استدل غيره على القراءة باضطراب اللحية‏.‏
قلت‏:‏ وسيأتي من حديث خباب بعد باب، ونقل ابن بطال عن الشافعي أن سبب هذه السكتة للإمام أن يقرأ المأموم فيها الفاتحة، ثم اعترضه بأنه لو كان كذلك لقال في الجواب‏:‏ أسكت لكي يقرأ من خلفي‏.‏
ورده ابن المنير بأنه لا يلزم من كونه أخبره بصفة ما يقول أن لا يكون سبب السكوت ما ذكر‏.‏انتهى‏.‏
وهذا النقل من أصله غير معروف عن الشافعي ولا عن أصحابه، إلا أن الغزالي قال في الإحياء‏:‏ إن المأموم يقرأ الفاتحة إذا اشتغل الإمام بدعاء الافتتاح‏.‏
وخولف في ذلك، بل أطلق المتولي وغيره كراهة تقديم المأموم قراءة الفاتحة على الإمام‏.‏
وفي وجه إن فرغها قبله بطلت صلاته، والمعروف أن المأموم يقرؤها إذا سكت الإمام بين الفاتحة والسورة، وهو الذي حكاه عياض وغيره عن الشافعي، وقد نص الشافعي على أن المأموم يقول دعاء الافتتاح كما يقوله الإمام، والسكتة التي بين الفاتحة والسورة ثبت فيها حديث سمرة عند أبي داود وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏باعد‏)‏ المراد بالمباعدة محو ما حصل منها والعصمة عما سيأتي منها، وهو مجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان، وموقع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب مستحيل فكأنه أراد أنه لا يبقى لها منه اقتراب بالكلية‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ كرر لفظ ‏"‏ بين ‏"‏ لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نقني‏)‏ مجاز عن زوال الذنوب ومحو أثرها، ولما كان الدنس في الثوب الأبيض أظهر من غيره من الألوان وقع التشبيه به، قاله ابن دقيق العيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالماء والثلج والبرد‏)‏ قال الخطابي‏:‏ ذكر الثلج والبرد تأكيد، أو لأنهما ما آن لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ عبر بذلك عن غاية المحو، فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد من هذه الأشياء مجاز عن صفة يقع بها المحو وكأنه كقوله تعالى ‏(‏واعف عنا واغفر لنا وارحمنا‏)‏ وأشار الطيبي إلى هذا بحثا فقال‏:‏ يمكن أن يكون المطلوب من ذكر الثلج والبرد بعد الماء شمول أنواع الرحمة والمغفرة بعد العفو لإطفاء حرارة عذاب النار التي هي في غاية الحرارة، ومنه قولهم برد الله مضجعه أي رحمه ووقاه عذاب النار‏.‏ انتهى‏.‏
ويؤيده ورود وصف الماء بالبرودة في حديث عبد الله بن أبي أوفى عند مسلم، وكأنه جعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها مسببة عنها، فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء إلى أبرد منه‏.‏
وقال التوربشتي‏:‏ خص هذه الثلاثة بالذكر لأنها منزلة مـن السماء‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يكون في الدعوات الثلاث إشارة إلى الأزمنة الثلاثة ‏"‏ فالمباعدة للمستقبل، والتنقية للحال، والغسل للماضي ‏"‏ انتهى‏.‏
وكأن تقديم المستقبل للاهتمام بدفع ما سيأتي قبل رفع ما حصل‏.‏
واستدل بالحديث على مشروعية الدعاء بين التكبير والقراءة خلافا للمشهور عن مالك، وورد فيه أيضا حديث ‏"‏ وجهت وجهي الخ ‏"‏ وهو عند مسلم من حديث علي لكن قيده بصلاة الليل‏.‏
وأخرجه الشافعي وابن خزيمة وغيرهما بلفظ ‏"‏ إذا صلى المكتوبة ‏"‏ واعتمده الشافعي في الأم، وفي الترمذي وصحيح ابن حبان من حديث أبي سعيد الافتتاح بسبحانك اللهم، ونقل الساجي عن الشافعي استحباب الجمع بين التوجيه والتسبيح وهو اختيار ابن خزيمة وجماعة من الشافعية وحديث أبي هريرة أصح ما ورد في ذلك، واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما ليس في القرآن خلافا للحنفية‏.‏
ثم هذا الدعاء صدر منه صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة في إظهار العبودية، وقيل قاله على سبيل التعليم لأمته، واعترض بكونه لو أراد ذلك لجهر به، وأجيب بورود الأمر بذلك في حديث سمرة عند البزار، وفيه ما كان الصحابة عليه من المحافظة على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته وإسراره وإعلانه حتى حفظ الله بهم الدين، واستدل به بعض الشافعية على أن الثلج والبرد مطهران، واستبعده ابن عبد السلام، وأبعد منه استدلال بعض الحنفية به على نجاسة الماء المستعمل‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:40 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n92&p1#TOP)باب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا لَا أَطْعَمَتْهَا وَلَا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ قَالَ نَافِعٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ خَشِيشِ أَوْ خَشَاشِ الْأَرْضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا في رواية الأصيلي وكريمة بلا ترجمة، وكذا قال الإسماعيلي ‏"‏ باب ‏"‏ بلا ترجمة، وسقط من رواية أبي ذر وأبي الوقت، وكذا لم يذكره أبو نعيم‏.‏
وعلى هذا فمناسبة الحديث غير ظاهرة للترجمة، وعلى تقدير ثبوت لفظ باب فهو كالفصل من الباب الذي قبله كما قررناه غير مرة فله به تعلق أيضا‏.‏
قال الكرماني‏:‏ وجه المناسبة أن دعاء الافتتاح مستلزم لتطويل القيام، وحديث الكسوف فيه تطويل القيام فتناسبا‏.‏
وأحسن منه ما قال ابن رشيد‏:‏ يحتمل أن تكون المناسبة في قوله ‏"‏ حتى قلت أي رب أو أنا معهم ‏"‏ لأنه وإن لم يكن فيه دعاء ففيه مناجاة واستعطاف، فيجمعه مع الذي قبله جواز دعاء الله ومناجاته بكل ما فيه خضوع، ولا يختص بما ورد في القرآن خلافا لبعض الحنفية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو أنا معهم‏)‏ كذا للأكثر بهمزة الاستفهام بعدها واو عاطفة وهي على مقدر‏.‏
وفي رواية كريمة بحذف الهمزة وهي مقدرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حسبت أنه قال تخدشها‏)‏ قائل ذلك هو نافع بن عمر راوي الحديث، بينه الإسماعيلي، فالضمير في ‏"‏ أنه ‏"‏ لابن أبي مليكة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا هي أطعمتها‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ هي ‏"‏ من رواية الكشميهني والحموي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تأكل من خشيش - أو خشاش - الأرض‏)‏ كذا في هذه الرواية على الشك، وكل من اللفظين بمعجمات مفتوح الأول والمراد حشرات الأرض، وأنكر الخطابي رواية خشيش، وضبطها بعضهم بضم أوله على التصغير من لفظ خشاش، فعلى هذا لا إنكار، ورواها بعضهم بحاء مهملة‏.‏
وقال عياض هو تصحيف‏.‏
وسيأتي الكلام على بقية فوائده في كتاب الكسوف، وعلى قصة المرأة صاحبة الهرة في كتاب بدء الخلق إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n92&p1#TOP)باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ نظر المأموم إلى الإمام من مقاصد الائتمام، فإذا تمكن من مراقبته بغير التفات كان ذلك من إصلاح صلاته‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ فيه حجة لمالك في أن نظر المصلي يكون إلى جهة القبلة‏.‏
وقال الشافعي والكوفيون‏:‏ يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده لأنه أقرب للخشوع، وورد في ذلك حديث أخرجه سعيد بن منصور من مرسل محمد بن سيرين ورجاله ثقات، وأخرجه البيهقي موصولا وقال‏:‏ المرسل هو المحفوظ‏.‏
وفيه أن ذلك سبب نزول قوله تعالى ‏(‏الذين هم في صلاتهم خاشعون‏)‏ ‏.‏
ويمكن أن يفرق بين الإمام والمأموم فيستحب للإمام النظر إلى موضع السجود، وكذا للمأموم‏.‏
إلا حيث يحتاج إلى مراقبة إمامه، وأما المنفرد فحكمه حكم الإمام، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة الخ‏)‏ هذا طرف من حديث وصله المؤلف في ‏"‏ باب إذا انفلتت الدابة ‏"‏ وهو في أواخر الصلاة، وموضع الترجمة منه قوله ‏"‏ حين رأيتموني‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ قُلْنَا لِخَبَّابٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى‏)‏ هو ابن إسماعيل، وعبد الواحد هو ابن زياد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمارة‏)‏ في رواية حفص بن غياث عن الأعمش ‏"‏ حدثنا عمارة ‏"‏ وسيأتي بعد أربعة أبواب، ويأتي الكلام على المتن قريبا، وموضع الترجمة منه قوله ‏"‏ باضطراب لحيته‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يَخْطُبُ قَالَ حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ وَكَانَ غَيْرَ كَذُوبٍ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامُوا قِيَامًا حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حجاج‏)‏ هو ابن منهال، ولم يسمع البخاري من حجاج بن محمد‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث البراء في ‏"‏ باب متى يسجد من خلف الإمام ‏"‏ ووقع فيه هنا في رواية كريمة وأبي الوقت وغيرهما ‏"‏ حتى يرونه قد سجد ‏"‏ بإثبات النون‏.‏
وفي رواية أبي ذر والأصيلي بحذفها وهو أوجه، وجاز الأول على إرادة الحال‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ قَالَ إِنِّي أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس يأتي في الكسوف، وهو ظاهر المناسبة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ الْآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمْ الصَّلَاةَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ثَلَاثًا
الشرح‏:‏
حديث أنس يأتي في الرقاق وفيه التصريح بسماع هلال له من أنس‏.‏
واعترض الإسماعيلي على إيراده له هنا فقال‏:‏ ليس فيه نظر المأمومين إلى الإمام‏.‏
وأجيب بأن فيه أن الإمام يرفع بصره إلى ما أمامه، وإذا ساغ ذلك للإمام ساغ للمأموم‏.‏
والذي يظهر لي أن حديث أنس مختصر من حديث ابن عباس، وأن القصة فيهما واحدة، فسيأتي في حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ رأيت الجنة والنار ‏"‏ كما قال في حديث أنس، وقد قالوا له في حديث ابن عباس ‏"‏ رأيناك تكعكعت ‏"‏ فهذا موضع الترجمة، ويحتمل أن يكون مأخوذا من قوله ‏"‏ فأشار بيده قبل قبلة المسجد ‏"‏ فإن رؤيتهم الإشارة تقتضي أنهم كانوا يراقبون أفعاله‏.‏
قلت‏:‏ لكن يطرق هنا احتمال أن يكون سبب رفع بصرهم إليه وقوع الإشارة منه، لا أن الرفع كان مستمرا‏.‏
ويحتمل أن يكون المراد بالترجمة أن الأصل نظر المأموم إلى موضع سجوده لأنه المطلوب في الخشوع إلا إذا احتاج إلى رؤية ما يفعله الإمام ليقتدي به مثلا، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n92&p1#TOP)باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ أجمعوا على كراهة رفع البصر في الصلاة، واختلفوا فيه خارج الصلاة في الدعاء، فكرهه شريح وطائفة، وأجازه الأكثرون لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة‏.‏
قال عياض‏:‏ رفع البصر إلى السماء في الصلاة فيه نوع إعراض عن القبلة، وخروج عن هيئة الصلاة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا قتادة‏)‏ فيه دفع لتعليل ما أخرجه ابن عدي في الكامل فأدخل بين سعيد بن أبي عروبة وقتادة رجلا، وقد أخرجه ابن ماجه من رواية عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن سعيد - وهو من أثبت أصحابه - وزاد في أوله بيان سبب هذا الحديث ولفظه ‏"‏ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بأصحابه، فلما قضى الصلاة أقبل عليهم بوجهه ‏"‏ فذكره، وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا لم يذكر نسا، وهي علة غير قادحة لأن سعيدا أعلم بحديث قتادة من معمر، وقد تابعه همام على وصله عن قتادة أخرجه السراج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في صلاتهم‏)‏ زاد مسلم من حديث أبي هريرة ‏"‏ عند الدعاء ‏"‏ فإن حمل المطلق على هذا المقيد اقتضى اختصاص الكراهة بالدعاء الواقع في الصلاة‏.‏
وقد أخرجه ابن ماجه وابن حبان من حديث ابن عمر بغير تقييد ولفظه ‏(‏لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء‏)‏ يعني في الصلاة، وأخرجه بغير تقييد أيضا مسلم من حديث جابر بن سمرة والطبراني من حديث أبي سعيد الخدري وكعب بن مالك‏.‏
وأخرج ابن أبي شيبة من رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين ‏"‏ كانوا يلتفتون في صلاتهم حتى نزلت ‏(‏قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون‏)‏ فأقبلوا على صلاتهم ونظروا أمامهم، وكانوا يستحبون أن لا يجاوز بصر أحدهم موضع سجوده‏"‏‏.‏
ووصله الحاكم بذكر أبي هريرة فيه، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره ‏"‏ فطأطأ رأسه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لينتهين‏)‏ كذا للمستملي والحموي بضم الياء وسكون النون وفتح المثناة والهاء والياء وتشديد النون على البناء للمفعول والنون للتأكيد، وللباقين ‏"‏ لينتهن ‏"‏ بفتح أوله وضم الهاء على البناء للفاعل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو لتخطفن أبصارهم‏)‏ ولمسلم من حديث جابر بن سمرة ‏"‏ أو لا ترجع إليهم ‏"‏ يعني أبصارهم‏.‏
واختلف في المراد بذلك‏:‏ فقيل هو وعيد، وعلى هذا فالفعل المذكور حرام، وأفرط ابن حزم فقال‏:‏ يبطل الصلاة‏.‏
وقيل المعنى أنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلين كما في حديث أسيد بن حضير الآتي في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى، أشار إلى ذلك الداودي، ونحوه في جامع حماد بن سلمة عن أبي مجلز أحد التابعين‏.‏
و ‏"‏ أو ‏"‏ هنا للتخيير نظير قوله تعالى ‏(‏تقاتلونهم أو يسلمون‏)‏ أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة وإما الإسلام، وهو خبر في معنى الأمر‏.‏
صلى في خميصة لها أعلام فقال‏:‏ شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:42 PM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n92&p1#TOP)باب الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الالتفات في الصلاة‏)‏ لم يبين المؤلف حكمه، لكن الحديث الذي أورده دل على الكراهة وهو إجماع، لكن الجمهور على أنها للتنزيه‏.‏
وقال المتولي‏:‏ يحرم إلا للضرورة، وهو قول أهل الظاهر‏.‏
وورد في كراهية الالتفات صريحا على غير شرطه عدة أحاديث، منها عند أحمد وابن خزيمة من حديث أبي ذر رفعه ‏"‏ لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه عنه انصرف ‏"‏ ومن حديث الحارث الأشعري نحوه وزاد ‏"‏ فإذا صليتم فلا تلتفتوا ‏"‏ وأخرج الأول أيضا أبو داود والنسائي‏.‏
والمراد بالالتفات المذكور ما لم يستدبر القبلة بصدره أو عنقه كله‏.‏
وسبب كراهة الالتفات يحتمل أن يكون لنقص الخشوع، أو لترك استقبال القبلة ببعض البدن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو أبو الشعثاء المحاربي، ووافق أبا الأحوص على هذا الإسناد شيبان عند ابن خزيمة وزائدة عند النسائي ومسعر عند ابن حبان، وخالفهم إسرائيل فرواه عن أشعث عن أبي عطية عن مسروق‏.‏
ووقع عند البيهقي من رواية مسعر عن أشعث عن أبي وائل، فهذا اختلاف على أشعث، والراجح رواية أبي الأحوص‏.‏
وقد رواه النسائي من طريق عمارة بن عمير عن أبي عطية عن عائشة ليس بينهما مسروق، ويحتمل أن يكون للأشعث فيه شيخان، أبوه وأبو عطية بناء على أن يكون أبو عطية حمله عن مسروق ثم لقي عائشة فحمله عنها‏.‏
وأما الرواية عن أبي وائل فشاذة لأنه لا يعرف من حديثه والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هو اختلاس‏)‏ أي اختطاف بسرعة، ووقع في النهاية‏:‏ والاختلاس افتعال من الخلسة وهي ما يؤخذ سلبا مكابرة، وفيه نظر‏.‏
وقال غيره‏:‏ المختلس الذي يخطف من غير غلبة ويهرب ولو مع معاينة المالك له والناهب يأخذ بقوة، والسارق يأخذ في خفية‏.‏
فلما كان الشيطان قد يشغل المصلي عن صلاته بالالتفات إلى شيء ما بغير حجة يقيمها أشبه المختلس‏.‏
وقال ابن بزيزة‏:‏ أضيف إلى الشيطان لأن فيه انقطاعا‏.‏
من ملاحظة التوجه إلى الحق سبحانه‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ سمي اختلاسا تصويرا لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى، والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يختلس‏)‏ كذا للأكثر بحذف المفعول، وللكشميهني ‏"‏ يختلسه ‏"‏ وهي رواية أبي داود عن مسدد شيخ البخاري‏.‏
قيل‏:‏ الحكمة في جعل سجود السهو جابرا للمشكوك فيه دون الالتفات وغيره مما ينقص الخشوع لأن السهو لا يؤاخذ به المكلف، فشرع له الجبر دون العمد ليتيقظ العبد له فيجتنبه‏.‏
ثم أورد المصنف حديث عائشة في قصة أنبجانية أبي جهم، وقد تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب إذا صلى في ثوب له أعلام ‏"‏ في أوائل الصلاة‏.‏
ووجه دخوله في الترجمة أن أعلام الخميصة إذا لحظها المصلي وهي على عاتقه كان قريبا من الالتفات ولذلك خلعها معللا بوقوع بصره على أعلامها وسماه شغلا عن صلاته، وكأن المصنف أشار إلى أن علة كراهة الالتفات كونه يؤثر في الخشوع كما وقع في قصة الخميصة‏.‏
ويحتمل أن يكون أراد أن ما لا يستطاع دفعه معفو عنه، لأن لمح العين يغلب الإنسان ولهذا لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَقَالَ شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏شغلني‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ شغلتني ‏"‏ وهو أوجه، وكذا اختلفوا في ‏"‏ اذهبوا بها ‏"‏ أو ‏"‏ به‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى أبي جهم‏)‏ كذا للأكثر وهو الصحيح، وللكشميهني جهيم بالتصغير‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n92&p1#TOP)باب هَلْ يَلْتَفِتُ لِأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ أَوْ يَرَى شَيْئًا أَوْ بُصَاقًا فِي الْقِبْلَةِ
وَقَالَ سَهْلٌ الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يلتفت لأمر ينزل به أو يرى شيئا أو بصاقا في القبلة‏)‏ الظاهر أن قوله ‏"‏ في القبلة ‏"‏ يتعلق بقوله ‏"‏ بصاقا ‏"‏ وأما قوله ‏"‏ شيئا ‏"‏ فأعم من ذلك، والجامع بين جميع ما ذكر في الترجمة حصول التأمل المغاير للخشوع وأنه لا يقدح إلا إذا كان لغير حاجة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال سهل‏)‏ هو ابن سعد، وهذا طرف من حديث تقدم موصولا في ‏"‏ باب من دخل ليؤم الناس‏"‏، ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكر بالإعادة، بل أشار إليه أن يتمادى على إمامته وكان التفاته لحاجة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْ النَّاسِ فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ انْصَرَفَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ أَحَدٌ قِبَلَ وَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ
الشرح‏:‏
قوله في حديث ابن عمر ‏(‏بين يدي الناس‏)‏ يحتمل أن يكون متعلقا بقوله ‏"‏ وهو يصلي ‏"‏ أو بقوله ‏"‏ رأى نخامة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحتها ثم قال حين انصرف‏)‏ ظاهره أن الحت وقع منه داخل الصلاة، وقد تقدم من رواية مالك عن نافع غير مقيد بحال الصلاة، وسبق الكلام على فوائده في أواخر أبواب القبلة، وأورده هناك أيضا من رواية أبي هريرة وأبي سعيد وعائشة وأنس من طرق كلها غير مقيدة بحال الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه موسى بن عقبة‏)‏ وصله مسلم من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وابن أبي رواد‏)‏ اسم أبي رواد ميمون، ووصله أحمد عن عبد الرزاق عن عبد العزيز ابن أبي رواد المذكور وفيه أن الحك كان بعد الفراغ من الصلاة، فالغرض منه على هذا المتابعة في أصل الحديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ بَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَأَرْخَى السِّتْرَ وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ
الشرح‏:‏
ثم أورد المصنف حديث أنس المتقدم في ‏"‏ باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ وجه مناسبته للترجمة أن الصحابة لما كشف صلى الله عليه وسلم الستر التفتوا إليه، ويدل على ذلك قول أنس ‏"‏ فأشار إليهم ‏"‏ ولولا التفاتهم لما رأوا إشارته ا هـ‏.‏
ويوضحه كون الحجرة عن يسار القبلة فالناظر إلى إشارة من هو فيها يحتاج إلى أن يلتفت، ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالإعادة، بل أقرهم على صلاتهم بالإشارة المذكورة، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n92&p1#TOP)باب وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر‏)‏ لم يذكر المنفرد لأن حكمه حكم الإمام، وذكر السفر لئلا يتخيل أنه يترخص فيه بترك القراءة كما رخص فيه بحذف بعض الركعات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما يجهر فيها وما يخافت‏)‏ هو بضم أول كل منهما على البناء للمجهول، وتقدير الكلام وما يجهر به وما يخافت، لأنه لازم فلا يبنى منه، قال ابن رشيد‏:‏ قوله ‏"‏ وما يجهر ‏"‏ معطوف على قوله ‏"‏ في الصلوات ‏"‏ لا على القراءة، والمعنى وجوب القراءة فيما يجهر فيه ويخافت، أي أن الوجوب لا يختص بالسرية دون الجهرية خلافا لمن فرق في المأموم‏.‏
انتهى‏.‏
وقد اعتنى البخاري بهذه المسألة فصنف فيها جزءا مفردا سنذكر ما يحتاج إليه في هذا الشرح من فوائده إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا أُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَالَ ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا إِلَى الْكُوفَةِ فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ قَالَ سَعْدٌ أَمَا وَاللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ وَأَطِلْ فَقْرَهُ وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ الْكِبَرِ وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى‏)‏ هو ابن إسماعيل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن جابر بن سمرة‏)‏ هو الصحابي، ولأبيه سمرة بن جنادة صحبة أيضا‏.‏
وقد صرح ابن عيينة بسماع عبد الملك له من جابر أخرجه أحمد وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شكا أهل الكوفة سعدا‏)‏ هو ابن أبي وقاص، وهو خال ابن سمرة الراوي عنه‏.‏
وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك عن جابر بن سمرة قال ‏"‏ كنت جالسا عند عمر إذ جاء أهل الكوفة يشكون إليه سعد بن أبي وقاص حتى قالوا إنه لا يحسن الصلاة ‏"‏ انتهى‏.‏
وفي قوله أهل الكوفة مجاز، وهو من إطلاق الكل على البعض، لأن الذين شكوه بعض أهل الكوفة لا كلهم، ففي رواية زائدة عن عبد الملك في صحيح أبي عوانة ‏"‏ جعل ناس من أهل الكوفة‏"‏، ونحوه لإسحاق بن راهويه عن جرير عن عبد الملك وسمى منهم عند سيف والطبراني الجراح بن سنان وقبيصة وأربد الأسديون، وذكر العسكري في الأوائل أن منهم الأشعث بن قيس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعزله‏)‏ كان عمر بن الخطاب أمر سعد بن أبي وقاص على قتال الفرس في سنة أربع عشرة ففتح الله العراق على يديه، ثم اختط الكوفة سنة سبع عشرة واستمر عليها أميرا إلى سنة إحدى وعشرين في قول خليفة بن خياط، وعند الطبري سنة عشرين، فوقع له مع أهل الكوفة ما ذكر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏واستعمل عليهم عمارا‏)‏ هو ابن ياسر، قال خليفة‏:‏ استعمل عمارا على الصلاة وابن مسعود على بيت المال وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض‏.‏
انتهى‏.‏
وكأن تخصيص عمار بالذكر لوقوع التصريح بالصلاة دون غيرها مما وقعت فيه الشكوى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فشكوا‏)‏ ليست هذه الفاء عاطفة على قوله ‏"‏ فعزله ‏"‏ بل هي تفسيرية عاطفة على قوله شكا عطف تفسير، وقوله ‏"‏فعزله واستعمل ‏"‏ اعتراض إذ الشكوى كانت سابقة على العزل، وبينته رواية معمر الماضية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي‏)‏ ظاهره أن جهات الشكوى كانت متعددة، ومنها قصة الصلاة‏.‏
وصرح بذلك في رواية أبي عون الآتية قريبا، فقال عمر‏:‏ لقد شكوك في كل شيء حتى في الصلاة‏.‏
وذكر ابن سعد وسيف أنهم زعموا أنه حابى في بيع خمس باعه‏.‏
وأنه صنع على داره بابا مبوبا من خشب، وكان السوق مجاورا له فكان يتأذى بأصواتهم، فزعموا أنه قال‏:‏ انقطع التصويت‏.‏
وذكر سيف أنهم زعموا أنه كان يلهيه الصيد عن الخروج في السرايا‏.‏
وقال الزبير بن بكار في ‏"‏ كتاب النسب ‏"‏‏:‏ رفع أهل الكوفة عليه أشياء كشفها عمر فوجدها باطلة اهـ‏.‏
ويقويه قول عمر في وصيته ‏"‏ فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة ‏"‏ وسيأتي ذلك في مناقب عثمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأرسل إليه فقال‏)‏ فيه حذف تقديره فوصل إليه الرسول فجاء إلى عمر، وسيأتي تسمية الرسول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يا أبا إسحاق‏)‏ هي كنية سعد، كني بذلك بأكبر أولاده، وهذا تعظيم من عمر له، وفيه دلالة على أنه لم تقدح فيه الشكوى عنده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أما أنا والله‏)‏ أما بالتشديد وهي للتقسيم، والقسيم هنا محلوف تقديره وأما هم فقالوا ما قالوا‏.‏
وفيه القسم في الخبر لتأكيده في نفس السامع، وجواب القسم يدل عليه قوله ‏"‏ فإني كنت أصلي بهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بالنصب أي مثل صلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما أخرم‏)‏ بفتح أوله وكسر الراء أي لا أنقص، وحكى ابن التين عن بعض الرواة أنه بضم أوله ففعله من الرباعي واستضعفه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصلي صلاة العشاء‏)‏ كذا هنا بالفتح والمد للجميع، غير الجرجاني فقال ‏"‏ العشي‏"‏، وفي الباب الذي بعده ‏"‏ صلاتي العشي ‏"‏ بالكسر والتشديد لهم إلا الكشميهني، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن أبي عوانة بلفظ ‏"‏ صلاتي العشي ‏"‏ وكذا في رواية عبد الرزاق عن معمر وكذا لزائدة في صحيح أبي عوانة وهو الأرجح، ويدل عليه التثنية، والمراد بهما الظهر والعصر ولا يبعد أن تقع التثنية في الممدود ويراد بهما المغرب والعشاء، لكن يعكر عليه قوله الأخريين لأن المغرب إنما لها أخرى واحدة والله أعلم‏.‏
وأبدى الكرماني لتخصيص العشاء بالذكر حكمة، وهو أنه لما أتقن فعل هذه الصلاة التي وقتها وقت الاستراحة كان ذلك في غيرها بطريق الأولى وهو حسن، ويقال مثله في الظهر والعصر لأنهما وقت الاشتغال بالقائلة والمعاش‏.‏
والأولى أن يقال‏:‏ لعل شكواهم كانت في هاتين الصلاتين خاصة فلذلك خصهما بالذكر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأركد في الأوليين‏)‏ قال القزاز‏:‏ أركد أي أقيم طويلا، أي أطول فيهما القراءة‏.‏
قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون التطويل بما هو أعم من القراءة كالركوع والسجود، لكن المعهود في التفرقة بين الركعات إنما هو في القراءة، وسيأتي قريبا من رواية أبي عون عن جابر بن سمرة ‏"‏ أمد في الأوليين ‏"‏ والأوليين بتحتانيتين تثنية الأولى وكذا الأخريين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأخف‏)‏ بضم أوله وكسر الخاء المعجمة‏.‏
وفي رواية الكشميهني وأحذف بفتح أوله وسكون المهملة، وكذا هو في رواية عثمان بن سعيد الدارمي عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه أخرجه البيهقي، وكذا هو في جميع طرق هذا الحديث التي وقفت عليها، إلا أن في رواية محمد بن كثير عن شعبة عند الإسماعيلي بالميم بدل الفاء، والمراد بالحذف حذف التطويل لا حذف أصل القراءة فكأنه قال أحذف الركود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذلك الظن بك‏)‏ أي هذا الذي تقول هو الذي كنا نظنه، زاد مسعر عن عبد الملك وابن عون معا ‏"‏ فقال سعد أتعلمني الأعراب الصلاة ‏"‏ أخرجه مسلم، وفيه دلالة على أن الذين شكوه لم يكونوا من أهل العلم، وكأنهم ظنوا مشروعية التسوية بين الركعات فأنكروا على سعد التفرقة، فيستفاد منه ذم القول بالرأي الذي لا يستند إلى أصل، وفيه أن القياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار، قال ابن بطال‏:‏ وجه دخول حديث سعد في هذا الباب أنه لما قال ‏"‏ أركد وأخف ‏"‏ علم أنه لا يترك القراءة في شيء من صلاته، وقد قال إنها مثل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختصره الكرماني فقال‏:‏ ركود الإمام يدل على قراءته عادة‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ ولهذا أتبع البخاري في الباب الذي بعده حديث سعد بحديث أبي قتادة كالمفسر له‏.‏
قلت‏:‏ وليس في حديث أبي قتادة هنا ذكر القراءة في الأخريين‏.‏
نعم هو مذكور من حديثه بعد عشرة أبواب، وإنما تتم الدلالة على الوجوب إذا ضم إلى ما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏صلوا كما رأيتموني أصلي ‏"‏ فيحصل التطابق بهذا لقوله ‏"‏ القراءة للإمام ‏"‏ وما ذكر من الجهر والمخافتة، وأما الحضر والسفر وقراءة المأموم فمن غير حديث سعد مما ذكر في الباب، وقد يؤخذ السفر والحضر من إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يفصل بين الحضر والسفر، وأما وجوب القراءة على الإمام فمن حديث عبادة في الباب، ولعل البخاري اكتفى بقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته وهو ثالث أحاديث الباب ‏"‏ وافعل ذلك في صلاتك كلها‏"‏، وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإسماعيلي وغيره حيث قال‏:‏ لا دلالة في حديث سعد على وجوب القراءة، وإنما فيه تخفيفها في الأخريين عن الأوليين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأرسل معه رجلا أو رجالا‏)‏ كذا لهم بالشك‏.‏
وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ فبعث عمر رجلين ‏"‏ وهذا يدل على أنه أعاده إلى الكوفة ليحصل له الكشف عنه بحضرته ليكون أبعد من التهمة، لكن كلام سيف يدل على أن عمر إنما سأله عن مسألة الصلاة بعد ما عاد به محمد بن مسلمة من الكوفة‏.‏
وذكر سيف والطبري أن رسول عمر بذلك محمد بن مسلمة قال‏:‏ وهو الذي كان يقتص آثار من شكى من العمال في زمن عمر‏.‏
وحكى ابن التين أن عمر أرسل في ذلك عبد الله بن أرقم، فإن كان محفوظا فقد عرف الرجلان‏.‏
وروى ابن سعد من طريق مليح بن عوف السلمي قال‏:‏ بعث عمر محمد بن مسلمة وأمرني بالمسير معه وكنت دليلا بالبلاد، فذكر القصة وفيها ‏"‏ وأقام سعدا في مساجد الكوفة يسألهم عنه ‏"‏ وفي رواية إسحاق عن جرير ‏"‏ فطيف به في مساجد الكوفة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويثنون عليه معروفا‏)‏ في رواية ابن عيينة ‏"‏ فكلهم يثني عليه خيرا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لبني عبس‏)‏ بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها مهملة قبيلة كبيرة من قيس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبا سعدة‏)‏ بفتح المهملة بعدها مهملة ساكنة، زاد سيف في روايته ‏"‏ فقال محمد بن مسلمة‏:‏ أنشد الله رجلا يعلم حقا إلا قال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أما‏)‏ بتشديد الميم، وقسيمها محذوف أيضا، قوله ‏"‏ نشدتنا ‏"‏ أي طلبت منا القول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يسير بالسرية‏)‏ الباء للمصاحبة والسرية بفتح المهملة وكسر الراء المخففة قطعة من الجيش، ويحتمل أن يكون صفة لمحذوف أي لا يسير بالطريقة السرية أي العادلة، والأول أولى لقوله بعد ذلك‏:‏ ‏"‏ ولا يعدل‏"‏‏.‏
والأصل عدم التكرار، والتأسيس أولى من التأكيد‏.‏
ويؤيده رواية جرير وسفيان بلفظ ‏"‏ ولا ينفر في السرية‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في القضية‏)‏ أي الحكومة‏.‏
وفي رواية سفيان وسيف ‏"‏ في الرعية‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال سعد‏)‏ في رواية جرير ‏"‏ فغضب سعد‏"‏‏.‏
وحكى ابن التين أنه قال ‏"‏ أعلى تسجع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أما والله‏)‏ بتخفيف الميم حرف استفتاح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأدعون بثلاث‏)‏ أي عليك، والحكمة في ذلك أنه نفى عنه الفضائل الثلاث وهي الشجاعة حيث قال ‏"‏ لا ينفر ‏"‏ والعفة حيث قال ‏"‏ لا يقسم ‏"‏ والحكمة حيث قال ‏"‏ لا يعدل ‏"‏ فهذه الثلاثة تتعلق بالنفس والمال والدين، فقابلها بمثلها‏:‏ فطول العمر يتعلق بالنفس، وطول الفقر يتعلق بالمال، والوقوع في الفتن يتعلق بالدين، ولما كان في الثنتين الأوليين ما يمكن الاعتذار عنه دون الثالثة قابلهما بأمرين دنيويين والثالثة بأمر ديني، وبيان ذلك أن قوله ‏"‏ لا ينفر بالسرية ‏"‏ يمكن أن يكون حقا لكن رأى المصلحة في إقامته ليرتب مصالح من يغزو ومن يقيم، أو كان له عذر كما وقع وهو في القادسية وقوله ‏"‏ لا يقسم بالسوية ‏"‏ يمكن أن يكون حقا فإن للإمام تفضيل أهل الغناء في الحرب والقيام بالمصالح، وقوله ‏"‏لا يعدل في القضية ‏"‏ هو أشدها لأنه سلب عنه العدل مطلقا وذلك قدح في الدين، ومن أعجب العجب أن سعدا مع كون هذا الرجل واجهة بهذا وأغضبه حتى دعا عليه في حال غضبه راعى العدل والإنصاف في الدعاء عليه، إذ علقه بشرط أن يكون كاذبا وأن يكون الحامل له على ذلك الغرض الدنيوي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رياء وسمعة‏)‏ أي ليراه الناس ويسمعوه فيشهروا ذلك عنه فيكون له بذلك ذكر، وسيأتي مزيد في ذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأطل فقره‏)‏ في رواية جرير ‏"‏ وشدد فقره ‏"‏ وفي رواية سيف ‏"‏ وأكثر عياله ‏"‏ قال الزين ابن المنير‏:‏ في الدعوات الثلاث مناسبة للحال، أما طول عمره فليراه من سمع بأمره فيعلم كرامة سعد، وأما طول فقره فلنقيض مطلوبه لأن حاله يشعر بأنه طلب أمرا دنيويا، وأما تعرضه للفتن فلكونه قام فيها ورضيها دون أهل بلده‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكان بعد‏)‏ أي أبو سعدة، وقائل ذلك عبد الملك بن عمير بينه جرير في روايته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا سئل‏)‏ في رواية ابن عيينة ‏"‏ إذ قيل له كيف أنت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شيخ كبير مفتون‏)‏ قيل لم يذكر الدعوة الأخرى وهي الفقر لكن عموم قوله ‏"‏ أصابتني دعوة سعد ‏"‏ يدل عليه‏.‏
قلت‏:‏ قد وقع التصريح به في رواية الطبراني من طريق أسد بن موسى‏.‏
وفي رواية أبي يعلى عن إبراهيم بن الحجاج كلاهما عن أبي عوانة ولفظه ‏"‏ قال عبد الملك‏:‏ فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك، فإذا سألوه قال‏:‏ كبير فقير مفتون ‏"‏ وفي رواية إسحاق عن جرير ‏"‏ فافتقر وافتتن ‏"‏ وفي رواية سيف ‏"‏ فعمى واجتمع عنده عشر بنات، وكان إذا سمع بحس المرأة تشبث بها، فإذا أنكر عليه قال‏:‏ دعوة المبارك سعد ‏"‏ وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ ولا تكون فتنة إلا وهو فيها ‏"‏ وفي رواية محمد بن جحادة عن مصعب ابن سعد نحو هذه القصة قال ‏"‏ وأدرك فتنة المختار فقتل فيها ‏"‏ رواه المخلص في فوائده‏.‏
ومن طريقه ابن عساكر‏.‏
وفي رواية سيف أنه عاش إلى فتنة الجماجم وكانت سنة ثلاث وثمانين، وكانت فتنة المختار حين غلب على الكوفة من سنة خمس وستين إلى أن قتل سنة سبع وستين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏دعوة سعد‏)‏ أفردها لإرادة الجنس وإن كانت ثلاث دعوات، وكان سعد معروفا بإجابة الدعوة، روى الطبراني من طريق الشعبي قال ‏"‏ قيل لسعد متى أصبت الدعوة‏؟‏ قال‏:‏ يوم بدر، قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم استجب لسعد ‏"‏ وروى الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق قيس بن أبي حازم عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ اللهم استجب لسعد إذا دعاك‏"‏‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد سوى ما تقدم جواز عزل الإمام بعض عماله إذا شكى إليه وإن لم يثبت عليه شيء إذا اقتضت ذلك المصلحة، قال مالك‏:‏ قد عزل عمر سعدا وهو أعدل من يأتي بعده إلى يوم القيامة‏.‏
والذي يظهر أن عمر عزله حسما لمادة الفتنة، ففي رواية سيف ‏"‏ قال عمر‏:‏ لولا الاحتياط وأن لا يتقي من أمير مثل سعد لما عزلته‏"‏‏.‏
وقيل عزله إيثارا لقربه منه لكونه من أهل الشورى، وقيل لأن مذهب عمر أنه لا يستمر بالعامل أكثر من أربع سنين‏.‏
وقال المازري‏:‏ اختلفوا هل يعزل القاضي بشكوى الواحد أو الاثنين أو لا يعزل حتى يجتمع الأكثر على الشكوى منه‏؟‏ وفيه استفسار العامل عما قيل فيه، والسؤال عمن شكى في موضع عمله، والاقتصار في المسألة على من يظن به الفضل‏.‏
وفيه أن السؤال عن عدالة الشاهد ونحوه يكون ممن يجاوره، وأن تعريض العدل للكشف عن حاله لا ينافي قبول شهادته في الحال‏.‏
وفيه خطاب الرجل الجليل بكنيته، والاعتذار لمن سمع في حقه كلام يسوؤه‏.‏
وفيه الفرق بين الافتراء الذي يقصد به السب، والافتراء الذي يقصد به دفع الضرر، فيعزر قائل الأول دون الثاني‏.‏
ويحتمل أن يكون سعد لم يطلب حقه منهم أو عفا عنهم واكتفى بالدعاء على الذي كشف قناعه في الافتراء عليه دون غيره فإنه صار كالمنفرد بأذيته‏.‏
وقد جاء في الخبر ‏"‏ من دعا على ظالمه فقد انتصر ‏"‏ فلعله أراد الشفقة عليه بأن عجل له العقوبة في الدنيا، فانتصر لنفسه وراعى حال من ظلمه لما كان فيه من وفور الديانة‏.‏
ويقال إنه إنما دعا عليه لكونه انتهك حرمة من صحب صاحب الشريعة، وكأنه قد انتصر لصاحب الشريعة‏.‏
وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه، وليس هو من طلب وقوع المعصية، ولكن من حيث أنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته‏.‏
ومن هذا القبيل مشروعية طلب الشهادة وإن كانت تستلزم ظهور الكافر على المسلم، ومن الأول قول موسى عليه السلام‏:‏ ‏(‏ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم‏)‏ الآية‏.‏
وفيه سلوك الورع في الدعاء، واستدل به على أن الأوليين من الرباعية متساويتان في الطول، وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمود بن الربيع‏)‏ في رواية الحميدي عن سفيان ‏"‏ حدثنا الزهري سمعت محمود بن الربيع ‏"‏ ولابن أبي عمر عن سفيان بالإسناد عند الإسماعيلي ‏"‏ سمعت عبادة بن الصامت ‏"‏ ولمسلم من رواية صالح بن كيسان ‏"‏ عن ابن شهاب أن محمود بن الربيع أخبره أن عبادة بن الصامت أخبره‏"‏، وبهذا التصريح بالإخبار يندفع تعليل من أعله بالانقطاع لكون بعض الرواة أدخل بين محمود وعبادة رجلا وهي رواية ضعيفة عند الدار قطني‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب‏)‏ زاد الحميدي عن سفيان ‏"‏ فيها ‏"‏ كذا في مسنده‏.‏
وهكذا رواه يعقوب بن سفيان عن الحميدي، أخرجه البيهقي‏.‏
وكذا لابن أبي عمر عند الإسماعيلي، ولقتيبة وعثمان ابن أبي شيبة عند أبي نعيم في المستخرج، وهذا يعين أن المراد القراءة في نفس الصلاة، قال عياض‏:‏ قيل يحمل على نفي الذات وصفاتها، لكن الذات غير منتفية فيخص بدليل خارج، ونوزع في تسليم عدم نفي الذات على الإطلاق لأنه إن ادعى أن المراد بالصلاة معناها اللغوي فغير مسلم، لأن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه لأنه المحتاج إليه فيه لكونه بعث لبيان الشرعيات لا لبيان موضوعات اللغة، وإذا كان المنفي الصلاة الشرعية استقام دعوى نفي الذات، فعلى هذا لا يحتاج إلى إضمار الإجزاء ولا الكمال، لأنه يؤدي إلى الإجمال كما نقل عن القاضي أبي بكر وغيره حتى مال إلى التوقف، لأن نفي الكمال يشعر بحصول الإجزاء فلو قدر الإجزاء منتفيا لأجل العموم قدر ثابتا لأجل إشعار نفي الكمال بثبوته فيتناقض، ولا سبيل إلى إضمارهما معا لأن الإضمار إنما احتيج إليه للضرورة، وهي مندفعة بإضمار فرد فلا حاجة إلى أكثر منه، ودعوى إضمار أحدهما ليست بأولى من الآخر، قاله ابن دقيق العيد، وفي هذا الأخير نظر لأنا إن سلمنا تعذر الحمل على الحقيقة فالحمل على أقرب المجازين إلى الحقيقة أولى من الحمل على أبعدهما، ونفي الإجزاء أقرب إلى نفي الحقيقة وهو السابق إلى الفهم، ولأنه يستلزم نفي الكمال من غير عكس فيكون أولى، ويؤيده رواية الإسماعيلي من طريق العباس بن الوليد النرسي أحد شيوخ البخاري عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ‏"‏ وتابعه على ذلك زياد بن أيوب أحد الإثبات أخرجه الدار قطني، وله شاهد من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بهذا اللفظ، أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، ولأحمد من طريق عبد الله بن سوادة القشيري عن رجل عن أبيه مرفوعا ‏"‏ لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن ‏"‏ وقد أخرج ابن خزيمة عن محمد بن الوليد القرشي عن سفيان حديث الباب بلفظ ‏"‏ لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب ‏"‏ فلا يمتنع أن يقال إن قوله ‏"‏ لا صلاة ‏"‏ نفي بمعنى النهي أي لا تصلوا إلا بقراءة فاتحة الكتاب، ونظيره ما رواه مسلم من طريق القاسم عن عائشة مرفوعا ‏"‏ لا صلاة بحضرة الطعام ‏"‏ فإنه في صحيح ابن حبان بلفظ ‏"‏ لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام ‏"‏ أخرجه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل وغيره عن يعقوب بن مجاهد عن القاسم، وابن حبان من طريق حسين بن علي وغيره عن يعقوب به‏.‏
وأخرج له ابن حبان أيضا شاهدا من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ، وقد قال بوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة الحنفية لكن بنوا على قاعدتهم أنها مع الوجوب ليست شرطا في صحة الصلاة لأن وجوبها إنما ثبت بالسنة، والذي لا تتم الصلاة إلا به فرض، والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن، وقد قال تعالى ‏(‏فاقرؤوا ما تيسر من القرآن‏)‏ فالفرض قراءة ما تيسر، وتعيين الفاتحة إنما ثبت بالحديث فيكون واجبا يأثم من يتركه وتجزئ الصلاة بدونه، وإذا تقرر ذلك لا ينقضي عجبي ممن يتعمد ترك قراءة الفاتحة منهم وترك الطمأنينة فيصلي صلاة يريد أن يتقرب بها إلى الله تعالى وهو يتعمد ارتكاب الإثم فيها مبالغة في تحقيق مخالفته لمذهب غيره، واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة بناء على أن الركعة الواحدة تسمى صلاة لو تجردت، وفيه نظر لأن قراءتها في ركعة واحدة من الرباعية مثلا يقتضي حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة، والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة، والأصل أيضا عدم إطلاق الكل على البعض، لأن الظهر مثلا كلها صلاة واحدة حقيقة كما صرح به في حديث الإسراء حيث سمى المكتوبات خمسا، وكذا حديث عبادة ‏"‏ خمس صلوات كتبهن الله على العباد ‏"‏ وغير ذلك، فإطلاق الصلاة على ركعة منها يكون مجازا، قال الشيخ تقي الدين‏:‏ وغاية ما في هذا البحث أن يكون في الحديث دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة في كل ركعة واحدة منها، فإن دل دليل خارج منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدما‏.‏
انتهى‏.‏
وقال بمقتضى هذا البحث الحسن البصري رواه عنه ابن المنذر بإسناد صحيح، ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏وافعل ذلك في صلاتك كلها ‏"‏ بعد أن أمره بالقراءة‏.‏
وفي رواية لأحمد وابن حبان ‏"‏ ثم افعل ذلك في كل ركعة ‏"‏ ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري له عقب حديث عبادة ‏"‏ واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسر الإمام أم جهر، لأن صلاته صلاة حقيقة فتنتفي عند انتفاء القراءة إلا إن جاء دليل يقتضي تخصيص صلاة المأموم من هذا العموم فيقدم، قاله الشيخ تقي الدين، واستدل من أسقطها عن المأموم مطلقا كالحنفية بحديث ‏"‏ من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة ‏"‏ لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ، وقد استوعب طرقه وعلله الدار قطني وغيره، واستدل من أسقطها عنه في الجهرية كالمالكية بحديث ‏"‏ وإذا قرأ فأنصتوا ‏"‏ وهو حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري، ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين الأمرين‏:‏ فينصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام ويقرأ إذا سكت، وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم لئلا يوقعه في ارتكاب النهي حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام، وقد ثبت الإذن بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد، وذلك فيما أخرجه البخاري في ‏"‏ جزء القراءة ‏"‏ والترمذي وابن حبان وغيرهما من رواية مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ثقلت عليه القراءة في الفجر، فلما فرغ قال‏:‏ لعلكم تقرءون خلف إمامكم‏؟‏ قلنا‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها‏"‏، والظاهر أن حديث الباب مختصر من هذا وكان هذا سببه والله أعلم‏.‏
وله شاهد من حديث أبي قتادة عند أبي داود والنسائي، ومن حديث أنس عند ابن حبان، وروى عبد الرزاق عن سعيد بن جبير قال‏:‏ لابد من أم القرآن، ولكن من مضى كان الإمام يسكت ساعة قدر ما يقرأ المأموم بأم القرآن‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ زاد معمر عن الزهري في آخر حديث الباب ‏"‏ فصاعدا ‏"‏ أخرجه النسائي وغيره، واستدل به على وجوب قدر زائد على الفاتحة‏.‏
وتعقب بأنه ورد لدفع توهم قصر الحكم على الفاتحة، قال البخاري في ‏"‏ جزء القراءة ‏"‏‏:‏ هو نظير قوله ‏"‏ تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا ‏"‏ وادعى ابن حبان والقرطبي وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد عليها، وفيه نظر لثبوته عن بعض الصحابة ومن بعدهم فيما رواه ابن المنذر وغيره، ولعلهم أرادوا أن الأمر استقر على ذلك، وسيأتي بعد ثمانية أبواب حديث أبي هريرة ‏"‏ وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت ‏"‏ ولابن خزيمة من حديث ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فصلى ركعتين لم يقرأ فيها إلا بفاتحة الكتاب‏"‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ وَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي فَقَالَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته سيأتي الكلام عليه بعد أربعة وعشرين بابا، وموضع الحاجة منه هنا قوله ‏"‏ ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ‏"‏ وكأنه أشار بإبراده عقب حديث عبادة أن الفاتحة إنما تتحتم على من يحسنها، وأن من لا يحسنها يقرأ بما تيسر عليه، وأن إطلاق القراءة في حديث أبي هريرة مقيد بالفاتحة كما في حديث عبادة والله أعلم‏.‏
قال الخطابي‏:‏ قوله ‏"‏ ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ‏"‏ ظاهر الإطلاق التخيير، لكن المراد به فاتحة الكتاب لمن أحسنها بدليل حديث عبادة، وهو كقوله تعالى ‏(‏فما استيسر من الهدى‏)‏ ثم عينت السنة المراد‏.‏
وقال النووي‏:‏ قوله ‏"‏ ما تيسر ‏"‏ محمول على الفاتحة فإنها متيسرة، أو على ما زاد من الفاتحة بعد أن يقرأها، أو على من عجز عن الفاتحة‏.‏
وتعقب بأن قوله ‏"‏ ما تيسر ‏"‏ لا إجمال فيه حتى يبين بالفاتحة، والتقييد بالفاتحة ينافي التيسير الذي يدل عليه الإطلاق فلا يصح حمله عليه‏.‏
وأيضا فسورة الإخلاص متيسرة وهي أقصر من الفاتحة فلم ينحصر التيسير في الفاتحة، وأما الحمل على ما زاد فمبني على تسليم تعين الفاتحة وهي محل النزاع‏.‏
وأما حمله على من عجز فبعيد، والجواب القوي عن هذا أنه ورد في حديث المسيء صلاته تفسير ما تيسر بالفاتحة كما أخرجه أبو داود من حديث رفاعة بن رافع رفعه ‏"‏ وإذا قمت فتوجهت فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ، وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك ‏"‏ الحديث‏.‏
ووقع فيه في بعض طرقه ‏"‏ ثم اقرأ إن كان معك قرآن، فإن لم يكن فاحمد الله وكبر وهلل ‏"‏ فإذا جمع بين ألفاظ الحديث كان تعين الفاتحة هو الأصل لمن معه قرآن، فإن عجز عن تعلمها وكان معه شيء من القرآن قرأ ما تيسر، وإلا انتقل إلى الذكر‏.‏
ويحتمل الجمع أيضا أن يقال‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ فاقرأ ما تيسر معك من القرآن ‏"‏ أي بعد الفاتحة، ويؤيده حديث أبي سعيد عند أبي داود بسند قوي ‏"‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:43 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n93&p1#TOP)باب الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القراءة في الظهر‏)‏ هذه الترجمة والتي بعدها يحتمل أن يكون المراد بهما إثبات القراءة فيهما وأنها تكون سرا إشارة إلى من خالف في ذلك كابن عباس كما سيأتي البحث فيه بعد ثمانية أبواب، ويحتمل أن يراد به تقدير المقروء أو تعينه، والأول أظهر لكونه لم يتعرض في البابين لإخراج شيء مما يتعلق بالاحتمال الثاني، وقد أخرج مسلم وغيره في ذلك أحاديث مختلفة سيأتي بعضها، وجمع بينها بوقوع ذلك في أحوال متغايرة، إما لبيان الجواز أو لغير ذلك من الأسباب، واستدل ابن العربي باختلافها على عدم مشروعية سورة معينة في صلاة معينة، وهو واضح فيما اختلف لا فيما لم يختلف كتنزيل وهل أتى في صبح الجمعة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه‏)‏ في رواية الجوزقي من طريق عبيد الله بن موسى عن شيبان التصريح بالإخبار ليحيى من عبد الله ولعبد الله من أبيه، وكذا للنسائي من رواية الأوزاعي عن يحيى لكن بلفظ التحديث فيهما، وكذا عنده من رواية أبي إبراهيم القناد عن يحيى حدثني عبد الله فأمن بذلك تدليس يحيى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الأوليين‏)‏ بتحتانيتين الأولى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلاة الظهر‏)‏ فيه جواز تسمية الصلاة بوقتها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسورتين‏)‏ أي في كل ركعة سورة كما سيأتي صريحا في الباب الذي بعده، واستدل به على أن قراءة سورة أفضل من قراءة قدرها من طويلة قاله النووي، وزاد البغوي‏:‏ ولو قصرت السورة عن المقروء، كأنه مأخوذ من قوله كان يفعل، لأنها تدل على الدوام أو الغالب قوله‏:‏ ‏(‏يطول في الأولى ويقصر في الثانية‏)‏ قال الشيخ تقي الدين‏:‏ كان السبب في ذلك أن النشاط في الأولى يكون أكثر فناسب التخفيف في الثانية حذرا من الملل‏.‏
انتهى‏.‏
وروى عبد الرزاق عن معمر عن يحيى في آخر هذا الحديث ‏"‏ فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة‏"‏، ولأبي داود وابن خزيمة نحوه من رواية أبي خالد عن سفيان عن معمر، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال‏:‏ إني لأحب أن يطول الإمام الركعة الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس، واستدل به على استحباب تطويل الأولى على الثانية وسيأتي في باب مفرد، وجمع بينه وبين حديث سعد الماضي حيث قال ‏"‏ أمد في الأوليين ‏"‏ أن المراد تطويلهما على الأخريين لا التسوية بينهما في الطول‏.‏
وقال من استحب استواءهما‏:‏ إنما طالت الأولى بدعاء الافتتاح والتعوذ، وأما في القراءة فهما سواء، ويدل عليه حديث أبي سعيد عند مسلم ‏"‏ كان يقرأ في الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية ‏"‏ وفي رواية لابن ماجه أن الذين حزروا ذلك كانوا ثلاثين من الصحابة، وادعى ابن حبان أن الأولى إنما طالت على الثانية بالزيادة في الترتيل فيها مع استواء المقروء فيهما، وقد روى مسلم من حديث حفصة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها‏"‏، واستدل به بعض الشافعية على جواز تطويل الإمام في الركوع لأجل الداخل، قال القرطبي‏:‏ ولا حجة فيه، لأن الحكمة لا يعلل بها لخفائها أو لعدم انضباطها، ولأنه لم يكن يدخل في الصلاة يريد تقصير تلك الركعة ثم يطيلها لأجل الآتي، وإنما كان يدخل فيها ليأتي بالصلاة على سنتها من تطويل الأولى، فافترق الأصل والفرع فامتنع الإلحاق‏.‏
انتهى‏.‏
وقد ذكر البخاري في ‏"‏ جزء القراءة ‏"‏ كلاما معناه أنه لم يرد عن أحد من السلف في انتظار الداخل في الركوع شيء والله أعلم‏.‏
ولم يقع في حديث أبي قتادة هذا هنا ذكر القراءة في الأخريين، فتمسك به بعض الحنفية على إسقاطها فيهما، لكنه ثبت في حديثه من وجه آخر كما سيأتي من حديثه بعد عشرة أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويسمع الآية أحيانا‏)‏ في الرواية الآتية ‏"‏ ويسمعنا ‏"‏ وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية شيبان، وللنسائي من حديث البراء ‏"‏ كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات ‏"‏ ولابن خزيمة من حديث أنس نحوه لكن قال ‏"‏ بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية ‏"‏ واستدل به على جواز الجهر في السرية وأنه لا سجود على من فعل ذلك خلافا لمن قال ذلك من الحنفية وغيرهم سواء قلنا كان يفعل ذلك عمدا لبيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر، وفيه حجة على من زعم أن الإسرار شرط لصحة الصلاة السرية‏.‏
وقوله ‏"‏أحيانا ‏"‏ يدل على تكرر ذلك منه‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ فيه دليل على جواز الاكتفاء بظاهر الحال في الأخبار دون التوقف على اليقين، لأن الطريق إلى العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلا بسماع كلها، وإنما يفيد يقين ذلك لو كان في الجهرية، وكأنه مأخوذ من سماع بعضها مع قيام القرينة على قراءة باقيها‏.‏
ويحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخبرهم عقب الصلاة دائما أو غالبا بقراءة السورتين، وهو بعيد جدا والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ سَأَلْنَا خَبَّابًا أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمر‏)‏ هو ابن حفص بن غياث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عمارة‏)‏ هو ابن عمير كما في الباب الذي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي معمر‏)‏ هو عبد الله بن سخبرة بفتح المهملة والموحدة بينهما خاء معجمة ساكنة الأزدي، وأفاد الدمياطي أن لأبيه صحبة، ووهمه بعضهم في ذلك فإن الصحابي أخرج حديثه الترمذي وقال في سياقه ‏"‏ عن سخبرة وليس بالأزدي‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ لكن جزم البخاري وابن أبي خيثمة وابن حبان بأنه الأزدي، والعلم عند الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏باضطراب لحيته‏)‏ فيه الحكم بالدليل لأنهم حكموا باضطراب لحيته على قراءته، لكن لا بد من قرينة تعين القراءة دون الذكر والدعاء مثلا لأن اضطراب اللحية يحصل بكل منهما، وكأنهم نظروه بالصلاة الجهرية لأن ذلك المحل منها هو محل القراءة لا الذكر والدعاء، وإذا انضم إلى ذلك قول أبي قتادة ‏"‏ كان يسمعنا الآية أحيانا ‏"‏ قوي الاستدلال، والله أعلم‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ احتمال الذكر ممكن لكن جزم الصحابي بالقراءة مقبول، لأنه أعرف بأحد المحتملين فيقبل تفسيره، واستدل به المصنف على مخافتته القراءة في الظهر والعصر كما سيأتي، وعلى رفع بصر المأموم إلى الإمام كما مضى، واستدل به البيهقي على أن الإسرار بالقراءة لا بد فيه من إسماع المرء نفسه، وذلك لا يكون إلا بتحريك اللسان والشفتين، بخلاف ما لو أطبق شفتيه وحرك لسانه بالقراءة فإنه لا تضطرب بذلك لحيته فلا يسمع نفسه‏.‏
انتهى وفيه نظر لا يخفى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n93&p1#TOP)باب الْقِرَاءَةِ فِي الْعَصْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القراءة في العصر‏)‏ أورد فيه حديث خباب المذكور قبله، وكذا حديث أبي قتادة مختصرا، وقد تقدم الكلام عليهما في الباب الذي قبله وعلى ما يؤخذ من الترجمة تصريحا أو إشارة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ قُلْتُ لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ نَعَمْ قَالَ قُلْتُ بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلنا‏)‏ في رواية الحموي والمستملي ‏"‏ قلت لخباب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ابن الأرت‏)‏ بفتح الراء وتشديد المثناة الفوقانية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو الدستوائي‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:44 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n93&p1#TOP)باب الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القراءة في المغرب‏)‏ المراد تقديرها لا إثباتها لكونها جهرية، بخلاف ما تقدم في ‏"‏ باب القراءة في الظهر ‏"‏ من أن المراد إثباتها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ وَاللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أم الفضل‏)‏ هي والدة ابن عباس الراوي عنها، وبذلك صرح الترمذي في روايته فقال ‏"‏ عن أمه أم الفضل ‏"‏ وقد تقدم في المقدمة أن اسمها لبابة بنت الحارث الهلالية، ويقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة، والصحيح أخت عمر زوج سعيد بن زيد لما سيأتي في المناقب من حديثه ‏"‏ لقد رأيتني وعمر موثقي وأخته على الإسلام ‏"‏ واسمها فاطمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعته‏)‏ أي سمعت ابن عباس، وفيه التفات لأن السياق يقتضي أن يقول سمعتني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقد ذكرتني‏)‏ أي شيئا نسيته، وصرح عقيل في روايته عن ابن شهاب أنها آخر صلوات النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه ‏"‏ ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله ‏"‏ أورده المصنف في ‏"‏ باب الوفاة ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ من حديث عائشة أن الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مرض موته كانت الظهر، وأشرنا إلى الجمع بينه وبين حديث أم الفضل هذا بأن الصلاة التي حكتها عائشة كانت في المسجد، والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته كما رواه النسائي، لكن يعكر عليه رواية ابن إسحاق عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ ‏"‏ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب ‏"‏ الحديث أخرجه الترمذي، ويمكن حمل قولها ‏"‏ خرج إلينا ‏"‏ أي من مكانه الذي كان راقدا فيه إلى من في البيت فصلى بهم، فتلتئم الروايات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقرأ بها‏)‏ هو في موضع الحال أي سمعته في حال قراءته‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارٍ وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن أبي مليكة‏)‏ في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج ‏"‏ حدثني ابن أبي مليكة ‏"‏ ومن طريقة أخرجه أبو داود وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عروة‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج ‏"‏ سمعت ابن أبي مليكة أخبرني عروة أن مروان أخبره‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لي زيد بن ثابت مالك تقرأ‏)‏ كان مروان حينئذ أميرا على المدينة من قبل معاوية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بقصار‏)‏ كذا للأكثر بالتنوين وهو عوض عن المضاف إليه‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ بقصار المفصل ‏"‏ وكذا للطبراني عن أبي مسلم الكجي، وللبيهقي من طريق الصغاني كلاهما عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه، وكذا في جميع الروايات عند أبي داود والنسائي وغيرهما، لكن في رواية النسائي ‏"‏ بقصار السور ‏"‏ وعند النسائي من رواية أبي الأسود عن عروة عن زيد بن ثابت أنه قال لمروان ‏"‏ أبا عبد الملك، أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وإنا أعطيناك الكوثر‏"‏، وصرح الطحاوي من هذا الوجه بالإخبار بين عروة وزيد، فكأن عروة سمعه من مروان عن زيد ثم لقي زيدا فأخبره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقد سمعت‏)‏ استدل به ابن المنير على أن ذلك وقع منه صلى الله عليه وسلم نادرا، قال‏:‏ لأنه لو لم يكن كذلك لقال كان يفعل يشعر بأن عادته كانت كذلك‏.‏
انتهى‏.‏
وغفل عما في رواية البيهقي من طريق أبي عاصم شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ‏"‏، ومثله في رواية حجاج عن ابن جريج عند الإسماعيلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بطولي الطوليين‏)‏ أي بأطول السورتين الطويلتين وطولي تأنيث أطول، والطوليين بتحتانيتين تثنية طولى، وهذه رواية الأكثر‏.‏
ووقع في رواية كريمة ‏"‏ بطول ‏"‏ بضم الطاء وسكون الواو، ووجهه الكرماني بأنه أطلق المصدر وأراد الوصف أي كان يقرأ بمقدار طول الطوليين وفيه نظر لأنه يلزم منه أن يكون قرأ بقدر السورتين، وليس هو المراد كما سنوضحه‏.‏
وحكى الخطابي أنه ضبطه عن بعضهم بكسر الطاء وفتح الواو‏.‏
قال‏:‏ وليس بشيء، لأن الطول الحبل ولا معنى له هنا‏.‏
انتهى‏.‏
ووقع في رواية الإسماعيلي ‏"‏ بأطول الطوليين ‏"‏ بالتذكير، ولم يقع تفسيرهما في رواية البخاري‏.‏
ووقع في رواية أبي الأسود المذكورة ‏"‏ بأطول الطوليين المص ‏"‏ وفي رواية أبي داود ‏"‏ قال قلت وما طولي الطوليين‏؟‏ قال‏:‏ الأعراف ‏"‏ وبين النسائي في رواية له أن التفسير من قول عروة ولفظه ‏"‏ قال قلت يا أبا عبد الله ‏"‏ وهي كنية عروة‏.‏
وفي رواية البيهقي ‏"‏ قال فقلت لعروة‏"‏‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ قال ابن أبي مليكة وما طولي الطوليين ‏"‏ زاد أبو داود ‏"‏ قال - يعني ابن جريج - وسألت أنا ابن أبي مليكة فقال لي من قبل نفسه المائدة والأعراف ‏"‏ كذا رواه عن الحسن بن علي عن عبد الرزاق‏.‏
وللجوزقي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن عبد الرزاق مثله لكن قال ‏"‏ الأنعام ‏"‏ بدل المائدة وكذا في رواية حجاج بن محمد والصغاني المذكورتين، وعند أبي مسلم الكجي عن أبي عاصم بدل الأنعام يونس أخرجه الطبراني وأبو نعيم في المستخرج، فحصل الاتفاق على تفسير الطولي بالأعراف، وفي تفسير الأخرى ثلاثة أقوال المحفوظ منها الأنعام، قال ابن بطال‏:‏ البقرة أطول السبع الطوال فلو أرادها لقال طولى الطوال، فلما لم يردها دل على أنه أراد الأعراف لأنها أطول السور بعد البقرة‏.‏
وتعقب بأن النساء أطول من الأعراف، وليس هذا التعقيب بمرضي لأنه اعتبر عدد الآيات وعدد آيات الأعراف أكثر من عدد آيات النساء وغيرها من السبع بعد البقرة والمتعقب اعتبر عدد الكلمات لأن كلمات النساء تزيد على كلمات الأعراف بمائتي كلمة‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ تسمية الأعراف والأنعام بالطوليين إنما هو لعرف فيهما لا أنهما أطول من غيرهما والله أعلم‏.‏
واستدل بهذين الحديثين على امتداد وقت المغرب، وعلى استحباب القراءة فيها بغير قصار المفصل، وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي بعده‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n93&p1#TOP)باب الْجَهْرِ فِي الْمَغْرِبِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجهر في المغرب‏)‏ اعترض الزين بن المنير على هذه الترجمة والتي بعدها بأن الجهر فيهما لا خلاف فيه، وهو عجيب لأن الكتاب موضوع لبيان الأحكام من حيث هي، وليس هو مقصورا على الخلافيات‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن جبير‏)‏ في رواية ابن خزيمة من طريق سفيان عن الزهري ‏"‏ حدثني محمد ابن جبير‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قرأ في المغرب بالطور‏)‏ في رواية ابن عساكر ‏"‏ يقرأ ‏"‏ وكذا هو في الموطأ وعند مسلم، زاد المصنف في الجهاد من طريق محمد بن عمرو عن الزهري ‏"‏ وكان جاء في أسارى بدر ‏"‏ ولابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري ‏"‏ في فداء أهل بدر ‏"‏ وزاد الإسماعيلي من طريق معمر ‏"‏ وهو يومئذ مشرك ‏"‏ وللمصنف في المغازي من طريق معمر أيضا في آخره قال ‏"‏ وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي ‏"‏ وللطبراني من رواية أسامة بن زيد عن الزهري نحوه وزاد ‏"‏ فأخذني من قراءته الكرب ‏"‏ ولسعيد بن منصور عن هشيم عن الزهري ‏"‏ فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن ‏"‏ واستدل به على صحة أداء ما تحمله الراوي في حال الكفر، وكذا الفسق إذا أداه في حال العدالة‏.‏
وستأتي الإشارة إلى زوائد أخرى فيه لبعض الرواة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالطور‏)‏ أي بسورة الطور‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ يحتمل أن تكون الباء بمعنى من كقوله تعالى ‏(‏عينا يشرب بها عباد الله‏)‏ وسنذكر ما فيه قريبا‏.‏
قال الترمذي‏:‏ ذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ في المغرب بالسور الطوال نحو الطور والمرسلات‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ لا أكره ذلك بل أستحبه‏.‏
وكذا نقله البغوي في شرح السنة عن الشافعي، والمعروف عند الشافعية أنه لا كراهية في ذلك ولا استحباب‏.‏
وأما مالك فاعتمد العمل بالمدينة بل وبغيرها‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ استمر العمل على تطويل القراءة في الصبح وتقصيرها في المغرب، والحق عندنا أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وثبتت مواظبته عليه فهو مستحب، وما لم تثبت مواظبته عليه فلا كراهة قيه‏.‏
قلت‏:‏ الأحاديث التي ذكرها البخاري في القراءة هنا ثلاثة مختلفة المقادير لأن الأعراف من السبع الطوال، والطور من طوال المفصل، والمرسلات من أوساطه‏.‏
وفي ابن حبان من حديث ابن عمر أنه قرأ بهم في المغرب بالذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، ولم أر حديثا مرفوعا فيه التنصيص على القراءة فيها بشيء من قصار المفصل إلا حديثا في ابن ماجه عن ابن عمر نص فيه على الكافرون والإخلاص، ومثله لابن حبان عن جابر بن سمرة‏.‏
فأما حديث ابن عمر فظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول، قال الدار قطني‏:‏ أخطأ فيه بعض رواته‏.‏
وأما حديث جابر بن سمرة ففيه سعيد بن سماك وهو متروك، والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب واعتمد بعض أصحابنا وغيرهم حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة أنه قال ‏"‏ ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان، قال سليمان‏:‏ فكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل وفي المغرب بقصار المفصل ‏"‏ الحديث أخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة وغيره‏.‏
وهذا يشعر بالمواظبة على ذلك، لكن في الاستدلال به نظر يأتي مثله في ‏"‏ باب جهر الإمام بالتأمين ‏"‏ بعد ثلاثة عشر بابا‏.‏
نعم حديث رافع الذي تقدم في المواقيت أنهم كانوا ينتضلون بعد صلاة المغرب يدل على تخفيف القراءة فيها، وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يطيل القراءة في المغرب إما لبيان الجواز وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين، وليس في حديث جبير بن مطعم دليل على أن ذلك تكرر منه، وأما حديث زيد بن ثابت ففيه إشعار بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل، ولو كان مروان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك لاحتج به على زيد، لكن لم يرد زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال، وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفي حديث أم الفضل إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف، وهو يرد على أبي داود ادعاء نسخ التطويل لأنه روى عقب حديث زيد بن ثابت من طريق عروة أنه كان يقرأ في المغرب بالقصار، قال‏:‏ وهذا يدل على نسخ حديث زيد، ولم يبين وجه الدلالة، وكأنه لما رأى عروة راوي الخبر عمل بخلافه حمله على أنه اطلع على ناسخة، ولا يخفى بعد هذا الحمل، وكيف تصح دعوى النسخ وأم الفضل تقول‏:‏ إن آخر صلاة صلاها بهم قرأ بالمرسلات‏.‏
قال ابن خزيمة في صحيحه‏:‏ هذا من الاختلاف المباح، فجائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها بما أحب، إلا أنه إذا كان إماما استحب له أن يخفف في القراءة كما تقدم ا هـ‏.‏
وهذا أولى من قول القرطبي‏:‏ ما ورد في مسلم وغيره من تطويل القراءة فيما استقر عليه التقصير أو عكسه فهو متروك، وادعى الطحاوي أنه لا دلالة في شيء الأحاديث الثلاثة على تطويل القراءة، لاحتمال أن يكون المراد أنه قرأ بعض السورة‏.‏
ثم استدل لذلك بما رواه من طريق هشيم عن الزهري في حديث جبير بلفظ‏:‏ فسمعته يقول ‏(‏إن عذاب ربك لواقع‏)‏ قال فأخبر أن الذي سمعه من هذه السورة هي هذه الآية خاصة ا هـ‏.‏
وليس في السياق ما يقتضي قوله ‏"‏ خاصة ‏"‏ مع كون رواية هشيم عن الزهري بخصوصها مضعفة، بل جاء في روايات أخرى ما يدل على أنه قرأ السورة كلها، فعند البخاري في التفسير ‏"‏ سمعته يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية ‏(‏أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون‏)‏ الآيات إلى قوله‏:‏ ‏(‏المصيطرون‏)‏ كاد قلبي يطير ‏"‏ ونحوه لقاسم بن أصبغ‏.‏
وفي رواية أسامة ومحمد بن عمرو المتقدمتين ‏"‏ سمعته يقرأ والطور وكتاب مسطور ‏"‏ ومثله لابن سعد، وزاد في أخرى فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد‏.‏
ثم ادعى الطحاوي أن الاحتمال المذكور يأتي في حديث زيد بن ثابت، وكذا أبداه الخطابي احتمالا، وفيه نظر لأنه لو كان قرأ بشيء منها يكون قدر سورة من قصار المفصل لما كان لإنكار زيد معنى‏.‏
وقد روى حديث زيد هشام بن عروة عن أبيه عنه أنه قال لمروان ‏"‏ إنك لتخف القراءة في الركعتين من المغرب فوالله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بسورة الأعراف في الركعتين جميعا ‏"‏ أخرجه ابن خزيمة‏.‏
واختلف على هشام في صحابيه والمحفوظ عن عروة أنه زيد بن ثابت‏.‏
وقال أكثر الرواة‏:‏ عن هشام عن زيد بن ثابت أو أبي أيوب، وقيل عن عائشة أخرجه النسائي مقتصرا على المتن دون القصة، واستدل به الخطابي وغيره على امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق، وفيه نظر لأن من قال إن لها وقتا واحدا لم يحده بقراءة معينة بل قالوا‏:‏ لا يجوز تأخيرها عن أول غروب الشمس، وله أن يمد القراءة فيها ولو غاب الشفق‏.‏
واستشكل المحب الطبري إطلاق هذا، وحمله الخطابي قبله على أنه يوقع ركعة في أول الوقت ويديم الباقي ولو غاب الشفق، ولا يخفى ما فيه، لأن تعمد إخراج بعض الصلاة عن الوقت ممنوع، ولو أجزأت فلا يحمل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك‏.‏
واختلف في المراد بالمفصل مع الاتفاق على أن منتهاه آخر القرآن هل هو من أول الصافات أو الجاثية أو القتال أو الفتح أو الحجرات أو ق أو الصف أو تبارك أو سبح أو الضحى إلى آخر القرآن أقوال أكثرها مستغرب اقتصر في شرح المهذب على أربعة من الأوائل سوى الأول والرابع، وحكى الأول والسابع والثامن ابن أبي الصيف اليمني، وحكى الرابع والثامن الدزماري في ‏"‏ شرح التنبيه ‏"‏ وحكى التاسع المرزوقي في شرحه، وحكى الخطابي والماوردي العاشر، والراجح الحجرات صلى الله عليه وسلم ذكره النووي‏.‏
ونقل المحب الطبري قولا شاذا أن المفصل جميع القرآن، وأما ما أخرجه الطحاوي من طريق زرارة بن أوفى قال‏:‏ أقرأني أبو موسى كتاب عمر إليه‏:‏ اقرأ في المغرب آخر المفصل‏.‏
وآخر المفصل من ‏(‏لم يكن‏)‏ إلى آخر القرآن فليس تفسيرا للمفصل بل لآخره، فدل على أن أوله قبل ذلك‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:45 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n93&p1#TOP)باب الْجَهْرِ فِي الْعِشَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجهر في العشاء‏)‏ قدم ترجمة الجهر على ترجمة القراءة عكس ما صنع في المغرب ثم الصبح، والذي في المغرب أولى ولعله من النساخ‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ فَقُلْتُ لَهُ قَالَ سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا معتمر‏)‏ هو ابن سليمان التيمي، وبكر هو ابن عبد الله المزني، وأبو رافع هو الصائغ، وهو ومن قبله من رجال الإسناد بصريون، وهو من كبار التابعين وبكر من أوساطهم وسليمان من صغارهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت له‏)‏ أي في شأن السجدة يعني سألته عن حكمها، وفي الرواية التي بعدها ‏"‏ فقلت ما هـذه‏؟‏‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سجدت‏)‏ زاد غير أبي ذر ‏"‏ بها ‏"‏ أي بالسجدة، أو الباء للظرف أي فيها يعني السورة، وفي الرواية الآتية لغير الكشميهني ‏"‏ سجدت فيها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي في الصلاة، وبه يتم استدلال المصنف لهذه الترجمة والتي بعدها، ونوزع في ذلك لأن سجوده في السورة أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها فلا ينهض الدليل‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ لا حجة فيه على مالك حيث كره السجدة في الفريضة يعني في المشهور عنه، لأنه ليس مرفوعا، وغفل عن رواية أبي الأشعث عن معتمر بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ صليت خلف أبي القاسم فسجد بها ‏"‏ أخرجه ابن خزيمة، وكذلك أخرجه الجوزقي من طريق يزيد بن هارون عن سليمان التيمي بلفظ ‏"‏ صليت مع أبي القاسم فسجد فيها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى ألقاه‏)‏ كناية عن الموت، وسيأتي الكلام على بقية فوائده في أبواب سجود التلاوة إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عدي‏)‏ هو ابن ثابت كما في الرواية الآتية بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في سفر‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ فصلى العشاء ركعتين‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في إحدى الركعتين‏)‏ في رواية النسائي ‏"‏ في الركعة الأولى‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالتين‏)‏ أي بسورة التين، وفي الرواية الآتية ‏"‏ والتين ‏"‏ على الحكاية، وإنما قرأ في العشاء بقصار المفصل لكونه كان مسافرا والسفر يطلب فيه التخفيف، وحديث أبي هريرة محمول على الحضر فلذلك قرأ فيها بأوساط المفصل‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n93&p1#TOP)باب الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ بِالسَّجْدَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القراءة في العشاء بالسجدة‏)‏ تقدم ما فيه قبل، والقول في إسناده كالذي قبله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ فَقُلْتُ مَا هَذِهِ قَالَ سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ
الشرح‏:‏
‏(‏التيمي‏)‏ هو سليمان بن طرخان والد المعتمر‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n93&p1#TOP)باب الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القراءة في العشاء‏)‏ تقدم أيضا
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعَ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فِي الْعِشَاءِ وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ أَوْ قِرَاءَةً
الشرح‏:‏
قوله فيه ‏(‏وما سمعت أحدا أحسن صوتا منه‏)‏ يأتي الكلام عليه في أواخر كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n93&p1#TOP)باب يُطَوِّلُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَيَحْذِفُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يطول في الأوليين‏)‏ أي من صلاة العشاء، ذكر فيه حديث سعد، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب وجوب القراءة‏"‏، ووجهه هنا إما الإشارة إلى إحدى الروايتين في قوله ‏"‏ صلاتي العشاء أو العشي ‏"‏ وإما لإلحاق العشاء بالظهر والعصر لكون كل منهن رباعية‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n93&p1#TOP)باب الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطُّورِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القراءة في الفجر‏)‏ يعني صلاة الصبح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت أم سلمة قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالطور‏)‏ يأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ وَلَا يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَلَا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلَا الْحَدِيثَ بَعْدَهَا وَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن وقت الصلاة‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ الصلوات ‏"‏ والمراد المكتوبات، وقد تقدم الكلام على حديث أبي برزة المذكور في المواقيت، وقوله هنا ‏(‏وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة‏)‏ أي من الآيات، وهذه الزيادة تفرد بها شعبة عن أبي المنهال والشك فيه منه، وقد تقدم عن رواية الطبراني تقديرها بإلحاقة ونحوها، فعلى تقدير أن يكون ذلك في كل الركعتين فهو منطبق على حديث ابن عباس في قراءاته في صبح الجمعة تنزيل السجدة وهل أتى، وعلى تقدير أن يكون في كل ركعة فهو منطبق على حديث جابر بن سمرة في قراءاته في الصبح بـ ‏"‏ ق ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏
وفي رواية له بالصافات، وفي أخرى عند الحاكم بالواقعة‏.‏
وكأن المصنف قصد بإيراد حديثي أم سلمة وأبي برزة في هذا الباب بيان حالتي السفر والحضر، ثم ثلث بحديث أبي هريرة الدال على عدم اشتراط قدر معين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُقْرَأُ فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إسماعيل بن إبراهيم‏)‏ هو المعروف بابن علية، وقد تكلم يحيى بن معين في حديثه عن ابن جريج خاصة لكن تابعه عليه عبد الرزاق ومحمد بن بكر ويحيى بن أبي الحجاج عند أبي عوانة وغندر عند أحمد وخالد بن الحارث عند النسائي وابن وهب عند ابن خزيمة ستتهم عن ابن جريج، منهم من ذكر الكلام الأخير ومنهم من لم يذكره‏.‏
وتابع ابن جريج حبيب المعلم عند مسلم وأبي داود، وحبيب بن الشهيد عند مسلم وأحمد، ورقية بن مصقلة عند النسائي، وقيس بن سعد وعمارة بن ميمون عند أبي داود، وحسين المعلم عند أبي نعيم في المستخرج ستتهم عن عطاء، منهم من طوله ومنهم من اختصره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في كل صلاة يقرأ‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول، ووقع في رواية الأصيلي ‏"‏ نقرأ ‏"‏ بنون مفتوحة في أوله كذا هو موقوف، وكذا هو عند من ذكرنا روايته إلا حبيب بن الشهيد فرواه مرفوعا بلفظ ‏"‏ لا صلاة إلا بقراءة ‏"‏ هكذا أورده مسلم من رواية أبي أسامة عنه، وقد أنكره الدار قطني على مسلم وقال‏:‏ إن المحفوظ عن أبي أسامة وقفه كما رواه أصحاب ابن جريج، وكذا رواه أحمد عن يحيى القطان وأبي عبيدة الحداد كلاهما عن حبيب المذكور موقوفا، وأخرجه أبو عوانة من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن ابن جريج كرواية الجماعة لكن زاد في آخره ‏"‏ وسمعته يقول‏:‏ لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ‏"‏ وظاهر سياقه أن ضمير ‏"‏ سمعته ‏"‏ للنبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا، بخلاف رواية الجماعة‏.‏
نعم قوله ‏"‏ ما أسمعنا وما أخفى عنا ‏"‏ يشعر بأن جميع ما ذكره متلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون للجميع حكم الرفع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن لم تزد‏)‏ بلفظ الخطاب، وبينته رواية مسلم عن أبي خيثمة وعمرو الناقد عن إسماعيل ‏"‏ فقال له رجل إن لم أزد‏"‏، وكذا رواه يحيى بن محمد عن مسدد شيخ البخاري فيه أخرجه البيهقي، وزاد أبو يعلي في أوله عن أبي خيثمة بهذا السند ‏"‏ إذا كنت إماما فخفف، وإذا كنت وحدك فطول ما بدا لك، وفي كل صلاة قراءة ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أجزأت‏)‏ أي كفت، وحكى ابن التين رواية أخرى ‏"‏ جزت ‏"‏ بغير ألف وهي رواية القابسي واستشكله، ثم حكى عن الخطابي قال‏:‏ يقال جزى وأجزى مثل وفى وأوفى قال‏:‏ فزال الإشكال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فهو خير‏)‏ في رواية حبيب المعلم ‏"‏ فهو أفضل ‏"‏ وفي هذا الحديث أن من لم يقرأ الفاتحة لم تصح صلاته، وهو شاهد لحديث عبادة المتقدم‏.‏
وفيه استحباب السورة أو الآيات مع الفاتحة وهو قول الجمهور في الصبح والجمعة والأوليين من غيرهما، وصح إيجاب ذلك عن بعض الصحابة كما تقدم وهو عثمان ابن أبي العاص‏.‏
وقال به بعض الحنفية وابن كتانة من المالكية، وحكاه القاضي الفراء الحنبلي في الشرح الصغير رواية عن أحمد، وقيل يستحب في جميع الركعات وهو ظاهر حديث أبي هريرة هذا، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n93&p1#TOP)باب الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَيَقْرَأُ بِالطُّورِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجهر بقراءة صلاة الصبح‏)‏ ولغير أبي ذر ‏"‏ صلاة الفجر ‏"‏ وهو موافق للترجمة الماضية، وعلى رواية أبي ذر فلعله أشار إلى أنها تسمى بالأمرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت أم سلمة الخ‏)‏ وصله المصنف في ‏"‏ باب طواف النساء ‏"‏ من كتاب الحج من رواية مالك عن أبي الأسود عن عروة عن زينب عن أمها أم سلمة قالت ‏"‏ شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني أشتكي - أي أن بها مرضا - فقال‏:‏ طوفي وراء الناس وأنت راكبة‏.‏
قالت‏:‏ فطفت حينئذ والنبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث، وليس فيه بيان أن الصلاة حينئذ كانت الصبح، ولكن تبين ذلك من رواية أخرى أوردها بعد ستة أبواب من طريق يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام بن عروة عن أبيه ولفظه ‏"‏ فقال‏:‏ إذا أقيمت الصلاة للصبح فطوفي ‏"‏ وهكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية حسان بن إبراهيم عن هشام، وأما ما أخرجه ابن خزيمة من طريق ابن وهب عن مالك وابن لهيعة جميعا عن أبي الأسود في هذا الحديث قال فيه ‏"‏ قالت وهو يقرأ في العشاء الآخرة ‏"‏ فشاذ، وأظن سياقه لفظ ابن لهيعة، لأن ابن وهب رواه في الموطأ عن مالك فلم يعين الصلاة كما رواه أصحاب مالك كلهم أخرجه الدار قطني في الموطآت له من طرق كثيرة عن مالك، منها رواية ابن وهب المذكورة‏.‏
وإذا تقرر ذلك فابن لهيعة لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف، وعرف بهذا اندفاع الاعتراض الذي حكاه ابن التين عن بعض المالكية حيث أنكر أن تكون الصلاة المذكورة صلاة الصبح فقال‏:‏ ليس في الحديث بيانها، والأولى أن تحمل على النافلة لأن الطواف يمتنع إذا كان الإمام في صلاة الفريضة‏.‏
انتهى‏.‏
وهو رد للحديث الصحيح بغير حجة، بل يستفاد من هذا الحديث جواز ما منعه، بل يستفاد من الحديث التفصيل فنقول‏:‏ إن كان الطائف بحيث يمر بين يدي المصلين فيمتنع كما قال وإلا فيجوز، وحال أم سلمة هو الثاني لأنها طافت من وراء الصفوف‏.‏
ويستنبط منه أن الجماعة في الفريضة ليست فرضا على الأعيان، إلا أن يقال كانت أم سلمة حينئذ شاكية فهي معذورة، أو الوجوب يختص بالرجال‏.‏
وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ ليس في حديث أم سلمة نص على ما ترجم له من الجهر بالقراءة، إلا أنه يؤخذ بالاستنباط من حيث أن قولها ‏"‏ طفت وراء الناس ‏"‏ يستلزم الجهر بالقراءة لأنه لا يمكن سماعها للطائف من ورائهم إلا إن كانت جهرية، قال‏:‏ ويستفاد منه جواز إطلاق ‏"‏ قرأ ‏"‏ وإرادة جهر، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالُوا مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ
الشرح‏:‏
ذكر البخاري حديث ابن عباس في قصة سماع الجن القرآن، وسيأتي الكلام عليه في موضعه من التفسير، ويأتي بيان عكاظ في كتاب الحج في شرح حديث ابن عباس أيضا ‏"‏ كانت عكاظ من أسواق الجاهلية ‏"‏ الحديث‏.‏
والمقصود منه هنا قوله ‏"‏ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له ‏"‏ وهو ظاهر في الجهر، ثم ذكر حديث ابن عباس أيضا قال ‏"‏ قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر وسكت فيما أمر، ‏(‏وما كان ربك نسيا‏)‏ ، ‏(‏لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‏)‏ ‏"‏ ووجه المناسبة منه ما تقدم من إطلاق ‏"‏ قرأ ‏"‏ على جهر، لكن كان يبقى خصوص تناول ذلك لصلاة الصبح فيستفاد ذلك من الذي قبله، فكأنه يقول‏:‏ هذا الإجمال هنا مفسر بالبيان في الذي قبله، لأن المحدث بهما واحد، أشار إلى ذلك ابن رشيد‏.‏
ويمكن أن يكون مراد البخاري بهذا ختم تراجم القراءة في الصلوات إشارة منه إلى أن المعتمد في ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينبغي لأحد أن يغير شيئا مما صنعه‏.‏
وقال الإسماعيلي‏:‏ إيراد حديث ابن عباس هنا يغاير ما تقدم من إثبات القراءة في الصلوات، لأن مذهب ابن عباس كان ترك القراءة في السرية‏.‏
وأجيب بأن الحديث الذي أورده البخاري ليس فيه دلالة على الترك، وأما ابن عباس فكان يشك في ذلك تارة وينفي القراءة أخرى وربما أثبتها، أما نفيه فرواه أبو داود وغيره من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عمه ‏"‏ أنهم دخلوا عليه فقالوا له‏:‏ هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قيل‏:‏ لعله كان يقرأ في نفسه‏؟‏ قال‏:‏ هذه شر من الأولى، كان عبدا مأمورا بلغ ما أمر به ‏"‏ وأما شكه فرواه أبو داود أيضا والطبري من رواية حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ ما أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا ‏"‏ انتهى‏.‏
وقد أثبت قراءته فيهما خباب وأبو قتادة وغيرهما كما تقدم، فروايتهم مقدمة على من نفى، فضلا على من شك‏.‏
ولعل البخاري أراد بإيراد هذا إقامة الحجة عليه، لأنه احتج بقوله تعالى ‏(‏لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‏)‏ فيقال له قد ثبت أنه قرأ فيلزمك أن تقرأ، والله أعلم‏.‏
وقد جاء عن ابن عباس إثبات ذلك أيضا رواه أيوب عن أبي العالية البراء قال ‏(‏سألت ابن عباس‏:‏ أقرأ في الظهر والعصر‏؟‏ قال هو أمامك اقرأ منه ما قل أو كثر‏"‏‏.‏
أخرجه ابن المنذر والطحاوي وغيرهما‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أُمِرَ وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن إبراهيم المعروف بابن علية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما كان ربك نسيا - و - لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‏)‏ قال الخطابي‏:‏ مراده أنه لو شاء الله أن ينزل بيان أحوال الصلاة حتى تكون قرآنا يتلى لفعل ولم يتركه عن نسيان، ولكنه وكل الأمر في ذلك إلى بيان نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم شرع الاقتداء به‏.‏
قال‏:‏ ولا خلاف في وجوب أفعاله التي هي لبيان مجمل الكتاب‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏أسوة‏)‏ بكسر الهمزة وضمها أي قدوة‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:47 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n94&p1#TOP)باب الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ
وَالْقِرَاءَةِ بِالْخَوَاتِيمِ وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ
وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُونَ فِي الصُّبْحِ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ وَقَرَأَ عُمَرُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنْ الْمَثَانِي وَقَرَأَ الْأَحْنَفُ بِالْكَهْفِ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِيُوسُفَ أَوْ يُونُسَ وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الصُّبْحَ بِهِمَا وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ الْأَنْفَالِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ وَقَالَ قَتَادَةُ فِيمَنْ يَقْرَأُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ أَوْ يُرَدِّدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى فَقَالَ مَا أَنَا بِتَارِكِهَا إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ فَلَمَّا أَتَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ يَا فُلَانُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّهَا فَقَالَ حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجمع بين السورتين في ركعة، والقراءة بالخواتم، وبسورة قبل سورة، وبأول سورة‏)‏ هذا الباب على أربع مسائل‏:‏ فأما الجمع بين سورتين فظاهر من حديث ابن مسعود ومن حديث أنس أيضا، وأما القراءة بالخواتم فيؤخذ بالإلحاق من القراءة بالأوائل والجامع بينهما أن كلا منهما بعض سورة، ويمكن أن يؤخذ من قوله ‏"‏ قرأ عمر بمائة من البقرة ‏"‏ ويتأيد بقول قتادة ‏"‏ كل كتاب الله ‏"‏ وأما تقديم السورة على السورة على ما في ترتيب المصحف فمن حديث أنس أيضا ومن فعل عمر في رواية الأحنف عنه، وأما القراءة بأول سورة فمن حديث عبد الله بن السائب ومن حديث ابن مسعود أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن عبد الله بن السائب‏)‏ أي ابن السائب بن صيفي بن عابد بموحدة ابن عبد الله ابن عمر بن مخزوم، وحديثه هذا وصله مسلم من طريق ابن جريج قال ‏"‏ سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن المسيب العابدي كلهم عن عبد الله ابن السائب قال‏:‏ صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة فاستفتح بسورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون - أو ذكر عيسى، شك محمد بن عباد - أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة فركع ‏"‏ وفي رواية بحذف ‏"‏ فركع‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏ابن عمرو بن العاص ‏"‏ وهم من بعض أصحاب ابن جريج، وقد رويناه في مصنف عبد الرزاق عنه فقال ‏"‏ عبد الله بن عمرو القارئ ‏"‏ وهو الصواب‏.‏
واختلف في إسناده على ابن جريج فقال ابن عيينة عنه عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن السائب أخرجه ابن ماجه‏.‏
وقال أبو عاصم عنه عن محمد بن عباد عن أبي سلمة بن سفيان - أو سفيان بن أبي سلمة - وكأن البخاري علقه بصيغة ‏"‏ ويذكر ‏"‏ لهذا الاختلاف، أن إسناده مما تقوم به الحجة‏.‏
قال النووي‏:‏ قوله ‏"‏ ابن العاص ‏"‏ غلط عند الحفاظ، فليس هذا عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي المعروف، بل هو تابعي حجازي، قال‏:‏ وفي الحديث جواز قطع القراءة وجواز القراءة ببعض السورة، وكرهه مالك‏.‏
انتهى‏.‏
وتعقب بأن الذي كرهه مالك أن يقتصر على بعض السورة مختارا، والمستدل به ظاهر في أنه كان للضرورة فلا يرد عليه، وكذا يرد على من استدل به على أنه لا يكره قراءة بعض الآية أخذا من قوله ‏"‏ حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى‏"‏، لأن كلا من الموضعين يقع في وسط آية وفيه ما تقدم‏.‏
نعم الكراهة لا تثبت إلا بدليل، وأدلة الجواز كثيرة، وقد تقدم حديث زيد بن ثابت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ الأعراف في الركعتين ولم يذكر ضرورة ففيه القراءة بالأول وبالأخير، وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي بكر الصديق أنه أم الصحابة في صلاة الصبح بسورة البقرة فقرأها في الركعتين، وهذا إجماع منهم‏.‏
وروى محمد بن عبد السلام الخشني بضم الخاء المعجمة بعدها معجمة مفتوحة خفيفة ثم نون - من طريق الحسن البصري قال ‏"‏ غزونا خراسان ومعنا ثلاثمائة من الصحابة فكان الرجل منهم يصلي بنا فيقرأ الآيات من السورة ثم يركع ‏"‏ أخرجه ابن حزم محتجا به، وروى الدار قطني بإسناد قوي عن ابن عباس أنه قرأ الفاتحة وآية من البقرة في كل ركعة صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة‏)‏ بفتح أوله من السعال، ويجوز الضم، ولابن ماجه ‏"‏ شرقة ‏"‏ بمعجمة وقاف‏.‏
وقوله في رواية مسلم ‏"‏ فحذف ‏"‏ أي ترك القراءة‏.‏
وفسره بعضهم برمي النخامة الناشئة عن السعلة، والأول أظهر لقوله ‏"‏ فركع ‏"‏ ولو كان أزال ما عاقه عن القراءة لتمادى فيها‏.‏
واستدل به على أن السعال لا يبطل الصلاة، وهو واضح فيما إذا غلبه‏.‏
وقال الرافعي في شرح المسند‏:‏ قد يستدل به على أن سورة المؤمنين مكية وهو قول الأكثر، قال‏:‏ ولمن خالف أن يقول يحتمل أن يكون قوله ‏"‏ بمكة ‏"‏ أي في الفتح أو حجة الوداع‏.‏
قلت‏:‏ قد صرح بقضية الاحتمال المذكور النسائي في روايته فقال ‏"‏ في فتح مكة ‏"‏ ويؤخذ منه أن قطع القراءة لعارض السعال ونحوه أولى من التمادي في القراءة مع السعال والتنحنح، ولو استلزم تخفيف القراءة فيما استحب فيه تطويلها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ عمر الخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي رافع قال ‏"‏ كان عمر يقرأ في الصبح بمائة من البقرة ويتبعها بسورة من المثاني‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
والمثاني قيل ما لم يبلغ مائة آية أو بلغها صلى الله عليه وسلم وقيل ما عدا السبع الطوال إلى المفصل، قيل سميت مثاني لأنها ثنيت السبع، وسميت الفاتحة المثاني لأنها تثنى في كل صلاة‏.‏
وأما قوله سبحانه وتعالى ‏(‏ولقد آتيناك سبعا من المثاني‏)‏ فالمراد بها سورة الفاتحة وقيل غير ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ الأحنف‏)‏ وصله جعفر الفريابي في ‏"‏ كتاب الصلاة ‏"‏ له من طريق عبد الله بن شقيق قال ‏"‏ صلى بنا الأحنف ‏"‏ فذكره وقال ‏"‏ في الثانية يونس ‏"‏ ولم يشك‏.‏
قال‏:‏ وزعم أنه صلى خلف عمر كذلك‏.‏
ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم في المستخرج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ ابن مسعود الخ‏)‏ وصله عبد الرزاق بلفظه من رواية عبد الرحمن بن يزيد النخعي عنه، وأخرجه هو وسعيد بن منصور من وجه آخر عن عبد الرزاق صلى الله عليه وسلم بلفظ ‏"‏ فافتتح الأنفال حتى بلغ ونعم النصير‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا الموضع هو رأس أربعين آية، فالروايتان متوافقتان، وتبين بهذا أنه قرأ بأربعين من أولها، فاندفع الاستدلال به على قراءة خاتمة السورة بخلاف الأثر عن عمر فإنه محتمل‏.‏
قال ابن التين إن لم تؤخذ القراءة بالخواتم من أثر عمر أو ابن مسعود وإلا فلم يأت البخاري بدليل على ذلك، وفاته ما قدمناه من أنه مأخوذ بالإلحاق مؤيد بقول قتادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال قتادة‏)‏ وصله عبد الرزاق، وقتادة تابعي صغير يستدل لقوله ولا يستدل به، وإنما أراد البخاري منه قوله‏:‏ ‏(‏كل كتاب الله‏)‏ فإنه يستنبط منه جواز خمس ما ذكر في الترجمة، وأما قول قتادة في ترديد السورة فلم يذكره المصنف في الترجمة، فقال ابن رشيد‏:‏ لعله لا يقول به، لما روي فيه من الكراهة عن بعض العلماء‏.‏
قلت‏:‏ وفيه نظر، لأنه لا يراعي هذا القدر إذا صح له الدليل‏.‏
قال الزين ابن المنير‏:‏ ذهب مالك إلى أن يقرأ المصلي في كل ركعة بسورة كما قال ابن عمر‏:‏ لكل سورة حظها من الركوع والسجود‏.‏
قال‏:‏ ولا تقسم السورة في ركعتين، ولا يقتصر على بعضها ويترك الباقي، ولا يقرأ بسورة قبل سورة يخالف ترتيب المصحف، قال‏:‏ فإن فعل ذلك كله لم تفسد صلاته، بل هو خلاف الأولى‏.‏
قال‏:‏ وجميع ما استدل به البخاري لا يخالف ما قال مالك، لأنه محمول على بيان الجواز‏.‏
انتهى‏.‏
وأما حديث ابن مسعود ففيه إشعار بالمواظبة على الجمع بين سورتين كما سيأتي في الكلام عليه‏.‏
وقد نقل البيهقي في مناقب الشافعي عنه أن ذلك مستحب، وما عدا ذلك مما ذكر أنه خلاف الأولى هو مذهب الشافعي أيضا، وعن أحمد والحنفية كراهية قراءة سورة قبل سورة تخالف ترتيب المصحف، واختلف هل رتبه الصحابة بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم أو باجتهاد منهم‏؟‏ قال القاضي أبو بكر‏:‏ الصحيح الثاني، وأما ترتيب الآيات فتوقيفي بلا خلاف‏.‏
ثم قال ابن المنير؛ والذي يظهر أن التكرير أخف من قسم السورة في ركعتين انتهى‏.‏
وسبب الكراهة فيما يظهر أن السورة مرتبط بعضها ببعض فأي موضع قطع فيه لم يكن كانتهائه إلى آخر السورة، فإنه إن قطع في وقف غير تام كانت الكراهة ظاهرة، وإن قطع في وقف تام فلا يخفى أنه خلاف الأولى‏.‏
وقد تقدم في الطهارة قصة الأنصاري الذي رماه العدو بسهم فلم يقطع صلاته وقال ‏"‏ كنت في سورة فكرهت أن أقطعها ‏"‏ وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبيد الله بن عمر‏)‏ أي ابن حفص بن عاصم، وحديثه هذا وصله الترمذي والبزار عن البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس، والبيهقي من رواية محرز بن سلمة كلاهما عن عبد العزيز الدراوردي عنه بطوله، قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله عن ثابت، قال‏:‏ وقد روى مبارك ابن فضالة عن ثابت فذكر طرفا من آخره، وذكر الطبراني في الأوسط أن الدراوردي تفرد به عن عبيد الله، وذكر الدار قطني في العلل أن حماد بن سلمة خالف عبيد الله في إسناده فرواه عن ثابت عن حبيب بن سبيعة مرسلا قال‏:‏ وهو أشبه بالصواب، وإنما رجحه لأن حماد سلمة مقدم في حديث ثابت، لكن عبيد الله ابن عمر حافظ حجة، وقد وافقه مبارك في إسناده فيحتمل أن يكون لثابت فيه شيخان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء‏)‏ هو كلثوم بن الهدم، رواه ابن منده في كتاب التوحيد من طريق أبي صالح عن ابن عباس، كذا أورده بعضهم‏.‏
والهدم بكسر الهاء وسكون الدال، وهو من بني عمرو بن عوف سكان قباء، وعليه نزل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم في الهجرة إلى قباء‏.‏
قيل وفي تعيين المبهم به هنا نظر، لأن في حديث عائشة في هذه القصة أنه كان أمير سرية‏.‏
وكلثوم بن الهدم مات في أوائل ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فيما ذكره الطبري وغيره من أصحاب المغازي، وذلك قبل أن يبعث السرايا‏.‏
ثم رأيت بخط بعض من تكلم على رجال العمدة كلثوم بن زهدم وعزاه لابن منده، لكن رأيت أنا بخط الحافظ رشيد الدين العطار في حواشي مبهمات الخطيب نقلا عن صفة التصوف لابن طاهر‏:‏ أخبرنا عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده عن أبيه فسماه كرز بن زهدم، فالله أعلم‏.‏
وعلى هذا فالذي كان يؤم في مسجد قباء غير أمير السرية، ويدل على تغايرهما أن في رواية الباب أنه كان يبدأ بقل هو الله أحد وأمير السرية كان يختم بها، وفي هذا أنه كان يصنع ذلك في كل ركعة ولم يصرح بذلك في قصة الآخر، وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله وأمير السرية أمر أصحابه أن يسألوه، وفي هذا أنه قال إنه يحبها فبشره بالجنة وأمير السرية قال إنها صفة الرحمن فبشره بأن الله يحبه‏.‏
والجمع بين هذا التغاير كله ممكن لولا ما تقدم من كون كلثوم بن الهدم مات قبل البعوث والسرايا، وأما من فسره بأنه قتادة بن النعمان فأبعد جدا، فإن في قصة قتادة أنه كان يقرؤها في الليل يرددها، ليس فيه أنه أم بها لا في سفر ولا في حضر، ولا أنه سئل عن ذلك ولا بشر‏.‏

وسيأتي ذلك واضحا في فضائل القرآن‏.‏
وحديث عائشة الذي أشرنا إليه أورده المصنف في أوائل كتاب التوحيد كما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مما يقرأ به‏)‏ أي من السورة بعد الفاتحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏افتتح بقل هو الله أحد‏)‏ تمسك به من قال‏:‏ لا يشترط قراءة الفاتحة، وأجيب بأن الراوي لم يذكر الفاتحة اعتناء بالعلم لأنه لا بد منها فيكون معناه افتتح بسورة بعد الفاتحة، أو كان ذلك قبل ورود الدليل الدال على اشتراط الفاتحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكلمه أصحابه‏)‏ يظهر منه أن صنيعه ذلك خلاف ما ألفوه من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكرهوا أن يؤمهم غيره‏)‏ إما لكونه من أفضلهم كما ذكر في الحديث، وإما لكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قرره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما يأمرك به أصحابك‏)‏ أي يقولون لك، ولم يرد الأمر بالصيغة المعروفة لكنه لازم من التخيير الذي ذكروه كأنهم قالوا له افعل كذا وكذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما يمنعك وما يحملك‏)‏ سأله عن أمرين فأجابه بقوله‏:‏ إني أحبها، وهو جواب عن الثاني مستلزم للأول بانضمام شيء آخر وهو إقامة السنة المعهودة في الصلاة، فالمانع مركب من المحبة والأمر المعهود، والحامل على الفعل المحبة وحدها، ودل تبشيره له بالجنة على الرضا بفعله، وعبر بالفعل الماضي في قوله ‏"‏ أدخلك ‏"‏ وإن كان دخول الجنة مستقبلا تحقيقا لوقوع ذلك، قال ناصر الدين بن المنير‏:‏ في هذا الحديث أن المقاصد تغير أحكام الفعل لأن الرجل لو قال إن الحامل له على إعادتها أنه لا يحفظ غيرها لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها، لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه‏.‏
قال‏:‏ وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه ولا يعد ذلك هجرانا لغيره، وفيه ما يشعر بأن سورة الإخلاص مكية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ فَقَالَ هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل إلى ابن مسعود‏)‏ هو نهيك بفتح النون وكسر الهاء ابن سنان البجلي، سماه منصور في روايته عن أبي وائل عند مسلم، وسيأتي من وجه آخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قرأت المفصل‏)‏ تقدم أنه من ق إلى آخر القرآن على الصحيح، وسمي مفصلا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة على الصحيح‏.‏
ولقول هذا الرجل قرأت المفصل سبب بينه مسلم في أول حديثه من رواية وكيع عن الأعمش عن أبي وائل قال‏:‏ جاء رجل يقال له نهيك بن سنان إلى عبد الله فقال‏:‏ يا أبا عبد الرحمن كيف تقرأ هذا الحرف ‏(‏من ماء غير آسن‏)‏ أو غير ياسن‏؟‏ فقال عبد الله‏:‏ كل القرآن أحصيت غير هذا، قال‏:‏ إني لأقرأ المفصل في ركعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هذا‏)‏ بفتح الهاء وتشديد الذال المعجمة، أي سردا وإفراطا في السرعة، وهو منصوب على المصدر، وهو استفهام إنكار بحذف أداة الاستفهام، وهي ثابتة في رواية منصور عند مسلم وقال ذلك لأن تلك الصفة كانت عادتهم في إنشاد الشعر‏.‏
وزاد فيه مسلم من رواية وكيع أيضا أن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وزاد أحمد عن أبي معاوية وإسحاق عن عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش فيه ‏"‏ ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع ‏"‏ وهو في رواية مسلم دون قوله نفع صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقد عرفت النظائر‏)‏ أي السور المماثلة في المعاني كالموعظة أو الحكم أو القصص، لا المتماثلة في عدد الآي، لما سيظهر عند تعيينها‏.‏
قال المحب الطبري‏:‏ كنت أظن أن المراد أنها متساوية في العد، حتى اعتبرتها فلم أجد فيها شيئا متساويا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقرن‏)‏ بضم الراء وكسرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عشرين سورة من المفصل وسورتين من آل حم في كل ركعة‏)‏ وقع في فضائل القرن من رواية واصل عن أبي وائل ‏"‏ ثماني عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم ‏"‏ وبين فيه من رواية أبي حمزة عن الأعمش أن قوله عشرين سورة إنما سمعة أبو وائل من علقمة عن عبد الله ولفظه ‏"‏ فقام عبد الله ودخل علقمة معه ثم خرج علقمة فسألناه فقال‏:‏ عشرون سورة من المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن حم الدخان وعم يتساءلون ‏"‏ ولابن خزيمة من طريق أبي خالد الأحمر عن الأعمش مثله وزاد فيه ‏"‏ فقال الأعمش‏:‏ أولهن الرحمن وآخرهن الدخان ‏"‏ ثم سردها، وكذلك سردها أبو إسحاق عن علقمة والأسود عن عبد الله فيما أخرجه أبو داود متصلا بالحديث بعد قوله ‏"‏ كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة‏:‏ الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة والذاريات والطور في ركعة والواقعة ونون في ركعة وسأل والنازعات في ركعة وويل للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى ولا أقسم في ركعة وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة وإذا الشمس كورت والدخان في ركعة ‏"‏ هذا لفظ أبي داود والآخر مثله إلا أنه لم يقل ‏"‏ في ركعة ‏"‏ في شيء منها، وذكر السورة الرابعة قبل الثالثة والعاشرة قبل التاسعة ولم يخالفه في الاقتران، وقد سردها أيضا محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي وائل فيما أخرجه الطبراني لكن قدم وأخر في بعض وحذف بعضها، ومحمد ضعيف‏.‏
وعرف بهذا أن قوله في رواية واصل ‏"‏ وسورتين من آل حم ‏"‏ مشكل لأن الروايات لم تختلف أنه ليس في العشرين من الحواميم غير الدخان فيحمل على التغليب‏.‏
أو فيه حذف كأنه قال وسورتين إحداهما من آل حم، وكذا قول في رواية أبي حمزة ‏"‏ آخرهن حم الدخان وعم يتساءلون ‏"‏ مشكل لأن حم الدخان آخرهن في جميع الروايات‏.‏
وأما عم فهي في رواية أبي خالد السابعة عشرة وفي رواية أبي إسحاق الثامنة عشرة فكأن فيه تجوزا، لأن عم وقعت في الركعتين الأخيرتين في الجملة، ويتبين بهذا أن في قوله في حديث الباب ‏"‏ عشرين سورة من المفصل ‏"‏ تجوزا لأن الدخان ليست منه، ولذلك فصلها من المفصل في رواية واصل‏.‏
نعم يصح ذلك على أحد الآراء في حد المفصل كما تقدم وكما سيأتي بيانه أيضا في فضائل القرآن‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد كراهة الإفراط في سرعة التلاوة لأنه ينافي المطلوب من التدبر والتفكر في معاني القرآن، ولا خلاف في جواز السرد بدون تدبر لكن القراءة بالتدبر أعظم أجرا، وفيه جواز تطويل الركعة الأخيرة على ما قبلها، وهذا الحديث أول حديث موصول أورده في هذا الباب، فلهذا صدر الترجمة بما دل عليه، وفيه ما ترجم له وهو الجمع بين السور لأنه إذا جمع بين السورتين ساغ الجمع بين ثلاث فصاعدا لعدم الفرق، وقد روى أبو داود وصححه ابن خزيمة من طريق عبد الله بن شقيق قال ‏"‏ سألت عائشة‏:‏ أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السور‏؟‏ قالت‏:‏ نعم من المفصل ‏"‏ ولا يخالف هذا ما سيأتي في التهجد أنه جمع بين البقرة وغيرها من الطوال، لأنه يحمل على النادر‏.‏
وقال عياض في حديث ابن مسعود هذا يدل على أن هذا القدر كان قدر قراءته غالبا، وأما تطويله فإنما كان في التدبر والترتيل، وما ورد غير ذلك من قراءة البقرة وغيرها في ركعة فكان نادرا‏.‏
قلت‏:‏ لكن ليس في حديث ابن مسعود ما يدل على المواظبة، بل فيه أنه كان يقرن بين هذه السور المعينات إذا قرأ من المفصل، وفيه موافقة لقول عائشة وابن عباس‏:‏ إن صلاته بالليل كانت عشر ركعات غير الوتر، وفيه ما يقوي قول القاضي أبي بكر المتقدم‏:‏ إن تأليف السور كان عن اجتهاد من الصحابة، لأن تأليف عبد الله المذكور مغاير لتأليف مصحف عثمان، وسيأتي ذلك في باب مفرد في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:48 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n94&p1#TOP)باب يَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب‏)‏ يعني بغير زيادة، وسكت عن ثالثة المغرب رعاية للفظ الحديث مع أن حكمها حكم الآخريين من الرباعية، ويحتمل أن يكون لم يذكرها لما رواه مالك من طريق الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق يقرأ فيها ‏(‏ربنا لا تزغ قلوبنا‏)‏ الآية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من خافت القراءة‏)‏ أي أسر‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ خافت بالقراءة ‏"‏ وهو أوجه‏.‏
ودلالة حديث خباب للترجمة واضحة، وقد تقدم الكلام على بقية فوائده قريبا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n94&p1#TOP)باب مَنْ خَافَتَ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من خافت القراءة‏)‏ أي أسر‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ خافت بالقراءة ‏"‏ وهو أوجه‏.‏
ودلالة حديث خباب للترجمة واضحة، وقد تقدم الكلام على بقية فوائده قريبا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n94&p1#TOP)باب إِذَا أَسْمَعَ الْإِمَامُ الْآيَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أسمع‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ إذا سمع ‏"‏ بتشديد الميم ‏(‏الإمام الآية‏)‏ أي في السرية، خلافا لمن قال يسجد للسهو إن كان ساهيا، وكذا لمن قال يسجد مطلقا
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى
الشرح‏:‏
حديث أبي قتادة واضح في الترجمة وقد تقدم الكلام عليه أيضا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n94&p1#TOP)باب يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يطول في الركعة الأولى‏)‏ أي في جميع الصلوات، وهو ظاهر الحديث المذكور في الباب، وقد تقدم البحث فيه أيضا، وعن أبي حنيفة يطول في أولى الصبح خاصة‏.‏
وقال البيهقي في الجمع بين أحاديث المسألة‏:‏ يطول في الأولى إن كان ينتظر أحدا وإلا فليسو بين الأوليين‏.‏
وروى عبد الرزاق نحوه عن ابن جريج عن عطاء قال‏:‏ إني لأحب أن يطول الإمام الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس، فإذا صليت لنفسي فإني أحرص على أن أجعل الأوليين سواء‏.‏
وذهب بعض الأئمة إلى استحباب تطويل الأولى من الصبح دائما، وأما غيرها فإن كان يترجى كثرة المأمومين ويبادر هو أول الوقت فينتظر وإلا فلا‏.‏
وذكر في حكمة اختصاص الصبح بذلك أنها تكون عقب النوم والراحة وفي ذلك الوقت يواطئ السمع واللسان القلب لفراغه وعدم تمكن الاشتغال بأمور المعاش وغيرها منه، والعلم عند الله‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ أبو يعفور المذكور في السند هو الأكبر، واسمه واقد بالقاف وقيل وقدان، وجزم النووي في شرح مسلم بأنه الأصغر واسمه عبد الرحمن بن عبيد، وبالأول جزم أبو علي الجياني والمزي وغيرهما وهو الصواب
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n94&p1#TOP)باب جَهْرِ الْإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ
وَقَالَ عَطَاءٌ آمِينَ دُعَاءٌ أَمَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُنَادِي الْإِمَامَ لَا تَفُتْنِي بِآمِينَ وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَدَعُهُ وَيَحُضُّهُمْ وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب جهر الإمام بالتأمين‏)‏ أي بعد الفاتحة في الجهر، والتأمين مصدر أمن بالتشديد أي قال آمين وهي بالمد والتخفيف في جميع الروايات وعن جميع القراء، وحكى الواحدي عن حمزة والكسائي الإمالة، وفيها ثلاث لغات أخرى شاذة‏:‏ القصر حكاه ثعلب وأنشد له شاهدا، وأنكره ابن درستويه وطعن في الشاهد بأنه لضرورة الشعر، وحكى عياض ومن تبعه عن ثعلب أنه إنما أجازه في الشعر خاصة‏.‏
والتشديد مع المد والقصر‏.‏
وخطأهما جماعة من أهل اللغة‏.‏
وآمين من أسماء الأفعال مثل صه للسكوت، وتفتح في الوصل لأنها مبنية بالاتفاق مثل كيف، وإنما لم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء ومعناها اللهم استجب عند الجمهور، وقيل غير ذلك مما يرجع جميعه إلى هذا المعنى، كقول من قال‏:‏ معناه اللهم آمنا بخير، وقيل كذلك يكون، وقيل درجة في الجنة تجب لقائلها، وقيل لمن استجيب له كما استجيب للملائكة، وقيل هو اسم من أسماء الله تعالى رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة بإسناد ضعيف وعن هلال بن يساف التابعي مثله، وأنكره جماعة‏.‏
وقال من مد وشدد‏:‏ معناها قاصدين إليك ونقل ذلك عن جعفر الصادق؛ وقال من قصر وشدد‏:‏ هي كلمة عبرانية أو سريانية‏.‏
وعند أبي داود من حديث أبي زهير النميري الصحابي أن آمين مثل الطابع على الصحيفة، ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن ختم بآمين فقد أوجب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء إلى قوله بآمين‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال‏:‏ قلت له أكان ابن الزبير يؤمن على أثر أم القرآن‏؟‏ قال‏:‏ نعم ويؤمن من وراءه؛ حتى إن للمسجد للجة‏.‏
ثم قال‏:‏ إنما آمين دعاء‏.‏
قال‏:‏ وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإمام فيناديه فيقول‏:‏ لا تسبقني بآمين‏.‏
وقوله حتى إن بكسر الهمزة للمسجد أي لأهل المسجد للجة اللام للتأكيد واللجة قال أهل اللغة‏:‏ الصوت المرتفع، وروى ‏"‏ للجبة ‏"‏ بموحدة وتخفيف الجيم حكاه ابن التين، وهي الأصوات المختلطة‏.‏
ورواه البيهقي ‏"‏ لرجة ‏"‏ بالراء بدل اللام كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا تفتني‏)‏ بضم الفاء وسكون المثناة، وحكى بعضهم عن بعض النسخ بالفاء والشين المعجمة ولم أر ذلك في شيء من الروايات، وإنما فيها بالمثناة من الفوات وهي بمعنى ما تقدم عند عبد الرزاق من السبق، ومراد أبي هريرة أن يؤمن مع الإمام داخل الصلاة، وقد تمسك به بعض المالكية في أن الإمام لا يؤمن وقال‏:‏ معناه لا تنازعني بالتأمين الذي هو من وظيفة المأموم، وهذا تأويل بعيد، وقد جاء عن أبي هريرة وجه آخر أخرجه البيهقي من طريق حماد عن ثابت عن أبي رافع قال‏:‏ كان أبو هريرة يؤذن لمروان، فاشترط أن لا يسبقه بالضالين حتى يعلم أنه دخل في الصف، وكأنه كان يشتغل بالإقامة وتعديل الصفوف، وكان مروان يبادر إلى الدخول في الصلاة قبل فراغ أبي هريرة وكان أبو هريرة ينهاه عن ذلك، وقد وقع له ذلك مع غير مروان‏:‏ فروى سعيد بن منصور من طريق محمد بن سيربن أن أبا هريرة كان مؤذنا بالبحرين وأنه اشترط على الإمام أن لا يسبقه بآمين، والإمام بالبحرين كان العلاء بن الحضرمي، بينه عبد الرزاق من طريق أبي سلمة عنه، وقد روى نحو قول أبي هريرة عن بلال أخرجه أبو داود من طريق أبي عثمان عن بلال أنه قال ‏"‏ يا رسول الله، لا تستبقني بآمين ‏"‏ ورجاله ثقات‏.‏
لكن قيل إن أبا عثمان لم يلق بلالا، وقد روي عنه بلفظ ‏"‏ أن بلالا قال ‏"‏ وهو ظاهر الإرسال، ورجحه الدار قطني وغيره على الموصول، وهذا الحديث يضعف التأويل السابق لأن بلالا لا يقع منه ما حمل هذا القائل كلام أبي هريرة عليه، وتمسك به بعض الحنفية بأن الإمام يدخل في الصلاة قبل فراغ المؤذن من الإقامة، وفيه نظر لأنها واقعة عين وسببها محتمل فلا يصح التمسك بها، قال ابن المنير‏:‏ مناسبة قول عطاء للترجمة أنه حكم بأن التأمين دعاء فاقتضى ذلك أن يقوله الإمام لأنه في مقام الداعي، بخلاف قول المانع إنها جواب للدعاء فيختص بالمأموم، وجوابه أن التأمين قائم مقام التلخيص بعد البسط، فالداعي فصل المقاصد بقوله‏:‏ ‏(‏اهدنا الصراط المستقيم‏)‏ إلى آخره، والمؤمن أتى بكلمة تشمل الجميع فإن قالها الإمام فكأنه دعا مرتين مفصلا ثم مجملا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال نافع الخ‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا نافع أن ابن عمر كان إذا ختم أم القرآن قال آمين لا يدع أن يؤمن إذا ختمها ويحضهم على قولها، قال ‏"‏ وسمعت منه في ذلك خيرا‏"‏‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏ويحضهم‏)‏ بالضاد المعجمة، و قوله‏:‏ ‏(‏خيرا‏)‏ بسكون التحتانية أي فضلا وثوابا وهي رواية الكشميهني، ولغيره ‏"‏ خيرا ‏"‏ بفتح الموحدة أي حديثا مرفوعا، ويشعر به ما أخرجه البيهقي ‏"‏ كان ابن عمر إذا أمن الناس أمن معهم ويرى ذلك من السنة‏"‏‏.‏
ورواية عبد الرزاق مثل الأول، وكذلك رويناه في فوائد يحيى بن معين قال حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج، ومناسبة أثر ابن عمر من جهة أنه كان يؤمن إذا ختم الفاتحة، وذلك أعم من أن يكون إماما أو مأموما‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ آمِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شهاب‏)‏ في الترمذي من طريق زيد بن الحباب عن مالك ‏"‏ أخبرنا ابن شهاب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنهما أخبراه‏)‏ ظاهره أن لفظهما واحد، لكن سيأتي في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة مغايرة يسيرة للفظ الزهري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا أمن الإمام فأمنوا‏)‏ ظاهر في أن الإمام يؤمن، وقيل معناه إذا دعا، والمراد دعاء الفاتحة من قوله‏:‏ ‏(‏اهدنا‏)‏ إلى آخره بناء على أن التأمين دعاء‏.‏
وقيل معناه إذا بلغ إلى موضع استدعى التأمين وهو قوله‏:‏ ‏(‏ولا الضالين‏)‏ ويرد ذلك التصريح بالمراد في حديث الباب، واستدل به على مشروعية التأمين للإمام، قيل وفيه نظر لكونها قضية شرطية، وأجيب بأن التعبير بإذا يشعر بتحقيق الوقوع، وخالف مالك في إحدى الروايتين عنه وهي رواية ابن القاسم فقال‏:‏ لا يؤمن الإمام في الجهرية‏.‏
وفي رواية عنه لا يؤمن مطلقا‏.‏
وأجاب عن حديث ابن شهاب هذا بأنه لم يره في حديث غيره، وهي علة غير قادحة فإن ابن شهاب إمام لا يضره التفرد، مع ما سيذكر قريبا أن ذلك جاء في حديث غيره، ورجح بعض المالكية كون الإمام لا يؤمن من حيث المعنى بأنه داع فناسب أن يختص المأموم التأمين، وهذا يجيء على قولهم إنه لا قراءة على المأموم، وأما من أوجبها عليه فله أن يقول‏:‏ كما اشتركا في القراءة فينبغي أن يشتركا في التأمين، ومنهم من أول قوله ‏"‏ إذا أمن الإمام ‏"‏ فقال‏:‏ معناه دعا، قال وتسمية الداعي مؤمنا سائغة لأن المؤمن يسمى داعيا كما جاء في قوله تعالى ‏(‏قد أجيبت دعوتكما‏)‏ وكان موسى داعيا وهارون مؤمنا كما رواه ابن مردويه من حديث أنس، وتعقب بعدم الملازمة فلا يلزم من تسمية المؤمن داعيا عكسه قاله ابن عبد البر، على أن الحديث في الأصل لم يصح، ولو صح فإطلاق كون هارون داعيا إنما هو للتغليب‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ معنى قوله ‏"‏ إذا أمن ‏"‏ بلغ موضع التأمين كما يقال أنجد إذا بلغ نجدا وإن لم يدخلها، قال ابن العربي‏:‏ هذا بعيد لغة وشرعا‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ وهذا مجاز، فإن وجد دليل يرجحه عمل به وإلا فالأصل عدمه‏.‏
قلت‏:‏ استدلوا له برواية أبي صالح عن أبي هريرة الآتية بعد باب بلفظ ‏"‏ إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين ‏"‏ قالوا فالجمع بين الرواتين يقتضي حمل قوله ‏"‏ إذا أمن ‏"‏ على المجاز‏.‏
وأجاب الجمهور - على تسليم المجاز المذكور - بأن المراد بقوله إذا أمن أي أراد التأمين ليتوافق تأمين الإمام والمأموم معا، ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها الإمام، وقد ورد التصريح بأن الإمام يقولها وذلك في رواية، ويدل على خلاف تأويلهم رواية معمر عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ ‏"‏ إذا قال الإمام ولا الضالين فقالوا آمين فإن الملائكة تقول آمين وإن الإمام يقول آمين ‏"‏ الحديث، أخرجه أبو داود والنسائي والسراج وهو صريح في كون الإمام يؤمن‏.‏
وقيل في الجمع بينهما‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين ‏"‏ أي ولو لم يقل الإمام آمين، وقيل يؤخذ من الخبرين تخيير المأموم في قولها مع الإمام أو بعده قاله الطبري، وقيل الأول لمن قرب من الإمام والثاني لمن تباعد عنه، لأن جهر الإمام بالتأمين أخفض من جهره بالقراءة، فقد يسمع قراءته من لا يسمع تأمينه، فمن سمع تأمينه أمن معه، وإلا يؤمن إذا سمعه يقول ولا الضالين لأنه وقت تأمينه قاله الخطابي‏.‏
وهذه الوجوه كلها محتملة وليست بدون الوجه الذي ذكروه، وقد رده ابن شهاب بقوله ‏"‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين ‏"‏ كأنه استشعر التأويل المذكور فبين أن المراد بقوله ‏"‏ إذا أمن ‏"‏ حقيقة التأمين، وهو وإن كان مرسلا فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة راويه كما سيأتي بعد باب، وإذا ترجح أن الإمام يؤمن فيجهر به في الجهرية كما ترجم به المصنف وهو قول الجمهور، خلافا للكوفيين ورواية عن مالك فقال‏:‏ يسر به مطلقا‏.‏
ووجه الدلالة من الحديث أنه لو لم يكن التأمين مسموعا للمأموم لم يعلم به وقد علق تأمينه بتأمينه، وأجابوا بأن موضعه معلوم فلا يستلزم الجهر به وفيه نظر لاحتمال أن يخل به فلا يستلزم علم المأموم به، وقد روى روح بن عبادة عن مالك في هذا الحديث قال ابن شهاب ‏"‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال ولا الضالين جهر بآمين ‏"‏ أخرجه السراج، ولابن حبان من رواية الزبيدي في حديث الباب عن ابن شهاب ‏"‏ كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال آمين ‏"‏ وللحميدي من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه بلفظ ‏"‏ إذا قال ولا الضالين ‏"‏ ولأبي داود من طريق أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة مثله وزاد ‏"‏ حتى يسمع من يليه من الصف الأول ‏"‏ ولأبي داود وصححه ابن حبان من حديث وائل ابن حجر نحو رواية الزبيدي، وفيه رد على من أومأ إلى النسخ فقال‏:‏ إنما كان صلى الله عليه وسلم يجهر بالتأمين في ابتداء الإسلام ليعلمهم فإن وائل بن حجر إنما أسلم في أواخر الأمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمنوا‏)‏ استدل به على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام لأنه رتب عليه بالفاء، لكن تقدم في الجمع بين الروايتين أن المراد المقارنة وبذلك قال الجمهور‏.‏
وقال الشيخ أبو محمد الجويني‏:‏ لا تستحب مقارنة الإمام في شيء من الصلاة غيره، قال إمام الحرمين‏:‏ يمكن تعليله بأن التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه، فلذلك لا يتأخر عنه وهو واضح‏.‏
ثم إن هذا الأمر عند الجمهور للندب، وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم عملا بظاهر الأمر، قال‏:‏ وأوجبه الظاهرية على كل مصل ثم في مطلق أمر المأموم بالتأمين أنه يؤمن ولو كان مشتغلا بقراءة الفاتحة، وبه قال أكثر الشافعية‏.‏
ثم اختلفوا هل تنقطع بذلك الموالاة‏؟‏ على وجهين‏:‏ أصحهما لا تنقطع لأنه مأمور بذلك لمصلحة الصلاة، بخلاف الأمر الذي لا يتعلق بها كالحمد للعاطس صلى الله عليه وسلم والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإنه من وافق‏)‏ زاد يونس عن ابن شهاب عند مسلم ‏"‏ فإن الملائكة تؤمن ‏"‏ قبل قوله ‏"‏ فمن وافق ‏"‏ وكذا لابن عيينة عن ابن شهاب كما سيأتي في الدعوات، وهو دال على أن المراد الموافقة في القول والزمان، خلافا لمن قال المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حبان فإنه لما ذكر الحديث قال‏:‏ يريد موافقة الملائكة في الإخلاص بغير إعجاب، وكذا جنح إليه غيره فقال نحو ذلك من الصفات المحمودة، أو في إجابة الدعاء، أو في الدعاء بالطاعة خاصة، أو المراد بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها، لأن الملائكة لا غفلة عندهم، فمن وافقهم كان متيقظا‏.‏
ثم إن ظاهره أن المراد الملائكة جميعهم، واختاره ابن بزيزة‏.‏
وقيل‏:‏ الحفظة منهم، وقيل الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا إنهم غير الحفظة‏.‏
والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء‏.‏
وسيأتي في رواية الأعرج بعد باب ‏"‏ وقالت الملائكة في السماء آمين ‏"‏ وفي رواية محمد بن عمرو الآتية أيضا ‏"‏ فوافق ذلك قول أهل السماء ‏"‏ ونحوها لسهيل عن أبيه عند مسلم، وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال ‏"‏ صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء، فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد ‏"‏ انتهى‏.‏
ومثله لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏ ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية، وهو محمول عند العلماء على الصغائر، وقد تقدم البحث في ذلك في الكلام على حديث عثمان فيمن توضأ كوضوئه صلى الله عليه وسلم في كتاب الطهارة‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ وقع في أمالي الجرجاني عن أبي العباس الأصم عن بحر بن نصر عن ابن وهب عن يونس في آخر هذا الحديث ‏"‏ وما تأخر ‏"‏ وهي زيادة شاذة فقد رواه ابن الجارود في المنتقى عن بحر بن نصر بدونها، وكذا رواه مسلم عن حرملة وابن خزيمة عن يونس بن عبد الأعلى كلاهما عن ابن وهب وكذلك في جميع الطرق عن أبي هريرة إلا أني وجدته في بعض النسخ من ابن ماجه عن هشام بن عمار وأبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن ابن عيينة بإثباتها، ولا يصح، لأن أبا بكر قد رواه في مسنده ومصنفه بدونها، وكذلك حفاظ أصحاب ابن عيينة الحميدي وابن المديني وغيرهما‏.‏
وله طريق أخرى ضعيفة من رواية أبي فروة محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه عن عثمان والوليد ابني ساج عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب‏)‏ هو متصل إليه برواية مالك عنه، وأخطأ من زعم أنه معلق‏.‏
ثم هو من مراسيل ابن شهاب، وقد قدمنا وجه اعتضاده‏.‏
وروي عنه موصولا أخرجه الدار قطني في الغرائب والعلل من طريق حفص بن عمر العدني عن مالك عنه‏.‏
وقال الدار قطني‏:‏ تفرد به حفص بن عمر وهو ضعيف، وفي الحديث حجة على الإمامية صلى الله عليه وسلم في قولهم إن التأمين يبطل الصلاة، لأنه ليس بلفظ قرآن ولا ذكر، ويمكن أن يكون مستندهم ما نقل عن جعفر الصادق أن معنى آمين أي قاصدين إليك، وبه تمسك من قال إنه بالمد والتشديد، وصرح المتولي من الشافعية بأن من قاله هكذا بطلت صلاته‏.‏
وفيه فضيلة الإمام لأن تأمين الإمام يوافق تأمين الملائكة، ولهذا شرعت للمأموم موافقته‏.‏
وظاهر سياق الأمر أن المأموم إنما يؤمن إذا أمن الإمام لا إذا ترك‏.‏
وقال به بعض الشافعية كما صرح به صاحب ‏"‏ الذخائر ‏"‏ وهو مقتضى إطلاق الرافعي الخلاف‏.‏
وادعى النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ الاتفاق على خلافه، ونص الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏ على أن المأموم يؤمن ولو تركه الإمام عمدا أو سهوا، واستدل به القرطبي على تعيين قراءة الفاتحة للإمام، وعلى أن المأموم ليس عليه أن يقرأ فيما جهر به إمامه، فأما الأول فكأنه أخذه من أن التأمين مختص بالفاتحة فظاهر السياق يقتضي أن قراءة الفاتحة كان أمرا معلوما عندهم، وأما الثاني فقد يدل على أن المأموم لا يقرأ الفاتحة حال قراءة الإمام لها لا أنه لا يقرؤها أصلا‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:50 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n95&p1#TOP)باب فَضْلِ التَّأْمِينِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل التأمين‏)‏ أورد فيه رواية الأعرج لأنها مطلقة غير مقيدة بحال الصلاة‏.‏
قال ابن المنير‏:‏ وأي فضل أعظم من كونه قولا يسيرا لا كلفه فيه، ثم قد ترتبت عليه المغفرة ا هـ‏.‏
‏"‏ 1258 ‏"‏ ويؤخذ منه مشروعية التأمين لكل من قرأ الفاتحة سواء كان داخل الصلاة أو خارجها لقوله ‏"‏ إذا قال أحدكم ‏"‏ لكن في رواية مسلم من هذا الوجه ‏"‏ إذا قال أحدكم في صلاته ‏"‏ فيحمل المطلق على المقيد‏.‏
نعم في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد - وساق مسلم إسنادها - ‏"‏ إذا أمن القارئ فأمنوا ‏"‏ فهذا يمكن حمله على الإطلاق فيستحب التأمين إذا أمن القارئ مطلقا لكل من سمعه من مصل أو غيره‏.‏
ويمكن أن يقال‏:‏ المراد بالقارئ الإمام إذا قرأ الفاتحة‏.‏
فإن الحديث واحد اختلفت ألفاظه‏.‏
واستدل به بعض المعتزلة على أن الملائكة أفضل من الآدميين، وسيأتي البحث في ذلك في ‏"‏ باب الملائكة ‏"‏ من بدء الخلق إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n95&p1#TOP)باب جَهْرِ الْمَأْمُومِ بِالتَّأْمِينِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب جهر المأموم بالتأمين‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية المستملي والحموي ‏"‏ جهر الإمام بآمين ‏"‏ والأول هو الصواب لئلا يتكرر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏مولى أبي بكر‏)‏ أي ابن عبد الرحمن بن الحارث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا قال الإمام الخ‏)‏ استدل به على أن الإمام لا يؤمن، وقد تقدم البحث فيه قبل، قال الزين بن المنير‏:‏ مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن في الحديث الأمر بقول آمين، والقول إذا وقع به الخطاب مطلقا حمل على الجهر، ومتى أريد به الإسرار أو حديث النفس قيد بذلك‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ تؤخذ المناسبة منه من جهات‏:‏ منها أنه قال ‏"‏ إذا قال الإمام فقولوا ‏"‏ فقابل القول بالقول، والإمام إنما قال ذلك جهرا فكان الظاهر الاتفاق في الصفة‏.‏
ومنها أنه قال ‏"‏ فقولوا ‏"‏ ولم يقيده بجهر ولا غيره، وهو مطلق في سياق الإثبات، وقد عمل به في الجهر بدليل ما تقدم يعني في مسألة الإمام، والمطلق إذا عمل به في صورة لم يكن حجة في غيرها باتفاق‏.‏
ومنها أنه تقدم أن المأموم مأمور بالاقتداء بالإمام، وقد تقدم أن الإمام يجهر فلزم جهره بجهره ا هـ‏.‏
وهذا الأخير سبق إليه ابن بطال، وتعقب بأنه يستلزم أن يجهر المأموم بالقراءة لأن الإمام جهر بها، لكن يمكن أن ينفصل عنه بأن الجهر بالقراءة خلف الإمام قد نهى عنه، فبقي التأمين داخلا تحت عموم الأمر باتباع الإمام، ويتقوى ذلك بما تقدم عن عطاء أن من خلف ابن الزبير كانوا يؤمنون جهرا، وروى البيهقي من وجه آخر عن عطاء قال ‏"‏ أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد إذا قال الإمام ولا الضالين سمعت لهم رجة بآمين‏"‏‏.‏
والجهر للمأموم ذهب إليه الشافعي في القديم وعليه الفتوى‏.‏
وقال الرافعي‏:‏ قال الأكثر في المسألة قولان أصحهما أنه يجهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه محمد بن عمرو‏)‏ أي علقمة الليثي، ومتابعته وصلها أحمد والدارمي عن يزيد بن هارون وابن خزيمة من طريق إسماعيل بن جعفر والبيهقي من طريق النضر بن شميل ثلاثتهم عن محمد بن عمرو نحو رواية سمي عن أبي صالح‏.‏
وقال في روايته ‏"‏ فوافق ذلك قول أهل السماء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونعيم المجمر‏)‏ بالرفع عطفا على محمد بن عمرو، وأغرب الكرماني فقال‏:‏ حاصله أن سميا ومحمد بن عمرو ونعيما ثلاثتهم روى عنهم مالك هذا الحديث، لكن الأول والثاني رويا عن أبي هريرة بالواسطة ونعيم بدونها، وهذا جزم منه بشيء لا يدل عليه السياق، ولم يرو مالك طريق نعيم ولا طريق محمد بن عمرو أصلا، وقد ذكرنا من وصل طريق محمد، وأما طريق نعيم فرواها النسائي وابن خزيمة والسراج وابن حبان وغيرهم من طريق سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر قال ‏"‏ صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين فقال آمين وقال الناس آمين، ويقول كلما سجد الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال الله أكبر، ويقول إذا سلم‏:‏ والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ بوب النسائي عليه ‏"‏ الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ‏"‏ وهو أصح حديث ورد في ذلك، وقد تعقب استدلاله باحتمال أن يكون أبو هريرة أراد بقوله ‏"‏ أشبهكم ‏"‏ أي في معظم الصلاة لا في جميع أجزائها، وقد رواه جماعة غير نعيم عن أبي هريرة بدون ذكر البسملة كما سيأتي قريبا، والجواب أن نعيما ثقة فتقبل زيادته، والخبر ظاهر في جميع الأجزاء فيحمل على عمومه حتى يثبت دليل يخصصه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ عرف مما ذكرناه أن متابعة نعيم في أصل إثبات التأمين فقط، بخلاف متابعة محمد بن عمرو، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n95&p1#TOP)باب إِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا ركع دون الصف‏)‏ كان اللائق إيراد هذه الترجمة في أبواب الإمامة، وقد سبق هناك ترجمة ‏"‏ المرأة وحدها تكون صفا ‏"‏ وذكرت هناك أن ابن بطال استدل بحديث أنس المذكور فيه في صلاة أم سليم لصحة صلاة المنفرد خلف الصف إلحاقا للرجل بالمرأة، ثم وجدته مسبوقا بالاستدلال به عن جماعة من كبار الأئمة، لكنه متعقب، وأقدم من وقفت على كلامه ممن تعقبه ابن خزيمة فقال‏:‏ لا يصح الاستدلال به لأن صلاة المرء خلف الصف وحده منهي عنها باتفاق ممن يقول تجزئه أو لا تجزئه، وصلاة المرأة وحدها إذا لم يكن هناك امرأة أخرى مأمور بها باتفاق، فكيف يقاس مأمور على منهي‏؟‏ والظاهر أن الذي استدل به نظر إلى مطلق الجواز حملا للنهي على التنزيه والأمر على الاستحباب‏.‏
وقال ناصر الدين ابن المنير‏:‏ هذه الترجمة مما نوزع فيها البخاري حيث لم يأت‏:‏ بجواب ‏"‏ إذا ‏"‏ لإشكال الحديث واختلاف العلماء في المراد بقوله ‏"‏ ولا تعد‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ الْأَعْلَمِ وَهُوَ زِيَادٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الأعلم هو زياد‏)‏ في رواية عن عفان عن همام حدثنا زياد الأعلم أخرجه ابن أبي شيبة، وزياد هو ابن حسان بن قرة الباهلي من صغار التابعين، قيل له الأعلم لأنه كان مشقوق الشفة، والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الحسن‏)‏ هو البصري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بكرة‏)‏ هو الثقفي، وقد أعله بعضهم بأن الحسن عنعنه، وقيل إنه لم يسمع من أبي بكرة وإنما يروى عن الأحنف عنه، ورد هذا الإعلال برواية سعيد بن أبي عروبة عن الأعلم قال ‏"‏ حدثني الحسن أن أبا بكرة حدثه ‏"‏ أخرجه أبو داود والنسائي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية سعيد المذكورة ‏"‏ أنه دخل المسجد ‏"‏ زاد الطبراني من رواية عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه ‏"‏ وقد أقيمت الصلاة فانطلق يسعى ‏"‏ وللطحاوي من رواية حماد بن سلمة عن الأعلم ‏"‏ وقد حفزه النفس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكر ذلك‏)‏ في رواية حماد عند الطبراني ‏"‏ فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أيكم دخل الصف وهو راكع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏زادك الله حرصا‏)‏ أي على الخير، قال ابن المنير صوب النبي صلى الله عليه وسلم فعل أبي بكرة من الجهة العامة وهي الحرص على إدراك فضيلة الجماعة، وخطأه من الجهة الخاصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا تعد‏)‏ أي إلى ما صنعت من السعي الشديد ثم الركوع دون الصف ثم من المشي إلى الصف، وقد ورد ما يقتضي ذلك صريحا في طرق حديثه كما تقدم بعضها‏.‏
وفي رواية عبد العزيز المذكورة ‏"‏ فقال من الساعي ‏"‏ وفي رواية يونس بن عبيد عن الحسن عن الطبراني ‏"‏ فقال أيكم صاحب هذا النفس‏؟‏ قال‏:‏ خشيت أن تفوتني الركعة معك ‏"‏ وله من وجه آخر عنه في آخر الحديث ‏"‏ صل ما أدركت واقض ما سبقك ‏"‏ وفي رواية حماد عند أبي داود وغيره ‏"‏ أيكم الراكع دون الصف ‏"‏ وقد تقدم من روايته قريبا ‏"‏ أيكم دخل نصف وهو راكع ‏"‏ وتمسك المهلب بهذه الرواية الأخيرة فقال‏:‏ إنما قال له ‏"‏ لا تعد ‏"‏ لأنه مثل بنفسه في مشيه راكعا لأنها كمشية البهائم ا ه‏.‏
ولم ينحصر النهي في ذلك كما حررته، ولو كان منحصرا لاقتضى ذلك عدم الكراهة في إحرام المنفرد خلف الصف، وقد تقدم نقل الاتفاق على كراهيته، وذهب إلى تحريمه أحمد وإسحاق وبعض محدثي الشافعية كابن خزيمة، واستدلوا بحديث وابصة بن معبد ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة ‏"‏ أخرجه أصحاب السنن وصححه أحمد وابن خزيمة وغيرهما‏.‏
ولابن خزيمة أيضا من حديث علي بن شيبان نحوه وزاد ‏"‏ لا صلاة لمنفرد خلف الصف ‏"‏ واستدل الشافعي وغيره بحديث أبي بكرة على أن الأمر في حديث وابصة للاستحباب لكون أبي بكرة أتى بجزء من الصلاة خلف الصف ولم يؤمر بالإعادة، لكن نهى عن العود إلى ذلك، فكأنه أرشد إلى ما هو الأفضل‏.‏
وروى البيهقي من طريق المغيرة عن إبراهيم فيمن صلى خلف الصف وحده فقال‏:‏ صلاته تامة وليس له تضعيف، وجمع أحمد وغيره بين الحديثين بوجه آخر، وهو أن حديث أبي بكرة مخصص لعموم حديث وابصة، فمن ابتدأ الصلاة منفردا خلف الصف ثم دخل في الصف قبل القيام من الركوع لم تجب عليه الإعادة كما في حديث أبي بكرة، وإلا فتجب على عموم حديث وابصة وعلي بن شيبان‏.‏
واستنبط بعضهم من قوله ‏"‏ لا تعد ‏"‏ أن ذلك الفعل كان جائزا ثم ورد النهي عنه بقوله لا تعد، فلا يجوز العود إلى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهذه طريقة البخاري في ‏"‏ جزء القراءة خلف الإمام ‏"‏ ويؤخذ مما حررته جواب من قال‏:‏ لم لا دعا له بعدم العود إلى ذلك كما دعا له بزيادة الحرص‏؟‏ وأجاب بأنه جوز أنه ربما تأخر في أمر يكون أفضل من إدراك أول الصلاة ا ه‏.‏
وهو مبني على أن النهي إنما وقع عن التأخير وليس كذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ ولا تعدل ‏"‏ ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود، وحكى بعض شراح المصابيح أنه روى بضم أوله وكسر العين من الإعادة، ويرجح الرواية المشهورة ما تقدم من الزيادة في آخره عند الطبراني ‏"‏ صل ما أشركت واقض ما سبقك ‏"‏ وروى الطحاوي بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف ‏"‏ واستدل بهذا الحديث على استحباب موافقة الداخل للإمام على أي حال وجده عليها، وقد ورد الأمر بذلك صريحا في سنن سعيد بن منصور من رواية عبد العزيز بن رفيع عن أناس من أهل المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ من وجدني قائما أو راكعا أو ساجدا فليكن معي على الحال التي أنا عليها ‏"‏ وفي الترمذي نحوه عن علي ومعاذ بن جبل مرفوعا وفي إسناده ضعف، لكنه ينجبر بطريق سعيد بن منصور المذكورة‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:52 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n95&p1#TOP)باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إتمام التكبير في الركوع‏)‏ أي مده بحيث ينتهي بتمامه، أو المراد إتمام عدد تكبيرات الصلاة بالتكبير في الركوع قاله الكرماني‏.‏
قلت‏:‏ ولعله أراد بلفظ الإتمام الإشارة إلى تضعيف ما رواه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن أبزى قال ‏"‏ صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتم التكبير ‏"‏ وقد نقل البخاري في التاريخ عن داود الطيالسي أنه قال‏:‏ هذا عندنا باطل‏.‏
وقال الطبري والبزار‏:‏ تفرد به الحسن بن عمران وهو مجهول، وأجيب على تقدير صحته بأنه فعل ذلك لبيان الجواز، أو المراد لم يتم الجهر به أو لم يمده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي الإتمام ومراده أنه قال ذلك بالمعنى، لأنه أشار بذلك إلى حديثه الموصول في آخر الباب الذي بعده وفيه قوله لعكرمة لما أخبره عن الرجل الذي كبر في الظهر ثنتين وعشرين تكبيرة ‏"‏ إنها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فيستلزم ذلك أنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم إتمام التكبير، لأن الرباعية لا يقع فيها لذاتها أكثر من ذلك، ومن لازم ذلك التكبير في الركوع‏.‏
وهذا يبعد الاحتمال الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفيه مالك بن الحويرث‏)‏ أي يدخل في الباب حديث مالك، وقد أورده المؤلف بعد أبواب في ‏"‏ باب المكث بين السجدتين ‏"‏ ولفظه ‏"‏ فقام ثم ركع فكبر‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلَاةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد‏)‏ هو الطحان، والجريري هو سعيد، وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير أخو مطرف الذي روى هذا الحديث عنه، والإسناد كله بصريون وفيه رواية الأقران والإخوة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلى‏)‏ أي عمران ‏(‏مع علي‏)‏ أي ابن أبي طالب ‏(‏بالبصرة‏)‏ يعني بعد وقعة الجمل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذكرنا‏)‏ بتشديد الكاف وفتح الراء، وفيه إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره كان قد ترك، وقد روى أحمد والطحاوي بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال ‏"‏ ذكرنا علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما نسيناها وإما تركناها عمدا ‏"‏ ولأحمد من وجه آخر عن مطرف قال‏:‏ قلنا - يعني لعمران بن حصين - يا أبا نجيد، هو بالنون والجيم مصغر، من أول من ترك التكبير‏؟‏ قال‏:‏ عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته‏.‏
وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر‏.‏
وروى الطبراني عن أبي هريرة أن أول من ترك التكبير معاوية‏.‏
وروى أبو عبيد أن أول من تركه زياد‏.‏
وهذا لا ينافي الذي قبله لأن زيادا تركه بترك معاوية، وكأن معاوية تركه بترك عثمان‏.‏
وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء، ويرشحه حديث أبي سعيد الآتي في ‏"‏ باب يكبر وهو ينهض من السجدتين‏"‏، لكن حكى الطحاوي أن قوما كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع، قال‏:‏ وكذلك كانت بنو أمية تفعل، وروى ابن المنذر نحوه عن ابن عمر وعن بعض السلف أنه كان لا يكبر سوى تكبيرة الإحرام، وفرق بعضهم بين المنفرد وغيره، ووجهه بأن التكبير شرع للإيذان بحركة الإمام فلا يحتاج إليه المنفرد، لكن استقر الأمر على مشروعية التكبير في الخفض والرفع لكل مصل، فالجمهور على ندبية ما عدا تكبيرة الإحرام‏.‏
وعن أحمد وبعض أهل العلم بالظاهر يجب كله صلى الله عليه وسلم قال ناصر الدين بن المنير‏:‏ الحكمة في مشروعية التكبير في الخفض والرفع أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير، وكان من حقه أن يستصحب النية إلى آخر الصلاة، فأمر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي هو شعار النية صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كلما رفع وكلما وضع‏)‏ هو عام في جميع الانتقالات في الصلاة، لكن خص منه الرفع من الركوع بالإجماع فإنه شرع فيه التحميد، وقد جاء بهذا اللفظ العام أيضا من حديث أبي هريرة في الباب، ومن حديث أبي موسى الذي ذكرناه عند أحمد والنسائي، ومن حديث ابن مسعود عن الدارمي والطحاوي، ومن حديث ابن عباس في الباب الذي بعده، ومن حديث ابن عمر عند أحمد والنسائي، ومن حديث عبد الله بن زيد عند سعيد بن منصور، ومن حديث وائل بن حجر عند ابن حبان، ومن حديث جابر عند البزار، وسيأتي مفسرا من حديث أبي هريرة فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏يصلي بهم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يصلي لهم‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:54 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n95&p1#TOP)باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي السُّجُودِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إتمام التكبير في السجود‏)‏ فيه ما تقدم في الذي قبله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَقَالَ قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حماد‏)‏ هو ابن زيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صليت خلف علي بن أبي طالب أنا وعمران‏)‏ استدل به على أن موقف الاثنين يكون خلف الإمام خلافا لمن قال يجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وفيه نظر لأنه ليس فيه أنه لم يكن معهما غيرهما‏.‏
وقد تقدم أن ذلك كان بالبصرة وكذا رواه سعيد بن منصور من رواية حميد بن هلال عن عمران، ووقع لأحمد من طريق سعيد بن أبي عروبة عن غيلان بالكوفة، وكذا لعبد الرزاق عن معمر عن قتادة وغير واحد عن مطرف، فيحتمل أن يكون ذلك وقع منه بالبلدين، وقد ذكره في رواية أبي العلاء بصيغة العموم وهنا بذكر السجود والرفع والنهوض من الركعتين فقط ففيه إشعار بأن هذه المواضع الثلاثة هي التي كان ترك التكبير فيها حتى تذكرها عمران بصلاة علي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قد ذكرني‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ لقد ذكرني‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو قال‏)‏ هو شك من أحد رواته، ويحتمل أن يكون من حماد فقد رواه أحمد من رواية سعيد بن أبي عروبة بلفظ ‏"‏ صلى بنا هذا مثل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولم يشك‏.‏
وفي رواية قتادة عن مطرف قال عمران ‏"‏ ما صليت منذ حين أو منذ كذا وكذا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الصلاة ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ ترك النكير على من ترك التكبير يدل على أن السلف لم يتلقوه على أنه ركن من الصلاة، وأشار الطحاوي إلى أن الإجماع استقر على أن من تركه فصلاته تامة، وفيه نظر لما تقدم عن أحمد، والخلاف في بطلان الصلاة بتركه ثابت في مذهب مالك إلا أن يريد إجماعا سابقا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا عِنْدَ الْمَقَامِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أو ليس تِلْكَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أُمَّ لَكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بشر‏)‏ صرح سعيد بن منصور عن هشيم بأن أبا بشر حدثه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأيت رجلا عند المقام‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ صليت خلف شيخ بالأبطح ‏"‏ والأولى أصح، إلا أن يكون المراد بالأبطح البطحاء التي تفرش في المسجد، وسيأتي في أول الباب الذي بعده بلفظ ‏"‏ صليت خلف شيخ بمكة ‏"‏ وأنه سماه في بعض الطرق أبا هريرة، واتفقت هذه الروايات على أنه رآه بمكة، وللسراج من طريق حبيب بن الزبير عن عكرمة ‏"‏ رأيت رجلا يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فإن لم يحمل على التجوز وإلا فهي شاذة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو ليس تلك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو استفهام إنكار للإنكار المذكور، ومقتضاه الإثبات لأنه نفى النفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا أم لك‏)‏ هي كلمة تقولها العرب عند الزجر، وكذا قوله في الرواية التي بعدها ‏"‏ ثكلتك أمك ‏"‏ فكأنه دعا عليه أن يفقد أمه أو أن تفقده أمه، لكنهم قد يطلقون ذلك ولا يريدون حقيقته‏.‏
واستحق عكرمة ذلك عند ابن عباس لكونه نسب ذلك الرجل الجليل إلى الحمق الذي هو غاية الجهل وهو بريء من ذلك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n95&p1#TOP)بَاب التَّكْبِيرِ إِذَا قَامَ مِنْ السُّجُودِ
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّهُ أَحْمَقُ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏صليت خلف شيخ‏)‏ زاد سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عند الإسماعيلي ‏"‏ الظهر ‏"‏ وبذلك يصح عدد التكبير الذي ذكره، لأن في كل ركعة خمس تكبيرات فيقع في الرباعية عشرون تكبيرة مع تكبيرة الافتتاح وتكبيرة القيام من التشهد الأول، ولأحمد والطحاوي والطبراني من طريق عبد الله الداناج وهو بالنون والجيم الخفيفتين عن عكرمة قال ‏"‏ صلى بنا أبو هريرة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال موسى‏)‏ هو ابن إسماعيل راوي الحديث عن همام، وهو عنده متصل عن همام وأبان كلاهما عن قتادة، وإنما أفردهما لكونه على شرطه في الأصول، بخلاف أبان فإنه على شرطه في المتابعات‏.‏
وأفادت رواية أبان تصريح قتادة بالتحديث عن عكرمة، وقد وقع مثله من رواية سعيد بن أبي عروبة المذكورة عند الإسماعيلي‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏سنة‏)‏ بالرفع خبر مبتدأ محذوف تقديره تلك سنة، وذلك في رواية عبيد الله بن موسى عن همام عند الإسماعيلي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ وَلَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن‏)‏ كذا قال عقيل، وتابعه ابن جريج عن شهاب عند مسلم‏.‏
وقال مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن كما تقدم قبل بباب مختصرا، وكذا أخرجه مسلم والنسائي مطولا من رواية يونس عن ابن شهاب، وتابعه معمر عن ابن شهاب عند السراج، وليس هذا الاختلاف قادحا بل الحديث عند ابن شهاب عنهما معا كما سيأتي في ‏"‏ باب يهوى بالتكبير ‏"‏ من رواية شعيب عنه عنهما جميعا عن أبي هريرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يكبر حين يقوم‏)‏ فيه التكبير قائما، وهو بالاتفاق في حق القادر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يكبر حين يركع‏)‏ قال النووي‏:‏ فيه دليل على مقارنة التكبير للحركة وبسطه عليها، فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتقال إلى الركوع، ويمده حتى يصل إلى حد الراكع‏.‏
انتهى‏.‏
ودلالة هذا اللفظ على البسط الذي ذكره غير ظاهرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين يرفع الخ‏)‏ فيه أن التسميع ذكر النهوض، وأن التحميد ذكر الاعتدال، وفيه دليل على أن الإمام يجمع بينهما خلافا لمالك، لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الموصوفة محمولة على حال الإمامة لكون ذلك هو الأكثر الأغلب من أحواله، وسيأتي البحث فيه بعد خمسة أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله بن صالح عن الليث‏:‏ ولك الحمد‏)‏ يعني أن ابن صالح زاد في روايته عن الليث الواو في قوله ‏"‏ ولك الحمد‏"‏، وأما باقي الحديث فاتفقا فيه، وإنما لم يسقه عنهما معا وهما شيخاه لأن يحيى من شرطه في الأصول، وابن صالح إنما يورده في المتابعات وسيأتي من رواية شعيب أيضا عن ابن شهاب بإثبات الواو، وكذا في رواية ابن جريج عند مسلم ويونس عند النسائي، قال العلماء‏:‏ الرواية بثبوت الواو أرجح، وهي زائدة وقيل عاطفة على محذوف وقيل هي واو الحال قاله ابن الأثير وضعف ما عداه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يكبر حين يهوى‏)‏ يعني ساجدا، وكذا هو في رواية شعيب، و ‏"‏ يهوى ‏"‏ ضبطناه بفتح أوله، أي يسقط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يكبر حين يقوم من الثنتين‏)‏ أي الركعتين الأوليين، وقوله‏:‏ ‏(‏بعد الجلوس‏)‏ أي في التشهد الأول‏.‏
وهذا الحديث مفسر للأحاديث المتقدمة حيث قال فيها ‏"‏ كان يكبر في كل خفض ورفع‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:56 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n95&p1#TOP)باب وَضْعِ الْأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ أَمْكَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب وضع الأكف على الركب في الركوع‏)‏ أي كل كف على ركبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حميد‏)‏ سيأتي موصولا مطولا في ‏"‏ باب سنة الجلوس في التشهد ‏"‏ والغرض منه هنا بيان الصفة المذكورة في الركوع‏.‏
يقويه ما أشار إليه سعد من نسخ التطبيق‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِينَا عَلَى الرُّكَبِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي يعفور‏)‏ بفتح التحتانية وبالفاء وآخره راء وهو الأكبر كما جزم به المزي وهو مقتضى صنيع ابن عبد البر، وصرح الدارمي في روايته من طريق إسرائيل عن أبي يعفور بأنه العبدي والعبدي هو الأكبر بلا نزاع، وذكر النووي في شرح مسلم أنه الأصغر، وتعقب، وقد ذكرنا اسمهما في المقدمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مصعب بن سعد‏)‏ أي ابن أبي وقاص‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فطبقت‏)‏ أي ألصقت بين باطني كفي في حال الركوع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا‏)‏ استدل به على نسخ التطبيق المذكور بناء على أن المراد بالآمر والناهي في ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الصيغة مختلف فيها، والراجح أن حكمها الرفع، وهو مقتضى تصرف البخاري‏.‏
وكذا مسلم إذ أخرجه في صحيحه‏.‏
وفي رواية إسرائيل المذكورة عند الدارمي ‏"‏ كان بنو عبد الله بن مسعود إذا ركعوا جعلوا أيديهم بين أفخاذهم، فصليت إلى جنب أبي فضرب يدي ‏"‏ الحديث، فأفادت هذه الزيادة مستند مصعب في فعل ذلك، وأولاد ابن مسعود أخذوه عن أبيهم‏.‏
قال الترمذي‏:‏ التطبيق منسوخ عند أهل العلم لا خلاف بين العلماء في ذلك إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون‏.‏
انتهى‏.‏
وقد ورد ذلك عن ابن مسعود متصلا في صحيح مسلم وغيره من طريق إبراهيم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فذكر الحديث قال ‏"‏ فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال‏:‏ هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
وحمل هذا على أن ابن مسعود لم يبلغه النسخ‏.‏
وقد روى ابن المنذر عن ابن عمر بإسناد قوي قال ‏"‏ إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة ‏"‏ يعني التطبيق، وروى ابن خزيمة من وجه آخر عن علقمة عن عبد الله قال ‏"‏ علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع، فبلغ ذلك سعدا فقال‏:‏ صدق أخي، كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا ‏"‏ يعني الإمساك بالركب‏.‏
فهذا شاهد قوي لطريق مصعب ابن سعد‏.‏
وروى عبد الرزاق عن عمر ما يوافق قول سعد، أخرجه من وجه آخر عن علقمة والأسود قال ‏"‏ صلينا مع عبد الله فطبق، ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا، فلما انصرف قال‏:‏ ذلك شيء كنا نفعله ثم ترك ‏"‏ وفي الترمذي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال ‏"‏ قال لنا عمر بن الخطاب‏:‏ إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب ‏"‏ ورواه البيهقي بلفظ ‏"‏ كنا إذا ركعنا جعلنا أيدينا بين أفخاذنا، فقال عمر‏:‏ إن من السنة الأخذ بالركب ‏"‏ وهذا أيضا حكمه حكم الرفع لأن الصحابي إذا قال السنة كذا أو سن كذا كان الظاهر انصراف ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما إذا قاله مثل عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فنهينا عنه‏)‏ استدل به ابن خزيمة على أن التطبيق غير جائز، وفيه نظر لاحتمال حمل النهي على الكراهة، فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن علي قال ‏"‏ إذا ركعت فإن شئت قلت هكذا - يعني وضعت يديك على ركبتيك - وإن شئت طبقت ‏"‏ وإسناده حسن، وهو ظاهر في أنه كان يرى التخيير، فإما أنه لم يبلغه النهي وإما حمله على كراهة التنزيه‏.‏
ويدل على أنه ليس بحرام كون عمر وغيره ممن أنكره لم يأمر من فعله بالإعادة‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ حكى ابن بطال عن الطحاوي وأقره أن طريق النظر يقتضي أن تفريق اليدين أولى من تطبيقهما، لأن السنة جاءت بالتجافي في الركوع والسجود، وبالمراوحة بين القدمين، قال‏:‏ فلما اتفقوا على أولوية تفريقهما في هذا واختلفوا في الأول اقتضى النظر أن يلحق ما اختلفوا فيه بما اتفقوا عليه، قال‏:‏ فثبت انتفاء التطبيق ووجوب وضع اليدين على الركبتين‏.‏
انتهى كلامه‏.‏
وتعقبه الزين بن المنير بأن الذي ذكره معارض بالمواضع التي سن فيها الضم كوضع اليمنى على اليسرى في حال القيام، قال‏:‏ وإذا ثبت مشروعية الضم في بعض مقاصد الصلاة بطل ما اعتمده من القياس المذكور‏.‏
نعم لو قال أن الذي ذكره ما صلى الله عليه وسلم يقتضي مزية التفريج على التطبيق لكان له وجه‏.‏
قلت‏:‏ وقد وردت الحكمة في إثبات التفريج على التطبيق عن عائشة رضي الله عنها، أورد سيف في الفتوح من رواية مسروق أنه سألها عن ذلك فأجابت بما محصله‏:‏ أن التطبيق من صنيع اليهود، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه لذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أمر في آخر الأمر بمخالفتهم، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن نضع أيدينا‏)‏ أي أكفنا من إطلاق الكل وإرادة الجزء، ورواه مسلم من طريق أبي عوانة عن أبي يعفور بلفظ ‏"‏ وأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب ‏"‏ وهو مناسب للفظ الترجمة‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:57 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n96&p1#TOP)باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يتم الركوع‏)‏ أقود الركوع بالذكر مع أن السجود مثله لكونه أفرده بترجمة تأتي، وغرضه سياق صفة الصلاة على ترتيب أركانها، واكتفى عن جواب ‏"‏ إذا ‏"‏ بما ترجم به بعد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يتم ركوعه بالإعادة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأى حذيفة رجلا‏)‏ لم أقف على اسمه لكن عند ابن خزيمة وابن حبان من طريق الثوري عن الأعمش أنه كان عند أبواب كندة، ومثله لعبد الرزاق عن الثوري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يتم الركوع والسجود‏)‏ في رواية عبد الرزاق ‏"‏ فجعل ينقر ولا يتم ركوعه ‏"‏ زاد أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة ‏"‏ فقال‏:‏ منذ كم صليت‏؟‏ فقال‏:‏ منذ أربعين سنة ‏"‏ ومثله في رواية الثوري، وللنسائي من طريق طلحة بن مصرف عن زيد بن وهب مثله، وفي حمله على ظاهره نظر، وأظن ذلك هو السبب في كون البخاري لم يذكر ذلك، وذلك لأن حذيفة مات سنة ست وثلاثين فعلى هذا يكون ابتداء صلاة المذكور قبل الهجرة بأربع أو أكثر ولعل الصلاة لم تكن فرضت بعد، فلعله أطلق وأراد المبالغة، أو لعله ممن كاد يصلي قبل إسلامه ثم أسلم فحصلت المدة المذكورة من الأمرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما صليت‏)‏ هو نظير قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته ‏"‏ فإنك لم تصل ‏"‏ وسيأتي بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فطر الله محمدا‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ عليها ‏"‏ واستدل به على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود وعلى أن الإخلال بها مبطل للصلاة، وعلى تكفير تارك الصلاة لأن ظاهره أن حذيفة نفى الإسلام عمن أخل ببعض أركانها فيكون نفيه عمن أخل بها كلها أولى، وهذا بناء على أن المراد بالفطرة الدين، وقد أطلق الكفر على من لم يصل كما رواه مسلم صلى الله عليه وسلم وهو إما على حقيقته عند قوم وإما على المبالغة في الزجر عند آخرين، قال الخطابي‏:‏ الفطرة الملة أو الدين، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون المراد بها هنا السنة كما جاء ‏"‏ خمس من الفطرة ‏"‏ الحديث، ويكون حذيفة قد أراد توبيخ الرجل ليرتدع في المستقبل، ويرجحه وروده من وجه آخر بلفظ ‏"‏ سنة محمد ‏"‏ كما سيأتي بعد عشرة أبواب، وهو مصير من البخاري إلى أن الصحابي إذا قال سنة محمد أو فطرته كان حديثا مرفوعا، وقد خالف فيه قوم والراجح الأول‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n96&p1#TOP)باب اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ فِي الرُّكُوعِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب استواء الظهر في الركوع‏)‏ أي من غير ميل في الرأس عن البدن ولا عكسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حميد‏)‏ هو الساعدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هصر ظهره‏)‏ بفتح الهاء والصاد المهملة أي أماله‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ حنى ‏"‏ بالمهملة والنون الخفيفة وهو بمعناه، وسيأتي حديث أبي حميد هذا موصولا مطولا في ‏"‏ باب سنة الجلوس في التشهد ‏"‏ بلفظ ‏"‏ ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه ثم هصر طهره ‏"‏ زاد أبو داود من وجه آخر عن أبي حميد ‏"‏ ووتر يديه فتجافى عن جنبيه ‏"‏ وله من وجه آخر ‏"‏ أمكن كفيه من ركبتيه وفرج بين أصابعه ثم هصر ظهره غير مقنع رأسه ولا صافح بخده‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:58 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n96&p1#TOP)باب حَدِّ إِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ فِيهِ وَالطُّمَأْنِينَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحد إتمام الركوع والاعتدال فيه‏)‏ وقع في بعض الروايات عند الكشميهني وهو للأصيلي هنا ‏"‏ باب إتمام الركوع ‏"‏ ففصله عن الباب الذي قبله بباب، وعند الباقين الجميع في ترجمة واحدة إلا أنهم جعلوا التعليق عن أبي حميد في أثنائها لاختصاصه بالجملة الأولى، ودلالة حديث البراء على ما بعدها، وبهذا يجاب عن اعتراض ناصر الدين بن المنير حيث قال‏:‏ حديث البراء لا يطابق الترجمة للاستواء في الركوع السالم من الزيادة في حنو الرأس دون بقية البدن أو العكس، والحديث في تساوي الركوع مع السجود وغيره في الإطالة والتخفيف ا هـ‏.‏
وكأنه لم يتأمل ما بعد حديث أبي حميد من بقية الترجمة، ومطابقة حديث البراء لقوله ‏"‏ حد إتمام الركوع ‏"‏ من جهة أنه دال على تسوية الركوع والسجود والاعتدال والجلوس بين السجدتين، وقد ثبت في بعض طرقه عند مسلم تطويل الاعتدال فيؤخذ منه إطالة الجمع، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والاطمأنينة‏)‏ كذا للأكثر بكسر الهمزة، ويجوز الضم وسكون الطاء، وللكشميهني‏:‏ ‏"‏ والطمأنينة ‏"‏ بضم الطاء وهي أكثر في الاستعمال، والمراد بها السكون، وحدها ذهاب الحركة التي قبلها كما سيأتي مفسرا في حديث أبي حميد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الحكم‏)‏ هو ابن عتيبة ‏(‏عن ابن أبي ليلى‏)‏ هو عبد الرحمن، ووقع التصريح بتحديثه له عند مسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما خلا القيام والقعود‏)‏ بالنصب فيهما، قيل المراد بالقيام الاعتدال وبالقعود الجلوس بين السجدتين، وجزم به بعضهم، وتمسك به في أن الاعتدال والجلوس بين السجدتين لا يطولان، ورده ابن القيم في كلامه على حاشية السنن فقال‏:‏ هذا سوء فهم من قائله، لأنه قد ذكرهما بعينهما فكيف يستثنيهما‏؟‏ وهل يحسن قول القائل جاء زيد وعمرو وبكر وخالد إلا زيدا وعمرا، فإنه متى أراد نفي المجيء عنهما كان تناقضا ا هـ‏.‏
وتعقب بأن المراد بذكرها إدخالها في الطمأنينة وباستثناء بعضها إخراج المستثنى من المساواة‏.‏
وقال بعض شيوخ شيوخنا‏:‏ معنى قوله ‏"‏ قريبا من السواء ‏"‏ أن كل ركن قريب من مثله، فالقيام الأول قريب من الثاني والركوع في الأولى قريب من الثانية، والمراد بالقيام والقعود اللذين استثنيا الاعتدال والجلوس بين السجدتين ولا يخفى تكلفه‏.‏
واستدل بظاهره على أن الاعتدال ركن طويل ولا سيما قوله في حديث أنس ‏"‏ حتى يقول القائل قد نسي ‏"‏ وفي الجواب عنه تعسف والله أعلم‏.‏
وسيأتي هذا الحديث بعد أبواب بغير استثناء، وكذا أخرجه مسلم من طرق، وقيل المراد بالقيام والقعود القيام للقراءة والجلوس للتشهد لأن القيام للقراءة أطول من جميع الأركان في الغالب، واستدل به على تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين كما سيأتي في ‏"‏ باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع ‏"‏ مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n96&p1#TOP)باب أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ بِالْإِعَادَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم الركوع بالإعادة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ هذه من التراجم الخفية، وذلك أن الخبر لم يقع فيه بيان ما نقصه المصلي المذكور، لكنه صلى الله عليه وسلم لما قال له ‏"‏ ثم اركع حتى تطمئن راكعا ‏"‏ إلى آخر ما ذكر له من الأركان اقتضى ذلك تساويها في الحكم لتناول الأمر كل فرد منها، فكل من لم يتم ركوعه أو سجوده أو غير ذلك مما ذكر مأمور بالإعادة‏.‏
قلت‏:‏ ووقع في حديث رفاعة بن رافع عند ابن أبي شيبة في هذه القصة ‏"‏ دخل رجل فصلى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا سجودها ‏"‏ فالظاهر أن المصنف أشار بالترجمة إلى ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي قَالَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ قال الدار قطني‏:‏ خالف يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم في هذا الإسناد، فإنهم لم يقولوا عن أبيه؛ ويحيى حافظ قال‏:‏ فيشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين‏.‏
وقال البزار‏:‏ لم يتابع يحيى عليه، ورجح الترمذي رواية يحيى‏.‏
قلت‏:‏ لكل من الروايتين وجه مرجح، أما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ، وأما الرواية الأخرى فللكثرة، ولأن سعيدا لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من أبي هريرة، ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين‏.‏
فأخرج البخاري طريق يحيى هنا وفي ‏"‏ باب وجوب القراءة ‏"‏ وأخرج في الاستئذان طريق عبيد الله بن النمير، وفي الإيمان والنذور طريق أسامة كلاهما عن عبيد الله ليس فيه عن أبيه، وأخرجه مسلم من رواية الثلاثة‏.‏
وللحديث طريق أخرى من غير رواية أبي هريرة أخرجها أبو داود والنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو ومحمد بن عجلان وداود بن قيس كلهم عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع، فمنهم من لم يسم رفاعة قال ‏"‏ عن عم له بدري ‏"‏ ومنهم من لم يقل عن أبيه، ورواه النسائي والترمذي من طريق يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن جده عن رفاعة لكن لم يقل الترمذي عن أبيه، وفيه اختلاف آخر نذكره قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فدخل رجل‏)‏ في رواية ابن نمير ‏"‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد ‏"‏ وللنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة ‏"‏ بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ونحن حوله ‏"‏ وهذا الرجل هو خلاد بن رافع جد علي بن يحيى راوي الخبر، بينه ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى عن رفاعة أن خلادا دخل المسجد‏.‏
وروى أبو موسى في الذيل من جهة ابن عيينة عن ابن عجلان عن علي بن يحيى بن عبد الله بن خلاد عن أبيه عن جده أنه دخل المسجد ا هـ‏.‏
وفيه أمران‏:‏ زيادة عبد الله في نسب علي بن يحيى، وجعل الحديث من رواية خلاد جد علي‏.‏
فأما الأول فوهم من الراوي عن ابن عيينة، وأما الثاني فمن ابن عيينة لأن سعيد بن منصور قد رواه عنه كذلك لكن بإسقاط عبد الله، والمحفوظ أنه من حديث رفاعة، كذلك أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد القطان وابن أبي شيبة عن أبي خالد‏.‏
الأحمر كلاهما عن محمد بن عجلان‏.‏
وأما ما وقع عند الترمذي ‏"‏ إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ‏"‏ فهذا لا يمنع تفسيره بخلاد لأن رفاعة شبهه بالبدوي لكونه أخف الصلاة أو لغير ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى‏)‏ زاد النسائي من رواية داود بن قيس ‏"‏ ركعتين ‏"‏ وفيه إشعار بأنه صلى نفلا‏.‏
والأقرب أنها تحية المسجد، وفي الرواية المذكورة ‏"‏ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه في صلاته ‏"‏ زاد في رواية إسحاق بن أبي طلحة ‏"‏ ولا ندري ما يعيب منها ‏"‏ وعند ابن أبي شيبة من رواية أبي خالد ‏"‏ يرمقه ونحن لا نشعر ‏"‏ وهذا محمول على حالهم في المرة الأولى، وهو مختصر من الذي قبله كأنه قال‏:‏ ولا نشعر بما يعيب منها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم جاء فسلم‏)‏ في رواية أبي أسامة ‏"‏ فجاء فسلم ‏"‏ وهي أولى لأنه لم يكن بين صلاته ومجيئه تراخ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرد النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية مسلم وكذا في رواية ابن نمير في الاستئذان ‏"‏ فقال وعليك السلام ‏"‏ وفي هذا تعقب علي ابن المنير حيث قال فيه‏:‏ أن الموعظة في وقت الحاجة أهم من رد السلام، ولأنه لعله لم يرد عليه السلام تأديبا على جهله فيؤخذ منه التأديب بالهجر وترك السلام ا هـ‏.‏
والذي وقفنا عليه من نسخ الصحيحين ثبوت الرد في هذا الموضع وغيره، إلا الذي في الأيمان والنذور وقد ساق الحديث صاحب ‏"‏ العمدة ‏"‏ بلفظ الباب إلا أنه حذف منه ‏"‏ فرد النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فلعل ابن المنير اعتمد على النسخة التي اعتمد عليها صاحب العمدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ارجع‏)‏ في رواية ابن عجلان فقال ‏"‏ أعد صلاتك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإنك لم تصل‏)‏ قال عياض‏:‏ فيه أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزئ، وهو مبني على أن المراد بالنفي نفي الإجزاء وهو الظاهر، ومن حمله على نفي الكمال تمسك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بعد التعليم بالإعادة فدل على إجزائها وإلا لزم تأخير البيان، كذا قاله بعض المالكية وهو المهلب ومن تبعه، وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة، فسأله التعليم فعلمه، فكأنه قال له أعد صلاتك على هذه الكيفية، أشار إلى ذلك ابن المنير، وسيأتي في آخر الكلام على الحديث مزيد بحث في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا‏)‏ في رواية ابن نمير ‏"‏ فقال في الثالثة أو في التي بعدها ‏"‏ وفي رواية أبي أسامة ‏"‏ فقال في الثانية أو الثالثة ‏"‏ وتترجح الأولى لعدم وقوع الشك فيها ولكونه صلى الله عليه وسلم كان من عادته استعمال الثلاث في تعليمه غالبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعلمني‏)‏ في رواية يحيى بن علي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فقال الرجل فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ فقال‏:‏ أجل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا قمت إلى الصلاة فكبر‏)‏ في رواية ابن نمير ‏"‏ إذا قمت إلى الصلاة فأصبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ‏"‏ وفي رواية يحيى بن علي ‏"‏ فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم‏"‏‏.‏
وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة عند النسائي إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله ويحمده ويمجده ‏"‏ وعند أبي داود ‏"‏ ويثني عليه ‏"‏ بدل ويمجده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن‏)‏ لم تختلف الروايات في هذا عن أبي هريرة، وأما رفاعة ففي رواية إسحاق المذكورة ‏"‏ ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله ‏"‏ وفي رواية يحيى بن علي ‏"‏ فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله‏"‏‏.‏
وفي رواية محمد بن عمرو عند أبي داود ‏"‏ ثم اقرأ بأم القرآن أو بما شاء الله‏"‏‏.‏
ولأحمد وابن حبان من هذا الوجه ‏"‏ ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت ‏"‏ ترجم له ابن حبان بباب فرض المصلي قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تطمئن راكعا‏)‏ في رواية أحمد هذه القريبة ‏"‏ فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك وتمكن لركوعك‏"‏‏.‏
وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة ‏"‏ ثم يكبر فيركع حتى تطمئن مفاصله ويسترخي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تعتدل قائما‏)‏ في رواية ابن نمير عند ابن ماجه ‏"‏ حتى تطمئن قائما ‏"‏ أخرجه ابن أبي شيبة عنه، وقد أخرج مسلم إسناده بعينه في هذا الحديث لكن لم يسق لفظه فهو على شرطه، وكذا أخرجه إسحاق ابن راهويه في مسنده عن أبي أسامة، وهو في مستخرج أبي نعيم من طريقه، وكذا أخرجه السراج عن يوسف بن موسى أحد شيوخ البخاري عن أبي أسامة، فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين، ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبان، وفي لفظ لأحمد ‏"‏ فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها ‏"‏ وعرف بهذا أن قول إمام الحرمين‏:‏ في القلب من إيجابها - أي الطمأنينة في الرفع من الركوع - شيء لأنها لم تذكر في حديث المسيء صلاته، دال على أنه لم يقف على هذه الطرق الصحيحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم اسجد‏)‏ في رواية إسحاق بن أبي طلحة ‏(‏ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه أو جبهته حتى تطمئن مفصاله وتسترخي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم ارفع‏)‏ في رواية إسحاق المذكورة ‏"‏ ثم يكبر فيركع حتى يستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه‏"‏‏.‏
وفي رواية محمد بن عمرو ‏"‏ فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى‏"‏‏.‏
وفي رواية إسحاق ‏"‏ فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن جالسا ثم افترش فخذك اليسرى ثم تشهد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم افعل ذلك في صلاتك كلها‏)‏ في رواية محمد بن عمرو ‏"‏ ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية ابن نمير في الاستئذان بعد ذكر السجود الثاني ‏"‏ ثم ارفع حتى تطمئن جالسا‏"‏‏.‏
وقد قال بعضهم‏:‏ هذا يدل على إيجاب جلسة الاستراحة ولم يقل به أحد، وأشار البخاري إلى أن هذه اللفظة وهم، فإنه عقبه بأن قال ‏"‏ قال أبو أسامة في الأخير حتى تستوي قائما ‏"‏ ويمكن أن يحمل إن كان محفوظا على الجلوس للتشهد، ويقويه رواية إسحاق المذكورة قريبا، وكلام البخاري ظاهر في أن أبا أسامة خالف ابن نمير، لكن رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة كما قال ابن نمير بلفظ‏:‏ ‏"‏ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا، ثم افعل ذلك في كل ركعة‏"‏‏.‏
وأخرجه البيهقي من طريقه وقال‏:‏ كذا قال إسحاق بن راهويه عن أبي أسامة، والصحيح رواية عبيد الله بن سعيد أبي قدامة ويوسف بن موسى عن أبي أسامة بلفظ ‏"‏ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي قائما ‏"‏ ثم ساقه من طريق يوسف بن موسى كذلك‏.‏
واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة، وبه قال الجمهور، واشتهر عن الحنفية أن الطمأنينة سنة، وصرح بذلك كثير من مصنفيهم، لكن كلام الطحاوي كالصريح في الوجوب عندهم، فإنه ترجم مقدار الركوع والسجود، ثم ذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره في قوله ‏"‏ سبحان ربي العظيم ثلاثا في الركوع وذلك أدناه‏"‏‏.‏
قال‏:‏ فذهب قوم إلى أن هذا مقدار الركوع والسجود لا يجزئ أدنى منه، قال‏.‏
وخالفهم آخرون فقالوا‏:‏ إذا استوى راكعا واطمأن ساجدا أجزأ، ثم قال‏:‏ وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعلى عدم وجوب ما لم يذكر، أما الوجوب فلتعلق الأمر به، وأما عدمه فليس لمجرد كون الأصل عدم الوجوب، بل لكون الموضع تعليم وبيان للجاهل، وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذكر ويتقوى ذلك بكونه صلى الله عليه وسلم ذكر ما تعلقت به الإساءة من هذا المصلي وما لم تتعلق به، فدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت به الإساءة‏.‏
قال‏:‏ فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه وكان مذكورا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه، وبالعكس‏.‏
لكن يحتاج أولا إلى جمع طرق هذا الحديث وإحصاء الأمور المذكورة فيه والأخذ بالزائد فالزائد، ثم إن عارض الوجوب أو عدمه دليل أقوى منه عمل به، وإن جاءت صيغة الأمر في حديث آخر بشيء لم يذكر في هذا الحديث قدمت‏.‏
قلت‏:‏ قد امتثلت ما أشار إليه وجمعت طرقه القوية من رواية أبي هريرة ورفاعة، وقد أمليت الزيادات التي اشتملت عليها‏.‏
فمما لم يذكر فيه تصريحا من الواجبات المتفق عليها‏:‏ النية، والقعود الأخير ومن المختلف فيه التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والسلام في آخر الصلاة‏.‏
قال النووي‏:‏ وهو محمول على أن ذلك كان معلوما عند الرجل ا هـ‏.‏
وهذا يحتاج إلى تكملة، وهو ثبوت الدليل على إيجاب ما ذكر كما تقدم، وفيه بعد ذلك نظر‏.‏
قال‏:‏ وفيه دليل على أن الإقامة والتعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في الإحرام وغيره ووضع اليمنى على اليسرى وتكبيرات الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود وهيئات الجلوس ووضع اليد على الفخذ ونحو ذلك مما لم يذكر في الحديث ليس بواجب ا هـ‏.‏
وهو في معرض المنع لثبوت بعض ما ذكر في بعض الطرق كما تقدم بيانه، فيحتاج من لم يقل بوجوبه إلى دليل على عدم وجوبه كما تقدم تقريره‏.‏
واستدل به على تعين لفظ التكبير، خلافا لمن قال يجزئ بكل لفظ يدل على التعظيم، وقد تقدمت هذه المسألة في أول صفة الصلاة‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبدات، ولأن رتب هذه الأذكار مختلفة، فقد لا يتأدى برتبة منها ما يقصد برتبة أخرى‏.‏
ونظيره الركوع، فإن المقصود به التعظيم بالخضوع، فلو أبدله بالسجود لم يجزئ، مع أنه غاية الخضوع‏.‏
واستدل به على أن قراءة الفاتحة لا تتعين، قال ابن دقيق العيد‏:‏ ووجهه أنه إذا تيسر فيه غير الفاتحة فقرأه يكون ممتثلا فيخرج عن العهدة، قال‏:‏ والذين عينوها أجابوا بأن الدليل على تعينها تقييد للمطلق في هذا الحديث، وهو متعقب، لأنه ليس بمطلق من كل وجه بل هو مقيد بقيد التيسير الذي يقتضي التخيير، وإنما يكون مطلقا لو قال‏:‏ اقرأ قرآنا، ثم قال‏:‏ اقرأ فاتحة الكتاب‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ هو بيان للمجمل، وهو متعقب أيضا، لأن المجمل ما لم تتضح دلالته، وقوله ‏"‏ما تيسر ‏"‏ متضح لأنه ظاهر في التخيير، قال‏:‏ وإنما يقرب ذلك إن جعلت ‏"‏ ما ‏"‏ موصولة، وأريد بها شيء معين وهو الفاتحة لكثرة حفظ المسلمين لها، فهي المتيسرة‏.‏
وقيل هو محمول على أنه عرف من حال الرجل أنه لا يحفظ الفاتحة ومن كان كذلك كان الواجب عليه قراءة ما تيسر‏.‏
وقيل‏:‏ محمول على أنه منسوخ بالدليل على تعيين الفاتحة، ولا يخفى ضعفهما‏.‏
لكنه محتمل، ومع الاحتمال لا يترك الصريح وهو قوله ‏"‏ لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ‏"‏ وقيل‏:‏ إن قوله ‏"‏ ما تيسر ‏"‏ محمول على ما زاد على الفاتحة جمعا بينه وبين دليل إيجاب الفاتحة‏.‏
ويؤيده الرواية التي تقدمت لأحمد وابن حبان حيث قال فيها ‏"‏ اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت ‏"‏ واستدل به على وجوب الطمأنينة في الأركان‏.‏
واعتذر بعض من لم يقل به بأنه زيادة على النص، لأن المأمور به في القرآن مطلق السجود فيصدق بغير طمأنينة، فالطمأنينة زيادة والزيادة على المتواتر بالآحاد لا تعتبر‏.‏
وعورض بأنها ليست زيادة لكن بيان للمراد بالسجود، وأنه خالف السجود اللغوي لأنه مجرد وضع الجبهة فبينت السنة أن السجود الشرعي ما كان بالطمأنينة‏.‏
ويؤيده أن الآية نزلت تأكيدا لوجوب السجود، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه يصلون قبل ذلك، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بغير طمأنينة‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم‏:‏ وجوب الإعادة على من أخل بشيء من واجبات الصلاة‏.‏
وفيه أن الشروع في النافلة ملزم، لكن يحتمل أن تكون تلك الصلاة كانت فريضة فيقف الاستدلال‏.‏
وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن التعليم بغير تعنيف، وإيضاح المسألة، وتخليص، المقاصد، وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه‏.‏
وفيه تكرار السلام ورده وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال‏.‏
وفيه أن القيام في الصلاة ليس مقصودا لذاته، وإنما يقصد للقراءة فيه‏.‏
وفيه جلوس الإمام في المسجد وجلوس أصحابه معه‏.‏
وفيه التسليم للعالم والانقياد له والاعتراف بالتقصير والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ وفيه أن فرائض الوضوء مقصورة على ما ورد به القرآن لا ما زادته السنة فيندب صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ولطف معاشرته، وفيه تأخير البيان في المجلس للمصلحة‏.‏
وقد استشكل تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على صلاته وهي فاسدة على القول بأنه أخل ببعض الواجبات، وأجاب المازري بأنه أراد استدراجه بفعل ما يجهله مرات لاحتمال أن يكون فعله ناسيا أو غافلا فيتذكره فيفعله من غير تعليم، وليس ذلك من باب التقرير الخطأ، بل من باب تحقق الخطأ‏.‏
وقال النووي نحوه، قال‏:‏ وإنما لم يعلمه أولا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ يحتمل أن يكون ترديده لتفخيم الأمر وتعظيمه عليه، ورأى أن الوقت لم يفته، فرأى إيقاظ الفطنة للمتروك‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ ليس التقرير بدليل على الجواز مطلقا، بل لا بد من انتفاء الموانع‏.‏
ولا شك أن في زيادة قبول المتعلم لما يلقي إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم، لا سيما مع عدم خوف الفوات، إما بناء على ظاهر الحال، أو بوحي خاص‏.‏
وقال التوربشتي‏:‏ إنما سكت عن تعليمه أولا لأنه لما رجع لم يستكشف الحال من مورد الوحي، وكأنه اغتر بما عنده من العلم فسكت عن تعليمه زجرا له وتأديبا وإرشادا إلى استكشاف ما استبهم عليه، فلما طلب كشف الحال من مورده أرشد إليه‏.‏
انتهى‏.‏
لكن فيه مناقشة، لأنه إن تم له في الصلاة الثانية والثالثة لم يتم له في الأولى، لأنه صلى الله عليه وسلم بدأه لما جاء أول مرة بقوله ‏"‏ ارجع فصل فإنك لم تصل ‏"‏ فالسؤال وارد على تقريره له على الصلاة الأولى كيف لم ينكر عليه في أثنائها‏؟‏ لكن الجواب يصلح بيانا للحكمة في تأخير البيان بعد ذلك، والله أعلم‏.‏
وفيه حجة على من أجاز القراءة بالفارسية لكون ما ليس بلسان العرب لا يسمى قرآنا، قاله عياض‏.‏
وقال النووي‏:‏ وفيه وجوب القراءة في الركعات كلها، وأن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل يستحب له أن يذكره له وإن لم يسأله عنه ويكون من باب النصيحة لا من الكلام فيما لا معنى له‏.‏
وموضع الدلالة منه كونه قال ‏"‏ علمني ‏"‏ أي الصلاة فعلمه الصلاة ومقدماتها‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 04:59 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n96&p1#TOP)باب الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء في الركوع‏)‏ ترجم بعد هذا بأبواب التسبيح والدعاء في السجود، وساق فيه حديث الباب، فقيل‏:‏ الحكمة في تخصيص الركوع بالدعاء دون التسبيح - مع أن الحديث واحد - أنه قصد الإشارة إلى الرد على من كره الدعاء في الركوع كمالك، وأما التسبيح فلا خلاف فيه، فاهتم هنا بذكر الدعاء لذلك‏.‏
وحجة المخالف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية ابن عباس مرفوعا وفيه ‏"‏ فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم ‏"‏ لكنه لا مفهوم له، فلا يمتنع الدعاء في الركوع كما لا يمتنع التعظيم في السجود‏.‏
وظاهر حديث عائشة أنه كان يقول هذا الذكر كله في الركوع وكذا في السجود، وسيأتي بقية الكلام عليه في الباب المذكور إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n96&p1#TOP)باب مَا يَقُولُ الْإِمَامُ وَمَنْ خَلْفَهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع‏)‏ ‏.‏
وقع في شرح ابن بطال هنا ‏"‏ باب القراءة في الركوع والسجود وما يقول الإمام ومن خلفه الخ ‏"‏ وتعقبه بأن قال‏:‏ لم يدخل فيه حديثا لجواز القراءة ولا منعها‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ هذه الزيادة لم تقع فيما رويناه من نسخ البخاري‏.‏
انتهى‏.‏
وكذلك أقول، وقد تبع ابن المنير ابن بطال، ثم اعتذر عن البخاري بأن قال‏:‏ يحتمل أن يكون وضعها للأمرين فذكر أحدهما وأخلى للآخر بياضا ليذكر فيه ما يناسبه، ثم عرض له مانع فبقيت الترجمة بلا حديث‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ يحتمل أن يكون ترجم بحديث مشيرا إليه ولم يخرجه لأنه ليس على شرطه لأن في إسناده اضطرابا، وقد أخرجه مسلم من حديث ابن عباس في أثناء حديث، وفي آخره ‏"‏ ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ‏"‏ ثم تعقبه على نفسه بأن ظاهر الترجمة الجواز وظاهر الحديث المنع‏.‏
قال‏:‏ فيحتمل أن يكون معنى الترجمة باب حكم القراءة، وهو أعم من الجواز أو المنع، وقد اختلف السلف في ذلك جوازا ومنعا فلعله كان يرى الجواز لأن حديث النهي لم يصح عنده‏.‏
انتهى ملخصا‏.‏
ومال الزين بن المنير إلى هذا الأخير، لكن حمله على وجه أخص منه فقال‏:‏ لعله أراد أن الحمد في الصلاة لا حجر فيه، وإذا ثبت أنه من مطالبها ظهر تسويغ ذلك في الركوع وغيره بأي لفظ كان، فيدخل في ذلك آيات الحمد كمفتتح الأنعام وغيرها‏.‏
فإن قيل‏:‏ ليس في حديث الباب ذكر ما يقوله المأموم، أجاب ابن رشيد بأنه أشار إلى التذكير بالمقدمات لتكون الأحاديث عند الاستنباط نصب عيني المستنبط، فقد تقدم حديث ‏"‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ وحديث ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي‏"‏‏.‏
قال‏:‏ ويمكن أن يكون قاس المأموم على الإمام لكن فيه ضعف‏.‏
قلت‏:‏ وقد ورد في ذلك حديث عن أبي هريرة أيضا أخرجه الدار قطني بلفظ ‏"‏ كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمع الله لمن حمده، قال من وراءه سمع الله لمن حمده ‏"‏ ولكن قال الدار قطني‏:‏ المحفوظ في هذا ‏"‏ فليقل من وراءه ربنا ولك الحمد ‏"‏ وسنذكر الاختلاف في هذه المسألة في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يُكَبِّرُ وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا قال سمع الله لمن حمده‏)‏ في رواية أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب ‏"‏ كان إذا رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد ‏"‏ ولا منافاة بينهما لأن أحدهما ذكر ما لم يذكره الآخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اللهم ربنا‏)‏ ثبت في أكثر الطرق هكذا، وفي بعضها يحذف ‏"‏ اللهم ‏"‏ وثبوتها أرجح، وكلاهما جائز، وفي ثبوتها تكرير النداء كأنه قال يا الله يا ربنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولك الحمد‏)‏ كذا ثبت زيادة الواو في طرق كثيرة، وفي بعضها كما في الباب الذي يليه بحذفها، قال النووي‏:‏ المختار لا ترجيح لأحدهما على الآخر‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ كأن إثبات الواو دال على معنى زائد، لأنه يكون التقدير مثلا ربنا استجب ولك الحمد، فيشتمل على معنى الدعاء ومعنى الخبر‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا بناء على أن الواو عاطفة، وقد تقدم في ‏"‏ باب التكبير إذا قام من السجود ‏"‏ قول من جعلها حالية، وأن الأكثر رجحوا ثبوتها‏.‏
وقال الأثرم‏:‏ سمعت أحمد يثبت الواو في ‏"‏ ربنا ولك الحمد ‏"‏ ويقول‏:‏ ثبت فيه عدة أحاديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا ركع وإذا رفع رأسه‏)‏ أي من السجود، وقد ساق البخاري هذا المتن مختصرا، ورواه أبو يعلى من طريق شبابة وأوله عنده عن أبي هريرة وقال ‏"‏ أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يكبر إذا ركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده قال‏:‏ اللهم ربنا لك الحمد، وكان يكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه وإذا قام من السجدتين ‏"‏ ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي ذئب بلفظ ‏"‏ وإذا قام من الثنتين كبر ‏"‏ ورواه الطيالسي بلفظ ‏"‏ وكان يكبر بين السجدتين ‏"‏ والظاهر أن المراد بالثنتين الركعتان، والمعنى أنه كان يكبر إذا قام إلى الثالثة، ويؤيده الرواية الماضية في ‏"‏ باب التكبير إذا قام من السجود ‏"‏ بلفظ ‏"‏ ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس ‏"‏ وأما رواية الطيالسي فالمراد بها التكبير للسجدة الثانية، وكأن بعض الرواة ذكر ما لم يذكر الآخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال الله أكبر‏)‏ كذا وقع مغير الأسلوب إذ عبر أولا بلفظ ‏"‏ يكبر ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ هو للتفنن أو لإرادة التعميم، لأن التكبير يتناول التعريف ونحوه‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر أنه من تصرف الرواة، فإن الروايات التي أشرنا إليها جاءت كلها على أسلوب واحد، ويحتمل أن يكون المراد به تعيين هذا اللفظ دون غيره من ألفاظ التعظيم، وقد تقدم الكلام على بقية فوائده في ‏"‏ باب التكبير إذا قام من السجود ‏"‏ ويأتي الكلام على محل التكبير عند القيام من التشهد الأول بعد بضعة عشر بابا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n96&p1#TOP)باب فَضْلِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل اللهم ربنا لك الحمد‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ولك الحمد ‏"‏ بإثبات الواو، وفيه رد على ابن القيم حيث جزم بأنه لم يرد الجمع بين اللهم والواو في ذلك‏.‏
وثبت لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ عند من عدا أبا ذر والأصيلي، والراجح حذفه كما سيأتي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا قال الإمام الخ‏)‏ استدل به على أن الإمام لا يقول ‏"‏ ربنا لك الحمد ‏"‏ وعلى أن المأموم لا يقول ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏ لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية كما حكاه الطحاوي، وهو قول مالك وأبي حنيفة، وفيه نظر لأنه ليس فيه ما يدل على النفي، بل فيه أن قول المأموم ربنا لك الحمد يكون عقب قول الإمام سمع الله لمن حمده، والواقع في التصوير ذلك لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله، فقوله يقع عقب قول الإمام كما في الخبر، وهذا الموضع يقرب من مسألة التأمين كما تقدم من أنه لا يلزم من قوله ‏"‏ إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين ‏"‏ أن الإمام لا يؤمن بعد قوله ولا الضالين، وليس فيه أن الإمام يؤمن كما أنه ليس في هذا أنه يقول ربنا لك الحمد، لكنهما مستفادان من أدلة أخرى صحيحة صريحة كما تقدم في التأمين وكما مضى في الباب الذي قبله وفي غيره ويأتي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين التسميع والتحميد‏.‏
وأما ما احتجوا به من حيث المعنى من أن معنى سمع الله لمن حمده طلب التحميد فيناسب حال الإمام، وأما المأموم فتناسبه الإجابة بقوله ربنا لك الحمد ويقويه حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم وغيره، ففيه ‏"‏ وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم‏.‏
فجوابه أن يقال لا يدل ما ذكرتم على أن الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد، إذ لا يمتنع أن يكون طالبا ومجيبا، وهو نظير ما تقدم في مسألة التأمين من أنه لا يلزم من كون الإمام داعيا والمأموم مؤمنا أن لا يكون الإمام مؤمنا، ويقرب منه ما تقدم البحث فيه في الجمع بين الحيعلة والحوقلة لسامع المؤذن، وقضية ذلك أن الإمام يجمعهما وهو قول الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد والجمهور، والأحاديث الصحيحة تشهد له، وزاد الشافعي أن المأموم يجمع بينهما أيضا لكن لم يصح في ذلك شيء ولم يثبت عن ابن المنذر أنه قال إن الشافعي انفرد بذلك لأنه قد نقل في الأشراف عن عطاء وابن سيرين وغيرهما القول بالجمع بينهما للمأموم، وأما المنفرد فحكى الطحاوي وابن عبد البر الإجماع على أنه يجمع بينهما، وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد، لكن أشار صاحب الهداية إلى خلاف عندهم في المنفرد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإنه من وافق قوله‏)‏ فيه إشعار بأن الملائكة تقول ما يقول المأمومون، وقد تقدم باقي البحث فيه في ‏"‏ باب التأمين‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 05:00 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n97&p1#TOP)باب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَأُقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا للجميع بغير ترجمة إلا للأصيلي فحذفه، وعليه شرح ابن بطال ومن تبعه، والراجح إثباته كما أن الراجح حذف باب من الذي قبله، وذلك أن الأحاديث المذكورة فيه لا دلالة فيها على فضل اللهم ربنا لك الحمد إلا بتكلف، فالأولى أن يكون بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله كما تقدم في عدة مواضع، وذلك أنه لما قال أولا ‏"‏ باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع ‏"‏ وذكر فيه قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏اللهم ربنا ولك الحمد ‏"‏ استطرد إلى ذكر فضل هذا القول بخصوصه، ثم فصل بلفظ ‏"‏ باب ‏"‏ لتكميل الترجمة الأولى فأورد بقية ما ثبت على شرطه مما يقال في الاعتدال كالقنوت وغيره‏.‏
وقد وجه الزين بن المنير دخول الأحاديث الثلاثة تحت ترجمة فضل ‏"‏ اللهم ربنا لك الحمد ‏"‏ فقال‏:‏ وجه دخول حديث أبي هريرة أن القنوت لما كان مشروعا في الصلاة كالت هي مفتاحه ومقدمته، ولعل ذلك سبب تخصيص القنوت بما بعد ذكرها‏.‏
انتهى‏.‏
ولا يخفى ما فيه من التكلف، وقد تعقب من وجه آخر وهو أن الخبر المذكور في الباب لم يقع فيه قول ‏"‏ ربنا لك الحمد ‏"‏ لكن له أن يقول وقع في هذه الطريق اختصار وهي مذكورة في الأصل، ولم يتعرض لحديث أنس، لكن له أن يقول إنما أورده استطرادا لأجل ذكر المغرب‏.‏
قال‏:‏ وأما حديث رفاعة فظاهر في أن الابتدار الذي تنشأ عنه الفضيلة إنما كان لزيادة قول الرجل، لكن لما كانت الزيادة المذكورة صفة في التحميد جارية مجرى التأكيد له تعين جعل الأصل سببا أو سببا للسبب فثبتت بذلك الفضيلة، والله أعلم‏.‏
وقد ترجم بعضهم له بباب القنوت ولم أره في شيء من روايتنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ في رواية مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى ‏"‏ حدثني أبو سلمة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأقربن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية مسلم المذكورة ‏"‏ لأقربن لكم ‏"‏ وللإسماعيلي ‏"‏ إني لأقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكان أبو هريرة إلى آخره‏)‏ قيل المرفوع من هذا الحديث وجود القنوت لا وقوعه في الصلوات المذكورة فإنه موقوف على أبي هريرة، ويوضحه ما سيأتي في تفسير النساء من رواية شيبان عن يحيى من تخصيص المرفوع بصلاة العشاء، ولأبي داود من رواية الأوزاعي عن يحيى ‏"‏ قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة شهرا ‏"‏ ونحوه لمسلم، لكن لا ينافي هذا كونه صلى الله عليه وسلم قنت في غير العشاء، والظاهر سياق حديث الباب أن جميعه مرفوع ولعل هذا هو السر في تعقب المصنف له بحديث أنس إشارة إلى أن القنوت في النازلة لا يختص بصلاة معينة، واستشكل التقييد في رواية الأوزاعي بشهر لأن المحفوظ أنه كان في قصة الذين قتلوا أصحاب بئر معونة كما سيأتي في آخر أبواب الوتر، وسيأتي في تفسير آل عمران من رواية الزهري عن أبي سلمة في هذا الحديث أن المراد بالمؤمنين من كان مأسورا بمكة، وبالكافرين قريش، وأن مدته كانت طويلة فيحتمل أن يكون التقييد بشهر في حديث أبي هريرة يتعلق بصفة من الدعاء مخصوصة وهي قوله ‏"‏ اشدد وطأتك على مضر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في الركعة الأخرى‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ الآخرة ‏"‏ وسيأتي بعد باب من رواية الزهري عن أبي سلمة أن ذلك كان بعد الركوع، وسيأتي في تفسير آل عمران بيان الخلاف في مدة الدعاء عليهم والتنبيه على أحوال من سمي منهم‏.‏
وقد اختصر يحيى سياق هذا الحديث عن أبي سلمة وطوله الزهري كما سيأتي بعد باب، وسيأتي في الدعوات بالإسناد الذي ذكره المصنف أتم مما ساقه هنا إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إسماعيل‏)‏ هو المعروف بابن علية، والإسناد كله بصريون، وعبد الله بن أبي الأسود نسب إلى جد أبيه، واسم أبيه محمد بن حميد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان القنوت‏)‏ أي في أول الأمر، واحتج بهذا على أن قول الصحابي كنا نفعل كذا له حكم الرفع وإن لم يقيده بزمن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو قول الحاكم، وقد اتفق الشيخان على إخراج هذا الحديث في المسند الصحيح وليس فيه تقييد، وسنذكر اختلاف النقل عن أنس في القنوت في محله من الصلاة وفي أي الصلوات شرع، وهل استمر مطلقا أو مدة معينة أو في حالة دون حالة حيت أورد المصنف بعض ذلك في آخر أبواب الوتر إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَنْ الْمُتَكَلِّمُ قَالَ أَنَا قَالَ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏المجمر‏)‏ بالخفض وهو صفة لنعيم ولأبيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن يحيى‏)‏ في رواية ابن خزيمة أن علي بن يحيى حدثه، والإسناد كله مدنيون، وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر لأن نعيما أكبر سنا من علي بن يحيى وأقدم سماعا، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم من بين مالك والصحابي، هذا من حيث الرواية وأما من حيث شرف الصحبة فيحيى بن خلاد والد علي مذكور في الصحابة لأنه قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم حنكه لما ولد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما رفع رأسه من الركعة قال‏:‏ سمع الله لمن حمده‏)‏ ظاهره أن قول التسميع وقع بعد رفع الرأس من الركوع فيكون من أذكار الاعتدال، وقد مضى في حديث أبي هريرة وغيره ما يدل على أنه ذكر الانتقال وهو المعروف، ويمكن الجمع بينهما بأن معنى قوله ‏"‏ فلما رفع رأسه ‏"‏ أي فلما شرع في رفع رأسه ابتداء القول المذكور وأتمه بعد أن اعتدل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال رجل‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ وراءه ‏"‏ قال ابن بشكوال‏:‏ هذا الرجل هو رفاعة بن رافع راوي الخبر، ثم استدل على ذلك بما رواه النسائي وغيره عن قتيبة عن رفاعة بن يحيى الزرقي عن عم أبيه معاذ بن رفاعة عن أبيه قال ‏"‏ صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت‏:‏ الحمد لله ‏"‏ الحديث، ونوزع تفسيره به لاختلاف سياق السبب والقصة، والجواب أنه لا تعارض بينهما بل يحمل على أن عطاسه وقع عند رفع رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مانع أن يكنى عن نفسه لقصد إخفاء عمله، أو كنى عنه لنسيان بعض الرواة لاسمه، وأما ما عدا ذلك من الاختلاف فلا يتضمن إلا زيادة لعل الراوي اختصرها كما سنبينه، وأفاد بشر بن عمر الزهراني في روايته عن رفاعة بن يحيى أن تلك الصلاة كانت المغرب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مباركا فيه‏)‏ زاد رفاعة بن يحيى ‏"‏ مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى ‏"‏ فأما قوله ‏"‏ مباركا عليه ‏"‏ فيحتمل أن يكون تأكيدا وهو الظاهر، وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء، قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏وبارك فيها وقدر فيها أقواتها‏)‏ فهذا يناسب الأرض لأن المقصود به النماء والزيادة لا البقاء لأنه بصدد التغير‏.‏
وقال تعالى ‏(‏وباركنا عليه وعلى إسحاق‏)‏ فهذا يناسب الأنبياء لأن البركة باقية لهم، ولما كان الحمد يناسبه المعنيان جمعهما، كذا قرره بعض الشراح ولا يخفى ما فيه‏.‏
وأما قوله كما يحب ربنا ويرضى ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من المتكلم‏)‏ زاد رفاعة بن يحيى في الصلاة ‏"‏ فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة فقال رفاعة بن رافع‏:‏ أنا‏.‏
قال‏:‏ كيف قلت‏؟‏ فذكره‏.‏
فقال‏:‏ والذي نفسي بيده ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بضعة وثلاثين‏)‏ فيه رد على من زعم كالجوهري أن البضع يختص بما دون العشرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أيهم يكتبها أول‏)‏ في رواية رفاعة بن يحيى المذكورة ‏"‏ أيهم يصعد بها أول ‏"‏ وللطبراني من حديث أبي أيوب ‏"‏ أيهم يرفعها ‏"‏ قال السهيلي روى أول بالضم على البناء لأنه ظرف قطع من الإضافة، وبالنصب على الحال‏.‏
انتهى‏.‏
وأما ‏"‏ أيهم ‏"‏ فرويناه بالرفع وهو مبتدأ وخبره يكتبها، قاله الطيبي وغيره تبعا لأبي البقاء في إعراب قوله تعالى ‏(‏يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم‏)‏ قال‏:‏ وهو في موضع نصب، والعامل فيه ما دل عليه ‏(‏يلقون‏)‏ وأي استفهامية، والتقدير مقول فيهم أيهم يكتبها، ويجوز في أيهم النصب بأن يقدر المحذوف فينظرون أيهم، وعند سيبويه أي موصولة، والتقدير يبتدرون الذي هو يكتبها أول، وأنكر جماعة من البصريين ذلك، ولا تعارض بين روايتي يكتبها ويصعد بها لأنه يحمل على أنهم يكتبونها ثم يصعدون بها، والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة، ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ‏"‏ الحديث‏.‏
واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة، وقد استشكل تأخير رفاعة إجابة النبي صلى الله عليه وسلم حين كرر سؤاله ثلاثا مع أن إجابته واجبة عليه، بل وعلى كل من سمع رفاعة، فإنه لم يسأل المتكلم وحده‏.‏
وأجيب بأنه لما لم يعين واحدا بعينه لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا من واحد بعينه، فكأنهم انتظروا بعضهم ليجيب، وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء ظنا منهم أنه أخطأ فيما فعل، ورجوا أن يقع العفو عنه‏.‏
وكأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى سكوتهم فهم ذلك فعرفهم أنه لم يقل بأسا، ويدل على ذلك أن في رواية سعيد بن عبد الجبار عن رفاعة بن يحيى عند ابن قانع قال رفاعة ‏"‏ فوددت أني خرجت من مالي وأني لم أشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة‏"‏‏.‏
ولأبي داود من حديث عامر بن ربيعة قال ‏"‏ من القائل الكلمة‏؟‏ فإنه لم يقل بأسا‏.‏
فقال‏:‏‏:‏ أنا قلتها، لم أرد بها إلا خيرا ‏"‏ وللطبراني من حديث أبي أيوب ‏"‏ فسكت الرجل ورأى أنه قد هجم من رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء كرهه‏.‏
فقال‏:‏ من هو‏؟‏ فإنه لم يقل إلا صوابا‏.‏
فقال الرجل‏:‏ أنا يا رسول الله قلتها، أرجو بها الخير ‏"‏ ويحتمل أيضا أن يكون المصلون لم يعرفوه بعينه إما لإقبالهم على صلاتهم وإما لكونه في آخر الصفوف فلا يرد السؤال في حقهم، والعذر عنه هو ما قدمناه، والحكمة في سؤاله صلى الله عليه وسلم له عمن قال أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله‏.‏
واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان مخالف للمأثور، وعلى جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على من معه، وعلى أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة، وأن المتلبس بالصلاة لا يتعين عليه تشميت العاطس وعلى تطويل الاعتدال بالذكر كما سيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده‏.‏
واستنبط منه ابن بطال جواز رفع الصوت بالتبليغ خلف الإمام، وتعقبه الزين بن المنير بأن سماعه صلى الله عليه وسلم لصوت الرجل لا يستلزم الرجل رفعه لصوته كرفع صوت المبلغ، وفي هذا التعقب نظر، لأن غرض ابن بطال إثبات جواز الرفع في الجملة، وقد سبقه إليه ابن عبد البر واستدل له بإجماعهم على أن الكلام الأجنبي يبطل عمده الصلاة ولو كان سرا، قال‏:‏ وكذلك الكلام المشروع في الصلاة لا يبطلها ولو كان جهرا‏.‏
وقد تقدم الكلام على مسألة المبلغ في ‏"‏ باب من أسمع الناس تكبير الإمام‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قيل الحكمة في اختصاص العدد المذكور من الملائكة بهذا الذكر أن عدد حروفه مطابق للعدد المذكور، فإن البضع مع الثلاث إلى التسع وعدد الذكر المذكور ثلاثة وثلاثون حرفا، ويعكر على هذا الزيادة المتقدمة في رواية رفاعة بن يحيى وهي قوله ‏"‏ مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضي ‏"‏ بناء على أن القصة واحدة‏.‏
ويمكن أن يقال‏:‏ المتبادر إليه هو الثناء الزائد على المعتاد وهو من قوله ‏"‏ حمدا كثيرا الخ ‏"‏ دون قوله ‏"‏ مباركا عليه ‏"‏ فإنه كما تقدم للتأكيد وعدد ذلك سبعة وثلاثون حرفا، وأما ما وقع عند مسلم من حديث أنس ‏"‏ لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها ‏"‏ وفي حديث أبي أيوب عند الطبراني ‏"‏ ثلاثة عشر ‏"‏ فهو مطابق لعدد الكلمات المذكورة في سياق رفاعة بن يحيى ولعددها أيضا في سياق حديث الباب لكن على اصطلاح النحاة، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 05:01 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n97&p1#TOP)باب الطُّمَأْنِينَةِ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَوَى جَالِسًا حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاطمأنينة‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ الطمأنينة ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليها في ‏"‏ باب استواء الظهر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حميد‏)‏ يأتي موصولا مطولا في ‏"‏ باب سنة الجلوس في التشهد‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏رفع ‏"‏ أي من الركوع ‏"‏ فاستوى ‏"‏ أي قائما كما سيأتي بيانه هناك، وهو ظاهر فيما ترجم له‏.‏
ووقع في رواية كريمة ‏"‏ جالسا ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ فاستوى ‏"‏ فإن كان محفوظا حمل على أنه عبر عن السكون بالجلوس وفيه بعد، أو لعل المصنف أراد إلحاق الاعتدال بالجلوس بين السجدتين بجامع كون كل منهما غير مقصود لذاته فيطابق الترجمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ كَانَ أَنَسٌ يَنْعَتُ لَنَا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يُصَلِّي وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ نَسِيَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ينعت‏)‏ بفتح المهملة، أي يصف‏.‏
وهذا الحديث ساقه شعبة عن ثابت مختصرا، ورواه عنه حماد بن زيد مطولا كما سيأتي في ‏"‏ باب المكث بين السجدتين ‏"‏ فقال في أوله ‏"‏ عن أنس قال‏:‏ إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا ‏"‏ فصرح بوصف أنس لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل، وقوله ‏"‏لا آلو ‏"‏ بهمزة ممدودة بعد حرف النفي ولام مضمومة بعدها واو خفيفة أي لا أقصر‏.‏
وزاد حماد بن زيد أيضا ‏"‏ قال ثابت‏:‏ فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه ‏"‏ وفيه إشعار بأنهم كانوا يخلون بتطويل الاعتدال، وقد تقدم حديث أنس وإنكاره عليهم في أمر الصلاة في أبواب المواقيت وقوله ‏"‏ حتى نقول ‏"‏ بالنصب‏.‏
وقوله ‏"‏قد نسي ‏"‏ أي نسي وجوب الهوي إلى السجود قاله الكرماني، ويحتمل أن يكون المراد أنه نسي أنه في صلاة، أو ظن أنه وقت القنوت حيث كان معتدلا أو وقت التشهد حيث كان جالسا‏.‏
ووقع عند الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة ‏"‏ قلنا قد نسي من طول القيام ‏"‏ أي لأجل طول قيامه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجُودُهُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ
الشرح‏:‏
حديث البراء تقدم التنبيه عليه في ‏"‏ باب استواء الظهر‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏قريبا من السواء ‏"‏ فيه إشعار بأن فيها تفاوتا لكنه لم يعينه، وهو دال على الطمأنينة في الاعتدال وبين السجدتين لما علم من عادته من تطويل الركوع والسجود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا رفع‏)‏ أي ورفعه إذا رفع، وكذا قوله ‏"‏ وبين السجدتين ‏"‏ أي وجلوسه بين السجدتين، والمراد أن زمان ركوعه وسجوده واعتداله وجلوسه متقارب، ولم يقع في هذه الطريق الاستثناء الذي مر في ‏"‏ باب استواء الظهر ‏"‏ وهو قوله ‏"‏ ما خلا القيام والقعود ‏"‏ ووقع في رواية لمسلم ‏"‏ فوجدت قيامه فركعته فاعتداله ‏"‏ الحديث، وحكى ابن دقيق العيد عن بعض العلماء أنه نسب هذه الرواية إلى الوهم ثم استبعده لأن توهيم الراوي الثقة على خلاف الأصل، ثم قال في آخر كلامه‏:‏ فلينظر ذلك من الروايات ويحقق الاتحاد أو الاختلاف من مخارج الحديث ا هـ‏.‏
وقد جمعت طرقه فوجدت مداره على ابن أبي ليلى عن البراء، لكن الرواية التي فيها زيادة ذكر القيام من طريق هلال بن أبي حميد عنه، ولم يذكره الحكم عنه وليس بينهما اختلاف في سوى ذلك، إلا ما زاده بعض الرواة عن شعبة عن الحكم من قوله ‏"‏ ما خلا القيام والقعود ‏"‏ وإذا جمع بين الروايتين ظهر من الأخذ بالزيادة فيهما أن المراد بالقيام المستثنى القيام للقراءة، وكذا القعود والمراد به القعود للتشهد كما تقدم، قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا الحديث يدل على أن الاعتدال ركن طويل، وحديث أنس يعني الذي قبله أصرح في الدلالة على ذلك، بل هو نص فيه فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم‏:‏ لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود‏.‏
ووجه ضعفه أنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد، وأيضا فالذكر المشروع في الاعتدال أطول من الذكر المشروع في الركوع، فتكرير سبحان ربي العظيم ثلاثا يجيء قدر قوله اللهم ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وقد شرع في الاعتدال ذكر أطول كما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس بعد قوله حمدا كثيرا طيبا ‏"‏ ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ‏"‏ زاد في حديث ابن أبي أوفى ‏"‏ اللهم طهرني بالثلج الخ ‏"‏ وزاد في حديث الآخرين ‏"‏ أهل الثناء والمجد الخ ‏"‏ وقد تقدم في الحديث الذي قبله ترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من زاد في الاعتدال ذكرا غير مأثور، ومن ثم اختار النووي جواز تطويل الركن القصير بالذكر خلافا للمرجح في المذهب، واستدل لذلك أيضا بحديث حذيفة في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة بالبقرة أو غيرها ثم ركع نحوا مما قرأ ثم قام بعد أن قال ‏"‏ ربنا لك الحمد ‏"‏ قياما طويلا قريبا مما ركع‏.‏
قال النووي‏:‏ الجواب عن هذا الحديث صعب، والأقوى جواز الإطالة بالذكر ا هـ‏.‏
وقد أشار الشافعي في الأم إلى عدم البطلان فقال في ترجمة ‏"‏ كيف القيام من الركوع ‏"‏‏:‏ ولو أطال القيام بذكر الله أو يدعو أو ساهيا وهو لا ينوي به القنوت كرهت له ذلك ولا إعادة، إلى آخر كلامه في ذلك‏.‏
فالعجب ممن يصحح مع هذا بطلان الصلاة بتطويل الاعتدال، وتوجيههم ذلك أنه إذا أطيل انتفت الموالاة معترض بأن معنى الموالاة أن لا يتخلل فصل طويل بين الأركان بما ليس منها، وما ورد به الشرع لا يصح نفي كونه منها، والله أعلم‏.‏
وأجاب بعضهم عن حديث البراء أن المراد بقوله ‏"‏ قريبا من السواء ‏"‏ ليس أنه كان يركع بقدر قيامه وكذا السجود والاعتدال بل المراد أن صلاته كانت قريبا معتدلة فكان إذا أطال القراءة أطال بقية الأركان وإذا أخفها أخف بقية الأركان، فقد ثبت أنه قرأ في الصبح بالصافات وثبت في السنن عن أنس أنهم حزروا في السجود قدر عشر تسبيحات فيحمل على أنه قرأ بدون الصافات اقتصر على دون العشر، وأقله كما ورد في السنن أيضا ثلاث تسبيحات‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يُرِينَا كَيْفَ كَانَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَقَامَ فَأَمْكَنَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَمْكَنَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَنْصَبَ هُنَيَّةً قَالَ فَصَلَّى بِنَا صَلَاةَ شَيْخِنَا هَذَا أَبِي بُرَيْدٍ وَكَانَ أَبُو بُرَيْدٍ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْآخِرَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ نَهَضَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان مالك بن الحويرث‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ قام ‏"‏ والأول يشعر بتكرير ذلك منه وقد تقدم بعض الكلام عليه في ‏"‏ باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم ‏"‏ ويأتي بقية الكلام عليه في ‏"‏ باب المكث بين السجدتين‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأنصت‏)‏ في رواية الكشميهني بهمزة مقطوعة وآخره مثناة خفيفة‏.‏
وللباقين بألف موصولة وآخره موحدة مشددة، وحكى ابن التين أن بعضهم ضبطه بالمثناة المشددة بدل الموحدة، ووجهه بأن أصله انصوت فأبدل من الواو تاء ثم أدغمت إحدى التاءين في الأخرى، وقياس إعلاله إنصات تحركت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا، قال‏:‏ ومعنى إنصات استوت قامته بعد الانحناء كأنه أقبل شبابه، قال الشاعر‏:‏ وعمرو بن دهمان الهنيدة عاشهـا وتسعين عاما ثم قوم فأنصاتا وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه وعاوده شرخ الشباب الذي فاتا ا هـ‏.‏
وعرف بهذا أن من نقل عن ابن التين - وهو السفاقسي - أنه ضبطه بتشديد الموحدة فقد صحف، ومعنى رواية الكشميهني أنصت أي سكت فلم يكبر للهوي في الحال، قال بعضهم‏:‏ وفيه نظر، والأوجه أن يقال هو كناية عن سكون أعضائه، عبر عن عدم حركتها بالإنصات وذلك دال على الطمأنينة‏.‏
وأما الرواية المشهورة بالموحدة المشددة الفعل من الصب كأنه كنى عن رجوع أعضائه عن الانحناء إلى القيام بالانصباب، ووقع عند الإسماعيلي ‏"‏ فانتصب قائما ‏"‏ وهي أوضح من الجميع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هنية‏)‏ أي قليلا، وقد تقدم ضبطها في ‏"‏ باب ما يقول بعد التكبير‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلاة شيخنا هذا أبي يزيد‏)‏ هو عمرو بن سلمة الجرمي، واختلف في ضبط كنيته، ووقع هنا للأكثر بالتحتانية والزاي، وعند الحموي وكريمة بالموحدة والراء مصغرا وكذا ضبطه مسلم في الكنى‏.‏
وقال عبد الغني بن سعيد لم أسمعه من أحد إلا بالزاي لكن مسلم أعلم، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 05:02 PM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n97&p1#TOP)باب يَهْوِي بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَسْجُدُ وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يهوي بالتكبير حين يسجد‏)‏ قال ابن التين‏:‏ رويناه بالفتح وضبطه بعضهم بالضم والفتح أرجح، ووقع في روايتنا بالوجهين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان ابن عمر الخ‏)‏ وصله ابن خزيمة والطحاوي وغيرهما من طريق عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله عن عمر عن نافع بهذا وزاد في آخره ‏"‏ ويقول‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ كذا رواه عبد العزيز ولا أراه إلا وهما، يعني رفعه‏.‏
قال‏:‏ والمحفوظ ما اخترنا‏.‏
ثم أخرج من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ إذا سجد أحدكم فليضع يديه، وإذا رفع فليرفعهما ‏"‏ اهـ‏.‏
ولقائل أن يقول‏:‏ هذا الموقوف غير المرفوع، فإن الأول في تقديم وضع اليدين على الركبتين والثاني في إثبات وضع اليدين في الجملة‏.‏
واستشكل إيراد هذا الأثر في هذه الترجمة، وأجاب الزين بن المنير بما حاصله‏:‏ أنه لما ذكر صفة الهوي إلى السجود القولية أردفها بصفته الفعلية‏.‏
وقال أخوه‏:‏ أراد بالترجمة وصف حال الهوي من فعال ومقال ا هـ‏.‏
والذي يظهر أن أثر ابن عمر من جملة الترجمة، فهو مترجم به لا مترجم له، والترجمة قد تكون مفسرة لمجمل الحديث وهذا منها، وهذه من المسائل المختلف فيها‏.‏
قال مالك‏:‏ هذه الصفة أحسن في خشوع الصلاة، وبه قال الأوزاعي، وفيه حديث عن أبي هريرة رواه أصحاب السنن، وعورض بحديث عنه أخرجه الطحاوي، وقد روى الأثرم حديث أبي هريرة ‏"‏ إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل، ولكن إسناده ضعيف‏.‏
وعند الحنفية والشافعية الأفضل أن يضع ركبتيه ثم يديه، وفيه حديث في السنن أيضا عن واثل بن حجر قال الخطابي‏:‏ هذا أصح من حديث أبي هريرة، ومن ثم قال النووي‏:‏ لا يظهر ترجيح أحد المذهبين على الآخر من حيث السنة ا هـ‏.‏
وعن مالك وأحمد رواية بالتخيير، وادعى ابن خزيمة أن حديث أبي هريرة منسوخ بحديث سعد قال ‏"‏ كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين ‏"‏ وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع، لكنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه وهما ضعيفان‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ مقتضى تأخير وضع الرأس عنهما في الانحطاط ورفعه قبلهما أن يتأخر وضع اليدين عن الركبتين لاتفاقهم على تقديم اليدين عليهما في الرفع‏.‏
وأبدى الزين بن المنير لتقديم اليدين مناسبة وهي أن يلقى الأرض عن جبهته ويعتصم بتقديمهما على إيلام ركبتيه إذا جثا عليهما، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الِاثْنَتَيْنِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلَاتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أبا هريرة كان يكبر‏)‏ زاد النسائي من طريق يونس عن الزهري ‏"‏ حين استخلفه مروان على المدينة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يقول‏:‏ الله أكبر حين يهوي ساجدا‏)‏ فيه أن التكبير ذكر الهوي، فيبتدئ به من حين يشرع في الهوي بعد الاعتدال إلى حين يتمكن ساجدا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في الاثنتين‏)‏ فيه أنه يشرع في التكبير من حين ابتداء القيام إلى الثالثة بعد التشهد الأول، خلافا لمن قال إنه لا يكبر حتى يستوي قائما، وسيأتي في باب مفرد بعد بضعة عشر بابا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن كانت هذه لصلاته‏)‏ قال أبو داود‏:‏ هذا الكلام يؤيد رواية مالك وغيره عن الزهري عن علي بن حسين، يعني مرسلا‏.‏
قلت‏:‏ وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن الزهري، لكن لا يلزم من ذلك أن لا يكون الزهري رواه أيضا عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وغيره عن أبي هريرة، ويؤيد ذلك ما تقدم في ‏"‏ باب التكبير إذا قام من السجود ‏"‏ من طريق عقيل عن الزهري فإنه صريح في أن الصفة المذكورة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
الحديث‏:‏
قَالَا وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ يَدْعُو لِرِجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ مِنْ مُضَرَ مُخَالِفُونَ لَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالا‏)‏ يعني أبا بكر بن عبد الرحمن وأبا سلمة المذكورين، وهو موصول بالإسناد المذكور إليهما، والكلام على المتن المذكور يأتي في تفسير آل عمران إن شاء الله تعالى، وإنما ذكره هنا استطرادا‏.‏
وقد أورده مختصرا في الباب الذي ذكر فيه ما يقول في الاعتدال، واستدل به على أن محل القنوت بعد الرفع من الركوع، وعلى أن تسمية الرجال بأسمائهم فيما يدعى لهم وعليهم لا تفسد الصلاة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ مِنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا وَقَعَدْنَا وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً صَلَّيْنَا قُعُودًا فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا قَالَ سُفْيَانُ كَذَا جَاءَ بِهِ مَعْمَرٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَقَدْ حَفِظَ كَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَلَكَ الْحَمْدُ حَفِظْتُ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الزُّهْرِيِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فَجُحِشَ سَاقُهُ الْأَيْمَنُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن فرس وربما قال سفيان - وهو ابن عيينة - من فرس‏)‏ فيه إشعار بتثبت علي بن عبد الله ومحافظته على الإتيان بألفاظ الحديث، وقد تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ وأن قوله ‏"‏ جحش ‏"‏ أي خدش، ووقع في قصر الصلاة عن أبي نعيم عن ابن عيينة بلفظ ‏"‏ فجحش أو خدش ‏"‏ على الشك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كذا جاء به معمر‏)‏ القائل هو سفيان، والمقول له علي، وهمزة الاستفهام قبل كذا مقدرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت نعم‏)‏ كأن مستند علي في ذلك رواية عبد الرزاق عن معمر فإنه من مشايخه، بخلاف معمر فإنه لم يدركه، وإنما يروى عنه بواسطة‏.‏
وكلام الكرماني يوهم خلاف ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لقد حفظ‏)‏ أي حفظا جيدا، وفيه إشعار بقوة حفظ سفيان بحيث يستجيد حفظ معمر إذا وافقه، وقوله ‏"‏كذا قال الزهري ولك الحمد ‏"‏ فيه إشارة إلى أن بعض أصحاب الزهري لم يذكر الواو في ‏"‏ ولك الحمد ‏"‏ وقد وقع ذلك في رواية الليث وغيره عن الزهري كما تقدم في ‏"‏ باب إيجاب التكبير‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حفظت‏)‏ في رواية ابن عساكر ‏"‏ وحفظت ‏"‏ بزيادة واو وهي أوضح، وقوله ‏"‏من شقه الأيمن الخ ‏"‏ فيه إشارة إلى ما ذكرناه من جودة ضبط سفيان، لأن ابن جريج سمعه معهم من الزهري بلفظ ‏"‏ شقه ‏"‏ فحدث به عن الزهري بلفظ ‏"‏ ساقه ‏"‏ وهي أخص من شقه، لكن هذا محمول على أن ابن جريج عرف من الزهري في وقت آخر أن الذي خدش هو ساقه لبعد أن يكون نسي هذه الكلمة في هذه المدة اليسيرة، وقد قدمنا الدلالة على ذلك في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ وقوله ‏"‏ وأنا عنده ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ هو معطوف على مقدار أو جملة حالية من فاعل قال مقدرا، إذ تقديره قال الزهري وأنا عنده؛ ويحتمل أن يكون هو مقول سفيان، والضمير لابن جريج‏.‏
قلت‏:‏ وهذا أقرب إلى الصواب، ومقول ابن جريج هو ‏"‏ فجحش الخ ‏"‏ والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n97&p1#TOP)باب فَضْلِ السُّجُودِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل السجود‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة في صفة البعث والشفاعة، والمقصود منه هنا قوله ‏"‏ وحرم الله على النار أن تأكل آثار السجود ‏"‏ وقد ورده بتمامه أيضا في أبواب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق ويأتي الكلام عليه هناك مستوفى إن شاء الله تعالى، مع ذكر اختلاف ألفاظ رواته‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ النَّاسَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لَا
قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنْ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ
وَكَلَامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ قَدْ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنْ النَّارِ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَيَقُولُ هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ فَيُعْطِي اللَّهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ
ثُمَّ قَالَ يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ فَيَقُولُ فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَهُ فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَيَقُولُ اللَّهُ وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ فَيَضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَوْلَهُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ
الشرح‏:‏
اختلف في المراد بقوله ‏"‏ آثار السجود ‏"‏ فقيل هي الأعضاء السبعة الآتي ذكرها في حديث ابن عباس قريبا وهذا هو الظاهر‏.‏
وقال عياض‏:‏ المراد الجبهة خاصة، ويؤيده ما في رواية مسلم من وجه آخر ‏"‏ أن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم ‏"‏ فإن ظاهر هذه الرواية يخص العموم الذي في الأولى‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 05:03 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يبدي ضبعيه‏)‏ بفتح المعجمة وسكون الموحدة تثنية ضبع وهو وسط العضد من داخل وقيل هو لحمه تحت الإبط‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن جعفر‏)‏ هو ابن ربيعة، وابن هرمز هو عبد الرحمن الأعرج، والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرج بين يديه‏)‏ أي نحى كل يد عن الجنب الذي يليها، قال القرطبي‏:‏ الحكمة في استحباب هذه الهيئة في السجود أنه يخف بها اعتماده عن وجهه ولا يتأثر أنفه ولا جبهته، ولا يتأذى بملاقاة الأرض‏.‏
وقال غيره‏:‏ هو أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان‏.‏
وقال ناصر الدين بن المنير في الحاشية‏:‏ الحكمة فيه أن يظهر كل عضو بنفسه ويتميز حتى يكون الإنسان الواحد في سجوده كأنه عدد، ومقتضى هذا أن يستقل كل عضو بنفسه ولا يعتمد بعض الأعضاء على بعض في سجوده، وهذا ضد ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض لأن المقصود هناك إظهار الاتحاد بين المصلين حتى كأنهم جسد واحد، وروى الطبراني وغيره من حديث ابن عمر بإسناد صحيح أنه قال‏:‏ ‏"‏ لا تفترش افتراش السبع، وادعم على راحتيك وأبد ضبعيك، فإذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك‏"‏، ولمسلم من حديث عائشة ‏"‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع ‏"‏ وأخرج الترمذي وحسنه من حديث عبد الله بن أرقم ‏"‏ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أنظر إلى عفرتي إبطيه إذا سجد‏"‏، ولابن خزيمة عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ إذا سجد أحدكم فلا يفترش ذراعيه افتراش الكلب، وليضم فخذيه‏"‏، وللحاكم من حديث ابن عباس نحو حديث عبد الله بن أرقم، وعنه عند الحاكم ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد يرى وضح إبطيه ‏"‏ وله من حديثه ولمسلم من حديث البراء رفعه ‏"‏ إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك ‏"‏ وهذه الأحاديث - مع حديث ميمونة عند مسلم ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يجافي يديه، فلو أن بهيمة أرادت أن تمر لمرت ‏"‏ مع حديث ابن بحينة المعلق هنا - ظاهرها وجوب التفريج المذكور، لكن أخرج أبو داود ما يدل على أنه للاستحباب وهو حديث أبي هريرة ‏"‏ شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا، فقال‏:‏ استعينوا بالركب ‏"‏ وترجم له ‏"‏ الرخصة في ذلك ‏"‏ أي في ترك التفريج، قال ابن عجلان أحد رواته‏:‏ وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وأعيا، وقد أخرج الترمذي الحديث المذكور ولم يقع في روايته ‏"‏ إذا انفرجوا ‏"‏ فترجم له ‏"‏ ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود ‏"‏ فجعل محل الاستعانة بالركب لمن يرفع من السجود طالبا للقيام، واللفظ محتمل ما قال، لكن الزيادة التي أخرجها أبو داود تعين المراد‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ فيه دليل على أنه لم يكن عليه قميص لانكشاف إبطيه، وتعقب باحتمال أن يكون القميص واسع الأكمام، وقد روى الترمذي في ‏"‏ الشمائل ‏"‏ عن أم سلمة قالت ‏"‏ كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم القميص ‏"‏ أو أراد الراوي أن موضع بياضهما لو لم يكن عليه ثوب لرئي قاله القرطبي، واستدل به على أن إبطيه صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهما شعر، وفيه نظر فقد حكى المحب الطبري في الاستسقاء من الأحكام له أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الإبط من جميع الناس متغير اللون غيره، واستدل بإطلاقه على استحباب التفريج في الركوع أيضا، وفيه نظر لأن في رواية قتيبة عن بكر بن مضر التقييد بالسجود، وأخرجه المصنف في المناقب، والمطلق إذا استعمل في صورة اكتفي بها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة نحوه‏)‏ وصله مسلم من طريقه بلفظ ‏"‏ كان إذا سجد فرج يديه عن إبطيه حتى إني لأرى بياض إبطيه‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ تقدم قبيل أبواب القبلة أنه وقع في كثير من النسخ وقوع هاتين الترجمتين هذه والتي بعدها هناك وأعيدا هنا وأن الصواب إثباتهما هنا، وذكرنا توجيه ذلك بما يغني عن إعادته‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ
قَالَهُ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يستقبل القبلة بأطراف رجليه قاله أبو حميد‏)‏ يأتي موصولا في ‏"‏ باب سنة الجلوس في التشهد ‏"‏ قريبا وأنه ورد في صفة السجود ‏"‏ قال الزين بن المنير‏:‏ المراد أن يجعل قدميه قائمتين على بطون أصابعهما وعقباه مرتفعان فيستقبل بظهور قدميه القبلة، قال أخوه‏:‏ ومن ثم ندب ضم الأصابع في السجود لأنها لو تفرجت انحرفت رءوس بعضها عن القبلة‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 05:06 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يتم سجوده‏)‏ أورد فيه حديث حذيفة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب إذا لم يتم الركوع‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب السُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب السجود على سبعة أعظم‏)‏ لفظ المتن الذي أورده في هذا الباب ‏"‏ على سبعة أعضاء ‏"‏ لكنه أشار بذلك إلى لفظ الرواية الأخرى، وقد أوردها من وجه آخر في الباب الذي يليه، قال ابن دقيق العيد‏:‏ يسمى كل واحد عظما باعتبار الجملة وإن اشتمل كل واحد على عظام، ويجوز أن يكون من باب تسمية الجملة باسم بعضها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وَلَا يَكُفَّ شَعَرًا وَلَا ثَوْبًا الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أمر النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو بضم الهمزة في جميع الروايات بالبناء لما لم يسم فاعله، والمراد به الله جل جلاله، قال البيضاوي‏:‏ عرف ذلك بالعرف، وذلك يقتضي الوجوب، قيل‏:‏ وفيه نظر لأنه ليس فيه صيغة أفعل‏.‏
ولما كان هذا السياق يحتمل الخصوصية عقبة المصنف بلفظ آخر دال على أنه لعموم الأمة، وهو من رواية شعبة عن عمرو بن دينار أيضا بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أمرنا ‏"‏ وعرف بهذا أن ابن عباس تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم إما سماعا منه وإما بلاغا عنه، وقد أخرجه مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب بلفظ ‏"‏ إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب ‏"‏ الحديث، وهذا يرجح أن النون في أمرنا نون الجمع، والآراب بالمد جمع إرب بكسر أوله وإسكان ثانيه وهو العضو، ويحتمل أن يكون ابن عباس تلقاه عن أبيه رضي الله عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يكف شعرا ولا ثوبا‏)‏ جملة معترضة بين المجمل وهو قوله ‏"‏ سبعة أعضاء ‏"‏ والمفسر وهو قوله ‏"‏ الجبهة الخ ‏"‏ وذكره بعد باب من وجه آخر بلفظ ‏"‏ ولا نكفت الثياب والشعر، والكفت بمثناة في آخره هو الضم وهو بمعنى الكف‏.‏
والمراد أنه لا يجمع ثيابه ولا شعره، وظاهره يقتضي أن النهي عنه في حال الصلاة، وإليه جنح الداودي، وترجم المصنف بعد قليل ‏"‏ باب لا يكف ثوبه في الصلاة ‏"‏ وهي تؤيد ذلك، ورده عياض بأنه خلاف ما عليه الجمهور، فإنهم كرهوا ذلك للمصلي سواء فعله في الصلاة أو قبل أن يدخل فيها، واتفقوا على أنه لا يفسد الصلاة، لكن حكى ابن المنذر عن الحسن وجوب الإعادة، قيل‏:‏ والحكمة في ذلك أنه إذا رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الجبهة‏)‏ زاد في رواية ابن طاوس عن أبيه في الباب الذي يليه ‏"‏ وأشار بيده على أنفه ‏"‏ كأنه ضمن ‏"‏ أشار ‏"‏ معنى أمر بتشديد الراء فلذلك عداه بعلى دون إلى، ووقع في العمدة بلفظ ‏"‏ إلى ‏"‏ وهي في بعض النسخ من رواية كريمة وعند النسائي من طريق سفيان بن عيينة عن ابن طاوس فذكر هذا الحديث وقال في آخره ‏"‏ قال ابن طاوس‏:‏ ووضع يده على جبهته وأمرها على أنفه وقال‏:‏ هذا واحد ‏"‏ فهذه رواية مفسرة، قال القرطبي‏:‏ هذا يدل على أن الجبهة الأصل في السجود والأنف تبع‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ قيل معناه أنهما جعلا كعضو واحد وإلا لكانت الأعضاء ثمانية، قال‏:‏ وفيه نظر لأنه يلزم منه أن يكتفي بالسجود على الأنف كما يكتفي بالسجود على بعض الجبهة، وقد احتج بهذا لأبي حنيفة في الاكتفاء بالسجود على الأنف، قال‏:‏ والحق أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة وإن أمكن أن يعتقد أنهما كعضو واحد، فذاك في التسمية والعبارة لا في الحكم الذي دل عليه الأمر، وأيضا فإن الإشارة قد لا تعين المشار إليه فإنها إنما تتعلق بالجبهة لأجل العبادة، فإذا تقارب ما في الجبهة أمكن أن لا يعين المشار إليه يقينا، وأما العبارة فإنها معينة لما وضعت له فتقديمه أولى‏.‏
انتهى‏.‏
وما ذكره من جواز الاقتصار على بعض الجبهة قال به كثير من الشافعية، وكأنه أخذ من قول الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏ أن الاقتصار على بعض الجبهة يكره، وقد ألزمهم بعض الحنفية بما تقدم، ونقل ابن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يجزئ السجود على الأنف وحده، وذهب الجمهور إلى أنه يجزئ على الجبهة وحدها، وعن الأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية وغيرهم يجب أن يجمعهما وهو قول للشافعي أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏واليدين‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ المراد بهما الكفان لئلا يدخل تحت المنهي عنه من افتراش السبع والكلب‏.‏
انتهى‏.‏
ووقع بلفظ ‏"‏ الكفين ‏"‏ في رواية حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عند مسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والرجلين‏)‏ في رواية ابن طاوس المذكورة ‏"‏ وأطراف القدمين ‏"‏ وهو مبين للمراد من الرجلين، وقد تقدمت كيفية السجود عليهما قبل بباب، قال ابن دقيق العيد‏:‏ ظاهره يدل على وجوب السجود على هذه الأعضاء‏.‏
واحتج بعض الشافعية على أن الواجب الجبهة دون غيرها بحديث المسيء صلاته حيث قال فيه ‏"‏ ويمكن جبهته ‏"‏ قال‏:‏ وهذا غايته أنه مفهوم لقب، والمنطوق مقدم عليه، وليس هو من باب تخصيص العموم‏.‏
قال‏:‏ وأضعف من هذا استدلالهم بحديث ‏"‏ سجد وجهي ‏"‏ فإنه لا يلزم من إضافة السجود إلى الوجه انحصار السجود فيه، وأضعف منه قولهم إن مسمى السجود يحصل بوضع الجبهة لأن هذا الحديث يدل على إثبات زيادة على المسمى وأضعف منه المعارضة بقياس شبهي كأن يقال‏:‏ أعضاء لا يجب كشفها فلا يجب وضعها‏.‏
قال‏:‏ وظاهر الحديث أنه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء لأن مسمى السجود يحصل بوضعها دون كشفها، ولم يختلف في أن كشف الركبتين غير واجب لما يحذر فيه من كشف العورة، وأما عدم وجوب كشف القدمين فلدليل لطيف وهو أن الشارع وقت المسح على الخف بمدة تقع فيها الصلاة بالخف، فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي لنقض الطهارة فتبطل الصلاة‏.‏
انتهى‏.‏
وفيه نظر فللمخالف أن يقول‏:‏ يخص لابس الخف لأجل الرخصة‏.‏
وأما كشف اليدين فقد تقدم البحث فيه في ‏"‏ باب السجود على الثوب في شدة الحر ‏"‏ قبيل أبواب استقبال القبلة، وفيه أثر الحسن في نقله عن الصحابة ترك الكشف، ثم أورد المصنف حديث البراء في الركوع، وقد تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب متى يسجد من خلف الإمام ‏"‏ ومراده منه هنا قوله في آخره ‏"‏ حتى يضع جبهته على الأرض ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ ومناسبته للترجمة من حيث أن العادة أن وضع الجبهة إنما هو باستعانة الأعظم الستة غالبا‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر في مراده أن الأحاديث الواردة بالاقتصار على الجبهة كهذا الحديث لا تعارض الحديث المنصوص فيه على الأعضاء السبعة، بل الاقتصار على ذكر الجبهة إما لكونها أشرف الأعضاء المذكورة أو أشهرها في تحصيل هذا الركن، فليس فيه ما ينفي الزيادة التي في غيره‏.‏
وقيل‏:‏ أراد أن يبين أن الأمر بالجبهة للوجوب وغيرها للندب، ولهذا اقتصر على ذكرها في كثير من الأحاديث، والأول أليق بتصرفه‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 05:07 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب السجود على الأنف‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس من جهة وهيب وهو ابن خالد
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ
الشرح‏:‏
‏(‏عن عبد الله بن طاوس عن أبيه‏)‏ وقد أسلفنا الكلام عليه قبل‏.‏
قوله فيه ‏(‏على سبعة أعظم، على الجبهة‏)‏ قال الكرماني‏:‏ ‏"‏ على ‏"‏ الثانية بدل من الأولى التي في حكم الطرح، أو الأولى متعلقة بنحو حاصلا أي اسجد على الجبهة حال كون السجود على سبعة أعضاء‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَالسُّجُودِ عَلَى الطِّينِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب السجود على الأنف في الطين‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي ‏"‏ السجود على الأنف والسجود على الطين ‏"‏ والأول أنسب لئلا يلزم التكرار، وهذه الترجمة أخص من التي قبلها، وكأنه يشير إلى تأكد أمر السجود على الأنف بأنه لم يترك مع وجود عذر الطين الذي أثر فيه، ولا حجة فيه لمن استدل به على جواز الاكتفاء بالأنف لأن في سياقه أنه سجد على جبهته وأرنبته، فوضح أنه إنما قصد بالترجمة ما قدمناه وهو دال على وجوب السجود عليهما ولولا ذلك لصانهما عن لوث الطين، قاله الخطابي، وفيه نظر‏:‏ وفيه استحباب ترك الإسراع إلى إزالة ما يصيب جبهة الساجد من غبار الأرض ونحوه، وسنذكر بقية مباحث الحديث المذكور في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب عَقْدِ الثِّيَابِ وَشَدِّهَا وَمَنْ ضَمَّ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِذَا خَافَ أَنْ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب عقد الثياب وشدها، ومن ضم إليه ثوبه إذا خاف أن تنكشف عورته‏)‏ كأنه يشير إلى أن النهي الوارد عن كف الثياب في الصلاة محمول على غير حالة الاضطرار، ووجه إدخال هذه الترجمة في أحكام السجود من جهة أن حركة السجود والرفع منه تسهل مع ضم الثياب وعقدها لا مع إرسالها وسدلها، أشار إلى ذلك الزين بن المنير‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ عَاقِدُوا أُزْرِهِمْ مِنْ الصِّغَرِ عَلَى رِقَابِهِمْ فَقِيلَ لِلنِّسَاءِ لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي حازم‏)‏ هو ابن دينار، وقد تقدم في ‏"‏ باب إذا كان الثوب ضيقا ‏"‏ في أوائل الصلاة من وجه آخر عن سفيان قال ‏"‏ حدثني أبو حازم ‏"‏ وقد تقدم الكلام على فوائد المتن هناك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب لَا يَكُفُّ شَعَرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يكف شعرا‏)‏ أي المصلي، و ‏"‏ يكف ‏"‏ ضبطناه في روايتنا بضم الفاء وهو الراجح، ويجوز الفتح، والمراد بالشعر شعر الرأس، ومناسبة هذه الترجمة لأحكام السجود من جهة أن الشعر يسجد مع الرأس إذا لم يكف أو يلف، وجاء في حكمة النهي عن ذلك أن غرزة الشعر يقعد فيها الشيطان حالة الصلاة‏.‏
وفي سنن أبي داود بإسناد جيد ‏"‏ أن أبا رافع رأى الحسن بن علي يصلي قد غرز ضفيرته في قفاه فحلها وقال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ذلك مقعد الشيطان ‏"‏ وقد تقدم الكلام على بقية الحديث مستوفى قبل ثلاثة أبواب‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 05:08 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب لَا يَكُفُّ ثَوْبَهُ فِي الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يكف ثوبه في الصلاة‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس من وجه آخر وقد تقدم ما فيه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب التَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التسبيح والدعاء في السجود‏)‏ تقدم الكلام على هذه الترجمة في باب الدعاء في الركوع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُسْلِمٍ هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يحيى‏)‏ هو القطان، وسفيان هو الثوري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يكثر أن يقول‏)‏ كذا في رواية منصور وقد بين الأعمش في روايته عن أبي الضحى كما سيأتي في التفسير ابتداء هذا الفعل وأنه واظب عليه صلى الله عليه وسلم ولفظه ‏"‏ ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه ‏(‏إذا جاء نصر الله والفتح‏)‏ إلا يقول فيها ‏"‏ الحديث‏.‏
قيل اختار النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لهذا القول لأن حالها أفضل من غيرها‏.‏
انتهى‏.‏
وليس في الحديث أنه لم يكن يقول ذلك خارج الصلاة أيضا، بل في بعض طرقه عند مسلم ما يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب على ذلك داخل الصلاة وخارجها‏.‏
وفي رواية منصور بيان المحل الذي كان صلى الله عليه وسلم يقول فيه من الصلاة وهو الركوع والسجود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتأول القرآن‏)‏ أي يفعل ما أمر به فيه، وقد تبين من رواية الأعمش أن المراد بالقرآن بعضه وهو السورة المذكورة والذكر المذكور‏.‏
ووقع في رواية ابن السكن عن الفربري‏:‏ قال أبو عبد الله يعني قوله تعالى ‏(‏فسبح بحمد ربك‏)‏ الآية‏.‏
وفي هذا تعيين أحد الاحتمالين في قوله تعالى ‏(‏فسبح بحمد ربك‏)‏ لأنه يحتمل أن يكون المراد بسبح نفس الحمد لما تضمنه الحمد من معنى التسبيح الذي هو التنزيه لاقتضاء الحمد نسبة الأفعال المحمود عليها إلى الله سبحانه وتعالى، فعلى هذا يكفي في امتثال الأمر الاقتصار على الحمد ويحتمل أن يكون المراد فسبح متلبسا بالحمد فلا يمتثل حتى يجمعهما وهو الظاهر، قال ابن دقيق العيد‏:‏ يؤخذ من هذا الحديث إباحة الدعاء في الركوع وإباحة التسبيح في السجود، ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء ‏"‏ قال‏:‏ ويمكن أن يحمل حديث الباب على الجواز، وذلك على الأولوية ويحتمل أن يكون أمر في السجود بتكثير الدعاء لإشارة قوله ‏"‏ فاجتهدوا ‏"‏ والذي وقع في الركوع من قوله ‏"‏ اللهم اغفر لي ‏"‏ ليسي كثيرا فلا يعارض ما أمر به السجود، انتهى‏.‏
واعترضه الفاكهاني بأن قول عائشة ‏"‏ كان يكثر أن يقول ‏"‏ صريح في كون ذلك وقع منه كثيرا فلا يعارض ما أمر به في السجود، هكذا نقله عنه شيخنا ابن الملقن في شرح العمدة‏.‏
وقال‏:‏ فليتأمل‏.‏
وهو عجيب، فإن ابن دقيق العيد أراد بنفي الكثرة عدم الزيادة على قوله ‏"‏ اللهم اغفر لي ‏"‏ في الركوع الواحد، فهو قليل بالنسبة إلى السجود المأمور فيه بالاجتهاد في الدعاء المشعر بتكثير الدعاء، ولم يرد أنه كان يقول ذلك في بعض الصلوات دون بعض حتى يعترض عليه بقول عائشة ‏"‏ كان يكثر‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الحديث الذي ذكره ابن دقيق العيد ‏"‏ أما الركوع الخ ‏"‏ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، وقيه بعد قوله ‏"‏ فاجتهدوا في الدعاء‏:‏ فقمن أن يستجاب لكم ‏"‏ وقمن بفتح القاف والميم وقد تكسر معناه حقيق‏.‏
وجاء الأمر بالإكثار من الدعاء في السجود، وهو أيضا عند مسلم وأبي داود والنسائي من حديث أبي هريرة بلفظ ‏"‏ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء ‏"‏ والأمر بإكثار الدعاء في السجود يشمل الحث على تكثير الطلب لكل حاجة كما جاء في حديث أنس ‏"‏ ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله ‏"‏ أخرجه الترمذي، ويشمل التكرار للسؤال الواحد والاستجابة تشمل استجابة الداعي بإعطاء سؤله واستجابة المثني بتعظيم ثوابه‏.‏
وسيأتي الكلام على تفسير سورة النصر وتعيين الوقت الذي نزلت فيه والبحث في السؤال الذي أورده ابن دقيق العيد على ظاهر الشرط في قوله ‏"‏ إذا جاء ‏"‏ وعلى قول عائشة ‏"‏ ما صلى صلاة بعد أن نزلت إلا قال الخ ‏"‏ والتوفيق بين ما ظاهره التعارض من ذلك في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب الْمُكْثِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المكث بين السجدتين‏)‏ في رواية الحموي بين السجود‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَذَاكَ فِي غَيْرِ حِينِ صَلَاةٍ فَقَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَكَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَامَ هُنَيَّةً ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ هُنَيَّةً فَصَلَّى صَلَاةَ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ شَيْخِنَا هَذَا قَالَ أَيُّوبُ كَانَ يَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُونَهُ كَانَ يَقْعُدُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ قَالَ فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى أَهْلِيكُمْ صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ألا أنبئكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ الإنباء بعدي بنفسه وبالباء، قال الله تعالى ‏(‏من أنبأك هذا‏)‏ وقال ‏(‏فل أأنبئكم بخير من ذلكم‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ أي أبو قلابة ‏(‏وذلك في غير حين صلاة‏)‏ أي غير وقت صلاة من المفروضة، ويتعين حمله على ذلك حتى لا يدخل فيه أوقات المنع من النافلة لتنزيه الصحابي عن التنفل حينئذ، وليس في اليوم والليلة وقت أجمع على أنه غير وقت لصلاة من الخمس إلا من طلوع الشمس إلى زوالها، وقد تقدم هذا الحديث في ‏"‏ باب الطمأنينة في الركوع ‏"‏ وفي غيره‏.‏
والغرض منه هنا قوله ‏"‏ ثم رفع رأسه هنية ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ ثم سجد ‏"‏ لأنه يقتضي الجلوس بين السجدتين قدر الاعتدال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أيوب‏)‏ أي بالسند المذكور إليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان يقعد في الثالثة أو الرابعة‏)‏ هو شك من الراوي، والمراد منه بيان جلسة الاستراحة، وهي تقع بين الثالثة والرابعة كما تقع بين الأولى والثانية، فكأنه قال‏:‏ كان يقعد في آخر الثالثة أو في أول الرابعة، والمعنى واحد فشك الراوي أيهما قال، وسيأتي الحديث بعد باب واحد بلفظ ‏"‏ فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو مقول مالك بن الحويرث والفاء عاطفة على شيء محذوف تقديره أسلمنا فأتينا، أو أرسلنا قومنا فأتينا ونحو ذلك، وقد تقدم الكلام عليه في أبواب الإمامة وفي الأذان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ كَانَ سُجُودُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُكُوعُهُ وَقُعُودُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ
الشرح‏:‏
حديث البراء تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب استواء الظهر في الركوع‏"‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا قَالَ ثَابِتٌ كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ
الشرح‏:‏
حديث أنس تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع ‏"‏ وفي قوله في هذه الطريق ‏"‏ قال ثابت‏:‏ كان أنس يصنع شيئا لم أركم تصنعونه الخ ‏"‏ إشعار بأن من خاطبهم كانوا لا يطيلون الجلوس بين السجدتين، ولكن السنة إذا ثبتت لا يبالي من تمسك بها بمخالفة من خالفها، والله المستعان‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 05:12 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب لَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يفترش ذراعيه في السجود‏)‏ يجوز في ‏"‏ يفترش ‏"‏ الجزم على النهي والرفع على النفي وهو بمعنى النهي، قال الزين بن المنير‏:‏ أخذ لفظ الترجمة من حديث أبي حميد، والمعنى من حديث أنس، وأراد بذلك أن الافتراش المذكور في حديث أبي حميد بمعنى الانبساط في حديث أنس ا هـ‏.‏
والذي يظهر لي أنه أشار إلى رواية أبي داود، فإنه أخرج الباب عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ ‏"‏ ولا يفترش ‏"‏ بدل ينبسط‏.‏
وروى أحمد والترمذي وابن خزيمة من حديث جابر نحوه بلفظ ‏"‏ إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه ‏"‏ الحديث، ولمسلم عن عائشة نحوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حميد الخ‏)‏ هو طرف من حديث يأتي مطولا بعد ثلاثة أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا قابضهما‏)‏ أي بأن يضمهما ولا يجافيهما عن جنبيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ في رواية أبي داود الطيالسي عند الترمذي وفي رواية معاذ عند الإسماعيلي كلاهما عن شعبة التصريح بسماع قتادة له من أنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اعتدلوا‏)‏ أي كونوا متوسطين بين الافتراش والقبض‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ لعل المراد بالاعتدال هنا وضع هيئة السجود على وفق الأمر، لأن الاعتدال الحسي المطلوب في الركوع لا يتأتى هنا، فإنه هناك استواء الظهر والعنق، والمطلوب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي، قال‏:‏ وقد ذكر الحكم هنا مقرونا بعلته، فإن التشبيه بالأشياء الخسيسة يناسب تركه في الصلاة‏.‏
انتهى‏.‏
والهيئة المنهي عنها أيضا مشعرة بالتهاون وقلة الاعتناء بالصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا ينبسط‏)‏ كذا للأكثر بنون ساكنة قبل الموحدة وللحموي ‏"‏ يبتسط ‏"‏ بمثناة بعد موحدة‏.‏
وفي رواية ابن عساكر بموحدة ساكنة فقط وعليها اقتصر العمدة، وقوله ‏"‏انبساط ‏"‏ بالنون في الأولى والثالثة وبالمثناة وهي ظاهرة والثالثة تقديرها ولا يبسط ذراعيه فينبسط انبساط الكلب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب مَنْ اسْتَوَى قَاعِدًا فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ نَهَضَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من استوى قاعدا في وتر من صلاته‏)‏ ذكر فيه حديث مالك بن الحويرث ومطابقته واضحة، وفيه مشروعية جلسة الاستراحة، وأخذ بها الشافعي وطائفة من أهل الحديث، وعن أحمد روايتان، وذكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بها، ولم يستحبها الأكثر، واحتج الطحاوي بخلو حديث أبي حميد عنها فإنه ساقه بلفظ ‏"‏ فقام ولم يتورك ‏"‏ وأخرجه أبو داود أيضا كذلك قال‏:‏ فلما تخالفا احتمل أن يكون ما فعله في حديث مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد لأجلها، لا أن ذلك من سنة الصلاة، ثم قوى ذلك بأنها لو كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص، وتعقب بأن الأصل عدم العلة وبأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي ‏"‏ فحكايته لصفات صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة تحت هذا الأمر‏.‏
ويستدل بحديث أبي حميد المذكور على عدم وجوبها فكأنه تركها لبيان الجواز، وتمسك من لم يقل باستحبابها بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا تبادروني بالقيام والقعود، فإني قد بدنت ‏"‏ فدل على أنه كان يفعلها لهذا السبب، فلا يشرع إلا في حق من اتفق له نحو ذلك، وأما الذكر المخصوص فإنها جلسة خفيفة جدا استغني فيها بالتكبير المشروع للقيام، فإنها من جملة النهوض إلى القيام، ومن حديث المعنى إن الساجد يضع يديه وركبتيه ورأسه مميزا لكل عضو وضع، فكذا ينبغي إذا رفع رأسه ويديه أن يميز رفع ركبتيه، وإنما يتم ذلك بأن يجلس ثم ينهض قائما، نبه عليه ناصر الدين بن المنير في الحاشية، ولم تتفق الروايات عن أبي حميد على نفي هذه الجلسة كما يفهمه صنيع الطحاوي، بل أخرجه أبو داود أيضا من وجه آخر عنه بإثباتها، وسيأتي ذلك عند الكلام على حديثه بعد بابين إن شاء الله تعالى‏.‏
وأما قول بعضهم‏:‏ لو كانت سنة لذكرها كل من وصف صلاته، فيقوى أنه فعلها للحاجة ففيه نظر، فإن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف، وإنما أخذ مجموعها عن مجموعهم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب كَيْفَ يَعْتَمِدُ عَلَى الْأَرْضِ إِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة‏)‏ أي أي ركعة كانت‏.‏
وفي رواية المستملي والكشميهني من الركعتين أي الأولى والثالثة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فَصَلَّى بِنَا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَالَ أَيُّوبُ فَقُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ وَكَيْفَ كَانَتْ صَلَاتُهُ قَالَ مِثْلَ صَلَاةِ شَيْخِنَا هَذَا يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ قَالَ أَيُّوبُ وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْخُ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ قَامَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن السجدة‏)‏ في رواية المذكورين ‏"‏ في السجدة ‏"‏ وفي بعض نسخ أبي ذر ‏"‏ من السجدة ‏"‏ وهي رواية الإسماعيلي، وقد تقدم الكلام على حديث مالك بن الحويرث، والغرض منه هنا ذكر الاعتماد على الأرض عند القيام من السجود أو الجلوس، والإشارة إلى رد ما روي بخلاف ذلك، فعند سعيد بن منصور بإسناد ضعيف عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهض على صدور قدميه، وعن ابن مسعود مثله بإسناد صحيح، وعن إبراهيم أنه كره أن يعتمد على يديه إذا نهض‏.‏
فإن قيل ترجم على كيفية الاعتماد، والذي في الحديث إثبات الاعتماد فقط، أجاب الكرماني بأن بيان الكيفية مستفاد من قوله جلس واعتمد على الأرض ثم قام، فكأنه أراد بالكيفية أن يقوم معتمدا عن جلوس لا عن سجود‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ أفاد في الترجمة التي قبل هذه إثبات الجلوس في الأولى والثالثة، وفي هذه أن ذلك الجلوس جلوس اعتماد على الأرض بتمكن، بدليل الإتيان بحرف ‏"‏ ثم ‏"‏ الدال على المهلة وأنه ليس جلوس استيفاز، فأفاد في الأولى مشروعية الحكم وفي الثانية صفته ا هـ ملخصا‏.‏
وفيه شيء إذ لو كان ذلك المراد لقال كيف يجلس مثلا‏.‏
وقيل يستفاد من الاعتماد أنه يكون باليد لأنه افتعال من العماد والمراد به الاتكاء وهو باليد، وروى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا على يديه قبل أن يرفعهما‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 05:13 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n98&p1#TOP)باب يُكَبِّرُ وَهُوَ يَنْهَضُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ
وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُكَبِّرُ فِي نَهْضَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يكبر وهو ينهض من السجدتين‏)‏ ذهب أكثر العلماء إلى أن المصلي يشرع في التكبير أو غيره عند ابتداء الخفض أو الرفع، إلا أنه اختلف عن مالك في القيام إلى الثالثة من التشهد الأول، فروي في الموطأ عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما أنهم كانوا يكبرون في حال قيامهم، وروى ابن وهب عنه أن التكبير بعد الاستواء أولى، وفي المدونة‏:‏ لا يكبر حتى يستوي قائما‏.‏
ووجهه بعض أتباعه بأن تكبير الافتتاح يقع بعد القيام فينبغي أن يكون هذا نظيره من حيث أن الصلاة فرضت أولا ركعتين ثم زيدت الرباعية فيكون افتتاح المزيد كافتتاح المزيد عليه‏.‏
وكان ينبغي لصاحب هذا الكلام أن يستحب رفع اليدين حينئذ لتكمل المناسبة، ولا قائل منهم به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن الزبير‏)‏ وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَحِينَ سَجَدَ وَحِينَ رَفَعَ وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلى لنا أبو سعيد‏)‏ أي الخدري بالمدينة، وبين الإسماعيلي في روايته من طريق يونس بن محمد عن فليح سبب ذلك ولفظه ‏"‏ اشتكى أبو هريرة - أو غاب - فصلى أبو سعيد، فجهر بالتكبير حين افتتح وحين ركع ‏"‏ الحديث، وزاد في آخره أيضا ‏"‏ فلما انصرف قيل له‏:‏ قد اختلف الناس على صلاتك، فقام عند المنبر فقال‏:‏ إني والله ما أبالي اختلفت صلاتكم أم لم تختلف، إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يصلي ‏"‏ والذي يظهر أن الاختلاف بينهم كان في الجهر بالتكبير والإسرار به، وكان مروان وغيره من بني أمية يسرونه كما تقدم في ‏"‏ باب إتمام التكبير في الركوع ‏"‏ وكان أبو هريرة يصلي بالناس في إمارة مروان على المدينة‏.‏
وأما مقصود الباب فالمشهور عن أبي هريرة أنه كان يكبر حين يقوم ولا يؤخره حتى يستوي قائما كما تقدم عن الموطأ، وأما ما تقدم في ‏"‏ باب ما يقول الإمام ومن خلفه ‏"‏ من حديثه بلفظ ‏"‏ وإذا قام من السجدتين قال الله أكبر ‏"‏ فيحمل على أن المعنى إذا شرع في القيام، قال الزين بن المنير‏:‏ أجرى البخاري الترجمة وأثر ابن الزبير مجرى التبيين لحديثي الباب، لأنهما ليسا صريحين في أن ابتداء التكبير يكون مع أول النهوض‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ في هذه الترجمة إشكال، لأنه ترجم فيما مضى ‏"‏ باب التكبير إذا قام من السجود ‏"‏ وأورد فيه حديث ابن عباس وأبي هريرة وفيهما التنصيص على أنه يكبر في حالة النهوض، وهو الذي اقتضته هذه الترجمة، فكان ظاهرها التكرار ويحمل قوله ‏"‏ من السجدتين ‏"‏ على أنه أراد من الركعتين، لأن الركعة تسمى سجدة مجازا، ثم استبعده، ثم رجح أن المراد بهذه الترجمة بيان محل التكبير حين ينهض من السجدة الثانية بأنه إذا قعد على الوتر يكون تكبيره في الرفع إلى القعود ولا يؤخره إلى ما بعد القعود، ويتوجه ذلك بأن الترجمتين اللتين قبله فيهما بيان الجلوس، ثم بيان الاعتماد، فبين في هذه الثالثة محل التكبير ا هـ ملخصا‏.‏
ويحتمل أن يكون مراده بقوله ‏"‏ من السجدتين ‏"‏ ما هو أعم من ذلك فيشمل ما قيل أولا وثانيا، ويؤيد ذلك اشتمال حديثي الباب على ذلك، ففي حديث أبي سعيد ‏"‏ حين رفع رأسه من السجود وحين قام من الركعتين ‏"‏ وفي حديث عمران بن حصين ‏"‏ وإذا رفع كبر وإذا نهض من الركعتين كبر ‏"‏ وأما أثر ابن الزبير فيمكن شموله الأمرين لأن النهضة تحتملهما، لكن استعمالها في القيام أكثر، وهذا يرجح الحمل الأول الذي استبعده ابن رشيد، ولا بعد فيه فقد تقدم أن خلاف مالك إنما هو في النهوض من الركعتين بعد التشهد الأول‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ صَلَاةً خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي فَقَالَ لَقَدْ صَلَّى بِنَا هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
الكلام على حديث عمران بن حصين قد تقدم في ‏"‏ باب إتمام التكبير في الركوع‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 05:15 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n99&p1#TOP)باب سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ
وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَجْلِسُ فِي صَلَاتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ وَكَانَتْ فَقِيهَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سنة الجلوس في التشهد‏)‏ أي السنة في الجلوس الهيئة الآتي ذكرها، ولم يرد أن نفس الجلوس سنة‏.‏
ويحتمل إرادته على أن المراد بالسنة الطريقة الشرعية التي هي أهم من الواجب والمندوب‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ ضمن هذه الترجمة ستة أحكام، وهي أن هيئة الجلوس غير مطلق الجلوس، والتفرقة بين الجلوس للتشهد الأول والأخير وبينهما وبين الجلوس بين السجدتين، وأن ذلك كله سنة، وأن لا فرق بين الرجال والنساء، وأن ذا العلم يحتج بعمله ا هـ‏.‏
وهذا الأخير إنما يتم إذا ضم أثر أم الدرداء إلى الترجمة، وقد تقدم تقرير ذلك، وأثر أم الدرداء المذكور وصله المصنف في التاريخ الصغير من طريق مكحول باللفظ المذكور، وأخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه، لكن لم يقع عنده قول مكحول في آخره ‏"‏ وكانت فقيهة ‏"‏ فجزم بعض الشراح بأن ذلك من كلام البخاري لا من كلام مكحول، فقال مغلطاي‏:‏ القائل‏:‏ ‏"‏ وكانت فقيهة ‏"‏ هو البخاري فيما أرى‏.‏
وتبعه شيخنا ابن الملقن فقال‏:‏ الظاهر أنه قول البخاري ا هـ‏.‏
وليس كما قالا، فقد رويناه تاما في مسند الفريابي أيضا بسنده إلى مكحول، ومن طريقة البخاري أن الدليل إذا كان عاما وعمل بعمومه بعض العلماء رجح به وإن لم يحتج به بمجرده، وعرف من رواية مكحول أن المراد بأم الدرداء الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية لأنه أدرك الصغرى ولم يدرك الكبرى، وعمل التابعي بمفرده ولو لم يخالف لا يحتج به، وإنما وقع الاختلاف في العمل بقول الصحابي كذلك، ولم يورد البخاري أثر أم الدرداء ليحتج به بل للتقوية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلَاةِ إِذَا جَلَسَ فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ الْيُسْرَى فَقُلْتُ إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن عبد الله‏)‏ أي ابن عمر، وهو تابعي ثقة سمي باسم أبيه وكني بكنيته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه أخبره‏)‏ صريح في أن عبد الرحمن بن القاسم حمله عنه بلا واسطة، وقد اختلف فيه الرواة عن مالك فأدخل معن بن عيسى وغيره عنه فيه - بين عبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن عبد الله - القاسم بن محمد والد عبد الرحمن، بين ذلك الإسماعيلي وغيره، فكأن عبد الرحمن سمعه من أبيه عنه، ثم لقيه أو سمعه منه معه وثبته فيه أبوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتثني اليسرى‏)‏ لم يبين في هذه الرواية ما يصنع بعد ثنيها هل يجلس فوقها أو يتورك، ووقع في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثنى اليسرى وجلس على وركه اليسرى ولم يجلس على قدمه ثم قال‏:‏ أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك‏.‏
فتبين من رواية القاسم ما أجمل في رواية ابنه، وإنما اقتصر البخاري على رواية عبد الرحمن لتصريحه فيها بأن ذلك هو السنة لاقتضاء ذلك الرفع، بخلاف رواية القاسم، ورجح ذلك عنده حديث أبي حميد المفصل بين الجلوس الأول والثاني، على أن الصفة المذكورة قد يقال إنها لا تخالف حديث أبي حميد لأن في الموطأ أيضا عن عبد الله بن دينار التصريح بأن جلوس ابن عمر المذكور كان في التشهد الأخير، وروى النسائي من طريق عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أن القاسم حدثه عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال ‏"‏ من سنة الصلاة أن ينصب اليمنى ويجلس على اليسرى ‏"‏ فإذا حملت هذه الرواية على التشهد الأول ورواية مالك على التشهد الأخير انتفى عنهما التعارض ووافق ذلك التفصيل المذكور في حديث أبي حميد، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت إنك تفعل ذلك‏)‏ أي التربع قال ابن عبد البر‏:‏ اختلفوا في التربع في النافلة وفي الفريضة للمريض، وأما الصحيح فلا يجوز له التربع في الفريضة بإجماع العلماء، كذا قال، وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال ‏"‏ لأن أقعد على رضفتين أحب إلي من أن أقعد متربعا في الصلاة ‏"‏ وهذا يشعر بتحريمه عنده، ولكن المشهور عن أكثر العلماء أن هيئة الجلوس في التشهد سنة، فلعل ابن عبد البر أراد بنفي الجواز إثبات الكراهة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن رجلي‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية حكاها ابن التين ‏"‏ أن رجلاي ‏"‏ ووجهها على أن ‏"‏ إن ‏"‏ بمعنى نعم، ثم استأنف فقال ‏"‏ رجلاي لا تحملاني ‏"‏ أو على اللغة المشهورة لغة بني الحارث، ولها وجه آخر لم يذكره، وقد ذكرت الأوجه في قراءة من قرأ ‏(‏إن هذان لساحران‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا تحملاني‏)‏ بتشديد النون ويجوز التخفيف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ وَحَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ وَسَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ وَيَزِيدُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَلْحَلَةَ وَابْنُ حَلْحَلَةَ مِنْ ابْنِ عَطَاءٍ قَالَ أَبُو صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ كُلُّ فَقَارٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ كُلُّ فَقَارٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن خالد‏)‏ هو ابن يزيد الجمحي المصري، وهو من أقران سعيد بن أبي هلال شيخه في هذا الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال حدثنا الليث‏)‏ قائل ذلك هو يحيى بن بكير المذكور‏.‏
والحاصل أن بين الليث وبين محمد ابن عمرو بن حلحلة في الرواية الأولى اثنين، وبينهما في الرواية الثانية واسطة واحدة، ويزيد بن أبي حبيب مصري معروف من صغار التابعين، ويزيد بن محمد رفيقه في هذا الحديث من بني قيس بن مخرمة بن المطلب مدني سكن مصر، وكل من فوقهم مدني أيضا، فالإسناد دائر بين مدني ومصري‏.‏
وأردف الرواية النازلة بالرواية العالية على عادة أهل الحديث، وربما وقع لها ضد ذلك لمعنى مناسب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه كان جالسا في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية كريمة ‏"‏ مع نفر ‏"‏ وكذا اختلف على عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء، ففي رواية عاصم عنه عند أبي داود وغيره ‏"‏ سمعت أبا حميد في عشرة‏"‏‏.‏
وفي رواية هشيم عنه عند سعيد بن منصور ‏"‏ رأيت أبا حميد مع عشرة ‏"‏ ولفظ ‏"‏ مع ‏"‏ يرجح أحد الاحتمالين في لفظ ‏"‏ في ‏"‏ لأنها محتملة لأن يكون أبو حميد من العشرة أو زائدا عليهم، ثم إن رواية الليث ظاهرة في اتصاله بين محمد بن عمرو وأبي حميد، ورواية عبد الحميد صريحة في ذلك‏.‏
وزعم ابن القطان تبعا للطحاوي أنه غير متصل لأمرين‏:‏ أحدهما أن عيسى بن عبد الله بن مالك رواه عن محمد بن عمرو بن عطاء فأدخل بينه وبين الصحابة عباس بن سهل أخرجه أبو داود وغيره، ثانيهما أن في بعض طرقه تسمية أبي قتادة في الصحابة المذكورين وأبو قتادة قديم الموت يصغر سن محمد بن عمرو ابن عطاء عن إدراكه‏.‏
والجواب عن ذلك‏:‏ أما الأول فلا يضر الثقة المصرح بسماعه أن يدخل بينه وبين شيخه واسطة، إما لزيادة في الحديث، وإما ليثبت فيه، وقد صرح محمد بن عمرو المذكور بسماعه فتكون رواية عيسى عنه من المزيد في متصل الأسانيد، وأما الثاني فالمعتمد فيه قول بعض أهل التاريخ إن أبا قتادة مات في خلافة علي وصلى عليه علي وكان قتل علي سنة أربعين وأن محمد بن عمرو بن عطاء مات بعد سنة عشرين ومائة وله نيف وثمانون سنة فعلى هذا لم يدرك أبا قتادة، والجواب أن أبا قتادة اختلف في وقت موته، فقيل مات سنة أربع وخمسين وعلى هذا فلقاء محمد له ممكن، وعلى الأول فلعل من ذكر مقدار عمره أو وقت وفاته وهم، أو الذي سمي أبا قتادة في الصحابة المذكورين وهم في تسميته، ولا يلزم من ذلك أن يكون الحديث الذي رواه غلطا لأن غيره ممن رواه معه عن محمد بن عمرو بن عطاء أو عن عباس ابن سهل قد وافقه‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ سمي من النفر المذكورين في رواية فليح عن عباس بن سهل مع أبي حميد أبو العباس سهل بن سعد وأبو أسيد الساعدي ومحمد بن مسلمة أخرجها أحمد وغيره، وسمي منهم في رواية عيسى ابن عبد الله عن عباس المذكورون سوى محمد بن مسلمة فذكر بدله أبو هريرة أخرجها أبو داود وغيره، وسمي منهم في رواية ابن إسحاق عن عباس عند ابن خزيمة‏.‏
وفي رواية عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء عند أبي داود والترمذي أبو قتادة‏.‏
وفي رواية عبد الحميد المذكورة أنهم كانوا عشرة كما تقدم، ولم أقف على تسمية الباقين‏.‏
وقد اشتمل حديث أبي حميد هذا على جملة كثيرة من صفة الصلاة، وسأبين ما في رواية غير الليث من الزيادة ناسبا كل زيادة إلى مخرجها إن شاء الله تعالى‏.‏
وقد أشرت قبل إلى مخارج الحديث، لكن سياق الليث فيه حكاية أبي حميد لصفة الصلاة بالقول، وكذا في رواية كل من رواه عن محمد بن عمرو بن حلحلة، ونحوه رواية عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء، ووافقهما فليح عن عباس بن سهل، وخالف الجميع عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عباس فحكى أن أبا حميد وصفها بالفعل ولفظه عند الطحاوي وابن حبان ‏"‏ قالوا فأرنا، فقام يصلي وهم ينظرون، فبدأ فكبر ‏"‏ الحديث‏.‏
ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون وصفها مرة بالقول ومرة بالفعل، وهذا يؤيد ما جمعنا به أولا، فإن عيسى المذكور هو الذي زاد عباس بن سهل بين محمد بن عمرو بن عطاء وأبي حميد، فكأن محمدا شهد هو وعباس حكاية أبي حميد بالقول فحملها عنه من تقدم ذكره، وكأن عباسا شهدها وحده بالفعل فسمع ذلك منه محمد بن عطاء فحدث بها كذلك، وقد وافق عيسى أيضا عنه عطاف بن خالد لكنه أبهم عباس بن سهل أخرجه الطحاوي أيضا، ويقوي ذلك أن ابن خزيمة أخرج من طريق ابن إسحاق أن عباس بن سهل حدثه فساق الحديث بصفة الفعل أيضا، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنا كنت أحفظكم‏)‏ زاد عبد الحميد ‏"‏ قالوا فلم‏؟‏ فوالله ما كنت بأكثرنا له اتباعا - وفي رواية الترمذي إتيانا - ولا أقدمنا له صحبة‏"‏‏.‏
وفي رواية عيسى بن عبد الله ‏"‏ قالوا فكيف‏؟‏ قال‏:‏ اتبعت ذلك منه حتى حفظته ‏"‏ زاد عبد الحميد ‏"‏ قالوا فاعرض ‏"‏ وفي روايته عند ابن حبان ‏"‏ استقبل القبلة ثم قال‏:‏ الله أكبر‏"‏، وزاد فليح عند ابن خزيمة فيه ذكر الوضوء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جعل يديه حذو منكبيه‏)‏ زاد ابن إسحاق ‏"‏ ثم قرأ بعض القرآن ‏"‏ ونحوه لعبد الحميد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم هصر ظهره‏)‏ بالهاء والصاد المهملة المفتوحتين، أي ثناه في استواء من غير تقويس ذكره الخطابي‏.‏
وفي رواية عيسى ‏"‏ غير مقنع رأسه ولا مصوبه ‏"‏ ونحوه لعبد الحميد‏.‏
وفي رواية فليح عند أبي داود ‏"‏ فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ‏"‏ ووتر يديه فتجافى عن جنبيه ‏"‏ وله في رواية ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ‏"‏ وفرج بين أصابعه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا رفع رأسه استوى‏)‏ زاد عيسى عند أبي داود ‏"‏ فقال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد، ورفع يديه‏"‏، ونحوه لعبد الحميد وزاد ‏"‏ حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يعود كل فقار‏)‏ الفقار بفتح الفاء والقاف جمـع فقارة وهي عظام الظهر، وهي العظام التي يقال لها خرز الظهر قاله القزاز‏.‏
وقال ابن سيده‏:‏ هي من الكاهل إلى العجب، وحكى ثعلب عن نوادر بن الأعرابي أن عدتها سبعة عشر‏.‏
وفي أمالي الزجاج‏:‏ أصولها سبع غير التوابع وعن الأصمعي‏:‏ هي خمس وعشرون، سبع في العنق وخمس في الصلب وبقيتها في أطراف الأضلاع، وحكي في المطالع أنه وقع في رواية الأصيلي بفتح الفاء ولابن السكن بكسرها، والصواب بفتحها، وسيأتي ما فيه في آخر الحديث والمراد بذلك كمال الاعتدال‏.‏
وفي رواية هشيم عن عبد الحميد ‏"‏ ثم يمكث قائما حتى يقع كل عظم موقعه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذ سجد وضع يديه غير مفترش‏)‏ أي لهما، ولابن حبان من رواية عتبة بن أبي حكيم عن عباس بن سهل ‏"‏ غير مفترش ذراعيه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا قابضهما‏)‏ أي بأن يضمهما إليه‏.‏
وفي رواية عيسى ‏"‏ فإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء منهما ‏"‏ وفي رواية عتبة المذكورة ‏"‏ ولا حامل بطنه على شيء من فخذيه ‏"‏ وفي رواية عبد الحميد ‏"‏ جافى يديه عن جنبيه ‏"‏ وفي رواية فليح ‏"‏ ونحى يديه عن جنبيه ووضع يديه حذو منكبيه ‏"‏ وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ فاعلو لي على جنبيه وراحتيه وركبتيه وصدور قدميه حتى رأيت بياض إبطيه ما تحت منكبيه، ثم ثبت حتى اطمأن كل عظم منه، ثم رفع رأسه فاعتدل ‏"‏ وفي رواية عبد الحميد ‏"‏ ثم يقول الله أكبر ويرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ‏"‏ ونحوه في رواية عيسى بلفظ ‏"‏ ثم كبر فجلس فتورك ونصب قدمه الأخرى ثم كبر فسجد ‏"‏ وهذا يخالف رواية عبد الحميد في صفة الجلوس، ويقوي رواية عبد الحميد ورواية فليح عند ابن حبان بلفظ ‏"‏ كان إذا جلس بين السجدتين افترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ‏"‏ أورده مختصرا هكذا في كتاب الصلاة له‏.‏
وفي رواية ابن إسحاق خلاف الروايتين ولفظه ‏"‏ فاعتدل على عقبيه وصدور قدميه ‏"‏ فإن لم يحمل على التعدد وإلا فرواية عبد الحميد أرجح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا جلس في الركعتين‏)‏ أي الأوليين ليتشهد‏.‏
وفي رواية فليح ‏"‏ ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بإصبعه ‏"‏ وفي رواية عيسى بن عبد الله ‏"‏ ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض إلى القيام قام بتكبيرة ‏"‏ وهذا يخالف في الظاهر رواية عبد الحميد حيث قال ‏"‏ إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه كما كبر عند افتتاح الصلاة ‏"‏ ويمكن الجمع بينهما بأن التشبيه واقع على صفة التكبير لا على محله، ويكون معنى قوله ‏"‏ إذا قام ‏"‏ أي أراد القيام أو شرع فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا جلس في الركعة الآخرة الخ‏)‏ في رواية عبد الحميد ‏"‏ حتى إذا كانت السجدة التي يكون فيها التسليم ‏"‏ وفي روايته عند ابن حبان ‏"‏ التي تكون خاتمة الصلاة أخرج رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر ‏"‏ زاد ابن إسحاق في روايته ‏"‏ ثم سلم ‏"‏ وفي رواية عيسى عند الطحاوي ‏"‏ فلما سلم سلم عن يمينه سلام عليكم ورحمة الله وعن شماله كذلك ‏"‏ وفي رواية أبي عاصم عن عبد الحميد عند أبي داود وغيره ‏"‏ قالوا - أي الصحابة المذكورون - صدقت، هكذا كان يصلي ‏"‏ وفي هذا الحديث حجة قوية للشافعي ومن قال بقوله في أن هيئة الجلوس في التشهد الأول مغايرة لهيئة الجلوس في الأخير، وخالف في ذلك المالكية والحنفية فقالوا‏:‏ يسوى بينهما، لكن قال المالكية‏:‏ يتورك فيهما كما جاء في التشهد الأخير، وعكسه الآخرون‏.‏
وقد قيل في حكمة المغايرة بينهما أنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد الركعات، ولأن الأول تعقبه حركة بخلاف الثاني، ولأن المسبوق إذا رآه علم قدر ما سبق به، واستدل به الشافعي أيضا على أن تشهد الصبح كالتشهد الأخير من غيره لعموم قوله ‏"‏ في الركعة الأخيرة‏"‏، واختلف فيه قول أحمد، والمشهور عنه اختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان‏.‏
وفي الحديث من الفوائد أيضا جواز وصف الرجل نفسه بكونه أعلم من غيره إذا أمن الإعجاب وأراد تأكيد ذلك عند من سمعه لما في التعليم والأخذ عن الأعلم من الفضل‏.‏
وفيه أن ‏"‏ كان ‏"‏ تستعمل فيما مضى وفيما يأتي لقول أبي حميد كنت أحفظكم وأراد استمراره على ذلك أشار إليه ابن التين‏.‏
وفيه أنه كان يخفى على الكثير من الصحابة بعض الأحكام المتلقاة عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما تذكره بعضهم إذا ذكر‏.‏
وفي الطرق التي أشرت إلى زيادتها جملة من صفة الصلاة ظاهرة لمن تدبر ذلك وتفهمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسمع الليث الخ‏)‏ إعلام منه بأن العنعنة الواقعة في إسناد هذا الحديث بمنزلة السماع، وهو كلام المصنف، ووهم من جزم بأنه كلام يحيى بن بكير، وقد وقع التصريح بتحديث ابن حلحلة ليزيد في رواية ابن المبارك كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو صالح عن الليث‏)‏ يعني بإسناده الثاني عن اليزيدين، كذلك وصله الطبراني عن مطلب بن شعيب وابن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ كلاهما عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، ووهم من جزم بأن أبا صالح هنا هو ابن عبد الغفار الحراني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كل قفار‏)‏ ضبط في روايتنا بتقديم القاف على الفاء، وكذا للأصيلي، وعند الباقين بتقديم الفاء كرواية يحيى بن بكير، لكن ذكر صاحب المطالع أنهم كسروا الفاء، وجزم جماعة من الأئمة بأن تقديم القاف تصحيف‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ لم يتبين لي وجهه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن المبارك الخ‏)‏ وصله الجوزقي في جمعه وإبراهيم الحربي في غريبه وجعفر الفريابي في صفة الصلاة كلهم من طريق ابن المبارك بهذا الإسناد، ووقع عندهم بلفظ ‏"‏ حتى يعود كل فقار مكانه ‏"‏ وهي نحو رواية يحيى بن بكير، ووقع في رواية الكشميهني وحده ‏"‏ كل فقاره ‏"‏ واختلف في ضبطه فقيل بهاء الضمير وقيل بهاء التأنيث أي حتى تعود كل عظمة من عظام الظهر مكانها، والأول معناه حتى يعود جميع عظام ظهره‏.‏
وأما رواية يحيى بن بكير ففيها إشكال، وكأنه ذكر الضمير لأنه أعاده على لفظ الفقار، والمعنى حتى يعود كل عظام مكانها، أو استعمل الفقار للواحد تجوزا‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 05:16 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n99&p1#TOP)باب مَنْ لَمْ يَرَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَاجِبًا
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَرْجِعْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم ير التشهد الأول واجبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الركعتين ولم يرجع‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ذكر في هذه الترجمة الحكم ودليله، ولم يثبت الحكم مع ذلك كأن يقول باب لا يجب التشهد الأول، وسببه ما يطرق الدليل المذكور من الاحتمال‏.‏
وقد أشار إلى معارضته في الترجمة التي تلي هذه حيث أوردها بنظير ما أورد به الترجمة التي بعدها، وفي لفظ حديث الباب فيها ما يشعر بالوجوب حيث قال ‏"‏ وعليه جلوس ‏"‏ وهو محتمل أيضا، وسيأتي الكلام على حديث التشهد، وورد الأمر بالتشهد الأول أيضا‏.‏
ووجه الدلالة من حديث الباب أنه لو كان واجبا لرجع إليه لما سبحوا به بعد أن قام كما سيأتي بيانه في الكلام على حديث الباب في أبواب سجود السهو، ويعرف منه أن قول ناصر الدين بن المنير في الحاشية‏:‏ لو كان واجبا لسبحوا به ولم يسارعوا إلى الموافقة على الترك، غفلة عن الرواية المنصوص فيها على أنهم سبحوا به، قال ابن بطال‏:‏ والدليل على أن سجود السهو لا ينوب عن الواجب أنه لو نسي تكبيرة الإحرام لم تجبر فكذلك التشهد، ولأنه ذكر لا يجهر به بحال فلم يجب كدعاء الافتتاح، واحتج غيره بتقريره صلى الله عليه وسلم الناس على متابعته بعد أن علم أنهم تعمدوا تركه، وفيه نظر‏.‏
وممن قال بوجوبه الليث وإسحاق وأحمد في المشهور وهو قول للشافعي‏.‏
وفي رواية عند الحنفية‏.‏
واحتج الطبري لوجوبه بأن الصلاة فرضت أولا ركعتين وكان التشهد فيها واجبا فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الواجب‏.‏
وأجيب بأن الزيادة لم تتعين في الأخيرتين بل يحتمل أن يكونا هما الفرض الأول والمزيد هما الركعتان الأولتان بتشهدهما، ويؤيده استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان، واحتج أيضا بأن من تعمد ترك الجلوس الأول بطلت صلاته، وهذا لا يرد لأن من لا يوجبه لا يبطل الصلاة بتركه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏التشهد‏)‏ هو تفعل من تشهد، سمي بذلك لاشتماله على النطق بشهادة الحق تغليبا لها على بقية أذكاره لشرفها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَالَ مَرَّةً مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ وَهُوَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءة وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ الظَّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الرحمن بن هرمز‏)‏ هو الأعرج المذكور في الإسناد الذي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مولى بني عبد المطلب وقال مرة‏)‏ أي الزهري ‏(‏مولى ربيعة بن الحارث‏)‏ ولا تنافي بينهما لأنه مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فذكره أولا بجد مواليه الأعلى وثانيا بمولاه الحقيقي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أزد شنوءة‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها مهملة ثم معجمة مفتوحة ثم نون مضمومة وهمزة مفتوحة وزن فعولة قبيلة مشهورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حليف لبني عبد مناف‏)‏ صواب لأن جده حالف المطلب بن عبد مناف، قاله ابن سعد وغيره، وسيأتي ما فيه في أبواب سجود السهو إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام في الركعتين الأوليين لم يجلس‏)‏ أي للتشهد، ووقع في رواية ابن عساكر ‏"‏ ولم يجلس ‏"‏ بزيادة واو، وفي صحيح مسلم ‏"‏ فلم يجلس ‏"‏ بالفاء، وسيأتي في السهو كذلك، قال ابن رشيد‏:‏ إذا أطلق في الأحاديث الجلوس في الصلاة من غير تقييد فالمراد به جلوس التشهد، وبهذا يظهر وجه مناسبة الحديث للترجمة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n99&p1#TOP)باب التَّشَهُّدِ فِي الْأُولَى
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب التشهد في الأولى‏)‏ أي الجلسة الأولى من ثلاثية أو رباعية قال الكرماني‏:‏ الفرق بين هذه الترجمة والتي قبلها أن الأولى لبيان عدم وجوب التشهد الأول والثانية لبيان مشروعيته أي والمشروعية أعم من الواجب والمندوب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فَقَامَ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بكر‏)‏ هو ابن مضر، وعبد الله بن مالك بن بحينة هو عبد الله بن بحينة المذكور في الإسناد الذي قبله، وبحينة والدة عبد الله على المشهور فينبغي أن تثبت الألف في ابن بحينة إذا ذكر مالك ويعرب إعراب عبد الله‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ لا خلاف في أن ألفاظ التشهد في الأولى كالتي في الأخيرة، إلا ما روى الزهري عن سالم قال‏:‏ وكان ابن عمر لا يسلم في التشهد الأول، كان يرى ذلك نسخا لصلاته‏.‏
قال الزهري‏:‏ فأما أنا فأسلم، يعني قوله ‏"‏ السلام عليك أيها النبي - إلى - الصالحين ‏"‏ هكذا أخرجه عبد الرزاق‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-02-2013, 05:17 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n99&p1#TOP)باب التَّشَهُّدِ فِي الْآخِرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التشهد في الآخرة‏)‏ أي الجلسة الآخرة، قال ابن رشيد‏:‏ ليس في حديث الباب تعيين محل القول، لكن يؤخذ ذلك من قوله ‏"‏ فإذا صلى أحدكم فليقل ‏"‏ فإن ظاهر قوله ‏"‏ إذا صلى ‏"‏ أي أتم صلاته، لكن تعذر الحمل على الحقيقة لأن التشهد لا يكون بعد السلام، فلما تعين المجاز كان حمله على آخر جزء من الصلاة أولى لأنه هو الأقرب إلى الحقيقة‏.‏
قلت‏:‏ وهذا التقرير على مذهب الجمهور في أن السلام جزء من الصلاة، لا أنه للتحلل منها فقط، والأشبه بتصرف البخاري أنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه من تعيين محل القول كما سيأتي قريبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن شقيق‏)‏ في رواية يحيى الآتية بعد باب ‏"‏ عن الأعمش حدثني شقيق‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنا إذا صلينا‏)‏ في رواية يحيى المذكورة ‏"‏ كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ‏"‏ ولأبي داود عن مسدد شيخ البخاري فيه ‏"‏ إذا جلسنا ‏"‏ ومثله للإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن يحيى، وله من رواية علي بن مسهر، ولابن إسحاق في مسنده عن عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش نحوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلنا السلام على جبريل‏)‏ وقع في هذه الرواية اختصار ثبت في رواية يحيى المذكورة وهو ‏"‏ قلنا السلام على الله من عباده ‏"‏ كذا وقع للمصنف فيها، وأخرجه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه فقال ‏"‏ قبل عباده ‏"‏ وكذا للمصنف في الاستئذان من طريق حفص بن غياث عن الأعمش وهو المشهور في أكثر الروايات وبهذه الزيادة يتبين موقع قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن الله هو السلام ‏"‏ ولفظه في رواية يحيى المذكورة ‏"‏ لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏السلام على فلان وفلان‏)‏ في رواية عبد الله بن نمير عن الأعمش عند ابن ماجه يعنون الملائكة، وللإسماعيلي من رواية على بن مسهر ‏"‏ فنعد الملائكة ‏"‏ ومثله للسراج من رواية محمد بن فضيل عن الأعمش بلفظ ‏"‏ فنعد من الملائكة ما شاء الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فالتفت‏)‏ ظاهره أنه كلمهم بذلك في أثناء الصلاة، ونحوه في رواية حصين عن أبي وائل وهو شقيق عند المصنف، في أواخر الصلاة بلفظ ‏"‏ فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ قولوا ‏"‏ لكن بين حفص بن غياث في روايته المذكورة المحل الذي خاطبهم بذلك فيه وأنه بعد الفراغ من الصلاة ولفظه ‏"‏ فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه ‏"‏ وفي رواية عيسى بن يونس أيضا ‏"‏ فلما انصرف من الصلاة قال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الله هو السلام‏)‏ قال البيضاوي ما حاصله‏:‏ أنه صلى الله عليه وسلم أنكر التسليم على الله وبين أن ذلك عكس ما يجب أن يقال، فإن كل سلام ورحمة له ومنه وهو مالكها ومعطيها‏.‏
وقال التوربشتي‏:‏ وجه النهي عن السلام على الله لأنه المرجوع إليه بالمسائل المتعالي عن المعاني المذكورة فكيف يدعى له وهو المدعو على الحالات‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ المراد أن الله هو ذو السلام فلا تقولوا السلام على الله فإن السلام منه بدأ وإليه يعود، ومرجع الأمر في إضافته إليه أنه ذو السلام من كل آفة وعيب‏.‏
ويحتمل أن يكون مرجعها إلى حظ العبد فيما يطلبه من السلامة من الآفات والمهالك‏.‏
وقال النووي‏:‏ معناه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، يعني السالم من النقائص، ويقال‏:‏ المسلم أولياء وقيل المسلم عليهم، قال ابن الأنباري أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة وغناه سبحانه وتعالى عنها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا صلى أحدكم فليقل‏)‏ بين حفص في روايته المذكورة محل القول ولفظه ‏"‏ فإذا جلس أحدكم في الصلاة ‏"‏ وفي رواية حصين المذكورة ‏"‏ إذا قعد أحدكم في الصلاة ‏"‏ وللنسائي من طريق أبي الأحوص عن عبد الله ‏"‏ كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين، وأن محمدا علم فواتح الخير وخواتمه فقال‏:‏ إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا ‏"‏ وله من طريق الأسود عن عبد الله ‏"‏ فقولوا في كل جلسة ‏"‏ ولابن خزيمة من وجه آخر عن الأسود عن عبد الله ‏"‏ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها ‏"‏ وزاد الطحاوي من هذا الوجه في أوله ‏"‏ وأخذت التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقننيه كلمة كلمة ‏"‏ وللمصنف في الاستئذان من طريق أبي معمر عن ابن مسعود ‏"‏ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن ‏"‏ واستدل بقوله ‏"‏ فليقل ‏"‏ على الوجوب خلافا لمن لم يقل به كمالك، وأجاب بعض المالكية بأن التسبيح في الركوع والسجود مندوب، وقد وقع الأمر به في قوله صلى الله عليه وسلم لما نزلت ‏(‏فسبح باسم ربك العظيم‏)‏ ‏"‏ اجعلوها في ركوعكم ‏"‏ الحديث فكذلك التشهد، وأجاب الكرماني بأن الأمر حقيقته الوجوب فيحمل عليه إلا إذا دل دليل على خلافه، ولولا الإجماع على عدم وجوب التسبيح في الركوع والسجود لحملناه على الوجوب‏.‏
انتهى‏.‏
وفي دعوى هذا الإجماع نظر، فإن أحمد يقول بوجوبه ويقول بوجوب التشهد الأول أيضا، ورواية أبي الأحوص المتقدمة وغيرها تقويه، وقد قدمنا ما فيه قبل بباب، وقد جاء عن ابن مسعود التصريح بفرضية التشهد، وذلك فيما رواه الدار قطني وغيره بإسناد صحيح من طريق علقمة عن ابن مسعود ‏"‏ كنا لا ندري ما نقول قبل أن يفرض علينا التشهد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏التحيات‏)‏ جمع تحية ومعناها السلام وقيل البقاء وقيل العظمة وقيل السلامة من الآفات والنقص وقيل الملك‏.‏
وقال أبو سعيد الضرير‏:‏ ليست التحية الملك نفسه لكنها الكلام الذي يحيا به الملك‏.‏
وقال ابن قتيبة‏:‏ لم يكن يحيا إلا الملك خاصة، وكان لكل ملك تحية تخصه فلهذا جمعت، فكان المعنى التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقة لله‏.‏
وقال الخطابي ثم البغوي‏:‏ ولم يكن في تحياتهم شيء يصلح للثناء على الله، فلهذا أبهمت ألفاظها واستعمل منها معنى التعظيم فقال‏:‏ قولوا التحيات لله، أي أنواع التعظيم له‏.‏
وقال المحب الطبري‏:‏ يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركا بين المعاني المقدم ذكرها، وكونها بمعنى السلام أنسب هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والصلوات‏)‏ قيل المراد الخمس، أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة وقيل المراد العبادات كلها، وقيل الدعوات، وقيل المراد الرحمة، وقيل التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية والطيبات الصدقات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والطيبات‏)‏ أي ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به، وقيل الطيبات ذكر الله، وقيل الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء، وقيل الأعمال الصالحة وهو أعم، قال ابن دقيق العيد‏:‏ إذا حمل التحية على السلام فيكون التقدير التحيات التي تعظم بها الملوك مستمرة لله، وإذا حمل على البقاء فلا شك في اختصاص الله به، وكذلك الملك الحقيقي والعظمة التامة، وإذا حملت الصلاة على العهد أو الجنس كان التقدير أنها لله واجبة لا يجوز أن يقصد بها غيره، وإذا حملت على الرحمة فيكون معنى قوله ‏"‏ لله ‏"‏ أنه المتفضل بها لأن الرحمة التامة لله يؤتيها من يشاء‏.‏
وإذا حملت على الدعاء فظاهر، وأما الطيبات فقد فسرت بالأقوال، ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى فتشمل الأفعال والأقوال والأوصاف، وطيبها كونها كاملة خالصة عن الشوائب‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ قوله ‏"‏ لله ‏"‏ فيه تنبيه على الإخلاص في العبادة، أي أن ذلك لا يفعل إلا لله، ويحتمل أن يراد به الاعتراف بأن ملك الملوك وغير ذلك مما ذكر كله في الحقيقة لله تعالى‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ يحتمل أن يكون والصلوات والطيبات عطفا على التحيات، ويحتمل أن تكون الصلوات مبتدأ وخبره محذوف والطيبات معطوفة عليها والواو الأولى لعطف الجملة على الجملة، والثانية لعطف المفرد على الجملة‏.‏
وقال ابن مالك‏:‏ إن جعلت التحيات مبتدأ ولم تكن صفة لموصوف محذوف كان قولك والصلوات مبتدأ لئلا يعطف نعت على منعوته فيكون من باب عطف الجمل بعضها على بعض، وكل جملة مستقلة بفائدتها، وهذا المعنى لا يوجد عند إسقاط الواو‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏السلام عليك أيها النبي‏)‏ قال النووي‏:‏ يجوز فيه وفيما بعده أي السلام حذف اللام وإثباتها والإثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين‏.‏
قلت‏:‏ لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام، وإنما اختلف ذلك في حديث ابن عباس وهو من أفراد مسلم، قال الطيبي‏:‏ أصل سلام عليك سلمت سلاما عليك، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره، ثم التعريف إما للعهد التقديري، أي ذلك السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي، وكذلك السلام الذي وجه إلى الأمم السالفة علينا وعلى إخواننا، وإما للجنس والمعنى أن حقيقة السلام الذي يعرفه كل واحد وعمن يصدر وعلى من ينزل عليك وعلينا، ويجوز أن يكون للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى ‏(‏وسلام على عباده الذين اصطفى‏)‏ قال‏:‏ ولا شك أن هذه التقادير أولى من تقدير النكرة‏.‏
انتهى‏.‏
وحكى صاحب الإقليد عن أبي حامد أن التنكير فيه للتعظيم، وهو وجه من وجوه الترجيح لا يقصر عن الوجوه المتقدمة‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ علمهم أن يفردوه صلى الله عليه وسلم بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم، ثم علمهم أن يخصصوا أنفسهم أولا لأن الاهتمام بها أهم، ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلاما منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملا لهم‏.‏
وقال التوربشتي‏:‏ السلام بمعنى السلامة كالمقام والمقامة، والسلام من أسماء الله تعالى وضع المصدر موضع الاسم مبالغة، والمعنى أنه سالم من كل عيب وآفة ونقص وفساد، ومعنى قولنا السلام عليك الدعاء أي سلمت من المكاره، وقيل معناه اسم السلام عليك كأنه تبرك عليه باسم الله تعالى‏.‏
فإن قيل كيف شرع هذا اللفظ وهو خطاب بشر مع كونه منهيا عنه في الصلاة‏؟‏ فالجواب أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فإن قيل ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله عليك أيها النبي مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق كأن يقول السلام على النبي فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي ثم إلى تحية النفس ثم إلى الصالحين، أجاب الطيبي بما محصله‏:‏ نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي كان علمه الصحابة‏.‏
ويحتمل أن يقال على طريق أهل العرفان‏:‏ إن المصلين لما استفتحوا باب الملكوت بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت فقرت أعينهم بالمناجاة فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته فالتفتوا فإذا الحبيب في حرم الحبيب حاضر فأقبلوا عليه قائلين‏:‏ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ا هـ‏.‏
وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم فيقال بلفظ الخطاب، وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة، وهو مما يخدش في وجه الاحتمال المذكور، ففي الاستئذان من صحيح البخاري من طريق أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهد قال ‏"‏ وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا السلام ‏"‏ يعني على النبي، كذا وقع في البخاري، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج والجوزقي وأبو نعيم الأصبهاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ فلما قبض قلنا السلام على النبي ‏"‏ بحذف لفظ يعني، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم، قال السبكي في شرح المنهاج بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبي عوانة وحده‏:‏ إن صح هذا عن الصحابة دل على أن الحطاب في السلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم غير واجب فيقال السلام على النبي‏.‏
قلت‏:‏ قد صح بلا ريب وقد وجدت له متابعا قويا‏.‏
قال عبد الرزاق‏:‏ ‏"‏ أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حي‏:‏ السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا‏:‏ السلام على النبي ‏"‏ وهذا إسناد صحيح‏.‏
وأما ما روى سعيد بن منصور من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد فذكره قال فقال ابن عباس‏:‏ إنما كنا نقول السلام عليك أيها النبي إذ كان حيا، فقال ابن مسعود‏:‏ هكذا علمنا وهكذا نعلم، فظاهر أن ابن عباس قاله بحثا وأن ابن مسعود لم يرجع إليه، لكن رواية أبي معمر أصح لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه والإسناد إليه مع ذلك ضعيف، فإن قيل لم عدل عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوة مع أن الوصف بالرسالة أعم في حق البشر‏؟‏ أجاب بعضهم بأن الحكمة في ذلك أن يجمع له الوصفين لكونه وصفه بالرسالة في آخر التشهد وإن كان الرسول البشري يستلزم النبوة، لكن التصريح بهما أبلغ‏.‏
قيل والحكمة في تقديم الوصف بالنبوة أنها كذا وجدت في الخارج لنزول قوله تعالى ‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ قبل قوله ‏(‏يا أيها المدثر قم فأنذر‏)‏ والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورحمة الله‏)‏ أي إحسانه، ‏(‏وبركاته‏)‏ أي زيادته من كل خير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏السلام علينا‏)‏ استدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء وفي الترمذي مصححا من حديث أبي بن كعب ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه ‏"‏ وأصله في مسلم، ومنه قول نوح وإبراهيم عليهما السلام كما في التنزيل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عباد الله الصالحين‏)‏ الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده وتتفاوت درجاته، قال الترمذي الحكيم‏:‏ من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبدا صالحا وإلا حرم هذا الفضل العظيم‏.‏
وقال الفاكهاني‏:‏ ينبغي للمصلي أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين، يعني ليتوافق لفظه مع قصده‏.‏
قوله ‏(‏فإنكم إذا قلتموها‏)‏ أي ‏"‏ وعلى عباد الله الصالحين ‏"‏ وهو كلام معترض بين قوله الصالحين وبين قوله أشهد الخ، وإنما قدمت للاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عد الملائكة واحدا واحدا ولا يمكن استيعابهم لهم مع ذلك، فعلمهم لفظا يشمل الجميع مع غير الملائكة من النبيين والمرسلين والصديقين وغيرهم بغير مشقة، وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، وإلى ذلك الإشارة بقول ابن مسعود ‏"‏ وأن محمدا علم فواتح الخير وخواتمه ‏"‏ كما تقدم‏.‏
وقد ورد في بعض طرقه سياق التشهد متواليا وتأخير الكلام المذكور بعد، وهو من تصرف الرواة، وسيأتي في أواخر الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كل عبد لله صالح‏)‏ استدل به على أن الجمع المضاف والجمع المحلى بالألف واللام يعم، لقوله أولا عباد الله الصالحين ثم قال أصابت كل عبد صالح‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ فيه دليل على أن جمع التكسير للعموم، وفي هذه العبارة نظر واستدل به على أن للعموم صيغة، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهو مقطوع به عندنا في لسان العرب وتصرفات ألفاظ الكتاب والسنة، قال‏:‏ والاستدلال بهذا فرد من أفراد لا تحصى، لا للاقتصار عليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في السماء والأرض‏)‏ في رواية مسدد عن يحيى ‏"‏ أو بين السماء والأرض ‏"‏ والشك فيه من مسدد، وإلا فقد رواه غيره عن يحيى بلفظ ‏"‏ من أهل السماء والأرض ‏"‏ وأخرجه الإسماعيلي وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أشهد أن لا إله إلا الله‏)‏ زاد ابن أبي شيبة من رواية أبي عبيدة عن أبيه ‏"‏ وحده لا شريك له ‏"‏ وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ‏.‏
وفي حديث ابن عمر عند الدار قطني، إلا أن سنده ضعيف‏.‏
وقد روى أبو داود من وجه آخر صحيح عن ابن عمر في التشهد ‏"‏ أشهد أن لا إله إلا الله ‏"‏ قال ابن عمر‏:‏ زدت فيها ‏"‏ وحده لا شريك له ‏"‏ وهذا ظاهره الوقف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‏)‏ لم تختلف الطرق عن ابن مسعود في ذلك، وكذا هو في حديث أبي موسى وابن عمر وعائشة المذكور وجابر وابن الزبير عند الطحاوي وغيره ‏"‏ وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال ‏"‏ بينا النبي صلى الله عليه وسلم يعلم التشهد إذ قال رجل‏:‏ وأشهد أن محمدا رسوله وعبده، فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ لقد كنت عبدا قبل أن أكون رسولا‏.‏
قل‏:‏ عبده ورسوله ‏"‏ ورجاله ثقات إلا أنه مرسل، وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السنن ‏"‏ وأشهد أن محمدا رسول الله ‏"‏ ومنهم من حذف ‏"‏ وأشهد ‏"‏ ورواه ابن ماجه بلفظ ابن مسعود، قال الترمذي‏:‏ حديث ابن مسعود روي عنه من غير وجه، وهو أصح حديث روي في التشهد والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم‏.‏
قال‏:‏ وذهب الشافعي إلى حديث ابن عباس في التشهد‏.‏
وقال البزار لما سئل عن أصح حديث في التشهد قال‏:‏ هو عندي حديث ابن مسعود، وروى من نيف وعشرين طريقا، ثم سرد أكثرها وقال‏:‏ لا أعلم في التشهد أثبت منه ولا أصح أسانيد ولا أشهر رجالا ا هـ‏.‏
ولا اختلاف بين أهل الحديث في ذلك، وممن جزم بذلك البغوي في شرح السنة، ومن رجحانه أنه متفق عليه دون غيره، وأن الرواة عنه من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره، وأنه نلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم تلقينا فروى الطحاوي من طريق الأسود بن يزيد عنه قال ‏"‏ أخذت التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقننيه كلمة كلمة ‏"‏ وقد تقدم أن في رواية أبي معمر عنه ‏"‏ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه ‏"‏ ولابن أبي شيبة وغيره من رواية جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عنه قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ‏"‏ وقد وافقه على هذا اللفظ أبو سعيد الخدري وساقه بلفظ ابن مسعود أخرجه الطحاوي، لكن هذا الأخير ثبت مثله في حديث ابن عباس عند مسلم ورجح أيضا بثبوت الواو في الصلوات والطيبات، وهي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فتكون كل جملة ثناء مستقلا، بخلاف ما إذا حذفت فإنها تكون صفة لما قبلها، وتعدد الثناء في الأول صريح فيكون أولى، ولو قيل إن الواو مقدرة في الثاني، ورجح بأنه ورد بصيغة الأمر بخلاف غيره فإنه مجرد حكاية‏.‏
ولأحمد من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد وأمره أن يعلمه الناس، ولم ينقل ذلك لغيره، ففيه دليل على مزيته‏.‏
وقال الشافعي بعد أن أخرج حديث ابن عباس‏:‏ رويت أحاديث في التشهد مختلفة، وكان هذا أحب إلي لأنه أكملها‏.‏
وقال في موضع آخر، وقد سئل عن اختياره تشهد ابن عباس‏:‏ لما رأيته واسعا وسمعته عن ابن عباس صحيحا كان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره، وأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح‏.‏
ورجحه بعضهم بكونه مناسبا للفظ القرآن في قوله تعالى ‏(‏تحية من عند الله مباركة طيبة‏)‏ وأما من رجحه بكون ابن عباس من أحداث الصحابة فيكون أضبط لما روي، أو بأنه أفقه من رواه، أو بكون إسناد حديثه حجازيا وإسناد ابن مسعود كوفيا وهو مما يرجح به فلا طائل فيه لمن أنصف، نعم يمكن أن يقال إن الزيادة التي في حديث ابن عباس وهي ‏"‏ المباركات ‏"‏ لا تنافي رواية ابن مسعود، ورجح الأخذ بها لكون أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الأخير، وقد اختار مالك وأصحابه تشهد عمر لكونه علمه للناس وهو على المنبر ولم ينكروه فيكون إجماعا، ولفظه نحو حديث ابن عباس إلا أنه قال ‏"‏ الزاكيات ‏"‏ بدل المباركات وكأنه بالمعنى، لكن أورد على الشافعي زيادة ‏"‏ بسم الله ‏"‏ في أول التشهد، ووقع في رواية عمر المذكورة لكن من طريق هشام بن عروة عن أبيه لا من طريق الزهري عن عروة التي أخرجها مالك أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وغيرهما وصححه الحاكم مع كونه موقوفا، وثبت في الموطأ أيضا عن ابن عمر موقوفا ووقع أيضا في حديث جابر المرفوع تفرد به أيمن بن نابل بالنون ثم الموحدة عن أبي الزبير عنه، وحكم الحفاظ - البخاري وغيره - على أنه أخطأ في إسناده وأن الصواب رواية أبي الزبير عن طاوس وغيره عن ابن عباس‏.‏
وفي الجملة لم تصح هذه الزيادة‏.‏
وقد ترجم البيهقي عليها ‏"‏ من استحب أو أباح التسمية قبل التحية ‏"‏ وهو وجه لبعض الشافعية وضعف، ويدل على عدم اعتبارها أنه ثبت في حديث أبي موسى المرفوع في التشهد وغيره ‏"‏ فإذا قعد أحدكم فليكن أول قوله التحيات لله ‏"‏ الحديث‏.‏
كذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بسنده‏.‏
وأخرج مسلم من طريق عبد الرزاق هذه، وقد أنكر ابن مسعود وابن عباس وغيرهما على من زادها أخرجه البيهقي وغيره‏.‏
ثم إن هذا الاختلاف إنما هو في الأفضل وكلام الشافعي المتقدم يدل على ذلك، ونقل جماعة من العلماء الاتفاق على جواز التشهد بكل ما ثبت، لكن كلام الطحاوي يشعر بأن بعض العلماء يقول بوجوب التشهد المروي عن عمر، وذهب جماعة من محدثي الشافعية كابن المنذر إلى اختيار تشهد ابن مسعود، وذهب بعضهم كابن خزيمة إلى عدم الترجيح، وقد تقدم الكلام عن المالكية أن التشهد مطلقا غير واجب، والمعروف عند الحنفية أنه واجب لا فرض، بخلاف ما يوجد عنهم في كتب مخالفيهم‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ هو فرض، لكن قال‏:‏ لو لم يزد رجل على قوله ‏"‏ التحيات لله سلام عليك أيها النبي الخ ‏"‏ كرهت ذلك له ولم أر عليه إعادة، هذا لفظه في الأم‏.‏
وقال صاحب الروضة تبعا لأصله‏:‏ وأما أقل التشهد فنص الشافعي وأكثر الأصحاب إلى أنه‏.‏
‏.‏
فذكره، لكنه قال ‏"‏ وأن محمدا رسول الله ‏"‏ قال‏:‏ ونقله ابن كج والصيدلاني فقالا ‏"‏ وأشهد أن محمدا رسول الله ‏"‏ لكن أسقطا ‏"‏ وبركاته ‏"‏ ا هـ‏.‏
وقد استشكل جواز حذف ‏"‏ الصلوات ‏"‏ مع ثبوتها في جميع الروايات الصحيحة وكذلك ‏"‏ الطيبات ‏"‏ مع جزم جماعة من الشافعية بأن المقتصر عليه هو الثابت في جميع الروايات، ومنهم من وجه الحذف بكونهما صفتين كما هو الظاهر من سياق ابن عباس، لكن يعكر على هذا ما تقدم من البحث في ثبوت العطف فيهما في سياق غيره وهو يقتضي المغايرة‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال القفال في فتاويه‏:‏ ترك الصلاة يضر بجميع المسلمين لأن المصلي يقول‏:‏ اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات، ولا بد أن يقول في التشهد ‏"‏ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ‏"‏ فيكون مقصرا بخدمة الله وفي حق رسوله وفي حق نفسه وفي حق كافة المسلمين، ولذلك عظمت المعصية بتركها‏.‏
واستنبط منه السبكي أن في الصلاة حقا للعباد مع حق الله، وأن من تركها أخل يحق جميع المؤمنين من مضى ومن يجيء إلى يوم القيامة لوجوب قوله فيها ‏"‏ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ذكر خلف في الأطراف أن في بعض النسخ من صحيح البخاري عقب حديث الباب في التشهد عن أبي نعيم ‏"‏ حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الأعمش ومنصور وحماد عن أبي وائل ‏"‏ وبذلك جزم أبو نعيم في مستخرجه فأخرجه من طريق أبي نعيم عن الأعمش به‏.‏
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان به، ثم أخرجه من طريق أبي نعيم عن يوسف بن سليمان وقال‏:‏ أخرجه البخاري عن أبي نعيم فيما أرى ا هـ‏.‏
وبذلك جزم المزي في الأطراف، ولم أره في شيء من الروايات التي اتصلت لنا هنا لا عن قبيصة ولا عن أبي نعيم عن سيف، نعم هو في الاستئذان عن أبي نعيم‏.‏
بهذا الإسناد، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:11 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n100&p1#TOP)باب الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء قبل السلام‏)‏ أي بعد التشهد، هذا الذي يتبادر من ترتيبه، لكن قوله في الحديث ‏"‏ كان يدعو في الصلاة ‏"‏ لا تقييد فيه بما بعد التشهد‏.‏
وأجاب الكرماني فقال‏:‏ من حيث أن لكل مقام ذكرا مخصوصا فتعين أن يكون محله بعد الفراغ من الكل ا هـ‏.‏
وفيه نظر، لأن التعيين الذي ادعاه لا يختص بهذا المحل لورود الأمر بالدعاء في السجود، فكما أن للسجود ذكرا مخصوصا ومع ذلك أمر فيه بالدعاء فكذلك الجلوس في آخر الصلاة له ذكر مخصوص وأمر فيه مع ذلك بالدعاء إذا فرغ منه‏.‏
وأيضا فإن هذا هو ترتيب البخاري، لكنه مطالب بدليل اختصاص هذا المحل بهذا الذكر، ولو قطع النظر عن ترتيبه لم يكن بين الترجمة والحديث منافاة، لأن قبل السلام يصدق على جميع الأركان، وبذلك جزم الزين بن المنير وأشار إليه النووي، وسأذكر كلامه آخر الباب‏.‏
وقال ابن دقيق العيد في الكلام على حديث أبي بكر - وهو ثاني حديثي الباب - هذا يقتضي الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعين محله، ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين - السجود أو التشهد - لأنهما أمر فيهما بالدعاء‏.‏
قلت‏:‏ والذي يظهر لي أن البخاري أشار إلى ما ورد في بعض الطرق من تعيينه بهذا المحل، فقد وقع في بعض طرق حديث ابن مسعود بعد ذكر التشهد ‏"‏ ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ‏"‏ وسيأتي البحث فيه‏.‏
ثم قد أخرج ابن خزيمة من رواية ابن جريج أخبرني عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان يقول بعد التشهد كلمات يعظمهن جدا‏.‏
قلت في المثنى كليها‏؟‏ قال بل في التشهد الأخير، قلت‏:‏ ما هي‏؟‏ قال ‏"‏ أعوذ بالله من عذاب القبر ‏"‏ الحديث‏.‏
قال ابن جريج‏:‏ أخبرنيه عن أبيه عن عائشة مرفوعا‏.‏
ولمسلم من طريق محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ إذا تشهد أحدكم فليقل ‏"‏ فذكر نحوه‏.‏
هذه رواية وكيع عن الأوزاعي عنه، وأخرجه أيضا من رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بلفظ ‏"‏ إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير ‏"‏ فذكره، وصرح بالتحديث في جميع الإسناد، فهذا فيه تعيين هذه الاستعاذة بعد الفراغ من التشهد، فيكون سابقا على غيره من الأدعية‏.‏
وما ورد الإذن فيه أن المصلى يتخير من الدعاء ما شاء يكون بعد هذه الاستعاذة وقبل السلام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ فَقَالَ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏من عذاب القبر‏)‏ فيه رد على من أنكره، وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من فتنة المسيح الدجال‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ الفتنة الامتحان والاختبار، قال عياض‏:‏ واستعمالها في العرف لكشف ما يكره ا ه‏.‏
وتطلق على القتل والإحراق والنميمة وغير ذلك‏.‏
والمسيح بفتح الميم وتخفيف المهملة المكسورة وآخره حاء مهملة يطلق على الدجال وعلى عيسى بن مريم عليه السلام، لكن إذا أريد الدجال قيد به‏.‏
وقال أبو داود في السنن‏:‏ المسيح مثقل الدجال ومخفف عيسى، والمشهور الأول‏.‏
وأما ما نقل الفربري في رواية المستملي وحده عنه عن خلف بن عامر وهو الهمداني أحد الحفاظ أن المسيح بالتشديد والتخفيف واحد يقال للدجال ويقال لعيسى وأنه لا فرق بينهما بمعنى لا اختصاص لأحدهما بأحد الأمرين فهو رأى ثالث‏.‏
وقال الجوهري‏:‏ من قاله بالتخفيف فلمسحه الأرض، ومن قاله بالتشديد فلكونه ممسوح العين‏.‏
وحكى بعضهم أنه قال بالخاء المعجمة في الدجال ونسب قائله إلى التصحيف‏.‏
واختلف في تلقيب الدجال بذلك، فقيل‏:‏ لأنه ممسوح العين، وقيل لأن أحد شقي وجهه خلق ممسوحا لا عين فيه ولا حاجب، وقيل لأنه يمسح الأرض إذا خرج‏.‏
وأما عيسى فقيل‏:‏ سمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن، وقيل لأن زكريا مسحه، وقيل لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، وقيل لأنه كأن يمسح الأرض بسياحته، وقيل لأن رجله كانت لا أخمص لها، وقيل للبسه المسوح، وقيل هو بالعبرانية ماشيخا فعرب المسيح، وقيل المسيح الصديق كما سيأتي في التفسير ذكر قائله إن شاء الله تعالى‏.‏
وذكر شيخنا الشيخ مجد الدين الشيرازي صاحب القاموس أنه جمع في سبب تسمية عيسى بذلك خمسين قولا أوردها في شرح المشارق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتنة المحيا وفتنة الممات‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت‏.‏
وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قبل ذلك، ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، وقد صح يعني في حديث أسماء الآتي في الجنائز ‏"‏ إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال ‏"‏ ولا يكون مع هذا الوجه متكررا مع قوله ‏"‏ عذاب القبر ‏"‏ لأن العذاب مرتب عن الفتنة والسبب غير المسبب‏.‏
وقيل أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر، وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة، وهذا من العام بعد الخاص، لأن عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات، وفتنة الدجال داخلة تحت فتنة المحيا‏.‏
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن سفيان الثوري أن الميت إذا سئل ‏"‏ من ربك ‏"‏ تراءى له الشيطان فيشير إلى نفسه إني أنا ربك، فلهذا ورد سؤال التثبت له حين يسأل‏.‏
ثم أخرج بسند جيد إلى عمرو بن مرة ‏"‏ كانوا يستحبون إذا وضع الميت في القبر أن يقولوا‏:‏ اللهم أعذه من الشيطان‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والمغرم‏)‏ أي الدين، يقال غرم بكسر الراء أي أدان‏.‏
قيل والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز وفيما يجوز ثم يعجز عن أدائه، ويحتمل أن يراد به ما هو أعم من ذلك‏.‏
وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ المغرم الغرم، وقد نبه في الحديث على الضرر اللاحق من المغرم، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال له قائل‏)‏ لم أقف على اسمه، ثم وجدت في رواية للنسائي من طريق معمر عن الزهري أن السائل عن ذلك عائشة ولفظها ‏"‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ الخ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما أكثر‏)‏ بفتح الراء على التعجب‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏إذا غرم‏)‏ بكسر الراء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ووعد فأخلف‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية الحموي ‏"‏ وإذا وعد أخلف ‏"‏ والمراد أن ذلك شأن من يستدين غالبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن الزهري‏)‏ الظاهر أنه معطوف على الإسناد المذكور، فكأن الزهري حدث به مطولا ومختصرا، لكن لم أره في شيء من المسانيد والمستخرجات من طريق شعيب عنه إلا مطولا ورأيته باللفظ المختصر المذكور سندا ومتنا عند المصنف في كتاب الفتن من طريق صالح بن كيسان عن الزهري، وكذلك أخرجه مسلم من طريق صالح‏.‏
وقد استشكل دعاؤه صلى الله عليه وسلم بما ذكر مع أنه معصوم مغفور له ما تقدم وما تأخر، وأجيب بأجوبة، أحدها‏:‏ أنه قصد التعليم لأمته، ثانيها‏:‏ أن المراد السؤال منه لأمته فيكون المعنى هنا أعوذ بك لأمتي، ثالثها‏:‏ سلوك طريق التواضع وإظهار العبودية وإلزام خوف الله وإعظامه والافتقار إليه وامتثال أمره في الرغبة إليه، ولا يمتنع تكرار الطلب مع تحقيق الإجابة لأن ذلك يحصل الحسنات ويرفع الدرجات، وفيه تحريض لأمته على ملازمة ذلك لأنه إذا كان مع تحقق المغفرة لا يترك التضرع فمن لم يتحقق ذلك أحرى بالملازمة‏.‏
وأما الاستعاذة من فتنة الدجال مع تحققه أنه لا يدركه فلا إشكال فيه على الوجهين الأولين، وقيل على الثالث‏:‏ يحتمل أن يكون ذلك قبل تحقيق عدم إدراكه، ويدل عليه قوله في الحديث الآخر عند مسلم ‏"‏ إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه ‏"‏ الحديث، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الخير‏)‏ هو اليزني بالتحتانية والزاي المفتوحتين ثم نون، والإسناد كله سوى طرفيه مصريون، وفيه تابعي عن تابعي وهو يزيد عن أبي الخير، وصحابي عن صحابي وهو عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، هذه رواية الليث عن يزيد ومقتضاها أن الحديث من مسند الصديق رضي الله عنه، وأوضح من ذلك رواية أبي الوليد الطيالسي عن الليث فإن لفظه عن أبي بكر قال ‏"‏ قلت يا رسول الله ‏"‏ أخرجه البراز من طريقه‏.‏
وخالف عمرو بن الحارث الليث فجعله من مسند عبد الله ابن عمرو ولفظه ‏"‏ عن أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول‏:‏ إن أبا بكر قال للنبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ هكذا رواه ابن وهب عن عمرو، ولا يقدح هذا الاختلاف في صحة الحديث‏.‏
وقد أخرج المصنف طريق عمرو معلقة في الدعوات وموصولة في التوحيد، وكذلك أخرج مسلم الطريقين طريق الليث وطريق ابن وهب وزاد مع عمرو بن الحارث رجلا مبهما، وبين ابن خزيمة في روايته أنه ابن لهيعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ظلمت نفسي‏)‏ أي بملابسة ما يستوجب العقوبة أو ينقص الحظ‏.‏
وفيه أن الإنسان لا يعري عن تقصير ولو كان صديقا‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولا يغفر الذنوب إلا أنت‏)‏ فيه إقرار بالوحدانية واستجلاب للمغفرة، وهو كقوله تعالى ‏(‏والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم‏)‏ الآية، فأثنى على المستغفرين وفي ضمن ثنائه عليهم بالاستغفار لوح بالأمر به كما قيل‏:‏ إن كل شيء أثنى الله على فاعله فهو آمر به، وكل شيء ذم فاعله فهو ناه عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مغفرة من عندك‏)‏ قال الطيبي‏:‏ دل التنكير على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرك كهنه، ووصفه بكونه من عنده سبحانه وتعالى مريدا لذلك العظم لأن الذي يكون من عند الله لا يحيط به وصف‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ يحتمل وجهين، أحدهما الإشارة إلى التوحيد المذكور كأنه قال لا يفعل هذا إلا أنت فافعله لي أنت، والثاني - وهو أحسن - أنه إشارة إلى طلب مغفرة متفضل بها لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره‏.‏
انتهى‏.‏
وبهذا الثاني جزم ابن الجوزي فقال‏:‏ المعنى هب لي المغفرة تفضلا وإن لم أكن لها أهلا بعملي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنك أنت الغفور الرحيم‏)‏ هما صفتان ذكرتا ختما للكلام على جهة المقابلة لما تقدم، فالغفور مقابل لقوله اغفر لي، والرحيم مقابل لقوله ارحمني، وهي مقابلة مرتبة‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا استحباب طلب التعليم من العالم، خصوصا في الدعوات المطلوب فها جوامع الكلم‏.‏
ولم يصرح في الحديث بتعيين محله‏.‏
وقد تقدم كلام ابن دقيق العيد في ذلك في أوائل الباب الذي قبله، قال‏:‏ ولعله ترجح كونه فيما بعد التشهد لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل‏.‏
ونازعه الفاكهاني فقال‏:‏ الأولى الجمع بينهما في المحلين المذكورين، أي السجود والتشهد‏.‏
وقال النووي‏:‏ استدلال البخاري صحيح، لأن قوله ‏"‏ في صلاتي ‏"‏ يعم جميعها، ومن مظانه هذا الموطن‏.‏
قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون سؤال أبي بكر عن ذلك كان عند قوله لما علمهم التشهد ‏"‏ ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ‏"‏ ومن ثم أعقب المصنف الترجمة بذلك‏.‏
*

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:12 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n100&p1#TOP)باب مَا يُتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد، وليس بواجب‏)‏ يشير إلى أن الدعاء السابق في الباب الذي قبله لا يجب وإن كان قد ورد بصيغة الأمر كما أشرت إليه، لقوله في آخر حديث التشهد ‏"‏ ثم ليتخير ‏"‏ والمنفي وجوبه يحتمل أن يكون الدعاء الذي لا يجب دعاء مخصوص، وهذا واضح مطابق للحديث، وإن كان التخيير مأمورا به‏.‏
ويحتمل أن يكون المنفي التخيير، ويحمل الأمر الوارد به على الندب، ويحتاج إلى دليل‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ ليس التخيير في آحاد الشيء بدال على عدم وجوبه، فقد يكون أصل الشيء واجبا ويقع التخيير في وصفه‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ قوله ‏"‏ ثم ليتخير ‏"‏ وإن كان بصيغة الأمر لكنا كثيرا ما ترد للندب، وادعى بعضهم الإجماع على عدم الوجوب، وفيه نظر، فقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طاوس ما يدل على أنه يرى وجوب الاستعاذة المأمور بها في حديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله، وذلك أنه سأل ابنه‏:‏ هل قالها بعد التشهد‏؟‏ فقال‏:‏ لا، فأمره أن يعيد الصلاة‏.‏
وبه قال بعض أهل الظاهر‏.‏
وأفرط ابن حزم فقال بوجوبها في التشهد الأول أيضا‏.‏
وقال ابن المنذر‏:‏ لولا حديث ابن مسعود ‏"‏ ثم ليتخير من الدعاء ‏"‏ لقلت بوجوبها، وقد قال الشافعي أيضا بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، وادعى أبو الطيب الطبري من أتباعه والطحاوي وآخرون أنه لم يسبق إلى ذلك، واستدلوا على ندبيتها بحديث الباب مع دعوى الإجماع، وفيه نظر لأنه ورد عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب‏.‏
وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود راوي حديث الباب ما يقتضيه، فعند سعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص قال‏:‏ قال عبد الله يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه بعد‏.‏
وقد وافق الشافعي أحمد في إحدى الروايتين عنه وبعض أصحاب مالك‏.‏
وقال إسحق بن راهويه أيضا بالوجوب لكن قال‏:‏ إن تركها ناسيا رجوت أن يجزئه، فقيل إن له في المسألة قولين كأحمد، وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطا‏.‏
ومنهم من قيد تفرد الشافعي بكونه عينها بعد التشهد لا قبله ولا فيه حتى لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء التشهد مثلا لم يجزئ عنده‏.‏
وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ الْأَعْمَشِ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو‏)‏ زاد أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه ‏"‏ فيدعو به ‏"‏ ونحوه النسائي من وجه آخر بلفظ ‏"‏ فليدع به ‏"‏ ولإسحاق عن عيسى عن الأعمش ‏"‏ ثم ليتخير من الدعاء ما أحب ‏"‏ وفي رواية منصور عن أبي وائل عند المصنف في الدعوات ‏"‏ ثم ليتخير من الثناء ما شاء ‏"‏ ونحوه لمسلم بلفظ ‏"‏ من المسألة ‏"‏ واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة، قال ابن بطال‏:‏ خالف في ذلك النخعي وطاوس وأبو حنيفة فقالوا‏:‏ لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن، كذا أطلق هو ومن تبعه عن أبي حنيفة، والمعروف في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت في الحديث، وعبارة بعضهم‏:‏ ما كان مأثورا، قال قائلهم‏:‏ والمأثور أعم من أن يكون مرفوعا أو غير مرفوع، لكن ظاهر حديث الباب يرد عليهم، وكلا يرد على قول ابن سيرين‏:‏ لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة، واستثنى بعض الشافعية ما يقبح في أمر الدنيا، فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل، وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقا لا يجوز، وقد ورد فيما يقال بعد التشهد أخبار من أحسنها ما رواه سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عمير بن سعد قال ‏"‏ كان عبد الله - يعني ابن مسعود - يعلمنا التشهد في الصلاة ثم يقول‏:‏ إذا فرغ أحدكم من التشهد فليقل اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم‏.‏
اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبادك الصالحون‏.‏
ربنا آتنا في الدنيا حسنة ‏"‏ الآية‏.‏
قال ويقول‏:‏ لم يدع نبي ولا صالح بشيء إلا دخل في هذا الدعاء‏.‏
وهذا من المأثور غير مرفوع، وليس هو مما ورد في القرآن‏.‏
وقد استدل البيهقي بالحديث المتفق عليه ‏"‏ ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به ‏"‏ وبحديث أبي هريرة رفعه ‏"‏ إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ بالله ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي آخره ‏"‏ ثم ليدعو لنفسه بما بدا له ‏"‏ هكذا أخرجه البيهقي‏.‏
وأصل الحديث في مسلم‏.‏
وهذه الزيادة صحيحة لأنها من الطريق التي أخرجها مسلم‏.‏
*

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:13 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n100&p1#TOP)باب مَنْ لَمْ يَمْسَحْ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ حَتَّى صَلَّى
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ رَأَيْتُ الْحُمَيْدِيَّ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَمْسَحَ الْجَبْهَةَ فِي الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى‏)‏ قال الزين بن المنير ما حاصله‏:‏ ذكر البخاري المستدل ودليله، وكل الأمر فيه لنظر المجتهد هل يوافق الحميدي أو يخالفه، وإنما فعل ذلك لما يتطرق إلى الدليل من الاحتمالات، لأن بقاء أثر الطين لا يستلزم نفي مسح الجبهة، إذ يجوز أن يكون مسحها وبقي الأثر بعد المسح، ويحتمل أن يكون ترك المسح ناسيا أو تركه عامدا لتصديق رؤياه، أو لكونه لم يشعر ببقاء أثر الطين في جبهته، أو لبيان الجواز، أو لأن ترك المسح أولى لأن المسح عمل وإن كان قليلا، وإذا تطرقت هذه الاحتمالات لم ينهض الاستدلال، لا سيما وهو فعل من الجبليات لا من القرب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف، والحميدي هو شيخه المشهور أحد تلامذة الشافعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يحتج بهذا‏)‏ فيه إشارة إلى أنه يوافقه على ذلك، ومن ثم لم يتعقبه، وقد تقدم ما فيه وأنه إن احتج به على المنع جملة لم يسلم من الاعتراض وأن الترك أولى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى رأيت أثر الطين‏)‏ هو محمول على أثر خفيف لا يمنع مباشرة الجبهة للسجود، وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n100&p1#TOP)باب التَّسْلِيمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التسليم‏)‏ أي من الصلاة، قيل لم يذكر المصنف حكمه لتعارض الأدلة عنده في الوجوب وعدمه، ويمكن أن يؤخذ الوجوب من حديث الباب حيث جاء فيه ‏"‏ كان إذا سلم ‏"‏ لأنه يشعر بتحقق مواظبته على ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي ‏"‏ وحديث ‏"‏ تحليلها التسليم ‏"‏ أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح‏.‏
أما حديث ‏"‏ إذا أحدث وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته ‏"‏ فقد ضعفه الحفاظ، وسيأتي الكلام على بقيه فوائده بعد أربعة أبواب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يذكر عدد التسليم، وقد أخرج مسلم من حديث ابن مسعود ومن حديث سعد بن أبي وقاص التسليمتين وذكر العقيلي وابن عبد الله أن حديث التسليمة الواحدة معلول، وبسط ابن عبد البر الكلام على ذلك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n100&p1#TOP)باب يُسَلِّمُ حِينَ يُسَلِّمُ الْإِمَامُ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْتَحِبُّ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَنْ يُسَلِّمَ مَنْ خَلْفَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يسلم‏)‏ أي المأموم ‏(‏حين يسلم الإمام‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ترجم بلفظ الحديث، وهو محتمل لأن يكون المراد أنه يبتدئ السلام بعد ابتداء الإمام له، فيشرع المأموم فيه قبل أن يتمه الإمام، ويحتمل أن يكون المراد أن المأموم يبتدئ السلام إذا أتمه الإمام، قال‏:‏ فلما كان محتملا للأمرين وكل النظر فيه إلى المجتهد‏.‏
انتهى ويحتمل أن يكون أراد أن الثاني ليس بشرط، لأن اللفظ يحتمل الصورتين، فأيهما فعل المأموم جاز، وكأنه أشار إلى أنه يندب أن لا يتأخر المأموم في سلامه بعد الإمام متشاغلا بدعاء وغيره، ويدل على ذلك ما ذكره عن ابن عمر، والأثر المذكور لم أقف على من وصله، لكن عند ابن أبي شيبة عن ابن عمر ما يعطى معناه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ
الشرح‏:‏
قد تقدم الكلام على حديث عتبان مطولا في أوائل الصلاة، وأورده هنا مختصرا جدا‏.‏
وفي الباب الذي يليه أتم منه، وكلاهما من طريق عبد الله وهو ابن المبارك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n100&p1#TOP)باب مَنْ لَمْ يَرَ رَدَّ السَّلَامِ عَلَى الْإِمَامِ وَاكْتَفَى بِتَسْلِيمِ الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يرد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة‏)‏ أورد فيه حديث عتبان كما ذكرنا، واعتماده فيه على قوله ‏"‏ ثم سلم وسلمنا حين سلم ‏"‏ فإن ظاهره أنهم سلموا نظير سلامه، وسلامه إما واحدة وهي التي يتحلل بها من الصلاة وإما هي وأخرى معها، فيحتاج من استحب تسليمة ثالثة على الإمام بين التسليمتين - كما تقوله المالكية - إلى دليل خاص، وإلى رد ذلك أشار البخاري‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ أظنه قصد الرد على من يوجب التسليمة الثانية، وقد نقله الطحاوي عن الحسن بن الحسن‏.‏
انتهى‏.‏
وفي هذا الظن بعد، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَزَعَمَ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَ فِي دَارِهِمْ قَالَ سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَ أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزعم‏)‏ الزعم يطلق على القول المحقق وعلى القول المشكوك فيه وعلى الكذب، وينزل في كل موضع على ما يليق به، والظاهر أن المراد به هنا الأول، لأن محمود بن الربيع موثق عند الزهري، فقوله عنده مقبول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من دلو كانت في دارهم‏)‏ قال الكرماني‏:‏ كانت صفة لموصوف محذوف أي من بئر كانت في دارهم، ولفظ الدلو يدل عليه‏.‏
وقال غيره‏:‏ بل الدلو يذكر ويؤنث فلا يحتاج إلى تقدير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت عتبان بن مالك الأنصاري ثم أحد بني سالم‏)‏ بنصب أحد عطفا على قوله الأنصاري، وهو بمعنى قوله الأنصاري ثم السالمي، هذا الذي يكاد من له أدنى ممارسة بمعرفة الرجال أن يقطع به‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يكون عطفا على عتبان يعني سمعت عتبان ثم سمعت أحد بني سالم أيضا، قال‏:‏ والمراد به فيما يظهر الحصين بن محمد، فكأن محمودا سمع من عتبان، ومن الحصين‏.‏
قال‏:‏ وهو بخلاف ما تقدم في ‏"‏ باب المساجد في البيوت ‏"‏ أن الزهري هو الذي سمع محمودا والحصين، قال‏:‏ ولا منافاة بينهما لاحتمال أن الزهري ومحمودا سمعا جميعا من الحصين، قال‏:‏ ولو روى برفع أحد بأن يكون عطفا على محمود لساغ ووافق الرواية الأولى، يعني فيصير التقدير‏:‏ قال الزهري أخبرني محمود بن الربيع ثم أخبرني أحد بني سالم أي الحصين‏.‏
انتهى‏.‏
وكأن الحامل له على ذلك كله قول الزهري في الرواية السابقة ‏"‏ ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري وهو أحد بني سالم ‏"‏ فكأنه ظن أن المراد بقوله ثم أحد بني سالم هنا هو المراد بقوله أحد بني سالم هناك، ولا حاجة لذلك، فإن عتبان من بني سالم أيضا، وهو عتبان بن مالك ابن عمرو بن العجلان بن زياد بن غنم بن سالم بن عوف، وقيل في نسبه غير ذلك مع الاتفاق على أنه من بني سالم، والأصل عدم التقدير في إدخال أخبرني بين ثم وأحد، وعلى الاحتمال الذي ذكره إشكال آخر لأنه يلزم منه أن يكون الحصين بن محمد هو صاحب القصة المذكورة، أو أنها تعددت له ولعتبان، وليس كذلك فإن الحصين المذكور لا صحبة له، بل لم أر من ذكر أباه في الصحابة‏.‏
وقد ذكر ابن أبي حاتم الحصين ابن محمد في الجرح والتعديل ولم يذكر له شيخنا غير عتبان بن مالك، ونقل عن أبيه أن روايته عنه مرسلة، ولم يذكر أحد ممن صنف في الرجال لمحمود بن الربيع رواية عن الحصين، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلوددت‏)‏ أي فوالله لوددت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اشتد النهار‏)‏ أي ارتفعت الشمس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأشار إليه من المكان الذي أحب أن يصلي فيه‏)‏ قال الكرماني فاعل أشار النبي صلى الله عليه وسلم ومن للتبعيض، قال‏:‏ ولا ينافي ما تقدم أنه قال فأشرت له إلى المكان، لا مكان وقوع الإشارتين منه ومن النبي صلى الله عليه وسلم إما معا وإما سابقا ولاحقا‏.‏
قلت‏:‏ والذي يظهر أن فاعل أشار هو عتبان، لكن فيه التفات، إذ ظاهر السياق أن يقول‏:‏ فأشرت الخ، وبهذا تتوافق الروايات، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:15 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n100&p1#TOP)باب الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الذكر بعد الصلاة‏)‏ أورد فيه أولا حديث ابن عباس من وجهين أحدهما أتم من الآخر، وأغرب المزي فجعلهما حديثين، والذي يظهر أنهما حديث واحد كما سنبينه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عمرو‏)‏ هو ابن دينار المكي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ فيه أن مثل هذا عند البخاري يحكم له بالرفع خلافا لمن شذ ومنع ذلك، وقد وافقه مسلم والجمهور على ذلك، وفيه دليل على جواز الجهر صلى الله عليه وسلم بالذكر عقب الصلاة قال الطبري‏:‏ فيه الإبانة عن صحة ما كان يفعله بعض الأمراء من التكبير عقب الصلاة، وتعقبه ابن بطال بأنه لم يقف على ذلك عن أحد من السلف إلا ما حكاه ابن حبيب في ‏"‏ الواضحة ‏"‏ أنهم كانوا يستحبون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيرا عاليا ثلاثا، قال‏:‏ وهو قديم من شأن الناس‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ وفي ‏"‏ العتبية ‏"‏ عن مالك أن ذلك محدث‏.‏
قال‏:‏ وفي السياق إشعار بأن الصحابة لم يكونوا يرفعون أصواتهم بالذكر في الوقت الذي قال فيه ابن عباس ما قال‏.‏
قلت‏:‏ في التقييد بالصحابة نظر، بل لم يكن حينئذ من الصحابة إلا القليل‏.‏
وقال النووي‏:‏ حمل الشافعي هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتا يسيرا لأجل تعليم صفة الذكر، لا أنهم داوموا على الجهر به، والمختار أن الإمام والمأموم يخفيان الذكر إلا إن احتيج إلى التعليم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏)‏ هو موصول بالإسناد المبدأ به صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنت أعلم‏)‏ فيه إطلاق العلم على الأمر المستند إلى الظن الغالب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا انصرفوا‏)‏ أي أعلم انصرافهم بذلك أي برفع الصوت إذا سمعته أي الذكر، والمعنى كنت أعلم بسماع الذكر انصرافهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ قَالَ عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ كَانَ أَبُو مَعْبَدٍ أَصْدَقَ مَوَالِي ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ عَلِيٌّ وَاسْمُهُ نَافِذٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني علي‏)‏ هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنت أعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير‏)‏ وقع في رواية الحميدي عن سفيان بصيغة الحصر، ولفظه ‏"‏ ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان، واختلف في كون ابن عباس قال ذلك، فقال عياض‏:‏ الظاهر أنه لم يكن يحضر الجماعة لأنه كان صغيرا ممن لا يواظب على ذلك ولا يلزم به، فكان يعرف انقضاء الصلاة بما ذكر‏.‏
وقال غيره‏:‏ يحتمل أن يكون حاضرا في أواخر الصفوف فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم، وإنما كان يعرفه بالتكبير‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ يؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت يسمع من بعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالتكبير‏)‏ هو أخص من رواية ابن جريج التي قبلها، لأن الذكر أعم من التكبير، ويحتمل أن تكون هذه مفسرة لذلك فكان المراد أن رفع الصوت بالذكر أي بالتكبير، وكأنهم كانوا يبدءون بالتكبير بعد الصلاة قبل التسبيح والتحميد، وسيأتي الكلام على ذلك في الحديث الذي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال علي‏)‏ هو ابن المديني المذكور وثبتت هذه الزيادة في رواية المستملي والكشميهني، وزاد مسلم في روايته المذكورة ‏"‏ قال عمرو - يعني ابن دينار - وذكرت ذلك لأبي معبد بعد فأنكره وقال لم أحدثك بهذا‏.‏
قال عمرو‏:‏ قد أخبرتنيه قبل ذلك ‏"‏ قال الشافعي بعد أن رواه عن سفيان كأنه نسيه بعد أن حدثه به‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا يدل على أن مسلما كان يرى صحة الحديث ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلا، ولأهل الحديث فيه تفصيل‏:‏ قالوا إما أن يجزم برده أو لا، وإذا جزم فإما أن يصرح بتكذيب الراوي عنه أو لا فإن لم يجزم بالرد كأن قال لا أذكره فهو متفق عندهم على قبوله صلى الله عليه وسلم لأن الفرع ثقة والأصل لم يطعن فيه، وإن جزم وصرح بالتكذيب فهو متفق عندهم على رده لأن جزم الفرع بكون الأصل حدثه يستلزم تكذيب الأصل في دعواه أنه كذب عليه، وليس قبول قول أحدهما بأولى من الآخر، وإن جزم بالرد ولم يصرح بالتكذيب فالراجح عندهم قبوله‏.‏
وأما الفقهاء فاختلفوا‏:‏ فذهب الجمهور في هذه الصورة إلى القبول، وعن بعض الحنفية ورواية عن أحمد لا يقبل قياسا على الشاهد، وللإمام فخر الدين في هذه المسألة تفصيل نحو ما تقدم وزاد‏.‏
فإن كان الفرع مترددا في سماعه والأصل جازما بعدمه سقط لوجود التعارض، ومحصل كلامه آنفا أنهما إن تساويا فالرد، وإن رجح أحدهما عمل به، وهذا الحديث من أمثلته، وأبعد من قال إنما نفى أبو معبد التحديث ولا يلزم منه نفي الإخبار، وهو الذي وقع من عمرو ولا مخالفة، وترده الرواية التي فيها ‏"‏ فأنكره ‏"‏ ولو كان كما زعم لم يكن هناك إنكار، ولأن الفرق بين التحديث والإخبار إنما حدث بعد ذلك، وفي كتب الأصول حكاية الخلاف في هذه المسألة عن الحنفية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ قَالَ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا فَقَالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري، وسمي هو مولي أبي بكر بن عبد الرحمن وهما مدنيان، وعبيد الله تابعي صغير، ولم أقف لسمي على رواية عن أحد من الصحابة فهو من رواية الكبير عن الصغير، وهما مدنيان وكذا أبو صالح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جاء الفقراء‏)‏ سمي منهم في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة أبو ذر الغفاري أخرجه أبو داود وأخرجه جعفر الفرياني في كتاب الذكر له من حديث أبي ذر نفسه، وسمي منهم أبو الدرداء عند النسائي وغيره من طرق عنه، ولمسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنهم قالوا‏:‏ ‏"‏ يا رسول الله ‏"‏ فذكر الحديث، والظاهر أن أبا هريرة منهم‏.‏
وفي رواية النسائي عن زيد بن ثابت قال ‏"‏ أمرنا أن نسبح ‏"‏ الحديث كما سيأتي لفظه، وهذا يمكن أن يقال فيه إن زيد بن ثابت كان منهم، ولا يعارضه قوله في رواية ابن عجلان عن سمي عند مسلم‏:‏ ‏"‏ جاء فقراء المهاجرين ‏"‏ لكون زيد بن ثابت من الأنصار لاحتمال التغليب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الدثور‏)‏ بضم المهملة والمثلثة جمع دثر بفتح ثم سكون هو المال الكثير، و ‏"‏ من ‏"‏ في قوله ‏"‏ من الأموال ‏"‏ للبيان، ووقع عند الخطابي ‏"‏ ذهب أهل الدور من الأموال ‏"‏ وقال‏:‏ كذا وقع الدور جمع دار والصواب الدثور‏.‏
انتهى‏.‏
وذكر صاحب المطالع عن رواية أبي زيد المروزي أيضا الدور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالدرجات العلى‏)‏ بضم العين جمع العلياء وهي تأنيث الأعلى، ويحتمل أن تكون حسية، والمراد درجات الجنات، أو معنوية والمراد علو القدر عند الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والنعيم المقيم‏)‏ وصفه بالإقامة إشارة إلى ضده وهو النعيم العاجل، فإنه قل ما يصفو، وإن صفا فهو بصدد الزوال‏.‏
وفي رواية محمد بن أبي عائشة المذكورة ‏"‏ ذهب أصحاب الدثور بالأجور ‏"‏ وكذا لمسلم من حديث أبي ذر، زاد المصنف في الدعوات من رواية ورقاء عن سمي ‏"‏ قال كيف ذلك ‏"‏ ونحوه لمسلم من رواية ابن عجلان عن سمي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويصومون كما نصوم‏)‏ زاد في حديث أبي الدرداء المذكور ‏"‏ ويذكرون كما نذكر ‏"‏ وللبزار من حديث ابن عمر ‏"‏ صدقوا تصديقنا، وآمنوا إيماننا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولهم فضل أموال‏)‏ كذا للأكثر بالإضافة‏.‏
وفي رواية الأصيلي ‏"‏ فضل الأموال ‏"‏ وللكشميهني ‏"‏ فضل من أموال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يحجون بها‏)‏ أي ولا نحج، يشكل عليه ما وقع في رواية جعفر الفريابي من حديث أبي الدرداء ‏"‏ ويحجون كما نحج ‏"‏ ونظيره ما وقع هنا ‏"‏ ويجاهدون ‏"‏ ووقع في الدعوات من رواية ورقاء عن سمي‏:‏ ‏"‏ وجاهدوا كما جاهدنا ‏"‏ لكن الجواب عن هذا الثاني ظاهر وهو التفرقة بين الجهاد الماضي فهو الذي اشتركوا فيه وبين الجهاد المتوقع فهو الذي تقدر عليه أصحاب الأموال غالبا‏.‏
ويمكن أن يقال مثله في الحج، ويحتمل أن يقرأ ‏"‏ يحجون بها ‏"‏ بضم أوله من الرباعي أي يعينون غيرهم على الحج بالمال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويتصدقون‏)‏ عند مسلم من رواية ابن عجلان عن سمي ‏"‏ ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال ألا أحدثكم بما إن أخذتم به‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ بأمر إن أخذتم ‏"‏ وكذا للإسماعيلي، وسقط قوله ‏"‏ بما ‏"‏ من أكثر الروايات، وكذا قوله ‏"‏ به ‏"‏ وقد فسر الساقط في الرواية الأخرى‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ أفلا أعلمكم شيئا ‏"‏ وفي رواية أبي داود ‏"‏ فقال يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات تقولهن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أدركتم من سبقكم‏)‏ أي من أهل الأموال الذين امتازوا عليكم بالصدقة، والسبقية هنا يحتمل أن تكون معنوية وأن تكون حسية، قال الشيخ تقي الدين‏:‏ والأول أقرب وسقط قوله ‏"‏ من سبقكم ‏"‏ من رواية الأصيلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم‏)‏ بفتح النون وسكون التحتانية‏.‏
وفي رواية كريمة وأبي الوقت ظهرانيه بالإفراد، وكذا للإسماعيلي‏.‏
وعند مسلم من رواية ابن عجلان ‏"‏ ولا يكون أحد أفضل منكم ‏"‏ قيل ظاهره يخالف ما سبق لأن الإدراك ظاهره المساواة، وهذا ظاهره الأفضلية‏.‏
وأجاب بعضهم بأن الإدراك لا يلزم منه المساواة فقد يدرك ثم يفوق، وعلى هذا فالتقرب بهذا الذكر راجح على التقرب بالمال‏.‏
ويحتمل أن يقال‏:‏ الضمير في كنتم للمجموع من السابق والمدرك، وكذا قوله ‏"‏ إلا من عمل مثل عملكم ‏"‏ أي من الفقراء فقال الذكر، أو من الأغنياء فتصدق، أو أن الخطاب للفقراء خاصة لكن يشاركهم الأغنياء في الخيرية المذكورة فيكون كل من الصنفين خيرا ممن لا يتقرب بذكر ولا صدقة، ويشهد له قوله في حديث ابن عمر عند البزار ‏"‏ أدركتم مثل فضلهم ‏"‏ ولمسلم في حديث أبي ذر ‏"‏ أو ليس قد جعل لكم ما تتصدقون‏؟‏ إن بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة ‏"‏ الحديث‏.‏
واستشكل تساوي فضل هذا الذكر بفضل التقرب بالمال مع شدة المشقة فيه، وأجاب الكرماني بأنه لا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حالة، واستدل لذلك بفضل كلمة الشهادة مع سهولتها على كثير من العبادات الشاقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتسبحون وتحمدون وتكبرون‏)‏ كذا وقع في أكثر الأحاديث تقديم التسبيح على التحميد وتأخير التكبير‏.‏
وفي رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد خاصة، وفيه أيضا قول أبي صالح ‏"‏ يقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ‏"‏ ومثله لأبي داود من حديث أم الحكم، وله من حديث أبي هريرة ‏"‏ تكبر وتحمد وتسبح ‏"‏ وكذا في حديث ابن عمر‏.‏
وهذا الاختلاف دال على أن لا ترتيب فيها، ويستأنس لذلك بقوله في حديث الباقيات الصالحات ‏"‏ لا يضرك بأيهن بدأت ‏"‏ لكن يمكن أن يقال‏:‏ الأولى البداءة بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائض عن الباري سبحانه وتعالى، ثم التحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال له، إذ لا يلزم من نفي النقائض إثبات الكمال‏.‏
ثم التكبير إذ لا يلزم من نفي النقائض وإثبات الكمال أن يكون صلى الله عليه وسلم هناك كبير آخر‏.‏
ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده سبحانه وتعالى بجميع ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خلف كل صلاة‏)‏ هذه الرواية مفسرة للرواية التي عند المصنف في الدعوات وهي قوله ‏"‏ دبر كل صلاة ‏"‏ ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر ‏"‏ أثر كل صلاة ‏"‏ وأما رواية ‏"‏ دبر ‏"‏ فهي بضمتين، قال الأزهري‏:‏ دبر الأمر يعني بضمتين ودبره يعني بفتح ثم سكون‏:‏ آخره‏.‏
وادعى أبو عمرو الزاهد أنه لا يقال بالضم إلا للجارحة، ورد بمثل قولهم أعتق غلامه عن دبر، ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة، فلو تأخر ذلك عن الفراع فإن كان يسيرا بحيث لا يعد معرضا أو كان ناسيا أو متشاغلا بما ورد أيضا بعد الصلاة كآيه الكرسي فلا يضر، وظاهر قوله ‏"‏ كل صلاة ‏"‏ يشمل الفرض والنفل، لكن حمله أكثر العلماء على الفرض، وقد وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة، وكأنهم حملوا المطلقات عليها، وعلى هذا هل يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فاصلا بين المكتوبة والذكر أو لا‏؟‏ محل النظر، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا وثلاثين‏)‏ يحتمل أن يكون المجموع للجميع فإذا وزع كان لكل واحد إحدى عشرة، وهو الذي فهمه سهيل بن أبي صالح كما رواه مسلم من طريق روح بن القاسم عنه، لكن لم يتابع سهيل على ذلك، بل لم أر في شيء من طرق الحديث كلها التصريح بإحدى عشرة إلا في حديث ابن عمر عند البزار وإسناده ضعيف، والأظهر أن المراد أن المجموع لكل فرد فرد، فعلى هذا ففيه تنازع أفعال في ظرف ومصدر والتقدير تسبحون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدون وتكبرون كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاختلفنا بيننا‏)‏ ظاهره أن أبا هريرة هو القائل، وكذا قوله ‏"‏ فرجعت إليه ‏"‏ وأن الذي رجع أبو هريرة إليه هو النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالخلاف في ذلك وقع بين الصحابة، لكن بين مسلم في رواية ابن عجلان عن سمي أن القائل ‏"‏ فاختلفنا ‏"‏ هو سمي، وأنه هو الذي رجع إلى أبي صالح، وأن الذي خالفه بعض أهله ولفظه ‏"‏ قال سمي‏:‏ فحدثت بعض أهل هذا الحديث، قال‏:‏ وهمت، فذكر كلامه‏.‏
قال‏:‏ فرجعت إلى أبي صالح ‏"‏ وعلى رواية مسلم اقتصر صاحب العمدة، لكن لم يوصل مسلم هذه الزيادة، فإنه أخرج الحديث عن قتيبة عن الليث عن ابن عجلان ثم قال‏:‏ زاد غير قتيبة في هذا الحديث عن الليث، فذكرها‏.‏
والغير المذكور يحتمل أن يكون شعيب بن الليث أو سعيد بن أبي مريم، فقد أخرجه أبو عوانة في مستخرجه عن الربيع بن سليمان عن شعيب، وأخرجه الجوز في والبيهقي من طريق سعيد، وتبين بهذا أن في رواية عبيد الله بن عمر عن سمي في حديث الباب إدراجا، وقد روى ابن حبان هذا الحديث من طريق المعتمر بن سليمان بالإسناد المذكور فلم يذكر قوله ‏"‏ فاختلفنا الخ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونكبر أربعا وثلاثين‏)‏ هو قول بعض أهل سمي كما تقدم التنبيه عليه من رواية مسلم، وقد تقدم احتمال كونه من كلام بعض الصحابة، وقد جاء مثله في حديث أبي الدرداء عند النسائي، وكذا عنده من حديث ابن عمر بسند قوي، ومثله لمسلم من حديث كعب بن عجرة، ونحوه لابن ماجه من حديث أبي ذر لكن شك بعض رواته في أنهن أربع وثلاثون، ويخالف ذلك ما في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة عند أبي داود ففيه ‏"‏ ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ‏"‏، وكذا لمسلم في رواية عطاء بن يزيد عن أبي هريرة، ومثله لأبي داود في حديث أم الحكم، ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر، قال النووي‏:‏ ينبغي أن يجمع بين الروايتين بأن يكبر أربعا وثلاثين ويقول معها لا إله إلا الله وحده الخ‏.‏
وقال غيره‏:‏ بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة بلا إله إلا الله على وفق ما وردت به الأحاديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يكون منهن كلهن‏)‏ بكسر اللام تأكيدا للضمير المجرور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثلاث وثلاثون‏)‏ بالرفع وهو اسم كان‏.‏
وفي رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت ‏"‏ ثلاثا وثلاثين ‏"‏ وتوجه بأن اسم كان محذوف والتقدير حتى بكون العدد منهن كلهن ثلاثا وثلاثين‏.‏
وفي قوله ‏"‏ منهن كلهن ‏"‏ الاحتمال المتقدم‏:‏ هل العدد للجميع أو المجموع‏.‏
وفي رواية ابن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع لكن يقول ذلك مجموعا، وهذا اختيار أبي صالح‏.‏
لكن الرواية الثابتة عن غيره الإفراد، قال عياض‏:‏ وهو أولى‏.‏
ورجح بعضهم الجمع للإتيان فيه بواو العطف والذي يظهر أن كلا من الأمرين حسن، إلا أن الإفراد يتميز بأمر آخر وهو أن الذاكر يحتاج إلى العدد، وله على كل حركة لذلك - سواء كان بأصابعه أو بغيرها - ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث‏.‏
‏(‏تنبيهان‏)‏ ‏:‏ الأول وقع في رواية ورقاء عن سمي عند المصنف في الدعوات في هذا الحديث ‏"‏ تسبحون عشرا وتحمدون عشرا وتكبرون عشرا، ولم أقف في شيء من طرق حديث أبي هريرة على من تابع ورقاء على ذلك لا عن سمي ولا عن غيره، ويحتمل أن يكون تأول ما تأول سهيل من التوزيع، ثم ألغى الكسر‏.‏
ويعكر عليه أن السياق صريح في كونه كلام النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وقد وجدت لرواية العشر شواهد‏:‏ منها عن علي عند أحمد، وعن سعد بن أبي وقاص عند النسائي، وعن عبد الله بن عمرو عنده، وعن أبي داود والترمذي، وعن أم سلمة عند البزار، وعن أم مالك الأنصارية عند الطبراني‏.‏
وجمع البغوي في ‏"‏ شرح السنة ‏"‏ بين هذا الاختلاف باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات متعددة أولها عشرا عشرا ثم إحدى عشرة إحدى عشرة ثم ثلاثا وثلاثين ثلاثا وثلاثين، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل التخيير، أو يفترق بافتراق الأحوال‏.‏
وقد جاء من حديث زيد بن ثابت وابن عمر ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقولوا كل ذكر منها خمسا وعشرين ويزيدوا فيها لا إله إلا الله خمسا وعشرين ‏"‏ ولفظ زيد بن ثابت ‏"‏ أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين، فأتى رجل في منامه فقيل له‏:‏ أمركم محمد أن تسبحوا - فذكره - قال‏:‏ نعم قال‏:‏ اجعلوها خمسا وعشرين، واجعلوا فيها التهليل‏.‏
فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال‏:‏ فافعلوه ‏"‏ أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان، ولفظ ابن عمر ‏"‏ رأى رجل من الأنصار فيما يرى النائم - فذكر نحوه وفيه - فقيل له سبح خمسا وعشرين واحمد خمسا وعشرين وكبر خمسا وعشرين وهلل خمسا وعشرين فتلك مائة‏.‏
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعلوا كما قال ‏"‏ أخرجه النسائي وجعفر الفريابي‏.‏
واستنبط من هذا أن مراعاة العدد المخصوص في الأذكار معتبرة وإلا لكان يمكن أن يقال لهم‏:‏ أضيفوا لها التهليل ثلاثا وثلاثين‏.‏
وقد كان بعض العلماء يقول‏:‏ إن الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد، قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي‏:‏ وفيه نظر، لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على الإتيان به فحصل له الثواب بذلك، فإذا زاد عليه من جنسه كيف تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله‏؟‏ ا ه‏.‏
ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية، فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم أتى بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا لا محالة، وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلا فرتبه هو على مائة فيتجه القول الماضي‏.‏
وقد بالغ القرافي في القواعد فقال‏:‏ من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعا، لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئا أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه مسيئا للأدب ا ه‏.‏
وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلا فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به، فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع‏.‏
ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع الموالاة لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة خاصة تفوت بفواتها، والله أعلم‏.‏
‏(‏التنبيه الثاني‏)‏ ‏:‏ زاد مسلم في رواية ابن عجلان عن سمي ‏"‏ قال أبو صالح فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلناه ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ‏"‏ ثم ساقه مسلم من رواية روح بن القاسم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة فذكر طرفا منه ثم قال بمثل حديث قتيبة، قال‏:‏ إلا أنه أدرج في حديث أبي هريرة قول أبي صالح‏:‏ فرجع فقراء المهاجرين‏.‏
قلت‏:‏ وكذا رواه أبو معاوية عن سهيل مدرجا أخرجه جعفر الفريابي، وتبين بهذا أن الزيادة المذكورة مرسلة، وقد روى الحديث البزار من حديث ابن عمر وفيه ‏"‏ فرجع الفقراء ‏"‏ فذكره موصولا لكن قد قدمت أن إسناده ضعيف‏.‏
ورواه جعفر الفريابي من رواية حرام بن حكيم وهو بحاء وراء مهملتين عن أبي ذر وقال فيه ‏"‏ فقال أبو ذر‏:‏ يا رسول الله إنهم قد قالوا مثل ما نقول‏.‏
فقال‏:‏ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ‏"‏ ونقل الخطيب أن حرام بن حكيم يرسل الرواية عن أبي ذر، فعلى هذا لم يصح بهذه الزيادة إسناد، إلا أن هذين الطريقين يقوي بهما مرسل أبي صالح‏.‏
قال ابن بطال عن المهلب‏:‏ في هذا الحديث فضل الغني نصا لا تأويلا، إذا استوت أعمال الغني والفقير فيما افترض الله عليهما، فللغني حينئذ فضل عمل البر من الصدقة ونحوها مما لا سبيل للفقير إليه‏.‏
قال‏:‏ ورأيت بعض المتكلمين ذهب إلى أن هذا الفضل يخص الفقراء دون غيرهم، أي الفضل المترتب على الذكر المذكور، وغفل عن قوله في نفس الحديث ‏"‏ إلا من صنع مثل ما صنعتم ‏"‏ فجعل الفضل لقائله كائنا من كان‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ تأول بعضهم قوله ‏"‏ ذلك فضل الله يؤتيه ‏"‏ بأن قال‏:‏ الإشارة راجعة إلى الثواب المترتب على العمل الذي يحصل به التفضيل عند الله، فكأنه قال‏:‏ ذاك الثواب الذي أخبرتكم به لا يستحقه أحد بحسب الذكر ولا بحسب الصدقة، وإنما هو بفضل الله‏.‏
قال‏:‏ وهذا التأويل فيه بعد، ولكن اضطره إليه ما يعارضه‏.‏
وتعقب بأن الجمع بينه وبين ما يعارضه ممكن من غير احتياج إلى التعسف‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ ظاهر الحديث القريب من النص أنه فضل الغني، وبعض الناس تأوله بتأويل مستكره كأنه يشير إلى ما تقدم‏.‏
قال‏:‏ والذي يقتضيه النظر أنهما إن تساويا وفضلت العبادة المالية أنه يكون الغني أفضل، وهذا لا شك فيه، وإنما النظر إذا تساويا وانفرد كل منهما بمصلحة ما هو فيه أيهما أفضل‏؟‏ إن فسر الفضل بزيادة الثواب فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة فيترجح الغني، وإن فسر بالإشراف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل لها من التطهير بسبب الفقر أشرف فيترجح الفقر، ومن ثم ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ للعلماء في هذه المسألة خمسة أقوال، ثالثها الأفضل الكفاف، رابعها يختلف باختلاف الأشخاص، خامسها التوقف‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ قضية الحديث أن شكوى الفقر تبقى بحالها‏.‏
وأجاب بأن مقصودهم كان تحصيل الدرجات العلا والنعيم المقيم لهم أيضا لا نفي الزيادة عن أهل الدثور مطلقا ا ه‏.‏
والذي يظهر أن مقصودهم إنما كان طلب المساواة‏.‏
ويظهر أن الجواب وقع قبل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن متمني الشيء يكون شريكا لفاعله في الأجر كما سبق في كتاب العلم في الكلام على حديث ابن مسعود الذي أوله ‏"‏ لا حسد إلا في اثنتين ‏"‏ فإن في رواية الترمذي من وجه آخر التصريح بأن المنفق والمتمني إذا كان صادق النية في الأجر سواء، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء ‏"‏ فإن الفقراء في هذه القصة كانوا السبب في تعلم الأغنياء الذكر المذكور، فإذا استووا معهم في قوله امتاز الفقراء بأجر السبب مضافا إلى التمني، فلعل ذلك يقاوم التقرب بالمال، وتبقى المقايسة بين صبر الفقير على شظف العيش وشكر الغني على التنعم بالمال، ومن ثم وقع التردد في تفضيل أحدهما على الآخر، وسيكون لنا عودة إلى ذلك في الكلام على حديث ‏"‏ الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر ‏"‏ في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى‏.‏
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن العالم إذا سئل عن مسألة يقع فيها الخلاف أن يجيب بما يلحق به المفضول درجة الفاضل، ولا يجيب بنفس، الفاضل لئلا يقع الخلاف، كذا قال ابن بطال، وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله ‏"‏ ألا أدلكم على أمر تساوونهم فيه ‏"‏ وعدل عن قوله نعم هم أفضل منكم بذلك‏.‏
وفيه التوسعة في الغبطة، وقد تقدم تفسيرها في كتاب العلم، والفرق بينها وبين الحسد المذموم‏.‏
وفيه المسابقة إلى الأعمال المحصلة للدرجات العالية لمبادرة الأغنياء إلى العمل بما بلغهم، ولم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم فيؤخذ منه أن قوله ‏"‏ إلا من عمل ‏"‏ عام للفقراء والأغنياء خلافا لمن أوله بغير ذلك‏.‏
وفيه أن العمل السهل قد يدرك به صاحبه فضل العمل الشاق‏.‏
وفيه فضل الذكر عقب الصلوات، واستدل به البخاري على فضل الدعاء عقيب الصلاة كما سيأتي في الدعوات لأنه في معناها، ولأنها أوقات فاضلة يرتجى فيها إجابة الدعاء‏.‏
وفيه أن العمل القاصر قد يساوي المتعدي خلافا لمن قال إن المتعدي أفضل مطلقا، نبه على ذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ أَمْلَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهَذَا وَعَنْ الْحَكَمِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنْ وَرَّادٍ بِهَذَا وَقَالَ الْحَسَنُ الْجَدُّ غِنًى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري، ورجال الإسناد كلهم كوفيون إلا محمد بن يوسف وهو الفريابي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن وراد‏)‏ في رواية معتمر بن سليمان عن سفيان عند الإسماعيلي ‏"‏ حدثني وراد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أملى علي المغيرة‏)‏ أي ابن شعبة ‏(‏في كتاب إلى معاوية‏)‏ كان المغيرة إذ ذاك أميرا على الكوفة من قبل معاوية وسيأتي في الدعوات من وجه آخر عن وراد بيان السبب في ذلك، وهو أن معاوية كتب إليه‏:‏ اكتب لي بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي القدر من رواية عبدة بن أبي لبابة عن وراد قال ‏"‏ كتب معاوية إلى المغيرة‏:‏ اكتب إلى ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة‏"‏‏.‏
قد قيدها في رواية الباب بالمكتوبة فكأن المغيرة فهم ذلك من قرينة في السؤال واستدل به على العمل بالمكاتبة وإجرائها مجرى والسماع في الرواية ولو لم تقترن بالإجازة‏.‏
وعلى الاعتماد على خبر الشخص الواحد‏.‏
وسيأتي في القدر في آخره أن ورادا قال ‏"‏ ثم وفدت بعد علي معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك ‏"‏ وزعم بعضهم أن معاوية كان قد سمع الحديث المذكور، وإنما أراد استثبات المغيرة واحتج بما في الموطأ من وجه آخر عن معاوية أنه كان يقول على المنبر ‏"‏ أيها الناس، إنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، ولا ينفع ذا الجد منه الجد‏.‏
من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين‏.‏
ثم يقول‏:‏ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏له لملك وله الحمد‏)‏ زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة ‏"‏ يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير - إلى - قدير ‏"‏ ورواته موثقون‏.‏
وثبت مثله عند البزار من حديث عبد الرحمن ابن عوف بسند ضعيف، لكن في القول إذا أصبح وإذا أمسى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا ينفع ذا الجد منك الجد‏)‏ قال الخطابي‏:‏ الجد الغني ويقال الحظ، قال‏:‏ و ‏"‏ من ‏"‏ في قوله ‏"‏ منك ‏"‏ بمعنى البدل، قال الشاعر‏:‏ فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على الطهيان يريد ليت لنا بدل ماء زمزم ا ه‏.‏
وفي الصحاح‏:‏ معنى ‏"‏ منك ‏"‏ هنا عندك، أي لا ينفع ذا الغنى عندك غناه، إنما ينفعه العمل الصالح‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ الصحيح عندي أنها ليست بمعنى البدل ولا عند، بل هو كما تقول‏:‏ ولا ينفعك مني شيء إن أنا أردتك بسوء‏.‏
ولم يظهر من كلامه معنى، ومقتضاه أنها بمعنى عند أو فيه حذف تقديره من قضائي أو سطوتي أو عذابي‏.‏
واختار الشيخ جمال الدين في المغني الأول، قال ابن دقيق العيد‏:‏ قوله منك يجب أن يتعلق بينفع، وينبغي أن يكون ينفع قد ضمن معنى يمنع وما قاربه، ولا يجوز أن يتعلق منك بالجد كما يقال حظي منك كثير لأن ذلك نافع ا ه‏.‏
والجد مضبوط في جميع الروايات بفتح الجيم ومعناه الغني كما نقله المصنف عن الحسن، أو الحظ‏.‏
وحكى الراغب أن المراد به هنا أبو الأب، أي لا ينفع أحدا نسبه‏.‏
قال القرطبي‏:‏ حكى عن أبي عمرو الشيباني أنه رواه بالكسر وقال‏:‏ معناه لا ينفع ذا الاجتهاد اجتهاده‏.‏
وأنكره الطبري‏.‏
وقال القزاز في توجيه إنكاره‏:‏ الاجتهاد في العمل نافع لأن الله قد دعا الخلق إلى ذلك، فكيف لا ينفع عنده‏؟‏ قال‏:‏ فيحتمل أن يكون المراد أنه لا ينفع الاجتهاد في طلب الدنيا وتضييع أمر الآخرة‏.‏
وقال غيره‏:‏ لعل المراد أنه لا ينفع بمجرده ما لم يقارنه القبول، وذلك لا يكون إلا بفضل الله ورحمته، كما تقدم في شرح قوله ‏"‏ لا يدخل أحدا منكم الجنة عمله ‏"‏ وقيل المراد على رواية الكسر السعي التام في الحرص أو الإسراع في الهرب‏.‏
قال النووي‏:‏ الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه بالفتح وهو الحظ في الدنيا بالمال أو الولد أو العظمة أو السلطان، والمعنى لا ينجيه حظه منك، وإنما ينجيه فضلك ورحمتك‏.‏
وفي الحديث استحباب هذا الذكر عقب الصلوات لما اشتمل عليه من ألفاظ التوحيد ونسبة الأفعال إلى الله والمنع والإعطاء وتمام القدرة، وفيه المبادرة إلى امتثال السنن وإشاعتها‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ اشتهر على الألسنة في الذكر المذكور زيادة ‏"‏ ولا راد لما قضيت ‏"‏ وهي في مسند عبد ابن حميد من رواية معمر عن عبد الملك بن عمير بهذا الإسناد، لكن حذف قوله ‏"‏ ولا معطي لما منعت ‏"‏ ووقع عند الطبراني تاما من وجه آخر كما سنذكره في كتاب القدر إن شاء الله تعالى‏.‏
ووقع عند أحمد والنسائي وابن خزيمة من طريق هشيم عن عبد الملك بالإسناد المذكور أنه كان يقول الذكر المذكور أو لا ثلاث مرات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال شعبة عن عبد الملك بن عمير بهذا‏)‏ وصله السراج في مسنده، والطبراني في الدعاء، وابن حبان من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة ولفظه عن عبد الملك بن عمير ‏"‏ سمعت ورادا كاتب المغيرة بن شعبة أن المغيرة كتب إلى معاوية ‏"‏ فذكره‏.‏
وفي قوله ‏"‏ كتب ‏"‏ تجوز لما تبين من رواية سفيان وغيره أن الكاتب هو وراد، لكنه كتب بأمر المغيرة وإملائه عليه‏.‏
وعند مسلم من رواية عبدة عن وراد قال ‏"‏ كتب المغيرة إلى معاوية، كتب ذلك الكتاب له وراد ‏"‏ فجمع بين الحقيقة والمجاز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن جد غني‏)‏ الأولى في قراءة هذا الحرف أن يقرأ بالرفع بغير تنوين على الحكاية، ويظهر ذلك من لفظ الحسن، فقد وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي رجاء وعبد بن حميد من طريق سليمان التيمي كلاهما عن الحسن في قوله تعالى ‏(‏وأنه تعالى جد ربنا‏)‏ قال‏:‏ غنى ربنا‏.‏
وعادة البخاري إذا وقع في الحديث لفظة غريبة وقع مثلها في القرآن يحكي قول أهل التفسير فيها وهذا منها‏.‏
ووقع في رواية كريمة ‏"‏ قال الحسن الجد غني ‏"‏ وسقط هذا الأثر من أكثر الروايات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن الحكم‏)‏ هكذا وقع في رواية أبي ذر التعليق عن الحكم مؤخرا عن أثر الحسن‏.‏
وفي رواية كريمة بالعكس وهو الأصوب، لأن قوله وعن الحكم معطوف على قوله عن عبد الملك، فهو من رواية شعبة عن الحكم أيضا، وكذلك أخرجه السراج والطبراني وابن حبان بالإسناد المذكور إلى شعبة ولفظه كلفظ عبد الملك إلا أنه قال فيه ‏"‏ كان إذا قضى صلاته وسلم قال ‏"‏ فذكره، ووقع نحو هذا التصريح لمسلم من طريق المسيب بن رافع عن وراد به‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:16 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n101&p1#TOP)باب يَسْتَقْبِلُ الْإِمَامُ النَّاسَ إِذَا سَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم‏)‏ أورد فيه ثلاثة أحاديث‏:‏ أحدها حديث سمرة بن جندب، وسيأتي مطولا في أواخر الجنائز، ثانيها حديث زيد بن خالد الجهني، وسيأتي في كتاب الاستسقاء‏.‏
ثالثها‏:‏ حديث أنس، وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت وفي فضل انتظار الصلاة من أبواب الجماعة‏.‏
والأحاديث الثلاثة مطابقة لما ترجم له، وأصرحها حديث زيد بن خالد حيث قال فيه ‏"‏ فلما انصرف ‏"‏ وأما قوله في حديث سمرة ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه ‏"‏ فالمعنى إذا صلى صلاة ففرغ منها أقبل علينا، لضرورة أنه لا يتحول عن القبلة قبل فراغ الصلاة‏.‏
وقوله في حديث أنس ‏"‏ فلما صلى أقبل ‏"‏ يأتي فيه نحو ذلك، وسياق سمرة ظاهره أنه كان يواظب على ذلك‏.‏
قيل الحكمة في استقبال المأمومين أن يعلمهم ما يحتاجون إليه، فعلى هذا يختص بمن كان في مثل حاله صلى الله عليه وسلم من قصد التعليم والموعظة‏.‏
وقيل الحكمة فيه تعريف الداخل بأن الصلاة انقضت، إذ لو استمر الإمام على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلا‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة، فإذا انقضت الصلاة زال السبب، فاستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n101&p1#TOP)باب مُكْثِ الْإِمَامِ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ السَّلَامِ
وَقَالَ لَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةَ وَفَعَلَهُ الْقَاسِمُ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَا يَتَطَوَّعُ الْإِمَامُ فِي مَكَانِهِ وَلَمْ يَصِحَّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام‏)‏ أي وبعد استقبال القوم، فيلائم ما تقدم ثم أن المكث لا يتقيد بحال من ذكر أو دعاء أو تعليم أو صلاة نافلة، ولهذا ذكر في الباب مسألة تطوع الإمام في مكانه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال لنا آدم الخ‏)‏ هو موصول، وإنما عبر يقوله ‏"‏ قال لنا ‏"‏ لكونه موقوفا مغايرة بينه وبين المرفوع، هذا الذي عرفته بالاستقراء من صنيعه‏.‏
وقيل إنه لا يقول ذلك إلا فيما حمله مذاكرة، وهو محتمل لكنه ليس بمطرد، لأني وجدت كثيرا مما قال فيه ‏"‏ قال لنا ‏"‏ في الصحيح قد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة ‏"‏ حدثنا ‏"‏ وقد روى ابن أبي شيبة أثر ابن عمر من وجه آخر عن أيوب عن نافع قال ‏"‏ كان ابن عمر يصلي سبحته مكانه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفعله القاسم‏)‏ أي ابن محمد بن أبي بكر الصديق، وقد وصله ابن أبي شيبة عن معتمر عن عبيد الله بن عمر قال ‏"‏ رأيت القاسم وسالما يصليان الفريضة ثم يتطوعان في مكانهما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن أبي هريرة رفعه‏)‏ أي قال فيه‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يتطوع الإمام في مكانه‏)‏ ذكره بالمعنى، ولفظه عند أبي داود ‏"‏ أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله في الصلاة‏"‏، ولابن ماجه ‏"‏ إذا صلى أحدكم ‏"‏ زاد أبو داود يعني في السبحة صلى الله عليه وسلم وللبيهقي ‏"‏ إذا أراد أحدكم أن يتطوع بعد الفريضة فليتقدم ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يصح‏)‏ هو كلام البخاري، وذلك لضعف إسناده واضطرابه تفرد به ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، واختلف عليه فيه‏.‏
وقد ذكر البخاري الاختلاف فيه في تاريخه وقال ‏"‏ لم يثبت هذا الحديث ‏"‏ وفي الباب عن المغيرة بن شعبة مرفوعا أيضا بلفظ ‏"‏ لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول ‏"‏ رواه أبو داود وإسناده منقطع، وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي قال ‏"‏ من السنة أن لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكانه‏"‏، وحكى ابن قدامة في ‏"‏ المغني ‏"‏ عن أحمد أنه كره ذلك وقال‏:‏ لا أعرفه عن غير على، فكأنه لم يثبت عنده حديث أبي هريرة ولا المغيرة، وكان المعنى في كراهة ذلك خشية التباس النافلة بالفريضة‏.‏
وفي مسلم ‏"‏ عن السائب بن يزيد أنه صلى مع معاوية الجمعة فتنفل بعدها، فقال له معاوية‏:‏ إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك ‏"‏ ففي هذا إرشاد إلى طريق الأمن من الالتباس، وعليه تحمل الأحاديث المذكورة‏.‏
ويؤخذ من مجموع الأدلة أن للإمام أحوالا لأن الصلاة إما أن تكون مما يتطوع بعدها أو لا يتطوع، الأول اختلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر المأثور ثم يتطوع‏؟‏ وهذا الذي عليه عمل الأكثر، وعند الحنفية يبدأ بالتطوع‏.‏
وحجة الجمهور حديث معاوية‏.‏
وبمكن أن يقال لا يتعين الفصل بين الفريضة والنافلة بالذكر، بل إذا تنحى من مكانه كفي‏.‏
فإن قيل‏:‏ لم يثبت الحديث في التنحي، قلنا‏:‏ قد ثبت في حديث معاوية ‏"‏ أو تخرج ‏"‏ ويترجح تقديم الذكر المأثور بتقييده في الأخبار الصحيحة بدبر الصلاة‏.‏
وزعم بعض الحنابلة أن المراد بدبر الصلاة ما قبل السلام، وتعقب بحديث ‏"‏ ذهب أهل الدثور ‏"‏ فإن فيه ‏"‏ تسبحون دبر كل صلاة وهو بعد السلام جزما، فكذلك ما شابهه‏.‏
وأما الصلاة التي لا يتطوع بعدها فيتشاغل الإمام ومن معه بالذكر المأثور ولا يتعين له مكان بل إن شاءوا انصرفوا وذكروا، وإن شاءوا مكثوا وذكروا‏.‏
وعلى الثاني إن كان للإمام عادة أن يعلمهم أو يعظهم فيستحب أن يقبل عليهم بوجهه جميعا، وإن كان لا يزيد على الذكر المأثور فهل يقبل عليهم جميعا أو ينفتل فيجعل يمينه من قبل المأمومين ويساره من قبل القبلة ويدعو‏؟‏ الثاني هو الذي جزم به أكثر الشافعية‏.‏
ويحتمل إن قصر زمن ذلك أن يستمر مستقبلا للقبلة صلى الله عليه وسلم من أجل أنها أليق بالدعاء، ويحمل الأول على ما لو طال الذكر والدعاء، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَنُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِكَيْ يَنْفُذَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ النِّسَاءِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ قَالَ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مِنْ صَوَاحِبَاتِهَا قَالَتْ كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَتْنِي هِنْدُ الْفِرَاسِيَّةُ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ الْفِرَاسِيَّةُ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْقُرَشِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ وَكَانَتْ تَحْتَ مَعْبَدِ بْنِ الْمِقْدَادِ وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ الْقُرَشِيَّةُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ الْفِرَاسِيَّةِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَدَّثَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن هند بنت الحارث‏)‏ هي تابعية ولا أعرف عنها راويا غير الزهري، وهي من أفراد البخاري عن مسلم، وسيأتي الخلاف في نسبتها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب‏)‏ هو الزهري، وهو موصولا بالإسناد المذكور‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏فنرى‏)‏ بضم النون أي نظن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من النساء‏)‏ زاد في ‏"‏ باب التسليم ‏"‏ من هذا الوجه ‏"‏ قبل أن يدركهن من انصرف من القوم ‏"‏ أي الرجال، وهو لفظه في رواية يحيى بن قزعة الآتية بعد أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن أبي مريم‏)‏ رويناه موصولا في ‏"‏ الزهريات ‏"‏ لمحمد بن يحيى الذهلي قال ‏"‏ حدثنا سعيد بن أبي مريم ‏"‏ فذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من صواحباتها‏)‏ جمع صاحبة وهي لغة، والمشهور صواحب كضوارب وضاربة، وقيل هو جمع صواحب وهو جمع صاحبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان يسلم‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم، وأفادت هذه الرواية الإشارة إلى أقل مقدار كان يمكثه صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن وهب الخ‏)‏ وصله النسائي عن محمد بن سلمة عنه بالإسناد المذكور ولفظه ‏"‏ أن النساء كن إذا سلمن قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عثمان بن عمر‏)‏ سيأتي موصولا بعد أربعة أبواب من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الزبيدي‏)‏ وصله الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم عنه بتمامه، وفيه ‏"‏ أن النساء كن يشهدن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سلم قام النساء فانصرفن إلى بيوتهن قبل أن يقوم الرجال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال شعيب‏)‏ هو ابن أبي حمزة، وابن أبي عتيق هو محمد بن عبد الله، وروايتهما موصولة في ‏"‏ الزهريات ‏"‏ أيضا‏.‏
ومراد البخاري بيان الاختلاف في نسب هند وأن منهم من قال الفراسية نسبة إلى بني فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء آخره مهملة وهم بطن من كنانة، ومنهم من قال القرشية، فمن قال من أهل النسب إن كنانة جماع قريش فلا مغايرة بين النسبتين، ومن قال إن جماع قريش فهر بن مالك فيحتمل أن يكون اجتماع النسبتين لهند على أن إحداهما بالأصالة والأخرى بالمخالفة صلى الله عليه وسلم‏.‏
وأشار البخاري برواية الليث الأخيرة إلى الرد على من زعم أن قول من قال ‏"‏ القرشية ‏"‏ تصحيف من الفراسية، لقوله فيه ‏"‏ عن امرأة من قريش ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ أن امرأة ‏"‏ وقوله فيه ‏"‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ غير موصولة لأنها تابعية كما تقدم، وكأن التقصير فيه من يحيى بن سعيد وهو الأنصاري، وروايته عن ابن شهاب من رواية الأقران‏:‏ وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين، والاحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحذور‏.‏
وفيه اجتناب مواضع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت‏.‏
ومقتضى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالا فقط أن لا يستحب هذا المكث، وعليه حمل ابن قدامة حديث عائشة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول‏:‏ اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ‏"‏ أخرجه مسلم‏:‏ وفيه أن النساء كن يحضرن الجماعة في المسجد، وستأتي المسألة قريبا‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:17 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n101&p1#TOP)باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَذَكَرَ حَاجَةً فَتَخَطَّاهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم‏)‏ الغرض من هذه الترجمة بيان أن المكث المذكور في الباب قبله محله ما إذا لم يعرض ما يحتاج معه إلى القيام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبيد‏)‏ أي ابن ميمون العلاف، وثبت كذلك في رواية ابن عساكر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمر بن سعيد‏)‏ أي ابن أبي حسين المكي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عقبة‏)‏ هو ابن الحارث النوفلي، وللمصنف في الزكاة من رواية أبي عاصم عن عمر بن سعيد أن عقبة بن الحارث حدثه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فمسلم فقام‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ثم قام‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ففزع الناس‏)‏ أي خافوا، وكانت تلك عادتهم إذا رأوا منه غير ما يعهدونه خشية أن ينزل فيهم شيء يسوؤهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرأى أنهم قد عجبوا‏)‏ في رواية أبي عاصم ‏"‏ فقلت أو فقيل له ‏"‏ وهو شك من الراوي، فإن كان قوله فقلت محفوظا فقد تعين الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة عن ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذكرت شيئا من تبر‏)‏ في رواية روح عن عمر بن سعيد في أواخر الصلاة ‏"‏ ذكرت وأنا في الصلاة ‏"‏ وفي رواية أبي عاصم ‏"‏ تبرا من الصدقة ‏"‏ والتبر بكسر المثناة وسكون الموحدة الذهب الذي لم يصف ولم يضرب، قال الجوهري‏:‏ لا يقال إلا للذهب‏.‏
وقد قاله بعضهم في الفضة‏.‏
انتهى‏.‏
وأطلقه بعضهم على جميع جواهر الأرض قبل أن تصاغ أو تضرب حكاه ابن الأنباري عن الكسائي، وكذا أشار إليه ابن دريد‏.‏
وقيل هو الذهب المكسور، حكاه ابن سيده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يحبسني‏)‏ أي يشغلني التفكر فيه عن التوجه والإقبال على الله تعالى‏.‏
وفهم منه ابن بطال معنى آخر فقالا‏:‏ فيه أن تأخير الصدقة تحبس صاحبها يوم القيامة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمرت بقسمته‏)‏ في رواية أبي عاصم ‏"‏ فقسمته ‏"‏ وفي الحديث أن المكث بعد الصلاة ليس بواجب، وأن التخطي للحاجة مباح، وأن التفكر في الصلاة في أمر لا يتعلق بالصلاة لا يفسدها ولا ينقص من كمالها، وأن إنشاء العزم في أثناء الصلاة على الأمور الجائزة لا يضر، وفيه إطلاق الفعل على ما يأمر به الإنسان، وجواز الاستنابة مع القدرة على المباشرة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n101&p1#TOP)باب الِانْفِتَالِ وَالِانْصِرَافِ عَنْ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ
وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَيَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى أَوْ مَنْ يَعْمِدُ الِانْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ جمع في الترجمة بين الانفتال والانصراف للإشارة إلى أنه لا فرق في الحكم بين الماكث في مصلاه إذا انفتل لاستقبال المأمومين، وبين المتوجه لحاجته إذا انصرف إليها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان أنس بن مالك الخ‏)‏ وصله مسدد في مسنده الكبير من طريق سعيد عن قتادة قال ‏"‏ كان أنس ‏"‏ فذكره وقال فيه ‏"‏ ويعيب على من يتوخى ذلك أن لا ينفتل إلا عن يمينه ويقول‏:‏ يدور كما يدور الحمار ‏"‏ وقوله ‏"‏ يتوخى ‏"‏ بخاء معجمة مشددة أي يقصد، وقوله‏:‏ ‏(‏أو يعمد‏)‏ شك من الراوي‏.‏
قلت‏:‏ وظاهر هذا الأثر عن أنس يخالف ما رواه مسلم من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال ‏"‏ سألت أنسا كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري‏؟‏ قال‏:‏ أما أنا فأكثر ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه ‏"‏ ويجمع بينهما بأن أنسا عاب من يعتقد تحتم ذلك ووجوبه، وأما إذا استوى الأمران فجهة اليمين أولى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمارة‏)‏ في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش ‏"‏ سمعت عمارة بن عمير ‏"‏ وفي الإسناد ثلاثة من التابعين كوفيون في نسق آخرهم الأسود وهو ابن يزيد النخعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يجعل‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ لا يجعلن ‏"‏ بزيادة نون التأكيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شيئا من صلاته‏)‏ في رواية وكيع وغيره عن الأعمش عند مسلم ‏"‏ جزءا من صلاته‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يرى‏)‏ بفتح أوله أي يعتقد، ويجوز الضم أي يظن‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏أن حقا عليه‏)‏ هو بيان للجعل في قوله ‏"‏ لا يجعل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن لا ينصرف‏)‏ أي يرى أن عدم الانصراف حق عليه، فهو من باب القلب قاله الكرماني في الجواب عن ابتدائه بالنكرة قال‏:‏ أو لأن النكرة المخصوصة كالمعروفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كثيرا ينصرف عن يساره‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله ‏"‏ فأما رواية البخاري فلا تعارض حديث أنس الذي أشرت إليه عند مسلم، وأما رواية مسلم فظاهرة التعارض لأنه عبر في كل منهما بصيغة أفعل، قال النووي‏:‏ يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر، وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين‏.‏
قلت‏:‏ وهو موافق للأثر المذكور أولا عن أنس، ويمكن أن يجمع بينهما بوجه آخر، وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد، لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت من جهة يساره، ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر، ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح ابن مسعود لأنه أعلم وأسن وأجل وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى موقفه في الصلاة من أنس، وبان في إسناد حديث أنس من تكلم فيه وهو السدي، وبأنه متفق عليه بخلاف حديث أنس في الأمرين، وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على جهة يساره كما تقدم‏.‏
ثم ظهر لي أنه بمكن الجمع بين الحديثين بوجه آخر، وهو أن من قال كان أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته في حال الصلاة، ومن قال كان أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته في حالة استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة، فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة، ومن ثم قال العلماء‏.‏
يستحب الانصراف إلى جهة حاجته‏.‏
‏.‏
لكن قالوا‏:‏ إذا استوت الجهتان في حقه فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل التيامن كحديث عائشة المتقدم في كتاب الطهارة‏.‏
قال ابن المنير‏:‏ فيه أن المندوبات قد تنقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها، لأن التيامن مستحب في كل شيء أي من أمور العبادة، لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقدوا وجوبه أشار إلى كراهته، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:19 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n101&p1#TOP)باب مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النِّيِّ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ
وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكَلَ الثُّومَ أَوْ الْبَصَلَ مِنْ الْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في الثوم‏)‏ هذه الترجمة والتي بعدها من أحكام المساجد‏.‏
وأما التراجم التي قبلها فكلها من صفة الصلاة‏.‏
لكن مناسبة هذه الترجمة وما بعدها لذلك من جهة أنه بنى صفة الصلاة على الصلاة في الجماعة، ولهذا لم يفرد ما بعد كتاب الأذان بكتاب، لأنه ذكر فيه أحكام الإقامة ثم الإمامة ثم الصفوف ثم الجماعة ثم صفة الصلاة، فلما كان ذلك كله مرتبطا بعضه ببعض واقتضى فضل حضور الجماعة بطريق العموم ناسب أن يورد فيه من قام به عارض كأكل الثوم، ومن لا يجب عليه ذلك كالصبيان، ومن تندب له في حالة دون حالة كالنساء، فذكر هذه التراجم فختم بها صفة الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الثوم‏)‏ بضم الثاء المثلثة، ‏(‏والنيئ‏)‏ بكسر النون وبعدها تحتانية ثم همزة وقد تدغم، وتقييده بالنيئ حمل منه للأحاديث المطلقة في الثوم على غير النضيج منه‏.‏
وقوله في الترجمة ‏"‏ والكراث ‏"‏ لم يقع ذكره في أحاديث الباب التي ذكرها، لكنه أشار به إلى ما وقع في بعض طرق حديث جابر كما سأذكره، وهذا أولى من قول بعضهم إنه قاسه على البصل‏.‏
ويحتمل أن يكون استنبط الكراث من عموم الخضرات فإنه يدخل فيها دخولا أولويا لأن رائحته أشد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو بكسر اللام، و قوله‏:‏ ‏(‏من الجوع أو غيره‏)‏ لم أر التقييد بالجوع وغيره صريحا لكنه مأخوذ من كلام الصحابي في بعض طرق حديث جابر وغيره، فعند مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر قال ‏"‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث، فعلبتنا الحاجة ‏"‏ الحديث‏.‏
وله من رواية أبي نضرة عن أبي سعيد ‏"‏ لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا في هذه البقلة والناس جياع ‏"‏ الحديث‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ ألحق بعض أصحابنا المجذوم وغيره بآكل الثوم في المنع من المسجد، قال‏:‏ وفيه نظر لأن آكل الثوم أدخل على نفسه باختياره هذا المانع، والمجذوم علته سماوية‏.‏
قال‏:‏ لكن قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏من جوع أو غيره ‏"‏ يدل على التسوية بينهما‏.‏
انتهى‏.‏
وكأنه رأى قول البخاري في الترجمة وقول النبي صلى الله عليه وسلم الخ فظنه لفظ حديث، وليس كذلك، بل هو من تفقه البخاري وتجويزه لذكر الحديث بالمعنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أكل‏)‏ قال ابن بطال هذا يدل على إباحة أكل الثوم، لأن قوله ‏"‏ من أكل ‏"‏ لفظ إباحة‏.‏
وتعقبه ابن المنير بأن هذه الصيغة إنما تعطي الوجود لا الحكم، أي من وجد منه الأكل، وهو أعم من كونه مباحا أو غير مباح، وفي حديث أبي سعيد الذي أشرت إليه عند مسلم الدلالة على عدم تحريمه كما سيأتي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان وعبيد الله هو ابن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال في غزوة خيبر‏)‏ قال الداودي أي حين أراد الخروج أو حين قدم‏.‏
وتعقبه ابن التين بأن الصواب أنه قال ذلك وهو في الغزاة نفسها، قال ولا ضرورة تمنع أن يخبرهم بذلك في السفر‏.‏
انتهى‏.‏
فكأن الذي حمل الداودي على ذلك قوله في الحديث ‏"‏ فلا يقربن مسجدنا ‏"‏ لأن الظاهر أن المراد به مسجد المدينة فلهذا حمل الخبر على ابتداء التوجه إلى خيبر أو الرجوع إلى المدينة، لكن حديث أبي سعيد عند مسلم دال على أن القول المذكور صدر منه صلى الله عليه وسلم عقب فتح خيبر فعلى هذا فقوله مسجدنا يريد به المكان الذي أعد ليصلي فيه مدة إقامته هناك أو المراد بالمسجد الجنس والإضافة إلى المسلمين أي فلا يقربن مسجد المسلمين‏.‏
ويؤيده رواية أحمد عن يحيى القطان فيه بلفظ ‏"‏ فلا يقربن المساجد ‏"‏ ونحوه لمسلم وهذا يدفع قول من خص النهي بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، وقد حكاه ابن بطال عن بعض أهل العلم ووهاه‏.‏
وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء هل النهي للمسجد الحرام خاصة أو في المساجد‏؟‏ قال‏:‏ لا بل في المساجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من هذه الشجرة يعني الثوم‏)‏ لم أعرف القائل يعني ويحتمل أن يكون عبيد الله بن عمر، فقد رواه السراج من رواية يزيد بن الهادي عن نافع بدونها ولفظه ‏"‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم يوم خيبر ‏"‏ وزاد مسلم من رواية ابن نمير عن عبيد الله ‏"‏ حتى يذهب ريحها‏"‏‏.‏
وفي قوله شجرة مجاز لأن المعروف في اللغة أن الشجرة ما كان لها ساق وما لا ساق له يقال له نجم، وبهذا فسر ابن عباس وغيره قوله تعالى ‏(‏والنجم والشجر يسجدان‏)‏ ؛ ومن أهل اللغة من قال‏:‏ كل ما ثبتت له أرومة، أي أصل في الأرض يخلف ما قطع منه فهو شجر، وإلا فنجم‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ في هذا الحديث إطلاق الشجر على الثوم والعامة لا تعرف الشجر إلا ما كان له ساق ا ه‏.‏
ومنهم من قال‏:‏ بين الشجر والنجم عموم وخصوص، فكل نجم شجر من غير عكس كالشجر والنخل، فكل نخل شجر من غير عكس‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يُرِيدُ الثُّومَ فَلَا يَغْشَانَا فِي مَسَاجِدِنَا قُلْتُ مَا يَعْنِي بِهِ قَالَ مَا أُرَاهُ يَعْنِي إِلَّا نِيئَهُ وَقَالَ مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ إِلَّا نَتْنَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن محمد‏)‏ هو المسندي وأبو عاصم هو النبيلي وهو شيخ البخاري وربما روي عنه بواسطة كما هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يريد الثوم‏)‏ لم أعرف الذي فسره أيضا وأظنه ابن جريج فإن في الرواية التي تلي هذه عن الزهري عن عطاء الجزم بذكر الثوم‏.‏
على أنه قد اختلف في سياقه عن ابن جريج فقد رواه مسلم من رواية يحيى القطان عن ابن جريج بلفظ ‏"‏ من أكل من هذه البقلة الثوم ‏"‏ وقال مرة ‏"‏ من أكل البصل والثوم والكراث ‏"‏ ورواه أبو نعيم في المستخرج من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج مثله وعين الذي قال‏.‏
وقال مرة ولفظه‏:‏ قال ابن جريج وقال عطاء في وقت آخر ‏"‏ الثوم والبصل والكراث ‏"‏ ورواه أبو الزبير عن جابر بلفظ ‏"‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أكل البصل والكراث ‏"‏ قال ‏"‏ ولم يكن ببلدنا يومئذ الثوم ‏"‏ هكذا أخرجه ابن خزيمة من رواية يزيد بن إبراهيم وعبد الرزاق عن ابن عيينة كلاهما عن أبي الزبير‏.‏
قلت‏:‏ هذا لا ينافي التفسير المتقدم إذ لا يلزم من كونه لم يكن بأرضهم أن لا يجلب إليهم، حتى لو امتنع هذا الحمل لكانت رواية المثبت مقدمة على رواية النافي، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا يغشانا‏)‏ كذا فيه بصيغة النفي التي يراد بها النهي‏.‏
قال الكرماني‏:‏ أو على لغة من يجري المعتل مجرى الصحيح، أو أشبع الراوي الفتحة فظن أنها ألف‏.‏
والمراد بالغشيان الإتيان، أي فلا يأتينا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في مسجدنا‏)‏ في رواية الكشميهني وأبي الوقت ‏"‏ مساجدنا ‏"‏ بصيغة الجمع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت ما يعني به‏)‏ لم أقف على تعيين القائل والمقول له وأظن السائل ابن جريج والمسئول عطاء، في مصنف عبد الرزاق ما يرشد إلى ذلك، وجزم الكرماني بأن القائل عطاء والمسئول جابر، وعلى هذا فالضمير في ‏"‏ أراه ‏"‏ للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بضم الهمزة أي أظنه، و ‏"‏ نيئه ‏"‏ تقدم ضبطه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مخلد بن يزيد عن ابن جريج إلا نتنه‏)‏ بفتح النون وسكون المثناة من فوق بعدها نون أخرى، ولم أجد طريق مخلد هذه موصولة بالإسناد المذكور، وقد أخرج السراج عن أبي كريب عن مخلد هذا الحديث لكن قال ‏"‏ عن أبي الزبير ‏"‏ بدل عطاء عن جابر، ولم يذكر المقصود من التعليق المذكور، إلا أنه قال فيه ‏"‏ ألم أنهكم عن هذه البقلة الخبيثة أو المنتنة ‏"‏ فإن كان أشار إلى ذلك وإلا فنا أظنه إلا تصحيفا، فقد رواه أبو عوانة في صحيحه من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج كما قال أبو عاصم، ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج بلفظ ‏"‏ أراه يعني النيئة التي لم تطبخ ‏"‏ وكذا لأبي نعيم في المستخرج من طريق ابن أبي عدي عن ابن جريج بلفظ ‏"‏ يريد النيئ الذي لم يطبخ ‏"‏ وهو تفسير للنيئ بأنه الذي لم يطبخ وهو حقيقته كما تقدم، وقد يطلق على أعم من ذلك وهو ما لم ينضج فيدخل فيه ما طبخ قليلا ولم يبلغ النضج‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ قَالَ فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبُقُولِ فَقَالَ قَرِّبُوهَا إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أُتِيَ بِبَدْرٍ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَعْنِي طَبَقًا فِيهِ خَضِرَاتٌ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وَأَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ الْقِدْرِ فَلَا أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الْحَدِيثِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يونس‏)‏ هو ابن يزيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏زعم عطاء‏)‏ هو ابن أبي رباح وفي رواية الأصيلي ‏"‏ عن عطاء‏"‏، ولمسلم من وجه آخر عن ابن وهب ‏"‏ حدثني عطاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن جابر بن عبد الله زعم‏)‏ قال الخطابي لم يقل زعم على وجه التهمة، لكنه لما كان أمرا مختلفا فيه أتى بلفظ الزعم لأن هذا اللفظ لا يكاد يستعمل إلا في أمر يرتاب به أو يختلف فيه‏.‏
قلت‏:‏ وقد يستعمل في القول المحقق أيضا كما تقدم، وكلام الخطابي لا ينفي ذلك‏.‏
وفي رواية أحمد بن صالح الآتية عن جابر ولم يقل ‏"‏ زعم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا‏)‏ شك من الراوي وهو الزهري، ولم تختلف الرواة عنه في ذلك قوله‏:‏ ‏(‏أو ليقعد في بيته‏)‏ كذا لأبي ذر بالشك أيضا، ولغيره ‏"‏ وليقعد في بيته ‏"‏ بواو العطف، وكذا لمسلم، وهي أخص من الاعتزال لأنه أعم من أن يكون في البيت أو غيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هذا حديث آخر، وهو معطوف على الإسناد المذكور، والتقدير وحدثنا سعيد بن عفير بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى، وقد تردد البخاري فيه هل هو موصول أو مرسل كما سيأتي وهذا الحديث الثاني كان متقدما على الحديث الأول بست سنين، لأن الأول تقدم في حديث ابن عمر وغيره أنه وقع منه صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر وكانت سنة سبع، وهذا وقع في السنة الأولى عند قدومه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزوله في بيت أبي أيوب الأنصاري كما سأبينه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أتى بقدر‏)‏ بكسر القاف وهو ما يطبخ فيه، ويجوز فيه التأنيث والتذكير، والتأنيث أشهر، لكن الضمير في قوله ‏"‏ فيه خضرات ‏"‏ يعود على الطعام الذي في القدر، فالتقدير أتى بقدر من طعام فيه خضرات، ولهذا لما أعاد الضمير على القدر أعاده بالتأنيث حيث قال ‏"‏ فأخبر بما فيها ‏"‏ وحيث قال ‏"‏ قربوها ‏"‏ وقوله ‏"‏ خضرات ‏"‏ بضم الخاء وفتح الضاد المعجمتين كذا ضبط في رواية أبي ذر، ولغيره بفتح أوله وكسر ثانية وهو جمع خضرة، ويجوز مع ضم أوله ضم الضاد وتسكينها أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى بعب أصحابه‏)‏ قال الكرماني فيه النقل بالمعنى، إذ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقله بهذا اللفظ بل قال قربوها إلى فلان مثلا، أو فيه حذف أي قال قربوها مشيرا أو أشار إلى بعض أصحابه‏.‏
قلت والمراد بالبعض أبو أيوب الأنصاري، ففي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب في قصة نزول النبي صلى الله عليه وسلم عليه قال فكان يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فإذا جئ به إليه - أي بعد أن يأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه - سأل عن موضع أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، فصنع ذلك مرة فقيل له‏:‏ لم يأكل، وكان الطعام فيه ثوم، فقال‏:‏ أحرام هو يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ لا ولكن أكرهه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كل فإني أناجي من لا تناجي‏)‏ أي الملائكة، وفي حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة وابن حبان من وجه أخر ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل أو كراث فلم ير فيه أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبي أن يأكل، فقال له‏:‏ ما منعك‏؟‏ قال‏:‏ لم أر أثر يدك قال‏:‏ أستحي من ملائكة الله وليس بمحرم ‏"‏ ولهما من حديث أم أيوب قالت‏:‏ نزل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلفنا له طعاما فيه بعض البقول، فذكر الحديث نحوه وقال فيه ‏"‏ كلوا، فإني لست كأحد منكم، إني أخاف أو ذي صاحبي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أحمد بن صالح عن ابن وهب أتى ببدر‏)‏ مراده أن أحمد بن صالح خالف سعيد بن عفير في هذه اللفظة فقط وشاركه في سائر الحديث عن ابن وهب بإسناده المذكور، وقد أخرجه البخاري في الاعتصام قال ‏"‏ حدثنا أحمد بن صالح ‏"‏ فذكره بلفظ ‏"‏ أتى ببدر ‏"‏ وفيه قول ابن وهب ‏"‏ يعني طبقا فيه خضرات‏"‏، وكذا أخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح، لكن أخر تفسير ابن وهب فذكره بعد فراغ الحديث‏.‏
وأخرجه مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب فقال ‏"‏ بقدر ‏"‏ بالقاف ورجح جماعة من الشراح رواية أحمد بن صالح لكون ابن وهب فسر ‏"‏ البدر ‏"‏ بالطبق فدل على أنه حدث به كذلك، وزعم بعضهم أن لفظة ‏"‏ بقدر ‏"‏ تصحيف لأنها تشعر بالطبخ وقد ورد الإذن بأكل البقول مطبوخة، بخلاف الطبق فظاهره أن البقول كانت فيه نيئة‏.‏
والذي يظهر لي أن رواية ‏"‏ القدر ‏"‏ أصح لما تقدم من حديث أبي أيوب وأم أيوب جميعا، فإن فيه التصريح بالطعام، ولا تعارض بين امتناعه صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم وغيره مطبوخا وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخا، فقد علل ذلك بقوله ‏"‏ إني لست كأحد منكم ‏"‏ وترجم ابن خزيمة على حديث أبي أيوب ذكر ما خص الله نبيه به من ترك أكل الثوم ونحوه مطبوخا، وقد جمع القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏ بين الروايتين بأن الذي في القدر لم ينضج حتى تضمحل رائحته فبقي في حكم النيئ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ببدر‏)‏ بفتح الموحدة وهو الطبق، سمي بذلك لاستدارته تشبيها له بالقمر عند كماله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يذكر الليث وأبو صفوان عن يونس قصة القدر‏)‏ أما رواية الليث فوصلها الذهلي في ‏"‏ الزهريات ‏"‏ وأما رواية أبي صفوان وهو الأموي فوصلها المؤلف في الأطعمة عن علي بن المديني عنه واقتصر على الحديث الأول وكذا اقتصر عقيل عن الزهري كما أخرجه ابن خزيمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا أدري الخ‏)‏ هو من كلام البخاري، ووهم من زعم أنه كلام أحمد بن صالح أو من فوقه، وقد قال البيهقي‏:‏ الأصل أن ما كان من الحديث متصلا به فهو منه حتى يجيء البيان الواضح بأنه مدرج فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ مَا سَمِعْتَ نَبِيَّ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الثُّومِ فَقَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبْنَا أَوْ لَا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد العزيز‏)‏ هو ابن صهيب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سأل رجل‏)‏ لم أقف على تسميته، وقد تقدم الكلام على إطلاق الشجرة على الثوم، وقوله ‏"‏فلا يقربن ‏"‏ بفتح الراء والموحدة وتشديد النون، وليس في هذا تقييد النهي بالمسجد فيستدل بعمومه على إلحاق المجامع بالمساجد كمصلي العيد والجنازة ومكان الوليمة، وقد ألحقها بعضهم بالقياس والتمسك بهذا العموم أولى، ونظيره قوله ‏"‏ وليقعد في بيته ‏"‏ كما تقدم، لكن قد علل المنع في الحديث بترك أذى الملائكة وترك أذى المسلمين، فإن كان كل منهما جزء علة اختص النهي بالمساجد وما في معناها، وهذا هو الأظهر، وإلا لعم النهي كل مجمع كالأسواق، ويؤيد هذا البحث قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم ‏"‏ من أكل من هذه الشجرة شيئا فلا يقربنا في المسجد ‏"‏ قال القاضي ابن العربي‏:‏ ذكر الصفة في الحكم يدل على التعليل بها، ومن ثم رد على المازري حيث قال‏:‏ لو أن جماعة مسجد أكلوا كلهم ما له رائحة كريهة لم يمنعوا منه، بخلاف ما إذا أكل بعضهم، لأن المنع لم يختص بهم بل بهم وبالملائكة، وعلى هذا يتناول المنع من تناول شيئا من ذلك ودخل المسجد مطلقا ولو كان وحده‏.‏
واستدل بأحاديث الباب على أن صلاة الجماعة ليست فرض عين‏.‏
قال ابن دقيق العيد لأن اللازم من منعه أحد أمرين‏:‏ إما أن يكون أكل هذه الأمور مباحا فتكون صلاة الجماعة ليست فرض عين، أو حراما فتكون صلاة الجماعة فرضا‏.‏
وجمهور الأمة على إباحة أكلها فيلزم أن لا تكون الجماعة فرض عين‏.‏
وتقريره أن يقال‏:‏ أكل هذه الأمور جائز، ومن لوازمه ترك صلاة الجماعة، وترك الجماعة في حق آكلها جائز، ولازم الجائز جائز وذلك ينافي الوجوب صلى الله عليه وسلم‏.‏
ونقل عن أهل الظاهر أو بعضهم تحريمها بناء على أن الجماعة فرض عين، وتقريره أن يقال‏:‏ صلاة الجماعة فرض عين، ولا تتم إلا بترك أكلها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فترك أكل هذا واجب فيكون حراما ا ه‏.‏
وكذا نقله غيره عن أهل الظاهر، لكن صرح ابن حزم منهم بأن أكلها حلال مع قوله بأن الجماعة فرض عين، وانفصل عن اللزوم المذكور بأن المنع من أكلها مختص بمن علم بخروج الوقت قبل زوال الرائحة‏.‏
ونظيره أن صلاة الجمعة فرض عين بشروطها، ومع ذلك تسقط بالسفر‏.‏
وهو في أصله مباح، لكن يحرم على من أنشأه بعد سماع النداء‏.‏
وقال ابن دقيق العيد أيضا‏:‏ قد يستدل بهذا الحديث على أن أكل هذه الأمور من الأعذار المرخصة في ترك حضور الجماعة، وقد يقال‏:‏ إن هذا الكلام خرج مخرج الزجر عنها فلا يقتضي ذلك أن يكون عذرا في تركها إلا أن تدعو إلى أكلها ضرورة‏.‏
قال‏:‏ ويبعد هذا من وجه تقريبه إلى بعض أصحابه، فإن ذلك ينفي الزجر ا ه‏.‏
ويمكن حمله على حالتين، والفرق بينهما أن الزجر وقع في حق من أراد إتيان المسجد، والإذن في التقريب وقع في حالة لم يكن فيها ذلك، بل لم يكن المسجد النبوي إذ ذاك بني، فقد قدمت أن الزجر متأخر عن قصة التقريب بست سنين‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ توهم بعضهم أن أكل الثوم عذر في التخلف عن الجماعة، وإنما هو عقوبة لآكله على فعله إذ حرم فضل الجماعة ا ه‏.‏
وكأنه يخص الرخصة بما لا سبب للمرء فيه كالمطر مثلا، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون أكلها حراما، ولا أن الجماعة فرض عين‏.‏
واستدل المهلب بقوله ‏"‏ فإني أناجي من لا تناجي ‏"‏ على أن الملائكة أفضل من الآدميين‏.‏
وتعقب بأنه لا يلزم من تفضيل بعض الأفراد على بعض تفضيل الجنس على الجنس، واختلف هل كان أكل ذلك حراما على النبي صلى الله عليه وسلم أو لا‏؟‏ والراجح الحل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏وليس بمحرم ‏"‏ كما تقدم من حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة‏.‏
ونقل ابن التين عن مالك قال‏:‏ الفجل إن كان يظهر ريحه فهو كالثوم‏.‏
وقيده عياض بالجشاء‏.‏
قلت‏:‏ وفي الطبراني الصغير من حديث أبي الزبير عن جابر التنصيص على ذكر الفجل في الحديث، لكن في إسناده يحيى بن راشد وهو ضعيف‏.‏
وألحق بعضهم بذلك من بفيه بخر أو به جرح له رائحة‏.‏
وزاد بعضهم فألحق أصحاب الصنائع كالسماك، والعاهات كالمجذوم، ومن يؤذي الناس بلسانه، وأشار ابن دقيق العيد إلى أن ذلك كله توسع غير مرضي‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ حكم رحبة المسجد وما قرب منها حكمه، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج من وجدت منه إلى البقيع كما ثبت في مسلم عن عمر رضي الله عنه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في حديث حذيفة عند ابن خزيمة ‏"‏ من أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا، ثلاثا‏"‏‏.‏
وبوب عليه ‏"‏ توقيت النهي عن إتيان الجماعة لآكل الثوم ‏"‏ وفيه نظر، لاحتمال أن يكون قوله ‏"‏ ثلاثا ‏"‏ يتعلق بالقول، أي قال ذلك ثلاثا، بل هذا هو الظاهر، لأن علة المنع وجود الرائحة وهي لا تستمر هذه المدة‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:20 PM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n102&p1#TOP)باب وُضُوءِ الصِّبْيَانِ وَمَتَى يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْغُسْلُ وَالطُّهُورُ وَحُضُورِهِمْ الْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَالْجَنَائِزَ وَصُفُوفِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب وضوء الصبيان‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم ينص على حكمه، لأنه لو عبر بالندب لاقتضى صحة صلاة الصبي بغير وضوء، ولو عبر بالوجوب لاقتضى أن الصبي يعاقب على تركه كما هو حد الواجب، فأتى بعبارة سالمة من ذلك، وإنما لم يذكر الغسل لندور موجبه من الصبي بخلاف الوضوء، ثم أردفه بذكر الوقت الذي يجب فيه ذلك عليه فقال‏:‏ ومتى يجب عليهم الغسل والطهور ‏"‏ وقوله ‏"‏ والطهور ‏"‏ من عطف العام على الخاص، وليس في أحاديث الباب تعيين وقت الإيجاب إلا في حديث أبي سعيد فإن مفهومه أن غسل الجمعة لا يجب على غير المحتلم، فيؤخذ منه أن الاحتلام شرط لوجوب الغسل، وأما ما رواه أبو داود والترمذي وصححه وكذا ابن خزيمة والحاكم من طريق عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده مرفوعا ‏"‏ علموا الصبي الصلاة ابن سبع، واضربوه عليها ابن عشر ‏"‏ فهو وإن اقتضى تعيين وقت الوضوء لتوقف الصلاة عليه فلم يقل بظاهر إلا بعض أهل العلم، قالوا‏:‏ تجب الصلاة على الصبي للأمر بضربه على تركها، وهذه صفة الوجوب، وبه قال أحمد في رواية، وحكى البندنيجي أن الشافعي أومأ إليه‏.‏
وذهب الجمهور إلى أنها لا تجب عليه إلا بالبلوغ‏.‏
وقالوا‏:‏ الأمر بضربه للتدريب‏.‏
وجزم البيهقي بأنه منسوخ بحديث ‏"‏ رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ‏"‏ لأن الرفع يستدعي سبق وضع‏.‏
وسيأتي البحث في ذلك في كتاب النكاح‏.‏
ويؤخذ من إطلاق الصبي على ابن سبع الرد على من زعم أنه لا يسمى صبيا إلا إذا كان رضيعا، ثم يقال له غلام إلى أن يصير ابن سبع، ثم يصير يافعا إلى عشر، ويوافق الحديث قول الجوهري‏:‏ الصبي الغلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحضورهم‏)‏ بالجر عطفا على قوله ‏"‏ وضوء الصبيان ‏"‏ وكذا قوله ‏"‏ وصفوفهم‏"‏‏.‏
ثم أورد في الباب سبعة أحاديث أولها حديث ابن عباس في الصلاة على القبر، والغرض منه صلاة ابن عباس معهم ولم يكن إذ ذاك بالغا كما سيأتي دليله في خامس أحاديث الباب، وسيأتي الكلام عليه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى‏.‏
ثانيها حديث أبي سعيد، وقد تقدم توجيه إيراده، ويأتي الكلام عليه في كتاب الجمعة إن شاء الله تعالى‏.‏
ثالثها حديث ابن عباس في مبيته في بيت ميمونة، وفيه وضوؤه وصلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره له على ذلك بأن حوله فجعله عن يمينه، وقد تقدم من هذا الوجه في أوائل كتاب الطهارة، ويأتي بقية مباحثه في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى‏.‏
رابعها حديث أنس في صف اليتيم معه خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ومطابقته للترجمة من جهة أن اليتم دال على الصبا إذ لا يتم بعد احتلام، وقد أقره صلى الله عليه وسلم على ذلك‏.‏
خامسها حديث ابن عباس في مجيئه إلى منى ومروره بين يدي بعض الصف، ودخوله معهم وتقريره على ذلك وقال فيه إنه كان ناهز الاحتلام أي قاربه، وقد تقدمت مباحثه في أبواب سترة المصلي‏.‏
سادسها حديث عائشة في تأخير العشاء حتى قال عمر ‏"‏ نام النساء والصبيان ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ فهم منه البخاري أن النساء والصبيان الذين ناموا كانوا حضورا في المسجد، وليس الحديث صريحا في ذلك، إذ يحتمل أنهم ناموا في البيوت، لكن الصبيان جمع محلى باللام فيعم من كان منهم مع أمه أو غيرها في البيوت ومن كان مع أمه في المسجد، وقد أورد المصنف في الباب الذي يليه حديث أبي قتادة رفعه ‏"‏ إني لأقوم إلى الصلاة ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه ‏"‏ وقد قدمنا في شرحه في أبواب الجماعة أن الظاهر أن الصبي كان مع أمه في المسجد وأن احتمال أنها كانت تركته نائما في بيتها وحضرت الصلاة فاستيقظ في غيبتها فبكى بعيد، لكن الظاهر الذي فهمه أن القضاء بالمرئي أولى من القضاء بالمقدر‏.‏
انتهى‏.‏
وقد تقدمت مباحثه في أبواب المواقيت، وساقه المصنف هنا من طريق معمر وشعيب بلفظ معمر ثم ساق لفظ شعيب في الباب الذي بعده، وقوله ‏"‏قال عياش ‏"‏ وقع في بعض الروايات ‏"‏ قال لي عياش ‏"‏ وهو بالتحتانية والمعجمة، وتحول الإسناد عند الأكثر من بعد الزهري، وأتمه في رواية المستملي، ثم ختم الباب بحديث ابن عباس في شهوده صلاة العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد صرح فيه بأنه كان صغيرا وسيأتي الكلام عليه في كتاب العيدين، وترجم له هناك ‏"‏ باب خروج الصبيان إلى المصلى ‏"‏ واستشكل قوله في الترجمة ‏"‏ وصفوفهم ‏"‏ لأنه يقتضي أن يكون للصبيان صفوف تخصهم وليس في الباب ما يدل على ذلك وأجيب بأن المراد بصفوفهم وقوفهم في الصف مع غيرهم، وفقه ذلك هل يخرج من وقف معه الصبي في الصف عن أن يكون فردا حتى يسلم من بطلان صلاته عند من يمنعه أو كراهته وظاهر حديث أنس يقتضي الإجزاء، فهو حجة على من منع ذلك من الحنابلة مطلقا، وقد نص أحمد على أنه يجزئ في النفل دون الفرض وفيه ما فيه صلى الله عليه وسلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n102&p1#TOP)باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ وَالْغَلَسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس‏)‏ أورد فيه ستة أحاديث تقدم الكلام عليها إلا الثاني والأخير، وبعضها مطلق في الزمان وبعضها مقيد بالليل أو الغلس، فحمل المطلق في الترجمة على المقيد، وللفقهاء في ذلك تفاصيل ستأتي الإشارة إلى بعضها‏.‏
فأول أحاديث الباب حديث عائشة في تأخير العشاء حتى نادى عمر‏:‏ نام النساء والصبيان، وقد تقدم سادسا لأحاديث الباب الذي قبله‏.‏
ثانيها حديث ابن عمر في النهي عن منع النساء عن المسجد‏.‏
ثالثها حديث أم سلمة في مكث الإمام بعد السلام حتى ينصرف النساء، وقد تقدم الكلا عليه قبل أربعة أبواب‏.‏
رابعها حديث عائشة في صلاة الصبح بغلس ورجوع النساء متلفعات، وقد تقدم الكلام عليه قبل في المواقيت‏.‏
خامسها حديث أبي قتادة في تخفيف الصلاة حين بكى الصبي لأجل أمه، وقد تقدم الكلام عليه في الإمامة‏.‏
سادسها حديث عائشة في منع نساء بني إسرائيل المساجد، وسأذكر فوائده بعد الكلام على الحديث الثاني وهو حديث ابن عمر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حنظلة‏)‏ هو ابن أبي سفيان الجمحي، وسالم بن عبد الله أي ابن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد‏)‏ لم يذكر أكثر الرواة عن حنظلة قوله ‏"‏ بالليل ‏"‏ كذلك أخرجه مسلم وغيره، وقد اختلف فيه على الزهري عن سالم أيضا، فأورده المصنف بعد بابين من رواية معمر ومسلم من رواية يونس بن يزيد وأحمد من رواية عقيل والسراج من رواية الأوزاعي كلهم من الزهري بغير تقييد، وكذا أخرجه المصنف في النكاح عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن الزهري بغير قيد، ووقع عند أبي عوانة في صحيحه عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن عيينة مثله لكن قال في آخره ‏"‏ يعني بالليل ‏"‏ وبين ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء أن سفيان بن عيينة هو القائل ‏"‏ يعني‏"‏، وله عن سعيد بن عبد الرحمن عن ابن عيينة قال ‏"‏ قال نافع بالليل‏"‏، وله عن يحيى بن حكيم عن ابن عيينة قال ‏"‏ جاءنا رجل فحدثنا عن نافع قال‏:‏ إنما هو بالليل ‏"‏ وسمي عبد الرزاق عن ابن عيينة الرجل المبهم فقال بعد روايته عن الزهري ‏"‏ قال ابن عيينة وحدثنا عبد الغفار - يعني ابن القاسم - أنه سمع أبا جعفر يعني الباقر يخبر بمثل هذا عن ابن عمر، قال فقال له نافع مولي ابن عمر‏:‏ إنما ذلك بالليل ‏"‏ وكأن اختصاص الليل بذلك لكونه أستر، ولا يخفى أن محل ذلك إذا أمنت المفسدة منهن وعليهن، قال النووي‏:‏ استدل به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لنوحه الأمر إلى الأزواج بالإذن، وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه إن أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب وهو ضعيف، لكن يتقوى بأن يقال‏:‏ إن منع الرجال نساءهم أمر مقرر، وإنما علق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز فيبقى ما عداه على المنع، وفيه إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب، لأنه لو كان واجبا لانتفى معنى الاستئذان، لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان المستأذن مخيرا في الإجابة أو الرد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر‏)‏ ذكر المزي في الأطراف تبعا لخلف وأبي مسعود أن هذه المتابعة وقعت بعد رواية ورقاء عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عمر بهذا الحديث، ولم أقف على ذلك في شيء من الروايات التي اتصلت لنا من البخاري في هذا الموضع، وإنما وقعت المتابعة المذكورة عقب رواية حنظلة عن سالم، وقد وصلها أحمد قال ‏"‏ حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة ‏"‏ فذكر الحديث بزيادة سيأتي ذكرها قريبا‏.‏
نعم أخرج البخاري رواية ورقاء في أوائل كتاب الجمعة بلفظ ‏"‏ ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد ‏"‏ ولم يذكر بعده متابعة ولا غيرها، ووافقه مسلم على إخراجه من هذا الوجه أيضا وزاد فيه ‏"‏ فقال له ابن له يقال له واقد‏:‏ إذا يتخذنه دغلا، قال‏:‏ فضرب في صدره وقال‏:‏ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول لا ‏"‏ ولم أر لهذه القصة ذكرا في شيء من الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث، وقد أوهم صنيع صاحب العمدة خلاف ذلك، ولم يتعرض لبيان ذلك أحد من شراحه، وأظن البخاري اختصرها للاختلاف في تسمية ابن عبد الله بن عمر، فقد رواه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر وسمي الابن بلالا فأخرجه من طريق كعب بن علقمة عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ ‏"‏ لا تمنعوا النساء حظوظهن المساجد إذا استأذنكم، فقال بلال‏:‏ والله لنمنعهن ‏"‏ الحديث‏.‏
وللطبراني من طريق عبد الله بن هبيرة عن بلال بن عبد الله نحوه وفيه ‏"‏ فقلت أما أنا فسأمنع أهلي، فمن شاء فليسرح أهله ‏"‏ وفي رواية يونس عن ابن شهاب الزهري عن سالم في هذا الحديث ‏"‏ قال فقال بلال بن عبد الله‏:‏ والله لنمنعهن ‏"‏ ومثله في رواية عقيل عند أحمد، وعنده في رواية شعبة عن الأعمش المذكورة ‏"‏ فقال سالم أو بعض بنيه‏:‏ والله لا ندعهن يتخذنه دغلا ‏"‏ الحديث‏.‏
والراجح من هذا أن صاحب القصة بلال لورود ذلك من روايته نفسه ومن رواية أخيه سالم، ولم يختلف عليهما في ذلك‏.‏
وأما هذه الرواية الأخيرة فمرجوحة لوقوع الشك فيها، ولم أره مع ذلك في شيء من الروايات عن الأعمش مسمى ولا عن شيخه مجاهد، فقد أخرجه أحمد من رواية إبراهيم بن مهاجر وابن أبي نجيح وليث بن أبي سليم كلهم عن مجاهد ولم يسمه أحد منهم، فإن كانت رواية عمرو بن دينار عن مجاهد محفوظة في تسميته واقدا فيحتمل أن يكون كل من بلال وواقع وقع منه ذلك إما في مجلس أو في مجلسين، وأجاب ابن عمر كلا منهما بجواب يليق به، ويقويه اختلاف النقلة في جواب ابن عمر، ففي رواية بلال عند مسلم ‏"‏ فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته يسبه مثله قط ‏"‏ وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبراني السب المذكور باللعن ثلاث مرات‏.‏
وفي رواية زائدة عن الأعمش ‏"‏ فانتهره وقال‏:‏ أف لك ‏"‏ وله عن ابن نمير عن الأعمش ‏"‏ فعل الله بك وفعل ‏"‏ ومثله للترمذي من رواية عيسى بن يونس، ولمسلم من رواية أبي معاوية ‏"‏ فزبره ‏"‏ ولأبي داود من رواية جرير ‏"‏ فسبه وغضب ‏"‏ فيحتمل أن يكون بلال البادئ فلذلك أجابه بالسب المفسر باللعن، وأن يكون واقد بدأه فلذلك أجابه بالسب المفسر بالتأفيف مع الدفع في صدره، وكأن السر في ذلك أن بلالا عارض الخبر برأيه ولم يذكر علة المخالفة، ووافقه واقد لكن ذكرها بقوله ‏"‏ يتخذنه دغلا ‏"‏ وهو بفتح المهملة ثم المعجمة وأصله الشجر الملتف ثم استعمل في المخادعة لكون المخادع يلف في ضميره أمرا ويظهر غيره، وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت وحملته على ذلك الغيرة، وإنما أنكر عليه ابن عمر لتصريحه بمخالفة الحديث، وإلا فلو قال مثلا إن الزمان قد تغير وإن بعضهن ربما ظهر منه قصد المسجد وإضمار غيره لكان يظهر أن لا ينكر عليه، وإلى ذلك أشارت عائشة بما ذكر في الحديث الأخير‏.‏
وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه، وعلى العالم بهواه، وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرا إذا تكلم بما لا ينبغي له، وجواز التأديب بالهجران، فقد وقع في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد ‏"‏ فما كلمه عبد الله حتى مات ‏"‏ وهذا إن كان محفوظا يحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة بيسير‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ
الشرح‏:‏
حديث أم سلمة ‏"‏ أن النساء كن إذا سلمن من الصلاة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قد مضى الكلام عليه في أواخر صفة الصلاة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ
الشرح‏:‏
حديث عائشة ‏"‏ إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات ‏"‏ وقد تقدم شرحه في المواقيت‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ
الشرح‏:‏
حديث أبي قتادة رفعه ‏"‏ إني لأقوم في الصلاة ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أبواب الإمامة، قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا الحديث عام في النساء، إلا أن الفقهاء خصوه بشروط‏:‏ منها أن لا تتطيب، وهو في بعض الروايات ‏"‏ وليخرجن تفلات ‏"‏ قلت‏:‏ هو بفتح المثناة وكسر الفاء أي غير متطيبات، ويقال امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح، وهو عند أبي داود وابن خزيمة من حديث أبي هريرة وعند ابن حبان من حديث زيد بن خالد وأوله ‏"‏ لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ‏"‏ ولمسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود ‏"‏ إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسن طيبا ‏"‏ انتهى‏.‏
قال‏:‏ ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال، وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر، إلا إن أخذ الخوف عليها من جهتها لأنها إذا عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الأمن عليها ولا سيما إذا كان ذلك بالليل‏.‏
وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وذلك في رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن ‏"‏ أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة‏.‏
ولأحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية ‏"‏ أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك‏.‏
قال‏:‏ قد علمت، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة ‏"‏ وإسناد أحمد حسن، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود‏.‏
ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة، ومن ثم قالت عائشة ما قالت، وتمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقا وفيه نظر، إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته فقالت ‏"‏ لو رأى لمنع ‏"‏ فيقال عليه‏:‏ لم ير ولم يمنع، فاستمر الحكم حتى أن عائشة لم تصرح بالمنع وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع‏.‏
وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى‏.‏
وأيضا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثت، والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع التطيب والزينة، وكذلك التقيد بالليل كما سبق‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُلْتُ لِعَمْرَةَ أَوَمُنِعْنَ قَالَتْ نَعَمْ
الشرح‏:‏
قوله في حديث عائشة آخر أحاديث الباب ‏(‏كما منعت نساء بني إسرائيل‏)‏ وقول عمرة ‏(‏نعم‏)‏ في جواب سؤال يحيى بن سعيد لها يظهر أنها تلقته عن عائشة، ويحتمل أن يكون عن غيرها، وقد ثبت ذلك من حديث عروة عن عائشة موقوفا أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولفظه ‏"‏ قالت‏:‏ كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلا من خشب يتشرفن للرجال في المساجد، فحرم الله عليهن المساجد، وسلطت عليهن الحيضة ‏"‏ وهذا وإن كان موقوفا فحكمه حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي صلى الله عليه وسلم، وروى عبد الرزاق أيضا نحوه بإسناد صحيح عن ابن مسعود، وقد أشرت إلى ذلك في أول كتابه الحيض‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية كريمة عقب الحديث الثاني من هذا الباب ‏"‏ باب انتظار الناس قيام الإمام العالم ‏"‏ وكذا في نسخة الصغاني، وليس ذلك بمعتمد إذ لا تعلق لذلك بهذا الموضع، بل قد تقدم في موضعه من الإمامة بمعناه‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:21 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n102&p1#TOP)باب صَلَاةِ النِّسَاءِ خَلْفَ الرِّجَالِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة النساء خلف الرجال‏)‏ أورد فيه حديث أم سلمة في مكث الرجال بعد التسليم، وقد تقدم الكلام عليه‏.‏
ومطابقته للترجمة من جهة أن صف النساء لو كان أمام الرجال أو بعضهم للزم من انصرافهن قبلهم أن يتخطينهم وذلك منهي عنه‏.‏
ثم أورد فيه حديث أنس في صلاة أم سليم خلفه واليتيم معه، وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدم الكلام عليه في آخر أبواب الصفوف‏.‏
وقوله فيه ‏"‏ فقمت ويتيم خلفه ‏"‏ فيه شاهد لمذهب الكوفيين في إجازة العطف على الضمير المرفوع المتصل بدون التأكيد‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n102&p1#TOP)باب سُرْعَةِ انْصِرَافِ النِّسَاءِ مِنْ الصُّبْحِ وَقِلَّةِ مَقَامِهِنَّ فِي الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سرعة انصراف النساء من الصبح‏)‏ قيد بالصبح لأن طول التأخير فيه يفضي إلى الإسفار، فناسب الإسراع، بخلاف العشاء فإنه يفضي إلى زيادة الظلمة فلا يضر المكث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ أَوْ لَا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سعيد بن منصور‏)‏ هو من شيوخ البخاري، وربما روي عنه بواسطة كما هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فينصرفن‏)‏ هو على لغة بني الحارث، وكذا قوله ‏"‏ لا يعرفن بعضهن بعضا ‏"‏ وهذا في رواية الحموي والكشميهني ولغيرهما ‏"‏ لا يعرف ‏"‏ بالإفراد على الجادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نساء المؤمنين‏)‏ ذكر الكرماني أن في بعض النسخ ‏"‏ نساء المؤمنات ‏"‏ وذكر توجيهه، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في أبواب المواقيت‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n102&p1#TOP)باب اسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر، وقد تقدم الكلام عليه قريبا، لكن أورده هنا من طريق يزيد بن زريع عن معمر وليس فيه تقييد بالمسجد‏.‏
نعم أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه بذكر المسجد، وكذا أخرجه أحمد عن عبد الأعلى عن معمر وزاد فيه زيادة ستأتي قريبا‏.‏
ومقتضى الترجمة أن جواز الخروج يحتاج إلى إذن الزوج، وقد تقدم البحث فيه أيضا، والله المستعان‏.‏
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n102&p1#TOP)‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب صفة الصلاة إلى هنا من الأحاديث المرفوعة على مائة وثمانين حديثا، المعلق منها ثمانية وثلاثون حديثا، والبقية موصولة‏.‏
المكرر منها - فيها وفيما مضى - مائة حديث وخمسة أحاديث وهي جملة المعلق إلا ثلاثة منه وسبعون أخرى موصولة، فالخالص منها خمسة وسبعون منها الثلاثة المعلقة، وافقه مسلم على تخريجها سوى ثلاثة عشر حديثا وهي‏:‏ حديث ابن عمر في الرفع عند القيام من الركعتين، وحديث أنس في النهي عن رفع البصر في الصلاة، وحديث عائشة في أن الالتفات اختلاس من الشيطان، وحديث زيد بن ثابت في قراءة الأعراف في المغرب، وحديث أنس في قراءة الرجل قل هو الله أحد وهو معلق، وحديث أبي بكرة في الركوع دون الصف، وحديث أبي هريرة في جمع الإمام بين التسميع والتحميد، وحديث رفاعة في القول في الاعتدال، وحديث أبي سعيد في الجهر بالتكبير، وحديث ابن عمر في سنة الجلوس في التشهد، وحديث أم سلمة في سرعة انصراف النساء بعد السلام، وحديث أبي هريرة ‏"‏ لا يتطوع الإمام في مكانه ‏"‏ وهو معلق، وحديث عقبة بن الحارث في قسمة التبر‏.‏
وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة وغيرهم ستة عشر أثرا منها ثلاثة موصولة وهي‏:‏ حديث أبي يزيد عمرو بن سلمة في موافقته في صفه الصلاة لحديث مالك بن الحويرث وقد كرره، وحديث ابن عمر في صلاته متربعا ذكره في أثناء حديثه في سنة الجلوس في التشهد، وحديثه في تطوعه في المكان الذي صلى فيه الفريضة والبقية معلقات‏.‏
والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب‏.‏
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:22 PM
*2*كِتَاب الْجُمُعَةِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الشرح‏:‏
‏(‏كتاب الجمعة‏)‏ ثبتت هذه الترجمة للأكثر، ومنهم من قدمها على البسملة، وسقطت لكريمة وأبي ذر عن الحموي‏.‏
والجمعة بضم الميم على المشهور، وقد تسكن وقرأ بها الأعمش، وحكى الواحدي عن الفراء فتحها، وحكى الزجاج الكسر أيضا‏.‏
والمراد بيان أحكام صلاة الجمعة‏.‏
واختلف في تسمية اليوم بذلك - مع الاتفاق على أنه كان يسمى في الجاهلية العروبة - بفتح العين المهملة وضم الراء وبالموحدة - فقيل‏:‏ سمي بذلك لأن كمال الخلائق جمع فيه، ذكره أبو حذيفة النجاري في المبتدأ عن ابن عباس وإسناده ضعيف‏.‏
وقيل‏:‏ لأن خلق آدم جمع فيه ورد ذلك من حديث سلمان أخرجه أحمد وابن خزيمة وغيرهما في أثناء حديث، وله شاهد عن أبي هريرة ذكره ابن أبي حاتم موقوفا بإسناد قوي، وأحمد مرفوعا بإسناد ضعيف‏.‏
وهذا أصح الأقوال‏.‏
ويليه ما أخرجه عبد بن حميد عن ابن سيرين بسند صحيح إليه في قصة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة، وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة، فصلى بهم وذكرهم فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه، ذكره ابن أبي حاتم موقوفا‏.‏
وقيل‏:‏ لأن كعب بن لؤي كان يجمع قومه فيه فيذكرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم ويخبرهم بأنه سيبعث منه نبي، روى ذلك الزبير في ‏"‏ كتاب النسب ‏"‏ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مقطوعا وبه جزم الفراء وغيره‏.‏
وقيل‏:‏ إن قصيا هو الذي كان يجمعهم ذكره ثعلب في أماليه‏.‏
وقيل سمي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه، وبهذا جزم ابن حزم فقال‏:‏ إنه اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية وإنما كان يسمى العروبة‏.‏
انتهى‏.‏
وفيه نظر، فقد قال أهل اللغة‏:‏ أن العروبة اسم قديم كان للجاهلية‏.‏
وقالوا في الجمعة هو يوم العروبة، فالظاهر أنهم غيروا أسماء الأيام السبعة بعد أن كانت تسمى‏:‏ أول، أهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، شبار‏.‏
وقال الجوهري‏:‏ كانت العرب تسمي يوم الاثنين أهون في أسمائهم القديمة، وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء، وهي هذه المتعارفة الآن كالسبت والأحد إلى آخرها‏.‏
وقيل‏:‏ إن أول من سمى الجمعة العروبة كعب بن لؤي وبه جزم الفراء وغيره، فيحتاج من قال إنهم غيروها إلا الجمعة فأبقوه على تسمية العروبة إلى نقل خاص‏.‏
وذكر ابن القيم في الهدى ليوم الجمعة اثنين وثلاثين خصوصية، وفيها أنها يوم عيد ولا يصام منفردا، وقراءة ألم تنزيل وهل أتى في صبيحتها والجمعة والمنافقين فيها، والغسل لها والطيب والسواك ولبس أحسن الثياب، وتبخير المسجد والتبكير والاشتغال بالعبادة حتى يخرج الخطيب، والخطبة والإنصات، وقراءة الكهف، ونفي كراهية النافلة وقت الاستواء، ومنع السفر قبلها، وتضعيف أجر الذاهب إليها بكل خطوة أجر سنة، ونفي تسجير جهنم في يومها، وساعة الإجابة، وتكفير الآثام، وأنها يوم المزيد والشاهد المدخر لهذه الأمة، وخير أيام الأسبوع، وتجتمع فيه الأرواح إن ثبت الخبر فيه، وذكر أشياء أخر فيها نظر، وترك أشياء يطول تتبعها‏.‏
انتهى ملخصا والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n103&p1#TOP)باب فَرْضِ الْجُمُعَةِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فرض الجمعة‏)‏ لقول الله تعالى‏.‏
‏(‏إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع‏)‏ إلى هنا عند الأكثر، وسياق بقية الآية في رواية كريمة وأبي ذر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاسعوا فامضوا‏)‏ هذا في رواية أبي ذر عن الحموي وحدة، وهو تفسير منه للمراد بالسعي هنا بخلاف قوله في الحديث المتقدم ‏"‏ فلا تأتوها تسعون ‏"‏ فالمراد به الجري‏.‏
وسيأتي في التفسير أن عمر قرأ ‏"‏ فامضوا ‏"‏ وهو يؤيد ذلك‏.‏
واستدلال البخاري بهذه الآية على فرضية الجمعة سبقه إليه الشافعي في الأم، وكذا حديث أبي هريرة ثم قال‏:‏ فالتنزيل ثم السنة يدلان على إيجابها، قال‏:‏ وعلم بالإجماع أن يوم الجمعة هو الذي بين الخميس والسبت‏.‏
وقال الشيخ الموفق‏:‏ الأمر بالسعي يدل على الوجوب إذ لا يجب السعي إلا إلى واجب‏.‏
واختلف في وقت فرضيتها فالأكثر على أنها فرضت بالمدينة وهو مقتضى ما تقدم أن فرضيتها بالآية المذكورة وهي مدنية‏.‏
وقال الشيخ أبو حامد‏:‏ فرضت بمكة، وهو غريب‏.‏
وقال الزين ابن المنير‏:‏ وجه الدلالة من الآية الكريمة مشروعية النداء لها، إذ الأذان من خواص الفرائض، وكذا النهي عن البيع لأنه لا ينهي عن المباح - يعني نهى تحريم - إلا إذا أفضى إلى ترك واجب، ويضاف إلى ذلك التوبيخ على قطعها‏.‏
قال‏:‏ وأما وجه الدلالة من الحديث فهو من التعبير بالفرض لأنه للإلزام، وإن أطلق على غير الإلزام كالتقدير لكنه متعين له لاشتماله على ذكر الصرف لأهل الكتاب عن اختياره وتعيينه لهذه الأمة سواء كان ذلك وقع لهم بالتنصيص أم بالاجتهاد‏.‏
وفي سياق القصة إشعار بأن فرضيتها على الأعيان لا على الكفاية، وهو من جهة إطلاق الفرضية ومن التعميم في قوله ‏"‏ فهدانا الله له والناس لنا فيه تبع‏"‏‏.‏الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الْأَعْرَجَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏نحن الآخرون السابقون‏)‏ في رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم ‏"‏ نحن الآخرون ونحن السابقون ‏"‏ أي الآخرون زمانا الأولون منزلة، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية فهي سابقة لهم في الآخرة بأنهم أول من يحشر وأول من يحاسب وأول من يقضي بينهم وأول من يدخل الجنة‏.‏
وفي حديث حذيفة عند مسلم ‏"‏ نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق‏"‏‏.‏
وقيل‏:‏ المراد بالسبق هنا إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، ويوم الجمعة وإن كان مسبوقا بسبت قبله أو أحد لكن لا يتصور اجتماع الأيام الثلاثة متوالية إلا ويكون يوم الجمعة سابقا‏.‏
وقيل المراد بالسبق أي إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا سمعنا وعصينا، والأول أقوى، قوله‏:‏ ‏(‏بيد‏)‏ بموحدة ثم تحتانية ساكنة مثل غير وزنا ومعنى، وبه جزم الخليل والكسائي ورجحه ابن سيده، وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن الربيع عنه أن معنى ‏"‏ بيد ‏"‏ من أجل، وكذا ذكره ابن حبان والبغوي عن المزني عن الشافعي‏.‏
وقد استبعده عياض ولا بعد فيه، بل معناه أنا سبقنا بالفضل هدينا للجمعة مع تأخرنا في الزمان، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم، ويشهد له ما وقع في فوائد ابن المقري من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ نحن الآخرون في الدنيا ونحن السابقون أول من يدخل الجنة لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ‏"‏ وفي موطأ سعيد بن عفير عن مالك عن أبي الزناد بلفظ ‏"‏ ذلك بأنهم أوتوا الكتاب ‏"‏ وقال الداودي‏:‏ هي بمعنى على أو مع، قال القرطبي‏:‏ إن كانت بمعنى غير فنصب على الاستثناء، وإن كانت بمعنى مع فنصب على الظرف‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ هي للاستثناء، وهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم، والمعنى نحن السابقون للفضل غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ووجه التأكيد فيه ما أدمج فيه من معنى النسخ، لأن الناسخ هو السابق في الفضل وإن كان متأخرا في الوجود، وبهذا التقرير يظهر موقع قوله ‏"‏ نحن الآخرون ‏"‏ مع كونه أمرا واضحا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أوتوا الكتاب‏)‏ اللام للجنس، والمراد التوراة والإنجيل، والضمير في ‏"‏ أوتيناه ‏"‏ للقرآن‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ المراد بالكتاب التوراة، وفيه نظر لقوله ‏"‏ وأوتيناه من بعدهم ‏"‏ فأعاد الضمير على الكتاب، فلو كان المراد التوراة لما صح الإخبار، لأنا إنما أوتينا القرآن‏.‏
وسقط من الأصل قوله ‏"‏ وأوتيناه من بعدهم ‏"‏ وهي ثابتة في رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه، أخرجه الطبراني في مسند الشاميين عنه، وكذا لمسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد، وسيأتي تاما عند المصنف بعد أبواب من وجه آخر عن أبي هريرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم‏)‏ كذا للأكثر، وللحموي ‏"‏ الذي فرض الله عليهم ‏"‏ والمراد باليوم يوم الجمعة، والمراد باليوم بفرضه فرض تعظيمه، وأشير إليه بهذا لكونه ذكر في أول الكلام كما عند مسلم من طريق آخر عن أبي هريرة، ومن حديث حذيفة قالا‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ‏"‏ الحديث‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن، وإنما يدل - والله أعلم - أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أي الأيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة، ومال عياض إلى هذا ورشحه بأنه لو كان فرض عليهم بعينه لقيل فخالفوا بدل فاختلفوا‏.‏
وقال النووي‏:‏ يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا هل يلزم تعينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر فاجتهدوا في ذلك فأخطئوا‏.‏
انتهى‏.‏
ويشهد له ما رواه الطبري بـإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى ‏(‏إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه‏)‏ قال‏:‏ أرادوا الجمعة فأخطئوا وأخذوا السبت مكانه‏.‏
ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والنصارى في ذلك، وقد روى ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي التصريح بأنهم فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا، ولفظه ‏"‏ إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا‏:‏ يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا، فجعل عليهم ‏"‏ وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى ‏(‏ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة‏)‏ وغير ذلك، وكيف لا وهم القائلون ‏(‏سمعنا وعصينا‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فهدانا الله له‏)‏ يحتمل أن يراد بأن نص لنا عليه، وأن يراد الهداية إليه بالاجتهاد، ويشهد للثاني ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيربن قال ‏"‏ جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن تنزل الجمعة، فقالت الأنصار‏:‏ إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى كذلك، فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره‏.‏
فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ، وأنزل الله تعالى بعد ذلك ‏(‏إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة‏)‏ الآية، وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك قال ‏"‏ كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسعد بن زرارة ‏"‏ الحديث‏.‏
فمرسل ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد، ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي وهو بمكة فلم يتمكن من إقامتها، ثم فقد ورد فيه حديث عن ابن عباس عند الدار قطني، ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن إسحاق وغيره، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق‏.‏
وقيل في الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه، والإنسان إنما خلق للعبادة فناسب أن يشتغل بالعبادة فيه، ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اليهود غدا والنصارى بعد غد‏)‏ في رواية أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عند ابن خزيمة ‏"‏ فهو لنا، ولليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد ‏"‏ والمعنى أنه لنا بهداية الله تعالى ولهم باعتبار اختيارهم وخطئهم في اجتهادهم‏.‏
قال القرطبي‏:‏ غدا هنا منصوب على الظرف، وهو متعلق بمحذوف وتقديره اليهود يعظمون غدا، وكذا قوله ‏"‏ بعد غد ‏"‏ ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة‏.‏
انتهى‏.‏
وقال ابن مالك‏:‏ الأصل أن يكون المخبر عنه بظرف الزمان من أسماء المعاني كقولك غدا للتأهب وبعد غد للرحيل فيقدر هنا مضافان يكون ظرفا الزمان خبرين عنهما، أي تعييد اليهود غدا وتعييد النصارى بعد غد ا هـ‏.‏
وسبقه إلى نحو ذلك عياض، وهو أوجه من كلام القرطبي‏.‏
وفي الحديث دليل على فرضية الجمعة كما قال النووي، لقوله ‏"‏ فرض عليهم فهدانا الله له ‏"‏ فإن التقدير فرض عليهم وعلينا فضلوا وهدينا، وقد وقع في رواية سفيان عن أبي الزناد عند مسلم بلفظ ‏"‏ كتب علينا‏"‏‏.‏
وفيه أن الهداية والإضلال من الله تعالى كما هو قول أهل السنة، وأن سلامة الإجماع من الخطأ مخصوص بهذه الأمة، وأن استنباط معنى من الأصل يعود عليه بالإبطال باطل، وأن القياس مع وجود النص فاسد، وأن الاجتهاد في زمن نزول الوحي جائز، وأن الجمعة أول الأسبوع شرعا، ويدل على ذلك تسمية الأسبوع كله جمعة وكانوا يسمون الأسبوع سبتا كما سيأتي في الاستسقاء في حديث أنس، وذلك أنهم كانوا مجاورين لليهود فتبعوهم في ذلك، وفيه بيان واضح لمزيد فضل هذه الأمة على الأمم السابقة زادها الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:24 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n104&p1#TOP)باب فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَلْ عَلَى الصَّبِيِّ شُهُودُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ عَلَى النِّسَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل الغسل يوم الجمعة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يذكر الحكم لما وقع فيه من الخلاف، واقتصر على الفضل لأن معناه الترغيب فيه وهو القدر الذي تتفق الأدلة على ثبوته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء‏)‏ اعترض أبو عبد الملك فيما حكاه ابن التين على هذا الشق الثاني من الترجمة فقال‏:‏ ترجم هل على الصبي أو النساء جمعة‏؟‏ وأورد ‏"‏ إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل ‏"‏ وليس فيه ذكر وجوب شهود ولا غيره، وأجاب ابن التين بأنه أراد سقوط الوجوب عنهم، أما الصبيان فبالحديث الثالث في الباب حيث قال ‏"‏ على كل محتلم ‏"‏ فدل على أنها غير واجبة على الصبيان، قال‏:‏ وقال الداودي فيه دليل على سقوطها عن النساء لأن الفروض تجب عليهن في الأكثر بالحيض لا بالاحتلام، وتعقب بأن الحيض في حقهن علامة للبلوغ كالاحتلام، وليس الاحتلام مختصا بالرجال وإنما ذكر في الخبر لكونه الغالب وإلا فقد لا يحتلم الإنسان أصلا ويبلغ بالإنزال أو السن وحكمه حكم المحتلم‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ إنما أشار إلى أن غسل الجمعة شرع للرواح إليها كما دلت عليه الأخبار، فيحتاج إلى معرفة من يطلب رواحه فيطلب غسله، واستعمل الاستفهام في الترجمة للإشارة إلى وقوع الاحتمال في حق الصبي في عموم قوله ‏"‏ أحدكم ‏"‏ لكن تقيده بالمحتلم في الحديث الآخر يخرجه، وأما النساء فيقع فيهن الاحتمال بأن يدخلن في ‏"‏ أحدكم ‏"‏ بطريق التبع، وكذا احتمال عموم النهي في منعهن المساجد، لكن تقيده بالليل يخرج الجمعة ا هـ‏.‏
ولعل البخاري أشار بذكر النساء إلى ما سيأتي قريبا في بعض طرق حديث نافع، وإلى الحديث المصرح بأن لا جمعة على امرأة ولا صبي لكونه ليس على شرطه وإن كان الإسناد صحيحا وهو عند أبي داود من حديث طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم ورجاله ثقات، لكن قال أبو داود‏:‏ لم يسمع طارق من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه رآه ا هـ‏.‏
وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق طارق عن أبي موسى الأشعري، قال الزين بن المنير‏:‏ ونقل عن مالك أن من يحضر الجمعة من غير الرجال أن حضرها لابتغاء الفضل شرع له الغسل وسائر آداب الجمعة، وإن حضرها لأمر اتفاقي فلا‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث‏:‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ
الشرح‏:‏
حديث نافع عن ابن عمر أخرجه من حديث مالك عنه بلفظ ‏"‏ إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل ‏"‏ وقد رواه ابن وهب عن مالك أن نافعا حدثهم فذكره، أخرجه البيهقي، والفاء للتعقيب، وظاهره أن الغسل يعقب المجيء، وليس ذلك المراد وإنما التقدير إذا أراد أحدكم، وقد جاء مصرحا به في رواية الليث عن نافع عند مسلم ولفظه ‏"‏ إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل ‏"‏ ونظير ذلك قوله تعالى ‏(‏إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة‏)‏ فإن المعنى إذا أردتم المناجاة بلا خلاف‏.‏
ويقوي رواية الليث حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ ‏"‏ من اغتسل يوم الجمعة ثم راح ‏"‏ فهو صريح في تأخير الرواح عن الغسل، وعرف بهذا فساد قول من حمله على ظاهره واحتج به على أن الغسل لليوم لا للصلاة، لأن الحديث واحد ومخرجه واحد، وقد بين الليث في روايته المراد، وقواه حديث أبي هريرة، ورواية نافع عن ابن عمر لهذا الحديث مشهورة جدا فقد اعتنى بتخريج طرقه أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين نفسا رووه عن نافع، وقد تتبعت ما فاته وجمعت ما وقع لي من طرقه في جزء مفرد لغرض اقتضى ذلك فبلغت أسماء من رواه عن نافع مائة وعشرين نفسا، فما يستفاد منه هنا ذكر سبب الحديث، ففي رواية إسماعيل بن أمية عن نافع عند أبي عوانة وقاسم بن أصبغ ‏"‏ كان الناس يغدون في أعمالهم، فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب متغيرة، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ من جاء منكم الجمعة فليغتسل ‏"‏ ومنها ذكر محل القول، ففي رواية الحكم بن عتيبة عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد هذا المنبر بالمدينة يقول ‏"‏ أخرجه يعقوب الجصاص في فوائده من رواية اليسع بن قيس عن الحكم، وطريق الحكم عند النسائي وغيره من رواية شعبة عنه بدون هذا السياق بلفظ حديث الباب إلا قوله ‏"‏ جاء ‏"‏ فعنده ‏"‏ راح ‏"‏ وكذا رواه النسائي من رواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب ومنصور ومالك ثلاثتهم عن نافع، ومنها ما يدل على تكرار ذلك ففي رواية صخر بن جويرية عن نافع عند أبي مسلم الكجي بلفظ ‏"‏ كان إذا خطب يوم الجمعة قال ‏"‏ الحديث‏.‏
ومنها زيادة في المتن، ففي رواية عثمان بن واقد عن نافع عند أبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان في صحاحهم بلفظ ‏"‏ من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل ‏"‏ ورجاله ثقات، لكن قال البزار‏:‏ أخشى أن يكون عثمان بن واقد وهم فيه‏.‏
ومنها زيادة في المتن والإسناد أيضا، أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من طرق عن مفضل بن فضالة عن عياش بن عباس الكثباني عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الجمعة واجبة على كل محتلم، وعلى من راح إلى الجمعة الغسل ‏"‏ قال الطبراني في الأوسط‏:‏ لم يروه عن نافع بزيادة حفصة إلا بكير، ولا عنه إلا عياش تفرد به مفضل‏.‏
قلت‏:‏ رواته ثقات، فإن كان محفوظا فهو حديث آخر ولا مانع أن يسمعه ابن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره من الصحابة، فسيأتي في ثاني أحاديث الباب من رواية ابن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما مع اختلاف المتون، قال ابن دقيق العيد‏:‏ في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة، واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب، ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور قالوا‏:‏ يجزئ من بعد الفجر، ويشهد لهم حديث ابن عباس الآتي قريبا‏.‏
وقال الأثرم‏:‏ سمعت أحمد سئل عمن اغتسل ثم أحدث هل يكفيه الوضوء‏؟‏ فقال‏:‏ نعم‏.‏
ولم أسمع فيه أعلى من حديث ابن أبزي، يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه وله صحبة ‏"‏ أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث فيتوضأ ولا يعيد الغسل ‏"‏ ومقتضى النظر أن يقال‏:‏ إذا عرف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة والتنظيف رعاية الحاضرين من التأذي بالرائحة الكريهة، فمن خشي أن يصيبه في أثناء النهار ما يزيل تنظيفه استحب له أن يؤخر الغسل لوقت ذهابه، ولعل هذا هو الذي لحظه مالك فشرط اتصال الذهاب بالغسل ليحصل الأمن مما يغاير التنظيف والله أعلم‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ ولقد أبعد الظاهري إبعادا يكاد أن يكون مجزوما ببطلانه حيث لم يشترط تقدم الغسل على إقامة صلاة الجمعة حتى لو اغتسل قبل الغروب كفى عنده تعلقا بإضافة الغسل إلى اليوم، يعني كما سيأتي في حديث الباب الثالث، وقد تبين من بعض الروايات أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة يعني كما سيأتي من حديث عائشة بعد أبواب، قال‏:‏ وفهم منه أن المقصود عدم تأذي الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة، وكذلك أقول لو قدمه بحيث لا يتحصل هذا المقصود لم يعتد به‏.‏
والمعنى إذا كان معلوما كالنص قطعا أو ظنا مقارنا للقطع فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من اتباع مجرد اللفظ‏.‏
قلت‏:‏ وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة ولا فعل ما أمر به‏.‏
وادعى ابن حزم أنه قول جماعة من الصحابة والتابعين وأطال في تقرير ذلك بما هو بصدد المنع، والرد يفضي إلى التطويل بما لا طائل تحته، ولم يورد عن أحد ممن ذكر التصريح بإجزاء الاغتسال بعد صلاة الجمعة، وإنما أورد عنهم ما يدل على أنه لا يشترط اتصال الغسل بالذهاب إلى الجمعة، فأخذ هو منه أنه لا فرق بين ما قبل الزوال أو بعده والفرق بينهما ظاهر كالشمس، والله أعلم‏.‏
واستدل من مفهوم الحديث على أن الغسل لا يشرع لمن لم يحضر الجمعة، وقد تقدم التصريح بمقتضاه في آخر رواية عثمان بن واقد عن نافع، وهذا هو الأصح عند الشافعية، وبه قال الجمهور خلافا لأكثر الحنفية، وقوله فيه ‏"‏ الجمعة ‏"‏ المراد به الصلاة أو المكان الذي تقام فيه، وذكر المجيء لكونه الغالب وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورا للجامع أو مقيما به، واستدل به على أن الأمر لا يحمل على الوجوب إلا بقرينه لقوله كان يأمرنا مع أن الجمهور حملوه على الندب كما سيأتي في الكلام على الحديث الثالث، وهذا بخلاف صيغة أفعل فإنها على الوجوب حتى تظهر قرينة على الندب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَاهُ عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ قَالَ إِنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ فَلَمْ أَزِدْ أَنْ تَوَضَّأْتُ فَقَالَ وَالْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ
الشرح‏:‏
حديث مالك عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن عمر عن ابن عمر رضي الله عنهما ‏"‏ أن عمر بن الخطاب بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة ‏"‏ الحديث أورده من رواية جويرية ابن أسماء عن مالك وهو عند رواة الموطأ عن مالك ليس فيه ذكر ابن عمر، فحكى الإسماعيلي عن البغوي بعد أن أخرجه من طريق روح بن عبادة عن مالك أنه لم يذكر في هذا الحديث أحد عن مالك عن عبد الله بن عمر غير روح بن عبادة وجويرية ا هـ‏.‏
وقد تابعهما أيضا عبد الرحمن بن مهدي، أخرجه أحمد ابن حنبل عنه بذكر ابن عمر‏.‏
وقال الدار قطني في الموطأ رواه جماعة من أصحاب مالك الثقات عنه خارج الموطأ موصولا عنهم فذكر هؤلاء الثلاثة ثم قال‏:‏ وأبو عاصم النبيل وإبراهيم بن طهمان والوليد بن مسلم وعبد الوهاب بن عطاء، وذكر جماعة غيرهم في بعضهم مقال، ثم ساق أسانيدهم إليهم بذلك، وزاد ابن عبد البر فيمن وصله عن مالك القعنبي في رواية إسماعيل بن إسحاق القاضي عنه، ورواه عن الزهري موصولا يونس بن يزيد عند مسلم ومعمر عند أحمد وأبو أويس عند قاسم بن أصبغ، ولجويرية بن أسماء فيه إسناد آخر أعلى من روايته عن مالك أخرجه الطحاوي وغيره من رواية أبي غسان عنه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بينما‏)‏ أصله ‏"‏ بين ‏"‏ وأشبعت الفتحة، وقد تبقى بلا إشباع ويزاد فيها ‏"‏ ما ‏"‏ فتصير ‏"‏ بينما ‏"‏ وهي رواية يونس، وهي ظرف زمان فيه معنى المفاجأة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذ جاء رجل‏)‏ في رواية المستملي والأصيلي وكريمة ‏"‏ إذ دخل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من المهاجرين الأولين‏)‏ قيل في تعريفهم من صلى إلى القبلتين، وقيل من شهد بدرا، وقيل من شهد بيعة الرضوان‏.‏
ولا شك أنها مراتب نسبية والأول أولى في التعريف لسبقه، فمن هاجر بعد تحويل القبلة وقبل وقعة بدر هو آخر بالنسبة إلى من هاجر قبل التحويل، وقد سمي ابن وهب وابن القاسم في روايتهما عن مالك في الموطأ الرجل المذكور عثمان بن عفان، وكذا سماه معمر في روايته عن الزهري عند الشافعي وغيره، وكذا وقع في رواية ابن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر، قال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم خلافا في ذلك، وقد سماه أيضا أبو هريرة في روايته لهذه القصة عند مسلم كما سيأتي بعد بابين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فناداه‏)‏ أي قال له يا فلان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أية ساعة هذه‏)‏ أية بتشديد التحتانية تأنيث أي يستفهم بها، والساعة اسم لجزء من النهار مقدر وتطلق على الوقت الحاضر وهو المراد هنا، وهذا الاستفهام استفهام توبيخ وإنكار، وكأنه يقول لم تأخرت إلى هذه الساعة‏؟‏ وقد ورد التصريح بالإنكار في رواية أبي هريرة فقال عمر‏:‏ لم تحتبسون عن الصلاة‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ فعرض عنه عمر فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء ‏"‏ والذي يظهر أن عمر قال ذلك كله فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر، ومراد عمر التلميح إلى ساعات التبكير التي وقع الترغيب فيها وأنها إذا انقضت طوت الملائكة الصحف كما سيأتي قريبا، وهذا من أحسن التعويضات وأرشق الكنايات، وفهم عثمان ذلك فبادر إلى الاعتذار عن التأخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني شغلت‏)‏ بضم أوله، وقد بين جهة شغله في رواية عبد الرحمن بن مهدي حيث قال ‏"‏ انقلبت من السوق فسمعت النداء ‏"‏ والمراد به الأذان بين يدي الخطيب كما سيأتي بعد أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم أزد على أن توضأت‏)‏ لم أشتغل بشيء بعد أن سمعت النداء إلا بالوضوء، وهذا يدل على أنه دخل المسجد في ابتداء شروع عمر في الخطبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والوضوء أيضا‏؟‏‏)‏ فيه إشعار بأنه قبل عذره في ترك التبكير لكنه استنبط منه معنى آخر اتجه له عليه فيه إنكار ثان مضاف إلى الأول، وقوله ‏"‏والوضوء ‏"‏ في روايتنا بالنصب، وعليه اقتصر النووي في شرح مسلم، أي والوضوء أيضا اقتصرت عليه أو اخترته دون الغسل‏؟‏ والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء‏؟‏ وجوز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي والوضوء أيضا يقتصر عليه، وأغرب السهيلي فقال‏:‏ اتفق الرواة على الرفع لأن النصب يخرجه إلى معنى الإنكار، يعني والوضوء لا ينكر، وجوابه ما تقدم‏.‏
والظاهر أن الواو عاطفة‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ هي عوض عن همزة استفهام كقراءة ابن كثير ‏"‏ قال فرعون وآمنتم به ‏"‏ وقوله ‏"‏ أيضا ‏"‏ أي ألم يكفك أن فاتك فضل التبكير إلى الجمعة حتى أضفت إليه ترك الغسل المرغب فيه‏؟‏ ولم أقف في شيء من الروايات على جواب عثمان عن ذلك، والظاهر أنه سكت عنه اكتفاء بالاعتذار الأول لأنه قد أشار إلى أنه كان ذاهلا عن الوقت، وأنه بادر عند سماع النداء، وإنما ترك الغسل لأنه تعارض عنده إدراك سماع الخطبة والاشتغال بالغسل وكل منهما مرغب فيه فآثر سماع الخطبة، ولعله كان يرى فرضيته فلذلك آثره، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان يأمر بالغسل‏)‏ كذا في جميع الروايات لم يذكر المأمور، إلا أن في رواية جويرية عن نافع بلفظ ‏"‏ كنا نؤمر ‏"‏ وفي حديث ابن عباس عند الطحاوي في هذه القصة ‏"‏ أن عمر قال له‏:‏ لقد علم أنا أمرنا بالغسل‏.‏
قلت‏:‏ أنتم المهاجرون الأولون أم الناس جميعا‏؟‏ قال‏:‏ لا أدري ‏"‏ رواته ثقات، إلا أنه معلول‏.‏
وقد وقع في رواية أبي هريرة في هذه القصة ‏"‏ أن عمر قال‏:‏ ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل ‏"‏ كذا هو في الصحيحين وغيرهما، وهو ظاهر في عدم التخصيص بالمهاجرين الأولين‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد القيام في الخطبة وعلى المنبر، وتفقد الإمام رعيته، وأمره لهم بمصالح دينهم، وإنكاره على من أخل بالفضل وإن كان عظيم المحل، ومواجهته بالإنكار ليرتدع من هو دونه بذلك، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أثناء الخطبة لا يفسدها، وسقوط منع الكلام عن المخاطب بذلك‏.‏
وفيه الاعتذار إلى ولاة الأمر، وإباحة الشغل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء ولو أفضى إلى ترك فضيلة البكور إلى الجمعة، لأن عمر لم يأمر برفع السوق بعد هذه القصة‏.‏
واستدل به مالك على أن السوق لا تمنع يوم الجمعة قبل النداء لكونها كانت في زمن عمر، ولكون الذاهب إليها مثل عثمان‏.‏
وفيه شهود الفضلاء السوق، ومعاناة المتجر فيها‏.‏
وفيه أن فضيلة التوجه إلى الجمعة إنما تحصل قبل التأذين‏.‏
وقال عياض‏:‏ فيه حجة لأن السعي إنما يجب بسماع الأذان، وأن شهود الخطبة لا يجب، وهو مقتضى قول أكثر المالكية‏.‏
وتعقب بأنه لا يلزم من التأخير إلى سماع النداء فوات الخطبة، بل تقدم ما يدل على أنه لم يفت عثمان من الخطبة شيء‏.‏
وعلى تقدير أن يكون فاته منها بشيء فليس فيه دليل على أنه لا يجب شهودها على من تنعقد به الجمعة‏.‏
واستدل به على أن غسل الجمعة واجب لقطع عمر الخطبة وإنكاره على عثمان تركه، وهو متعقب لأنه أنكر عليه ترك السنة المذكورة وهي التبكير إلى الجمعة فيكون الغسل كذلك، وعلى أن الغسل ليس شرطا لصحة الجمعة‏.‏
وسيأتي البحث فيه في الحديث بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ
الشرح‏:‏
حديث مالك أيضا عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، لم تختلف رواة الموطأ على مالك في إسناده، ورجاله مدنيون كالأول، وفيه رواية تابعي عن تابعي صفوان عن عطاء، وقد تابع مالكا على روايته الدراوردي عن صفوان عند ابن حبان، وخالفهما عبد الرحمن بن إسحاق فرواه عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أخرجه أبو بكر المروذي في كتاب الجمعة له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏غسل يوم الجمعة‏)‏ استدل به لمن قال الغسل لليوم للإضافة إليه، وقد تقدم ما فيه، واستنبط منه أيضا أن ليوم الجمعة غسلا مخصوصا حتى لو وجدت صورة الغسل فيه لم يجز عن غسل الجمعة إلا بالنية، وقد أخذ بذلك أبو قتادة فقال لابنه وقد رآه يغتسل يوم الجمعة ‏"‏ إن كان غسلك عن جنابة فأعد غسلا آخر للجمعة ‏"‏ أخرجه الطحاوي وابن المنذر وغيرهما‏.‏
ووقع في رواية مسلم في حديث الباب الغسل يوم الجمعة وكذا هو في الباب الذي بعد هذا، وظاهره أن الغسل حيث وجد فيه كفى لكون اليوم جعل ظرفا للغسل، ويحتمل أن يكون اللام للعهد فتتفق الروايتان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏واجب على كل محتلم‏)‏ أي بالغ، وإنما ذكر الاحتلام لكونه الغالب، واستدل به على دخول النساء في ذلك كما سيأتي بعد ثمانية أبواب، واستدل بقوله واجب على فرضية غسل الجمعة، وقد حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمار بن ياسر وغيرهما، وهو قول أهل الظاهر وإحدى الروايتين عن أحمد، وحكاه ابن حزم عن عمر وجمع جم من الصحابة ومن بعدهم، ثم ساق الرواية عنهم لكن ليس فيها عن أحد منهم التصريح بذلك إلا نادرا، وإنما اعتمد في ذلك على أشياء محتملة كقول سعد ‏"‏ ما كنت أظن مسلما يدع غسل يوم الجمعة‏"‏، وحكاه ابن المنذر والخطابي عن مالك‏.‏
وقال القاضي عياض وغيره ليس ذلك بمعروف في مذهبه، قال ابن دقيق العيد‏:‏ قد نص مالك على وجوبه فحمله من لم يمارس مذهبه على ظاهره وأبى ذلك أصحابه ا هـ‏.‏
والرواية عن مالك بذلك في التمهيد‏.‏
وفيه أيضا من طريق أشهب عن مالك أنه سئل عنه فقال‏:‏ حسن وليس بواجب‏.‏
وحكاه بعض المتأخرين عن ابن خزيمة من أصحابنا، وهو غلط عليه فقد صرح في صحيحه بأنه على الاختيار، واحتج لكونه مندوبا بعدة أحاديث في عدة تراجم‏.‏
وحكاه شارح الغنية لابن سريح قولا للشافعي واستغرب، وقد قال الشافعي في الرسالة بعد أن أورد حديثي ابن عمر وأبي سعيد‏:‏ احتمل قوله واجب معنيين، الظاهر منهما أنه واجب فلا نجزي الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل، واحتمل أنه واجب في الاختيار وكرم الأخلاق والنظافة‏.‏
ثم استدل للاحتمال الثاني بقصة عثمان مع عمر التي تقدمت قال‏:‏ فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل ولم يأمره عمر بالخروج للغسل دل ذلك على أنهما قد علما أن الأمر بالغسل للاختيار ا هـ‏.‏
وعلى هذا الجواب عول أكثر المصنفين في هذه المسألة كابن خزيمة والطبري والطحاوي وابن حبان وابن عبد البر وهلم جرا، وزاد بعضهم فيه أن من حضر من الصحابة وافقوهما على ذلك فكان إجماعا منهم على أن الغسل ليس شرطا في صحة الصلاة وهو استدلال قوي، وقد نقل الخطابي وغيره الإجماع على أن صلاة الجمعة بدون الغسل مجزئة، لكن حكى الطبري عن قوم أنهم قالوا بوجوبه ولم يقولوا إنه شرط بل هو واجب مستقل تصح الصلاة بدونه كأن أصله قصد التنظيف وإزالة الروائح الكريهة التي يتأذى بها الحاضرون من الملائكة والناس، وهو موافق لقول من قال‏:‏ يحرم أكل الثوم على من قصد الصلاة في الجماعة، ويرد عليهم أنه يلزم من ذلك تأثيم عثمان، والجواب أنه كان معذورا لأنه إنما تركه ذاهلا عن الوقت، مع أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار، لما ثبت في صحيح مسلم عن حمران أن عثمان لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفيض عليه الماء، وإنما لم يعتذر بذلك لعمر كما اعتذر عن التأخر لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة كما هو الأفضل، وعن بعض الحنابلة التفصيل بين ذي النظافة وغيره، فيجب على الثاني دون الأول نظرا إلى العلة، حكاه صاحب الهدى، وحكى ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه أن قصة عمر وعثمان تدل على وجوب الغسل لا على عدم وجوبه من جهة ترك عمر الخطبة واشتغاله بمعاتبة عثمان وتوبيخ مثله على رءوس الناس، فلو كان ترك الغسل مباحا لما فعل عمر ذلك، وإنما لم يرجع عثمان للغسل لضيق الوقت إذ لو فعل لفاتته الجمعة أو لكونه كان اغتسل كما تقدم‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ ذهب الأكثرون إلى استحباب غسل الجمعة وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر، وقد أولوا صيغة الأمر على الندب وصيغة الوجوب على التأكيد كما يقال‏:‏ إكرامك على واجب، وهو تأويل ضعيف إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا على هذا الظاهر‏.‏
وأقوى ما عارضوا به هذا الظاهر حديث ‏"‏ من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل ‏"‏ ولا يعارض سنده سند هذه الأحاديث، قال‏:‏ وربما تأولوه تأويلا مستكرها كمن حمل لفظ الوجوب على السقوط‏.‏
انتهى‏.‏
فأما الحديث فعول على المعارضة به كثير من المصنفين، ووجه الدلالة منه قوله ‏"‏ فالغسل أفضل ‏"‏ فإنه يقتضي اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل، فيستلزم إجزاء الوضوء‏.‏
ولهذا الحديث طرق أشهرها وأقواها رواية الحسن عن سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وابن خزيمة وابن حبان، وله علتان‏:‏ إحداهما أنه من عنعنة الحسن، والأخرى أنه اختلف عليه فيه‏.‏
وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس، والطبراني من حديث عبد الرحمن ابن سمرة، والبزار من حديث أبي سعيد، وابن عدي من حديث جابر وكلها ضعيفة‏.‏
وعارضوا أيضا بأحاديث، منها الحديث الآتي في الباب الذي بعده فإن فيه ‏"‏ وأن يستن، وأن يمس طيبا ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ ظاهره وجوب الاستنان والطيب لذكرهما بالعاطف، فالتقدير الغسل واجب والاستنان والطيب كذلك، قال‏:‏ وليسا بواجبين اتفاقا، فدل على أن الغسل ليس بواجب، إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد‏.‏
انتهى‏.‏
وقد سبق إلى ذلك الطبري والطحاوي، وتعقبه ابن الجوزي بأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب، لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ إن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه لأن للقائل أن يقول‏:‏ أخرج بدليل فبقي ما عداه على الأصل، وعلى أن دعوى الإجماع في الطيب مردودة، فقد روى سفيان بن عيينة في جامعه عن أبي هريرة أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة وإسناده صحيح، وكذا قال بوجوبه بعض أهل الظاهر‏.‏
ومنها حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏
قال القرطبي‏:‏ ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه الثواب المقتضى للصحة، فدل على أن الوضوء كاف‏.‏
وأجيب بأنه ليس فيه نفي الغسل‏.‏
وقد ورد من وجه آخر في الصحيحين بلفظ ‏"‏ من اغتسل ‏"‏ فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء‏.‏
ومنها حديث ابن عباس أنه ‏"‏ سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو‏؟‏ فقال‏:‏ لا، ولكنه أطهر لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس بواجب عليه‏.‏
وسأخبركم عن بدء الغسل‏:‏ كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون، وكان مسجدهم ضيقا، فلما آذى بعضهم بعضا قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيها الناس، إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا ‏"‏ قال ابن عباس ‏"‏ ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع المسجد‏"‏‏.‏
أخرجه أبو داود والطحاوي وإسناده حسن، لكن الثابت عن ابن عباس خلافه كما سيأتي قريبا‏.‏
وعلى تقدير الصحة فالمرفوع منه ورد بصيغة الأمر الدالة على الوجوب، وأما نفي الوجوب فهو موقوف لأنه من استنباط ابن عباس، وفيه نظر إذ لا يلزم من زوال السبب زوال المسبب كما في الرمل والجمار، على تقدير تسليمه فلمن قصر الوجوب على من به رائحة كريهة أن يتمسك به‏.‏
ومنها حديث طاوس ‏"‏ قلت لابن عباس‏:‏ زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رءوسكم إلا أن تكونوا جنبا ‏"‏ الحديث‏.‏
قال ابن حبان بعد أن أخرجه‏:‏ فيه أن غسل الجمعة يجزئ عنه غسل الجنابة، وأن غسل الجمعة ليس بفرض، إذ لو كان فرضا لم يجز عنه غيره‏.‏
انتهى‏.‏
وهذه الزيادة ‏"‏ إلا أن تكونوا جنبا ‏"‏ تفرد بها ابن إسحاق عن الزهري، وقد رواه شعيب عن الزهري بلفظ ‏"‏ وأن تكونوا جنبا ‏"‏ وهذا هو المحفوظ عن الزهري كما سيأتي بعد بابين‏.‏
ومنها حديث عائشة الآتي بعد أبواب بلفظ ‏"‏ لو اغتسلتم ‏"‏ ففيه عرض وتنبيه لا حتم ووجوب، وأجيب بأنه ليس فيه نفي الوجوب، وبأنه سابق عل الأمر به والإعلام بوجوبه‏.‏
ونقل الزين بن المنير بعد قول الطحاوي لما ذكر حديث عائشة‏:‏ فدل على أن الأمر بالغسل لم يكن للوجوب، وإنما كان لعلة ثم ذهبت تلك العلة فذهب الغسل، وهذا من الطحاوي يقتضي سقوط الغسل أصلا فلا يعد فرضا ولا مندوبا لقوله زالت العلة الخ، فيكون مذهبا ثالثا في المسألة‏.‏
انتهى‏.‏
ولا يلزم من زوال العلة سقوط الندب تعبدا، ولا سيما مع احتمال وجود العلة المذكورة‏.‏
ثم إن هذه الأحاديث كلها لو سلمت لما دلت إلا على نفي اشتراط الغسل لا على الوجوب المجرد صلى الله عليه وسلم كما تقدم‏.‏
وأما ما أشار إليه ابن دقيق العيد من أن بعضهم أوله بتأويل مستكره فقد نقله ابن دحية عن القدوري من الحنفية وأنه قال‏:‏ قوله واجب أي ساقط، وقوله على بمعنى عن، فيكون المعنى أنه غير لازم، ولا يخفى ما فيه من التكلف‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ أصل الوجوب في اللغة السقوط، فلما كان في الخطاب على المكلف عبء ثقيل كان كل ما أكد طلبه منه يسمى واجبا كأنه سقط عليه، وهو أعم من كونه فرضا أو ندبا‏.‏
وهذا سبقه ابن بزيزة إليه، ثم تعقبه بأن اللفظ الشرعي خاص بمقتضاه شرعا لا وضعا، وكأن الزين استشعر هذا الجواب فزاد أن تخصيص الواجب بالفرض اصطلاح حادث‏.‏
وأجيب بأن ‏"‏ وجب ‏"‏ في اللغة لم ينحصر في السقوط، بل ورد بمعنى مات، وبمعنى اضطرب، وبمعنى لزم وغير ذلك‏.‏
والذي يتبادر إلى الفهم منها في الأحاديث أنها بمعنى لزم، لا سيما إذا سيقت لبيان الحكم‏.‏
وقد تقدم في بعض طرق حديث ابن عمر ‏"‏ الجمعة واجبة على كل محتلم ‏"‏ وهو بمعنى اللزوم قطعا ويؤيده أن في بعض طرق حديث الباب ‏"‏ واجب كغسل الجنابة ‏"‏ أخرجه ابن حبان من طريق الدراوردي عن صفوان بن سليم، وظاهره اللزوم، وأجاب عنه بعض القائلين بالندبية بأن التشبيه في الكيفية لا في الحكم‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ يحتمل أن تكون لفظة ‏"‏ الوجوب ‏"‏ مغيرة من بعض الرواة أو ثابتة ونسخ الوجوب، ورد بأن الطعن في الروايات الثابتة بالظن الذي لا مستند له لا يقبل، والنسخ لا يصار إليه إلا بدليل، ومجموع الأحاديث يدل على استمرار الحكم، فإن في حديث عائشة أن ذلك كان في أول الحال حيث كانوا مجهودين، وأبو هريرة وابن عباس إنما صحبا النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن حصل التوسع بالنسبة إلى ما كانوا فيه أولا، ومع ذلك فقد سمع كل منهما منه صلى الله عليه وسلم الأمر بالغسل والحث عليه والترغيب فيه فكيف يدعي النسخ بعد ذلك‏؟‏ ‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ حكى ابن العربي وغيره أن بعض أصحابهم قالوا‏:‏ يجزئ عن الاغتسال للجمعة التطيب لأن المقصود النظافة‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ لا يشترط له الماء المطلق بل يجزئ بماء الورد ونحوه، وقد عاب ابن العربي ذلك وقال‏:‏ هؤلاء وقفوا مع المعنى وأغفلوا المحافظة على التعبد بالمعين، والجمع بين التعبد والمعنى أولى‏.‏
انتهى‏.‏
وعكس ذلك قول بعض الشافعية بالتيمم، فإنه تعبد دون نظر إلى المعنى، أما الاكتفاء بغير الماء المطلق فمردود لأنها عبادة لثبوت الترغيب فيها فيحتاج إلى النية ولو كان لمحض النظافة لم تكن كذلك، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:26 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n104&p1#TOP)باب الطِّيبِ لِلْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الطيب للجمعة‏)‏ لم يذكر حكمه أيضا لوقوع الاحتمال فيه كما سبق‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكرِ بْنِ الْمُنكَدِرِ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ قَالَ عَمْرٌو أَمَّا الْغُسْلُ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَمَّا الِاسْتِنَانُ وَالطِّيبُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لَا وَلَكِنْ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ هُوَ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَلَمْ يُسَمَّ أَبُو بَكْرٍ هَذَا رَوَاهُ عَنْهُ بُكَيْرُ بْنُ الْأَشَجِّ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ وَعِدَّةٌ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ يُكْنَى بِأَبِي بَكْرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي بن عبد الله بن جعفر‏)‏ كذا في رواية ابن عساكر، وهو ابن المديني، واقتصر الباقون على ‏"‏ حدثنا على‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أشهد على أبي سعيد‏)‏ ظاهر في أنه سمعه منه، قال ابن التين‏:‏ أراد بهذا اللفظ التأكيد للرواية‏.‏
انتهى‏.‏
وقد أدخل بعضهم بين عمرو بن سليم القائل ‏"‏ أشهد ‏"‏ وبين أبي سعيد رجلا كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن يستن‏)‏ أي يدلك أسنانه بالسواك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن يمس‏)‏ بفتح الميم في الأفصح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن وجد‏)‏ متعلق بالطيب، أي إن وجد الطيب مسه، ويحتمل تعلقه بما قبله أيضا‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ ويمس من الطيب ما يقدر عليه ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ ولو من طيب المرأة ‏"‏ قال عياض‏:‏ يحتمل قوله‏:‏ ‏"‏ ما يقدر عليه ‏"‏ إرادة التأكيد ليفعل ما أمكنه، ويحتمل إرادة الكثرة، والأول أظهر‏.‏
ويؤيده قوله‏:‏ ‏"‏ ولو من طيب المرأة ‏"‏ لأنه يكره استعماله للرجل، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه، فإباحته للرجل لأجل عدم غيره يدل على تأكد الأمر في ذلك‏.‏
ويؤخذ من اقتصاره على المس الأخذ بالتخفيف في ذلك‏.‏
قال الزين ابن المنير‏:‏ فيه تنبيه على الرفق، وعلى تيسير الأمر في التطيب بأن يكون بأقل ما يمكن حتى إنه يجزئ مسه من غير تناول قدر ينقصه تحريضا على امتثال الأمر فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عمرو‏)‏ أي ابن سليم راوي الخبر، وهو موصول بالإسناد المذكور إليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأما الاستنان والطيب فالله أعلم‏)‏ هذا يؤيد ما تقدم من أن العطف لا يقتضي التشريك من جميع الوجوه، وكأن القدر المشترك تأكيد الطلب للثلاثة، وكأنه جزم بوجوب الغسل دون غيره للتصريح به في الحديث، وتوقف فيما عداه لوقوع الاحتمال فيه‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ يحتمل أن يكون قوله ‏"‏ وأن يستن ‏"‏ معطوفا على الجملة المصرحة بوجوب الغسل فيكون واجبا أيضا، ويحتمل أن يكون مستأنفا فيكون التقدير وأن يستن ويتطيب استحبابا، ويؤيد الأول ما سيأتي في آخر الباب من رواية الليث عن خالد بن يزيد حيث قال فيها ‏"‏ إن الغسل واجب ‏"‏ ثم قال ‏"‏ والسواك وأن يمس من الطيب ‏"‏ ويأتي في شرح ‏"‏ باب الدهن يوم الجمعة ‏"‏ حديث ابن عباس ‏"‏ وأصيبوا من الطيب ‏"‏ وفيه تردد ابن عباس في وجوب الطيب‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ يحتمل أن يكون قوله ‏"‏ وأن يستن الخ ‏"‏ من كلام أبي سعيد خلطه الراوي بكلام النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
انتهى‏.‏
وإنما قال ذلك لأنه ساقه بلفظ ‏"‏ قال أبو سعيد وأن يستن ‏"‏ وهذا لم أره في شيء من نسخ الجمع بين الصحيحين الذي تكلم ابن الجوزي عليه‏.‏
ولا في واحد من الصحيحين ولا في شيء من المسانيد والمستخرجات، بل ليس في جميع طرق هذا الحديث ‏"‏ قال أبو سعيد ‏"‏ فدعوى الإدراج قيه لا حقيقة لها، ويلتحق بالاستنان والتطيب التزين باللباس، وسيأتي استعمال الخمس التي عدت من الفطرة، وقد صرح ابن حبيب من المالكية به فقال‏:‏ يلزم الآتي الجمعة جميع ذلك، وسيأتي في ‏"‏ باب الدهن للجمعة ‏"‏ ‏"‏ ويدهن من دهنه وبمس من طيبه ‏"‏ والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ أي البخاري، ومراده بما ذكر أن محمد بن المنكدر وإن كان يكنى أيضا أبا بكر لكنه ممن كان مشهورا باسمه دون كنيته، بخلاف أخيه أبي بكر راوي هذا الخبر فإنه لا اسم له إلا كنيته، وهو مدني تابعي كشيخه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏روى عنه بكير بن الأشج وسعيد بن أبي هلال‏)‏ كذا في رواية أبي ذر، ولغيره ‏"‏ رواه عنه ‏"‏ وكأن المراد أن شعبة لم ينفرد برواية هذا الحديث عنه لكن بين رواية بكير وسعيد مخالفة في موضع من الإسناد، فرواية بكير موافقة لرواية شعبة ورواية سعيد أدخل فيها بين عمرو بن سليم وأبي سعيد واسطة كما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه فذكر الحديث وقال في آخره ‏"‏ إلا أن بكيرا لم يذكر عبد الرحمن ‏"‏ وكذلك أخرج أحمد من طريق ابن لهيعة عن بكير ليس فيه عبد الرحمن، وغفل الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ عن هذا الكلام الأخير فجزم بأن بكيرا وسعيدا خالفا شعبة فزادا في الإسناد عبد الرحمن وقال‏:‏ إنهما ضبطا إسناده وجوداه وهو الصحيح، وليس كما قال، بل المنفرد بزيادة عبد الرحمن هو سعيد بن أبي هلال، وقد وافق شعبة وبكيرا على إسقاطه محمد بن المنكدر أخو أبي بكر أخرجه ابن خزيمة من طريقه، والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد‏.‏
والذي يظهر أن عمرو ابن سليم سمعه من عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه، ثم لقي أبا سعيد فحدثه، وسماعه منه ليس بمنكر لأنه قديم ولد في خلافة عمر بن الخطاب ولم يوصف بالتدليس‏.‏
وحكى الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ فيه اختلافا آخر على علي بن المديني شيخ البخاري فيه، فذكر أن الباغندي حدث به عنه بزيادة عبد الرحمن أيضا، وخالفه تمام عنه فلم يذكر عبد الرحمن، وفيما قال نظر، فقد أخرجه الإسماعيلي عن الباغندي بإسقاط عبد الرحمن، وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أبي إسحاق بن حمزة وأبي أحمد الغطريفي كلاهما عن الباغندي، فهؤلاء ثلاثة من الحفاظ حدثوا به عن الباغندي فلم يذكروا عبد الرحمن في الإسناد، فلعل الوهم فيه ممن حدث به الدار قطني عن الباغندي، وقد وافق البخاري على ترك ذكره محمد بن يحيى الذهلي عند الجوزقي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة عند ابن خزيمة وعبد العزيز بن سلام عند الإسماعيلي وإسماعيل القاضي عند ابن منده في ‏"‏ غرائب شعبة ‏"‏ كلهم عن علي بن المديني، ووافق علي بن المديني على ترك ذكره أيضا إبراهيم ابن محمد وإسماعيل بن عرعرة عن حرمي بن عمارة عند أبي بكر المروذي في ‏"‏ كتاب الجمعة ‏"‏ له ولم أقف عليه من حديث شعبة إلا من طريق حرمي وأشار ابن منده إلى أنه تفرد به عنه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ذكر المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ أن البخاري قال عقب رواية شعبة هذه‏:‏ وقال الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه، ولم أقف على هذا التعليق في شيء من النسخ التي وقعت لنا من الصحيح، ولا ذكره أبو مسعود ولا خلف، وقد وصله من طريق الليث كذلك أحمد والنسائي وابن خزيمة بلفظ ‏"‏ أن الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، والسواك، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:27 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n104&p1#TOP)باب فَضْلِ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل الجمعة‏)‏ أورد فيه حديث مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة ‏"‏ من اغتسل يوم الجمعة ثم راح ‏"‏ الحديث‏.‏
وإسناده مدنيون، ومناسبته للترجمة من جهة ما اقتضاه الحديث من مساواة المبادر إلى الجمعة للمتقرب بالمال فكأنه جمع بين عبادتين بدنية ومالية، وهذه خصوصية للجمعة لم تثبت لغيرها من الصلوات‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏من اغتسل‏)‏ يدخل فيه كل من يصح التقرب منه من ذكر أو أنثى حر أو عبد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏غسل الجنابة‏)‏ بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي غسلا كغسل الجنابة، وهو كقوله تعالى ‏(‏وهي تمر مر السحاب‏)‏ وفي رواية ابن جريج عن سمي عند عبد الرزاق ‏"‏ فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة ‏"‏ وظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم وهو قول الأكثر، وقيل فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجنابة، والحكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاة ولا تمتد عينه إلى شيء يراه، وفيه حمل المرأة أيضا على الاغتسال ذلك اليوم، وعليه حمل قائل ذلك حديث ‏"‏ من غسل واغتسل ‏"‏ المخرج في السنن على رواية من روى غسل بالتشديد، قال النووي‏:‏ ذهب بعض أصحابنا إلى هذا وهو ضعيف أو باطل، والصواب الأول‏.‏
انتهى‏.‏
وقد حكاه ابن قدامة عن الإمام أحمد، وثبت أيضا عن جماعة من التابعين‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ إنه أنسب الأقوال فلا وجه لادعاء بطلانه وإن كان الأول أرجح صلى الله عليه وسلم ولعله عنى أنه باطل في المذهب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم راح‏)‏ زاد أصحاب الموطأ عن مالك ‏"‏ في الساعة الأولى‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكأنما قرب بدنة‏)‏ أي تصدق بها متقربا إلى الله، وقيل المراد أن للمبادر في أول ساعة نظير ما لصاحب البدنة من الثواب ممن شرع له القربان، لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للأمم السالفة‏.‏
وفي رواية ابن جريج المذكورة ‏"‏ فله من الأجر مثل الجزور ‏"‏ وظاهره أن المراد أن الثواب لو تجسد لكان قدر الجزور صلى الله عليه وسلم‏.‏
وقيل ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة، وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى البدنة في القيمة مثلا، ويدل عليه أن في مرسل طاوس عند عبد الرزاق ‏"‏ كفضل صاحب الجزور على صاحب البقرة ‏"‏ ووقع في رواية الزهري الآتية في ‏"‏ باب الاستماع إلى الخطبة ‏"‏ بلفظ ‏"‏ كمثل الذي يهدي بدنة ‏"‏ فكأن المراد بالقربان في رواية الباب الإهداء إلى الكعبة‏.‏
قال الطيبي‏:‏ في لفظ الإهداء إدماج بمعنى التعظيم للجمعة، وأن المبادر إليها كمن ساق الهدي، والمراد بالبدنة البعير ذكرا كان أو أنثى، والهاء فيها للوحدة لا للتأنيث، وكذا في باقي ما ذكر‏.‏
وحكى ابن التين عن مالك أنه كان يتعجب ممن يخص البدنة بالأنثى‏.‏
وقال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر‏:‏ البدنة لا تكون إلا من الإبل، وصح ذلك عن عطاء، وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم، هذا لفظه‏.‏
وحكى النووي عنه أنه قال‏:‏ البدنة تكون من الإبل والبقر والغنم، وكأنه خطأ نشأ عن سقط‏.‏
وفي الصحاح‏:‏ البدنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة، سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها‏.‏
انتهى‏.‏
والمراد بالبدنة هنا الناقة بلا خلاف، واستدل به على أن البدنة تختص بالإبل لأنها قوبلت بالبقرة عند الإطلاق، وقسم الشيء لا يكون قسيمه، أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد‏.‏
وقال إمام الحرمين‏:‏ البدنة من الإبل، ثم الشرع قد يقيم مقامها البقرة وسبعا من الغنم‏.‏
وتظهر ثمرة هذا فيما إذا قال‏:‏ لله علي بدنة، وفيه خلاف، الأصح تعين الإبل إن وجدت، وإلا فالبقرة أو سبع من الغنم‏.‏
وقيل‏:‏ تتعين الإبل مطلقا، وقيل يتخير مطلقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏دجاجة‏)‏ بالفتح، ويجوز الكسر، وحكى الليث الضم أيضا‏.‏
وعن محمد بن حبيب أنها بالفتح من الحيوان وبالكسر من الناس‏.‏
واستشكل التعبير في الدجاجة والبيضة بقوله في رواية الزهري ‏"‏ كالذي يهدى ‏"‏ لأن الهدي لا يكون منهما، وأجاب القاضي عياض تبعا لابن بطال بأنه لما عطفه على ما قبله أعطاه حكمه في اللفظ فيكون من الاتباع كقوله ‏"‏ متقلدا سيفا ورمحا‏"‏‏.‏
وتعقبه ابن المنير في الحاشية بأن شرط الاتباع أن لا يصرح باللفظ في الثاني فلا يسوغ أن يقال متقلدا سيفا ومتقلدا رمحا‏.‏
والذي يظهر أنه من باب المشاكلة، وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله‏:‏ هو من تسمية الشيء باسم قرينه‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ قوله ‏"‏ قرب بيضة ‏"‏ وفي الرواية الأخرى ‏"‏ كالذي يهدي ‏"‏ يدل على أن المراد بالتقريب الهدي، وينشأ منه أن الهدي يطلق على مثل هذا حتى لو التزم هديا هل يكفيه ذلك أو لا‏؟‏ انتهى‏.‏
والصحيح عند الشافعية الثاني، وكذا عند الحنفية والحنابلة، وهذا ينبني على أن النذر هل يسلك به مسلك جائز الشرع أو واجبه‏؟‏ فعلى الأول يكفي أقل ما يتقرب به، وعلى الثاني يحمل على أقل ما يتقرب به من ذلك الجنس، ويقوي الصحيح أيضا أن المراد بالهدي هنا التصدق كما دل عليه لفظ التقرب، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر‏)‏ استنبط منه الماوردي أن التبكير لا يستحب للإمام، قال‏:‏ ويدخل للمسجد من أقرب أبوابه إلى المنبر، وما قاله غير ظاهر لإمكان أن يجمع الأمرين بأن يبكر ولا يخرج من المكان المعد له في الجامع إلا إذا حضر الوقت، أو يحمل على من ليس له مكان معد‏.‏
وزاد في رواية الزهري الآتية ‏"‏ طووا صحفهم ‏"‏ ولمسلم من طريقه ‏"‏ فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر ‏"‏ وكأن ابتداء طي الصحف عند ابتداء خروج الإمام وانتهاءه بجلوسه على المنبر، وهو أول سماعهم للذكر، والمراد به ما في الخطبة من المواعظ وغيرها‏.‏
وأول حديث الزهري ‏"‏ إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ‏"‏ ونحوه في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي‏.‏
وفي رواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عند ابن خزيمة ‏"‏ على كل باب من أبواب المسجد ملكان يكتبان الأول فالأول ‏"‏ فكأن المراد بقوله في رواية الزهري ‏"‏ على باب المسجد ‏"‏ حنس الباب، ويكون من مقابلة المجموع بالمجموع، فلا حجة فيه لمن أجاز التعبير عن الاثنين بلفظ الجمع‏.‏
ووقع في حديث ابن عمر صفة الصحف المذكورة، أخرجه أبو نعيم في الحليلة مرفوعا بلفظ ‏"‏ إذا كان يوم الجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور وأقلام من نور ‏"‏ الحديث، وهو دال على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة، والمراد بطي الصحف طي صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وإدراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك، فإنه يكتبه الحافظان قطعا، ووقع في رواية ابن عيينة عن الزهري في آخر حديثه المشار إليه عند ابن ماجه ‏"‏ فمن جاء بعد ذلك فإنما يجيء لحق الصلاة ‏"‏ وفي رواية ابن جريج عن سمي من الزيادة في آخره ‏"‏ ثم إذا استمع وأنصت غفر له ما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام‏"‏‏.‏
وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن خزيمة ‏"‏ فيقول بعض الملائكة لبعض‏:‏ ما حبس فلانا‏؟‏ فتقول‏:‏ اللهم إن كان ضالا فاهده، وإن كان فقيرا فأغنه، وإن كان مريضا فعافه‏"‏‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحض على الاغتسال يوم الجمعة وفضله، وفضل التبكير إليها، وأن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعهما‏.‏
وعليه يحمل ما أطلق في باقي الروايات من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغسل‏.‏
وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم، وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع، وأن التقرب بالإبل أفضل من التقرب بالبقر وهو بالاتفاق في الهدي، واختلف في الضحايا، والجمهور على أنها كذلك‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ فرق مالك بين التقربين باختلاف المقصودين، لأن أصل مشروعية الأضحية التذكير بقصة الذبيح، وهو قد فدى بالغنم‏.‏
والمقصود بالهدي التوسعة على المساكين فناسب البدن‏.‏
واستدل به على أن الجمعة تصح قبل الزوال كما سيأتي نقل الخلاف فيه بعد أبواب، ووجه الدلالة منه تقسيم الساعة إلى خمس‏.‏
ثم عقب بخروج الإمام، وخروجه عند أول وقت الجمعة، فيقتضي أنه يخرج في أول الساعة السادسة وهي قبل الزوال‏.‏
والجواب أنه ليس في شيء من طرق هذا الحديث ذكر الإتيان من أول النهار، فلعل الساعة الأولى منه جعلت للتأهب بالاغتسال وغيره، ويكون مبدأ المجيء من أول الثانية فهي أولى بالنسبة للمجيء ثانية بالنسبة للنهار، وعلى هذا فآخر الخامسة أول الزوال فيرتفع الإشكال، وإلى هذا أشار الصيدلاني شارح المختصر حيث قال‏:‏ إن أول التبكير يكون من ارتفاع النهار، وهو أول الضحى، وهو أول الهاجرة‏.‏
ويؤيده الحث على التهجير إلى الجمعة‏.‏
ولغيره من الشافعية في ذلك وجهان اختلف فيهما الترجيح، فقيل‏:‏ أول التبكير طلوع الشمس، وقيل طلوع الفجر، ورجحه جمع، وفيه نظر إذ يلزم منه أن يكون التأهب قبل طلوع الفجر، وقد قال الشافعي‏:‏ يجزئ الغسل إذا كان يعد الفجر فأشعر بأن الأولى أن يقع بعد ذلك‏.‏
ويحتمل أن يكون ذكر الساعة السادسة لم يذكره الراوي، وقد وقع في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي من طريق الليث عنه زيادة مرتبة بين الدجاجة والبيضة وهي العصفور، وتابعة صفوان بن عيسى عن ابن عجلان، أخرجه محمد بن عبد السلام الخشني، وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه حميد بن زنجويه في الترغيب له بلفظ ‏"‏ فكمهدي البدنة إلى البقرة إلى الشاة إلى علية الطير إلى العصفور ‏"‏ الحديث، ونحوه في مرسل طاوس عند سعيد بن منصور، ووقع عند النسائي أيضا في حديث الزهري من رواية عبد الأعلى عن معمر زيادة البطة بين الكبش والدجاجة، لكن خالفه عبد الرزاق، وهو أثبت منه في معمر فلم يذكرها، وعلى هذا فخروج الإمام يكون عند انتهاء السادسة، وهذا كله مبني على أن المراد بالساعات ما يتبادر الذهن إليه من العرف فيها، وفيه نظر إذ لو كان ذلك المراد لاختلف الأمر في اليوم الشاتي والصائف، لأن النهار ينتهي في القصر إلى عشر ساعات وفي الطول إلى أربع عشرة، وهذا الإشكال للقفال، وأجاب عنه القاضي حسين بأن المراد بالساعات ما لا يختلف عدده بالطول والقصر، فالنهار اثنتا عشرة ساعة لكن يزيد كل منها وينقص والليل كذلك، وهذه تسمى الساعات الآفاقية عند أهل الميقات وتلك التعديلية، وقد روى أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث جابر مرفوعا ‏"‏ يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة ‏"‏ وهذا وإن لم يرد في حديث التبكير فيستأنس به في المراد بالساعات، وقيل المراد بالساعات بيان مراتب المبكرين من أول النهار إلى الزوال وأنها تنقسم إلى خمس، وتجاسر الغزالي فقسمها برأيه فقال‏:‏ الأولى من طلوع‏.‏
الفجر إلى طلوع الشمس، والثانية إلى ارتفاعها، والثالثة إلى انبساطها، والرابعة إلى أن ترمض الأقدام، والخامسة إلى الزوال‏.‏
واعترضه ابن دقيق العيد بأن الرد إلى الساعات المعروفة أولى وإلا لم يكن لتخصيص هذا العدد بالذكر معنى لأن المراتب متفاوتة جدا، وأولى الأجوبة الأول إن لم تكن زيادة ابن عجلان محفوظة، وإلا فهي المعتمدة‏.‏
وانفصل المالكية إلا قليلا منهم وبعض الشافعية عن الإشكال بأن المراد بالساعات الخمس لحظات لطيفة أولها زوال الشمس وآخرها قعود الخطيب على المنبر، واستدلوا على ذلك بأن الساعة تطلق على جزء من الزمان غير محدود، تقول جئت ساعة كذا، وبأن قوله في الحديث ‏"‏ ثم راح ‏"‏ يدل على أن أول الذهاب إلى الجمعة من الزوال، لأن حقيقة الرواح من الزوال إلى آخر النهار، والغدو من أوله إلى الزوال‏.‏
قال المازري‏:‏ تمسك مالك بحقيقة الرواح وتجوز في الساعة وعكس غيره‏.‏
انتهى‏.‏
وقد أنكر الأزهري على من زعم أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال، ونقل أن العرب تقول ‏"‏ راح ‏"‏ في جميع الأوقات بمعنى ذهب، قال‏:‏ وهي لغة أهل الحجاز، ونقل أبو عبيد في ‏"‏ الغريبين ‏"‏ نحوه‏.‏
قلت‏:‏ وفيه رد على الزين بن المنير حيث أطلق أن الرواح لا يستعمل في المضي في أول النهار بوجه، وحيث قال إن استعمال الرواح بمعنى الغدو لم يسمع ولا ثبت ما يدل عليه‏.‏
ثم إني لم أر التعبير بالرواح في شيء من طرق هذا الحديث إلا في رواية مالك هذه عن سمي، وقد رواه ابن جريج عن سمي بلفظ ‏"‏ غدا ‏"‏ ورواه أبو سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ المتعجل إلى الجمعة كالمهدي بدنة ‏"‏ الحديث وصححه ابن خزيمة، وفي حديث سمرة ‏"‏ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الجمعة في التبكير كناحر صلى الله عليه وسلم البدنة ‏"‏ الحديث، أخرجه ابن ماجه، ولأبي داود من حديث علي مرفوعا ‏"‏ إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق، وتغدو الملائكة فتجلس على باب المسجد فتكتب الرجل من ساعة والرجل من ساعتين ‏"‏ الحديث، فدل مجموع هذه الأحاديث على أن المراد بالرواح الذهاب، وقيل‏:‏ النكتة في التعبير بالرواح الإشارة إلى أن الفعل المقصود إنما يكون بعد الزوال، فيسمى الذاهب إلى الجمعة رائحا وإن لم يجيء وقت الرواح، كما سمي القاصد إلى مكة حاجا‏.‏
وقد اشتد إنكار أحمد وابن حبيب من المالكية ما نقل عن مالك من كراهية التبكير إلى الجمعة وقال أحمد‏:‏ هذا خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
واحتج بعض المالكية أيضا بقوله في رواية ا لزهري ‏"‏ مثل المهجر ‏"‏ لأنه مشتق من التهجر وهو السير في وقت الهاجرة، وأجيب بأن المراد بالتهجير هنا التبكير كما تقدم نقله عن الخليل في المواقيت‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ يحتمل أن يكون مشتقا من الهجير بالكسر وتشديد الجيم وهو ملازمة ذكر الشيء، وقيل‏:‏ هو من هجر المنزل وهو ضعيف لأن مصدره الهجر لا التهجير‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ الحق أن التهجير هنا من الهاجرة وهو السير وقت الحر، وهو صالح لما قبل الزوال وبعده، فلا حجة فيه لمالك‏.‏
وقال التوربشتي‏:‏ جعل الوقت الذي يرتفع فيه النهار ويأخذ الحر في الازدياد من الهاجرة تغليبا، بخلاف ما بعد زوال الشمس فإن الحر يأخذ في الانحطاط، ومما يدل على استعمالهم التهجير في أول النهار ما أنشد ابن الأعرابي في نوادره لبعض العرب تهجرون تهجير الفجر واحتجوا أيضا بأن الساعة لو لم تطل لزم تساوي الآتين فيها، والأدلة تقتضي رجحان السابق، بخلاف ما إذا قلنا إنها لحظة لطيفة‏.‏
والجواب ما قاله النووي في شرح المهذب تبعا لغيره‏.‏
أن التساوي وقع في مسمى البدنة والتفاوت في صفاتها، ويؤيده أن في رواية ابن عجلان تكرير كل من المتقرب به مرتين حيث قال ‏"‏ كرجل قدم بدنة، وكرجل قدم بدنة ‏"‏ الحديث ولا يرد على هذا أن في رواية ابن جريج صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأول الساعة وآخرها سواء ‏"‏ لأن هذه التسوبة بالنسبة إلى البدنة كما تقرر‏.‏
واحتج من كره التبكير أيضا بأنه يستلزم تخطي الرقاب في الرجوع لمن عرضت له حاجة فخرج لها ثم رجع، وتعقب بأنه لا حرج عليه في هذه الحالة لأنه قاصد للوصول لحقه‏.‏
وإنما الحرج على من تأخر عن المجيء ثم جاء فتخطى، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:28 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n105&p1#TOP)باب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَ تَحْتَبِسُونَ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ تَوَضَّأْتُ فَقَالَ أَلَمْ تَسْمَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا في الأصل بغير ترجمة، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، ووجه تعلقه به أن فيه إشارة إلى الرد على من ادعى إجماع أهل المدينة على ترك التبكير إلى الجمعة لأن عمر أنكر عدم التبكير بمحضر من الصحابة وكبار التابعين من أهل المدينة‏.‏
ووجه دخوله في فضل الجمعة ما يلزم من إنكار عمر على الداخل احتباسه مع عظم شأنه، فإنه لولا عظم الفضل في ذلك لما أنكر عليه، وإذا ثبت الفضل في التبكير إلى الجمعة ثبت الفضل لها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذ دخل رجل‏)‏ سماه عبيد الله بن موسى في روايته عن شيبان ‏"‏ عثمان بن عفان ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي ومحمد بن سابق عن شيبان عند قاسم بن أصبغ، وكذا سماه الأوزاعي عند مسلم وحرب بن شداد عند الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، وصرح مسلم في روايته بالتحديث في جميع الإسناد‏.‏
وقد تقدمت بقية مباحثه في ‏"‏ باب فضل الغسل يوم الجمعة‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n105&p1#TOP)باب الدُّهْنِ لِلْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدهن للجمعة‏)‏ أي استعمال الدهن، ويجوز أن يكون بفتح الدال فلا يحتاج إلى تقدير‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ وَدِيعَةَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن وديعة‏)‏ هو عبد الله، سماه أبو علي الحنفي عن ابن أبي ذئب بهذا الإسناد عند الدارمي، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، وهو تابعي جليل، وقد ذكره ابن سعد في الصحابة، وكذا ابن منده، وعزاه لأبي حاتم‏.‏
ومستندهم أن بعض الرواة لم يذكر بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أحدا، لكنه لم يصرح بسماعه، فالصواب إثبات الواسطة‏.‏
وهذا من الأحاديث التي تتبعها الدار قطني على البخاري وذكر أنه اختلف فيه على سعيد المقبري فرواه ابن أبي ذئب عنه هكذا، ورواه ابن عجلان عنه فقال‏:‏ عن أبي ذر بدل سلمان، وأرسله أبو معشر عنه فلم يذكر سلمان ولا أبا ذر، ورواه عبيد الله العمري عنه فقال‏:‏ عن أبي هريرة اهـ‏.‏
ورواية ابن عجلان المذكور عند ابن ماجه ورواية أبي معشر عند سعيد بن منصور ورواية العمري عند أبي يعلى، فأما ابن عجلان فهو دون ابن أبي ذئب في الحفظ فروايته مرجوحة، مع أنه يحتمل أن يكون ابن وديعة سمعه من أبي ذر وسلمان جميعا، ويرجح كونه عن سلمان وروده من وجه آخر عنه، أخرجه النسائي وابن خزيمة من طريق علقمة بن قيس عن قرثع الضبي، وهو بقاف مفتوحة وراء ساكنة ثم مثلثة، قال‏:‏ وكان من القراء الأولين، وعن سلمان نحوه ورجاله ثقات، وأما أبو معشر فضعيف، وقد قصر فيه بإسقاط الصحابي، وأما العمري فحافظ وقد تابعه صالح بن كيسان عن سعيد عند ابن خزيمة، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن سعيد، وأخرجه ابن السكن من وجه آخر عن عبد الرزاق وزاد فيه مع أبي هريرة عمارة بن عامر الأنصاري ا هـ‏.‏
وقوله ‏"‏ابن عامر ‏"‏ خطأ، فقد رواه الليث عن ابن عجلان عن سعيد فقال ‏"‏ عمارة بن عمرو بن حزم ‏"‏ أخرجه ابن خزيمة، وبين الضحاك بن عثمان عن سعيد أن عمارة إنما سمعه من سلمان ذكره الإسماعيلي‏.‏
وأفاد في هذه الرواية أن سعيدا حضر أباه لما سمع هذا الحديث من ابن وديعة، وساقه الإسماعيلي من رواية حماد بن مسعدة وقاسم بن يزيد الجرمي كلاهما عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن ابن وديعة ليس فيه عن أبيه، فكأنه سمعه مع أبيه من ابن وديعة، ثم استثبت أباه فيه فكان يرويه على الوجهين‏.‏
وإذا تقرر ذلك عرف أن الطريق التي اختارها البخاري أتقن الروايات، وبقيتها إما موافقة لها أو قاصرة عنها أو يمكن الجمع بينهما‏.‏
وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق، فإن ثبت أن لابن وديعة صحبة ففيه تابعيان وصحابيان كلهم من أهل المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويتطهر ما استطاع من الطهر‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ من طهر ‏"‏ والمراد به المبالغة في التنظيف، ويؤخذ من عطفه على الغسل أن إفاضة الماء تكفي في حصول الغسل، أو المراد به التنظيف بأخذ الشارب والظفر والعانة، أو المراد بالغسل غسل الجسد، وبالتطهير غسل الرأس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويدهن‏)‏ المراد به إزالة شعث الشعر به وفيه إشارة إلى التزين يوم الجمعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو يمس من طيب بيته‏)‏ أي إن لم يجد دهنا، ويحتمل أن يكون ‏"‏ أو ‏"‏ بمعنى الواو، وإضافته إلى البيت تؤذن بأن السنة أن يتخذ المرء لنفسه طيبا ويجعل استعماله له عادة فيدخره في البيت‏.‏
كذا قال بعضهم بناء على أن المراد بالبيت حقيقته، لكن في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود ‏"‏ أو يمس من طيب امرأته ‏"‏ فعلى هذا فالمعنى إن لم يتخذ لنفسه طيبا فليستعمل من طيب امرأته، وهو موافق لحديث أبي سعيد الماضي ذكره عند مسلم حيث قال فيه ‏"‏ ولو من طيب المرأة‏"‏‏.‏
وفيه أن بيت الرجل يطلق ويراد به امرأته‏.‏
وفي حديث عبد الله بن عمرو المذكور من الزيادة ‏"‏ ويلبس من صالح ثيابه‏"‏‏.‏
وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعد هذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يخرج‏)‏ زاد في حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة ‏"‏ إلى المسجد ‏"‏ ولأحمد من حديث أبي الدرداء ‏"‏ ثم يمشي وعليه السكينة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا يفرق بين اثنين‏)‏ في حديث عبد الله بن عمرو المذكور ‏"‏ ثم لم يتخط رقاب الناس‏"‏‏.‏
وفي حديث أبي الدرداء ‏"‏ ولم يتخط أحدا ولم يؤذه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يصلي ما كتب له‏)‏ في حديث أبي الدرداء ‏"‏ ثم يركع ما قضى له ‏"‏ وفي حديث أبي أيوب ‏"‏ فيركع إن بدا له‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم ينصت إذا تكلم الإمام‏)‏ زاد في رواية قرثع الضبي ‏"‏ حتى يقضي صلاته ‏"‏ ونحوه في حديث أبي أيوب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى‏)‏ في رواية قاسم بن يزيد ‏"‏ حط عنه ذنوب ما بينه وبين الجمعة الأخرى ‏"‏ والمراد بالأخرى التي مضت، بينه الليث عن ابن عجلان في روايته عند ابن خزيمة ولفظه ‏"‏ غفر له ما بينه وبين الجمعة التي قبلها‏"‏، ولابن حبان من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام من التي بعدها ‏"‏ وهذه الزيادة أيضا في رواية سعيد عن عمارة عن سلمان، لكن لم يقل من التي بعدها، وأصله عند مسلم من حديث أبي هريرة باختصار وزاد ابن ماجه في رواية أخرى عن أبي هريرة ‏"‏ ما لم يغش الكبائر ‏"‏ ونحوه لمسلم‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا كراهة التخطي يوم الجمعة، قال الشافعي‏:‏ أكره التخطي إلا لمن لا يجد السبيل إلى المصلي إلا بذلك اهـ‏.‏
وهذا يدخل فيه الإمام ومن يريد وصل الصف المنقطع إن أبي السابق من ذلك ومن يريد الرجوع إلى موضعه الذي قام منه لضرورة كما تقدم، واستثنى المتولي من الشافعية من يكون معظما لدينه أو علمه أو ألف صلى الله عليه وسلم مكانا يجلس فيه أنه لا كراهة في حقه، وفيه نظر، وكان مالك يقول‏:‏ لا يكره التخطي إلا إذا كان الإمام على المنبر‏.‏
وفيه مشروعية النافلة قبل صلاة الجمعة لقوله ‏"‏ صلى ما كتب له ‏"‏ ثم قال ‏"‏ ثم ينصت إذا تكلم الإمام ‏"‏ فدل على تقدم ذلك على الخطبة، وقد بينه أحمد من حديث نبيشة الهذلي بلفظ ‏"‏ فإن لم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له ‏"‏ وفيه جواز النافلة نصف النهار يوم الجمعة، واستدل به على أن التبكير ليس من ابتداء الزوال لأن خروج الإمام يعقب الزوال فلا يسع وقتا يتنفل فيه‏.‏
وتبين بمجموع ما ذكرنا أن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميع ما تقدم من غسل وتنظف وتطيب أو دهن ولبس أحسن الثياب والمشي بالسكينة وترك التخطي والتفرقة بين الاثنين وترك الأذى والتنفل والإنصات وترك اللغو‏.‏
ووقع في حديث عبد الله بن عمرو ‏"‏ فمن تخطى أو لغا كانت له ظهرا ‏"‏ ودل التقييد بعدم غشيان الكبائر على أن الذي يكفر من الذنوب هو الصغائر فتحمل المطلقات كلها على هذا المقيد، وذلك أن معنى قوله ‏"‏ ما لم تغش الكبائر ‏"‏ أي فإنها إذا غشيت لا تكفر، وليس المراد أن تكفير الصغائر شرطه اجتناب الكبائر صلى الله عليه وسلم إذ اجتناب الكبائر بمجرده يكفرها كما نطق به القرآن، ولا يلزم من ذلك أن لا يكفرها إلا اجتناب الكبائر، وإذا لم يكن للمرء صغائر تكفي رجى له أن يكفر عنه بمقدار ذلك من الكبائر، وإلا أعطى من الثواب بمقدار ذلك، وهو جار في جميع ما ورد في نظائر ذلك، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ طَاوُسٌ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنْ الطِّيبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذكروا‏)‏ لم يسم طاوس من حدثه بذلك، والذي يظهر أنه أبو هريرة فقد رواه ابن خزيمة وابن حبان والطحاوي من طريق عمرو بن دينار عن طاوس عن أبي هريرة نحوه، وثبت ذكر الطيب أيضا في حديث أبي سعيد وسلمان وأبي ذر وغيرهم كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اغتسلوا يوم الجمعة وإن لم تكونوا جنبا‏)‏ معناه اغتسلوا يوم الجمعة إن كنتم جنبا للجنابة، وإن لم تكونوا جنبا للجمعة‏.‏
وأخذ منه أن الاغتسال يوم الجمعة للجنابة يجزئ عن الجمعة سواء نواه للجمعة أم لا، وفي الاستدلال به على ذلك بعد‏.‏
نعم روى ابن حبان من طريق ابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث ‏"‏ اغتسلوا يوم الجمعة إلا أن تكونوا جنبا ‏"‏ وهذا أوضح في الدلالة على المطلوب، لكن رواية شعيب عن الزهري أصح‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ حفظنا الإجزاء عن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين اهـ‏.‏
والخلاف في هذه المسألة منتشر في المذاهب، واستدل به على أنه لا يجزئ قبل طلوع الفجر لقوله ‏"‏ يوم الجمعة ‏"‏ وطلوع الفجر أول اليوم شرعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏واغسلوا رءوسكم‏)‏ هو من عطف الخاص على العام للتنبيه على أن المطلوب الغسل التام لئلا يظن أن إفاضة الماء دون حل الشعر مثلا يجزئ في غسل الجمعة، وهو موافق لقوله في حديث أبي هريرة ‏"‏ كغسل الجنابة ‏"‏ ويحتمل أن يراد بالثاني المبالغة في التنظيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأصيبوا من الطيب‏)‏ ليس في هذه الرواية ذكر الدهن المترجم به، لكن لما كانت العادة تقتضي استعمال الدهن بعد غسل الرأس أشعر ذلك به، كذا وجهه الزين بن المنير جوابا لقول الداودي‏:‏ ليس في الحديث دلالة على الترجمة، والذي يظهر أن البخاري أراد أن حديث طاوس عن ابن عباس واحد ذكر فيه إبراهيم بن ميسرة الدهن ولم يذكره الزهري، وزيادة الثقة الحافظ مقبولة‏.‏
وكأنه أراد بإيراد حديث ابن عباس عقب حديث سلمان الإشارة إلى أن ما عدا الغسل من الطيب والدهن والسواك وغيرها ليس هو في التأكد كالغسل، وإن كان الترغيب ورد في الجميع، لكن الحكم يختلف إما بالوجوب عند من يقول به أو بتأكيد بعض المندوبات على بعض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ أما الغسل فنعم، وأما الطيب فلا أدري‏)‏ هذا يخالف ما رواه عبيد بن السباق عن ابن عباس مرفوعا ‏"‏ من جاء إلى الجمعة فليغتسل وإن كان له طيب فليس منه ‏"‏ أخرجه ابن ماجه من رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عبيد، وصالح ضعيف، وقد خالفه مالك فرواه عن الزهري عن عبيد بن السباق بمعناه مرسلا، فإن كان صالح حفظ فيه ابن عباس احتمل أن يكون ذكره بعد ما نسيه أو عكس ذلك، وهشام المذكور في طريق ابن عباس الثانية هو ابن يوسف الصنعاني‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:29 PM
*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n105&p1#TOP)باب يَلْبَسُ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يلبس أحسن ما يجد‏)‏ أي يوم الجمعة من الجائز‏.‏
أورد فيه حديث ابن عمر ‏"‏ أن عمر رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال‏:‏ يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة ‏"‏ الحديث‏.‏
ووجه الاستدلال به من جهة تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للجمعة، وقصر الإنكار على لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريرا‏.‏
وقد تعقبه الداودي بأنه ليس في الحديث دلالة على الترجمة‏.‏
وأجاب ابن بطال بأنه كان معهودا عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه للجمعة‏.‏
وتبعه ابن التين‏.‏
وما تقدم أولى‏.‏
وقد ورد الترغيب في ذلك في حديث أبي أيوب وعبد الله بن عمر، وعند ابن خزيمة بلفظ ‏"‏ ولبس من خير ثيابه ‏"‏ ونحوه في رواية الليث عن ابن عجلان، ولأبي داود من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة وأبي أمامة عن أبي سعيد وأبي هريرة نحو حديث سلمان وفيه ‏"‏ ولبس من أحسن ثيابه ‏"‏ وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته ‏"‏ ووصله ابن عبد البر في ‏"‏ التمهيد ‏"‏ من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، وفي إسناده نظر، فقد رواه أبو داود من طريق عمرو بن الحارث وسعيد بن منصور عن ابن عيينة وعبد الرزاق عن الثوري ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان مرسلا، ووصله أبو داود وابن ماجه من وجه آخر عن محمد بن يحيى عن عبد الله ابن سلام، ولحديث عائشة طريق عند ابن خزيمة وابن ماجه، وسيأتي الكلام على حديث ابن عمر في كتاب اللباس‏.‏
وقوله ‏"‏سيراء ‏"‏ بكسر المهملة وفتح التحتانية ثم راء ثم مد أي حرير‏.‏
قال ابن قرقول‏:‏ ضبطناه عن المتقنين بالإضافة كما يقال ثوب خز، وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل‏.‏
قال الخطابي‏:‏ يقال حلة سيراء كناقة عشراء‏.‏
ووجهه ابن التين فقال‏:‏ يريد أن عشراء مأخوذ من عشرة أي أكملت الناقة عشرة أشهر فسميت عشراء، وكذلك الحلة سميت سيراء لأنها مأخوذة من السيور، هذا وجه التشبيه، وعطارد صاحب الحلة هو ابن حاجب التميمي‏.‏
وقوله ‏"‏فكساها أخا له بمكة مشركا ‏"‏ سيأتي أن اسمه عثمان بن حكيم، وكان أخا عمر من أمه، وقيل غير ذلك، وقد اختلف في إسلامه، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n105&p1#TOP)باب السِّوَاكِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَنُّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب السواك يوم الجمعة‏)‏ أورد فيه حديثا معلقا وثلاثة موصولة، والمعلق طرف من حديث أبي سعيد المذكور في ‏"‏ باب الطيب للجمعة ‏"‏ فإن فيه ‏"‏ وأن يستن ‏"‏ أي يدلك أسنانه بالسواك‏.‏
وأما الموصولة فأولها حديث أبي هريرة ‏"‏ لولا أن أشق ‏"‏ ومطابقته للترجمة من جهة اندراج الجمعة في عموم قوله ‏"‏ كل صلاة ‏"‏ وقال الزين بن المنير‏:‏ لما خصت الجمعة بطلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظيف والتطيب ناسب ذلك تطيب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة، وإزالة ما يضر الملائكة وبني آدم‏.‏
ثاني الموصولة حديث أنس ‏"‏ أكثرت عليكم في السواك ‏"‏ قال ابن رشيد مناسبته للذي قبله من جهة أن سبب منعه من إيجاب السواك واحتياجه إلى الاعتذار عن إكثاره عليهم فيه وجود المشقة، ولا مشقة في فعل ذلك في يوم واحد وهو يوم الجمعة‏.‏
ثالث الموصولة حديث حذيفة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه ‏"‏ ووجه‏.‏
مناسبته أنه شرع في الليل لتجمل الباطن فيكون في الجمعة أحرى لأنه شرع لها التجمل في الباطن والظاهر، وقد تقدم الكلام على حديث حذيفة في آخر كتاب الوضوء وأما حديث أبي هريرة فلم يختلف على مالك في إسناده وإن كان له في أصل الحديث إسناد آخر بلفظ آخر سيأتي الكلام عليه في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو لولا أن أشق على الناس‏)‏ هو شك من الراوي، ولم أقف عليه بهذا اللفظ في شيء من الروايات عن مالك ولا عن غيره، وقد أخرجه الدار قطني في الموطآت من طريق الموطأ لعبد الله بن يوسف شيخ البخاري فيه بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ أو على الناس ‏"‏ لم يعد قوله ‏"‏ لولا أن أشق ‏"‏ وكذا رواه كثير من رواة الموطأ ورواه أكثرهم بلفظ ‏"‏ المؤمنين ‏"‏ بدل ‏"‏ أمتي ‏"‏ ورواه يحيى بن يحيى الليثي بلفظ ‏"‏ على أمتي ‏"‏ دون الشك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأمرتهم بالسواك‏)‏ أي باستعمال السواك، لأن السواك هو الآلة، وقد قيل إنه يطلق على الفعل أيضا‏.‏
فعلى هذا لا تقدير‏.‏
والسواك مذكر على الصحيح، وحكى في الحكم تأنيثه، وأنكر ذلك الأزهري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مع كل صلاة‏)‏ لم أرها أيضا في شيء من روايات الموطأ إلا عن معن بن عيسى لكن بلفظ ‏"‏ عند كل صلاة ‏"‏ وكذا النسائي عن قتيبة عن مالك، وكذا رواه مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد، وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال ‏"‏ مع الوضوء ‏"‏ بدل الصلاة أخرجه أحمد من طريقه، قال القاضي البيضاوي‏:‏ ‏"‏ لولا ‏"‏ كلمة تدل على انتقاء الشيء لثبوت غيره، والحق أنها مركبة من ‏"‏ لو ‏"‏ الدالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره و ‏"‏ لا ‏"‏ النافية، فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيا لثبوت المشقة، وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين‏:‏ أحدهما أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية، ولو كان للندب لما جاز النفي، ثانيهما أنه جعل الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب، إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك‏.‏
وقال الشيخ أبو إسحاق في ‏"‏ اللمع ‏"‏ في هذا الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به ا هـ‏.‏
ويؤكده قوله في رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة عند النسائي بلفظ ‏"‏ لفرضت عليهم ‏"‏ بدل لأمرتهم‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبا لأمرهم شق عليهم به أو لم يشق ا هـ‏.‏
وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم، بل ادعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكى الشيخ أبو حامد وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه قال‏:‏ هو واجب لكل صلاة، فمن تركه عامدا بطلت صلاته‏.‏
وعن داود أنه قال‏:‏ وهو واجب لكن ليس شرطا‏.‏
واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجه من حديث أبي أمامة مرفوعا ‏"‏ تسوكوا ‏"‏ ولأحمد نحوه من حديث العباس، وفي الموطأ في أثناء حديث ‏"‏ عليكم بالسواك ‏"‏ ولا يثبت شيء منها، وعلى تقدير الصحة فالمنفي في مفهوم حديث الباب الأمر به مقيدا بكل صلاة لا مطلق الأمر، ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق ولا من ثبوت المطلق التكرار كما سيأتي‏.‏
واستدل بقوله ‏"‏ كل صلاة ‏"‏ على استحبابه للفرائض والنوافل، ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة وما ضاهاها من النوافل التي ليست تبعا لغيرها كصلاة العيد، وهذا اختاره أبو شامة، ويتأيد بقوله في حديث أم حبيبة عند أحمد بلفظ ‏"‏ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون ‏"‏ وله من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك ‏"‏ فسوى بينهما‏.‏
وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا إن طال الفصل مثلا، فكذلك السواك‏.‏
ويمكن أن يفرق بينهما بأن الوضوء أشق من السواك، ويتأيد بما رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين، ثم ينصرف فيستاك ‏"‏ وإسناده صحيح، لكنه مختصر من حديث طويل أورده أبو داود، وبين فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نوم‏.‏
وأصل الحديث في مسلم مبينا أيضا‏.‏
واستدل به على أن الأمر يقتضي التكرار، لأن الحديث دل على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك، ولا مشقة في وجوبه مرة، وإنما المشقة في وجوب التكرار‏.‏
وفي هذا البحث نظر، لأن التكرار لم يؤخذ هنا من مجرد الأمر، وإنما أخذ من تقييده بكل صلاة‏.‏
وقال المهلب‏:‏ فيه أن المندوبات ترتفع إذا خشي منها الحرج‏.‏
وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته‏.‏
وفيه جواز الاجتهاد منه فيما لم ينزل عليه فيه نص، لكونه جعل المشقة سببا لعدم أمره، فلو كان الحكم متوقفا على النص لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص لا وجود المشقة‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ وفيه بحث، وهو كما قال، ووجهه أنه يجوز أن يكون إخبارا منه صلى الله عليه وسلم بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة، فيكون معنى قوله ‏"‏ لأمرتهم ‏"‏ أي عن الله بأنه واجب‏.‏
واستدل به النسائي على استحباب السواك للصائم بعد الزوال، لعموم قوله ‏"‏ كل صلاة‏"‏، وسيأتي البحث فيه في كتاب الصيام‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ الحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها حالا رب إلى الله، فاقتضى أن تكون حال كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة، وقد ورد من حديث علي عند البزار ما يدل على أنه لأمر يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي، فلا يزال يدنو منه حتى يضع فاه على فيه، لكنه لا ينافي ما تقدم‏.‏
وأما حديث أنس فرجال إسناده بصريون، وقوله ‏"‏أكثرت ‏"‏ وقع في رواية الإسماعيلي ‏"‏ لقد أكثرت الخ ‏"‏ أي بالغت في تكرير طلبه منكم، أو في إيراد الأخبار في الترغيب فيه‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ معناه أكثرت عليكم، وحقيق أن أفعل، وحقيق أن تطيعوا‏.‏
وحكى الكرماني أنه روى بضم أوله أي بولغت من عند الله بطلبه منكم‏.‏ولم أقف على هذه الرواية إلى الآن صريحة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ذكره ابن المنير بلفظ ‏"‏ عليكم بالسواك ‏"‏ ولم يقع ذلك في شيء من الروايات في صحيح البخاري، وقد تعقبه ابن رشيد‏.‏
واللفظ المذكور وقع في الموطأ عن الزهري عن عبيد بن السباق مرسلا، وهو في أثناء حديث وصله ابن ماجه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري يذكر ابن عباس فيه، وسبق الكلام عليه في آخر ‏"‏ باب الدهن للجمعة ‏"‏ ورواه معمر عن الزهري قال ‏"‏ أخبرني من لا أتهم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم سمعوه يقول ذلك‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:30 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n105&p1#TOP)باب مَنْ تَسَوَّكَ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من تسوك بسواك غيره‏)‏ أورد فيه حديث عائشة في قصة دخول عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سواك، وأنها أخذته منه فاستاك به النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن مضغته‏.‏
وهو مطابق لما ترجم له، والكلام عليه يذكر مستوفى إن شاء الله تعالى في أواخر المغازي عند ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن القصة كانت في مرض موته‏.‏
وقولها فيه ‏"‏ فقصمته ‏"‏ بقاف وصاد مهملة للأكثر، أي كسرته، وفي رواية كريمة وابن السكن بضاد معجمة، والقضم بالمعجمة الأكل بأطراف الأسنان، قال ابن الجوزي‏:‏ وهو أصح‏.‏
قلت‏:‏ ويحمل الكسر على كسر موضع الاستياك، فلا ينافي الثاني، والله أعلم‏.‏
وقد أورد الزين بن المنير على مطابقة الترجمة بأن تعيين عائشة موضع الاستياك بالقطع، وأجاب أن استعماله بعد أن مضغته واف بالمقصود‏.‏
وتعقب بأنه إطلاق في موضع التقييد، فينبغي تقييد الغير بأن يكون ممن لا يعاف أثر فمه، إذ لولا ذلك ما غيرته عائشة‏.‏
ولا يقال لم يتقدم فيه استعمال، لأن في نفس الخبر يستن به، وفيه دلالة على تأكد أمر السواك لكونه صلى الله عليه وسلم لم يخل به مع ما هو فيه من شاغل المرض‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ رجال الإسناد مدنيون، وإسماعيل شيخ البخاري هو ابن أبي أويس، ولم أره في شيء من الروايات من غير طريق البخاري عنه بهذا الإسناد، وقد ضاق على الإسماعيلي مخرجه فاستخرجه من طريق البخاري نفسه عن إسماعيل، وكأن إسماعيل تفرد به أيضا فإنني لم أره من رواية غيره عن سليمان ابن بلال، إلا أن أبا نعيم أورده في المستخرج من طريق محمد بن الحسن المدني عن سليمان، ومحمد ضعيف جدا‏.‏
فكان ما صنعه الإسماعيلي أولى‏.‏
وقد سمع إسماعيل من سليمان ويروى عنه أيضا بواسطة كثيرا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n105&p1#TOP)باب مَا يُقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقرأ‏)‏ بضم الياء - ويجوز فتحها أي الرجل - ولم يقع قوله‏:‏ ‏(‏يوم الجمعة‏)‏ في أكثر الروايات في الترجمة‏.‏
وهو مراد‏.‏
قال الزين بن المنير ‏"‏ ما ‏"‏ في قوله ‏"‏ ما يقرأ ‏"‏ الظاهر أنها موصولة لا استفهامية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو نعيم‏)‏ في نسخة من رواية كريمة ‏"‏ حدثنا محمد بن يوسف ‏"‏ أي الفريابي، وذكرا في بعض النسخ جميعا‏.‏
وسفيان هو الثوري‏.‏
وسعد بن إبراهيم أي ابن عبد الرحمن بن عوف نسبه النسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن الثوري‏.‏
وهو تابعي صغير، وشيخه تابعي كبير، وهما معا مدنيان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في الفجر يوم الجمعة‏)‏ في رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ في الجمعة في صلاة الفجر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الم تنزيل‏)‏ بضم اللام على الحكاية، زاد في رواية كريمة ‏"‏ السجدة ‏"‏ وهو بالنصب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهل أتى على الإنسان‏)‏ زاد الأصيلي في روايته ‏"‏ حين من الدهر ‏"‏ والمراد أن يقرأ في كل ركعة بسورة، وكذا بينه مسلم من طريق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه بلفظ ‏"‏ الم تنزيل، في الركعة الأولى، وفي الثانية‏:‏ هل أتى على الإنسان ‏"‏ وفيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذه الصلاة من هذا اليوم لما تشعر الصيغة به من مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك أو إكثاره منه، بل ورد من حديث ابن مسعود التصريح بمداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك، أخرجه الطبراني ولفظه ‏"‏ يديم ذلك ‏"‏ وأصله في ابن ماجه بدون هذه الزيادة ورجاله ثقات، لكن صوب أبو حاتم إرساله‏.‏
وكأن ابن دقيق العيد لم يقف عليه فقال في الكلام على حديث الباب‏:‏ ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائما اقتضاء قويا، وهو كما قال بالنسبة لحديث الباب، فإن الصيغة ليست نصا في المداومة لكن الزيادة التي ذكرناها نص في ذلك‏.‏
وقد أشار أبو الوليد الباجي في رجال البخاري إلى الطعن في سعد بن إبراهيم لروايته لهذا الحديث، وأن مالكا امتنع من الرواية عنه لأجله، وأن الناس تركوا العمل به لا سيما أهل المدينة ا هـ‏.‏
وليس كما قال، فإن سعدا لم ينفرد به مطلقا، فقد أخرجه مسلم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله، وكذا ابن ماجه والطبراني من حديث ابن مسعود، وابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقاص، والطبراني في الأوسط من حديث علي‏.‏
وأما دعواه أن الناس تركوا العمل به فباطلة، لأن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين قد قالوا به كما نقله ابن المنذر وغيره، حتى إنه ثابت عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والد سعد وهو من كبار التابعين من أهل المدينة أنه أم الناس بالمدينة بهما في الفجر يوم الجمعة، أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وكلام ابن العربي يشعر بأن ترك ذلك أمر طرأ على أهل المدينة لأنه قال‏:‏ وهو أمر لم يعلم بالمدينة، فالله أعلم بمن قطعه كما قطع غيره ا هـ‏.‏
وأما امتناع مالك من الرواية عن سعد فليس لأجل هذا الحديث، بل لكونه طعن في نسب مالك، كذا حكاه ابن البرقي عن يحيى بن معين، وحكى أبو حاتم عن علي بن المديني قال‏:‏ كان سعد بن إبراهيم لا يحدث بالمدينة فلذلك لم يكتب عنه أهلها‏.‏
وقال الساجي‏:‏ أجمع أهل العلم على صدقه‏.‏
وقد روى مالك عن عبد الله بن إدريس عن شعبة عنه، فصح أنه حجة باتفاقهم‏.‏
قال‏:‏ ومالك إنما لم يرو عنه لمعنى معروف، فأما أن يكون تكلم فيه فلا أحفظ ذلك ا هـ‏.‏
وقد اختلف تعليل المالكية بكراهة قراءة السجدة في الصلاة، فقيل لكونها تشتمل على زيادة سجود في الفرض، قال القرطبي‏:‏ وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث‏.‏
وقيل لخشية التخليط على المصلين، ومن ثم فرق بعضهم بين الجهرية والسرية لأن الجهرية يؤمن معها التخليط، لكن صح من حديث ابن عمر صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة فيها سجدة في صلاة الظهر فسجد بهم فيها، أخرجه أبو داود والحاكم‏.‏
فبطلت التفرقة‏.‏
ومنهم من علل الكراهة بخشية اعتقاد العوام أنها فرض، قال ابن دقيق العيد‏:‏ أما القول بالكراهة مطلقا فيأباه الحديث، لكن إذا انتهى الحال إلى وقوع هذه المفسدة فينبغي أن تترك أحيانا لتندفع، فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة، وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات ا هـ‏.‏
وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله‏:‏ ينبغي أن يفعل ذلك في الأغلب للقدرة‏.‏
ويقطع أحيانا لئلا تظنه العامة سنة ا هـ‏.‏
وهذا على قاعدتهم في التفرقة بين السنة والمستحب‏.‏
وقال صاحب المحيط من الحنفية‏:‏ يستحب قراءة هاتين السورتين في صبح يوم الجمعه بشرط أن يقرأ غير ذلك أحيانا لئلا يظن الجاهل أنه لا يجزئ غيره‏.‏
وأما صاحب الهداية منهم فذكر أن علة الكراهة هجران الباقي وإيهام التفضيل‏.‏
وقول الطحاوي يناسب قول صاحب المحيط، فإنه خص الكراهة بمن يراه حتما لا يجزئ غيره أو يرى القراءة بغيره مكروهة‏.‏
‏(‏فائدتان‏)‏ الأولى‏.‏
لم أر في شيء من الطرق التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم سجد لما قرأ سورة تنزيل السجدة في هذا المحل إلا في كتاب الشريعة لابن أبي داود من طريق أخرى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ غدوت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في صلاة الفجر فقرأ سورة فيها سجدة فسجد ‏"‏ الحديث، وفي إسناده من ينظر في حاله‏.‏
وللطبراني في الصغير من حديث علي ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة ‏"‏ لكن في إسناده ضعف‏.‏
الثانية‏:‏ قيل الحكمة في اختصاص يوم الجمعة بقراءة سورة السجدة قصد السجود الزائد حتى أنه يستحب لمن لم يقرأ هذه السورة بعينها أن يقرأ سورة غيرها فيها سجدة، وقد عاب ذلك على فاعله غير واحد من العلماء، ونسبهم صاحب الهدى إلى قلة العلم ونقص المعرفة، لكن عند ابن أبي شيبة بإسناد قوي عن إبراهيم النخعي أنه قال‏:‏ يستحب أن يقرأ في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة‏.‏
وعنده من طريقه أيضا أنه فعل ذلك فقرأ سورة مريم‏.‏
ومن طريق ابن عون قال‏:‏ كانوا يقرؤون في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة‏.‏
وعنده من طريقه أيضا قال‏:‏ وسألت محمدا - يعني ابن سيرين - عنه فقال لا أعلم به بأسا ا هـ‏.‏
فهذا قد ثبت عن بعض علماء الكوفة والبصرة فلا ينبغي القطع بتزييفه‏.‏
وقد ذكر النووي في زيادات الروضة هذه المسألة وقال‏:‏ لم أر فيها كلاما لأصحابنا، ثم قال‏:‏ وقياس مذهبنا أنه يكره في صلاة إذا قصده ا هـ‏.‏
وقد أفتى ابن عبد السلام قبله بالمنع وببطلان الصلاة بقصد ذلك، قال صاحب المهمات‏:‏ مقتضى كلام القاضي حسين الجواز‏.‏
وقال الفارقي في فوائد المهذب‏:‏ لا تستحب قراءة سجدة غير تنزيل، فإن ضاق الوقت عن قراءتها قرأ بما أمكن منها ولو بآية السجدة منها‏.‏
ووافقه ابن أبي عصرون في كتاب الانتصار وفيه نظر‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ قال الزين بن المنير‏:‏ مناسبة ترجمة الباب لما قبلها أن ذلك من جملة ما يتعلق بفضل يوم الجمعة لاختصاص صبحها بالمواظبة على قراءة هاتين السورتين‏.‏
وقيل‏:‏ إن الحكمة في هاتين السورتين الإشارة إلى ما فيهما من ذكر خلق آدم وأحوال يوم القيامة، لأن ذلك كان وسيقع يوم الجمعة، ذكره ابن دحية في العلم المشهور وقرره تقريرا حسنا‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:31 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n106&p1#TOP)باب وَقْتُ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ
وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب وقت الجمعة‏)‏ أي أوله ‏(‏إذا زالت الشمس‏)‏ جزم بهذه المسألة مع وقوع الخلاف فيها لضعف دليل المخالف عنده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكذا يذكر عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث‏)‏ قيل إنما اقتصر على هؤلاء من الصحابة دون غيرهم لأنه نقل عنهم خلاف ذلك، وهذا فيه نظر لأنه لا خلاف عن علي ومن بعده في ذلك، وأغرب ابن العربي فنقل الإجماع على أنها لا تجب حتى تزول الشمس، إلا ما نقل عن أحمد أنه إن صلاها قبل الزوال أجزأ ا هـ‏.‏
وقد نقله ابن قدامة وغيره عن جماعة من السلف كما سيأتي، فأما الأثر عن عمر فروى أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له وابن أبي شيبة من رواية عبد الله بن سيدان قال ‏"‏ شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، وشهدتها مع عمر رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار ‏"‏ رجاله ثقات إلا عبد الله بن سيدان وهو بكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة فإنه تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة، قال ابن عدي شبه المجهول‏.‏
وقال البخاري لا يتابع على حديثه، بل عارضه ما هو أقوى منه فروى ابن أبي شيبة من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس إسناده قوي، وفي الموطأ عن مالك بن أبي عامر قال ‏"‏ كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشيها ظل الجدار خرج عمر ‏"‏ إسناده صحيح، وهو ظاهر في أن عمر كان يخرج بعد زوال الشمس، وفهم منه بعضهم عكس ذلك، ولا يتجه إلا إن حمل على أن الطنفسة كانت تفرش خارج المسجد وهو بعيد، والذي يظهر أنها كانت تفرش له داخل المسجد، وعلى هذا فكان عمر يتأخر بعد الزوال قليلا، وفي حديث السقيفة عن ابن عباس قال ‏"‏ فلما كان يوم الجمعة وزالت الشمس خرج عمر فجلس على المنبر؛ وأما علي فروى ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق أنه ‏"‏ صلى خلف علي الجمعة بعد ما زالت الشمس ‏"‏ إسناده صحيح، وروى أيضا من طريق أبي رزين قال ‏"‏ كنا نصلي مع علي الجمعة فأحيانا نجد فيئا وأحيانا لا نجد ‏"‏ وهذا محمول على المبادرة عند الزوال أو التأخير قليلا، وأما النعمان بن بشير فروى ابن أبي شيبه بإسناد صحيح عن سماك بن حرب قال ‏"‏ كان النعمان بن بشير يصلي بنا الجمعة بعد ما تزول الشمس‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وكان النعمان أميرا على الكوفة في أول خلافة يزيد بن معاوية، وأما عمرو بن حريث فأخرجه ابن أبي شيبة أيضا من طريق الوليد بن العيزار قال ‏"‏ ما رأيت إماما كان أحسن صلاة للجمعة من عمرو بن حريث، فكان يصليها إذا زالت الشمس ‏"‏ إسناده صحيح أيضا، وكان عمرو ينوب عن زياد وعن ولده في الكوفة أيضا‏.‏
وأما ما يعارض ذلك عن الصحابة فروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن سلمة وهو بكسر اللام قال ‏"‏ صلى بنا عبد الله - يعني ابن مسعود - الجمعة ضحى وقال‏:‏ خشيت عليكم الحر ‏"‏ وعبد الله صدوق إلا أنه ممن تغير لما كبر قاله شعبة وغيره، ومن طريق سعيد بن سويد قال ‏"‏ صلى بنا معاوية الجمعة ضحى ‏"‏ وسعيد ذكره ابن عدي في الضعفاء واحتج بعض الحنابلة بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن هذا يوم جعله الله عيد للمسلمين ‏"‏ قال فلما سماه عيدا جازت الصلاة فيه وقت العيد كالفطر والأضحى، وتعقب بأنه لا يلزم من تسمية يوم الجمعة عيدا أن يشتمل على جميع أحكام العيد، بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقا سواء صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة باتفاقهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَمْرَةَ عَنْ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ وَكَانُوا إِذَا رَاحُوا إِلَى الْجُمُعَةِ رَاحُوا فِي هَيْئَتِهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ لَوْ اغْتَسَلْتُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان الناس مهنة‏)‏ بنون وفتحات جمع ما هن ككتبة وكاتب أي خدم أنفسهم، وحكى ابن التين أنه روى بكسر أوله وسكون الهاء ومعناه بإسقاط محذوف أي ذوي مهنة‏.‏
ولمسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد ‏"‏ كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كفأة ‏"‏ أي لم يكن لهم من يكفيهم العمل من الخدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم‏)‏ استدل البخاري بقوله ‏"‏ راحوا ‏"‏ على أن ذلك كان بعد الزوال لأنه حقيقة الرواح كما تقدم عن أكثر أهل اللغة، ولا يعارض هذا ما تقدم عن الأزهري أن المراد بالرواح في قوله ‏"‏ من اغتسل يوم الجمعة ثم راح ‏"‏ الذهاب مطلقا لأنه إما أن يكون مجازا أو مشتركا، وعلى كل من التقديرين فالقرينة مخصصه وهي في قوله ‏"‏ من راح في الساعة الأولى ‏"‏ قائمة في إرادة مطلق الذهاب، وفي هذا قائمة في الذهاب بعد الزوال لما جاء في حديث عائشة المذكور في الطريق التي في آخر الباب الذي قبل هذا حيث قالت ‏"‏ يصيبهم الغبار والعرق ‏"‏ لأن ذلك غالبا إنما يكون بعد ما يشتد الحر، وهذا في حال مجيئهم من العوالي، فالظاهر أنهم لا يصلون إلى المسجد إلا حين الزوال أو قريبا من ذلك، وعرف بهذا توجيه إيراد حديث عائشة في هذا الباب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أورد أبو نعيم في المستخرج طريق عمرة هذه في الباب الذي قبله وعلى هذا فلا إشكال فيه أصلا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ صرح في رواية الإسماعيلي من طريق زيد بن الحباب عن فليح بسماع عثمان له من أنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس‏)‏ فيه إشعار بمواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة الجمعة إذا زالت الشمس‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ وَنَقِيلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
أما رواية حميد التي بعد هذا عن أنس ‏"‏ كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة ‏"‏ فظاهره أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار، لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض، وقد تقرر فيما تقدم أن التبكير يطلق على فعل الشيء في أول وقته أو تقديمه على غيره وهو المراد هنا، والمعنى أنهم كانوا يبدؤون بالصلاة قبل القيلولة، بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر في الحر فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإيراد، ولهذه النكتة أورد البخاري طريق حميد عن أنس عقب طريق عثمان بن عبد الرحمن عنه، وسيأتي في الترجمة التي بعد هذه التعبير بالتبكير والمراد به الصلاة في أول الوقت وهو يؤيد ما قلناه‏.‏
قال الزين بن المنير في الحاشية‏:‏ فسر البخاري حديث أنس الثاني بحديث أنس الأول إشارة منه إلى أنه لا تعارض بينهما‏.‏
‏(‏تنبيهان‏)‏ الأول‏:‏ حكى ابن التين عن أبي عبد الملك أنه قال‏:‏ إنما أورد البخاري الآثار عن الصحابة لأنه لم يجد حديثا مرفوعا في ذلك، وتعقبه بحديث أنس هذا وهو كما قال الثاني‏:‏ لم يقع التصريح عند المصنف برفع حديث أنس الثاني، وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق فضيل بن عياض عن حميد فزاد فيه ‏"‏ مع النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق محمد بن إسحاق حدثني حميد الطويل، وله شاهد من حديث سهل بن سعد يأتي في آخر كتاب الجمعة، وفيه رد على من زعم أن الساعات المطلوبة في الذهاب إلى الجمعة من عند الزوال لأنهم يتبادرون إلى الجمعة قبل القائلة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n106&p1#TOP)باب إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة‏)‏ لما اختلف ظاهر النقل عن أنس وتقرر أن طريق الجمع أن يحمل الأمر على اختلاف الحال بين الظهر والجمعة كما قدمناه، جاء عن أنس حديث آخر يوهم خلاف ذلك فترجم المصنف هذه الترجمة لأجله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ هُوَ خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ يَعْنِي الْجُمُعَةَ قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ فَقَالَ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمُعَةَ وَقَالَ بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا أَمِيرٌ الْجُمُعَةَ ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو خلدة‏)‏ بفتح المعجمة وسكون اللام، والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بكر بالصلاة‏)‏ أي صلاها في أول وقتها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة‏)‏ لم يجزم المصنف بحكم الترجمة للاحتمال الواقع في قوله ‏"‏ يعني الجمعه ‏"‏ لاحتمال أن يكون من كلام التابعي أو من دونه، وهو ظن ممن قاله، والتصريح عن أنس في رواية حميد الماضية أنه كان يبكر بها مطلقا من غير تفصيل، ويؤيده الرواية المعلقة الثانية فإن فيها البيان بأن قوله ‏"‏ يعني الجمعة ‏"‏ إنما أخذه قائله مما فهمه من التسوية بين الجمعة والظهر عند أنس حيث استدل لما سئل عن الجمعة بقوله ‏"‏ كان يصلي الظهر‏"‏، وأوضح من ذلك رواية الإسماعيلي من طريق أخرى عن حرمي ولفظه ‏"‏ سمعت أنسا - وناداه يزيد الضبي يوم جمعة‏:‏ يا أبا حمزة قد شهدت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف كان يصلي الجمعة‏؟‏ - ‏"‏ فذكره ولم يقل بعده يعني الجمعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال يونس بن بكير‏)‏ وصله المصنف في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ ولفظه ‏"‏ سمعت أنس بن مالك وهو مع الحكم أمير البصرة على السرير يقول‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبرد بالصلاة، وإذا كان البرد بكر بالصلاة ‏"‏ وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن يونس وزاد ‏"‏ يعني الظهر‏"‏‏.‏
والحكم المذكور هو ابن أبي عقيل الثقفي كان نائبا عن ابن عمه الحجاج بن يوسف، وكان على طريقة ابن عمه في تطويل الخطبة يوم الجمعة حتى يكاد الوقت أن يخرج‏.‏
وقد أورد أبو يعلى قصة يزيد الضبي المذكور وإنكاره على الحكم هذا الصنيع واستشهاده بأنس واعتذار أنس عن الحكم بأنه أخر للإبراد، فساقها مطولة في نحو ورقة‏.‏
وعرف بهذا أن الإبراد بالجمعة عند أنس إنما هو بالقياس على الظهر لا بالنص، لكن أكثر الأحاديث تدل على التفرقة بينهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال بشر بن ثابت‏)‏ وصله الإسماعيلي والبيهقي بلفظ ‏"‏ كان إذا كان الشتاء بكر بالظهر، وإذا كان الصيف أبرد بها ‏"‏ وعرف من طريق ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ تسمية الأمير المبهم في هذه الرواية المعلقة، ومن رواية الإسماعيلي وغيره سبب تحديث أنس بن مالك بذلك حتى سمعه أبو خلدة‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ نحا البخاري إلى مشروعية الإبراد بالجمعة ولم يبت الحكم بذلك، لأن قوله ‏"‏ يعني الجمعة ‏"‏ يحتمل أن يكون قول التابعي مما فهمه، ويحتمل أن يكون من نقله، فرجح عنده إلحاقها بالظهر، لأنها إما ظهر وزيادة أو بدل عن الظهر، وأيد ذلك قول أمير البصرة لأنس يوم الجمعة ‏"‏ كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر ‏"‏ وجواب أنس من غير إنكار ذلك‏.‏
وقال أيضا‏:‏ إذا تقرر أن الإبراد يشرع في الجمعة أحذ منه أنها لا تشرع قبل الزوال، لأنه لو شرع لما كان اشتداد الحر سببا لتأخيرها، بل كان يستغني عنه بتعجيلها قبل الزوال‏.‏
واستدل به ابن بطال على أن وقت الجمعة وقت الظهر لأن أنسا سوى بينهما في جوابه، خلافا لمن أجاز الجمعة قبل الزوال، وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله‏.‏
وفيه إزالة التشويش عن المصلي بكل طريق محافظة على الخشوع لأن ذلك هو السبب في مراعاة الإبراد في الحر دون البرد‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:32 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n106&p1#TOP)باب الْمَشْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ
وَقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ قَالَ السَّعْيُ الْعَمَلُ وَالذَّهَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ وَقَالَ عَطَاءٌ تَحْرُمُ الصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المشي إلى الجمعة وقول الله جل ذكره فاسعوا إلى ذكر الله‏)‏ ومن قال السعي العمل والذهاب لقوله تعالى وسعى لها سعيها‏)‏ ‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ لما قابل الله بين الأمر بالسعي والنهي عن البيع دل أن المراد بالسعي العمل الذي هو الطاعة لأنه هو الذي يقابل بسعي الدنيا كالبيع والصناعة، والحاصل أن المأمور به سعي الآخرة، والمنهي عنه سعي الدنيا‏.‏
وفي الموطأ عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن هذه الآية فقال‏:‏ كان عمر يقرؤها ‏"‏ إذا نودي للصلاة فامضوا ‏"‏ وكأنه فسر السعي بالذهاب، قال مالك‏:‏ وإنما السعي العمل لقول الله تعالى ‏(‏وإذا تولى سعى في الأرض‏)‏ وقال ‏(‏وأما من جاءك يسعى‏)‏ قال مالك‏:‏ وليس السعي الاشتداد ا هـ‏.‏
وقراءة عمر المذكورة سيأتي الكلام عليها في التفسير‏.‏
وقد أورد المصنف في الباب حديث ‏"‏ لا تأتوها وأنتم تسعون ‏"‏ إشارة منه إلى أن السعي المأمور به في الآية غير السعي المنهي عنه في الحديث، والحجة فيه أن السعي في الآية فسر بالمضي، والسعي في الحديث فسر بالعدو‏.‏
لمقابلته بالمشي حيث قال‏:‏ لا تأتوها تسعون وأتوها تمشون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس يحرم البيع حينئذ‏)‏ أي إذا نودي بالصلاة، وهذا الأثر ذكره ابن حزم من طريق عكرمة عن ابن عباس بلفظ ‏"‏ لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادي للصلاة، فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع ‏"‏ ورواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا، وإلى القول بالتحريم ذهب الجمهور، وابتداؤه عندهم من حين الأذان بين يدي الإمام لأنه الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي قريبا‏.‏
وروى عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ من طريق مكحول أن النداء كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن يوم الجمعة مؤذن واحد حين يخرج الإمام، وذلك النداء الذي يحرم عنده البيع، وهو مرسل يعتضد بشواهد تأتي قريبا‏.‏
وأما الأذان الذي عند الزوال فيجوز عندهم البيع فيه مع الكراهة، وعن الحنفية يكره مطلقا ولا يحرم، وهل يصح البيع مع القول بالتحريم‏؟‏ قولان مبنيان على أن النهي هل يقتضي الفساد مطلقا أو لا‏؟‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء تحرم الصناعات كلها‏)‏ وصله عبد بن حميد في تفسيره بلفظ ‏"‏ إذا نودي بالأذان حرم اللهو والبيع والصناعات كلها والرقاد وأن يأتي الرجل أهله وأن يكتب كتابا ‏"‏ وبهذا قال الجمهور أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري الخ‏)‏ لم أره من رواية إبراهيم، وقد ذكره ابن المنذر عن الزهري وقال‏:‏ إنه اختلف عليه فيه فقيل عنه هكذا، وقيل عنه مثل قول الجماعة إنه لا جمعة على مسافر، كذا رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري، قال ابن المنذر‏:‏ وهو كالإجماع من أهل العلم على ذلك، لأن الزهري اختلف عليه فيه ا هـ‏.‏
ويمكن حمل كلام الزهري على حالين، فحيث قال ‏"‏ لا جمعة على مسافر ‏"‏ أراد على طريق الوجوب، وحيث قال ‏"‏ فعليه أن يشهد ‏"‏ أراد على طريق الاستحباب‏.‏
ويمكن أن تحمل رواية إبراهيم بن سعد هذه على صورة مخصوصة، وهو إذا اتفق حضوره في موضع تقام فيه الجمعة فسمع النداء لها، لا أنها تلزم المسافر مطلقا حتى يحرم عليه السفر قبل الزوال من البلد الذي يدخلها مجتازا مثلا، وكأن ذلك رجح عند البخاري، ويتأيد عنده بعموم قوله تعالى ‏(‏يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله‏)‏ فلم يخص مقيما من مسافر، وأما ما احتج به ابن المنذر على سقوط الجمعة عن المسافر بكونه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر جميعا بعرفة وكان يوم جمعة فدل ذلك من فعله على أنه لا جمعة على مسافر فهو عمل صحيح، إلا أنه لا يدفع الصورة التي ذكرتها‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ قرر البخاري في هذه الترجمة إثبات المشي إلى الجمعة مع معرفته بقول من فسرها بالذهاب الذي يتناول المشي والركوب، وكأنه حمل الأمر بالسكينة والوقار على عمومه في الصلوات كلها فتدخل الجمعة كما هو مقتضى حديث أبي هريرة، وأما حديث أبي قتادة فيؤخذ من قوله ‏"‏ وعليكم السكينة ‏"‏ فإنه يقتضي عدم الإسراع في حال السعي إلى الصلاة أيضا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ قَالَ أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني علي بن عبد الله‏)‏ هو ابن المديني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يزيد‏)‏ بالتحتانية والزاي، و ‏(‏عباية‏)‏ بفتح المهملة بعدها موحدة وهو ابن رفاعة بن رافع ابن خديج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أدركني أبو عبس‏)‏ بفتح المهملة وسكون الموحدة، وهو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة واسمه عبد الرحمن على الصحيح، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنا أذهب‏)‏ كذا وقع عند البخاري أن القصة وقعت لعباية مع أبي عبس، وعند الإسماعيلي من رواية علي بن بحر وغيره عن الوليد بن مسلم أن القصة وقعت ليزيد بن أبي مريم مع عباية، وكذا أخرجه النسائي عن الحسين بن حريث عن الوليد ولفظه ‏"‏ حدثني يزيد قال‏:‏ لحقني عباية بن رفاعة وأنا ماش إلى الجمعة ‏"‏ زاد الإسماعيلي في روايته ‏"‏ وهو راكب، فقال‏:‏ احتسب خطاك هذه ‏"‏ وفي رواية النسائي ‏"‏ فقال أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله، فإني سمعت أبا عبس بن جبر ‏"‏ فذكر الحديث، فإن كان محفوظا احتمل أن تكون القصة وقعت لكل منهما، وسيأتي الكلام على المتن في كتاب الجهاد، وأورده هنا لعموم قوله ‏"‏ في سبيل الله ‏"‏ فدخلت فيه الجمعة، ولكون راوي الحديث استدل به على ذلك‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ وجه دخول حديث أبي عبس في الترجمة من قوله ‏"‏ أدركني أبو عبس ‏"‏ لأنه لو كان يعدو لما احتمل وقت المحادثة لتعذرها مع الجري، ولأن أبا عبس جعل حكم السعي إلى الجمعة حكم الجهاد‏.‏
وليس العدو من مطالب الجهاد فكذلك الجمعة، انتهى‏.‏
وحديث أبي هريرة تقدم الكلام عليه في أواخر أبواب الأذان، وقد سبق في أول هذا الباب توجيه إيراده هنا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي قتادة قال أبو عبد الله‏:‏ لا أعلمه إلا عن أبيه‏)‏ انتهى‏.‏
أبو عبد الله هذا هو المصنف‏.‏
وقع قوله ‏"‏ قال أبو عبد الله ‏"‏ في رواية المستملي وحده، وكأنه وقع عنده توقف في وصله لكونه كتبه من حفظه أو لغير ذلك، وهو في الأصل موصول لا ريب فيه، فقد أخرجه الإسماعيلي عن ابن ناجية عن أبي حفص - وهو عمرو بن علي شيخ البخاري فيه - فقال ‏"‏ عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه ‏"‏ ولم يشك، وأغرب الكرماني فقال‏:‏ إن هذا الإسناد منقطع وإن حكم البخاري بكونه موصولا لأن شيخه لم يروه إلا منقطعا، انتهى‏.‏
وقد تقدم في أواخر الأذان أن البخاري علق هذه الطريق من جهة على ابن المبارك ولم يتعرض للشك الذي هنا، وتقدم الكلام على المتن أيضا، وموضع الحاجة منه هنا قوله ‏"‏ وعليكم السكينة ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ والنكتة في النهي عن ذلك لئلا يكون مقامهم سببا لإسراعه في الدخول إلى الصلاة فينافي مقصوده من هيئة الوقار، قال‏:‏ وكأن البخاري استشعر إيراد الفرق بين الساعي إلى الجمعة وغيرها بأن السعي إلى الصلاة غير الجمعة منهي لأجل ما يلحق الساعي من التعب وضيق النفس فيدخل في الصلاة وهو منبهر فينافي ذلك خشوعه، وهذا بخلاف الساعي إلى الجمعة فإنه في العادة يحضر قبل إقامة الصلاة فلا تقام حتى يستريح مما يلحقه من الانبهار وغيره، وكأنه استشعر هذا الفرق فأخذ يستدل على أن كل ما آل إلى إذهاب الوقار منع منه، فاشتركت الجمعة مع غيرها في ذلك، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n106&p1#TOP)باب لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يفرق‏)‏ أي الداخل ‏(‏بين اثنين‏)‏ كذا ترجم ولم يثبت الحكم، وقد نقل الكراهة عن الجمهور ابن المنذر واختار التحريم، وبه جزم النووي في ‏"‏ زوائد الروضة ‏"‏ والأكثر على أنها كراهة تنزيه، ونقله الشيخ أبو حامد عن النص، والمشهور عند الشافعية الكراهة كما جزم به الرافعي، والأحاديث الواردة في الزجر عن التخطي مخرجة في المسند والسنن وفي غالبها ضعف، وأقوى ما ورد فيه ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق أبي الزاهرية قال ‏"‏ كنا مع عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أن رجلا جاء يتخطى والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال‏:‏ اجلس فقد آذيت ‏"‏ ولأبي داود من طريق عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده رفعه ‏"‏ ومن تخطى رقاب الناس كانت له ظهرا ‏"‏ وقيد مالك والأوزاعي الكراهة بما إذا كان الخطيب على المنبر، قال الزين بن المنير‏:‏ التفرقة بين اثنين يتناول القعود بينهما وإخراج أحدهما والقعود مكانه، وقد يطلق على مجرد التخطي، وفي التخطي زيادة رفع رجليه على رءوسهما أو أكتافهما، وربما تعلق بثيابهما شيء مما برجليه، وقد استثنى من كراهة التخطي ما إذا كان في الصفوف الأول فرجة فأراد الداخل سدها فيغتفر له لتقصيرهم‏.‏
أورد فيه حديث سلمان، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب الدهن للجمعة‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n106&p1#TOP)باب لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَقْعُدُ فِي مَكَانِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد مكانه‏)‏ هذه الترجمة المقيدة بيوم الجمعة ورد فيها حديث صحيح لكنه ليس على شرط البخاري، أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ ‏"‏ لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيه ولكن يقول تفسحوا ‏"‏ ويؤخذ منه أن الذي يتخطى بعد الاستئذان خارج عن حكم الكراهة، وقوله في الحديث ‏"‏ لا يقيم الرجل أخاه ‏"‏ لا مفهوم له بل ذكر لمزيد التنفير عن ذلك لقبحه، لأنه إن فعله من جهة الكبر كان قبيحا، وإن فعله من جهة الأثرة كان أقبح، كأن البخاري اغتنى عنه بعموم حديث ابن عمر المذكور في الباب، وبالعموم المذكور احتج نافع حين سأله ابن جريج عن الجمعة، وسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى‏.‏
وقد تقدم بيان دخول هذه الصورة في التفرقة التي قبلها‏.‏
وشيخ البخاري فيه هو محمد بن سلام كما وقع منسوبا في رواية أبى ذر‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n106&p1#TOP)باب الْأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأذان يوم الجمعة‏)‏ أي متى يشرع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن السائب بن يزيد‏)‏ في رواية عقيل عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد أخبره‏.‏
وفي رواية يونس عن الزهري سمعت السائب، وسيأتيان بعد هذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان النداء يوم الجمعة‏)‏ في رواية أبي عامر عن ابن أبي ذئب عند ابن خزيمة كان ابتداء النداء الذي ذكره الله في القرآن يوم الجمعة، وله في رواية وكيع عن ابن أبي ذئب ‏"‏ كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة ‏"‏ قال ابن خزيمة‏:‏ قوله أذانين يريد الأذان والإقامة، يعني تغليبا أو لاشتراكهما في الإعلام كما تقدم في أبواب الأذان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا جلس الإمام على المنبر‏)‏ في رواية أبي عامر المذكورة ‏"‏ إذا خرج الإمام وإذا أقيمت الصلاة ‏"‏ وكذا للبيهقي من طريق ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب، وكذا في رواية الماجشون الآتية عن الزهري ولفظه ‏"‏ وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام، يعني على المنبر ‏"‏ وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن الماجشون بدون قوله ‏"‏ يعني ‏"‏ وللنسائي رواية سليمان التيمي عن الزهري ‏"‏ كان بلال يؤذن إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر‏.‏
فإذا نزل أقام ‏"‏ وقد تقدم نحوه في مرسل مكحول قريبا، قال المهلب‏:‏ الحكمة في جعل الأذان في هذا المحل ليعرف الناس بجلوس الإمام على المنبر فينصتون له إذا خطب، كذا قال وفيه نظر، فإن في سياق ابن إسحاق عند الطبراني وغيره عن الزهري في هذا الحديث ‏"‏ إن بلالا كان يؤذن على باب المسجد صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فالظاهر أنه كان لمطلق الإعلام لا لخصوص الإنصات، نعم لما زيد الأذان الأول كان للإعلام، وكان الذي بين يدي الخطيب للإنصات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما كان عثمان‏)‏ أي خليفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكثر الناس‏)‏ أي بالمدينة، وصرح به في رواية الماجشون، وظاهره أن عثمان أمر بذلك في ابتداء خلافته، لكن في رواية أبي ضمرة عن يونس عند أبي نعيم في المستخرج أن ذلك كان بعد مضي مدة من خلافته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏زاد النداء الثالث‏)‏ في رواية وكيع عن ابن أبي ذئب فأمر عثمان بالأذان الأول، ونحوه للشافعي من هذا الوجه، ولا منافاة بينهما لأنه باعتبار كونه مزيدا يسمى ثالثا، وباعتبار كونه جعل مقدما على الأذان والإقامة يسمى أولا، ولفظ رواية عقيل الآتية بعد بابين ‏"‏ أن التأذين بالثاني أمر به عثمان ‏"‏ وتسميته ثانيا أيضا متوجه بالنظر إلى الأذان الحقيقي لا الإقامة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على الزوراء‏)‏ بفتح الزاي وسكون الواو وبعدها راء ممدودة، وقوله ‏"‏قال أبو عبد الله ‏"‏ هو المصنف، وهذا في رواية أبي ذر وحده، وما فسر به الزوراء هو المعتمد، وجزم ابن بطال بأنه حجر كبير عند باب المسجد، وفيه نظر لما في رواية ابن إسحاق عن الزهري عند ابن خزيمة وابن ماجه بلفظ ‏"‏ زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء ‏"‏ وفي روايته عند الطبراني ‏"‏ فأمر بالنداء الأول على دار له يقال لها الزوراء، فكان يؤذن له عليها، فإذا جلس على المنبر أذن مؤذنه الأول، فإذا نزل أقام الصلاة‏"‏‏.‏
وفي رواية له من هذا الوجه ‏"‏ فأذن بالزوراء قبل خروجه ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت ‏"‏ ونحوه في مرسل مكحول المتقدم‏.‏
وفي صحيح مسلم من حديث أنس ‏"‏ أن نبي الله وأصحابه كانوا بالزوراء، والزوراء بالمدينة عند السوق ‏"‏ الحديث، زاد أبو عامر عن ابن أبي ذئب ‏"‏ فثبت ذلك حتى الساعة ‏"‏ وسيأتي نحوه قريبا من رواية يونس بلفظ ‏"‏ فثبت الأمر كذلك ‏"‏ والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك لكونه خليفة مطاع الأمر، لكن ذكر الفاكهاني أن أول من أحدث الأذان الأول بمكة الحجاج وبالبصرة زياد، وبلغني أن أهل المغرب الأدنى الآن لا تأذين عندهم سوى مرة، وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر قال ‏"‏ الأذان الأول يوم الجمعة بدعة ‏"‏ فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار، ويحتمل أنه يريد أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنا ومنها ما يكون بخلاف ذلك‏.‏
وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياسا على بقية الصلوات فألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب، وفيه استنباط معنى من الأصل لا يبطله، وأما ما أحدث الناس قبل وقت الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهو في بعض البلاد دون بعض، واتباع السلف الصالح أولى‏.‏
‏(‏تنبيهان‏)‏ الأول‏:‏ ورد ما يخالف هذا الخبر أن عمر الذي زاد الأذان، ففي تفسير جويبر عن الضحاك من زيادة الراوي عن برد سنان عن مكحول عن معاذ ‏"‏ أن عمر أمر مؤذنين أن يؤذنا للناس الجمعة خارجا من المسجد حتى يسمع الناس، وأمر أن يؤذن بين يديه كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر، ثم قال عمر‏:‏ نحن ابتدعناه لكثرة المسلمين ‏"‏ انتهى‏.‏
وهذا منقطع بين مكحول ومعاذ، ولا يثبت لأن معاذا كان خرج من المدينة إلى الشام في أول ما غزوا الشام واستمر إلى أن مات بالشام في طاعون عمواس، وقد تواردت الروايات أن عثمان هو الذي زاده فهو المعتمد ثم وجدت لهذا الأثر ما يقويه، فقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال‏:‏ قال سليمان بن موسى ‏"‏ أول من زاد الأذان بالمدينة عثمان، فقال عطاء‏:‏ كلا، إنما كان يدعو الناس دعاء ولا يؤذن غير أذان واحد ‏"‏ انتهى‏.‏
وعطاء لم يدرك عثمان فرواية من أثبت ذلك عنه مقدمة على إنكاره، ويمكن الجمع بأن الذي ذكره عطاء هو الذي كان في زمن عمر واستمر على عهد عثمان ثم رأى أن يجعله أذانا، وأن يكون على مكان عال ففعل ذلك فنسب إليه لكونه بألفاظ الأذان، وترك ما كان فعله عمر لكونه مجرد إعلام‏.‏
الثاني‏:‏ تواردت الشراح على أن معنى قوله ‏"‏ الأذان الثالث ‏"‏ أن الأولين الأذان والإقامة لكن نقل الداودي أن الأذان أولا كان في سفل المسجد، فلما كان عثمان جعل من يؤذن على الزوراء، فلما كان هشام - يعني ابن عبد الملك - جعل من يؤذن بين يديه فصاروا ثلاثة، فسمى فعل عثمان ثالثا لذلك، انتهى‏.‏
وهذا الذي ذكره يغني ذكره عن تكلف رده، فليس له فيما قاله سلف، ثم هو خلاف الظاهر فتسمية ما أمر به عثمان ثالثا يستدعي سبق اثنين قبله، وهشام إنما كان بعد عثمان بثمانين سنة‏.‏
واستدل البخاري بهذا الحديث أيضا على الجلوس على المنبر قبل الخطبة خلافا لبعض الحنفية، واختلف من أثبته هل هو للأذان أو لراحة الخطيب‏؟‏ فعلى الأول لا يسن في العيد إذ لا أذان هناك‏.‏
واستدل به أيضا على أن التأذين قبيل الخطبة، وعلى ترك تأذين اثنين معا، وعلى أن الخطبة يوم الجمعة سابقة على الصلاة، ووجهه أن الأذان لا يكون إلا قبل الصلاة، وإذا كان يقع حين يجلس الإمام على المنبر دل على سبق الخطبة على الصلاة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n106&p1#TOP)باب الْمُؤَذِّنِ الْوَاحِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المؤذن الواحد يوم الجمعة‏)‏ أورد فيه حديث السائب بن يزيد المذكور في الباب قبله وزاد فيه ‏"‏ ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن غير واحد ‏"‏ ومثله للنسائي وأبي داود من رواية صالح ابن كيسان، ولأبى داود وابن خزيمة من رواية ابن إسحاق كلاهما عن الزهري، وفي مرسل مكحول المتقدم نحوه، وهو ظاهر في إرادة نفي تأذين اثنين معا، والمراد أن الذي كان يؤذن هو الذي كان يقيم‏.‏
قال الإسماعيلي لعل قوله ‏"‏ مؤذن ‏"‏ يريد به التأذين فعبر عنه بلفظ المؤذن لدلالته عليه‏.‏
انتهى‏.‏
وما أدرى ما الحامل له على هذا التأويل‏؟‏ فإن المؤذن الراتب هو بلال، وأما أبو محذورة وسعد القرظ فكان كل منهما بمسجده الذي رتب فيه، وأما ابن أم مكتوم فلم يرد أنه كان يؤذن إلا في الصبح كما تقدم في الأذان، فلعل الإسماعيلي استشعر إيراد أحد هؤلاء فقال ما قال، ويمكن أن يكون المراد بقوله ‏"‏ مؤذن واحد ‏"‏ أي في الجمعة فلا ترد الصبح مثلا، وعرف بهذا الرد على ما ذكر ابن حبيب أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رقى المنبر وجلس أذن المؤذنون وكانوا ثلاثة واحد بعد واحد، فإذا فرغ الثالث قام فخطب، فإنه دعوى تحتاج لدليل، ولم يرد ذلك صريحا من طريق متصلة يثبت مثلها‏.‏
ثم وجدته في مختصر البويطي صلى الله عليه وسلم عن الشافعي‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n106&p1#TOP)باب يُجِيبُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يجيب الإمام على المنبر إذا سمع النداء‏)‏ في رواية كريمة ‏"‏ يؤذن ‏"‏ بدل يجيب، فكأنه سماه أذانا لكونه بلفظه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ مُعَاوِيَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَنَا فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَنَا فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي أمامة‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق حبان وعبدان عن عبد الله - وهو ابن المبارك - سمعت أبا أمامة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنا‏)‏ أي أشهد، أو أنا أقول مثله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما أن قضى‏)‏ أي فرغ ‏"‏ وأن ‏"‏ زائده، وسقطت في رواية الأصيلي، وللكشميهني ‏"‏ فلما أن انقضى ‏"‏ أي انتهى‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد تعلم العلم وتعليمه من الإمام وهو على المنبر، وأن الخطيب يجيب المؤذن وهو على المنبر، وأن قول المجيب ‏"‏ وأنا كذلك ‏"‏ ونحوه يكفي في إجابة المؤذن، وفيه إباحة الكلام قبل الشروع في الخطبة، وأن التكبير في أول الأذان غير مرجع وفيهما نظر، وفيه الجلوس قبل الخطبة‏.‏
وبقية مباحثه تقدمت في أبواب الأذان‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:33 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n107&p1#TOP)باب الْجُلُوسِ عَلَى الْمِنْبَرِ عِنْدَ التَّأْذِينِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجلوس على المنبر عند التأذين‏)‏ تقدمت مباحث حديث السائب قريبا، ومناسبته للذي قبله ظاهرة جدا، وأشار الزين بن المنير إلى أن مناسبة هذه الترجمة الإشارة إلى خلاف من قال الجلوس على المنبر عند التأذين غير مشروع وهو عن بعض الكوفيين‏.‏
وقال مالك والشافعي والجمهور‏:‏ هو سنة‏.‏
قال الزين‏:‏ والحكمة فيه سكون اللفظ، والتهيؤ للإنصات، والاستنصات لسماع الخطبة، وإحضار الذهن للذكر‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n107&p1#TOP)باب التَّأْذِينِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التأذين عند الخطبة‏)‏ أي عند إرادتها، أورد فيه حديث السائب أيضا وقد تقدم ما فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ إِنَّ الْأَذَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرُوا أَمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْأَذَانِ الثَّالِثِ فَأُذِّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ فَثَبَتَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ
الشرح‏:‏
عبد الله هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n107&p1#TOP)باب الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ
وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الخطبة على المنبر‏)‏ أي مشروعيتها، ولم يقيدها بالجمعة ليتناولها ويتناول غيرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس خطب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر‏)‏ هذا طرف من حديث أورده المصنف في الاعتصام وفي الفتن مطولا وفيه قصة عبد الله بن حذافة، ومن حديثه أيضا في الاستسقاء في قصة الذي قال ‏"‏ هلك المال ‏"‏ وسيأتي ثم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ الْقُرَشِيُّ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وَقَدْ امْتَرَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فُلَانَةَ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ ثُمَّ جَاءَ بِهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن رجالا أتوا سهل بن سعد‏)‏ لم أقف على أسمائهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏امتروا‏)‏ من المماراة وهي المجادلة‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ من الامتراء وهو الشك، ويؤيد الأول قوله في رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عند مسلم ‏"‏ أن تماروا ‏"‏ فإن معناه تجادلوا، قال الراغب‏:‏ الامتراء والمماراة المجادلة، ومنه ‏(‏فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا‏)‏ ‏.‏
وقال أيضا‏:‏ المرية التردد في الشيء، ومنه ‏(‏فلا تكن في مرية من لقائه‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والله إني لأعرف مما هو‏)‏ فيه القسم على الشيء لإرادة تأكيده للسامع‏.‏
وفي قوله ‏"‏ ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه ‏"‏ زيادة على السؤال، لكن فائدته إعلامهم بقوه معرفته بما سألوه عنه، وقد تقدم في باب الصلاة على المنبر أن سهلا قال ‏"‏ ما بقي أحد أعلم به مني‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرسل الخ‏)‏ هو شرح الجواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى فلانة امرأة من الأنصار‏)‏ في رواية أبي غسان عن أبي حازم ‏"‏ امرأة من المهاجرين ‏"‏ كما سيأتي في الهبة، وهو وهم من أبي غسان لإطباق أصحاب أبي حازم على قولهم ‏"‏ من الأنصار‏"‏، وكذا قال أيمن عن جابر كما سيأتي في علامات النبوة، وقد تقدم الكلام على اسمها في ‏"‏ باب الصلاة على المنبر ‏"‏ في أوائل الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مري غلامك النجار‏)‏ سماه عباس بن سهل عن أبيه فيما أخرجه قاسم بن أصبغ وأبو سعد في ‏"‏ شرف المصطفي ‏"‏ جميعا من طريق يحيى بن بكير عن ابن لهيعة حدثني عمارة بن غزية عنه ولفظه ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة، فلما كثر الناس قيل له‏:‏ لو كنت جعلت منبرا‏.‏
قال وكان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون ‏"‏ فذكر الحديث، وأخرجه ابن سعد من رواية سعيد بن سعد الأنصاري عن ابن عباس نحو هذا السياق ولكن لم يسمه، وفي الطبراني من طريق أبي عبد الله الغفاري ‏"‏ سمعت سهل بن سعد يقول‏:‏ كنت جالسا مع خال لي من الأنصار‏.‏
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اخرج إلى الغابة، وآتني من خشبها، فاعمل لي منبرا ‏"‏ الحديث‏.‏
وجاء في صانع المنبر أقوال أخرى‏:‏ أحدها اسمه إبراهيم، أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبي نضرة عن جابر‏.‏
وفي إسناده العلاء بن مسلمة الرواس وهو متروك، ثانيها باقول بموحدة وقاف مضمومة، رواه عبد الرزاق بإسناد ضعيف منقطع، ووصله أبو نعيم في المعرفة لكن قال باقوم آخره ميم وإسناده ضعيف أيضا‏.‏
ثالثها صباح بضم المهملة بعدها موحدة خفيفة وآخره مهملة أيضا ذكره ابن بشكوال بإسناد شديد الانقطاع‏.‏
رابعها قبيصة أو قبيصة المخزومي مولاهم، ذكره عمر بن شبة في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ بإسناد مرسل‏.‏
خامسها كلاب مولى العباس كما سيأتي‏.‏
سادسها تميم الداري رواه أبو داود مختصرا والحسن بن سفيان والبيهقي من طريق أبي عاصم عن عبد العزيز ابن أبي رواد ‏"‏ عن نافع عن ابن عمر أن تميما الداري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثر لحمه‏:‏ ألا نتخذ لك منيرا يحمل عظامك‏؟‏ قال‏:‏ بلى، فاتخذ له منبرا ‏"‏ الحديث وإسناده جيد، وسيأتي ذكره في علامات النبوة، فإن البخاري أشار إليه ثم، وروى ابن سعد في ‏"‏ الطبقات ‏"‏ من حديث أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب وهو مستند إلى جذع فقال‏:‏ إن القيام قد شق على‏.‏
فقال له تميم الداري‏:‏ ألا أعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام‏؟‏ فشاور النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين في ذلك فرأوا أن يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب‏:‏ إن لي غلاما يقال له كلاب أعمل الناس، فقال‏:‏ مره أن يعمل ‏"‏ الحديث رجاله ثقات إلا المواقدي‏.‏
سابعها ميناء ذكره ابن بشكوال عن الزبير بن بكار ‏"‏ حدثني إسماعيل - هو ابن أبي أويس - عن أبيه قال‏:‏ عمل المنبر غلام لامرأة من الأنصار من بني سلمة - أو من بني ساعدة أو امرأة لرجل منهم - يقال له ميناء ‏"‏ انتهى‏.‏
وهذا يحتمل أن يعود الضمير فيه على الأقرب فيكون ميناء اسم زوج المرأة، وهو بخلاف ما حكيناه في ‏"‏ باب الصلاة على المنبر والسطوح ‏"‏ عن ابن التين أن المنبر عمله غلام سعد بن عبادة، وجوزنا أن تكون المرأة زوج سعد‏.‏
وليس في جميع هذه الروايات التي سمي فيها النجار شيء قوي السند إلا حديث ابن عمر، وليس فيه التصريح بأن الذي اتخذ المنبر تميم الداري، بل قد تبين من رواية ابن سعد أن تميما لم يعمله‏.‏
وأشبه الأقوال بالصواب قول من قال هو ميمون لكون الإسناد من طريق سهل بن سعد أيضا وأما الأقوال الأخرى فلا اعتداد بها لوهائها‏.‏
ويبعد جدا أن يجمع بينها بأن النجار كانت له أسماء متعددة‏.‏
وأما احتمال كون الجميع اشتركوا في عمله فيمنع منه قوله في كثير من الروايات السابقة ‏"‏ لم يكن بالمدينة إلا نجار واحد ‏"‏ إلا إن كان يحمل على أن المراد بالواحد الماهر في صناعته والبقية أعوانه فيمكن والله أعلم‏.‏
ووقع عند الترمذي وابن خزيمة وصححاه من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يخطب، فجاء إليه رومي فقال‏:‏ ألا أصنع لك منبرا ‏"‏ الحديث، ولم يسمه يحتمل أن يكون المراد بالرومي تميم الداري لأنه كان كثير السفر إلى أرض الروم‏.‏
وقد عرف مما تقدم سبب عمل المنبر، وجزم ابن سعد بأن ذلك كان في السنة السابعة، وفيه نظر لذكر العباس وتميم فيه وكان قدوم العباس بعد الفتح في آخر سنة ثمان، وقدوم تميم سنة تسع‏.‏
وجزم ابن النجار بأن عمله كان سنة ثمان، وفيه نظر أيضا لما ورد في حديث الإفك في الصحيحين عن عائشة قالت ‏"‏ فثار الحيان الأوس والخزرج حتى كادوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فنزل فخفضهم حتى سكتوا ‏"‏ فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر وإلا فهو أصح مما مضى‏.‏
وحكى بعض أهل السير أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبر من طين قبل أن يتخذ المنبر الذي من خشب، ويعكر عليه أن في الأحاديث الصحيحة أنه كان يستند إلى الجذع إذا خطب، ولم يزل المنبر على حاله ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله، وكان سبب ذلك ما حكاه الزبير بن بكار في أخبار المدينة بإسناده إلى حميد ابن عبد الرحمن بن عوف قال ‏"‏ بعث معاوية إلى مروان - وهو عامله على المدينة - أن يحمل إليه المنبر، فأمر به فقلع، فأظلمت المدينة، فخرج مروان فخطب وقال‏:‏ إنما أمرني أمير المؤمنين أن أرفعه، فدعا نجارا، وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التي هي عليها اليوم‏"‏، ورواه من وجه آخر قال‏:‏ فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم وقال ‏"‏ فزاد فيه ست درجات وقال‏:‏ إنما زدت فيه حين كثر الناس ‏"‏ قال ابن النجار وغيره‏:‏ استمر على ذلك إلا ما أصلح منه إلى أن احترق مسجد المدينة سنة أربع وخمسين وستمائة فاحترق، ثم جدد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين منبرا، ثم أرسل الظاهر بيبرس بعد عشر سنين صلى الله عليه وسلم منبرا فأزيل منبر المظفر، فلم يزل إلى هذا العصر فأرسل الملك المؤيد سنة عشرين وثمانمائة منبرا جديدا، وكان أرسل في سنة ثماني عشرة منبرا جديدا إلى مكة أيضا، شكر الله له صالح عمله آمين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعملها من طرفاء الغابة‏)‏ في رواية سفيان عن أبي حازم ‏"‏ من أثلة الغابة ‏"‏ كما تقدم في أوائل الصلاة، ولا مغايرة بينهما فإن الأثل هو الطرفاء وقيل يشبه الطرفاء وهو أعظم منه، والغابة بالمعجمة وتخفيف الموحدة موضع من عوالي المدينة جهة الشام، وهي اسم قرية بالبحرين أيضا، وأصلها كل شجر ملتف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأرسلت‏)‏ أي المرأة تعلم بأنه فرغ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمر بها فوصعت‏)‏ أنث لإرادة الأعواد والدرجات، ففي رواية مسلم من طريق عبد العزيز ابن أبي حازم ‏"‏ فعمل له هذا الدرجات الثلاث‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها‏)‏ أي على الأعواد، وكانت صلاته على الدرجة العليا من المنبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقري‏)‏ لم يذكر القيام بعد الركوع في هذه الرواية وكذا لم يذكر القراءة بعد التكبيرة، وقد تبين ذلك في رواية سفيان عن أبي حازم ولفظه ‏"‏ كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقري ‏"‏ القهقرى بالقصر المشي إلى خلف‏.‏
والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة‏.‏
وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني ‏"‏ فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبر وهو على المنبر ‏"‏ فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في أصل المنبر‏)‏ أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم عاد‏)‏ زاد مسلم من رواية عبد العزيز حتى فرغ من صلاته قوله‏:‏ ‏(‏ولتعلموا‏)‏ بكسر اللام وفتح المثناة وتشديد اللام أي لتتعلموا، وعرف منه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر ليراه من قد يخفي عليه رؤيته إذا صلى على الأرض ويستفاد منه أن من فعل شيئا يخالف العادة أن يبين حكمته لأصحابه‏.‏
وفيه مشروعية الخطبة على المنبر لكل خطيب خليفة كان أو غيره‏.‏
وفيه جواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل، وجواز العمل اليسير في الصلاة، وكذا الكثير إن تفرق، وقد تقدم البحث فيه وكذا في جواز ارتفاع الإمام في ‏"‏ باب الصلاة في السطوح ‏"‏ وفيه استحباب اتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه، واستحباب الافتتاح بالصلاة في كل شيء جديد صلى الله عليه وسلم إما شكرا وإما تبركا‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ إن كان الخطيب هو الخليفة فسنته أن يخطب على المنبر، وإن كان غيره يخير بين أن يقوم على المنبر أو على الأرض‏.‏
وتعقبه الزين بن المنير بأن هذا خارج عن مقصود الترجمة ولأنه إخبار عن شيء أحدثه بعض الخلفاء، فإن كان من الخلفاء الراشدين فهو سنة متبعة، وإن كان من غيرهم فهو بالبدعة أشبه منه بالسنة‏.‏
قلت‏:‏ ولعل هذا هو حكمة هذه الترجمة، أشار بها إلى أن هذا التفصيل غير مستحب، ولعل مراد من استحبه أن الأصل أن لا يرتفع الإمام عن المأمومين‏.‏
ولا يلزم من مشروعية ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ثم لمن ولى الخلافة أن يشرع لمن جاء بعدهم، وحجة الجمهور وجود الاشتراك في وعظ السامعين وتعليمهم بعض أمور الدين، والله الموفق‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ قَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني يحيى بن سعيد‏)‏ هو الأنصاري، وابن أنس هو حفص بن عبيد الله بن أنس كما سيأتي في الرواية المعلقة، ونسب في هذه إلى جده، قال أبو مسعود الدمشقي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏‏:‏ إنما أبهم البخاري حفصا لأن محمد بن جعفر بن أبي كثير يقول ‏"‏ عبيد الله بن حفص ‏"‏ فيقلبه‏.‏
قلت‏:‏ كذا رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن مسكين عن ابن أبي مريم شيخ البخاري فيه، ولكن أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي الأحوص محمد بن الهيثم عن ابن أبي مريم فقال ‏"‏ عن حفص بن عبيد الله ‏"‏ على الصواب، وقلبه أيضا عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عن يحيى بن سعيد أخرجه الإسماعيلي من طريقه وقال‏:‏ الصواب فيه حفص بن عبيد الله‏.‏
وفي تاريخ البخاري ‏"‏ حفص بن عبيد الله بن أنس‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ عبيد الله بن حفص، ولا يصح عبيد الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصوات العشار‏)‏ بكسر المهملة بعدها معجمة قال الجوهري‏:‏ العشار جمع عشراء بالضم ثم الفتح وهي الناقة الحامل التي مضت لها عشرة أشهر ولا يزال ذلك اسمها إلى أن تلد‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ العشار الحوامل من الإبل التي قاربت الولادة‏.‏
ويقال‏:‏ اللواتي أتى على حملهن عشرة أشهر، يقال ناقة عشراء ونوق عشار على غير قياس‏.‏
وسيأتي الكلام علي حديث الجذع في علامات النبوة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال سليمان عن يحيى أخبرني حفص بن عبيد الله‏)‏ أما سليمان فهو ابن بلال، وأما يحي فهو ابن سعيد، وقد وصله المصنف في علامات النبوة بهذا الإسناد، وزعم بعضهم أنه سليمان بن كثير لأنه رواه عن يحيى بن سعيد، لكن فيه نظر لأن سليمان بن كثير قال فيه عن يحيى عن سعيد بن المسيب عن جابر كذلك أخرجه الدارمي عن محمد بن كثير عن أخيه سليمان، فإن كان محفوظا فليحيى بن سعيد فيه شيخان والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يخطب على المنبر‏)‏ هذا القدر هو المقصود إيراده في هذا الباب، وقد تقدم الكلام على المتن في ‏"‏ باب فضل الغسل يوم الجمعة ‏"‏ ويستفاد منه أن للخطيب تعليم الأحكام على المنبر‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:36 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n107&p1#TOP)باب الْخُطْبَةِ قَائِمًا
وَقَالَ أَنَسٌ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَائِمًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الخطبة قائما‏)‏ قال ابن المنذر الذي حمل عليه جل أهل العلم من علماء الأمصار ذلك، ونقل غيره عن أبي حنيفة أن القيام في الخطبة سنة وليس بواجب، وعن مالك رواية أنه واجب، فإن تركه أساء وصحت الخطبة، وعند الباقين أن القيام في الخطبة يشترط للقادر كالصلاة، واستدل للأول بحديث أبي سعيد الآتي في المناقب ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله ‏"‏ وبحديث سهل الماضي قبل ‏"‏ مري غلامك يعمل لي أعوادا أجلس عليها ‏"‏ والله الموفق‏.‏
وأجيب عن الأول أنه كان في غير خطبة الجمعة، وعن الثاني باحتمال أن تكون الإشارة إلى الجلوس أول ما يصعد وبين الخطبتين، واستدل للجمهور بحديث جابر بن سمرة المذكور وبحديث كعب بن عجرة أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أبي الحكم يخطب قاعدا، فأنكر عليه وتلا ‏(‏وتركوك قائما‏)‏ وفي رواية ابن خزيمة ما رأيت كاليوم قط إماما يؤم المسلمين يخطب وهو جالس، يقول ذلك مرتين ‏"‏ وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس ‏"‏ خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وأبو بكر وعمر وعثمان، وأول من جلس على المنبر معاوية ‏"‏ وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على القيام، وبمشروعية الجلوس بين الخطبتين، فلو كان القعود مشروعا في الخطبتين ما احتيج إلى الفصل بالجلوس، ولأن الذي نقل عنه القعود كان معذورا‏.‏
فعند ابن أبي شيبة من طريق الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعدا لما كثر شحم بطنه ولحمه، وأما من احتج بأنه لو كان شرطا ما صلى من أنكر ذلك مع القاعد فجوابه أنه محمول على أن من صنع ذلك خشي الفتنة، أو أن الذي قعد قعد باجتهاد كما قالوا في إتمام عثمان الصلاة في السفر، وقد أنكر ذلك ابن مسعود ثم إنه صلى خلفه فأتم معه واعتذر بأن الخلاف شر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس الخ‏)‏ هو طرف من حديث الاستسقاء أيضا وسيأتي في بابه‏.‏
ثم أورد في الباب حديث ابن عمر، وقد ترجم له بعد بابين ‏"‏ القعدة بين الخطبتين ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه ثم‏.‏
وفي الباب حديث جابر بن سمره ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب ‏"‏ أخرجه مسلم، وهو أصرح في المواظبة من حديث ابن عمر إلا أن إسناده ليس على شرط البخاري‏.‏
وروى ابن أبي شيبه من طريق طاوس قال ‏"‏ أول من خطب قاعدا معاوية حين كثر شحم بطنه ‏"‏ وهذا مرسل، يعضده ما روى سعيد بن منصور عن الحسن قال ‏"‏ أول من استراح في الخطبة يوم الجمعة عثمان، وكان إذا أعي جلس ولم يتكلم حتى يقوم، وأول من خطب جالسا معاوية ‏"‏ وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يخطبون يوم الجمعة، حتى شق على عثمان القيام فكان يخطب قائما ثم يجلس، فلما كان معاوية خطب الأولى جالسا والأخرى قائما ‏"‏ ولا حجة في ذلك لمن أجاز الخطبة قاعدا لأنه تبين أن ذلك للضرورة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n107&p1#TOP)باب يَسْتَقْبِلُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ وَاسْتِقْبَالِ النَّاسِ الْإِمَامَ إِذَا خَطَبَ
وَاسْتَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْإِمَامَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب استقبال الناس الإمام إذا خطب‏)‏ زاد في رواية كريمة في أول الترجمة ‏"‏ يستقبل الإمام القوم ‏"‏ ولم يبت الحكم وهو مستحب عند الجمهور، وفي وجه يجب، جزم به أبو الطيب الطبري من الشافعية فإن فعل أجزأ، وقيل لا، ذكره الشاشي، ونقل في شرح المهذب أن الالتفات يمينا وشمالا مكروه اتفاقا إلا ما حكى عن بعض الحنفية فقال أكثرهم‏:‏ لا يصح، ومن لازم الاستقبال استدبار الإمام القبلة، واغتفر لئلا يصير مستدبر القوم الذين يعظهم ومن حكمة استقبالهم للإمام التهيؤ لسماع كلامه وسلوك الأدب معه في استماع كلامه، فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه كان أدعى لتفهم موعظته وموافقته فيما شرع له القيام لأجله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏واستقبل ابن عمر وأنس الإمام‏)‏ أما ابن عمر فرواه البيهقي من طريق الوليد بن مسلم قال‏:‏ ذكرت لليث بن سعد فأخبرني عن ابن عجلان أنه أخبره عن نافع أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام، فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله‏.‏
وأما أنس فرويناه في نسخة نعيم صلى الله عليه وسلم ابن حماد بإسناد صحيح عنه أنه كان إذا أخذ الإمام في الخطبة يوم الجمعة يستقبله بوجهه حتى يفرغ من الخطبة، ورواه ابن المنذر من وجه آخر ‏"‏ عن أنس أنه جاء يوم الجمعة فاستند إلى الحائط واستقبل الإمام ‏"‏ قال ابن المنذر‏:‏ لا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء‏.‏
وحكى غيره عن سعيد بن المسيب والحسن شيئا محتملا‏.‏
وقال الترمذي‏:‏ لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، يعني صريحا‏.‏
وقد استنبط المصنف من حديث أبي سعيد ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله ‏"‏ مقصود الترجمة، وهو طرف من حديث طويل سيأتي بهذا الإسناد في كتاب الزكاة في باب الصدقة على اليتامى، ويأتي الكلام عليه في الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏
ووجه الدلالة منه أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضي نظرهم إليه غالبا، ولا يعكر على ذلك ما تقدم من القيام في الخطبة لأن هذا محمول على أنه كان يتحدث وهو جالس على مكان عال وهم جلوس أسفل منه، إذا كان ذلك في غير حال الخطبة كان حال الخطبة أولى لورود الأمر بالاستماع لها والإنصات عندها، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n107&p1#TOP)باب مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ أَمَّا بَعْدُ
رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَتْ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ قُلْتُ مَا شَأْنُ النَّاسِ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَقُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَيْ نَعَمْ قَالَتْ فَأَطَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِدًّا حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ وَإِلَى جَنْبِي قِرْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ فَفَتَحْتُهَا فَجَعَلْتُ أَصُبُّ مِنْهَا عَلَى رَأْسِي فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ وَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ قَالَتْ وَلَغَطَ نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَانْكَفَأْتُ إِلَيْهِنَّ لِأُسَكِّتَهُنَّ فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ قَالَتْ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ قَالَ الْمُوقِنُ شَكَّ هِشَامٌ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَآمَنَّا وَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا وَصَدَّقْنَا فَيُقَالُ لَهُ نَمْ صَالِحًا قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ إِنْ كُنْتَ لَتُؤْمِنُ بِهِ وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ قَالَ الْمُرْتَابُ شَكَّ هِشَامٌ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُ قَالَ هِشَامٌ فَلَقَدْ قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ فَأَوْعَيْتُهُ غَيْرَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا يُغَلِّظُ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قال في الخطبة بعد الثناء‏:‏ أما بعد‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ يحتمل أن تكون ‏"‏ من ‏"‏ موصولة بمعنى الذي والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم كما في أخبار الباب، ويحتمل أن تكون شرطية والجواب محذوف والتقدير فقد أصاب السنة، وعلى التقديرين فينبغي للخطباء أن يستعملوها تأسيا واتباعا ا هـ‏.‏
ملخصا‏.‏
ولم يجد البخاري في صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة حديثا على شرطه، فاقتصر على ذكر الثناء، واللفظ الذي وضع للفصل بينه وبين ما بعده من موعظة ونحوها‏.‏
قال سيبويه‏:‏ أما بعد معناها مهما يكن من شيء بعد‏.‏
وقال أبو إسحاق هو الزجاج‏:‏ إذا كان الرجل في حديث فأراد أن يأتي بغيره قال أما بعد، وهو مبني على الضم لأنه من الظروف المقطوعة عن الإضافة، وقيل التقدير أما الثناء على الله فهو كذا، وأما بعد فكذا‏.‏
ولا يلزم في قسمه أن يصرح بلفظ، بل يكفي ما يقوم مقامه‏.‏
واختلف في أول من قالها، فقيل داود عليه السلام رواه الطبراني مرفوعا من حديث أبي موسى الأشعري وفي إسناده ضعف، وروى عبد بن حميد والطبراني عن الشعبي موقوفا أنها فضل الخطاب الذي أعطيه داود، وأخرجه سعيد بن منصور من طريق الشعبي فزاد فيه عن زياد بن سمية‏.‏
وقيل أول من قالها يعقوب رواه الدار قطني بسند رواه في غرائب مالك‏.‏
وقيل أول من قالها يعرب بن قحطان، وقيل كعب بن لؤي أخرجه القاضي أبو أحمد الغساني صلى الله عليه وسلم من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بسند ضعيف‏.‏
وقيل سحبان بن وائل‏.‏
وقيل قس بن ساعدة، والأول أشبه‏.‏
ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة إلى الأولية المحضة، والبقية بالنسبة إلى العرب خاصة، ثم يجمع بينها بالنسبة إلى القبائل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه عكرمة عن ابن عباس‏)‏ سيأتي موصولا آخر الباب‏.‏
ثم أورد في الباب أيضا ستة أحاديث ظاهرة المناسبة لما ترجم له‏:‏ أولها حديث أسماء بنت أبي بكر في كسوف الشمس، وفيه ‏"‏ فحمد الله بما هو أهله ثم قال‏:‏ أما بعد ‏"‏ ثم ذكر قصة فتنة القبر، وسيأتي الكلام عليه في الكسوف، وذكره هنا عن محمود وهو ابن غيلان أحد شيوخه بصيغة ‏"‏ قال محمود ‏"‏ وكلام أبي نعيم في المستخرج يشعر بأنه قال ‏"‏ حدثنا محمود‏"‏‏.‏
ثانيها حديث عمرو بن تغلب - وهو بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة - وفيه ‏"‏ فحمد الله ثم أثنى عليه ثم قال‏:‏ أما بعد ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه في كتاب الخمس، ووقع هنا في بعض النسخ ‏"‏ تابعه يونس ‏"‏ وهو ابن عبيد‏.‏
وقد وصله أبو نعيم في مسند يونس بن عبيد له بإسناده عنه عن الحسن عن عمرو‏.‏
ثالثها حديث عائشة في قصة صلاة الليل وفيه ‏"‏ فتشهد ثم قال أما بعد ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه في أبواب التطوع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ تَابَعَهُ يُونُسُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعة يونس‏)‏ هو ابن يزيد؛ وقد وصله مسلم من طريقه بتمامه، وكلام المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ يدل على أن يونس إنما تابع شعيبا في ‏"‏ أما بعد ‏"‏ فقط وليس كذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ أَمَّا بَعْدُ تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه الزبيدي‏)‏ وصله الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه عن الزهري بتمامه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ قَالَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفًا مِلْحَفَةً عَلَى مَنْكِبَيْهِ قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَيَّ فَثَابُوا إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ الْأَنْصَارِ يَقِلُّونَ وَيَكْثُرُ النَّاسُ فَمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَضُرَّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعَ فِيهِ أَحَدًا فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيِّهِمْ
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس قال ‏"‏ صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر وكان - أي صعوده - آخر مجلس جلسه ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فحمد الله وأثنى عليه ‏"‏ وفيه ‏"‏ ثم قال أما بعد ‏"‏ وسيأتي في فضائل الأنصار بتمامه، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى‏.‏
وفي الباب مما لم يذكره عن عائشة في قصة الإفك، وعن أبي سفيان في الكتاب إلى هرقل متفق عليهما، وعن جابر قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فيقول‏:‏ أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏
وفي رواية له عنه ‏"‏ كان خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ يقول‏:‏ أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله ‏"‏ وهذا أليق بمراد المصنف للتنصيص فيه على الجمعة، لكنه ليس على شرطه كما قدمناه‏.‏
ويستفاد من هذه الأحاديث أن ‏"‏ أما بعد ‏"‏ لا تختص بالخطب، بل تقال أيضا في صدور الرسائل والمصنفات، ولا اقتصار عليها في إرادة الفصل بين الكلامين، بل ورد في القرآن في ذلك لفظ ‏"‏ هذا وأن ‏"‏ صلى الله عليه وسلم وقد كثر استعمال المصنفين لها بلفظ ‏"‏ وبعد ‏"‏ ومنهم من صدر بها كلامه فيقول في أول الكتاب ‏"‏ أما بعد حمد الله فإن الأمر ‏"‏ كذا ولا حجر في ذلك‏.‏
وقد تتبع طرق الأحاديث التي وقع فيها ‏"‏ أما بعد ‏"‏ الحافظ عبد القادر الرهاوي في خطبة الأربعين المتباينة له فأخرجه عن اثنين وثلاثين صحابيا‏.‏
منها ما أخرجه من طريق ابن جريج عن محمد بن سيرين عن المسور بن مخرمة ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب خطبة قال‏:‏ أما بعد ‏"‏ ورجاله ثقات، وظاهره المواظبة على ذلك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n107&p1#TOP)باب الْقَعْدَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القعدة بين الخطبتين‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يصرح بحكم الترجمة لأن مستند ذلك الفعل ولا عموم له ا هـ‏.‏
ولا اختصاص بذلك لهذه الترجمة فإنه لم يصرح بحكم غيرها من أحكام الجمعة، وظاهر صنيعه أنه يقول بوجوبها كما يقول به في أصل الخطبة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يخطب خطبتين يقعد بينهما‏)‏ مقتضاه أنه كان يخطبهما قائما، وصرح به في رواية خالد بن الحارث المتقدمة قبل ببابين ولفظه ‏"‏ كان يخطب قائما ثم يقعد ثم يقوم ‏"‏ وللنسائي والدار قطني من هذا الوجه ‏"‏ كان يخطب خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس ‏"‏ وغفل صاحب العمدة فعزا هذا اللفظ للصحيحين، ورواه أبو داود بلفظ ‏"‏ كان يخطب خطبتين‏:‏ كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن، ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب ‏"‏ واستفيد من هذا أن حال الجلوس بين الخطبتين لا كلام فيه، لكن ليس فيه نفي أن يذكر الله أو يدعوه سرا‏.‏
واستدل به الشافعي في إيجاب الجلوس بين الخطبتين لمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك مع قوله ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي‏"‏‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ يتوقف ذلك على ثبوت أن إقامة الخطبتين داخل تحت كيفية الصلاة، وإلا فهو استدلال بمجرد الفعل‏.‏
وزعم الطحاوي أن الشافعي تفرد بذلك، وتعقب بأنه محكي عن مالك أيضا في رواية، وهو المشهور عن أحمد نقله شيخنا في شرح الترمذي، وحكى ابن المنذر أن بعض العلماء عارض الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم واظب على الجلوس قبل الخطبة الأولى، فإن كانت مواظبته دليلا على شرطية الجلسة الوسطى فلتكن دليلا على شرطية الجلسة الأولى، وهذا متعقب بأن جل الروايات عن ابن عمر ليست فيها هذه الجلسة الأولى وهي من رواية عبد الله العمري المضعف فلم تثبت المواظبة عليها، بخلاف التي بين الخطبتين‏.‏
وقال صاحب ‏"‏ المغني ‏"‏‏:‏ لم يوجبها أكثر أهل العلم لأنها جلسة ليس فيها ذكر مشروع فلم تجب، وقدرها من قال بوجوبها بقدر جلسة الاستراحة وبقدر ما يقرأ سورة الإخلاص‏.‏
واختلف في حكمتها فقيل‏:‏ للفصل بين الخطبتين، وقيل للراحة وعلى الأول - وهو الأظهر - يكفي السكوت بقدرها، ويظهر أثر الخلاف أيضا فيمن خطب قاعدا لعجزه عن القيام‏.‏
وقد ألزم الطحاوي من قال بوجوب الجلوس بين الخطبتين أن يوجب القيام في الخطبتين، لأن كلا منهما اقتصر على فعل شيء واحد‏.‏
وتعقبه الزين بن المنير‏.‏
وبالله التوفيق‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:38 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n108&p1#TOP)باب الِاسْتِمَاعِ إِلَى الْخُطْبَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستماع‏)‏ أي الإصغاء للسماع، فكل مستمع سامع من غير عكس، وأورد المصنف فيه حديث كتابة الملائكة من يبكر يوم الجمعة، وفيه ‏"‏ فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه مستوفي في ‏"‏ باب فضل الجمعة ‏"‏ وفيه إشارة إلى أن من الكلام من ابتداء الإمام في الخطبة لأن الاستماع لا يتجه إلا إذا تكلم‏.‏
وقالت الحنفية‏:‏ يحرم الكلام من ابتداء خروج الإمام، وورد فيه حديث ضعيف سنذكره في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n108&p1#TOP)باب إِذَا رَأَى الْإِمَامُ رَجُلًا جَاءَ وَهُوَ يَخْطُبُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين‏)‏ أي إذا كان لم يصلهما قبل أن يراه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن جابر بن عبد الله‏)‏ صرح في الباب الذي يليه بسماع عمرو له من جابر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل‏)‏ هو سليك بمهملة مصغرا ابن هدية وقيل ابن عمرو الغطفاني بفتح المعجمة ثم المهملة بعدها فاء من غطفان بن سعد بن قيس عيلان، ووقع مسمى في هذه القصة عند مسلم من رواية الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بلفظ ‏"‏ جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فقعد سليك قبل أن يصلي، فقال له‏:‏ أصليت ركعتين‏؟‏ فقال‏:‏ لا‏.‏
فقال‏:‏ قم فاركعهما ‏"‏ ومن طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر نحوه وفيه ‏"‏ فقال له‏:‏ يا سليك، قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما ‏"‏ هكذا رواه حفاظ أصحاب الأعمش عنه، ووافقه الوليد أبو بشر عن أبي سفيان عند أبي داود والدار قطني، وشذ منصور أبي الأسود عن الأعمش بهذا الإسناد فقال ‏"‏ جاء النعمان بن نوفل ‏"‏ فذكر الحديث أخرجه الطبراني، قال أبو حاتم الرازي‏:‏ وهم فيه منصور يعني في تسمية الآتي، وقد رواه الطحاوي من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال‏:‏ سمعت أبا صالح يحدث بحديث سليك الغطفاني، ثم سمعت أبا سفيان يحدث به عن جابر، فتحرر أن هذه القصة لسليك‏.‏
وروى الطبراني أيضا من طريق أبي صالح عن أبي ذر ‏"‏ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال لأبي ذر‏:‏ صليت ركعتين‏؟‏ قال‏:‏ لا ‏"‏ الحديث، وفي إسناده ابن لهيعة، وشذ بقوله ‏"‏ وهو يخطب ‏"‏ فإن الحديث مشهور عن أبي ذر أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، أخرجه ابن حبان وغيره‏.‏
وأما ما رواه الدار قطني من حديث أنس قال ‏"‏ دخل رجل من قيس المسجد ‏"‏ فذكر نحو قصة سليك، فلا يخالف كونه سليكا فإن غطفان من قيس كما تقدم، وإن كان بعض شيوخنا غاير بينهما وجوز أن تكون الواقعة تعددت فإنه لم يتبين لي ذلك‏.‏
واختلف فيه على الأعمش اختلافا آخر رواه‏.‏
الثوري عنه عن أبي سفيان عن جابر عن سليك فجعل الحديث من مسند سليك، قال ابن عدي‏:‏ لا أعلم أحدا قاله عن الثوري هكذا غير الفريابي وإبراهيم بن خالد ا هـ‏.‏
وقد قاله عنه أيضا عبد الرزاق، أخرجه هكذا في مصنفه وأحمد عنه وأبو عوانة والدار قطني من طريقه، ونقل ابن هدي عن النسائي أنه قال‏:‏ هذا خطأ ا هـ‏.‏
والذي يظهر لي أنه ما عني أن جابرا حمل القصة عن سليك، وإنما معناه أن جابرا حدثهم عن قصة سليك، ولهذا نظير سأذكره في حديث أبي مسعود في قصة أبي شعيب اللحام في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى‏.‏
ومن المستغربات ما حكاه ابن بشكوال في المبهمات أن الداخل المذكور يقال له أبو هدية، فإن كان محفوظا فلعلها كنية سليك صادفت اسم أبيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال صليت‏؟‏‏)‏ كذا للأكثر بحذف همزة الاستفهام وثبت في رواية الأصيلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قم فاركع‏)‏ زاد المستملي والأصيلي ‏"‏ ركعتين ‏"‏ وكذا في رواية سفيان في الباب الذي بعده ‏"‏ فصل ركعتين‏"‏، واستدل به على أن الخطبة لا تمنع الداخل من صلاة تحية المسجد، وتعقب بأنها واقعة عين لا عموم لها فيحتمل اختصاصها بسليك، ويدل عليه قوله في حديث أبي سعيد الذي أخرجه أصحاب السنن وغيرهم ‏"‏ جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب والرجل في هيئة بذة، فقال له‏:‏ أصليت‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ صل ركعتين، وحض الناس على الصدقة ‏"‏ الحديث فأمره أن يصلي ليراه بعض الناس وهو قائم فيتصدق عليه، ويؤيده أن في هذا الحديث عند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ إن هذا الرجل دخل المسجد في هيئه بذة فأمرته أن يصلي ركعتين وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه ‏"‏ وعرف بهذه الرواية الرد على من طعن في هذا التأويل فقال‏:‏ لو كان كذلك لقال لهم‏:‏ إذا رأيتم ذا بذة فتصدقوا عليه، أو إذا كان أحد ذا بذة فليقم فليركع حتى يتصدق الناس عليه‏.‏
والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتني في مثل هذا بالإجمال دون التفصيل كما كان يصنع عند المعاتبة، ومما يضعف الاستدلال به أيضا على جواز التحية في تلك الحال أنهم أطلقوا أن التحية تفوت بالجلوس، وورد أيضا ما يؤكد الخصوصية وهو قوله صلى الله عليه وسلم لسليك في آخر الحديث ‏"‏ لا تعودن لمثل هذا ‏"‏ أخرجه ابن حبان، انتهى ما اعتل به من طعن في الاستدلال بهذه القصة على جواز التحية، وكله مردود، لأن الأصل عدم الخصوصية‏.‏
والتعليل بكونه صلى الله عليه وسلم قصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية، فإن المانعين منها لا يجيزون التطوع لعلة التصدق، قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ لو ساغ ذلك لساغ مثله في التطوع عند طلوع الشمس وسائر الأوقات المكروهة ولا قائل به، ومما يدل على أن أمره بالصلاة لم ينحصر في قصد التصدق معاودته صلى الله عليه وسلم بأمره بالصلاة أيضا في الجمعة الثانية بعد أن حصل له في الجمعة الأولى ثوبين فدخل بهما في الثانية فتصدق بأحدهما فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أخرجه النسائي وابن خزيمة من حديث أبي سعيد أيضا، ولأحمد وابن حبان أنه كرر أمره بالصلاة ثلاث مرات في ثلاث جمع، فدل على أن قصد التصدق عليه جزء عله لا علة كاملة‏.‏
وأما إطلاق من أطلق أن التحية تفوت بالجلوس فقد حكى النووي في شرح مسلم عن المحققين أن ذلك في حق العامد العالم، أما الجاهل أو الناسي فلا، وحال هذا الداخل محمولة في الأولى على أحدهما وفي المرتين الأخريين على النسيان، والحامل للمانعين على التأويل المذكور أنهم زعموا أن ظاهره معارض للأمر بالإنصات والاستماع للخطبة، قال ابن العربي‏:‏ عارض قصة سليك ما هو أقوى منها كقوله تعالى ‏(‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا‏)‏ وقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت ‏"‏ متفق عليه، قال‏:‏ فإذا امتنع الأمر بالمعروف وهو أمر اللاغي بالإنصات مع قصر زمنه فمنع التشاغل بالتحية مع طول زمنها أولى‏.‏
وعارضوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الذي دخل يتخطى رقاب الناس ‏"‏ اجلس فقد آذيت ‏"‏ أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث عبد الله بن بشر، قالوا‏:‏ فأمره بالجلوس ولم يأمره بالتحية‏.‏
وروى الطبراني من حديث ابن عمر رفعه ‏"‏ إذا دخل أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام ‏"‏ والجواب عن ذلك كله أن المعارضة التي تئول إلى إسقاط أحد الدليلين إنما يعمل بها عند تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن أما الآية فليست الخطبة كلها قرآنا، وأما ما فيها من القرآن فالجواب عنه كالجواب عن الحديث وهو تخصيص عمومه بالداخل، وأيضا فمصلي التحية يجوز أن يطلق عليه أنه منصت، فقد تقدم في افتتاح الصلاة من حديث أبي هريرة أنه قال ‏"‏ يا رسول الله سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه‏؟‏ ‏"‏ فأطلق على القول‏:‏ سرا السكوت، وأما حديث ابن بشر فهو أيضا واقعة عين لا عموم فيها، فيحتمل أن يكون ترك أمره بالتحية قبل مشروعيتها، وقد عارض بعضهم في قصة سليك بمثل ذلك، ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون قوله له ‏"‏ اجلس ‏"‏ أي بشرطه، وقد عرف قوله للداخل ‏"‏ فلا تجلس حتى تصلي ركعتين ‏"‏ فمعنى قوله اجلس أي لا تتخط، أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز فإنها ليست واجبة، أو لكون دخوله وقع في أواخر الخطبة بحيث ضاق الوقت عن التحية، وقد اتفقوا على استثناء هذه الصورة‏.‏
ويحتمل أن يكون صلى التحية في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة فوقع منه التخطي فأنكر عليه‏.‏
والجواب عن الحديث ابن عمر بأنه ضعيف فيه أيوب بن نهيك وهو منكر الحديث، قاله أبو زرعة وأبو حاتم الأحاديث الصحيحة لا تعارض بمثله‏.‏
وأما قصة سليك فقد ذكر الترمذي أنها أصح شيء روى في هذا الباب وأقوى، وأجاب المانعون أيضا بأجوبة غير ما تقدم، اجتمع لنا منها زيادة على عشرة أوردتها ملخصة مع الجواب عنها لتستفاد‏:‏ ‏(‏الأول‏)‏ قالوا‏:‏ إنه صلى الله عليه وسلم لما خاطب سليكا سكت عن خطبته حتى فرغ سليك من صلاته، فعلى هذا فقد جمع سليك بين سماع الخطبة وصلاة التحية، فليس فيه حجة لمن أجاز التحية والخطيب يخطب، والجواب أن الدار قطني الذي أخرجه من حديث أنس قد ضعفه وقال‏:‏ إن الصواب أنه من رواية سليمان التيمي مرسلا أو معضلا، وقد تعقبه ابن المنير في الحاشية بأنه لو ثبت لم يسغ على قاعدتهم، لأنه يستلزم جواز قطع الخطبة لأجل الداخل، والعمل عندهم لا يجوز قطعه بعد الشروع فيه لا سيما إذا كان واجبا‏.‏
‏(‏الثاني‏)‏ قيل‏:‏ لما تشاغل النبي صلى الله عليه وسلم بمخاطبة سليك سقط فرض الاستماع عنه، إذ لم يكن منه حينئذ خطبة لأجل تلك المخاطبة، قاله ابن العربي وادعى أنه أقوى الأجوبة‏.‏
وتعقب بأنه من أضعفها لأن المخاطبة لما انقضت رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خطبته، وتشاغل سليك بامتثال ما أمره به من الصلاة، فصح أنه صلى في حال الخطبة‏.‏
‏(‏الثالث‏)‏ ‏:‏ قيل كانت هذه القصة قبل شروعه صلى الله عليه وسلم في الخطبة، ويدل عليه قوله في رواية الليث عند مسلم ‏"‏ والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر ‏"‏ وأجيب بأن القعود على المنبر لا يختص بالابتداء، بل يحتمل أن يكون بين الخطبتين أيضا، فيكون كلمه بذلك وهو قاعد، فلما قام ليصلي قام النبي صلى الله عليه وسلم لخطبة لأن زمن القعود بين الخطبتين لا يطول‏.‏
ويحتمل أيضا أن يكون الراوي تجوز في قوله ‏"‏ قاعد ‏"‏ لأن الروايات الصحيحة كلها مطبقة على أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب‏.‏
‏(‏الرابع‏)‏ قيل‏:‏ كانت هذه القصة قبل تحريم الكلام في الصلاة، وتعقب بأن سليكا متأخر الإسلام جدا وتحريم الكلام متقدم جدا كما سيأتي في موضعه في أواخر الصلاة، فكيف يدعي نسخ المتأخر بالمتقدم مع أن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وقيل‏:‏ كانت قبل الأمر بالإنصات، وقد تقدم الجواب عنه، وعورض هذا الاحتمال بمثله في الحديث الذي استدلوا به وهو ما أخرجه الطبراني عن ابن عمر ‏"‏ إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام ‏"‏ لاحتمال أن يكون ذلك قبل الأمر بصلاة التحية، والأولى في هذا أن يقال على تقدير تسليم ثبوت رفعه‏:‏ يخص عمومه بحديث الأمر بالتحية خاصة كما تقدم‏.‏
‏(‏الخامس‏)‏ قيل‏:‏ اتفقوا على أن منع الصلاة في الأوقات المكروهة يستوي فيه من كان داخل المسجد أو خارجه، وقد اتفقوا على أن من كان داخل المسجد يمتنع عليه التنفل حال الخطبة فليكن الآتي كذلك قاله الطحاوي، وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد، وما نقله من الاتفاق وافقه عليه الماوردي وغير، وقد شذ بعض الشافعية فقال‏:‏ ينبني على وجوب الإنصات، فإن قلنا به امتنع التنفل وإلا فلا‏.‏
‏(‏السادس‏)‏ قيل‏:‏ اتفقوا على أن الداخل والإمام في الصلاة تسقط عنه التحية، ولا شك أن الخطبة صلاة فتسقط عنه فيها أيضا، وتعقب بأن الخطبة ليست صلاة من كل وجه والفرق بينهما ظاهر من وجوه كثيرة، والداخل في حال الخطبة مأمور بشغل البقعة بالصلاة قبل جلوسه، بخلاف الداخل في حال الصلاة فإن إتيانه بالصلاة التي أقيمت يحصل المقصود، هذا مع تفريق الشارع بينهما فقال ‏"‏ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ‏"‏ وقد وقع في بعض طرقه ‏"‏ فلا صلاة إلا التي أقيمت ‏"‏ ولم يقل ذلك في حال الخطبة بل أمرهم فيها بالصلاة‏.‏
‏(‏السابع‏)‏ قيل‏:‏ اتفقوا على سقوط التحية عن الإمام مع كونه يجلس على المنبر مع أن له ابتداء الكلام في الخطبة دون المأموم، فيكون ترك المأموم التحية بطريق الأولى، وتعقب بأنه أيضا قياس في مقابلة النص فهو فاسد، ولأن الأمر وقع مقيدا بحال الخطبة فلم يتناول الخطيب‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ منع الكلام إنما هو لمن شهد الخطبة لا لمن خطب، فكذلك الأمر بالإنصات واستماع الخطبة‏.‏
‏(‏الثامن‏)‏ قيل‏:‏ لا نسلم أن المراد بالركعتين المأمور بهما تحية المسجد، بل يحتمل أن تكون صلاة فائته كالصبح مثلا قاله بعض الحنفية وقواه ابن المنير في الحاشية وقال‏:‏ لعله صلى الله عليه وسلم كان كشف له عن ذلك، وإنما استفهمه ملاطفة له في الخطاب، قال‏:‏ ولو كان المراد بالصلاة التحية لم يحتج إلى استفهامه لأنه قد رآه لما دخل‏.‏
وقد تولى رده ابن حبان في صحيحه فقال‏:‏ لو كان كذلك لم يتكرر أمره له بذلك مرة بعد أخرى‏.‏
ومن هذه المادة قولهم‏:‏ إنما أمره بسنة الجمعة التي قبلها، ومستندهم قوله في قصة سليك عند ابن ماجه ‏"‏ أصليت قبل أن تجيء ‏"‏ لأن ظاهره قبل أن تجيء من البيت، ولهذا قال الأوزاعي‏:‏ إن كان صلى في البيت قبل أن يجيء فلا يصلي إذا دخل المسجد‏.‏
وتعقب بأن المانع من صلاة التحية لا يجيز التنفل حال الخطبة مطلقا، ويحتمل أن يكون معنى قبل أن تجيء أي إلى الموضع الذي أنت به الآن وفائدة الاستفهام احتمال أن يكون صلاها في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة كما تقدم في قصة الذي تخطى، ويؤكده أن في رواية لمسلم ‏"‏ أصليت الركعتين ‏"‏ بالألف واللام وهو للعهد ولا عهد هناك أقرب من تحية المسجد‏.‏
وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شيء كما سيأتي في بابه‏.‏
‏(‏التاسع‏)‏ قيل‏:‏ لا نسلم أن الخطبة المذكورة كانت للجمعة، ويدل عل أنها كانت لغيرها قوله للداخل ‏"‏ أصليت ‏"‏ لأن وقت الصلاة لم يكن دخل اهـ‏.‏
وهذا ينبني على أن الاستفهام وقع عن صلاة الفرض فيحتاج إلى ثبوت ذلك، وقد وقع في حديث الباب وفي الذي بعده أن ذلك كان يوم الجمعة فهو ظاهر في أن الخطبة كانت لصلاة الجمعة‏.‏
‏(‏العاشر‏)‏ قال جماعة منهم القرطبي‏:‏ أقوى ما اعتمده المالكية في هذه المسألة عمل أهل المدينة خلفا عن سلف من لدن الصحابة إلى عهد مالك أن التنفل في حال الخطبة ممنوع مطلقا، وتعقب بمنع اتفاق أهل المدينة على ذلك، فقد ثبت فعل التحية عن أبي سعيد الخدري وهو من فقهاء الصحابة من أهل المدينة وحمله عنه أصحابه من أهل المدينة أيضا، فروى الترمذي وابن خزيمة وصححاه عن عياض بن أبي سرح ‏"‏ أن أبا سعيد الخدري دخل ومروان يخطب فصلى الركعتين، فأراد حرس مروان أن يمنعوه فأبى حتى صلاهما ثم قال‏:‏ ما كنت لأدعهما بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بهما ‏"‏ انتهى‏.‏
ولم يثبت عن أحد من الصحابة صريحا ما يخالف ذلك‏.‏
وأما ما نقله ابن بطال عن عمر وعثمان وغير واحد من الصحابة من المنع مطلقا فاعتماده في ذلك على روايات عنهم فيها احتمال، كقول ثعلبة بن أبي مالك ‏"‏ أدركت عمر وعثمان - وكان الإمام - إذا خرج تركنا الصلاة ‏"‏ ووجه الاحتمال أن يكون ثعلبة عني بذلك من كان داخل المسجد خاصة، قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي‏:‏ كل من نقل عنه - يعني من الصحابة - منع الصلاة والإمام يخطب محمول على من كان داخل المسجد لأنه لم يقع عن أحد منهم التصريح بمنع التحية، وقد ورد فيها حديث يخصها فلا تترك بالاحتمال، انتهى‏.‏
ولم أقف على ذلك صريحا عن أحد من الصحابة‏.‏
وأما ما رواه الطحاوي ‏"‏ عن عبد الله بن صفوان أنه دخل المسجد وابن الزبير يخطب فاستلم الركن ثم سلم عليه ثم جلس ولم يركع ‏"‏ وعبد الله بن صفوان وعبد الله بن الزبير صحابيان صغيران فقد استدل به الطحاوي فقال‏:‏ لما لم ينكر ابن الزبير على ابن صفوان ولا من حضرهما من الصحابة ترك التحية دل على صحة ما قلناه، وتعقب بأن تركهم النكير لا يدل على تحريمها بل يدل على عدم وجوبها، ولم يقل به مخالفوهم‏.‏
وسيأتي في أواخر الكلام على هذا الحديث البحث في أن صلاة التحية هل تعم كل مسجد، أو يستثنى المسجد الحرام لأن تحيته الطواف‏؟‏ فلعل ابن صفوان كان يرى أن تحيته استلام الركن فقط‏.‏
وهذه الأجوبة التي قد قدمناها تندفع من أصلها بعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة ‏"‏ إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ‏"‏ متفق عليه، وقد تقدم الكلام عليه‏.‏
وورد أخص منه في حال الخطبة، ففي رواية شعبة عن عمرو بن دينار قال ‏"‏ سمعت جابر بن عبد الله يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب‏:‏ إذا جاء أحدكم والإمام يخطب - أو قد خرج - فليصل ركعتين ‏"‏ متفق عليه أيضا، ولمسلم من طريق أبي سفيان عن جابر أنه قال ذلك في قصة سليك ولفظه بعد قوله فاركعهما وتجوز فيهما ‏"‏ ثم قال‏:‏ إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما ‏"‏ قال النووي‏:‏ هذا نص لا يتطرق إليه التأويل ولا أظن عالما يبلغه هذا اللفظ ويعتقده صحيحا فيخالفه‏.‏
وقال أبو محمد بن أبي جمرة‏:‏ هذا الذي أخرجه مسلم نص في الباب لا يحتمل التأويل‏.‏
وحكى ابن دقيق العيد أن بعضهم تأول هذا العموم بتأويل مستكره، وكأنه يشير إلى بعض ما تقدم من ادعاء النسخ أو التخصيص‏.‏
وقد عارض بعض الحنفية الشافعية بأنهم لا حجة لهم في قصة سليك، لأن التحية عندهم تسقط بالجلوس، وقد تقدم جوابه‏.‏
وعارض بعضهم بحديث أبي سعيد رفعه ‏"‏ لا تصلوا والإمام يخطب ‏"‏ وتعقب بأنه لا يثبت، وعلى تقدير ثبوته فيخص عمومه بالأمر بصلاة التحية‏.‏
وبعضهم بأن عمر لم يأمر عثمان بصلاة التحية مع أنه أنكر عليه الاقتصار على الوضوء، وأجيب باحتمال أن يكون صلاهما‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز صلاة التحية في الأوقات المكروهة، لأنها إذا لم تسقط في الخطبة الأمر بالإنصات لها فغيرها أولى‏.‏
وفيه أن التحية لا تفوت بالقعود، لكن قيده بعضهم بالجاهل أو الناسي كما تقدم، وأن للخطيب أن يأمر في خطبته وينهي ويبين الأحكام المحتاج إليها، ولا يقطع ذلك التوالي المشترط فيها، بل لقائل أن يقول كل ذلك بعد من الخطبة‏.‏
واستدل به على أن المسجد شرط للجمعة للاتفاق على أنه لا تشرع التحية لغير المسجد وفيه نطر‏.‏
واستدل به على جواز رد السلام وتشميت العاطس في حال الخطبة لأن أمرهما أخف وزمنهما أقصر ولا سيما رد السلام فإنه واجب، وسيأتي البحث في ذلك بعد ثلاثة أبواب‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قيل يخص عموم حديث الباب بالداخل في آخر الخطبة كما تقدم، قال الشافعي‏:‏ أرى للإمام أن يأمر الآتي بالركعتين ويزيد في كلامه ما يمكنه الإتيان بهما قبل إقامة الصلاة، فإن لم يفعل كرهت ذلك‏.‏
وحكى النووي عن المحققين أن المختار إن لم يفعل أن يقف حتى تقام الصلاة لئلا يكون جالسا بغير تحيه أو متنفلا حال إقامة الصلاة‏.‏
واستثنى المحاملي المسجد الحرام لأن تحيته الطواف، وفيه نظر لطول زمن الطواف بالنسبة إلى الركعتين‏.‏
والذي يظهر من قولهم إن تحية المسجد الحرام الطواف إنما هو في حق القادم ليكون أول شيء يفعله الطواف، وأما المقيم فحكم المسجد الحرام وغيره في ذلك سواء، ولعل قول من أطلق أنه يبدأ في المسجد الحرام بالطواف لكون الطواف يعقبه صلاة الركعتين فيحصل شغل البقعة بالصلاة غالبا وهو المقصود، ويختص المسجد الحرام بزيادة الطواف، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:39 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n108&p1#TOP)باب مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ لم يقع في الحديث الذي ذكره التقييد بكونهما خفيفتين‏.‏
قلت‏:‏ هو كما قال، إلا أن المصنف جرى على عادته في الإشارة إلى ما في بعض طرق الحديث وهو كذلك، وقد أخرجه أبو قرة في السنن عن الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بلفظ ‏"‏ قم فاركع ركعتين خفيفتين ‏"‏ وقد تقدم أنه عند مسلم بلفظ ‏"‏ وتجوز فيهما‏"‏‏.‏
وقال الزين بن المنير ما ملخصه‏:‏ في الترجمة الأولى أن الأمر بالركعتين يتقيد برؤية الإمام الداخل في حال الخطبة بعد أن يستفسره هل صلي أم لا‏؟‏ وذلك كله خاص بالخطيب، وأما حكم الداخل فلا يتقيد بشيء من ذلك، بل يستحب له أن يصلي تحية المسجد، فأشار المصنف إلى ذلك كله بالترجمة الثانية بعد الأولى، مع أن الحديث فيهما واحد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ أَصَلَّيْتَ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار، ووقع التصريح بسماع سفيان منه في هذا الحديث في مسند الحميدي، وهو عند أبي نعيم في المستخرج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صليت‏)‏ كذا للأكثر أيضا بحذف الهمزة، وثبتت لكريمة وللمستملي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال فصل‏)‏ زاد في رواية أبي ذر ‏"‏ قال قم فصل‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n108&p1#TOP)باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع اليدين في الخطبة‏)‏ أورد فيه طرفا من حديث أنس في قصة الاستسقاء، وقد ساقه المصنف بتمامه في علامات النبوة من هذا الوجه، وهو مطابق للترجمة، وفيه إشارة إلى أن حديث عمارة ابن رويبة الذي أخرجه مسلم في إنكار ذلك ليس على إطلاقه لكن قيد مالك الجواز بدعاء الاستسقاء كما في هذا الحديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ يُونُسَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَهَلَكَ الشَّاءُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن يونس عن ثابت‏)‏ يونس هو ابن عبيد، وهو معطوف على الإسناد المذكور، والتقدير‏:‏ وحدثنا مسدد أيضا عن حماد بن زيد عن يونس‏.‏
وقد أخرجه أبو داود عن مسدد أيضا بالإسنادين معا، وأخرجه البزار أيضا من طريق مسدد وقال‏:‏ تفرد به حماد بن زيد عن يونس بن عبيد‏.‏
والرجال من الطريقين كلهم بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فمد يديه ودعا‏)‏ في الحديث الذي بعده ‏"‏ فرفع يديه ‏"‏ كلفظ الترجمة، وكأنه أراد أن يبين أن المراد بالرفع هنا المد، لا كالرفع الذي في الصلاة‏.‏
وسيأتي في كتاب الدعوات صفة رفع اليدين في الدعاء، فإن في رفعهما في دعاء الاستسقاء صفة زائدة على رفعهما في غيره، وعلى ذلك يحمل حديث أنس ‏"‏ لم يكن يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء ‏"‏ وأنه أراد الصفة الخاصة بالاستسقاء، ويأتي بشيء من ذلك في الاستسقاء أيضا إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n108&p1#TOP)باب الِاسْتِسْقَاءِ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة‏)‏ أورد فيه الحديث المذكور مطولا من وجه آخر عن أنس، وهو مطابق للترجمة أيضا وفيه الاكتفاء في الاستسقاء بخطبة الجمعة وصلاتها، ويأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب الاستسقاء إن شاء الله تعالى‏.‏
واستدل به على جواز الكلام في الخطبة كما سيأتي في الباب الذي بعده‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n108&p1#TOP)باب الْإِنْصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَإِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا
وَقَالَ سَلْمَانُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب‏)‏ أشار بهذا إلى الرد على من جعل وجوب الإنصات من خروج الإمام، لأن قوله في الحديث ‏"‏ والإمام يخطب ‏"‏ جملة حالية يخرج ما قبل خطبته من حين خروجه وما بعده إلى أن يشرع في الخطبة‏:‏ نعم الأولى أن ينصت كما تقدم الترغيب فيه في ‏"‏ باب فضل الغسل للجمعة ‏"‏ وأما حال الجلوس بين الخطبتين فحكى صاحب ‏"‏ المغني ‏"‏ عن العلماء فيه قولين بناء على أنه غير خاطب، أو أن زمن سكوته قليل فأشبه السكوت للتنفس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا‏)‏ هو كلفظ حديث الباب في بعض طرقه، وهي رواية النسائي عن قتيبة عن الليث بالإسناد المذكور ولفظه ‏"‏ من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغا ‏"‏ والمراد بالصاحب من يخاطبه بذلك مطلقا، وإنما ذكر الصاحب لكونه الغالب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال سلمان‏)‏ هو طرف من حديثه المتقدم في ‏"‏ باب الدهن للجمعة ‏"‏ وقوله ‏"‏ ينصت ‏"‏ بضم الأولى على الأفصح ويجوز الفتح‏.‏
قال الأزهري‏:‏ يقال أنصت ونصت وانتصت، قال ابن خزيمة‏:‏ المراد بالإنصات السكوت عن مكالمة الناس دون ذكر الله‏.‏
وتعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة، فالظاهر أن المراد السكوت مطلقا ومن فرق احتاج إلى دليل، ولا يلزم من تجويز التحية لدليلها الخاص جواز الذكر مطلقا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني ابن شهاب‏)‏ هكذا رواه يحيى بن بكير عن الليث، ورواه شعيب بن الليث عن أبيه فقال ‏"‏ عن عقيل عن ابن شهاب عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ عن أبي هريرة ‏"‏ أخرجه مسلم والنسائي، والطريقان معا صحيحان، وقد رواه أبو صالح عن الليث بالإسنادين معا أخرجه الطحاوي، وكذا رواه ابن جريج وغيره عن الزهري بهما أخرجه عبد الرزاق وغيره، ورواه مالك عند أبي داود وابن أبي ذئب عند ابن ماجه كلاهما عن الزهري بالإسناد الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوم الجمعة‏)‏ مفهومه أن غير يوم الجمعة بخلاف ذلك، وفيه بحث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقد لغوت‏)‏ قال الأخفش‏:‏ اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه‏.‏
وقال ابن عرفة‏:‏ اللغو السقط من القول، وقيل‏:‏ الميل عن الصواب، وقيل‏:‏ اللغو الإثم كقوله تعالى ‏(‏وإذا مروا باللغو مروا كراما‏)‏ ‏.‏
وقال الزين بن المنير اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام‏.‏
وأغرب أبو عبيد الهروي في ‏"‏ الغريب ‏"‏ فقال‏:‏ معنى لغا تكلم، كذا أطلق‏.‏
والصواب التقييد‏.‏
وقال النضر ابن شميل‏.‏
معنى لغوت خبت من الأجر، وقيل بطلت فضيلة جمعتك، وقيل صارت جمعتك ظهرا‏.‏
قلت‏:‏ أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، ويشهد للقول الأخير ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا ‏"‏ ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا ‏"‏ قال ابن وهب أحد رواته‏:‏ معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة‏.‏
ولأحمد من حديث علي مرفوعا ‏"‏ من قال صه فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له ‏"‏ ولأبي داود نحوه، ولأحمد والبزار من حديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة ‏"‏ وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر موقوفا، قال العلماء‏:‏ معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه، وحكى ابن التين عن بعض من جوز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله ‏"‏ فقد لغوت ‏"‏ أى أمرت بالإنصات من لا يجب عليه، وهو جمود شديد، لأن الإنصات لم يختلف في مطلوبيته فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيا، بل النهي عن الكلام مأخوذ من حديث الباب بدلالة الموافقة، لأنه إذا جعل قوله ‏"‏ أنصت ‏"‏ مع كونه أمرا بمعروف لغوا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوا‏.‏
وقد وقع عند أحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله ‏"‏ فقد لغوت‏:‏ عليك بنفسك ‏"‏ واستدل به على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور في حق من سمعها، وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر‏.‏
قالوا‏:‏ وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة‏.‏
وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين ولفظه‏:‏ لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها في الجمعة‏.‏
وأنه غير جائز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب‏:‏ أنصت، ونحوها، أخذا بهذا الحديث‏.‏
وروى عن الشعبي وناس قليل أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإمام في الخطبة خاصة، قال‏:‏ وفعلهم في ذلك مردود عند أهل العلم، وأحسن أحوالهم أن يقال إنه لم يبلغهم الحديث‏.‏
قلت‏:‏ للشافعي في المسألة قولان مشهوران وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا‏؟‏ فعلى الأول يحرم لا على الثاني، والثاني هو الأصح عندهم، فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام حتى شنع عليهم من شنع من المخالفين‏.‏
وعن أحمد أيضا روايتان، وعنهما أيضا التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها، ولبعض الشافعية التفرقة بين من تنعقد بهم الجمعة فيجب عليهم الإنصات دون من زاد فجعله شبيها بفروض الكفاية‏.‏
واختلف السلف إذا خطب بما لا ينبغي من القول، وعلى ذلك يحمل ما نقل عن السلف من الكلام حال الخطبة‏.‏
والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة، بخلاف غيره‏.‏
ويدل على الوجوب في حق السامع أن في حديث على المشار إليه آنفا ‏"‏ ومن دنا فلم ينصت كان عليه كفلان من الوزر ‏"‏ لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحا‏.‏
ولو كان مكروها كراهة تنزيه، وأما ما استدل به من أجاز مطلقا من قصة السائل في الاستسقاء ونحوه ففيه نظر، لأنه استدلال بالأخص على الأعم، فيمكن أن يخص عموم الأمر بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة، كما خص بعضهم منه رد السلام لوجوبه‏.‏
ونقل صاحب ‏"‏ المغني ‏"‏ الاتفاق على أن الكلام الذي يجوز في الصلاة يجوز في الخطبة كتحذير الضرير من البئر، وعبارة الشافعي‏:‏ وإذا خاف على أحد لم أر بأسا إذا لم يفهم عنه بالإيماء أن يتكلم‏.‏
وقد استثنى من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع مثل الدعاء للسلطان مثلا، بل جزم صاحب التهذيب بأن الدعاء للسلطان مكروه‏.‏
وقال النووي‏:‏ محله ما إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمور مطلوب اهـ‏.‏
ومحل الترك إذا لم يخف الضرر، وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه، والله أعلم

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:41 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n109&p1#TOP)باب السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الساعة التي في يوم الجمعة‏)‏ أي التي يجاب فيها الدعاء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الزناد‏)‏ كذا رواه أصحاب مالك في الموطأ، وثم فيه إسناد آخر إلى أبي هريرة وفيه قصة له مع عبد الله بن سلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيه ساعة‏)‏ كذا فيه مبهمة، وعينت في أحاديث أخر كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يوافقها‏)‏ أي يصادفها، وهو أعم من أن يقصد لها أو يتفق له وقوع الدعاء فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو قائم يصلي يسأل الله‏)‏ هي صفات لمسلم أعربت حالا، ويحتمل أن يكون يصلي حالا منه لاتصافه بقائم، ويسأل حال مترادفة أو متداخلة، وأفاد ابن عبد البر أن قوله ‏"‏ وهو قائم ‏"‏ سقط من رواية أبي مصعب وابن أبي أويس ومطرف والتنيسي وقتيبة وأثبتها الباقون، قال‏:‏ وهي زيادة محفوظة عن أبي الزناد من رواية مالك وورقاء وغيرهما عنه، وحكى أبو محمد بن السيد عن محمد بن وضاح أنه كان يأمر بحذفها من الحديث، وكان السبب في ذلك أنه يشكل على أصح الأحاديث الواردة في تعيين هذه الساعة، وهما حديثان أحدهما أنها من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة، والثاني أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس‏.‏
وقد احتج أبو هريرة على عبد الله بن سلام لما ذكر له القول الثاني بأنها ليست ساعة صلاة وقد ورد النص بالصلاة فأجابه بالنص الآخر أن منتظر الصلاة في حكم المصلي، فلو كان قوله ‏"‏ وهو قائم ‏"‏ عند أبي هريرة ثابتا لاحتج عليه بها لكنه سلم له الجواب وارتضاه وأفتى به بعده‏.‏
وأما إشكاله على الحديث الأول فمن جهة أنه يتناول حال الخطبة كله وليست صلاة على الحقيقة، وقد أجيب عن هذا الإشكال بحمل الصلاة على الدعاء أو الانتظار، ويحمل القيام على الملازمة والمواظبة، ويؤيد ذلك أن حال القيام في الصلاة غير حال السجود والركوع والتشهد مع أن السجود مظنة إجابة الدعاء، فلو كان المراد بالقيام حقيقته لأخرجه، فدل على أن المراد مجاز القيام وهو المواظبة ونحوها ومنه قوله تعالى ‏(‏إلا ما دمت عليه قائما‏)‏ فعلى هذا يكون التعبير عن المصلي بالقائم من باب التعبير عن الكل بالجزء، والنكتة فيه أنه أشهر أحوال الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شيئا‏)‏ أي مما يليق أن يدعو به المسلم ويسأل ربه تعالى‏.‏
وفي رواية سلمة بن علقمة عن محمد ابن سيرين عن أبي هريرة عند المصنف في الطلاق ‏"‏ يسال الله خبرا ‏"‏ ولمسلم من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة مثله، وفي حديث أبى لبابة عند ابن ماجه ‏"‏ ما لم يسأل حراما ‏"‏ وفي حديث سعد بن عبادة عند أحمد ‏"‏ ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم ‏"‏ وهو نحو الأول، وقطيعة الرحم من جملة الإثم فهو من عطف الخاص على العام للاهتمام به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأشار بيده‏)‏ كذا هنا بإبهام الفاعل‏.‏
وفي رواية أبي مصعب عن مالك ‏"‏ وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية سلمة بن علقمة التي أشرت إليها ‏"‏ ووضع أنملته على بطن الوسطى أو الخنصر قلنا يزهدها ‏"‏ وبين أبو مسلم الكجي أن الذي وضع هو بشر بن المفضل راويه عن سلمة بن علقمة، وكأنه فسر الإشارة بذلك، وأنها ساعة لطيفة تتنقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره، وبهذا يحصل الجمع بينه وبين قوله ‏"‏ يزهدها ‏"‏ أى يقللها، ولمسلم من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة ‏"‏ وهي ساعة خفيفة ‏"‏ وللطبراني في الأوسط في حديث أنس ‏"‏ وهي قدر هذا، يعني قبضة ‏"‏ قال الزين بن المنير‏:‏ الإشارة لتقليلها هو للترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها‏.‏
وقد اختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في هذه الساعة هل هي باقية أو رفعت‏؟‏ وعلى البقاء هل هي في كل جمعة أو في جمعة واحدة من كل سنة‏؟‏ وعلى الأول هل هي وقت من اليوم معين أو مبهم‏؟‏ وعلى التعيين هل تستوعب الوقت أو تبهم فيه‏؟‏ وعلى الإبهام ما ابتداؤه وما انتهاؤه‏؟‏ وعلى كل ذلك هل تستمر أو تنتقل‏؟‏ وعلى الانتقال هل تستغرق اليوم أو بعضه‏؟‏ وها أنا أذكر تلخيص ما اتصل إلى من الأقوال مع أدلتها، ثم أعود إلى الجمع بينها والترجيح‏.‏
فالأول‏:‏ أنها رفعت، حكاه ابن عبد البر عن قوم وزيفه‏.‏
وقال عياض‏:‏ رده السلف على قائله‏.‏
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن عبس مولى معاوية قال ‏"‏ قلت لأبي هريرة‏:‏ إنهم زعموا أن الساعة التي في يوم الجمعة يستجاب فيها الدعاء رفعت، فقال‏:‏ كذب من قال ذلك‏.‏
قلت‏:‏ فهي في كل جمعة‏؟‏ قال نعم ‏"‏ إسناده قوي‏.‏
وقال صاحب الهدى‏:‏ إن أراد قائله أنها كانت معلومة فرفع علمها عن الأمة فصارت مبهمة احتمل، وإن أراد حقيقتها فهو مردود على قائله، القول الثاني‏:‏ أنها موجودة لكن في جمعة واحدة من كل سنة، قاله كعب الأحبار لأبي هريرة، فرد عليه فرجع إليه، رواه مالك في الموطأ وأصحاب السنن‏.‏
الثالث‏:‏ أنها مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليله القدر في العشر‏.‏
روى ابن خزيمة والحاكم من طريق سعيد بن الحارث عن أبي سلمة ‏"‏ سألت أبا سعيد عن ساعة الجمعة فقال‏:‏ سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال‏:‏ قد أعلمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر‏"‏‏.‏
وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري فقال‏:‏ لم أسمع فيها بشيء، إلا أن كعبا كان يقول لو أن إنسانا قسم جمعة في جمع لأتى على تلك الساعة، قال ابن المنذر‏:‏ معناه أنه يبدأ فيدعو في جمعة من الجمع من أول النهار إلى وقت معلوم، ثم في جمعة أخرى يبتدئ من ذلك الوقت إلى وقت آخر حتى بأتي على آخر النهار‏.‏
قالة‏:‏ وكعب هذا هو كعب الأحبار، قال‏:‏ وروينا عن ابن عمر أنه قال‏:‏ إن طلب حاجة في يوم ليسير، قال‏:‏ معناه أنه ينبغي المداومة على الدعاء يوم الجمعة كله ليمر بالوقت الذي يستجاب فيه الدعاء انتهى‏.‏
والذي قاله ابن عمر يصلح لمن يقوى على ذلك، وإلا فالذي قاله كعب سهل على كل أحد، وقضية ذلك أنهما كانا يريان أنها غير معينة، وهو قضية كلام جمع من العلماء كالرافعي وصاحب المغني وغيرهما حيث قالوا‏:‏ يستحب أن يكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة، ومن حجة هذا القول تشبيهها بليلة القدر والاسم الأعظم في الأسماء الحسنى، والحكمة في ذلك حث العباد على الاجتهاد في الطلب واستيعاب الوقت بالعبادة، بخلاف ما لو تحقق الأمر في شيء من ذلك لكان مقتضيا للاقتصار عليه وإهمال ما عداه‏.‏
الرابع‏:‏ أنها تنتقل في يوم الجمعة ولا تلزم ساعة معينه لا ظاهرة ولا مخفية، قال الغزالي‏:‏ هذا أشبه الأقوال، وذكره الأثرم احتمالا، وجزم به ابن عساكر وغيره‏.‏
وقال المحب الطبري إنه الأظهر، وعلى هذا لا يتأتى ما قاله كعب في الجزم بتحصيلها‏.‏
الخامس‏:‏ إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة، ذكره شيخنا الحافظ أبو الفضل في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏ وشيخنا سراج الدين بن الملقن في ‏"‏ شرحه على البخاري ‏"‏ ونسباه لتخريج ابن أبي شيبة عن عائشة، وقد رواه الروياني في مسنده عنها فأطلق الصلاة ولم يقيدها‏.‏
رواه ابن المنذر فقيدها بصلاة الجمعة، والله أعلم‏.‏
السادس‏:‏ من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، رواه ابن عساكر من طريق أبي جعفر الرازي عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة، وحكاه القاضي أبو الطيب الطبري وأبو نصر بن الصباغ وعياض والقرطبي وغيرهم وعبارة بعضهم‏:‏ ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس‏.‏
السابع مثله وزاد‏:‏ ومن العصر إلى الغروب‏.‏
رواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة عن ليث ابن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة، وتابعه فضيل بن عياض عن ليث عند ابن المنذر، وليث ضعيف وقد اختلف عليه فيه كما ترى‏.‏
الثامن مثله وزاد‏:‏ وما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن يكبر رواه حميد بن زنجويه في الترغيب له من طريق عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة قال ‏"‏ التمسوا الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة في هذه الأوقات الثلاثة ‏"‏ فذكرها‏.‏
التاسع‏:‏ أنها أول ساعة بعد طلوع الشمس حكاه الجبلي في ‏"‏ شرح التنبيه ‏"‏ وتبعه المحب الطبري في شرحه‏.‏
العاشر‏:‏ عند طلوع الشمس حكاه الغزالي في الإحياء وعبر عنه الزين بن المنير في شرحه بقوله‏:‏ هي ما بين أن ترتفع الشمس شبرا إلى ذراع، وعزاه لأبي ذر‏.‏
الحادي عشر‏:‏ أنها في آخر الساعة الثالثة من النهار حكاه صاحب ‏"‏ المغني ‏"‏ وهو في مسند الإمام أحمد من طريق على بن أبي طلحة عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ يوم الجمعة فيه طبعت طينة آدم، وفي آخر ثلاث ساعات منه ساعة من دعا الله فيها استجيب له ‏"‏ وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف، وعلي لم يسمع من أبي هريرة، قال المحب الطبري‏:‏ قوله ‏"‏ في آخر ثلاث ساعات ‏"‏ يحتمل أمرين‏:‏ أحدهما أن يكون المراد الساعة الأخيرة من الثلاث الأول، ثانيهما أن يكون المراد أن في آخر كل ساعة من الثلاث ساعة إجابة، فيكون فيه تجوز لإطلاق الساعة على بعض الساعة‏.‏
الثاني عشر‏:‏ من الزوال إلى أن يصير الظل نصف ذراع حكاه المحب الطبري في الأحكام وقبله الزكي المنذري‏.‏
الثالث عشر‏:‏ مثله لكن قال أن يصير الظل ذراعا حكاه عياض والقرطبي والنووي‏.‏
الرابع عشر‏:‏ بعد زوال الشمس بشبر إلى ذراع رواه ابن المنذر وابن عبد البر بإسناد قوي إلى الحارث بن يزيد الحضرمي عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي ذر أن امرأته سألته عنها فقال ذلك، ولعله مأخذ القولين اللذين قبله‏.‏
الخامس عشر‏:‏ إذا زالت الشمس حكاه ابن المنذر عن أبي العالية، وورد نحوه في أثناء حديث عن علي، وروى عبد الرزاق من طريق الحسن أنه كان يتحراها عند زوال الشمس بسبب قصة وقعت لبعض أصحابه في ذلك، وروى ابن سعد في الطبقات عن عبيد الله بن نوفل نحو القصة، وروى ابن عساكر من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال‏:‏ كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت الشمس، وكأن مأخذهم في ذلك أنها وقت اجتماع الملائكة وابتداء دخول وقت الجمعة وابتداء الأذان ونحو ذلك‏.‏
السادس عشر‏:‏ إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة رواه ابن المنذر عن عائشة قالت ‏"‏ يوم الجمعة مثل يوم عرفة تفتح فيه أبواب السماء، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه‏.‏
قيل‏:‏ أية ساعة‏؟‏ قالت‏:‏ إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة ‏"‏ وهذا يغاير الذي قبله من حيث أن الأذان قد يتأخر عن الزوال، قال الزين بن المنير‏:‏ ويتعين حمله على الأذان الذي بين يدي الخطيب‏.‏
السابع عشر‏:‏ من الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة ذكره ابن المنذر عن أبي السوار العدوي، وحكاه ابن الصباغ بلفظ‏:‏ إلى أن يدخل الإمام الثامن عشر‏:‏ من الزوال إلى خروج الإمام حكاه القاضي أبو الطيب الطبري‏.‏
التاسع عشر‏:‏ من الزوال إلى غروب الشمس حكاه أبو العباس أحمد بن علي بن كشاسب الدزماري وهو بزاي ساكنة وقبل ياء النسب راء مهملة في نكته على التنبيه عن الحسن ونقله عنه شيخنا سراج الدين ابن الملقن في شرح البخاري، وكان الدزماري المذكور في عصر ابن الصلاح‏.‏
العشرون‏:‏ ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة رواه ابن المنذر عن الحسن‏.‏
وروى أبو بكر المروزي في ‏"‏ كتاب الجمعة ‏"‏ بإسناد صحيح إلى الشعبي عن عوف بن حصيرة رجل من أهل الشام مثله‏.‏
الحادي والعشرون‏:‏ عند خروج الإمام رواه حميد بن زنجويه في ‏"‏ كتاب الترغيب ‏"‏ عن الحسن أن رجلا مرت به وهو ينعس في ذلك الوقت‏.‏
الثاني والعشرون‏:‏ ما بين خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن سالم عن الشعبي قوله‏.‏
ومن طريق معاوية بن قرة عن أبي بردة عن أبى موسى قوله، وفيه أن ابن عمر استصوب ذلك‏.‏
الثالث والعشرون‏:‏ ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل رواه سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قوله أيضا، قال الزين بن المنير‏:‏ ووجهه أنه أخص أحكام الجمعة لأن العقد باطل عند الأكثر فلو اتفق ذلك في غير هذه الساعة بحيث ضاق الوقت فتشاغل اثنان بعقد البيع فخرج وفاتت تلك الصلاة لأثما ولم يبطل البيع‏.‏
الرابع والعشرون‏:‏ ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة رواه حميد بن زنجويه عن ابن عباس وحكاه البغوي في شرح السنة عنه‏.‏
الخامس والعشرون‏:‏ ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضي الصلاة رواه مسلم وأبو داود من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى أن ابن عمر سأله عما سمع من أبيه في ساعة الجمعة فقال‏:‏ سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وهذا القول يمكن أن يتخذ من اللذين قبله‏.‏
السادس والعشرون‏:‏ عند التأذين وعند تذكير الإمام وعند الإقامة رواه حميد بن زنجويه من طريق سليم بن عامر عن عوف بن مالك الأشجعي الصحابي‏.‏
السابع والعشرون‏:‏ مثله لكن قال‏:‏ إذا أذن وإذا رقي المنبر إذا أقيمت الصلاة رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي أمامة الصحابي قوله، قال الزين بن المنير‏:‏ ما ورد عند الأذان من إجابة الدعاء فيتأكد يوم الجمعة وكذلك الإقامة، وأما زمان جلوس الإمام على المنبر فلأنه وقت استماع الذكر، والابتداء في المقصود من الجمعة‏.‏
الثامن والعشرون‏:‏ من حين يفتتح الإمام الخطبة حتى يفرغ رواه ابن عبد البر من طريق محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا وإسناده ضعيف‏.‏
التاسع والعشرون‏.‏
إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة حكاه الغزالي في الإحياء‏.‏
الثلاثون‏:‏ عند الجلوس بين الخطبتين حكاه الطيبي عن بعض شراح المصابيح‏.‏
الحادي والثلاثون‏:‏ أنها عند نزول الإمام من المنبر رواه ابن أبي شيبة وحميد بن زنجويه وابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق عن أبي بردة قوله، وحكاه الغزالي قولا بلفظ‏:‏ إذا قام الناس إلى الصلاة‏.‏
الثاني والثلاثون‏:‏ حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه حكاه ابن المنذر عن الحسن أيضا، وروى الطبراني من حديث ميمونة بنت سعد نحوه مرفوعا بإسناد ضعيف، الثالث والثلاثون‏:‏ من إقامة الصف إلى تمام الصلاة رواه الترمذي وابن ماجه من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا وفيه‏:‏ قالوا أية ساعة يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها، وقد ضعف كثير رواية كثير، ورواه البيهقي في الشعب من هذا الوجه بلفظ ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة ورواه ابن أبي شيبة من طريق مغيرة عن واصل الأحدب عن أبي بردة قوله، وإسناده قوى إليه، وفيه أن ابن عمر استحسن ذلك منه وبرك عليه ومسح على رأسه، وروى ابن جرير وسعيد بن منصور عن ابن سيرين نحوه‏.‏
الرابع والثلاثون‏:‏ هي الساعة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة رواه ابن عساكر بإسناد صحيح عن ابن سيرين، وهذا يغاير الذي قبله من جهة إطلاق ذاك وتقييد هذا، وكأنه أخذه من جهة أن صلاة الجمعه أفضل صلوات ذلك اليوم، وأن الوقت الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأوقات، وأن جميع ما تقدم من الأذان والخطبة وغيرهما وسائل وصلاة الجمعة هي المقصودة بالذات، ويؤيده ورود الأمر في القرآن بتكثير الذكر حال الصلاة كما ورد الأمر بتكثير الذكر حال القتال وذلك في قوله تعالى ‏(‏إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون‏)‏ وفي قوله‏:‏ ‏(‏إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله - إلى أن ختم الآية بقوله - واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون‏)‏ وليس المراد إيقاع الذكر بعد الانتشار وإن عطف عليه، وإنما المراد تكثير المشار إليه أول الآية صلى الله عليه وسلم والله أعلم‏.‏
الخامس والثلاثون‏:‏ من صلاة العصر إلى غروب الشمس رواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا، ومن طريق صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ ‏"‏ فالتمسوها بعد العصر ‏"‏ وذكر ابن عبد البر أن قوله ‏"‏ فالتمسوها الخ ‏"‏ مدرج في الخبر من قول أبي سلمة، ورواه ابن منده من هذا الوجه وزاد ‏"‏ أغفل ما يكون الناس ‏"‏ ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق الشيباني عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أخيه عبيد الله كقول ابن عباس، ورواه الترمذي من طريق موسى بن وردان عن أنس مرفوعا بلفظ ‏"‏ بعد العصر إلى غيبوبة الشمس ‏"‏ وإسناده ضعيف‏.‏
السادس والثلاثون‏:‏ في صلاة العصر رواه عبد الرزاق عن عمر بن ذر عن يحي بن إسحاق بن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وفيه قصة‏.‏
السابع والثلاثون‏:‏ بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار حكاه الغزالي في الإحياء‏.‏
الثامن والثلاثون‏:‏ بعد العصر كما تقدم عن أبي سعيد مطلقا، ورواه ابن عساكر من طريق محمد بن سلمة الأنصاري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعا بلفظ ‏"‏ وهي بعد العصر ‏"‏ ورواه ابن المنذر عن مجاهد مثله، ورواه ابن جريج صلى الله عليه وسلم من طريق إبراهيم بن ميسرة عن رجل أرسله عمرو بن أويس إلى أبي هريرة فذكر مثله قال‏:‏ وسمعته عن الحكم عن ابن عباس مثله، ورواه أبو بكر المروذي من طريق الثوري وشعبة جميعا عن يونس بن خباب قال الثوري‏:‏ عن عطاء‏.‏
وقال شعبة‏:‏ عن أبيه عن أبي هريرة‏.‏
مثله ‏"‏ وقال عبد الرزاق‏:‏ أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يتحراها بعد العصر، وعن ابن جريج عن بعض أهل العلم قال‏:‏ لا أعلمه إلا من ابن عباس مثله، فقيل له‏:‏ لا صلاة بعد العصر، فقال‏:‏ بلى، لكن من كان في مصلاه لم يقم منه فهو في صلاة‏"‏‏.‏
التاسع والثلاثون‏:‏ من وسط النهار إلى قرب آخر النهار كما تقدم أول الباب عن سلمة بن علقمة‏.‏
الأربعون‏:‏ من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن إسماعيل بن كيسان عن طاوس قوله، وهو قريب من الذي بعده‏.‏
الحادي والأربعون‏:‏ آخر ساعة بعد العصر رواه أبو داود والنسائي والحاكم بإسناد حسن عن أبي سلمة عن جابر مرفوعا وفي أوله ‏"‏ أن النهار اثنتا عشرة ساعة ‏"‏ ورواه مالك وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد الله ابن سلام قوله، وفيه مناظرة أبي هريرة له في ذلك واحتجاج عبد الله بن سلام بأن منتظر الصلاة في صلاة، وروى ابن جرير صلى الله عليه وسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا مثله ولم يذكر عبد الله ابن سلام قوله ولا القصة، ومن طريق ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن كعب الأحبار قوله‏.‏
وقال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة أنه سمع أبا سلمة يقول‏:‏ حدثنا عبد الله بن عامر فذكر مثله، وروى البزار وابن جرير من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد الله بن سلام مثله، وروى ابن أبي خيثمة من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبي سعيد فذكر الحديث وفيه‏:‏ قال أبو سلمة فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له ذلك فلم يعرض بذكر النبي صلى الله عليه وسلم بل قال‏:‏ النهار اثنتا عشرة ساعة، وإنها لفي آخر ساعة من النهار‏.‏
ولابن خزيمة من طريق أبي النضر عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال‏:‏ قلت - ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس - إنا لنجد في كتاب الله أن في الجمعة ساعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أو بعض ساعة، قلت‏:‏ نعم أو بعض ساعة الحديث، وفيه‏:‏ قلت أي ساعة‏؟‏ فذكره‏.‏
وهذا يحتمل أن يكون القائل ‏"‏ قلت ‏"‏ عبد الله بن سلام فيكون مرفوعا، ويحتمل أن يكون أبا سلمة فيكون موقوفا وهو الأرجح لتصريحه في رواية يحيى بن أبي كثير بأن عبد الله بن سلام لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الجواب‏.‏
الثاني والأربعون‏:‏ من حين يغيب نصف قرص الشمس، أو من حين تدلي الشمس للغروب إلى أن يتكامل غروبها رواه الطبراني في الأوسط والدار قطني في العلل والبيهقي في الشعب وفضائل الأوقات من طريق زيد بن علي ابن الحسين بن علي حدثتني مرجانة مولاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ حدثتني فاطمة عليها السلام عن أبيها فذكر الحديث، وفيه‏:‏ قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أي ساعة هي‏؟‏ قال‏:‏ إذا تدلى نصف الشمس للغروب‏.‏
فكانت فاطمة إذا كان يوم الجمعة أرسلت غلاما لها يقال له زيد ينظر لها الشمس فإذا أخبرها أنها تدلت للغروب أقبلت على الدعاء إلى أن تغيب، في إسناده اختلاف على زيد بن علي، وفي بعض رواته من لا يعرف حاله‏.‏
وقد أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق سعيد بن راشد عن زيد بن على عن فاطمة لم يذكر مرجانة وقال فيه‏:‏ إذا تدلت الشمس للغروب وقال فيه‏:‏ تقول لغلام يقال له أربد‏:‏ اصعد على الظراب، فإذا تدلت الشمس للغروب فأخبرني، والباقي نحوه، وفي آخره‏:‏ ثم تصلي يعني المغرب‏.‏
فهذا جميع ما اتصل إلى من الأقوال في ساعة الجمعة مع ذكر أدلتها وبيان حالها في الصحة والضعف والرفع والوقف والإشارة إلى مأخذ بعضها، وليست كلها متغايرة من كل جهة بل كثير منها يمكن أن يتحد مع غيره‏.‏
ثم طفرت بعد كتابة هذا بقول زائد على ما تقدم وهو غير منقول، استنبطه صاحبنا العلامة الحافظ شمس الدين الجزري وأذن لي في روايته عنه في كتابه المسمى ‏"‏ الحصن الحصين ‏"‏ في الأدعية لما ذكر الاختلاف في ساعة الجمعه واقتصر على ثمانية أقوال مما تقدم ثم قال ما نصه‏:‏ والذي أعتقده أنها وقت قراءة الإمام الفاتحة في صلاة الجمعة إلى أن يقول آمين، جمعا بين الأحاديث التي صحت‏.‏
كذا قال، ويخدش فيه أنه يفوت على الداعي حينئذ الإنصات لقراءة الإمام، فليتأمل‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ يحسن جمع الأقوال، وكان قد ذكر مما تقدم عشرة أقوال تبعا لابن بطال‏.‏
قال‏:‏ فتكون ساعة الإجابة واحدة منها لا بعينها، فيصادفها من اجتهد في الدعاء في جميعها والله المستعان‏.‏
وليس المراد من أكثرها أنه يستوعب جميع الوقت الذي عين، بل المعنى أنها تكون في أثنائه لقوله فيما مضى ‏"‏ يقللها ‏"‏ وقوله ‏"‏ وهي ساعة خفيفة‏"‏‏.‏
وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلا وانتهاؤه انتهاء الصلاة‏.‏
وكأن كثيرا من القائلين عين ما اتفق له وقوعها فيه من ساعة في أثناء وقت من الأوقات المذكورة، فبهذا التقرير يقل الانتشار جدا‏.‏
ولا شك أن أرجح الأقوال المذكورة حديث أبي موسى وحديث عبد الله بن سلام كما تقدم‏.‏
قال المحب الطبري‏:‏ أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى، وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام ا هـ‏.‏
وما عداهما إما موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف، ولا يعارضهما حديث أبي سعيد في كونه صلى الله عليه وسلم أنسيها بعد أن علمها لاحتمال أن يكونا سمعا ذلك منه قبل أن أنسى، أشار إلى ذلك البيهقي وغيره‏.‏
وقد اختلف السلف في أيهما أرجح، فروى البيهقي من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمه النيسابوري أن مسلما قال‏:‏ حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه، بذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره‏.‏
وقال النووي‏:‏ هو الصحيح، بل الصواب‏.‏
وجزم في الروضة بأنه الصواب، ورجحه أيضا بكونه مرفوعا صريحا وفي أحد الصحيحين، وذهب آخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال‏:‏ أكثر الأحاديث على ذلك‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ إنه أثبت شيء في هذا الباب‏.‏
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة‏.‏
ورجحه كثير من الأئمة أيضا كأحمد وإسحاق ومن المالكية الطرطوشي، وحكى العلائي أن شيخه ابن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص الشافعي‏.‏
وأجابوا عن كونه ليس في أحد الصحيحين بأن الترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ، كحديث أبي موسى هذا فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب‏:‏ أما الانقطاع فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه، قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه، وكذا قال سعيد بن أبي مريم عن موسى بن سلمة عن مخرمة وزاد‏:‏ إنما هي كتب كانت عندنا‏.‏
وقال علي بن المديني‏:‏ لم أسمع أحدا من أهل المدينة يقول عن مخرمة إنه قال في شيء من حديثه سمعت أبي، ولا يقال مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك هنا، لأنا نقول‏:‏ وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع‏.‏
وأما الاضطراب فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله، وهؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني، وهم عدد وهو واحد‏.‏
وأيضا فلو كان عند أبي بردة مرفوعا لم يفت فيه برأيه بخلاف المرفوع، ولهذا جزم الدار قطني بأن الموقوف هو الصواب، وسلك صاحب الهدي مسلكا آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البر‏:‏ الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين‏.‏
وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد، وهو أولى في طريق الجمع‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ إذا علم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة ولليلة القدر بعث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء، ولو بين لاتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها، فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها‏.‏
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الإجابة، وفي مسلم أنه خير يوم طلعت عليه الشمس‏.‏
وفيه فضل الدعاء واستحباب الإكثار منه، واستدل به على بقاء الإجمال بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتعقب بأن لا خلاف في بقاء الإجمال في الأحكام الشرعية لا في الأمور الوجودية كوقت الساعة، فهذا الاختلاف في إجماله، والحكم الشرعي المتعلق بساعة الجمعة وليلة القدر - وهو تحصيل الأفضلية - يمكن الوصول إليه والعمل بمقتضاه باستيعاب اليوم أو الليلة، فلم يبق في الحكم الشرعي إجمال والله أعلم‏.‏
فإن قيل‏:‏ ظاهر الحديث حصول الإجابة لكل داع بالشرط المتقدم، مع أن الزمان يختلف باختلاف البلاد والمصلي فيتقدم بعض على بعض، وساعة الإجابة متعلقة بالوقت، فكيف تتفق مع الاختلاف‏؟‏ أجيب باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصل، كما قيل نظيره في ساعة الكراهة، ولعل هذا فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها وإن كانت هي خفيفة، ويحتمل أن يكون عبر عن الوقت بالفعل فيكون التقدير وقت جواز الخطبة أو الصلاة ونحو ذلك، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-03-2013, 02:45 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n109&p1#TOP)باب إِذَا نَفَرَ النَّاسُ عَنْ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ بَقِيَ جَائِزَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة الخ‏)‏ ظاهر الترجمة أن استمرار الجماعة الذين تنعقد بهم الجمعة إلى تمامها ليس بشرط في صحتها، بل الشرط أن تبقى منهم بقية ما‏.‏
ولم يتعرض البخاري لعدد من تقوم بهم الجمعة لأنه لم يثبت منه شيء على شرطه، وجملة ما للعلماء فيه خمسة عشر قولا‏:‏ أحدها تصح من الواحد، نقله ابن حزم‏.‏
الثاني اثنان كالجماعة، وهو قول النخعي وأهل الظاهر والحسن بن حي‏.‏
الثالث اثنان مع الإمام، عند أبي يوسف ومحمد‏.‏
الرابع ثلاثة معه، عند أبي حنيفة‏.‏
الخامس سبعة، عند عكرمة‏.‏
السادس تسعة، عند ربيعة‏.‏
السابع اثنا عشر عنه في رواية‏.‏
الثامن مثله غير الإمام عند إسحاق‏.‏
التاسع عشرون في رواية ابن حبيب عن مالك‏.‏
العاشر ثلاثون كذلك‏.‏
الحادي عشر أربعون بالإمام عند الشافعي‏.‏
الثاني عشر غير الإمام عنه وبه قال عمر بن عبد العزيز وطائفة‏.‏
الثالث عشر خمسون عن أحمد في رواية وحكى عن عمر بن عبد العزيز‏.‏
الرابع عشر ثمانون حكاه المازري‏.‏
الخامس عشر جمع كثير بغير قيد‏.‏
ولعل هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل، ويمكن أن يزداد العدد باعتبار زيادة شرط كالذكورة والحرية والبلوغ والإقامة والاستيطان فيكمل بذلك عشرون قولا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جائزة‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ تامة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حصين‏)‏ هو ابن عبد الرحمن الواسطي ومدار هذا الحديث في الصحيحين عليه، وقد رواه تارة عن سالم بن أبي الجعد وحده كما هنا وهي رواية أكثر أصحابه، وتارة عن أبي سفيان طلحة بن نافع وحده وهي رواية قيس بن الربيع وإسرائيل عند ابن مردويه، وتارة جمع بينهما عن جابر وهي رواية خالد بن عبد الله عند المصنف في التفسير وعند مسلم، وكذا رواية هشيم عنده أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بينما نحن نصلي‏)‏ في رواية خالد المذكورة عند أبي نعيم في المستخرج ‏"‏ بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ‏"‏ وهذا ظاهر في أن انفضاضهم وقع بعد دخولهم في الصلاة، لكن وقع عند مسلم من رواية عبد الله بن إدريس عن حصين ‏"‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ‏"‏ وله في رواية هشيم ‏"‏ بينا النبي صلى الله عليه وسلم قائم - زاد أبو عوانة في صحيحه والترمذي والدار قطني من طريقه - يخطب ‏"‏ ومثله لأبي عوانة من طريق عباد بن العوام، ولعبد بن حميد من طريق سليمان بن كثير كلاهما عن حصين، وكذا وقع في رواية قيس بن الربيع وإسرائيل، ومثله في حديث ابن عباس عند البزار‏.‏
وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط وفي مرسل قتادة عند الطبراني وغيره‏.‏
فعلى هذا فقوله ‏"‏ نصلي ‏"‏ أي ننتظر الصلاة‏.‏
وقوله ‏"‏في الصلاة ‏"‏ أي في الخطبة مثلا وهو من تسمية الشيء بما قاربه، فبهذا يجمع بين الروايتين، ويؤيده استدلال ابن مسعود على القيام في الخطبة بالآية المذكورة كما أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح، وكذا استدل به كعب بن عجرة في صحيح مسلم، وحمل ابن الجوزي قوله ‏"‏ يخطب قائما ‏"‏ على أنه خبر آخر غير خبر كونهم كانوا معه في الصلاة فقال‏:‏ التقدير صلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يخطب قائما الحديث، ولا يخفى تكلفه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذ أقبلت عير‏)‏ بكسر المهملة هي الإبل التي تحمل التجارة طعاما كانت أو غيره، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها‏.‏
ونقل ابن عبد الحق في جمعه أن البخاري لم يخرج قوله إذ أقبلت عير تحمل طعاما وهو ذهول منه، نعم سقط ذلك في التفسير وثبت هنا وفي أوائل البيوع وزاد فيه أنها أقبلت من الشام، ومثله لمسلم من طريق جرير عن حصين، ووقع عند الطبري من طريق السدي عن أبي مالك ومرة فرقهما أن الذي قدم بها من الشام دحية بن خليفة الكلبي، ونحوه في حديث ابن عباس عند البزار، ولابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس ‏"‏ جاءت عير لعبد الرحمن بن عوف ‏"‏ وجمع بين هاتين الروايتين بأن التجارة كانت لعبد الرحمن بن عوف وكان دحية السفير فيها أو كان مقارضا‏.‏
ووقع في رواية ابن وهب عن الليث أنها كانت لوبرة الكلبي، ويجمع بأنه كان رفيق دحية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فالتفتوا إليها‏)‏ في رواية ابن فضيل في البيوع ‏"‏ فانفض الناس ‏"‏ وهو موافق للفظ القرآن ودال على أن المراد بالالتفات الانصراف، وفيه رد على من حمل الالتفات على ظاهره فقال‏:‏ لا يفهم من هذا الانصراف عن الصلاة وقطعها، وإنما يفهم منه التفاتهم بوجوههم أو بقلوبهم، وأما هيئة الصلاة المجزئة فباقية‏.‏
ثم هو مبني على أن الانفضاض وقع في الصلاة، وقد ترجح فيما مضى أنه إنما كان في الخطبة، فلو كان كما قيل لما وقع هذا الإنكار الشديد، فإن الالتفات فيها لا ينافي الاستماع، وقد غفل قائله عن بقية ألفاظ الخبر‏.‏
وفي قوله ‏"‏ فالتفتوا ‏"‏ الحديث التفات، لأن السياق يقتضى أن يقول فالتفتنا، وكأن الحكمة في عدول جابر عن ذلك أنه هو لم يكن ممن التفت كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا اثني عشر‏)‏ قال الكرماني ليس هذا الاستثناء مفرغا فيجب رفعه، بل هو من ضمير بقى الذي يعود إلى المصلى فيجوز فيه الرفع والنصب، قال‏:‏ وقد ثبت الرفع في بعض الروايات ا ه‏.‏
ووقع في تفسير الطبري وابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى أبي قتادة قال ‏"‏ قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أنتم‏؟‏ فعدوا أنفسهم، فإذا هم اثنا عشر رجلا وامرأة ‏"‏ وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي ‏"‏ وامرأتان ‏"‏ ولابن مردويه من حديث ابن عباس ‏"‏ وسبع نسوة ‏"‏ لكن إسناده ضعيف‏.‏
واتفقت هذه الروايات كلها على اثني عشر رجلا إلا ما رواه علي بن عاصم عن حصين بالإسناد المذكور فقال ‏"‏ إلا أربعين رجلا ‏"‏ أخرجه الدار قطني وقال‏:‏ تفرد به على بن عاصم وهو ضعيف الحفظ، وخالفه أصحاب حصين كلهم‏.‏
وأما تسميتهم فوقع في رواية خالد الطحان عند مسلم أن جابرا قال ‏"‏ أنا فيهم‏"‏، وله في رواية هشيم ‏"‏ فيهم أبو بكر وعمر‏"‏، وفي الترمذي أن هذه الزيادة في رواية حصين عن أبي سفيان دون سالم، وله شاهد عند عبد بن حميد عن الحسن مرسلا ورجال إسناده ثقات، وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي ‏"‏ أن سالما مولى أبي حذيفة منهم ‏"‏ وروى العقيلي عن ابن عباس ‏"‏ أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسا من الأنصار ‏"‏ وحكى السهيلي أن أسد بن عمرو روى بسند منقطع ‏"‏ أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة وبلال وابن مسعود ‏"‏ قال وفي رواية ‏"‏ عمار ‏"‏ بدل ابن مسعود ا ه‏.‏
ورواية العقيلي أقوى وأشبه بالصواب، ثم وجدت رواية أسد بن عمرو عند العقيلي بسند متصل لا كما قال السهيلي أنه منقطع أخرجه من رواية أسد عن حصين عن سالم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فنزلت هذه الآية‏)‏ ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة، والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القادمين وما معهم‏.‏
ووقع عند الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، وكانت لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل السمن، فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوه، وكان لهم لهو يضربونه فنزلت ‏"‏ ووصله أبو عوانة في صحيحه والطبري بذكر جابر فيه ‏"‏ أنهم كانوا إذا نكحوا تضرب الجواري بالمزامير فيشتد الناس إليهم ويدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فنزلت هذه الآية ‏"‏ وفي مرسل مجاهد عن عبد بن حميد ‏"‏ كان رجال يقومون إلى نواضحهم، وإلى السفر يقدمون يبتغون التجارة واللهو، فنزلت ‏"‏ ولا بعد في أن تنزل في الأمرين معا وأكثر، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفي مع تفسير الآية المذكورة في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى‏.‏
والنكتة في قوله‏:‏ ‏(‏انفضوا إليها‏)‏ دون قوله إليهما أو إليه أن اللهو لم يكن مقصودا لذاته وإنما كان تبعا للتجارة، أو حذف لدلالة أحدهما على الآخر‏.‏
وقال الزجاج‏:‏ أعيد الضمير إلى المعنى، أي انفضوا إلى الرؤية أي ليروا ما سمعوه‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ ذكر الحميدي في الجمع أن أبا مسعود الدمشقي ذكر في آخر هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا ‏"‏ قال‏:‏ وهذا لم أجده في الكتابين ولا في مستخرجي الإسماعيلي والبرقاني، قال‏:‏ وهي فائدة من أبي مسعود، ولعلنا نجدها بالإسناد فيما بعد انتهى‏.‏
ولم أر هذه الزيادة في الأطراف لأبي مسعود ولا هي في شيء من طرق حديث جابر المذكورة، وإنما وقعت في مرسلي الحسن وقتادة المتقدم ذكرهما، وكذا في حديث ابن عباس عند ابن مردويه وفي حديث أنس عند إسماعيل بن أبي زياد وسنده ساقط‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن الخطبة تكون عن قيام كما تقدم، وأنها مشترطة في الجمعة حكاه القرطبي واستبعده، وأن البيع وقت الجمعة ينعقد ترجم عليه سعيد بن منصور، وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بفسخ ما تبايعوا فيه من العير المذكورة ولا يخفى ما فيه‏.‏
وفيه كراهية ترك سماع الخطبة بعد الشروع فيها، واستدل به على جواز انعقاد الجمعة باثني عشر نفسا وهو قول ربيعة، ويجئ أيضا على قول مالك، ووجه الدلالة منه أن العدد المعتبر في الابتداء يعتبر في الدوام فلما لم تبطل الجمعة بانفضاض الزائد على الاثني عشر دل على أنه كاف‏.‏
وتعقب بأنه يحتمل أنه تمادى حتى عادوا أو عاد من تجزئ بهم، إذ لم يرد في الخبر أنه أتم الصلاة‏.‏
ويحتمل أيضا أن يكون أتمها ظهرا‏.‏
وأيضا فقد فرق كثير من العلماء بين الابتداء والدوام في هذا فقيل‏:‏ إذا انعقدت لم يضر ما طرأ بعد ذلك ولو بقي الإمام وحده‏.‏
وقيل‏:‏ يشترط بقاء واحد معه، وقيل اثنين، وقيل يفرق بين ما إذا انفضوا بعد تمام الركعة الأولى فلا يضر بخلاف ما قبل ذلك، وإلى ظاهر هذا الحديث صار إسحاق بن راهويه فقال‏:‏ إذا تفرقوا بعد الانعقاد فيشترط بقاء اثني عشر رجلا‏.‏
وتعقب بأنها واقعة عين لا عموم فيها، وقد تقدم أن ظاهر ترجمة البخاري تقتضي أن لا يتقيد الجمع الذي يبقى مع الإمام بعدد معين، وتقدم ترجيح كون الانفضاض وقع في الخطبة لا في الصلاة، وهو اللائق بالصحابة تحسينا للظن بهم، وعلى تقدير أن يكون في الصلاة حمل على أن ذلك وقع قبل النهي كآية ‏(‏لا تبطلوا أعمالكم‏)‏ ، وقبل النهي عن الفعل الكثير في الصلاة‏.‏
وقول المصنف في الترجمة ‏"‏ فصلاة الإمام ومن بقي جائزة ‏"‏ يؤخذ منه أنه يرى أن الجميع لو انفضوا في الركعة الأولى ولم يبق إلا الإمام وحده أنه لا تصح له الجمعة، وهو كذلك عند الجمهور كما تقدم قريبا‏.‏
وقيل تصح إن بقي واحد، وقيل إن بقي اثنان، وقيل ثلاثة، وقيل إن كان صلى بهم الركعة الأولى صحت لمن بقي، وقيل يتمها ظهرا مطلقا‏.‏
وهذا الخلاف كله أقوال مخرجة في مذهب الشافعي إلا الأخير فهو قوله في الجديد، وإن ثبت قول مقاتل بن حيان الذي أخرجه أبو داود في المراسيل أن الصلاة كانت حينئذ قبل الخطبة زال الإشكال، لكنه مع شذوذه معضل‏.‏
وقد استشكل الأصيلي حديث الباب فقال‏:‏ إن الله تعالى قد وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم ‏(‏لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله‏)‏ ثم أجاب باحتمال أن يكون هذا الحديث كان قبل نزول الآية‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا الذي يتعين المصير إليه مع أنه ليس في آية النور التصريح بنزولها في الصحابة، وعلى تقدير ذلك فلم يكن تقدم لهم نهي عن ذلك، فلما نزلت آية الجمعة‏.‏
وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه فوصفوا بعد ذلك بما في آية النور‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n109&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر في التطوع بالرواتب وفيه ‏"‏ وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين ‏"‏ ولم يذكر شيئا في الصلاة قبلها‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ كأنه يقول الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه، لأن الجمعة بدل الظهر‏.‏
قال‏:‏ وكانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر، ولذلك قدمه في الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد انتهى‏.‏
ووجه العناية المذكورة ورود الخبر في البعد صريحا دون القبل‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ إنما أعاد ابن عمر ذكر الجمعة بعد الظهر من أجل‏.‏
أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي سنة الجمعة في بيته بخلاف الظهر، قال‏:‏ والحكمة فيه أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على ركعتين ترك التنفل بعدها في المسجد خشية أن يظن أنها التي حذفت‏.‏
انتهى‏.‏
وعلى هذا فينبغي أن لا يتنفل قبلها ركعتين متصلتين بها في المسجد لهذا المعنى‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ لم يقع ذكر الصلاة قبل الجمعة في هذا الحديث، فلعل البخاري أراد إثباتها قياسا على الظهر‏.‏
انتهى‏.‏
وقواه الزين بن المنير بأنه قصد التسوية بين الجمعة والظهر في حكم التنفل كما قصد التسوية بين الإمام والمأموم في الحكم، وذلك يقتضي أن النافلة لهما سواء‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب، وهو ما رواه أبو داود وان حبان من طريق أيوب عن نافع قال ‏"‏ كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ‏"‏ احتج به النووي في الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها، وتعقب بأن قوله ‏"‏ وكان يفعل ذلك ‏"‏ عائد على قوله ‏"‏ ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته ‏"‏ ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع لك ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏
وأما قوله ‏"‏ كان يطيل الصلاة قبل الجمعة ‏"‏ فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة، وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل هو تنفل مطلق، وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم في حديث سلمان وغيره حيث قال فيه ‏"‏ ثم صلى ما كتب له‏"‏‏.‏
وورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة منها عن أبي هريرة رواه البزار بلفظ ‏"‏ كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعا ‏"‏ وفي إسناده ضعف، وعن علي مثله رواه الأثرم والطبراني في الأوسط بلفظ ‏"‏ كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا ‏"‏ وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي وهو ضعيف عند البخاري وغيره‏.‏
وقال الأثرم إنه حديث واه‏.‏
ومنها عن ابن عباس مثله وزاد ‏"‏ لا يفصل في شيء منهن ‏"‏ أخرجه ابن ماجه بسند واه، قال النووي في الخلاصة‏:‏ إنه حديث باطل‏.‏
وعن ابن مسعود عند الطبراني أيضا مثله وفي إسناده ضعف وانقطاع‏.‏
ورواه عبد الرزاق عن ابن مسعود موقوفا وهو الصواب‏.‏
وروى ابن سعد عن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم موقوفا نحو حديث أبي هريرة، وقد تقدم في أثناء الكلام على حديث جابر في قصة سليك قبل سبعة أبواب قول من قال‏:‏ إن المراد بالركعتين اللتين أمره بهما النبي صلى الله عليه وسلم سنة الجمعة، والجواب عنه، وقد تقدم نقل المذاهب في كراهة التطوع نصف النهار ومن استثنى يوم الجمعة دون بقية الأيام في ‏"‏ باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر ‏"‏ في أواخر المواقيت‏.‏
وأقوى ما يتمسك به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ما صححه ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعا ‏"‏ ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان ‏"‏ ومثله حديث عبد الله بن مغفل الماضي في وقت المغرب بين كل أذانين صلاة، وسيأتي الكلام على بقية حديث ابن عمر في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى

حسن الخليفه احمد
04-07-2013, 10:06 AM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n109&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل ‏(‏فإذا قضيت الصلاة‏)‏ الآية‏)‏ ‏.‏
أورد فيه حديث سهل بن سعد في قصة المرأة التي كانت تطعمهم بعد الجمعة، فقيل أراد بذلك بيان أن الأمر في قوله‏:‏ ‏(‏فانتشروا - وابتغوا‏)‏ للإباحة لا للوجوب لأن انصرافهم إنما كان للغداء ثم للقائلة عوضا مما فاتهم من ذلك في وقته المعتاد لاشتغالهم بالتأهب للجمعة ثم بحضورها ووهم من زعم أن الصارف للأمر عن الوجوب هنا كونه ورد بعد الحظر لأن ذلك لا يستلزم عدم الوجوب، بل الإجماع هو الدال على أن الأمر المذكور للإباحة، وقد جنح الداودي إلى أنه على الوجوب في حق من يقدر على الكسب، وهو قول شاذ نقل عن بعض الظاهرية‏.‏
وقيل هو في حق من لا شيء عنده ذلك اليوم فأمر بالطلب بأي صورة اتفقت ليفرح عياله ذلك اليوم لأنه يوم عيد، والذي يترجح أن في قوله‏:‏ ‏(‏انتشروا - وابتغوا‏)‏ إشارة إلى استدراك ما فاتكم من الذي انفضضتم إليه فتنحل إلى أنها قضية شرطية، أي من وقع له في حال خطبة الجمعة وصلاتها زمان يحصل فيه ما يحتاج إليه من أمر دنياه ومعاشه فلا يقطع العبادة لأجله بل يفرغ منها ويذهب حينئذ لتحصيل حاجته، وبالله التوفيق‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا فَتَكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُهُ وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو غسان‏)‏ هو محمد بن مطرف المدني، وأبو حازم هو سلمة بن دينار، ووهم من زعم أنه سلمان مولى عزة صاحب أبي هريرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كانت فينا امرأة‏)‏ لم أقف على اسمها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تجعل‏)‏ في رواية الكشميهني تحقل بمهملة بعدها قاف أي تزرع، والأربعاء جمع ربيع كأنصباء ونصيب، والربيع الجدول وقيل الصغير وقيل الساقية الصغيرة وقيل حافات الأحواض، والمزرعة بفتح الراء وحكى ابن مالك جواز تثليثها، والسلق بكسر المهملة معروف وحكم الكرماني أنه وقع هنا سلق بالرفع وتكلف في توجيهه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تطحنها‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ تطبخها ‏"‏ بتقديم الموحدة بعدها معجمة وكلاهما صحيح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتكون أصول السلق عرقه‏)‏ بفتح المهملة وسكون الراء بعدها قاف ثم هاء ضمير أي عرق الطعام، والعرق اللحم الذي على العظم، والمراد أن السلق يقوم مقامه عندهم‏.‏
وسيأتي في الأطعمة من وجه آخر في آخر الحديث ‏"‏ والله ما فيه شحم ولا ودك ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ غرقة ‏"‏ بفتح المعجمة وكسر الراء وبعد القاف هاء التأنيث، والمراد أن السلق يغرق في المرقة لشدة نضجه، وفي هذا الحديث جواز السلام على النسوة الأجانب، واستحباب التقرب بالخير ولو بالشيء الحقير، وبيان ما كان الصحابة عليه من القناعة وشدة العيش والمبادرة إلى الطاعة رضي الله عنهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بهذا‏)‏ أي بالحديث الذي قبله، وظاهره أن أبا غسان وعبد العزيز بن أبي حازم اشتركا في رواية هذا الحديث عن أبي حازم، وزاد عبد العزيز الزيادة المذكورة وهي قوله ‏"‏ ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة ‏"‏ وقد رواها أبو غسان مفردة كما في الباب الذي بعده، لكن ليس فيه ذكر الغداء، وبين رواية أبي غسان وعبد العزيز تفاوت يأتي بيانه في ‏"‏ باب تسليم الرجال على النساء ‏"‏ من كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى‏.‏
واستدل بهذا الحديث لأحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وترجم عليه ابن أبي شيبة ‏"‏ باب من كان يقول الجمعة أول النهار ‏"‏ وأورد فيه حديث سهل هذا وحديث أنس الذي بعده وعن ابن عمر مثله وعن عمر وعثمان وسعد وابن مسعود مثله من قولهم، وتعقب بأنه لا دلالة فيه على أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال، بل فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء والقاثلة بالتهيؤ للجمعة ثم بالصلاة، ثم ينصرفون فيتداركون ذلك‏.‏
بل ادعى الزين بن المنير أنه يؤخذ منه أن الجمعة تكون بعد الزوال لأن العادة في القائلة أن تكون قبل الزوال فأخبر الصحابي أنهم كانوا يشتغلون بالتهيؤ للجمعة عن القائلة ويؤخرون القائلة حتى تكون بعد صلاة الجمعة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n109&p1#TOP)باب الْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القائلة بعد الجمعة‏)‏ أورد فيه حديث أنس، وقد تقدم في ‏"‏ باب وقت الجمعة ‏"‏ وحديث سهل وقد تقدم في الباب الذي قبله والله الموفق‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الجمعة من الأحاديث المرفوعة على تسعة وسبعين حديثا الموصول منها أربعه وستون حديثا، والمعلق والمتابعة خمسة عشر حديثا، المكرر منها فيها وفيما مضى ستة وثلاثون حديثا، والخالص ثلاثة وأربعون حديثا كلها موصولة، وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث سليمان في الاغتسال والدهن والطيب، وحديث عمر وامرأة عمر في النهي عن منع النساء المساجد، وحديث أنس في صلاة الجمعة حين تميل الشمس، وحديثه في القائلة بعدها وحديثه ‏"‏ كان إذا اشتد البرد بكر بالصلاة ‏"‏ وحديث أبي عبس ‏"‏ من اغبرت قدماه ‏"‏ وحديث السائب بن يزيد في النداء يوم الجمعة، وحديث أنس في الجذع، وحديث عمرو بن تغلب ‏"‏ إني أكل أقواما ‏"‏ وحديث ابن عباس في الوصية بالإنصات، وحديث سهل بن سعد الأخير في قصة المرأة والقائلة بعد الجمعة‏.‏
وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين أربعة عشر أثرا‏.‏
الحديث‏:‏
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبواب صلاة الخوف‏)‏ ثبت لفظ أبواب للمستملي وأبي الوقت‏.‏
وفي رواية الأصيلي وكريمة ‏"‏ باب ‏"‏ بالإفراد، وسقط للباقين‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-07-2013, 10:07 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n110&p1#TOP)قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ
إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل‏)‏ ‏(‏وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏)‏ ثبت سياق الآيتين بلفظهما إلى قوله‏:‏ ‏(‏مهينا‏)‏ في رواية كريمة، واقتصر في رواية الأصيلي على ما هنا وقال‏:‏ إلى قوله‏:‏ ‏(‏عذابا مهينا‏)‏ ‏.‏
وأما أبو ذر فساق الأولى بتمامها ومن الثانية إلى قوله‏:‏ ‏(‏معك‏)‏ ثم قال إلى قوله ‏(‏عذابا مهينا‏)‏ ‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ ذكر صلاة الخوف أثر صلاة الجمعة لأنهما من جملة الخمس، لكن خرج كل منهما عن قياس حكم باقي الصلوات، ولما كان خروج الجمعة أخف قدمه تلو الصلوات الخمس، وعقبه بصلاة الخوف لكثرة المخالفة ولا سيما عند شدة الخوف، وساق الآيتين في هذه الترجمة مشيرا إلى أن خروج صلاة الخوف عن هيئة بقية الصلوات ثبت بالكتاب قولا وبالسنة فعلا‏.‏
انتهى ملخصا‏.‏
ولما كانت الآيتان قد اشتملتا على مشروعية القصر في صلاة الخوف وعلى كيفيتها ساقهما معا وآثر تخريج حديث ابن عمر لقوة شبه الكيفية التي ذكرها فيه بالآية‏.‏
ومعنى قوله تعالى ‏(‏وإذا ضربتم‏)‏ أي سافرتم، ومفهومه أن القصر مختص بالسفر وهو كذلك‏.‏
وأما قوله‏:‏ ‏(‏إن خفتم‏)‏ فمفهومه اختصاص القصر بالخوف أيضا، وقد سأل يعلى بن أمية الصحابي عمر بن الخطاب عن ذلك فذكر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ‏"‏ صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ‏"‏ أخرجه مسلم، فثبت القصر في الأمن ببيان السنة، واختلف في صلاة الخوف في الحضر فمنعه ابن الماجشون أخذا بالمفهوم أيضا وأجازه الباقون‏.‏
وأما قوله‏:‏ ‏(‏وإذا كنت فيهم‏)‏ فقد أخذ بمفهومه أبو يوسف في إحدى الروايتين عنه والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحابه وإبراهيم بن علية، وحكى عن المزني صاحب الشافعي، واحتج عليهم بإجماع الصحابة على فعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏صلوا كما رأيتموني أصلي ‏"‏ فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم‏.‏
وقال ابن العربي وغيره‏:‏ شرط كونه صلى الله عليه وسلم فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده، والتقدير‏:‏ بين لهم بفعلك لكونه أوضح من القول‏.‏
ثم إن الأصل أن كل عذر طرأ على العبادة فهو على التساوي كالقصر، والكيفية وردت لبيان الحذر من العدو، وذلك لا يقتضي التخصيص بقوم دون قوم‏.‏
وقال الزين المنير‏:‏ الشرط إذا خرج مخرج التعليم لا يكون له مفهوم كالخوف في قوله تعالى ‏(‏أن تقصروا من الصلاة إن خفتم‏)‏ وقال الطحاوي‏:‏ كان أبو يوسف قد قال مرة‏:‏ لا تصلي صلاة الخوف بعد رسول صلى الله عليه وسلم وزعم أن الناس إنما صلوها معه لفضل الصلاة معه صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ وهذا القول عندنا ليس بشيء، وقد كان محمد بن شجاع يعيبه ويقول‏:‏ إن الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت أفضل من الصلاة مع الناس جميعا إلا أنه يقطعها ما يقطع الصلاة خلف غيره انتهى‏.‏
وسيأتي سبب النزول وبيان أول صلاة صليت في الخوف في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي صَلَاةَ الْخَوْفِ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَنَا فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ فَجَاءُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الزهري سألته‏)‏ القائل هو شعيب والمسئول هو الزهري وهو القائل ‏"‏ أخبرني سالم ‏"‏ أي ابن عبد الله بن عمر، ووقع بخط بعض من نسخ الحديث عن الزهري قال سألته فأثبت قال ظنا أنها حذفت خطأ على العادة، وهو محتمل، ويكون حذف فاعل قال، لا أن الزهري هو الذي قال‏:‏ والمتجه حذفها وتكون الجملة حالية أي أخبرني الزهري حال سؤالي إياه‏.‏
وقد رواه النسائي من طريق بقية عن شعيب حدثني الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه، وأخرجه السراج عن محمد بن يحيى عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه فزاد فيه ولفظه ‏"‏ سألته هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف أم لا‏؟‏ وكيف صلاها إن كان صلاها‏؟‏ وفي أي مغازيه كان ذلك‏؟‏ ‏"‏ فأفاد بيان المسئول عنه وهو صلاة الخوف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل نجد‏)‏ بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة نجد، ونجد كل ما ارتفع من بلاد العرب، وسيأتي بيان هذه الغزوة في الكلام على غزوة ذات الرقاع من المغازي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فوازينا‏)‏ بالزاي أي قابلنا، قال صاحب الصحاح‏:‏ يقال آزيت، يعني بهمزة ممدودة لا بالواو‏.‏
والذي يظهر أن أصله الهمزة فقلبت واوا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصاففناهم‏)‏ في رواية المستملي والسرخسي ‏"‏ فصاففنا لهم ‏"‏ وقوله ‏"‏ فصلي لنا ‏"‏ أي لأجلنا أو بنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل‏)‏ أي فقاموا في مكانهم، وصرح به في رواية بقية المذكورة، ولمالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ ثم استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون ‏"‏ وسيأتي عند المصنف في التفسير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ركعة وسجد سجدتين‏)‏ زاد عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري ‏"‏ مثل نصف صلاة الصبح ‏"‏ وفي قوله مثل نصف صلاة الصبح إشارة إلى أن الصلاة المذكورة كانت غير الصبح، فعلى هذا فهي رباعية، وسيأتي في المغازي ما يدل على أنها كانت العصر، وفيه دليل على أن الركعة المقضية لا بد فيها من القراءة لكل من الطائفتين خلافا لمن أجاز للثانية ترك القراءة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام كل واحد منهم فركع لنفسه‏)‏ لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا، وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة، ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة، وإفراد الإمام وحده‏.‏
ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه ‏"‏ ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ‏"‏ ا ه‏.‏
وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها، ووقع في الرافعي تبعا لغيره من كتب الفقه أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة، ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا، ولم نقف على ذلك في شيء من الطرق، وبهذه الكيفية أخذ الحنفية، واختار الكيفية التي في حديث ابن مسعود أشهب والأوزاعي، وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك عن يحيى بن سعيد، واستدل بقوله طائفة على أنه لا يشترط استواء الفريقين في العدد، لكن لا بد أن تكون التي تحرس يحصل الثقة بها في ذلك، والطائفة تطلق على الكثير والقليل حتى على الواحد، فلو كانوا ثلاثة ووقع لهم الخوف جاز لأحدهم أن يصلي بواحد‏.‏
ويحرس واحد ثم يصلي الآخر، وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة على القول بأقل الجماعة مطلقا، لكن قال الشافعي‏:‏ أكره أن تكون كل طائفة أقل من ثلاثة لأنه أعاد عليهم ضمير الجمع بقوله‏:‏ ‏(‏أسلحتهم‏)‏ ذكره النووي في شرح مسلم وغيره، واستدل به على عظم أمر الجماعة، بل على ترجيح القول بوجوبها لارتكاب أمور كثيرة لا تغتفر في غيرها، ولو صلى كل امرئ منفردا لم يقع الاحتياج إلى معظم ذلك، وقد ورد في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة، ورجح ابن عبد البر هذه الكيفية الواردة في حديث ابن عمر على غيرها لقوة الإسناد لموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه، وعن أحمد قال‏:‏ ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز، ومال إلى ترجيح حديث سهل ابن أبي حثمة الآتي في المغازي، وكذا رجحه الشافعي، ولم يختر إسحاق شيئا على شيء، وبه قال الطبري وغير واحد منهم ابن المنذر وسرد ثمانية أوجه، وكذا ابن حبان في صحيحه وزاد تاسعا‏.‏
وقال ابن حزم‏:‏ صح فيها أربعة عشر وجها، وبينها في جزء مفرد‏.‏
وقال ابن العربي في ‏"‏ القبس ‏"‏‏:‏ جاء فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة، ولم يبينها‏.‏
وقال النووي نحوه في شرح مسلم ولم يبينها أيضا، وقد بينها شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي وزاد وجها آخر فصارت سبعة عشر وجها، لكن يمكن أن تتداخل‏.‏
قال صاحب الهدى‏:‏ أصولها ست صفات، وبلغها بعضهم أكثر، وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من اختلاف الرواة ا ه‏.‏
وهذا هو المعتمد، وإليه أشار شيخنا بقوله‏:‏ يمكن تداخلها‏.‏
وحكى ابن القصار المالكي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها عشر مرات‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ صلاها أربعا وعشرين مرة‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة بأشكال متباينة يتحرى فيها ما هو الأحوط للصلاة والأبلغ للحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى ا ه‏.‏
وفي كتب الفقه تفاصيل لها كثيرة وفروع لا يتحمل هذا الشرح بسطها والله المستعان‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-07-2013, 10:08 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n110&p1#TOP)باب صَلَاةِ الْخَوْفِ رِجَالًا وَرُكْبَانًا رَاجِلٌ قَائِمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الخوف رجالا وركبانا‏)‏ قيل‏:‏ مقصوده أن الصلاة لا تسقط عند العجز عن النزول عن الدابة ولا تؤخر عن وقتها، بل تصلي على أي وجه حصلت القدرة عليه بدليل الآية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏راجل‏:‏ قائم‏)‏ يريد أن قوله ‏"‏ رجالا ‏"‏ جمع راجل والمراد به هنا القائم، ويطلق على الماشي أيضا وهو المراد في سورة الحج بقوله تعالى ‏(‏يأتوك رجالا‏)‏ أي مشاة، وفي تفسير الطبري بسند صحيح عن مجاهد ‏(‏فإن خفتم فرجالا أو ركبانا‏)‏ إذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ إِذَا اخْتَلَطُوا قِيَامًا وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن نافع عن ابن عمر نحوا من قول مجاهد إذا اختلطوا قياما، وزاد ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا قياما وركبانا ‏"‏‏)‏ هكذا أورده البخاري مختصرا وأحال على قول مجاهد، ولم يذكره هنا ولا في موضع آخر من كتابه، فأشكل الأمر فيه فقال الكرماني‏:‏ معناه أن نافعا روى عن ابن عمر نحوا مما روى مجاهد عن ابن عمر، المروي المشترك بينهما هو ما إذا اختلطوا قياما، وزيادة نافع على مجاهد قوله ‏"‏ وإن كانوا أكثر من ذلك الخ ‏"‏ قال‏:‏ ومفهوم كلام ابن بطال أن ابن عمر قال مثل قول مجاهد، وأن قولهما مثلا في الصورتين، أي في الاختلاط وفي الأكثرية، وأن الذي زاد هو ابن عمر لا نافع ا ه‏.‏
وما نسبه لابن بطال بين في كلامه إلا المثلية في الأكثرية فهي مختصة بابن عمر وكلام ابن بطال هو الصواب وإن كان لم يذكر دليله‏.‏
والحاصل أنهما حديثان‏:‏ مرفوع وموقوف، فالمرفوع من رواية ابن عمر وقد يروى كله أو بعضه موقوفا عليه أيضا، والموقوف من قول مجاهد لم يروه عن ابن عمر ولا غيره، ولم أعرف من أين وقع للكرماني أن مجاهدا روى هذا الحديث عن ابن عمر فإنه لا وجود لذلك في شيء من الطرق، وقد رواه الطبري عن سعيد بن يحيى شيخ البخاري فيه بإسناده المذكور عن ابن عمر قال ‏"‏ إذا اختلطوا ‏"‏ يعني في القتال ‏"‏ فإنما هو الذكر وإشارة الرأس ‏"‏ قال ابن عمر‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فإن كانوا أكثر من ذلك فيصلون قياما وركبانا ‏"‏ هكذا اقتصر على حديث ابن عمر، وأخرجه الإسماعيلي عن الهيثم بن خلف عن سعيد المذكور مثل ما ساقه البخاري سواء، وزاد بعد قوله ‏"‏ اختلطوا‏:‏ فإنما هو الذكر وإشارة الرأس ‏"‏ ا ه‏.‏
وتبين من هذا أن قوله في البخاري ‏"‏ قياما ‏"‏ الأولى تصحيف من قوله ‏"‏ فإنما ‏"‏ وقد ساقه الإسماعيلي من طريق أخرى بين لفظ مجاهد وبين فيها الواسطة بين ابن جريج وبينه، فأخرجه من رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال ‏"‏ إذا اختلطوا فإنما هو الإشارة بالرأس ‏"‏ قال ابن جريج ‏"‏ حدثني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر بمثل قول مجاهد إذا اختلطوا فإنما هو الذكر وإشارة الرأس ‏"‏ وزاد عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فإن كثروا فليصلوا ركبانا أو قياما على أقدامهم ‏"‏ فتبين من هذا سبب التعبير بقوله ‏"‏ نحو قول مجاهد ‏"‏ لأن بين لفظه وبين لفظ ابن عمر مغايرة، وتبين أيضا أن مجاهدا إنما قاله برأيه لا من روايته عن ابن عمر والله أعلم‏.‏
وقد أخرج مسلم حديث ابن عمر من طريق سفيان الثوري عن موسى بن عقبة فذكر صلاة الخوف نحو سياق الزهري عن سالم وقال في آخره ‏"‏ قال ابن عمر‏:‏ فإذا كان خوف أكثر من ذلك فليصل راكبا أو قائما يومئ إيماء ‏"‏ ورواه ابن المنذر من طريق داود بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة موقوفا لكن قال في آخره ‏"‏ وأخبرنا نافع أن عبد الله بن عمر كان يخبر بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فاقتضى ذلك رفعه كله‏.‏
وروى مالك في الموطأ عن نافع كذلك لكن قال في آخره ‏"‏ قال نافع‏:‏ لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وزاد في آخره ‏"‏ مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها‏"‏‏.‏
وقد أخرجه المصنف من هذا الوجه في تفسير سورة البقرة، ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا كله بغير شك أخرجه ابن ماجه ولفظه ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف‏:‏ أن يكون الإمام يصلي بطائفة ‏"‏ فذكر نحو سياق سالم عن أبيه وقال في آخره ‏"‏ فإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا وركبانا ‏"‏ وإسناده جيد‏.‏
والحاصل أنه اختلف في قوله ‏"‏ فإن كان خوف أشد من ذلك ‏"‏ هل هو مرفوع أو موقوف على ابن عمر، والراجح رفعه، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن كانوا أكثر من ذلك‏)‏ أي إن كان العدو، والمعنى أن الخوف إذا اشتد والعدو إذا كثر فخيف من الانقسام لذلك جازت الصلاة حينئذ بحسب الإمكان، وجاز ترك مراعاة ما لا يقدر عليه من الأركان، فينتقل عن القيام إلى الركوع، وعن الركوع والسجود إلى الإيماء إلى غير ذلك، وبهذا قال الجمهور، ولكن قال المالكية‏:‏ لا يصنعون ذلك حتى يخشى فوات الوقت، وسيأتي مذهب الأوزاعي في ذلك بعد باب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ابن جريج سمع الكثير من نافع، وقد أدخل في هذا الحديث بينه وبين نافع موسى بن عقبة، ففي هذا التقوية لمن قال إنه أثبت الناس في نافع، ولابن جريج فيه إسناد آخر أخرجه عبد الرزاق عنه عن الزهري عن سالم عن أبيه‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-07-2013, 10:09 AM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n110&p1#TOP)باب يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يحرس بعضهم بعضا في الخوف‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ محل هذه الصورة إذا كان العدو في جهة القبلة فلا يفترقون والحالة هذه، بخلاف الصورة الماضية في حديث ابن عمر‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ ليس هذا بخلاف القرآن لجواز أن يكون قوله تعالى ‏(‏ولتأت طائفة أخرى‏)‏ إذا كان العدو في غير القبلة، وذلك ببيانه صلى الله عليه وسلم‏.‏
ثم بين كيفية الصلاة إذا كان العدو في جهة القبلة، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ مَعَهُ ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ وَأَتَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلَاةٍ وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الزبيدي‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ حدثنا الزبيدي ‏"‏ ولم أره من حديثه إلا من رواية محمد ابن حرب عنه، وافقه عليه النعمان بن راشد عن الزهري أخرجه البزار وقال‏:‏ لا نعلم رواه عن الزهري إلا النعمان، ولا عنه إلا وهيب يعني ابن خالد ا ه‏.‏
ورواية الزبيدي ترد عليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وركع ناس منهم‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ معه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا معه‏)‏ في رواية النسائي والإسماعيلي ‏"‏ ثم قام إلى الركعة الثانية فتأخر الذين سجدوا معه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فركعوا وسجدوا‏)‏ في روايتهما أيضا ‏"‏ فركعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في صلاة‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ يكبرون ‏"‏ ولم يقع في رواية الزهري هذه هل أكملوا الركعة الثانية أم لا، وقد رواه النسائي من طريق أبي بكر بن أبي الجهم من شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فزاد في آخره ‏"‏ ولم يقضوا ‏"‏ وهذا كالصريح في اقتصارهم على ركعة ركعة‏.‏
وفي الباب عن حذيفة وعن زيد ابن ثابت عند أبي داود والنسائي وابن حبان، وعن جابر عند النسائي، ويشهد له ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق مجاهد عن ابن عباس قال ‏"‏ فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة ‏"‏ وبالاقتصار في الخوف على ركعة واحدة يقول إسحاق والثوري ومن تبعهما‏.‏
وقال به أبو هريرة وأبو موسى الأشعري وغير واحد من التابعين، ومنهم من قيد ذلك بشدة الخوف، وسيأتي عن بعضهم في شدة الخوف أسهل من ذلك‏.‏
وقال الجمهور‏:‏ قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد، وتأولوا رواية مجاهد هذه على أن المراد به ركعة مع الإمام، وليس فيه نفي الثانية‏.‏
وقالوا‏:‏ يحتمل أن يكون قوله في الحديث السابق ‏"‏ لم يقضوا ‏"‏ أي لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن والله أعلم‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ لم يقع في شيء من الأحاديث المروية في صلاة الخوف تعرض لكيفية صلاة المغرب، وقد أجمعوا على أنه لا يدخلها قصر، واختلفوا هل الأولى أن يصلي بالأولى ثنتين والثانية واحدة أو العكس‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n110&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ الْحُصُونِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْحُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ صَلَّوْا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْإِيمَاءِ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ أَوْ يَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا لَا يُجْزِئُهُمْ التَّكْبِيرُ وَيُؤَخِّرُوهَا حَتَّى يَأْمَنُوا وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ نُصَلِّ إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى فَفُتِحَ لَنَا وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة عند مناهضة الحصون‏)‏ أي عند إمكان فتحها، وغلبة الظن على القدرة على ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولقاء العدو‏)‏ وهو من عطف الأعم على الأخص، قال الزين بن المنير‏:‏ كأن المصنف خص هذه الصورة لاجتماع الرجاء والخوف في تلك الحالة، فإن الخوف يقتضي مشروعية صلاة الخوف والرجاء بحصول الظفر يقتضي اغتفار التأخير لأجل استكمال مصلحة الفتح، فلهذا خالف الحكم في هذه الصورة الحكم في غيرها عند من قال به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الأوزاعي الخ‏)‏ كذا ذكره الوليد بن مسلم عنه في كتاب السير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن كان تهيأ الفتح‏)‏ أي تمكن‏.‏
وفي رواية القابسي ‏"‏ إن كان بها الفتح ‏"‏ بموحدة وهاء الضمير وهو تصحيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن لم يقدروا على الإيماء‏)‏ قيل‏:‏ فيه إشكال لأن العجز عن الإيماء لا يتعذر مع حصول العقل، إلا أن تقع دهشة فيعزب استحضاره ذلك، وتعقب‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ من باشر الحرب واشتغال القلب والجوارح إذا اشتغلت عرف كيف يتعذر الإيماء، وأشار ابن بطال إلى أن عدم القدرة على ذلك يتصور بالعجز عن الوضوء أو التيمم للاشتغال بالقتال، ويحتمل أن الأوزاعي كان يرى استقبال القبلة شرطا في الإيماء فيتصور العجز عن الإيماء إليها حينئذ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا يجزيهم التكبير‏)‏ فيه إشارة إلى خلاف من قال يجزئ كالثوري، وروى ابن أبي شيبة من طريق عطاء وسعيد بن جبير وأبي البختري في آخرين قالوا ‏"‏ إذا التقى الزحفان وحضرت الصلاة فقولوا‏:‏ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فتلك صلاتهم بلا إعادة ‏"‏ وعن مجاهد والحكم‏:‏ إذا كان عند الطراد والمسابقة يجزئ أن تكون صلاة الرجل تكبيرا، فإن لم يكن إلا تكبيرة واحدة أجزأته أين كان وجهه‏.‏
وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ يجزئ عند المسابقة ركعة واحدة يومئ بها إيماء، فإن لم يقدر فسجدة، فإن لم يقدر فتكبيرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبه قال مكحول‏)‏ قال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يكون بقية من كلام الأوزاعي، ويحتمل أن يكون من تعليق البخاري‏.‏
انتهى‏.‏
وقد وصله عبد بن حميد في تفسيره عنه من غير طريق الأوزاعي بلفظ ‏"‏ إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلوا على ظهر الدواب ركعتين، فإن لم يقدروا فركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا أخروا الصلاة حتى يأمنوا فيصلوا بالأرض‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ذكر ابن رشيد أن سياق البخاري لكلام الأوزاعي مشوش، وذلك أنه جعل الإيماء مشروطا بتعذر القدرة، والتأخير مشروطا بتعذر الإيماء، وجعل غاية التأخير انكشاف القتال، ثم قال ‏"‏ أو يأمنوا فيصلوا ركعتين ‏"‏ فجعل الأمن قسيم الانكشاف يحصل الأمن فكيف يكون قسيمه‏؟‏ وأجاب الكرماني عن هذا بأن الانكشاف قد يحصل ولا يحصل الأمن لخوف المعاودة، كما أن الأمن يحصل بزيادة القوة واتصال المدد بغير انكشاف، فعلى هذا فالأمن قسيم الانكشاف أيهما حصل اقتضى صلاة ركعتين‏.‏
وأما قوله ‏"‏ فإن لم يقدروا ‏"‏ فمعناه على صلاة ركعتين بالفعل أو بالإيماء ‏"‏ فواحدة ‏"‏ وهذا يؤخذ من كلامه الأول قال ‏"‏ فإن لم يقدروا عليها أخروا ‏"‏ أي حتى يحصل الأمن التام‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس‏)‏ وصله ابن سعد وابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه، وذكره ‏"‏ خليفة في تاريخه ‏"‏ وعمر بن شبة في ‏"‏ أخبار البصرة ‏"‏ من وجهين آخرين عن قتادة، ولفظ عمر ‏"‏ سأل قتادة عن الصلاة إذا حضر القتال فقال‏:‏ حدثني أنس بن مالك أنهم فتحوا تستر وهو يومئذ على مقدمة الناس وعبد الله بن قيس - يعني أبا موسى الأشعري - أميرهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تستر‏)‏ بضم المثناة الفوقانية وسكون المهملة وفتح المثناة أيضا بلد معروف من بلاد الأهواز، وذكر خليفة أن فتحها كان في سنة عشرين في خلافة عمر، وسيأتي الإشارة إلى كيفيته في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اشتعال القتال‏)‏ بالعين المهملة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم يقدروا على الصلاة‏)‏ يحتمل أن يكون للعجز عن النزول، ويحتمل أن يكون للعجر عن الإيماء أيضا، فيوافق ما تقدم عن الأوزاعي، وجزم الأصيلي بأن سببه أنهم لم يجدوا إلى الوضوء سبيلا من شدة القتال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا بعد ارتفاع النهار‏)‏ في رواية عمر بن شبة ‏"‏ حتى انتصف النهار‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما يسرني بتلك الصلاة‏)‏ أي بدل تلك الصلاة‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ من تلك الصلاة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الدنيا وما فيها‏)‏ في رواية خليفة‏:‏ الدنيا كلها، والذي يتبادر إلى الذهن من هذا أن مراده الاغتباط بما وقع، فالمراد بالصلاة على هذا هي المقضية التي وقعت، ووجه اغتباطه كونهم لم يشتغلوا عن العبادة إلا بعبادة أهم منها عندهم، ثم تداركوا ما فاتهم منها فقضوه، وهو كقول أبي بكر الصديق ‏"‏ لو طلعت لم تجدنا غافلين ‏"‏ وقيل‏:‏ مراد أنس الأسف على التفويت الذي وقع لهم، والمراد بالصلاة على هذه الفائتة ومعناه‏:‏ لو كانت في وقتها كانت أحب إلي فالله أعلم، وممن جزم بهذا الزين بن المنير فقال‏:‏ إيثار أنس الصلاة على الدنيا وما فيها يشعر بمخالفته لأبي موسى في اجتهاده المذكور، وأن أنسا كان يرى أن يصلي للوقت وإن فات الفتح، وقوله هذا موافق لحديث ‏"‏ ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ‏"‏ انتهى، وكأنه أراد الموافقة في اللفظ، وإلا فقصة أنس في المفروضة والحديث في النافلة، ويخدش فيما ذكره عن أنس من مخالفة اجتهاد أبي موسى أنه لو كان كذلك لصلى أنس وحده ولو بالإيماء، لكنه وافق أبا موسى ومن معه فكيف يعد مخالفا‏؟‏ والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُبَارَكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا بَعْدُ قَالَ فَنَزَلَ إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَابَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى حدثنا وكيع‏)‏ كذا في معظم الروايات، ووقع في رواية أبي ذر في نسخة ‏"‏ يحيى ابن موسى ‏"‏ وفي أخرى ‏"‏ يحيى بن جعفر ‏"‏ وهذا المعتمد، وهي نسخة صحيحة بعلامة المستملي، وفي بعض النسخ ‏"‏ يحيى بن موسى بن جعفر ‏"‏ وهو غلط ولعله كان فيه يحيى بن موسى وفي الحاشية ابن جعفر على أنها نسخة فجمع بينهما بعض من نسخ الكتاب، واسم جد يحيى بن موسى عبد ربه بن سالم وهو الملقب خت بفتح المعجمة بعدها مثناة فوقانية ثقيلة، واسم جد يحيى بن جعفر أعين وكلاهما من شيوخ البخاري وكلاهما من أصحاب وكيع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن جابر‏)‏ تقدم الكلام على حديثه في أواخر المواقيت، ونقل الاختلاف في سبب تأخير الصلاة يوم الخندق هل كان نسيانا أو عمدا، وعلى الثاني هل كان للشغل بالقتال أو لتعذر الطهارة أو قبل نزول آية الخوف‏؟‏ وإلى الأول وهو الشغل جنح البخاري في هذا الموضع ونزل عليه الآثار التي ترجم لها بالشروط المذكورة، ولا يرده ما تقدم من ترجيح كون آية الخوف نزلت قبل الخندق لأن وجهه أنه أقر على ذلك، وآية الخوف التي في البقرة لا تخالفه لأن التأخير مشروط بعدم القدرة على الصلاة مطلقا، وإلى الثاني جنح المالكية والحنابلة لأن الصلاة لا تبطل عندهم بالشغل الكثير في الحرب إذا احتيج إليه، وإلى الثالث جنح الشافعية كما تقدم في الموضع المذكور، وعكس بعضهم فادعى أن تأخيره صلى الله عليه وسلم للصلاة يوم الخندق دال على نسخ صلاة الخوف، قال ابن القصار‏:‏ وهو قول من لا يعرف السنن، لأن صلاة الخوف أنزلت بعد الخندق فكيف ينسخ الأول الآخر‏؟‏ فالله المستعان‏.‏

حسن الخليفه احمد
04-07-2013, 10:10 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n110&p1#TOP)باب صَلَاةِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ رَاكِبًا وَإِيمَاءً
وَقَالَ الْوَلِيدُ ذَكَرْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ صَلَاةَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَأَصْحَابِهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَقَالَ كَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا إِذَا تُخُوِّفَ الْفَوْتُ وَاحْتَجَّ الْوَلِيدُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية الحموي من الطريقين، إليه ‏"‏ وقائما ‏"‏ قال ابن المنذر‏:‏ كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول‏:‏ إن المطلوب يصلي على دابته يومئ إيماء، وإن كان طالبا نزل فصلى على الأرض، قال الشافعي‏:‏ إلا أن ينقطع من أصحابه فيخاف عود المطلوب عليه فيجزئه ذلك، وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل بخلاف المطلوب، ووجه الفرق أن شدة الخوف في المطلوب طاهرة لتحقق السبب المقتضي لها، وأما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو عليه وإنما يخاف أن يفوته العدو‏.‏
وما نقله ابن المنذر متعقب بكلام الأوزاعي، فإنه قيده بخوف الفوت ولم يستثن طالبا من مطلوب، وبه قال ابن حبيب من المالكية، وذكر أبو إسحاق الفزاري في ‏"‏ كتاب السير ‏"‏ له عن الأوزاعي قال‏:‏ إذا خاف الطالبون إن نزلوا بالأرض فوت العدو صلوا حيث وجهوا على كل حال، لأن الحديث جاء ‏"‏ إن النصر لا يرفع ما دام الطلب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الوليد‏)‏ كذا ذكره في ‏"‏ كتاب السير ‏"‏ ورواه الطبري وابن عبد البر من وجه آخر عن الأوزاعي قال ‏"‏ قال شرحبيل بن السمط لأصحابه‏:‏ لا تصلوا الصبح إلا على ظهر، فنزل الأشتر يعني النخعي فصلى على الأرض، فقال شرحبيل‏:‏ مخالف خالف الله به ‏"‏ وأخرجه ابن أبي شيبة‏.‏
من طريق رجاء بن حيوة قال ‏"‏ كان ثابت بن السمط في خوف، فحضرت الصلاة فصلوا ركبانا، فنزل الأشتر - يعني النخعي - فقال‏:‏ مخالف خولف به ‏"‏ فلعل ثابتا كان مع أخيه شرحبيل في ذلك الوجه، وشرحبيل المذكور بضم المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة بعدها موحدة مكسورة ثم ياء تحتانية ساكنة كندي هو الذي افتتح حمص ثم ولي إمرتها، وقد اختلف في صحبته، وليس له في البخاري غير هذا الموضع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا تخوف الفوت‏)‏ زاد المستملي ‏"‏ في الوقت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏واحتج الوليد‏)‏ معناه أن الوليد قوي مذهب الأوزاعي في مسألة الطالب بهذه القصة، قال ابن بطال‏:‏ لو وجد في بعض طرق الحديث أن الذين صلوا في الطريق صلوا ركبانا لكان بينا في الاستدلال، فإن لم يوجد ذلك فذكر ما حاصله أن وجه الاستدلال يكون بالقياس فكما ساغ لأولئك أن يؤخروا الصلاة عن وقتها المفترض كذلك يسوغ للطالب ترك إتمام الأركان والانتقال إلى الإيماء‏.‏
قال ابن المنير‏:‏ والأبين عندي أن وجه الاستدلال من جهة أن الاستعجال المأمور به يقتضي ترك الصلاة أصلا كما جرى لبعضهم، أو الصلاة على الدواب كما وقع للآخرين، لأن النزول ينافي مقصود الجد في الوصول، فالأولون بنوا على أن النزول معصية لمعارضته للأمر الخاص بالإسراع، وكأن تأخيرهم لها لوجود المعارض، والآخرون جمعوا بين دليلي وجوب الإسراع ووجوب الصلاة في وقتها فصلوا ركبانا، فلو فرضنا أنهم نزلوا لكان ذلك مضادا للأمر بالإسراع، وهو لا يظن بهم لما فيه من المخالفة‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا الذي حاوله ابن المنير قد أشار إليه ابن بطال بقوله‏:‏ لو وجد في بعض طرق الحديث الخ، فلم يستحسن الجزم في النقل بالاحتمال‏.‏
وأما قوله‏:‏ لا يظن بهم المخالفة، فمعترض بمثله بأن يقال لا يظن بهم المخالفة بتغيير هيئة الصلاة بغير توقيف، والأولى في هذا ما قاله ابن المرابط ووافقه الزين بن المنير أن وجه الاستدلال منه بطريق الأولوية، لأن الذين أخروا الصلاة حتى وصلوا إلى بني قريظة لم يعنفوا مع كونهم فوتوا الوقت، فصلاة من لا يفوت الوقت بالإيماء - أو كيف ما يمكن - أولى من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنْ الْأَحْزَابِ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمْ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا جويرية‏)‏ هو بالجيم تصغير جارية، وهو عم عبد الله الراوي عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يصلين أحد العصر‏)‏ في رواية مسلم عن عبد الله بن محمد بن أسماء شيخ البخاري في هذا الحديث ‏"‏ الظهر ‏"‏ وسيأتي بيان الصواب من ذلك في كتاب المغازي مع بقية الكلام على هذا الحديث إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ أخرج أبو داود في صلاة الطالب حديث عبيد الله بن أنيس إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى سفيان الهذلي قال ‏"‏ فرأيته وحضرت العصر فخشيت فوتها فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماء ‏"‏ وإسناده حسن‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n110&p1#TOP)باب التَّكْبِيرِ وَالْغَلَسِ بِالصُّبْحِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِغَارَةِ وَالْحَرْبِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التكبير‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني من الطريقين ‏"‏ التبكير ‏"‏ بتقديم الموحدة وهو أوجه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والصلاة عند الإغارة‏)‏ بكسر الهمزة بعدها معجمة، وهي متعلقة بالصلاة وبالتكبير أيضا‏.‏
أورد فيه حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بغلس ثم ركب، وقد تقدم في أوائل الصلاة في ‏"‏ باب ما يذكر في الفخذ ‏"‏ من طريق أخرى عن أنس وأوله ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلى عندها صلاة الغداة ‏"‏ الحديث بطوله، وهو أتم سياقا مما هنا، وقوله ‏"‏ويقولون‏:‏ محمد والخميس ‏"‏ فيه حمل لرواية عبد العزيز بن صهيب على رواية ثابت، فقد تقدم في الباب المذكور أن عبد العزيز لم يسمع من أنس قوله ‏"‏ والخميس ‏"‏ وأنها في رواية ثابت عند مسلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ وَيَقُولُونَ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذَّرَارِيَّ فَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِثَابِتٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ مَا أَمْهَرَهَا قَالَ أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا فَتَبَسَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصارت صفية لدحية الكلبي، وصارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ ظاهره أنها صارت لهما معا، وليس كذلك بل صارت لدحية أولا ثم صارت بعده لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم إيضاحه في الباب المذكور، وسيأتي بقية الكلام عليه في المغازي وفي النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏
ووجه دخول هذه الترجمة في أبواب صلاة الخوف للإشارة إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها التأخير إلى آخر الوقت كما شرطه من شرطه في صلاة شدة الخوف عند التحام المقاتلة، أشار إلى ذلك الزين بن المنير‏.‏
ويحتمل أن يكون للإشارة إلى تعين المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها قبل الدخول في الحرب والاشتغال بأمر العدو‏.‏
وأما التكبير فلأنه ذكر مأثور عند كل أمر مهول، وعند كل حادث سرور، شكرا لله تعالى وتبرئة له من كل ما نسب إليه أعداؤه ولا سيما اليهود قبحهم الله تعالى‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب صلاة الخوف على ستة أحاديث مرفوعة موصولة، تكرر منها فيما مضى حديثان والأربعة خالصة وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث ابن عباس‏.‏
وفيها من الآثار عن الصحابة والتابعين ستة آثار، منها واحد موصول وهو أثر مجاهد، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:17 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%B5%D9%8E%D9%84%D9%8E%D8%A 7%D8%A9%D9%90%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%91%D9%8E%D8% A7%D9%84%D9%90%D8%A8%D9%90%20%D9%88%D9%8E%D8%A7%D9 %84%D9%92%D9%85%D9%8E%D8%B7%D9%92%D9%84%D9%8F%D9%8 8%D8%A8%D9%90%20%D8%B1%D9%8E%D8%A7%D9%83%D9%90%D8% A8%D9%8B%D8%A7%20%D9%88%D9%8E%D8%A5%D9%90%D9%8A%D9 %85%D9%8E%D8%A7%D8%A1%D9%8B/i9&d18086&c&p1#TOP)باب التَّكْبِيرِ وَالْغَلَسِ بِالصُّبْحِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِغَارَةِ وَالْحَرْبِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التكبير‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني من الطريقين ‏"‏ التبكير ‏"‏ بتقديم الموحدة وهو أوجه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والصلاة عند الإغارة‏)‏ بكسر الهمزة بعدها معجمة، وهي متعلقة بالصلاة وبالتكبير أيضا‏.‏
أورد فيه حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بغلس ثم ركب، وقد تقدم في أوائل الصلاة في ‏"‏ باب ما يذكر في الفخذ ‏"‏ من طريق أخرى عن أنس وأوله ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلى عندها صلاة الغداة ‏"‏ الحديث بطوله، وهو أتم سياقا مما هنا، وقوله ‏"‏ويقولون‏:‏ محمد والخميس ‏"‏ فيه حمل لرواية عبد العزيز بن صهيب على رواية ثابت، فقد تقدم في الباب المذكور أن عبد العزيز لم يسمع من أنس قوله ‏"‏ والخميس ‏"‏ وأنها في رواية ثابت عند مسلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ وَيَقُولُونَ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذَّرَارِيَّ فَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِثَابِتٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ مَا أَمْهَرَهَا قَالَ أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا فَتَبَسَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصارت صفية لدحية الكلبي، وصارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ ظاهره أنها صارت لهما معا، وليس كذلك بل صارت لدحية أولا ثم صارت بعده لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم إيضاحه في الباب المذكور، وسيأتي بقية الكلام عليه في المغازي وفي النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏
ووجه دخول هذه الترجمة في أبواب صلاة الخوف للإشارة إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها التأخير إلى آخر الوقت كما شرطه من شرطه في صلاة شدة الخوف عند التحام المقاتلة، أشار إلى ذلك الزين بن المنير‏.‏
ويحتمل أن يكون للإشارة إلى تعين المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها قبل الدخول في الحرب والاشتغال بأمر العدو‏.‏
وأما التكبير فلأنه ذكر مأثور عند كل أمر مهول، وعند كل حادث سرور، شكرا لله تعالى وتبرئة له من كل ما نسب إليه أعداؤه ولا سيما اليهود قبحهم الله تعالى‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب صلاة الخوف على ستة أحاديث مرفوعة موصولة، تكرر منها فيما مضى حديثان والأربعة خالصة وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث ابن عباس‏.‏
وفيها من الآثار عن الصحابة والتابعين ستة آثار، منها واحد موصول وهو أثر مجاهد، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:19 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n111&p1#TOP)باب فِي الْعِيدَيْنِ وَالتَّجَمُّلِ فِيهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب في العيدين والتجمل فيه‏)‏ كذا في رواية أبي علي بن شبويه، ونحوه لابن عساكر، وسقطت البسملة لأبي ذر، وله في رواية المستملي ‏"‏ أبواب ‏"‏ بدل ‏"‏ كتاب‏"‏‏.‏
واقتصر في رواية الأصيلي والباقين على قوله ‏"‏ باب الخ ‏"‏ والضمير في ‏"‏ فيه ‏"‏ راجع إلى جنس العيد‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فيهما‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا للأكثر ‏"‏ أخذ ‏"‏ بهمزة وخاء وذال معجمتين في الموضعين، وفي بعض النسخ ‏"‏ وجد ‏"‏ بواو وجيم في الأول وهو أوجه، وكذا أخرجه الإسماعيلي والطبراني في مسند الشاميين وغير واحد من طرق إلى أبي اليمان شيخ البخاري فيه‏.‏
ووجه الكرماني الأول بأنه أراد ملزوم الأخذ وهو الشراء وفيه نظر لأنه لم يقع منه ذلك، فلعله أراد السوم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ابتع هذه تجمل بها‏)‏ كذا للأكثر بصيغة الأمر مجزوما وكذا جوابه‏.‏
ووقع في رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي ‏"‏ ابتاع هذه تجمل ‏"‏ وضبط في نسخ معتمدة بهمزة استفهام ممدودة ومقصورة وضم لام تجمل على أن أصله تتجمل فحذفت إحدى التاءين كأن عمر استأذن أن يبتاعها ليتجمل بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون بعض الرواة أشبع فتحة التاء فطنت ألفا‏.‏
وقال الكرماني قوله ‏"‏ هذه ‏"‏ إشارة إلى نوع الجبة، كذا قال، والذي يظهر إشارة إلى عينها ويلتحق بها جنسها، وقد تقدم في كتاب الجمعة توجيه الترجمة وأنها مأخوذة من تقريره صلى الله عليه وسلم على أصل التجمل، وإنما زجره عن الجبة لكونها كانت حريرا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏للعيد والوفود‏)‏ تقدم في كتاب الجمعة بلفظ ‏"‏ للجمعة ‏"‏ بدل للعيد وهي رواية نافع، وهذه رواية سالم، وكلاهما صحيح‏.‏
وكأن ابن عمر ذكرهما معا فاقتصر كل راو على أحدهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تبيعها وتصيب بها حاجتك‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أو تصيب ‏"‏ ومعنى الأول وتصيب بثمنها، والثاني يحتمل أن ‏"‏ أو ‏"‏ بمعنى الواو فهو كالأول أو التقسيم، والمراد المقايضة أو أعم من ذلك والله أعلم‏.‏
وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب اللباس، إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:21 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n111&p1#TOP)باب الْحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ الْعِيدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الحراب والدرق يوم العيد‏)‏ الحراب بكسر المهملة جمع حربة، والدرق جمع درقة وهي الترس‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ حمل السلاح في العيد لا مدخل له في سنة العيد ولا في صفة الخروج إليه، ويمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم كان محاربا خائفا فرأى الاستظهار بالسلاح، لكن ليس في حديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم خرج بأصحاب الحراب معه يوم العيد، ولا أمر أصحابه بالتأهب بالسلاح، يعني فلا يطابق الحديث الترجمة‏.‏
وأجاب ابن المنير في الحاشية بأن مراد البخاري الاستدلال على أن العيد يغتفر فيه من الانبساط ما لا يغتفر في غيره ا ه‏.‏
وليس في الترجمة أيضا تقييده بحال الخروج إلى العيد، بل الظاهر أن لعب الحبشة إنما كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من المصلى، لأنه كان يخرج أول النهار فيصلي ثم يرجع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَسَدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ حَسْبُكِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب‏.‏
وفي رواية أبي ذر وابن عساكر ‏"‏ حدثنا أحمد ابن عيسى ‏"‏ وبه جزم أبو نعيم في المستخرج، ووقع في رواية أبي علي بن شبويه ‏"‏ حدثنا أحمد بن صالح ‏"‏ وهو مقتضى إطلاق أبي علي بن السكن حيث قال‏:‏ كل ما في البخاري ‏"‏ حدثنا أحمد ‏"‏ غير منسوب فهو ابن صالح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عمرو‏)‏ هو ابن الحارث المصري، وشطر هذا الإسناد الأول مصريون والثاني مدنيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد في رواية الزهري عن عروة ‏"‏ في أيام منى ‏"‏ وسيأتي بعد ثلاثة وعشرين بابا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جاريتان‏)‏ زاد في الباب الذي بعده ‏"‏ من جواري الأنصار ‏"‏ وللطبراني من حديث أم سلمة أن إحداهما كانت لحسان بن ثابت، وفي الأربعين للسلمي أنهما كانتا لعبد الله بن سلام، وفي العيدين لابن أبي الدنيا من طريق فليح عن هشام بن عروة ‏"‏ وحمامة وصاحبتها تغنيان ‏"‏ وإسناده صحيح، ولم أقف على تسمية الأخرى، لكن يحتمل أن يكون اسم الثانية زينب وقد ذكره في كتاب النكاح، ولم يذكر حمامة الذين صنفوا في الصحابة وهي على شرطهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تغنيان‏)‏ زاد في رواية الزهري ‏"‏ تدففان ‏"‏ بفاءين أي تضربان بالدف، ولمسلم في رواية هشام أيضا ‏"‏ تغنيان بدف ‏"‏ وللنسائي ‏"‏ بدفين ‏"‏ والدف بضم الدال على الأشهر وقد تفتح، ويقال له أيضا الكربال بكسر الكاف وهو الذي لا جلاجل فيه، فإن كانت فيه فهو المزهر، وفي حديث الباب الذي بعده ‏"‏ بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث ‏"‏ أي قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء، وللمصنف في الهجرة ‏"‏ بما تعازفت ‏"‏ بمهملة وزاي وفاء من العزف وهو الصوت الذي له دوي‏.‏
وفي رواية ‏"‏ تقاذفت ‏"‏ بقاف بدل العين وذال معجمة بدل الزاي وهو من القذف وهو هجاء بعضهم لبعض، ولأحمد من رواية حماد ابن سلمة عن هشام يذكر أن يوم بعاث يوم قتل فيه صناديد الأوس والخزرج ا ه‏.‏
وبعاث بضم الموحدة وبعدها مهملة وآخره مثلثة قال عياض ومن تبعه‏:‏ أعجمها أبو عبيدة وحده‏.‏
وقال ابن الأثير في الكامل‏:‏ أعجمها صاحب العين يعني الخليل وحده، وكذا حكى أبو عبيد البكري في معجم البلدان عن الخليل، وجزم أبو موسى في ذيل الغريب بأنه تصحيف وتبعه صاحب النهاية، قال البكري‏:‏ هو موضع من المدينة على ليلتين‏.‏
وقال أبو موسى وصاحب الهداية‏:‏ هو اسم حصن للأوس، وفي كتاب أبي الفرج الأصفهاني في ترجمة أبي قيس بن الأسلت‏:‏ هو موضع في دار بني قريظة فيه أموال لهم، وكان موضع الوقعة في مزرعة لهم هناك‏.‏
ولا منافاة بين القولين‏.‏
وقال صاحب المطالع‏:‏ الأشهر فيه ترك الصرف‏.‏
قال الخطابي‏:‏ يوم بعاث يوم مشهور من أيام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج، وبقيت الحرب قائمة مائة وعشرين سنة إلى الإسلام على ما ذكر ابن إسحاق وغيره‏.‏
قلت‏:‏ تبعه على هذا جماعة من شراح الصحيحين، وفيه نظر لأنه يوهم أن الحرب التي وقعت يوم بعاث دامت هذه المدة، وليس كذلك فسيأتي في أوائل الهجرة قول عائشة ‏"‏ كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله فقدم المدينة وقد افترق ملؤهم وقتلت سراتهم ‏"‏ وكذا ذكره ابن إسحاق والواقدي وغيرهما من أصحاب الأخبار، وقد روى ابن سعد بأسانيده أن النفر الستة أو الثمانية الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم بمنى أول من لقيه من الأنصار - وكانوا قد قدموا إلى مكة ليحالفوا قريشا - كان في جملة ما قالوه له لما دعاهم إلى الإسلام والنصر له‏:‏ واعلم إنما كانت وقعة بعاث عام الأول، فموعدك الموسم القابل، فقدموا في السنة التي تليها فبايعوه، وهي البيعة الأولى، ثم قدموا الثانية فبايعوه وهم سبعون نفسا، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل التي تليها‏.‏
فدل ذلك على أن وقعة بعاث كانت قبل الهجرة بثلاث سنين، وهو المعتمد، وهو أصح من قول ابن عبد البر في ترجمة زيد ابن ثابت من الاستيعاب‏:‏ إنه كان يوم بعاث ابن ست سنين، وحين قدم النبي صلى الله عليه وسلم كان ابن إحدى عشرة، فيكون يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنين‏.‏
نعم دامت الحرب بين الحيين الأوس والخزرج المدة التي ذكرها في أيام كثيرة شهيرة، وكان أولها فيما ذكر ابن إسحاق وهشام بن الكلبي وغيرهما أن الأوس والخزرج لما نزلوا المدينة وجدوا اليهود مستوطنين بها فحالفوهم وكانوا تحت قهرهم، ثم غلبوا على اليهود في قصة طويلة بمساعدة أبي جبلة ملك غسان، فلم يزالوا على اتفاق بينهم حتى كانت أول حرب وقعت بينهم حرب سمير - بالمهملة مصغرا - بسبب رجل يقال له كعب من بني ثعلبة نزل على مالك ابن عجلان الخزرجي فحالفه، فقتله رجل من الأوس يقال له سمير فكان ذلك سبب الحرب بين الحيين، ثم كانت بينهم وقائع من أشهرها يوم السرارة بمهملات، ويوم فارع بفاء ومهملة، ويوم الفجار الأول والثاني، وحرب حصين بن الأسلت، وحرب حاطب بن قيس، إلى أن كان آخر ذلك يوم بعاث وكان رئيس الأوس فيه حضير والد أسيد وكان يقال له حضير الكتائب، وجرح يومئذ ثم مات بعد مدة من جراحته، وكان رئيس الخزرج عمرو بن النعمان، وجاءه سهم في القتال فصرعه فهزموا بعد أن كانوا قد ستظهروا، ولحسان وغيره من الخزرج وكذا لقيس بن الحطيم وغيره من الأوس في ذلك أشعار كثيرة مشهورة في دواوينهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاضطجع على الفراش‏)‏ في رواية الزهري المذكورة أنه ‏"‏ تغشى بثوبه ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ تسجى ‏"‏ أي التف بثوبه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجاء أبو بكر‏)‏ في رواية هشام بن عروة في الباب الذي بعده ‏"‏ دخل على أبو بكر وكأنه جاء زائرا لها بعد أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فانتهرني‏)‏ في رواية الزهري ‏"‏ فانتهرهما ‏"‏ أي الجاريتين، ويجمع بأنه شرك بينهن في الانتهار والزجر، أما عائشة فلتقريرها، وأما الجاريتان فلفعلهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مزمارة الشيطان‏)‏ بكسر الميم يعني الغناء أو الدف، لأن المزمارة أو المزمار مشتق من الزمير وهو الصوت الذي له الصفير، ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء، وسميت به الآلة المعروفة التي يزمر بها، وإضافتها إلى الشيطان من جهة أنها تلهي، فقد تشغل القلب عن الذكر‏.‏
وفي رواية حماد بن سلمة عند أحمد ‏"‏ فقال‏:‏ يا عباد الله أبمزمور الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ المزمور الصوت، ونسبته إلى الشيطان ذم على ما ظهر لأبي بكر، وضبطه عياض بضم الميم وحكى فتحها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأقبل عليه‏)‏ في رواية الزهري ‏"‏ فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه ‏"‏ وفي رواية فليح ‏"‏ فكشف رأسه ‏"‏ وقد تقدم أنه كان ملتفا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏دعهما‏)‏ زاد في رواية هشام ‏"‏ يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا ‏"‏ ففيه تعليل الأمر بتركهما، وإيضاح خلاف ما ظنه الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه صلى الله عليه وسلم لكونه دخل فوجده مغطى بثوبه فظنه نائما فتوجه له الإنكار على ابنته من هذه الأوجه مستصحبا لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو، فبادر إلى إنكار ذلك قياما عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مستندا إلى ما ظهر له، فأوضح له النبي صلى الله عليه وسلم الحال، وعرفه الحكم مقرونا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد، أي يوم سرور شرعي، فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس، وبهذا يرتفع الإشكال عمن قال‏:‏ كيف ساغ للصديق إنكار شيء أقره النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ وتكلف جوابا لا يخفى تعسفه‏.‏
وفي قوله ‏"‏ لكل قوم ‏"‏ أي من الطوائف وقوله ‏"‏ عيد ‏"‏ أي كالنيروز والمهرجان، وفي النسائي وابن حبان بإسناد صحيح عن أنس ‏"‏ قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال‏:‏ قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما‏:‏ يوم الفطر والأضحى ‏"‏ واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم، وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقال‏:‏ من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله تعالى‏.‏
استنبط من تسمية أيام منى بأنها أيام عيد مشروعية قضاء صلاة العيد فيها لمن فاتته كما سيأتي بعد‏.‏
واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها ‏"‏ وليستا بمغنيتين ‏"‏ فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ، لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب بفتح النون وسكون المهملة على الحداء‏.‏
ولا يسمى فاعله مغنيا وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح، قال القرطبي‏:‏ قولها ‏"‏ ليستا بمغنيتين ‏"‏ أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه، قال‏:‏ وأما ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير، حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان، حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة، وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال، وأن ذلك يثمر سني الأحوال وهذا - على التحقيق - من آثار الزندقة، وقول أهل المخرفة والله المستعان ا ه‏.‏
وينبغي أن يعكس مرادهم ويقرأ ‏"‏ سيء ‏"‏ عوض النون الخفيفة المكسورة بغير همز بمثناة تحتانية ثقيلة مهموزا‏.‏
وأما الآلات فسيأتي الكلام على اختلاف العلماء فيها عند الكلام على حديث المعازف في كتاب الأشربة، وقد حكى قوم الإجماع على تحريمها، وحكى بعضهم عكسه، وسنذكر بيان شبهة الفريقين إن شاء الله تعالى‏.‏
ولا يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحوه إباحة غيره من الآلات كالعود ونحوه كما سنذكر ذلك في وليمة العرس إن شاء الله تعالى‏.‏
وأما التفافه صلى الله عليه وسلم بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك، لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل، والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل والله أعلم‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى‏.‏
وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين‏.‏
وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وهي عند زوجها إذا كان له بذلك عادة، وتأديب الأب بحضرة الزوج وإن تركه الزوج، إذ التأديب وظيفة الآباء، والعطف مشروع من الأزواج للنساء‏.‏
وفيه الرفق بالمرأة واستجلاب مودتها، وأن مواضع أهل الخير تنزه عن اللهو واللغو وإن لم يكن فيه إثم إلا بإذنهم‏.‏
وفيه أن التلميذ إذا رأى عند شيخه ما يستكره مثله بادر إلى إنكاره، ولا يكون في ذلك افتئات على شيخه، بل هو أدب منه ورعاية لحرمته وإجلال لمنصبه، وفيه فتوى التلميذ بحضرة شيخه بما يعرف من طريقته، ويحتمل أن يكون أبو بكر ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نام فخشي أن يستيقظ فيغضب على ابنته فبادر إلى سد هذه الذريعة‏.‏
وفي قول عائشة في آخر هذا الحديث ‏"‏ فلما غفل غمزتهما فخرجتا ‏"‏ دلالة على أنها مع ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لها في ذلك راعت خاطر أبيها وخشيت غضبه عليها فأخرجتهما، واقتناعها في ذلك بالإشارة فيما يظهر للحياء من الكلام بحضرة من هو أكبر منها والله أعلم‏.‏
واستدل به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء ولو لم تكن مملوكة لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر سماعه بل أنكر إنكاره، واستمرتا إلى أن أشارت إليهما عائشة بالخروج‏.‏ولا يخفى أن محل الجواز ما إذا أمنت الفتنة بذلك، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان يوم عيد‏)‏ هذا حديث آخر وقد جمعهما بعض الرواة وأفردهما بعضهم، وقد تقدم هذا الحديث الثاني من وجه آخر عن الزهري عن عروة في أبواب المساجد، ووقع عند الجوزقي في حديث الباب هنا ‏"‏ وقالت - أي عائشة - كان يوم عيد ‏"‏ فتبين بهذا أنه موصول كالأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يلعب فيه السودان‏)‏ في رواية الزهري المذكورة ‏"‏ والحبشة يلعبون في المسجد ‏"‏ وزاد في رواية معلقة ووصلها مسلم ‏"‏ بحرابهم ‏"‏ ولمسلم من رواية هشام عن أبيه ‏"‏ جاء حبش يلعبون في المسجد‏"‏، قال المحب الطبري‏:‏ هذا السياق يشعر بأن عادتهم ذلك في كل عيد، ووقع في رواية ابن حبان ‏"‏ لما قدم وفد الحبشة قاموا يلعبون في المسجد ‏"‏ وهذا يشعر بأن الترخيص لهم في ذلك بحال القدوم، ولا تنافي بينهما لاحتمال أن يكون قدومهم صادف يوم عيد وكان من عادتهم اللعب في الأعياد ففعلوا ذلك كعادتهم ثم صاروا يلعبون يوم كل عيد، ويؤيده ما رواه أبو داود عن أنس قال ‏"‏ لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة فرحا بذلك لعبوا بحرابهم‏"‏؛ ولا شك أن يوم قدومه صلى الله عليه وسلم كان عندهم أعظم من يوم العيد، قال الزين بن المنير‏:‏ سماه لعبا وإن كان أصله التدريب على الحرب وهو من الجد لما فيه من شبه اللعب، لكونه يقصد إلى الطعن ولا يفعله ويوهم بذلك قرنه ولو كان أباه أو ابنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال‏:‏ تشتهين تنظرين‏)‏ هذا تردد منها فيما كان وقع له هل كان أذن لها في ذلك ابتداء منه أو عن سؤال منها، وهذا بناء على أن سألت بسكون اللام على أنه كلامها، ويحتمل أن يكون بفتح اللام فيكون كلام الراوي فلا ينافي مع ذلك قوله ‏"‏ وإما قال تشتهين تنظرين ‏"‏ وقد اختلفت الروايات عنها في ذلك‏:‏ ففي رواية النسائي من طريق يزيد بن رومان عنها ‏"‏ سمعت لغطا وصوت صبيان، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن - أي ترقص - والصبيان حولها فقال‏:‏ يا عائشة، تعالي فانظري ‏"‏ ففي هذا أنه ابتدأها‏.‏
وفي رواية عبيد بن عمير عنها عند مسلم أنها قالت للعابين ‏"‏ وددت أني أراهم ‏"‏ ففي هذا أنها سألت، ويجمع بينهما بأنها التمست منه ذلك فأذن لها‏.‏
وفي رواية النسائي من طريق أبي سلمة عنها ‏"‏ دخل الحبشة يلعبون، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم ‏"‏ إسناده صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا‏.‏
وفي رواية أبي سلمة هذه من الزيادة عنها قالت ‏"‏ ومن قولهم يومئذ‏:‏ أبا القاسم طيبا ‏"‏ كذا فيه بالنصب، وهو حكاية قول الحبشة، ولأحمد والسراج وابن حبان من حديث أنس ‏"‏ أن الحبشة كانت تزفن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ويتكلمون بكلام لهم، فقال‏:‏ ما يقولون‏؟‏ قال يقولون‏:‏ محمد عبد صالح‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأقامني وراءه خدي على خده‏)‏ أي متلاصقين وهي جملة حالية بدون واو كما قيل في قوله تعالى ‏(‏اهبطوا بعضكم لبعض عدو‏)‏ وفي رواية هشام عن أبيه عند مسلم ‏"‏ فوضعت رأسي على منكبه ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة المذكورة ‏"‏ فوضعت ذقني على عاتقه وأسندت وجهي إلى خده ‏"‏ وفي رواية عبيد ابن عمير عنها ‏"‏ أنظر بين أذنيه وعاتقه ‏"‏ ومعانيها متقاربة، ورواية أبي سلمة أبينها‏.‏
وفي رواية الزهري الآتية بعد عن عروة ‏"‏ فيسترني وأنا أنظر ‏"‏ وقد تقدم في أبواب المساجد بلفظ ‏"‏ يسترني بردائه ‏"‏ ويتعقب به على الزين بن المنير في استنباطه من لفظ حديث الباب جواز اكتفاء المرأة بالتستر بالقيام خلف من تستر به من زوج أو ذي محرم إذا قام ذلك مقام الرداء، لأن القصة واحدة، وقد وقع فيها التنصيص على وجود التستر بالرداء‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:24 PM
قوله‏:‏ ‏(‏وهو يقول‏:‏ دونكم‏)‏ بالنصب على الظرفية بمعنى الإغراء والمغري به محذوف وهو لعبهم بالحراب، وفيه إذن وتنهيض لهم وتنشيط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يا بني أرفدة‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء وقد تفتح، قيل هو لقب للحبشة، وقيل هو اسم جنس لهم، وقيل اسم جدهم الأكبر وقيل المعنى يا بني الإماء، زاد في رواية الزهري عن عروة ‏"‏ فزجرهم عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أمنا بني أرفدة ‏"‏ وبين الزهري أيضا عن سعيد عن أبي هريرة وجه الزجر حيث قال ‏"‏ فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهم يا عمر ‏"‏ وسيأتي في الجهاد، وزاد أبو عوانة في صحيحه ‏"‏ فإنهم بنو أرفدة ‏"‏ كأنه يعني أن هذا شأنهم وطريقتهم وهو من الأمور المباحة فلا إنكار عليهم‏.‏
قال المحب الطبري‏:‏ فيه تنبيه على أنه يغتفر لهم ما لا يغتفر لغيرهم، لأن الأصل في المساجد تنزيهها عن اللعب فيقتصر على ما ورد فيه النص، انتهى‏.‏
وروى السراج من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال يومئذ ‏"‏ لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة ‏"‏ وهذا يشعر بعدم التخصيص، وكأن عمر بنى على الأصل في تنزيه المساجد فبين له النبي صلى الله عليه وسلم وجه الجواز فيما كان هذا سبيله كما سيأتي تقريره، أو لعله لم يكن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يراهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى إذا مللت‏)‏ بكسر اللام الأولى -‏.‏
وفي رواية الزهري ‏"‏ حتى أكون أنا الذي أسأم ‏"‏ ولمسلم من طريقه ‏"‏ ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا الذي أنصرف ‏"‏ وفي رواية يزيد بن رومان عند النسائي ‏"‏ أما شبعت‏؟‏ أما شبعت‏؟‏ قالت‏:‏ فجعلت أقول‏:‏ لا، لأنظر منزلتي عنده ‏"‏ وله من رواية أبي سلمة عنها‏:‏ ‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال‏:‏ حسبك‏؟‏ قلت‏:‏ لا تعجل‏.‏
قال‏:‏ وما بي حب النظر إليهم ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه ‏"‏ وزاد في النكاح في رواية الزهري ‏"‏ فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو ‏"‏ وقولها ‏"‏ اقدروا ‏"‏ بضم الدال من التقدير ويجوز كسرها، وأشارت بذلك إلى أنها كانت حينئذ شابة، وقد تمسك به من ادعى نسخ هذا الحكم وأنه كان في أول الإسلام كما تقدمت حكايته في أبواب المساجد، ورد بأن قولها‏:‏ ‏"‏ يسترني بردائه ‏"‏ دال على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب، وكذا قولها ‏"‏ أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ‏"‏ مشعر بأن ذلك وقع بعد أن صارت لها ضرائر، أرادت الفخر عليهن، فالظاهر أن ذلك وقع بعد بلوغها، وقد تقدم من رواية ابن حبان أن ذلك وقع لما قدم وفد الحبشة وكان قدومهم سنة سبع فيكون عمرها حينئذ خمس عشرة سنة، وقد تقدم في أبواب المساجد شيء نحو هذا والجواب عنه واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه، واستنبط منه جواز المثاقفة لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب، قال عياض‏:‏ وفيه جواز نظر النساء إلى فعل الرجال الأجانب لأنه إنما يكره لهن النظر إلى المحاسن والاستلذاذ بذلك، ومن تراجم البخاري عليه ‏"‏ باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة ‏"‏ وقال النووي‏:‏ أما النظر بشهوة وعند خشية الفتنة فحرام اتفاقا، وأما بغير شهوة فالأصح أنه محرم‏.‏
وأجاب عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل بلوغ عائشة، وهذا قد تقدمت الإشارة إلى ما فيه، قال‏:‏ أو كانت تنظر إلى لعبهم بحرابهم لا إلى وجوههم وأبدانهم، وإن وقع بلا قصد أمكن أن تصرفه في الحال‏.‏
انتهى‏.‏
وقد تقدمت بقية فوائده في أبواب المساجد‏.‏
وسيأتي بعد ستة أبواب وجه الجمع بين ترجمة البخاري هذا الباب والباب الآتي هناك حيث قال ‏"‏ باب ما يكره من حمل السلاح في العيد ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:26 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n112&p1#TOP)باب سُنَّةِ الْعِيدَيْنِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سنة العيد لأهل الإسلام‏)‏ كذا للأكثر، وقد اقتصر عليه الإسماعيلي في المستخرج وأبو نعيم وزاد أبو ذر عن الحموي في أول الترجمة ‏"‏ الدعاء في العيد ‏"‏ قال ابن رشيد أراه تصحيفا، وكأنه كان فيه اللعب في العيد، يعني فيناسب حديث عائشة وهو الثاني من حديثي الباب، ويحتمل أن يوجه بأن الدعاء بعد صلاة العيد يؤخذ حكمه من جواز اللعب بعدها بطريق الأولى‏.‏
وقد روى ابن عدي من حديث واثلة أنه ‏"‏ لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فقال‏:‏ تقبل الله منا ومنك، فقال‏:‏ نعم تقبل الله منا ومنك ‏"‏ وفي إسناده محمد بن إبراهيم الشامي وهو ضعيف، وقد تفرد به مرفوعا، وخولف فيه، فروى البيهقي من حديث عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ‏"‏ ذلك فعل أهل الكتابين ‏"‏ وإسناده ضعيف أيضا، وكأنه أراد أنه لم يصح فيه شيء‏.‏
وروينا في ‏"‏ المحامليات ‏"‏ بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال ‏"‏ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض‏:‏ تقبل الله منا ومنك ‏"‏ وأما مناسبة حديث عائشة للترجمة التي اقتصر عليها الأكثر فقد قيل‏:‏ إنها من قوله ‏"‏ وهذا عيدنا ‏"‏ لإشعاره بالندب إلى ذلك، وفيه نظر لأن اللعب لا يوصف بالندبية، لكن يقربه أن المباح قد يرتفع بالنية إلى درجة ما يثاب عليه، ويحتمل أن يكون المراد أن تقديم العبادة على اللعب سنة أهل الإسلام، أو تحمل ‏"‏ السنة ‏"‏ في الترجمة على المعنى اللغوي‏.‏
وأما حديث البراء فهو طرف من حديث سيأتي بتمامه بعد باب، وحجاج المذكور في الإسناد هو ابن منهال‏.‏
واستشكل الزين بن المنير مناسبته للترجمة من حيث أنه قال فيها العيدين بالتثنية مع أنها لا تتعلق إلا بعيد النحر، وأجاب بأن في قوله ‏"‏ إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ‏"‏ إشعارا بأن الصلاة ذلك اليوم هي الأمر المهم، وأن ما سواها من الخطبة والنحر والذكر وغير ذلك من أعمال البر يوم النحر فبطريق التبع، وهذا القدر مشترك بين العيدين، فحسن أن لا تفرد الترجمة بعيد النحر‏.‏
انتهى‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث عائشة مستوفي في الباب الذي قبله‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:28 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n112&p1#TOP)باب الْأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج‏)‏ أي إلى صلاة العيد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَقَالَ مُرَجَّأُ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبيد الله‏)‏ هو بالتصغير، وفي نسخة الصغاني ‏"‏ حدثنا عبد الله بن أنس ‏"‏ بحذف أبي بكر، هكذا رواه سعيد بن سليمان عن هشيم، وتابعه أبو الربيع الزهراني عند الإسماعيلي، وجبارة ابن المغلس عند ابن ماجه، ورواه عن هشيم قتيبة عند الترمذي، وأحمد بن منيع عند ابن خزيمة، وأبو بكر ابن أبي شيبة عند ابن حبان والإسماعيلي، وعمرو بن عون عند الحاكم فقالوا كلهم ‏"‏ عن هشيم عن محمد ابن إسحاق عن حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس ‏"‏ قال الترمذي صحيح غريب، وأعله الإسماعيلي بأن هشيما مدلس، وقد اختلف عليه فيه، وابن إسحاق ليس من شرط البخاري‏.‏
قلت‏:‏ وهي علة غير قادحة لأن هشيما قد صرح فيه بالإخبار فأمن تدليسه، ولهذا نزل فيه البخاري درجة لأن سعيد بن سليمان من شيوخه، وقد أخرج هذا الحديث عنه بواسطة لكونه لم يسمعه منه ولم يلق من أصحاب هشيم مع كثرة من لقيه منهم من يحدث به مصرحا عنه فيه بالإخبار، وقد جزم أبو مسعود الدمشقي بأنه كان عند هشيم على الوجهين، وأن أصحاب هشيم القدماء كانوا يروونه عنه على الوجه الأول فلا تضر طريق ابن إسحاق المذكورة، قال البيهقي‏:‏ ويؤكد ذلك أن سعيد بن سليمان قد رواه عن هشيم على الوجهين، ثم ساقه من رواية معاذ بن المثنى عنه عن هشيم بالإسنادين المذكورين فرجح صنيع البخاري، ويؤيد ذلك متابعة مرجى بن رجاء لهشيم على روايته له عن عبيد الله بن أبي بكر، وقد علقها البخاري هنا، وأفادت ثلاث فوائد‏:‏ الأولى هذه، والثانية تصريح عبيد الله فيه بالإخبار عن أنس، والثالثة تقييد الأكل بكونه وترا‏.‏
وقد وصلها ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق أبي النضر عن مرجى بلفظ ‏"‏ يخرج ‏"‏ بدل ‏"‏ يغدو ‏"‏ والباقي مثل لفظ هشيم وفيه الزيادة، وكذا وصله أبو ذر في زياداته في الصحيح عن أبي حامد بن نعيم عن الحسين بن محمد بن مصعب عن أبي داود السنجي عن أبي النضر، وأخرجه الإمام أحمد عن حرمي بن عمارة عن مرجى بلفظ ‏"‏ ويأكلهن أفرادا ‏"‏ ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في تاريخه، وله راو ثالث عن عبيد الله بن أبي بكر أخرجه الإسماعيلي أيضا وابن حبان والحاكم من رواية عتبة بن حميد عنه بلفظ ‏"‏ ما خرج يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل من ذلك أو أكثر وترا، وهي أصرح في المداومة على ذلك، قال المهلب‏:‏ الحكمة في الأكل قبل الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد، فكأنه أراد سد هذه الذريعة‏.‏
وقال غيره‏:‏ لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى، ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك، ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع، وأشار إلى ذلك ابن أبي جمرة‏.‏
وقال بعض المالكية‏:‏ لما كان المعتكف لا يتم اعتكافه حتى يغدو إلى المصلى قبل انصرافه إلى بيته خشي أن يعتمد في هذا الجزء من النهار باعتبار استصحاب الصائم ما يعتمد من استصحاب الاعتكاف، ففرق بينهما بمشروعية الأكل قبل الغدو‏.‏
وقيل لأن الشيطان الذي يحبس في رمضان لا يطلق إلا بعد صلاة العيد، فاستحب تعجيل الفطر بدارا إلى السلامة من وسوسته‏.‏
وسيأتي توجيه آخر لابن المنير في الباب الذي بعده‏.‏
وقال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم في استحباب تعجيل الأكل يوم الفطر اختلافا‏.‏
انتهى‏.‏
وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود التخيير فيه، وعن النخعي أيضا مثله‏.‏
والحكمة في استحباب التمر لما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم، ولأن الحلو مما يوافق الإيمان ويعبر به المنام ويرق به القلب وهو أيسر من غيره، ومن ثم استحب بعض التابعين أنه يفطر على الحلو مطلقا كالعسل رواه ابن أبي شيبة عن معاوية بن قرة وابن سيرين وغيرهما، وروى فيه معنى آخر عن ابن عون أنه سأل عن ذلك فقال‏:‏ إنه يحبس البول، هذا كله في حق من يقدر على ذلك وإلا فينبغي أن يفطر ولو على الماء ليحصل له شبه ما من الاتباع أشار إليه ابن أبي جمرة‏.‏
وأما جعلهن وترا فقال المهلب‏:‏ فللإشارة إلى وحدانية الله تعالى، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يفعله في جميع أموره تبركا بذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ مرجى بوزن معلى، وأبوه بلفظ رجاء ضد الخوف بصري مختلف في الاحتجاج به، وليس له في البخاري غير هذا الموضع الواحد‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:29 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n112&p1#TOP)باب الْأَكْلِ يَوْمَ النَّحْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأكل يوم النحر‏)‏ قال الزين بن المنير ما محصله‏:‏ لم يقيد المصنف الأكل يوم النحر بوقت معين كما قيده في الفطر، ووجه ذلك من حديث أنس قول الرجل ‏"‏ هذا يوم يشتهي فيه اللحم ‏"‏ وقوله في حديث البراء ‏"‏ أن اليوم يوم أكل وشرب ‏"‏ ولم يقيد ذلك بوقت‏.‏
انتهى‏.‏
ولعل المصنف أراد الإشارة إلى تضعيف ما ورد في بعض طرق الحديث الذي قبله من مغايرة يوم الفطر ليوم النحر من استحباب البداءة بالصلاة يوم النحر قبل الأكل، لأن في حديث البراء أن أبا بردة أكل قبل الصلاة يوم النحر، فبين له صلى الله عليه وسلم أن التي ذبحها لا تجزئ عن الأضحية وأقره على الأكل منها، وأما ما ورد في الترمذي والحاكم من حديث بريدة قال ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي ‏"‏ ونحوه عند البزار عن جابر بن سمرة، وروى الطبراني والدار قطني من حديث ابن عباس قال ‏"‏ من السنة أن لا يخرج يوم الفطر حتى يخرج الصدقة ويطعم شيئا قبل أن يخرج ‏"‏ وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال، وقد أخذ أكثر الفقهاء بما دلت عليه، قال الزين بن المنير‏:‏ وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها فاجتمعا من جهة وافترقا من جهة أخرى، واختار بعضهم تفصيلا آخر فقال‏:‏ من كان له ذبح استحب له أن يبدأ بالأكل يوم النحر منه، ومن لم يكن له ذبح تخير‏.‏
وسيأتي الكلام على حديثي أنس والبراء المذكورين في هذا الباب في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَضْحَى بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا نُسُكَ لَهُ فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ خَالُ الْبَرَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلَاةِ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي فَذَبَحْتُ شَاتِي وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلَاةَ قَالَ شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ أَفَتَجْزِي عَنِّي قَالَ نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ
الشرح‏:‏
قوله في حديث البراء ‏"‏ ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له ‏"‏ كذا في الأصول بإثبات الواو، وحذفها النسائي وهو أوجه، ويمكن توجيه إثباتها بتقدير لا يجزئ ولا نسك له، وهو قريب من حديث ‏"‏ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ‏"‏ وقد أخرجه مسلم عن عثمان ابن أبي شيبة هذا وإسحاق بن إبراهيم جميعا عن جرير بلفظه، وأخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة ويوسف بن موسى وعثمان هذا ثلاثتهم عن جرير بلفظ ‏"‏ ومن نسك قبل الصلاة فشاته شاة لحم ‏"‏ وذكر أن معناهم واحد، وقد أخرجه أبو يعلى عن أبي خيثمة بهذا اللفظ، وأظن التصرف فيه من عثمان رواه بالمعنى والله أعلم‏.‏
وفي حديثي أنس والبراء من الفوائد تأكيد أمر الأضحية، وأن المقصود منها طيب اللحم وإيثار الجار على غيره، وأن المفتي إذا ظهرت له من المستفتي أمارة الصدق كان له أن يسهل عليه، حتى لو استفتاه اثنان في قضية واحدة جاز أن يفتي كلا منهما بما يناسب حاله، وجواز إخبار المرء عن نفسه بما يستحق الثناء به عليه بقدر الحاجة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n112&p1#TOP)باب الْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى بِغَيْرِ مِنْبَرٍ

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:30 PM
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الخروج إلى المصلى بغير منبر‏)‏ يشير إلى ما ورد في بعض طرق حديث أبي سعيد الذي ساقه في هذا الباب، وهو ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من طريق الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال ‏"‏ أخرج مروان المنبر يوم عيد وبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام إليه رجل فقال‏:‏ يا مروان خالفت السنة ‏"‏ الحديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَبَذَنِي فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقُلْتُ لَهُ غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ فَقُلْتُ مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لَا أَعْلَمُ فَقَالَ إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن جعفر‏)‏ أي ابن أبي كثير المدني، وعياض بن عبد الله أي ابن سعد بن أبي سرح القرشي المدني، ورجاله كلهم مدنيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ في رواية عبد الرزاق عن داود بن قيس عن عياض قال‏:‏ سمعت أبا سعيد، وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق ابن وهب عن داود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى المصلى‏)‏ هو موضع بالمدينة معروف بينه وبين باب المسجد ألف ذراع قاله عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ عن أبي غسان الكناني صاحب مالك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس‏)‏ في رواية ابن حبان من طريق داود بن قيس عن عياض ‏"‏ فينصرف إلى الناس قائما في مصلاه ‏"‏ ولابن خزيمة في رواية مختصرة ‏"‏ خطب يوم عيد على رجليه ‏"‏ وهذا مشعر بأنه لم يكن بالمصلى في زمانه صلى الله عليه وسلم منبر، ويدل على ذلك قول أبي سعيد ‏"‏ فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان ‏"‏ ومقتضى ذلك أن أول من اتخذه مروان، وقد وقع في المدونة لمالك ورواه عمر بن شبة عن أبي غسان عنه قال ‏"‏ أول من خطب الناس في المصلى على المنبر عثمان بن عفان كلمهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت، وهذا معضل، وما في الصحيحين أصح فقد رواه مسلم من طريق داود بن قيس عن عياض نحو رواية البخاري، ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان ولم يطلع على ذلك أبو سعيد، وإنما اختص كثير بن الصلت ببناء المنبر بالمصلى لأن داره كانت مجاورة للمصلى، كما سيأتي في حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أتى في يوم العيد إلى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت، قال ابن سعد‏:‏ كانت دار كثير بن الصلت قبلة المصلي في العيدين وهي تطل على بطن بطحان الوادي الذي في وسط المدينة، انتهى‏.‏
وإنما بنى كثير بن الصلت داره بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة، لكنها لما صارت شهيرة في تلك البقعة وصف المصلى بمجاورتها‏.‏
وكثير المذكور هو ابن الصلت ابن معاوية الكندي، تابعي كبير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم المدينة هو وأخويه بعده فسكنها وحالف بني جمح، وروى ابن سعد بإسناد صحيح إلى نافع قال‏:‏ كان اسم كثير بن الصلت قليلا فسماه عمر كثيرا‏.‏
ورواه أبو عوانة فوصله بذكر ابن عمر ورفعه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم والأول أصح، وقد صح سماع كثير من عمر فمن بعده، وكان له شرف وذكر، وهو ابن أخي جمد بفتح الجيم وسكون الميم أو فتحها أحد ملوك كندة الذين قتلوا في الردة، وقد ذكر أبوه في الصحابة لابن منده وفي صحة ذلك نظر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن كان يريد أن يقطع بعثا‏)‏ أي يخرج طائفة من الجيش إلى جهة من الجهات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرجت مع مروان‏)‏ زاد عبد الرزاق عن داود بن قيس ‏"‏ وهو بيني وبين أبي مسعود ‏"‏ يعني عقبة بن عمرو الأنصاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجبذته بثوبه‏)‏ أي ليبدأ بالصلاة قبل الخطبة على العادة، وقوله ‏"‏فقلت له غيرتم والله ‏"‏ صريح في أن أبا سعيد هو الذي أنكر، ووقع عند مسلم من طريق طارق بن شهاب قال ‏"‏ أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان‏.‏
فقام إليه رجل فقال‏:‏ الصلاة قبل الخطبة، فقال‏:‏ قد ترك ما هنالك‏.‏
فقال أبو سعيد‏:‏ أما هذا فقد قضى ما عليه ‏"‏ وهذا ظاهر في أنه غير أبي سعيد، وكذا في رواية رجاء عن أبي سعيد التي تقدمت في أول الباب، فيحتمل أن يكون هو أبا مسعود الذي وقع في رواية عبد الرزاق أنه كان معهما، ويحتمل أن تكون القصة تعددت ‏"‏ ويدل على ذلك المغايرة الواقعة بين روايتي عياض ورجاء، ففي رواية عياض أن المنبر بنى بالمصلى‏.‏
وفي رواية رجاء أن مروان أخرج المنبر معه، فلعل مروان لما أنكروا عليه إخراج المنبر ترك إخراجه بعد وأمر ببنائه من لبن وطين بالمصلى، ولا بعد في أن ينكر عليه تقديم الخطبة على الصلاة مرة بعد أخرى، ويدل على التغاير أيضا أن إنكار أبي سعيد وقع بينه وبينه، وإنكار الآخر وقع على رءوس الناس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها‏)‏ أي الخطبة ‏(‏قبل الصلاة‏)‏ وهذا يشعر بأن مروان فعل ذلك باجتهاد منه، وسيأتي في الباب الذي بعده أن عثمان فعل ذلك أيضا لكن لعلة أخرى، وفي هذا الحديث من الفوائد بنيان المنبر، قال الزين بن المنير‏:‏ وإنما اختاروا أن يكون باللبن لا من الخشب لكونه يترك الصحراء في غير حرز فيؤمن عليه النقل، بخلاف خشب منبر الجامع‏.‏
وفيه أن الخطبة على الأرض عن قيام في المصلى أولى من القيام على المنبر، والفرق بينه وبين المسجد أن المصلى يكون بمكان فيه فضاء فيتمكن من رؤيته كل من حضر، بخلاف المسجد فإنه يكون في مكان محصور فقد لا يراه بعضهم، وفيه الخروج إلى المصلى في العيد، وأن صلاتها في المسجد لا تكون إلا عن ضرورة، وفيه إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة، وفيه حلف العالم على صدق ما يخبر به، والمباحثة في الأحكام، وجواز عمل العالم بخلاف الأولى إذا لم يوافقه الحاكم على الأولى لأن أبا سعيد حضر الخطبة ولم ينصرف، فيستدل به على أن المبداءة بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها والله أعلم‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ حمل أبو سعيد فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على التعيين، وحمله مروان على الأولوية، واعتذر عن ترك الأولى بما ذكره من تغير حال الناس، فرأى أن المحافظة على أصل السنة - وهو إسماع الخطبة - أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها والله أعلم‏.‏
واستدل به على استحباب الخروج إلى الصحراء لصلاة العيد وأن ذلك أفضل من صلاتها في المسجد، لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع فضل مسجده‏.‏
وقال الشافعي في الأم‏:‏ بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين إلى المصلى بالمدينة، وكذا من بعده إلا من عذر مطر ونحوه، وكذلك عامة أهل البلدان إلا أهل مكة‏.‏
ثم أشار إلى أن سبب ذلك سعة المسجد وضيق أطراف مكة قال‏:‏ فلو عمر بلد فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أن يخرجوا منه، فإن كان لا يسعهم كرهت الصلاة فيه ولا إعادة‏.‏
ومقتضى هذا أن العلة تدور على الضيق والسعة، لا لذات الخروج إلى الصحراء، لأن المطلوب حصول عموم الاجتماع، فإذا حصل في المسجد مع أفضليته كان أولى‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:32 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n112&p1#TOP)باب الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ إِلَى الْعِيدِ وَالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المشي والركوب إلى العيد، والصلاة قبل الخطبة، وبغير أذان ولا إقامة‏)‏ في هذه الترجمة ثلاثة أحكام‏:‏ صفة التوجه وتأخير الخطبة عن الصلاة وترك النداء فيها‏.‏
فأما الأول فقد اعترض عليه ابن التين فقال‏:‏ ليس فيما ذكره من الأحاديث ما يدل على مشي ولا ركوب‏.‏
وأجاب الزين بن المنير بأن عدم ذلك مشعر بتسويغ كل منهما وألا مزية لأحدهما على الآخر، ولعله أشار بذلك إلى تضعيف ما ورد في الندب إلى المشي، ففي الترمذي عن علي قال‏:‏ ‏"‏ من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا‏"‏‏.‏
وفي ابن ماجه عن سعد القرظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي العيد ماشيا ‏"‏ وفيه عن أبي رافع نحوه، وأسانيد الثلاثة ضعاف‏.‏
وقال الشافعي في الأم‏:‏ بلغنا عن الزهري قال‏:‏ ما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيد ولا جنازة قط‏.‏
ويحتمل أن يكون البخاري استنبط من قوله في حديث جابر ‏"‏ وهو يتوكأ على يد بلال ‏"‏ مشروعية الركوب لمن احتاج إليه، وكأنه يقول‏:‏ الأولى المشي حتى يحتاج إلى الركوب، كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم قائما على رجليه فلما تعب من الوقوف توكأ على بلال‏.‏
والجامع بين الركوب والتوكؤ الارتفاق بكل منهما، أشار إلى ذلك ابن المرابط، وأما الحكم الثاني فظاهر من أحاديث الباب، وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده‏.‏
واختلف في أول من غير ذلك، فرواية طارق بن شهاب عن أبي سعيد عند مسلم صريحة في أنه مروان كما تقدم في الباب قبله، وقيل بل سبقه إلى ذلك عثمان، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال ‏"‏ أول من خطب قبل الصلاة عثمان، صلى بالناس ثم خطبهم - يعني على العادة - فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة، ففعل ذلك ‏"‏ أي صار يخطب قبل الصلاة‏.‏
وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان‏.‏
لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة، وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة، لكن قيل‏:‏ إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه، ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانا، بخلاف مروان فواظب عليه، فلذلك نسب إليه‏.‏
وقد روى عن عمر مثل فعل عثمان، قال عياض ومن تبعه‏:‏ لا يصح عنه، وفيما قالوه نظر، لأن عبد الرزاق وابن أبي شيبة روياه جميعا عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام، وهذا إسناد صحيح، لكن يعارضه حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي بعده، وكذا حديث ابن عمر، فإن جمع بوقوع ذلك منه نادرا وإلا فما في الصحيحين أصح، وقد أخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس وزاد ‏"‏ حتى قدم معاوية فقدم الخطبة ‏"‏ فهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعا لمعاوية لأنه كان أمير المدينة من جهته، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري قال ‏"‏ أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية ‏"‏ وروى ابن المنذر عن ابن سيرين أن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة‏.‏
قال عياض‏:‏ ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان، لأن كلا من مروان وزياد كان عاملا لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله، والله أعلم‏.‏
وأما الحكم الثالث فليس في أحاديث الباب ما يدل عليه إلا حديث ابن عباس في ترك الأذان، وكذا أحد طريقي جابر‏.‏
وقد وجهه بعضهم بأنه يؤخذ من كون الصلاة قبل الخطبة بخلاف الجمعة فتخالفها أيضا في الأذان والإقامة ولا يخفى بعده‏.‏
والذي يظهر أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الأحاديث التي ذكرها، أما حديث ابن عمر ففي رواية النسائي ‏"‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فصلى بغير أذان ولا إقامة ‏"‏ الحديث‏.‏
وأما حديث ابن عباس وجابر ففي رواية عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر عند مسلم ‏"‏ فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ‏"‏ وعنده من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال ‏"‏ لا أذان للصلاة يوم العيد ولا إقامة ولا شيء ‏"‏ وفي رواية يحيى القطان عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس قال لابن الزبير ‏"‏ لا تؤذن لها ولا تقم ‏"‏ أخرجه ابن أبي شيبة عنه، ولأبي داود من طريق طاوس عن ابن عباس ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة ‏"‏ إسناده صحيح، وفي الحديث عن جابر بن سمرة عند مسلم وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار وعن البراء عند الطبراني في الأوسط‏.‏
وقال مالك في الموطأ سمعت غير واحد من علمائنا يقول ‏"‏ لم يكن في الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم ‏"‏ وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا‏.‏
وعرف بهذا توجيه أحاديث الباب ومطابقتها للترجمة، واستدل بقول جابر ‏"‏ ولا إقامة ولا شيء ‏"‏ على أنه لا يقال أمام صلاتها شيء من الكلام، لكن روى الشافعي عن الثقة عن الزهري قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن في العيدين أن يقول‏:‏ الصلاة جامعة ‏"‏ وهذا مرسل يعضده القياس على صلاة الكسوف لثبوت ذلك فيها كما سيأتي، قال الشافعي‏:‏ أحب أن يقول‏:‏ الصلاة، أو الصلاة جامعة، فإن قال‏:‏ هلموا إلى الصلاة لم أكرهه، فإن قال‏:‏ حي على الصلاة أو غيرها من ألفاظ الأذان أو غيرها كرهت له ذلك‏.‏
واختلف في أول من أحدث الأذان فيها أيضا فروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه معاوية، وروى الشافعي عن الثقة عن الزهري مثله وزاد‏:‏ فأخذ به الحجاج حين أمر على المدينة‏.‏
وروى ابن المنذر عن حصين بن عبد الرحمن قال‏:‏ أول من أحدثه زياد بالبصرة‏.‏
وقال الداودي‏:‏ أول من أحدثه مروان‏.‏
وكل هذا لا ينافي أن معاوية أحدثه كما تقدم في البداءة بالخطبة‏.‏
وقال ابن حبيب‏:‏ أول من أحدثه هشام‏.‏
وروى ابن المنذر عن أبي قلابة قال‏:‏ أول من أحدثه عبد الله بن الزبير‏.‏
وقد وقع في حديث الباب أن ابن عباس أخبره أنه لم يكن يؤذن لها، لكن في رواية يحيى القطان أنه لما ساء ما بينهما أذن - يعني ابن الزبير - وأقام‏.‏
وقوله يؤذن بفتح الذال على البناء للمجهول والضمير ضمير الشأن، وهشام المذكور في الإسناد الثاني هو ابن يوسف الصنعاني‏.‏
الحديث‏:‏
قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي أَوَّلِ مَا بُويِعَ لَهُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ إِنَّمَا الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال وأخبرني عطاء‏)‏ القائل هو ابن جريج في الموضعين وهو معطوف على الإسناد المذكور، وكذا قوله ‏"‏ وعن جابر بن عبد الله ‏"‏ معطوف أيضا، والمراد بقوله لم يكن يؤذن، أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مصير من البخاري إلى أن هذه الصيغة حكم الرفع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أول ما بويع له‏)‏ أي لابن الزبير بالخلافة، وكان ذلك في سنة أربع وستين عقب موت يزيد بن معاوية‏.‏
وقوله ‏"‏وإنما الخطبة بعد الصلاة ‏"‏ كذا للأكثر وهو الصواب‏.‏
وفي رواية المستملي ‏"‏ وأما ‏"‏ بدل وإنما، وهو تصحيف‏.‏
وسيأتي الكلام على بقية فوائد حديث جابر بعد عشرة أبواب إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:33 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n112&p1#TOP)باب الْخُطْبَةِ بَعْدَ الْعِيدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الخطبة بعد العيد‏)‏ أي بعد صلاة العيد، وهذا مما يرجح رواية الذين أسقطوا قوله ‏"‏ والصلاة قبل الخطبة ‏"‏ من الترجمة التي قبل هذه وهم الأكثر‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ أعاد هذه الترجمة لأنه أراد أن يخص هذا الحكم بترجمة اعتناء به لكونه وقع في التي قبلها بطريق التبع ا ه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس صريح فيما ترجم له، وسيأتي في أواخر العيدين أتم مما هنا وحديث ابن عمر أيضا صريح فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ تُلْقِي الْمَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا
الشرح‏:‏
أما حديث ابن عباس فمن جهة أن أمره للنساء بالصدقة كان من تتمة الخطبة كما يرشد إلى ذلك حديث جابر الذي في الباب قبله، ويحتمل أن يكون ذكره لتعلقه بصلاة العيدين في الجملة فهو كالتتمة للفائدة‏.‏
وقوله فيه ‏"‏ خرصها ‏"‏ بضم المعجمة وحكى كسرها وسكون الراء بعدها صاد مهملة هو الحلقة من الذهب أو الفضة، وقيل هو القرط إذا كان بحبة واحدة‏.‏
وقوله ‏"‏وسخا بها ‏"‏ بكسر المهملة ثم معجمة ثم موحدة هو قلادة من عنبر أو قرنفل أو غيره ولا يكون فيه خرز، وقيل هو خيط فيه خرز، وسمي سخابا لصوت خرزه عند الحركة مأخوذ من السخب وهو اختلاط الأصوات، يقال بالصاد والسين‏.‏
وسيأتي الكلام على بقية فوائده عند الكلام على حديث جابر بعد عشرة أبواب، ويأتي الكلام على التنفل يوم العيد بعد ذلك بستة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ فَقَالَ اجْعَلْهُ مَكَانَهُ وَلَنْ تُوفِيَ أَوْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ
الشرح‏:‏
أما حديث البراء فظاهره يخالف الترجمة، لأن قوله ‏"‏ أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر ‏"‏ مشعر بأن هذا الكلام وقع قبل إيقاع الصلاة فيستلزم تقديم الخطبة على الصلاة بناء على أن هذا الكلام من الخطبة، ولأنه عقب الصلاة بالنحر، والجواب أن المراد أنه صلى الله عليه وسلم صلى العيد ثم خطب فقال هذا الكلام، وأراد بقوله ‏"‏ إن أول ما نبدأ به ‏"‏ أي في يوم العيد تقديم الصلاة في أي عيد كان‏.‏
والتعقيب بثم لا يستلزم عدم تخلل أمر آخر بين الأمرين‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ غلط النسائي فترجم بحديث البراء فقال ‏"‏ باب الخطبة قبل الصلاة ‏"‏ قال‏:‏ وخفي عليه أن العرب قد تضع الفعل المستقبل مكان الماضي، وكأنه قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ أول ما يكون به الابتداء في هذا اليوم الصلاة التي قدمنا فعلها‏.‏
قال‏:‏ وهو مثل قوله تعالى ‏(‏وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا‏)‏ أي الإيمان المتقدم منهم ا ه‏.‏
والمعتمد في صحة ما تأولناه رواية محمد بن طلحة عن زبيد الآتية بعد ثمانية أبواب في هذا الحديث بعينه بلفظ ‏"‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أضحى إلى البقيع فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وقال‏:‏ إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر ‏"‏ الحديث، فتبين أن ذلك الكلام وقع منه بعد الصلاة‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ المستفاد من حديث البراء أن الخطبة مقدمة على الصلاة، ثم قال في موضع آخر‏:‏ فإن قلت فما دلالته على الترجمة‏؟‏ قلت‏:‏ لو قدم الخطبة على الصلاة لم تكن الصلاة أول ما بدئ به، ولا يلزم من كون هذا الكلام وقع قبل الصلاة أن تكون الخطبة وقعت قبلها ا ه‏.‏
وحاصله أنه يجعل الكلام المذكور سابقا على الصلاة، ويمنع كونه من الخطبة‏.‏
لكن قد بينت رواية محمد بن طلحة عن زبيد المذكورة أن الصلاة لم يتقدمها شيء، لأنه عقب الخروج إليها بالفاء‏.‏
وصرح منصور في روايته عن الشعبي في هذا الحديث بأن الكلام المذكور وقع في الخطبة، ولفظه ‏"‏ عن البراء بن عازب قال‏:‏ خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة فقال ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
وقد تقدم قبل بابين ويأتي أيضا في أواخر العيد، فيتعين التأويل الذي قدمناه‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:35 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n112&p1#TOP)باب مَا يُكْرَهُ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ فِي الْعِيدِ وَالْحَرَمِ
وَقَالَ الْحَسَنُ نُهُوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلَاحَ يَوْمَ عِيدٍ إِلَّا أَنْ يَخَافُوا عَدُوًّا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم‏)‏ هذه الترجمة تخالف في الظاهر الترجمة المتقدمة وهي ‏"‏ باب الحراب والدرق يوم العيد ‏"‏ لأن تلك دائرة بين الإباحة والندب على ما دل عليه حديثها، وهذه دائرة بين الكراهة والتحريم لقول ابن عمر ‏"‏ في يوم لا يحل فيه حمل السلاح ‏"‏ ويجمع بينهما بحمل الحالة الأولى على وقوعها ممن حملها بالدربة وعهدت منه السلامة من إيذاء أحد من الناس بها، وحمل الحالة الثانية على وقوعها ممن حملها بطرا وأشرا أو لم يتحفظ حال حملها وتجريدها من إصابتها أحدا من الناس، ولا سيما عند المزاحمة وفي المسالك الضيقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏)‏ أي البصري ‏(‏نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدوا‏)‏ لم أقف عليه موصولا، إلا أن ابن المنذر قد ذكر نحوه عن الحسن، وفيه تقييد لإطلاق قول ابن عمر أنه لا يحل، وقد ورد مثله مرفوعا مقيدا وغير مقيد، فروى عبد الرزاق بإسناد مرسل قال ‏"‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج بالسلاح يوم العيد ‏"‏ وروى ابن ماجه بإسناد ضعيف عن ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس السلاح في بلاد الإسلام في العيدين، إلا أن يكونوا بحضرة العدو ‏"‏ وهذا كله في العيد، وأما في الحرم فروى مسلم من طريق معقل بن عبيد عن أبي الزبير عن جابر قال ‏"‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمل السلاح بمكة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى أَبُو السُّكَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ بِمِنًى فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ فَقَالَ الْحَجَّاجُ لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَنْتَ أَصَبْتَنِي قَالَ وَكَيْفَ قَالَ حَمَلْتَ السِّلَاحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ وَأَدْخَلْتَ السِّلَاحَ الْحَرَمَ وَلَمْ يَكُنْ السِّلَاحُ يُدْخَلُ الْحَرَمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبو السكين‏)‏ بالمهملة والكاف مصغرا، والمحاربي هو عبد الرحمن بن محمد لا ابنه عبد الرحيم، ومحمد بن سوقة بضم السين المهملة وبالقاف تابعي صغير من أجلاء الناس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخمص قدمه‏)‏ الأخمص بإسكان الخاء المعجمة وفتح الميم بعدها مهملة‏:‏ باطن القدم وما رق من أسفلها، وقيل هو خصر باطنها الذي لا يصيب الأرض عند المشي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالركاب‏)‏ أي وهي في راحلته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فنزعتها‏)‏ ذكر الضمير مؤنثا مع أنه أعاده على السنان وهو مذكر لأنه أراد الحديدة، ويحتمل أنه أراد القدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبلغ الحجاج‏)‏ أي ابن يوسف الثقفي وكان إذ ذاك أميرا على الحجاز وذلك بعد قتل عبد الله ابن الزبير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجعل يعوده‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ فجاء‏"‏، ويؤيده رواية الإسماعيلي ‏"‏ فأتاه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لو نعلم من أصابك‏)‏ في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي ‏"‏ ما أصابك ‏"‏ وحذف الجواب لدلالة السياق عليه، أو هي للتمني فلا محذوف، ويرجح الأول أن ابن سعد أخرجه عن أبي نعيم عن إسحاق ابن سعيد فقال فيه ‏"‏ لو نعلم من أصابك عاقبناه ‏"‏ وهو يرجح رواية الأكثر أيضا، وله من وجه آخر قال ‏"‏ لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنت أصبتني‏)‏ فيه نسبة الفعل إلى الآمر بشيء يتسبب منه ذلك الفعل وإن لم يعن الآمر ذلك، لكن حكى الزبير في الأنساب أن عبد الملك لما كتب إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر شق عليه فأمر رجلا معه حربة يقال إنها كانت مسمومة فلصق ذلك الرجل به فأمر الحربة على قدمه فمرض منها أياما ثم مات، وذلك في سنة أربع وسبعين‏.‏
فعلى هذا ففيه نسبة الفعل إلى الآمر به فقط وهو كثير‏.‏
وفي هذه القصة تعقب على المهلب حيث استدل به على سد الذرائع لأن ذلك مبني على أن الحجاج لم يقصد ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حملت السلاح‏)‏ أي فتبعك أصحابك في حمله، أو المراد بقوله حملت أي أمرت بحمله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في يوم لم يكن يحمل فيه‏)‏ هذا موضع الترجمة، وهو مصير من البخاري إلى أن قول الصحابي كان يفعل كذا على البناء لما لم يسم فاعله يحكم برفعه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلَ الْحَجَّاجُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ كَيْفَ هُوَ فَقَالَ صَالِحٌ فَقَالَ مَنْ أَصَابَكَ قَالَ أَصَابَنِي مَنْ أَمَرَ بِحَمْلِ السِّلَاحِ فِي يَوْمٍ لَا يَحِلُّ فِيهِ حَمْلُهُ يَعْنِي الْحَجَّاجَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصابني من أمر‏)‏ هذا فيه تعريض بالحجاج، ورواية سعيد بن جبير التي قبلها مصرحة بأنه الذي فعل ذلك، ويجمع بينهما بتعدد الواقعة أو السؤال، فلعله عرض به أولا، فلما أعاد عليه السؤال صرح‏.‏
وقد روى ابن سعد من وجه آخر رجاله لا بأس بهم أن الحجاج دخل على ابن عمر يعوده لما أصيبت رجله فقال له‏:‏ يا أبا عبد الرحمن هل تدري من أصاب رجلك‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ أما والله لو علمت من أصابك لقتلته‏.‏
قال فأطرق ابن عمر فجعل لا يكلمه ولا يلتفت إليه، فوثب كالمغضب‏.‏
وهذا محمول على أمر ثالث كأنه عرض به، ثم عاوده فصرح، ثم عاوده فأعرض عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يعني الحجاج‏)‏ بالنصب على المفعولية وفاعله القائل وهو ابن عمر، زاد الإسماعيلي في هذه الطريق ‏"‏ قال لو عرفناه لعاقبناه ‏"‏ قال‏:‏ وذلك لأن الناس نفروا عشية ورجل من أصحاب الحجاج عارض حربته فضرب ظهر قدم ابن عمر فأصبح وهنا منها حتى مات‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في الأطراف للمزي في ترجمة سعيد بن جبير عن ابن عمر في هذا الحديث‏:‏ البخاري عن أحمد بن يعقوب عن إسحاق بن سعيد، وعن أبي السكين عن المحاربي كلاهما عن محمد بن سوقة عنه به‏.‏
ووهم في ذلك فإن إسحاق بن سعيد إذا رواه عن أبيه عن ابن عمر لا عن محمد بن سوقة‏.‏
وقد ذكره هو بعد ذلك في ترجمة سعيد عن ابن عمر على الصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:36 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n112&p1#TOP)باب التَّبْكِيرِ إِلَى الْعِيدِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ إِنْ كُنَّا فَرَغْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التبكير للعيد‏)‏ كذا للأكثر بتقديم الموحدة من البكور، وعلى ذلك جرى شارحوه ومن استخرج عليه‏.‏
ووقع للمستملي التكبير بتقديم الكاف وهو تحريف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الله بن بسر‏)‏ يعني المازني الصحابي ابن الصحابي، وأبوه بضم الموحدة وسكون المهملة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن كنا فرغنا في هذه الساعة‏)‏ إن هي المخففة من الثقيلة وهذا التعليق وصله أحمد وصرح برفعه وسياقه، ثم أخرجه من طريق يزيد بن خمير وهو بالمعجمة مصغر قال ‏"‏ خرج عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال ‏"‏ إن كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد فرغنا ساعتنا هذه ‏"‏ وكذا رواه أبو داود عن أحمد والحاكم من طريق أحمد أيضا وصححه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وذلك حين التسبيح‏)‏ أي وقت صلاة السبحة وهي النافلة، وذلك إذا مضى وقت الكراهة‏.‏
وفي رواية صحيحة للطبراني وذلك حين تسبيح الضحى، قال ابن بطال‏:‏ أجمع الفقهاء على أن العيد لا تصلي قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها، وإنما تجوز عند جواز النافلة‏.‏
ويعكر عليه إطلاق من أطلق أن أول وقتها عند طلوع الشمس، واختلفوا هل يمتد وقتها إلى الزوال أو لا، واستدل ابن بطال على المنع بحديث عبد الله بن بسر هذا، وليس دلالته على ذلك بظاهرة‏.‏
ثم أورد المصنف حديث البراء ‏"‏ إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ‏"‏ وهو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها، ومن لازمه أن لا يفعل قبلها شيء غيرها فاقتضى ذلك التبكير إليها‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:39 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n113&p1#TOP)باب فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل العمل في أيام التشريق‏)‏ مقتضى كلام أهل اللغة والفقه أن أيام التشريق ما بعد يوم النحر، على اختلافهم هل هي ثلاثة أو يومان، لكن ما ذكروه من سبب تسميتها بذلك يقتضي دخول يوم العيد فيها‏.‏
وقد حكى أو عبيد أن فيه قولين‏:‏ أحدهما لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي، أي يقددونها ويبرزونها للشمس‏.‏
ثانيهما لأنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر فصارت تبعا ليوم النحر‏.‏
قال‏:‏ وهذا أعجب القولين إلي، وأظنه أراد ما حكاه غيره أن أيام التشريق سميت بذلك لأن صلاة العيد إنما تصلى بعد أن تشرق الشمس‏.‏
وعن ابن الأعرابي قال‏:‏ سميت بذلك لأن الهدايا والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس، وعن يعقوب بن السكيت قال‏:‏ هو من قول الجاهلية‏:‏ أشرق ثبير كيما نغير، أي ندفع لننحر‏.‏
انتهى‏.‏
وأظنهم أخرجوا يوم العيد منها لشهرته بلقب يخصه وهو يوم العيد، وإلا فهي في الحقيقة تبع له في التسمية كما تبين من كلامهم‏.‏
ومن ذلك حديث علي ‏"‏ لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ‏"‏ أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح إليه موقوفا، ومعناه لا صلاة جمعة ولا صلاة عيد‏.‏
قال‏:‏ وكان أبو حنيفة يذهب بالتشريق في هذا إلى التكبير في دبر الصلاة يقول‏:‏ لا تكبير إلا على أهل الأمصار‏.‏
قال‏:‏ وهذا لم نجد أحدا يعرفه، ولا وافقه عليه صاحباه ولا غيرهما‏.‏
انتهى‏.‏
ومن ذلك حديث ‏"‏ من ذبح قبل التشريق أي قبل صلاة العيد - فليعد ‏"‏ رواه أبو عبيد من مرسل الشعبي ورجاله ثقات، وهذا كله يدل على أن يوم العيد من أيام التشريق، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ ويذكروا اسم الله في أيام معلومات‏)‏ كذا لأبي ذر عن الكشميهني‏.‏
وفي رواية كريمة وابن شبويه ‏"‏ وقال ابن عباس‏:‏ واذكروا الله الخ ‏"‏ وللحموي والمستملي ‏"‏ ويذكروا الله في أيام معدودات ‏"‏ واعترض عليه بأن التلاوة ‏(‏ويذكروا اسم الله في أيام معلومات‏)‏ أو ‏(‏واذكروا الله في أيام معدودات‏)‏ وأجيب بأنه لم يقصد التلاوة، وإنما حكى كلام ابن عباس، وابن عباس أراد تفسير ‏"‏ المعدودات والمعلومات ‏"‏ وقد وصله عبد بن حميد من طريق عمرو بن دينار عنه وفيه ‏"‏ الأيام المعدودات أيام التشريق، والأيام المعلومات أيام العشر ‏"‏ وروى ابن مردويه من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة، والمعدودات أيام التشريق ‏"‏ إسناده صحيح، وظاهره إدخال يوم العيد في أيام التشريق‏.‏
وقد روى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن عباس ‏"‏ أن المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده ‏"‏ ورجح الطحاوي هذا لقوله تعالى ‏(‏ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام‏)‏ فإنه مشعر بأن المراد أيام النحر‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا لا يمنع تسمية أيام العشر معلومات، ولا أيام التشريق معدودات، بل تسمية أيام التشريق معدودات متفق عليه لقوله تعالى ‏(‏واذكروا الله في أيام معدودات‏)‏ الآية‏.‏
وقد قيل‏:‏ إنها إنما سميت معدودات‏.‏
لأنها إذا زيد عليها شيء عد ذلك حصرا أي في حكم حصر العدد، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر الخ‏)‏ لم أره موصولا عنهما، وقد ذكره البيهقي أيضا معلقا عنهما وكذا البغوي‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ كان مشايخنا يقولون بذلك أي بالتكبير في أيام العشر‏.‏
وقد اعترض على البخاري في ذكر هذا الأثر في ترجمة العمل في أيام التشريق، وأجاب الكرماني بأن عادته أن يضيف إلى الترجمة ما له بها أدنى ملابسة استطرادا‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر أنه أراد تساوي أيام التشريق بأيام العشر لجامع ما بينهما مما يقع فيهما من أعمال الحج، ويدل على ذلك أن أثر أبي هريرة وابن عمر صريح في أيام العشر، والأثر الذي بعده في أيام التشريق‏.‏
وسيأتي مزيد بيان لذلك بعد قليل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكبر محمد بن خلف النافلة‏)‏ هو أبو جعفر الباقر، وقد وصله الدار قطني في المؤتلف من طريق معن بن عيسى القزاز قال حدثنا أبو وهنة رزيق المدني قال ‏"‏ رأيت أبا جعفر محمد بن علي يكبر بمنى في أيام التشريق خلف النوافل ‏"‏ وأبو وهنة بفتح الواو وسكون الهاء بعدها نون، ورزيق بتقديم الراء مصغرا، وفي سياق هذا الأثر تعقب على الكرماني حيث جعله يتعلق بتكبير أيام العشر كالذي قبله، قال ابن التين‏:‏ لم يتابع محمدا على هذا أحد، كذا قال، والخلاف ثابت عند المالكية والشافعية هل يختص التكبير الذي بعد الصلاة في العيد بالفرائض أو يعم، واختلف الترجيح عند الشافعية، والراجح عند المالكية الاختصاص‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش، ومسلم هو البطين بفتح الموحدة لقب بذلك لعظم بطنه، وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة فصرح بسماع الأعمش له منه ولفظه ‏"‏ عن الأعمش قال سمعت مسلما ‏"‏ وهكذا رواه الثوري وأبو معاوية وغيرهما من الحفاظ عن الأعمش، وأخرجه أبو داود من رواية وكيع عن الأعمش فقال ‏"‏ عن مسلم ومجاهد وأبي صالح عن ابن عباس ‏"‏ فأما طريق مجاهد فقد رواه أبو عوانة من طريق موسى بن أبي عائشة عن مجاهد فقال ‏"‏ عن ابن عمر ‏"‏ بدل ابن عباس‏.‏
وأما طريق أبي صالح فقد رواه أبو عوانة أيضا من طريق موسى بن أعين عن الأعمش فقال ‏"‏ عن أبي صالح عن أبي هريرة ‏"‏ والمحفوظ في هذا حديث ابن عباس، وفيه اختلاف آخر عن الأعمش رواه أبو إسحاق الفزاري عن الأعمش فقال ‏"‏ عن أبي وائل عن ابن مسعود ‏"‏ أخرجه الطبراني، وقد وافق الأعمش على روايته له عن مسلم البطين سلمة بن كهيل عند أبي عوانة أيضا، ورواه عن سعيد بن جبير أيضا القاسم بن أبي أيوب عند الدارمي وأبو عوانة وأبو جرير السختياني عند أبي عوانة وعدي بن ثابت عند البيهقي، وسنذكر ما في رواياتهم من الفوائد والزوائد إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما العمل في أيام أفضل منها في هذه‏)‏ كذا لأكثر الرواة بالإبهام، ووقع في رواية كريمة عن الكشميهني ‏"‏ ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه ‏"‏ وهذا يقتضي نفي أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في هذه الأيام إن فسرت بأنها أيام التشريق، وعلى ذلك جرى بعض شراح البخاري، وحمله على ذلك ترجمة البخاري المذكورة فزعم أن البخاري فسر الأيام المبهمة في هذا الحديث بأنها أيام التشريق، وفسر العمل بالتكبير لكونه أورد الآثار المذكورة المتعلقة بالتكبير فقط‏.‏
وقال ابن أبي جمرة‏:‏ الحديث دال على أن العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيره، قال‏:‏ ولا يعكر على ذلك كونها أيام عيد كما تقدم من حديث عائشة، ولا ما صح من قوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏ أنها أيام أكل وشرب ‏"‏ كما رواه مسلم، لأن ذلك لا يمنع العمل فيها، بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى، ولم يمنع فيها منها إلا الصيام‏.‏
قال‏:‏ وسر كون العبادة فيها أفضل من غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها، وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام، وفي أفضلية أيام التشريق نكتة أخرى وهي أنها وقعت فيها محنة الخليل بولده ثم من عليه بالفداء، فثبت لها الفضل بذلك ا هـ‏.‏
وهو توجيه حسن إلا أن المنقول يعارضه، والسياق الذي وقع في رواية كريمة شاذ مخالف لما رواه أبو ذر وهو من الحفاظ عن الكشميهني شيخ كريمة بلفظ ‏"‏ ما العمل في أيام أفضل منها في هذا العشر ‏"‏ وكذا أخرجه أحمد وغيره عن غندر عن شعبة بالإسناد المذكور‏.‏
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة فقال ‏"‏ في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة ‏"‏ وكذا رواه الدارمي عن سعيد بن الربيع عن شعبة‏.‏
ووقع في رواية وكيع المقدم ذكرها ‏"‏ ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ‏"‏ يعني أيام العشر، وكذا رواه ابن ماجه من طريق أبي معاوية عن الأعمش، ورواه الترمذي عن رواية أبي معاوية فقال ‏"‏ من هذه الأيام العشر ‏"‏ بدون يعني، وقد ظن بعض الناس أن قوله ‏"‏ يعني أيام العشر ‏"‏ تفسير من بعض رواته، لكن ما ذكرناه من رواية الطيالسي وغيره ظاهر في أنه من نفس الخبر‏.‏
وكذا وقع في رواية القاسم بن أبي أيوب بلفظ ‏"‏ ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى ‏"‏ وفي حديث جابر في صحيحي أبي عوانة وابن حبان ‏"‏ ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة ‏"‏ فظهر أن المراد بالأيام في حديث الباب أيام عشر ذي الحجة، لكنه مشكل على ترجمة البخاري بأيام التشريق ويجاب بأجوبة‏.‏
أحدها‏:‏ أن الشيء يشرف بمجاورته للشيء الشريف، وأيام التشريق تقع تلو أيام العشر، وقد ثبتت الفضيلة لأيام العشر بهذا الحديث فثبتت بذلك الفضيلة لأيام التشريق‏.‏
ثانيها‏:‏ أن عشر ذي الحجة إنما شرف لوقوع أعمال الحج فيه، وبقية أعمال الحج تقع في أيام التشريق كالرمي والطواف وغير ذلك من تتماته فصارت مشتركة معها في أصل الفضل، ولذلك اشتركت معها في مشروعية التكبير في كل منها، وبهذا تظهر مناسبة إيراد الآثار المذكورة في صدر الترجمة لحديث ابن عباس كما تقدمت الإشارة إليها‏.‏
ثالثها‏:‏ أن بعض أيام التشريق هو بعض أيام العشر وهو يوم العيد، وكما أنه خاتمة أيام العشر فهو مفتتح أيام التشريق، فمهما ثبت لأيام العشر من الفضل شاركتها فيه أيام التشريق، لأن يوم العيد بعض كل منها بل هو رأس كل منها وشريفه وعظيمه، وهو يوم الحج الأكبر كما سيأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالوا ولا الجهاد‏)‏ في رواية سلمة بن كهيل المذكورة ‏"‏ فقال رجل ‏"‏ ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تعيين هذا السائل‏.‏
وفي رواية غندر عند الإسماعيلي قال ‏"‏ ولا الجهاد في سبيل الله مرتين ‏"‏ وفي رواية سلمة بن كهيل أيضا ‏"‏ حتى أعادها ثلاثا ‏"‏ ودل سؤالهم هذا على تقرر أفضلية الجهاد عندهم، وكأنهم استفادوه من قوله صلى الله عليه وسلم في جواب من سأله عن عمل يعدل الجهاد فقال ‏"‏ لا أجده ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي في أوائل كتاب الجهاد من حديث أبي هريرة، ونذكر هناك وجه الجمع بينه وبين هذا الحديث إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا رجل خرج‏)‏ كذا للأكثر، والتقدير إلا عمل رجل، وللمستملي ‏"‏ إلا من خرج‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يخاطر‏)‏ أي يقصد قهر عدوه ولو أدى ذلك إلى قتل نفسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم يرجع بشيء‏)‏ أي فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساويا له، قال ابن بطال‏:‏ هذا اللفظ يحتمل أمرين، أن لا يرجع بشيء من ماله وإن رجع هو، وأن لا يرجع هو ولا ماله بأن يرزقه الله الشهادة‏.‏
وتعقبه الزين بن المنير بأن قوله ‏"‏ فلم يرجع بشيء ‏"‏ يستلزم أنه يرجع بنفسه ولا بد ا هـ‏.‏
وهو تعقب مردود، فإن قوله ‏"‏ فلم يرجع بشيء ‏"‏ نكرة في سياق النفي فتعم ما ذكر، وقد وقع في رواية الطيالسي وغندر وغيرهما عن شعبة وكذا في أكثر الروايات التي ذكرناها ‏"‏ فلم يرجع من ذلك بشيء‏"‏‏.‏
والحاصل أن نفي الرجوع بالشيء لا يستلزم إثبات الرجوع بغير شيء، بل هو على الاحتمال كما قال ابن بطال، ويدل على الثاني وروده بلفظ يقتضيه، فعند أبي عوانة من طريق إبراهيم بن حميد عن شعبة بلفظ ‏"‏ إلا من عقر جواده وأهريق دمه ‏"‏ وعنده في رواية القاسم بن أبي أيوب ‏"‏ إلا من لا يرجع بنفسه ولا ماله ‏"‏ وفي طريق سلمة بن كهيل ‏"‏ فقال، لا إلا أن لا يرجع ‏"‏ وفي حديث جابر ‏"‏ إلا من عفر وجهه في التراب ‏"‏ فظهر بهذه الطرق ترجيح ما رده، والله أعلم‏.‏
وفي الحديث تعظيم قدر الجهاد وتفاوت درجاته وأن الغاية القصوى فيه بذل النفس لله، وفيه تفضيل بعض الأزمنة على بعض كالأمكنة، وفضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة، وتظهر فائدة ذلك فيمن نذر الصيام أو علق عملا من الأعمال بأفضل الأيام، فلو أفرد يوما منها تعيين يوم عرفة، لأنه على الصحيح أفضل أيام العشر المذكور، فإن أراد أفضل أيام الأسبوع تعين يوم الجمعة، جمعا بين حديث الباب وبين حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ‏"‏ رواه مسلم، أشار إلى ذلك كله النووي في شرحه‏.‏
وقال الداودي‏:‏ لم يرد عليه الصلاة والسلام أن هذه الأيام خير من يوم الجمعة، لأنه قد يكون فيها يوم الجمعة، يعني فيلزم تفضيل الشيء على نفسه‏.‏
وتعقب بأن المراد أن كل يوم من أيام العشر أفضل من غيره من أيام السنة سواء كان يوم الجمعة أم لا، ويوم الجمعة فيه أفضل من الجمعة في غيره لاجتماع الفضلين فيه‏.‏
واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل، واستشكل بتحريم الصوم يوم العيد، وأجيب بأنه محمول على الغالب، ولا يرد على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عائشة قالت ‏"‏ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط ‏"‏ لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته، كما رواه الصحيحان من حديث عائشة أيضا‏.‏
والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره‏.‏
وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم‏؟‏ فيه احتمال‏.‏
وقال ابن بطال وغيره‏:‏ المراد بالعمل في أيام التشريق التكبير فقط، لأنه ثبت أنها أيام أكل وشرب وبعال، وثبت تحريم صومها، وورد فيه إباحة اللهو بالحراب ونحو ذلك، فدل على تفريغها لذلك، مع الحض على الذكر المشروع منه فيها التكبير فقط، ومن ثم اقتصر المصنف على إيراد الآثار المتعلقة بالتكبير‏.‏
وتعقبه الزين بن المنير بأن العمل إنما يفهم منه عند إطلاقه العبادة، وهي لا تنافي استيفاء حظ النفس من الأكل وسائر ما ذكر، فإن ذلك لا يستغرق اليوم والليلة‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ الحث على العمل في أيام التشريق لا ينحصر في التكبير، بل المتبادر إلى الذهن منه أنه المناسك من الرمي وغيره الذي يجتمع مع الأكل والشرب، قال‏:‏ من أنه لو حمل على التكبير وحده لم يبق لقول المصنف بعده ‏"‏ باب التكبير أيام منى ‏"‏ معنى، ويكون تكرارا محضا ا هـ‏.‏
والذي يجتمع مع الأكل والشرب لكل أحد من العبادة هو الذكر المأمور به، وقد فسر بالتكبير كما قال ابن بطال، وأما المناسك فمختصة بالحاج، وجزمه بأنه تكرار متعقب، لأن الترجمة الأولى لفضل التكبير والثانية لمشروعيته وصفته، أو أراد تفسير العمل المجمل في الأولى بالتكبير المصرح به في الثانية فلا تكرار‏.‏
وقد وقع في رواية ابن عمر من الزيادة في آخره ‏"‏ فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتكبير ‏"‏ وللبيهقي في الشعب من طريق عدي بن ثابت في حديث ابن عباس ‏"‏ فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير ‏"‏ وهذا يؤيد ما ذهب إليه ابن بطال‏.‏
وفي رواية عدي من الزيادة ‏"‏ وأن صيام يوم منها يعدل صيام سنة، والعمل بسبعمائة ضعف ‏"‏ وللترمذي من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ‏"‏ يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر ‏"‏ لكن إسناده ضعيف، وكذا الإسناد إلى عدي بن ثابت، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:42 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n113&p1#TOP)باب التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ جَمِيعًا وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التكبير أيام منى‏)‏ أي يوم العيد والثلاثة بعده، و قوله‏:‏ ‏(‏وإذا غدا إلى عرفة‏)‏ أي صبح يوم التاسع، قال الخطابي‏:‏ حكمة التكبير في هذه الأيام أن الجاهلية كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها فشرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له وعلى اسمه عز وجل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان عمر يكبر في قبته بمنى الخ‏)‏ وصله سعيد بن منصور من رواية عبيد بن عمير قال ‏"‏ كان عمر يكبر في قبته بمنى، ويكبر أهل المسجد ويكبر أهل السوق، حتى ترتج منى تكبيرا ‏"‏ ووصله أبو عبيد من وجه آخر بلفظ التعليق، ومن طريقه البيهقي‏.‏
وقوله ‏"‏ترتج ‏"‏ بتثقيل الجيم أي تضطرب وتتحرك، وهي مبالغة في اجتماع رفع الأصوات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر الخ‏)‏ وصله ابن المنذر والفاكهي في ‏"‏ أخبار مكة ‏"‏ من طريق ابن جريج ‏"‏ أخبرني نافع أن ابن عمر ‏"‏ فذكره سواء‏.‏
والفسطاط بضم الفاء ويجوز كسرها ويجوز ذلك بالمثناة بدل الطاء وبإدغامها في السين فتلك ست لغات، وقوله فيه ‏"‏ وتلك الأيام جميعا ‏"‏ أراد بذلك التأكيد، ووقع في رواية أبي ذر بدون واو على أنها ظرف لما تقدم ذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكانت ميمونة‏)‏ أي بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أقف على أثرها هذا موصولا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان النساء‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ وكن النساء ‏"‏ وهي على اللغة القليلة، وأبان المذكور هو ابن عثمان بن عفان، وكان أميرا على المدينة في زمن ابن عم أبيه عبد الملك بن مروان، وقد وصل هذا الأثر أبو بكر بن أبي الدنيا في ‏"‏ كتاب العيدين ‏"‏ وحديث أم عطية في الباب سلفهن في ذلك، وقد اشتملت هذه الآثار على وجود التكبير في تلك الأيام عقب الصلوات وغير ذلك من الأحوال‏.‏
وفيه اختلاف بين العلماء في مواضع‏:‏ فمنهم من قصر التكبير على أعقاب الصلوات، ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل، ومنهم من خصه بالرجال دون النساء، وبالجماعة دون المنفرد، وبالمؤداة دون المقضية، وبالمقيم دون المسافر، وبساكن المصر دون القرية‏.‏
وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع، والآثار التي ذكرها تساعده‏.‏
وللعلماء اختلاف أيضا في ابتدائه وانتهائه فقيل‏:‏ من صبح يوم عرفة، وقيل من ظهره، وقيل من عصره، وقيل من صبح يوم النحر، وقيل من ظهره‏.‏
وقيل في الانتهاء إلى ظهر يوم النحر، وقيل إلى عصره، وقيل إلى ظهر ثانيه، وقيل إلى صبح آخر أيام التشريق، وقيل إلى ظهره، وقيل إلى عصره‏.‏
حكى هذه الأقوال كلها النووي إلا الثاني من الانتهاء‏.‏
وقد رواه البيهقي عن أصحاب ابن مسعود ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث، وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود إنه من صبح يوم عرفة آخر أيام منى أخرجه ابن المنذر وغيره والله أعلم‏.‏
وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال ‏"‏ كبروا الله، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر كبيرا ‏"‏ ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه جعفر الفريابي في ‏"‏ كتاب العيدين ‏"‏ من طريق يزيد بن أبي زياد عنهم وهو قول الشافعي وزاد ‏"‏ ولله الحمد‏"‏، وقيل يكبر ثلاثا ويزيد ‏"‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ‏"‏، وقيل يكبر ثنتين بعدهما ‏"‏ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد ‏"‏ جاء ذلك عن عمر، وعن ابن مسعود نحوه وبه قال أحمد وإسحاق، وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَنَحْنُ غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ عَنْ التَّلْبِيَةِ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ يُلَبِّي الْمُلَبِّي لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سألت أنسا‏)‏ في رواية أبي ذر سألت أنس بن مالك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويكبر المكبر فلا ينكر عليه‏)‏ هذا موضع الترجمة، وهو متعلق بقوله فيها ‏"‏ وإذا غدا إلى عرفة ‏"‏ وظاهره أن أنسا احتج به على جواز التكبير في موضع التلبية‏.‏
ويحتمل أن يكون من كبر أضاف التكبير إلى التلبية، وسيأتي بسط الكلام عليه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَاصِمٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد حدثنا عمر بن حفص‏)‏ كذا في بعض النسخ عن أبي ذر وكذا لكريمة وأبي الوقت ‏"‏ حدثنا محمد ‏"‏ غير منسوب، وسقط من رواية ابن سبويه وابن السكن وأبي زيد المروزي وأبي أحمد الجرجاني، ووقع في رواية الأصيلي عن بعض مشايخه ‏"‏ حدثنا محمد البخاري ‏"‏ فعلى هذا لا واسطة بين البخاري وبين عمر بن حفص فيه، وقد حدث البخاري عنه بالكثير بغير واسطة، وربما أدخل بينه وبينه الواسطة أحيانا، والراجح سقوط الواسطة بينهما في هذا الإسناد، وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج‏.‏
ووقع في حاشية بعض النسخ لأبي ذر‏:‏ محمد هذا يشبه أن يكون هو الذهلي فالله أعلم‏.‏
وعاصم المذكور في الإسناد هو ابن سليمان، وحفصة هي بنت سيرين، وسيأتي الكلام على المتن بعد سبعة أبواب‏.‏
وسبق بعضه في كتاب الحيض‏.‏
وموضع الترجمة منه قوله ‏"‏ ويكبرن تكبيرهم ‏"‏ لأن ذلك في يوم العيد وهو من أيام منى، ويلتحق به بقية الأيام لجامع ما بينهما من كونهن أياما معدودات وقد ورد الأمر بالذكر فيهن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنا نؤمر‏)‏ كذا في هذه، وسيأتي قريبا بلفظ ‏"‏ أمرنا نبينا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى نخرج‏)‏ بضم النون وحتى للغاية، والتي بعدها للمبالغة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من خدرها‏)‏ بكسر المعجمة أي سترها‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ من خدرتها ‏"‏ بالتأنيث‏.‏
وقوله في آخره ‏"‏ وطهرته ‏"‏ بضم الطاء المهملة وسكون الهاء لغة في الطهارة، والمراد بها التطهر من الذنوب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيكبرن بتكبيرهم‏)‏ ذكر التكبير في حديث أم عطية من هذا الوجه من غرائب الصحيح، وقد أخرجه مسلم أيضا‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:44 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n113&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ إِلَى الْحَرْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب الصلاة إلى الحربة‏)‏ زاد الكشمهيني ‏"‏ يوم العيد ‏"‏ وقد تقدمت هذه الترجمة بهذا الحديث دون زيادة الكشميهني في أبواب السترة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تُرْكَزُ الْحَرْبَةُ قُدَّامَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ ثُمَّ يُصَلِّي
الشرح‏:‏
عبد الوهاب المذكور هنا هو ابن عبد المجيد الثقفي
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n113&p1#TOP)باب حَمْلِ الْعَنَزَةِ أَوْ الْحَرْبَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر المذكور من وجه آخر، وكأنه أفرد له ترجمة ليشعر بمغايرة الحكم، لأن الأولى تبين أن سترة المصلى لا يشترط فيها أن توارى جسده، والثانية تثبت مشروعية المشي بين يدي الإمام بآلة من السلاح، ولا يعارض ذلك ما تقدم من النهي عن حمل السلاح يوم العيد لأن ذلك إنما هو عند خشية التأذي كما تقدم قريبا‏.‏
والوليد المذكور هنا هو ابن مسلم، وقد صرح بتحديث الأوزاعي له وبتحديث نافع للأوزاعي فأمن تدليس الوليد وتسويته، وليس للأوزاعي عن نافع عن ابن عمر موصولا في الصحيح غير هذا الحديث، أشار إلى ذلك الحميدي وقد تقدم الكلام على المتن في ‏"‏ باب سترة الإمام ‏"‏ مستوفي بحمد الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n113&p1#TOP)باب خُرُوجِ النِّسَاءِ وَالْحُيَّضِ إِلَى الْمُصَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب خروج النساء والحيض إلى المصلى‏)‏ أي يوم العيد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ قَالَ أَوْ قَالَتْ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ وَيَعْتَزِلْنَ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حماد‏)‏ كذا لكريمة، ونسبه الباقون ‏"‏ ابن زيد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا لأبي ذرعن الحموي والمستملي، وللباقين ‏"‏ أمرنا ‏"‏ بضم الهمزة وحذف لفظ نبينا، ووقع لمسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد ‏"‏ قالت أمرنا ‏"‏ تعني النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفي رواية سليمان بن حرب عن حماد عند الإسماعيلي ‏"‏ قالت أمرنا بأبا ‏"‏ بكسر الموحدة بعدها همزة مفتوحة ثم موحدة ممالة وعلى هذا فكأنه كان في رواية الحجبي كذلك لكن بإبدال الهمزة ياء تحتانية فتصير صورتها ‏"‏ بيبا ‏"‏ فكأنها تصحفت فصارت نبينا، وأضاف إليها بعض الكتاب الصلاة بعد التصحيف‏.‏
وأما رواية مسلم فكأنها كانت أمرنا على البناء كما وقع عند الكشميهني وغيره فأفصح بعض الرواة بتسمية الآمر والله أعلم‏.‏
وإنما قلت ذلك لأن سليمان بن حرب أثبت الناس في حماد بن زيد‏.‏
وقد تقدم معنى قول أم عطية ‏"‏ بأبي ‏"‏ في كتاب الحيض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن أيوب‏)‏ هو معطوف على الإسناد المذكور‏.‏
والحاصل أن أيوب حدث به حمادا عن أم عطية، وعن حفصة عن أم عطية أيضا، وقد وقع ذلك صريحا في رواية سليمان بن حرب المذكورة، ورواه أبو داود عن محمد بن عبد الله، وأبو يعلى عن أبي الربيع كلاهما عن حماد عن أيوب عن محمد عن أم عطية، وعن أيوب عن حفصة عن امرأة تحدث عن امرأة أخرى، وزاد أبو الربيع في رواية حفصة ذكر الجلباب، وتبين بذلك أن سياق محمد بن سيرين مغاير لسياق حفصة إسنادا أو متنا، ولم يصب من حمل إحدى الروايتين على الأخرى‏.‏
وسيأتي الكلام على الجلباب وعلى بقية فوائد هذا الحديث بعد أربعة أبواب إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:46 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n113&p1#TOP)باب خُرُوجِ
الصِّبْيَانِ إِلَى الْمُصَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب خروج الصبيان إلى المصلى‏)‏ أي في الأعياد، وإن لم يصلوا‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ آثر المصنف في الترجمة قوله ‏"‏ إلى المصلى ‏"‏ على قوله صلاة العيد ليعم من يتأتى منه الصلاة ومن لا يتأتى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن ابن عباس‏)‏ بموحدة مكسورة ثم مهملة، وصرح يحيى القطان عن الثوري بأن عبد الرحمن المذكور حدثه كما سيأتي بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى‏)‏ ليس في هذا السياق بيان كونه كان صبيا حينئذ ليطابق الترجمة، لكن جرى المصنف على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده، فسيأتي بعد باب بلفظ ‏"‏ ولولا مكاني من الصغر ما شهدته ‏"‏ ويأتي بقية الكلام عليه في الباب المذكور إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله ‏"‏يوم فطر أو أضحى ‏"‏ شك من الراوي عن ابن عباس، وسيأتي بعد بابين من وجه آخر عن ابن عباس الجزم بأنه يوم الفطر‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n113&p1#TOP)باب اسْتِقْبَالِ الْإِمَامِ النَّاسَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَابِلَ النَّاسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد‏)‏ قال الزين بن المنير ما حاصله‏:‏ إن إعادة هذه الترجمة بعد أن تقدم نظيرها في الجمعة لرفع احتمال من يتوهم أن العيد يخالف الجمعة في ذلك، وأن استقبال الإمام في الجمعة يكون ضروريا لكونه يخطب على المنبر، بخلاف العيد فإنه يخطب فيه على رجليه كما تقدم في ‏"‏ باب خطبة العيد‏"‏، فأراد أن يبين أن الاستقبال سنة على كل حال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو سعيد‏:‏ قام النبي صلى الله عليه وسلم مقابل الناس‏)‏ هو طرف من حديث وصله المصنف في ‏"‏ باب الخروج إلى المصلى ‏"‏ وقد تقدم قبل عشرة أبواب بلفظ ‏"‏ ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ قام فأقبل على الناس ‏"‏ الحديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَضْحًى إِلَى الْبَقِيعِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَقَالَ إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ قَالَ اذْبَحْهَا وَلَا تَفِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ
الشرح‏:‏
قوله في حديث البراء ‏(‏فإنه شيء عجله لأهله‏)‏ في رواية المستملى ‏"‏ فإنما هو شيء ‏"‏ وقوله فيه‏:‏ ‏"‏ ولا تفي عن أحد بعدك ‏"‏ كذا للمستملي والحموي بفاء، وللكشميهني والباقين ‏"‏ ولا تغني ‏"‏ بالغين المعجمة والنون وضم أوله، والمعنى متقارب‏.‏
وسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى‏.‏
وموضع الترجمة منه قوله ‏"‏ ثم أقبل علينا بوجهه‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:51 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n113&p1#TOP)باب الْعَلَمِ الَّذِي بِالْمُصَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب العلم الذي بالمصلى‏)‏ تقدم في ‏"‏ باب الخروج إلى المصلى بغير منبر ‏"‏ التعريف بمكان المصلى، وأن تعريفه بكونه عند دار كثير بن الصلت على سبيل التقريب للسامع، وإلا فدار كثير بن الصلت محدثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وظهر من هذا الحديث أنهم جعلوا لمصلاه شيئا يعرف به وهو المراد بالعلم، وهو بفتحتين‏:‏ الشيء الشاخص‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لَهُ أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ وَلَوْلَا مَكَانِي مِنْ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ حَتَّى أَتَى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ بِأَيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَبِلَالٌ إِلَى بَيْتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولولا مكاني من الصغر ما شهدته‏)‏ أي حضرته، وهذا مفسر للمراد من قوله في ‏"‏ باب وضوء الصبيان ‏"‏‏:‏ ولولا مكاني منه ما شهدته، فدل هذا على أن الضمير في قوله ‏"‏ منه ‏"‏ يعود على غير مذكور وهو الصغر، ومشى بعضهم على ظاهر ذلك السياق فقال‏:‏ إن الضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى ولولا منزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم ما شهدت معه العيد، وهو متجه لكن هذا السياق يخالفه، وفيه نظر لأن الغالب أن الصغر في مثل هذا يكون مانعا لا مقتضيا، فلعل فيه تقديما وتأخيرا، ويكون قوله من الصغر متعلقا بما بعده فيكون المعنى لولا منزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم ما حضرت لأجل صغري، ويمكن حمله على ظاهره وأراد‏:‏ بشهود ما وقع من وعظه للنساء، لأن الصغر يقتضي أن يغتفر له الحضور معهن بخلاف الكبر، قال ابن بطال‏:‏ خروج الصبيان للمصلى إنما هو إذا كان الصبي ممن يضبط نفسه عن اللعب ويعقل الصلاة ويتحفظ مما يفسدها، ألا ترى إلى ضبط ابن عباس القصة ا هـ‏.‏
وفيه نظر لأن مشروعية إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك وإظهار شعار الإسلام بكثرة من يحضر منهم، ولذلك شرع للحيض كما سيأتي، فهو شامل لمن تقع منهم الصلاة أو لا‏.‏
وعلى هذا إنما يحتاج أن يكون مع الصبيان من يضبطهم عما ذكر من اللعب ونحوه سواء صلوا أم لا‏.‏
وأما ضبط ابن عباس القصة فلعله كان لفرط ذكائه، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى أتى العلم‏)‏ كذا وقع في هذه الرواية ذكر الغاية بغير ابتداء، والمعنى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شهدت الخروج معه حتى أتى، وكأنه حذف لدلالة السياق عليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتى النساء‏)‏ يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومعه بلال‏)‏ فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجة إليه من شاهد ونحوه، لأن بلالا كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم ومتولي قبض الصدقة، وأما ابن عباس فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يهوين‏)‏ بضم أوله أي يلقين، و قوله‏:‏ ‏(‏يقذفنه‏)‏ أي يلقين الذي يهوين به، وقد فسره في الباب الذي يليه من طريق أخرى من حديث ابن عباس أيضا وسياقه أتم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية أبي علي الكشاني عقب هذا الحديث قال محمد بن كثير‏:‏ العلم‏.‏
انتهى‏.‏
وقد وصل المؤلف طريق ابن كثير هذا في كتاب الاعتصام فقال ‏"‏ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان ‏"‏ فذكره‏.‏
ولما أخرج البيهقي طريق ابن كثير هذا في العيدين قال‏:‏ أخرجه البخاري فقال‏:‏ وقال ابن كثير، فكأنه أشار إلى هذه الرواية ولم يستحضر الطريق التي في الاعتصام‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:53 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n113&p1#TOP)باب مَوْعِظَةِ الْإِمَامِ النِّسَاءَ يَوْمَ الْعِيدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب موعظة الإمام النساء يوم العيد‏)‏ أي إذا لم يسمعن الخطبة مع الرجال‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ زَكَاةَ يَوْمِ الْفِطْرِ قَالَ لَا وَلَكِنْ صَدَقَةً يَتَصَدَّقْنَ حِينَئِذٍ تُلْقِي فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ قُلْتُ أَتُرَى حَقًّا عَلَى الْإِمَامِ ذَلِكَ وَيُذَكِّرُهُنَّ قَالَ إِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ لَا يَفْعَلُونَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني إسحاق بن إبراهيم بن نصر‏)‏ نسب في رواية الأصيلي إلى جده فقال إسحاق بن نصر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم خطب، فلما فرغ نزل‏)‏ فيه إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على مكان مرتفع لما يقتضيه قوله ‏"‏ نزل ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب الخروج إلى المصلى ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب في المصلى على الأرض، فلعل الراوي ضمن النزول معنى الانتقال‏.‏
وزعم عياض أن وعظه للنساء كان في أثناء الخطبة وأن ذلك كان في أول الإسلام وأنه خاص به صلى الله عليه وسلم، وتعقبه النووي بهذه المصرحة بأن ذلك كان بعد الخطبة وهو قوله ‏"‏ فلما فرغ نزل فأتى النساء ‏"‏ والخصائص لا تثبت بالاحتمال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت لعطاء‏)‏ القائل هو ابن جريج، وهو موصول بالإسناد المذكور، وقد تقدم الحديث من وجه آخر عن ابن جريج في ‏"‏ باب المشي ‏"‏ بدون هذه الزيادة‏.‏
ودل هذا السؤال على أن ابن جريج فهم من قوله ‏"‏ الصدقة ‏"‏ أنها صدقة الفطر بقرينة كونها يوم الفطر وأخذ من قوله ‏"‏ وبلال باسط ثوبه ‏"‏ لأنه يشعر بأن الذي يلقى فيه بشيء يحتاج إلى ضم فهو لائق بصدقة الفطر المقدرة بالكيل، لكن بين له عطاء أنها كانت صدقة تطوع، وأنها كانت مما لا يجزئ في صدقة الفطر من خاتم ونحوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تلقى‏)‏ أي المرأة، والمراد جنس النساء، ولذلك عطف عليه بصيغة الجمع فقال ‏"‏ ويلقين ‏"‏ أو المعنى تلقى الواحدة، وكذلك الباقيات يلقين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتخها‏)‏ بفتح الفاء والمثناة من فوق وبالخاء المعجمة كذا للأكثر، وللمستملي والحموي ‏"‏ فتخها ‏"‏ بالتأنيث، وسيأتي تفسيره قريبا، وحذف مفعول يلقين اكتفاء، وكرر الفعل المذكور في رواية مسلم إشارة إلى التنويع، وسيأتي في حديث ابن عباس بلفظ ‏"‏ فيلقين الفتخ والخواتم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت‏)‏ القائل أيضا ابن جريج، والمسئول عطاء‏.‏
وقوله ‏"‏أنه لحق عليهم ‏"‏ ظاهره أن عطاء كان يرى وجوب ذلك، ولهذا قال عياض‏:‏ لم يقل بذلك غيره‏.‏
وأما النووي فحمله على الاستحباب‏.‏
وقال‏:‏ لا مانع من القول به، إذا لم يترتب على ذلك مفسدة‏.‏
الحديث‏:‏
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ شَهِدْتُ الْفِطْرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُصَلُّونَهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يُخْطَبُ بَعْدُ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجَلِّسُ بِيَدِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى جَاءَ النِّسَاءَ مَعَهُ بِلَالٌ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا آنْتُنَّ عَلَى ذَلِكِ قَالَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا نَعَمْ لَا يَدْرِي حَسَنٌ مَنْ هِيَ قَالَ فَتَصَدَّقْنَ فَبَسَطَ بِلَالٌ ثَوْبَهُ ثُمَّ قَالَ هَلُمَّ لَكُنَّ فِدَاءٌ أَبِي وَأُمِّي فَيُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الْفَتَخُ الْخَوَاتِيمُ الْعِظَامُ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن جريج وأخبرني الحسن بن مسلم‏)‏ هو معطوف على الإسناد الأول وقد أفرد مسلم الحديث من طريق عبد الرزاق، وساق الثاني قبل الأول فقدم حديث ابن عباس على حديث جابر، وقد تقدم من وجه آخر عن ابن جريج مختصرا في ‏"‏ باب الخطبة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا فيه بغير أداة عطف، وسيأتي في ‏"‏ باب تفسير الممتحنة ‏"‏ من وجه آخر عن ابن جريج بلفظ ‏"‏ فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم‏"‏، وكذا لمسلم من طريق عبد الرزاق هذه، وقوله ‏"‏ثم يخطب ‏"‏ بضم أوله على البناء للمجهول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين يجلس‏)‏ بتشديد اللام المكسورة، وحذف مفعوله، وهو ثابت في رواية مسلم بلفظ ‏"‏ يجلس الرجال بيده‏"‏، وكأنهم لما انتقل عن مكان خطبته أرادوا الانصراف فأمرهم بالجلوس حتى يفرغ من حاجته ثم ينصرفوا جميعا، أو لعلهم أرادوا أن يتبعوه فمنعهم فيقوى البحث الماضي في آخر الباب الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقالت امرأة واحدة منهن لم يجبه غيرها‏:‏ نعم‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ يا نبي الله ‏"‏ وفيه دلالة على الاكتفاء في الجواب بنعم وتنزيلها منزلة الإقرار، وأن جواب الواحد عن الجماعة كاف إذا لم ينكروا ولم يمنع مانع من إنكارهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يدري حسن من هي‏)‏ حسن هو الراوي له عن طاوس ووقع في مسلم وحده ‏"‏ لا يدري حينئذ ‏"‏ وجزم جمع من الحفاظ بأنه تصحيف، ووجهه النووي بأمر محتمل لكن اتحاد المخرج دال على ترجيح رواية الجماعة ولا سيما وجود هذا الموضع في مصنف عبد الرزاق الذي أخرجناه صلى الله عليه وسلم من طريقه في البخاري موافقا لرواية الجماعة‏.‏
والفرق بين الروايتين أن في رواية الجماعة تعيين الذي لم يدر من المرأة، بخلاف رواية مسلم‏.‏
ولم أقف على تسمية هذه المرأة، إلا أنه يختلج في خاطري أنها أسماء بنت يزيد ابن السكن التي تعرف بخطيبة النساء، فإنها روت أصل هذه القصة في حديث أخرجه البيهقي والطبراني وغيرهما من طريق شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى النساء وأنا معهن فقال‏:‏ يا معشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم‏.‏
فناديت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت عليه جريئة‏:‏ لم يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير ‏"‏ الحديث، فلا يبعد أن تكون هي التي أجابته أولا بنعم، فإن القصة واحدة، فلعل بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر كما في نظائره والله أعلم‏.‏
وقد روى الطبراني من وجه آخر عن أم سلمة الأنصارية - وهي أسماء المذكورة - أنها كانت في النسوة اللاتي أخذ عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخذ الحديث، ولابن سعد من حديثها ‏"‏ أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق‏.‏
الآية‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال فتصدقن‏)‏ هو فعل أمر لهن بالصدقة والفاء سببية أو داخلة على جواب شرط محذوف تقديره إن كنتن على ذلك فتصدقن، ومناسبته للآية من قوله ‏"‏ ولا يعصينك في معروف ‏"‏ فإن ذلك من جملة المعروف الذي أمرن به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال هلم‏)‏ القائل هو بلال، وهو على اللغة الفصحى في التعبير بها للمفرد والجمع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لكن‏)‏ بضم الكاف وتشديد النون، وقوله ‏"‏فدا ‏"‏ بكسر الفاء والقصر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الرزاق‏:‏ الفتخ الخواتيم العظام كانت في الجاهلية‏)‏ لم يذكر عبد الرزاق في أي شيء كانت تلبس، وقد ذكر ثعلب أنهن يلبسنها في أصابع الأرجل ا هـ‏.‏
ولهذا عطف عليها الخواتيم لأنها عند الإطلاق تنصرف إلى ما يلبس في الأيدي، وقد وقع في بعض طرقه عند مسلم هنا ذكر الخلاخيل، وحكى عن الأصمعي أن الفتخ الخواتيم التي لا فصوص لها، فعلى هذا هو من عطف الأعم على الأخص‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن، ويستحب حثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد، ومحل ذلك كله إذا أمن الفتنة والمفسدة‏.‏
وفيه خروج النساء إلى المصلى كما سيأتي في الباب الذي بعده‏.‏
وفيه جواز التفدية بالأب والأم، وملاطفة العامل على الصدقة بمن يدفعها إليه‏.‏
واستدل به على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث خلافا لبعض المالكية ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله‏.‏
قال القرطبي‏:‏ ولا يقال في هذا إن أزواجهن كانوا حضورا لأن ذلك لم ينقل ولو نقل فليس فيه تسليم أزواجهن لهن ذلك لأن من ثبت له الحق فالأصل بقاؤه حتى يصرح بإسقاطه ولم ينقل أن القوم صرحوا بذلك ا هـ‏:‏ وأما كونه من الثلث فما دونه فإن ثبت أنهن لا يجوز لهن التصرف فيما زاد على الثلث لم يكن في هذه القصة ما يدل على جواز الزيادة، وفيه أن الصدقة من دوافع العذاب لأنه أمرهن بالصدقة ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك كما تقدم في كتاب الحيض من حديث أبي سعيد‏.‏
ووقع نحوه عند مسلم من وجه آخر في حديث جابر، وعند البيهقي من حديث أسماء بنت يزيد كما تقدمت الإشارة إليه‏.‏
وفيه بذل النصيحة والإغلاظ بها لمن احتيج في حقه إلى ذلك، والعناية بذكر ما يحتاج إليه لتلاوة آية الممتحنة لكونها خاصة بالنساء‏.‏
وفيه جواز طلب الصدقة من الأغنياء للمحتاجين ولو كان الطالب غير محتاج، وأخذ منه الصوفية جواز ما اصطلحوا عليه من الطلب، ولا يخفى ما يشترط فيه من أن المطلوب له أيكون غير قادر على التكسب مطلقا أو لما لا بد له منه‏.‏
وفي مبادرة تلك النسوة إلى الصدقة بما يعز عليهن من حليهن مع ضيق الحال في ذلك الوقت دلالة على رفيع مقامهن في الدين وحرصهن على امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن، وقد تقدمت بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الحيض‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:55 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n113&p1#TOP)باب إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ فِي الْعِيدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يكن لها جلباب‏)‏ بكسر الجيم وسكون اللام وموحدتين، تقدم تفسيره في كتاب الحيض في ‏"‏ باب شهود الحائض العيدين ‏"‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يذكر جواب الشرط في الترجمة حوالة على ما ورد في الخبر ا هـ‏.‏
والذي يظهر لي أنه حذفه لما فيه من الاحتمال، فقد تقدم في الباب المذكور أنه يحتمل أن يكون للجنس، أي تعيرها من جنس ثيابها، ويؤيده رواية ابن خزيمة ‏"‏ من جلابيبها ‏"‏ وللترمذي ‏"‏ فلتعرها أختها من جلابيبها ‏"‏ والمراد بالأخت الصاحبة، ويحتمل أن يكون المراد تشركها معها في ثوبها، ويؤيده رواية أبي داود ‏"‏ تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها ‏"‏ يعني إذا كان واسعا، ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‏"‏ ثوبها ‏"‏ جنس الثياب فيرجع للأول‏.‏
ويؤخذ منه جواز اشتمال المرأتين في ثوب واحد عند التستر، وقيل‏:‏ إنه ذكر على سبيل المبالغة، أي يخرجن على كل حال ولو اثنتين في جلباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَأَتَيْتُهَا فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ فَقَالَتْ فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى وَنُدَاوِي الْكَلْمَى فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ فَقَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا فَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ حَفْصَةُ فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا أَسَمِعْتِ فِي كَذَا وَكَذَا قَالَتْ نَعَمْ بِأَبِي وَقَلَّمَا ذَكَرَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَتْ بِأَبِي قَالَ لِيَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ أَوْ قَالَ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ شَكَّ أَيُّوبُ وَالْحُيَّضُ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فَقُلْتُ لَهَا الْحُيَّضُ قَالَتْ نَعَمْ أَلَيْسَ الْحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت نعم بأبا‏)‏ بموحدتين بينهما همزة مفتوحة والثانية خفيفة‏.‏
وفي رواية كريمة وأبي الوقت ‏"‏ بأبي ‏"‏ بكسر الثانية على الأصل، أي أفديه بأبي، وقد تقدم في الباب المذكور بلفظ ‏"‏ بيبى ‏"‏ بإبدال الهمزة ياء تحتانية، ووقع عند أحمد من طريق حفصة عن أم عطية قالت ‏"‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لتخرج العواتق ذوات الخدور‏)‏ كذا للأكثر على أنه صفته وللكشميهني ‏(‏أو قال‏:‏ العواتق وذوات الخدور، شك أيوب‏)‏ يعني هل هو بواو العطف أو لا، وقد تقدم نحوه في الباب المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لها‏)‏ القائلة المرأة والمقول لها أم عطية، ويحتمل أن تكون القائلة حفصة والمقول لها المرأة وهي أخت أم عطية، والأول أرجح والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 03:57 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n113&p1#TOP)باب اعْتِزَالِ الْحُيَّضِ الْمُصَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب اعتزال الحيض المصلى‏)‏ مضمون هذه الترجمة بعض ما تضمنه الحديث الذي في الباب الماضي، وكأنه أعاد هذا الحكم للاهتمام به، وقد تقدم مضموما إلى الباب المذكور في كتاب الحيض‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أُمِرْنَا أَنْ نَخْرُجَ فَنُخْرِجَ الْحُيَّضَ وَالْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ أَوْ الْعَوَاتِقَ ذَوَاتِ الْخُدُورِ فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ وَيَعْتَزِلْنَ مُصَلَّاهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عون‏)‏ هو عبد الله، ومحمد هو ابن سيرين، وقد شك ابن عون في العواتق كما شك أيوب في الذي قبله، ووقع في رواية منصور بن زاذان عن ابن سيرين عند الترمذي ‏"‏ تخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور‏"‏‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد جواز مداواة المرأة للرجال الأجانب إذا كانت بإحضار الدواء مثلا والمعالجة بغير مباشرة، إلا إن احتيج إليها عند أمن الفتنة‏.‏
وفيه أن من شأن العواتق والمخدرات عدم البروز إلا فيما أذن لهن فيه‏.‏
وفيه استحباب إعداد الجلباب للمرأة، ومشروعية عارية الثياب‏.‏
واستدل به على وجوب صلاة العيد، وفيه نظر لأن من جملة من أمر بذلك من ليس بمكلف، فظهر أن القصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع ولتعم الجميع البركة، والله أعلم‏.‏
وفيه استحباب خروج النساء إلى شهود العيدين سواء كن شواب أم لا وذوات هيآت أم لا، وقد اختلف فيه السلف، ونقل عياض وجوبه عن أبي بكر وعلي وابن عمر، والذي وقع لنا عن أبي بكر وعلي ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنهما فالأحق على كل ذات نطاق الخروج إلى العيدين، وقد ورد هذا مرفوعا بإسناد لا بأس به أخرجه أحمد وأبو يعلى وابن المنذر من طريق امرأة من عبد القيس عن أخت عبد الله بن رواحة به والمرأة لم تسم، والأخت اسمها عمرة صحابية‏.‏
وقوله ‏"‏حق ‏"‏ يحتمل الوجوب ويحتمل تأكد الاستحباب، روى ابن أبي شيبة أيضا عن ابن عمر أنه كان يخرج إلى العيدين من استطاع من أهله، وهذا ليس صريحا في الوجوب أيضا، بل قد روى عن ابن عمر المنع فيحتمل أن يحمل على حالين، ومنهم من حمله على الندب وجزم بذلك الجرجاني من الشافعية وابن حامد من الحنابلة، ولكن نص الشافعي في الأم يقتضي استثناء ذوات الهيآت قال‏:‏ وأحب شهود العجائز وغير ذوات الهيئة الصلاة، وإنا لشهودهن الأعياد أشد استحبابا‏.‏
وقد سقطت واو العطف من رواية المزني في المختصر فصارت غير ذوات الهيئة صفة للعجائز فمشى على ذلك صاحب النهاية ومن تبعه وفيه ما فيه، بل قد روى البيهقي في المعرفة عن الربيع قال قال الشافعي‏:‏ قد روى حديث فيه أن النساء يتركن إلى العيدين، فإن كان ثابتا قلت به، قال البيهقي‏:‏ قد ثبت وأخرجه الشيخان - يعني حديث أم عطية هذا - فيلزم الشافعية القول به، ونقله ابن الرفعة عن البندنيجي وقال‏:‏ إنه ظاهر كلام التنبيه، وقد ادعى بعضهم النسخ فيه، قال الطحاوي‏:‏ وأمره عليه السلام بخروج الحيض وذوات الخدور إلى العيد يحتمل أن يكون في أول الإسلام والمسلمون قليل فأريد التكثير بحضورهن إرهابا للعدو، وأما اليوم فلا يحتاج إلى ذلك‏.‏
وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال‏.‏
قال الكرماني‏:‏ تاريخ الوقت لا يعرف قلت‏:‏ بل هو معروف بدلالة حديث ابن عباس أنه شهده وهو صغير وكان ذلك بعد فتح مكة فلم يتم مراد الطحاوي، وقد صرح في حديث أم عطية بعلة الحكم وهو شهودهن الخير ودعوة المسلمين ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته، وقد أفتت به أم عطية بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة كما في هذا الحديث ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفتها في ذلك، وأما قول عائشة ‏"‏ لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد ‏"‏ فلا يعارض ذلك لندوره إن سلمنا أن فيه دلالة على أنها أفتت بخلافه، مع أن الدلالة منه بأن عائشة أفتت بالمنع ليست صريحة‏.‏
وفي قوله ‏"‏ إرهابا للعدو ‏"‏ نظر لأن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحرب دال على الضعف، والأولى أن يخص ذلك بمن يؤمن عليها وبها الفتنة ولا يترتب على حضورها محذور ولا تزاحم الرجال في الطرق ولا في المجامع، وقد تقدمت بقية فوائد هذا الحديث في الباب المشار إليه من كتاب الحيض‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:00 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n114&p1#TOP)باب النَّحْرِ وَالذَّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمُصَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النحر والذبح بالمصلى يوم النحر‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر في ذلك، قال الزين بن المنير‏:‏ عطف الذبح على النحر في الترجمة وإن كان حديث الباب ورد بأو المقتضية للتردد إشارة إلى أنه لا يمتنع أن يجمع يوم النحر بين نسكين أحدهما مما ينحر والآخر مما يذبح، وليفهم اشتراكهما في الحكم انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون أشار إلى أنه ورد في بعض طرقه بواو الجمع كما سيأتي في كتاب الأضاحي، ويأتي الكلام هناك على فوائده إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n114&p1#TOP)باب كَلَامِ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ وَإِذَا سُئِلَ الْإِمَامُ عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ يَخْطُبُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد، وإذا سئل الإمام عن شيء وهو يخطب‏)‏ في هذه الترجمة حكمان وظن بعضهم أن فيها تكرارا وليس ذلك، بل الأول الأعم من الثاني، ولم يذكر المصنف الجواب استغناء بما في الحديث، ووجهه من حديث البراء أن المراجعة الصادرة بين أبي بردة وبين النبي صلى الله عليه وسلم دالة على الحكم الأول، وسؤال أبي بردة عن حكم العناق دال على الحكم الثاني‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ ذَبَحَ فَقَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الأسود‏)‏ هو ابن قيس لا ابن يزيد، لأن شعبة لم يلحق ابن يزيد، وجندب هو ابن عبد الله البجلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال من ذبح‏)‏ هو من جملة الخطبة وليس معطوفا على قوله ‏"‏ ثم ذبح ‏"‏ لئلا يلزم تخلل الذبح بين الخطبة وهذا القول، وليس الواقع ذلك على ما بينه حديث البراء الذي قبله وسيأتي الكلام عليهما في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:03 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n114&p1#TOP)باب مَنْ خَالَفَ الطَّرِيقَ إِذَا رَجَعَ يَوْمَ الْعِيدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من خالف الطريق‏)‏ أي التي توجه منها إلى المصلى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ تَابَعَهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ فُلَيْحٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ فُلَيْحٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب وفي رواية أبي علي بن السكن حدثنا محمد بن سلام، وكذا للحفصي وجزم به الكلاباذي وغيره، وفي نسخة من أطراف خلف أنه وجد في حاشية أنه محمد بن مقاتل‏.‏
انتهى‏.‏
وكذا هو في رواية أبي علي بن شبويه، والأول هو المعتمد، وقد رواه عن أبي تميلة أيضا - ممن اسمه محمد - محمد بن حميد الرازي لكنه خالف في اسم صحابيه كما سيأتي، وليس هو ممن خرج عنهم البخاري في صحيحه، وأبو تميلة بالمثناة مصغرا مروزي قيل إن البخاري ذكره في الضعفاء لكن لم يوجد ذلك في التصنيف المذكور قاله الذهبي، ثم إنه لم ينفرد به كما سيأتي‏.‏
نعم تفرد به شيخه فليح وهو مضعف عند ابن معين والنسائي وأبي داود ووثقه آخرون فحديثه من قبيل الحسن، لكن له شواهد من حديث ابن عمر وسعد القرظ وأبي رافع وعثمان بن عبيد الله التيمي وغيرهم يعضد بعضها بعضا، فعلى هذا هو من القسم الثاني من قسمي الصحيح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن الحارث‏)‏ هو ابن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا كان يوم عيد خالف الطريق‏)‏ كان تامة، أي إذا وقع‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ كان إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ أخذ بهذا بعض أهل العلم فاستحبه للإمام، وبه يقول الشافعي‏.‏
انتهى‏.‏
والذي في ‏"‏ الأم ‏"‏ أنه يستحب للإمام والمأموم، وبه قال أكثر الشافعية‏.‏
وقال الرافعي‏:‏ لم يتعرض في الوجيز إلا للإمام ا هـ‏.‏
وبالتعميم قال أكثر أهل العلم، ومنهم من قال إن علم المعنى وبقيت العلة بقي الحكم وإلا انتفى بانتفائها، وإن لم يعلم المعنى بقي الاقتداء‏.‏
وقال الأكثر يبقى الحكم ولو انتفت العلة للاقتداء كما في الرملي وغيره، وقد اختلف في معنى ذلك على أقوال كثيرة اجتمع لي منها أكثر من عشرين، وقد لخصتها وبينت الواهي منها، قال القاضي عبد الوهاب المالكي‏:‏ ذكر في ذلك فوائد بعضها قريب وأكثرها دعاوى فارغة‏.‏
انتهى‏.‏
فمن ذلك أنه فعل ذلك ليشهد له الطريقان وقيل سكانهما من الجن والإنس، وقيل ليسوى بينهما في مزية الفضل بمروره أو في التبرك به أو ليشم رائحة المسك من الطريق التي يمر بها لأنه كان معروفا بذلك، وقيل لأن طريقه للمصلى كانت على اليمين فلو رجع منها لرجع على جهة الشمال فرجع من غيرها وهذا يحتاج إلى دليل، وقيل لإظهار شعار الإسلام فيهما، وقيل لإظهار ذكر الله، وقيل ليغيظ المنافقين أو اليهود، وقيل ليرهبهم بكثرة من معه ورجحه ابن بطال، وقيل حذرا من كيد الطائفتين أو إحداهما، وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم يكرره قاله ابن التين، وتعقب بأنه لا يلزم من مواظبته على مخالفة الطريق المواظبة على طريق منها معين، لكن في رواية الشافعي من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم ويرجع من الطريق الأخرى ‏"‏ وهذا لو ثبت لقوى بحث ابن التين، وقيل فعل ذلك ليعمهم في السرور به أو التبرك بمروره وبرؤيته والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء أو التعلم والاقتداء والاسترشاد أو الصدقة أو السلام عليهم وغير ذلك، وقيل ليزور أقاربه الأحياء والأموات، وقيل ليصل رحمه، وقيل ليتفاءل بتغير الحال إلى المغفرة والرضا، وقيل كان في ذهابه يتصدق فإذا رجع لم يبق معه شيء فيرجع في طريق أخرى لئلا يرد من يسأله وهذا ضعيف جدا مع احتياجه إلى الدليل، وقيل فعل ذلك لتخفيف الزحام وهذا رجحه الشيخ أبو حامد وأيده المحب الطبري بما رواه البيهقي في حديث ابن عمر فقال فيه ليسع الناس، وتعقب بأنه ضعيف وبأن قوله ليسع الناس يحتمل أن يفسر ببركته وفضله وهذا الذي رجحه ابن التين، وقيل كان طريقه التي يتوجه منها أبعد من التي فيها فأراد تكثير الأجر بتكثير الخطأ في الذهاب وأما في الرجوع فليسرع إلى منزله وهذا اختيار الرافعي، وتعقب بأنه يحتاج إلى دليل وبأن أجر الخطأ يكتب في الرجوع أيضا كما ثبت في حديث أبي بن كعب عند الترمذي وغيره، فلو عكس ما قال لكان له اتجاه ويكون سلوك الطريق القريب للمبادرة إلى فعل الطاعة وإدراك فضيلة أول الوقت، وقيل لأن الملائكة تقف في الطرقات فأراد أن يشهد له فريقان منهم‏.‏
وقال ابن أبي جمرة‏:‏ هو في معنى قول يعقوب لبنيه ‏(‏لا تدخلوا من باب واحد‏)‏ فأشار إلى أنه فعل ذلك حذر إصابة العين وأشار صاحب الهدي إلى أنه فعل ذلك لجميع ما ذكر من الأشياء المحتملة القريبة والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه يونس بن محمد عن فليح وحديث جابر أصح‏)‏ كذا عند جمهور رواة البخاري عن طريق الفربري، وهو مشكل لأن قوله ‏"‏ أصح ‏"‏ يباين قوله ‏"‏ تابعه ‏"‏ إذ لو تابعه لساواه فكيف تتجه الأصحية الدالة على عدم المساواة‏.‏
وذكر أبو علي الجياني أنه سقط قوله ‏"‏ وحديث جابر أصح ‏"‏ من رواية إبراهيم ابن معقل النسفي عن البخاري فلا إشكال فيها قال‏:‏ ووقع في رواية ابن السكن ‏"‏ تابعه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة ‏"‏ وفي هذا توجيه قوله أصح، ويبقي الإشكال في قوله تابعه فإنه لم يتابعه بل خالفه، وقد أزال هذا الأشكال أبو نعيم في المستخرج فقال ‏"‏ أخرجه البخاري عن محمد عن أبي تميلة وقال‏:‏ تابعه يونس بن محمد عن فليح‏.‏
وقال محمد بن الصلت‏:‏ عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة، وحديث جابر أصح‏"‏‏.‏
وبهذا جزم أبو مسعود في الأطراف، وكذا أشار إليه البرقاني‏.‏
وقال البيهقي‏:‏ إنه وقع كذلك في بعض النسخ وكأنها رواية حماد بن شاكر عن البخاري‏.‏
ثم راجعت رواية النسفي فلم يذكر قوله ‏"‏ وحديث جابر أصح ‏"‏ فسلم من الإشكال وهو مقتضى قول الترمذي ‏"‏ رواه أبو تميلة ويونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن جابر ‏"‏ فعلى هذا يكون سقط من رواية الفربري قوله ‏"‏ وقال محمد بن الصلت عن فليح ‏"‏ فقط وبقي ما عدا ذلك، هذا على رواية أبي علي بن السكن، وقد وقع كذلك في نسختي من رواية أبي ذر عن مشايخه، وأما على رواية الباقين فيكون سقط إسناد محمد بن الصلت كله‏.‏
وقال أبو علي الصدفي في حاشية نسخته التي بخطه من البخاري‏:‏ لا يظهر معناه من ظاهر كتاب، وإنما هي إشارة إلى أن أبا تميلة ويونس المتابع له خولفا في سند الحديث وروايتهما أصح، ومخالفهما - وهو محمد بن الصلت - رواه عن فليح شيخهما فخالفهما في صحابيه فقال‏:‏ عن أبي هريرة‏.‏
قلت‏:‏ فيكون معنى قوله ‏"‏ وحديث جابر أصح ‏"‏ أي من حديث من قال فيه عن أبي هريرة، وقد اعترض أبو مسعود في الأطراف على قوله‏:‏ تابعه يونس اعتراضا آخر فقال‏:‏ إنما رواه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة لا جابر، وأجيب بمنع الحصر فإنه ثابت عن يونس بن محمد كما قال البخاري أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس وكذا هو في مسنده ومصنفه، نعم رواه ابن خزيمة والحاكم والبيهقي من طريق أخرى عن يونس بن محمد - كما قال أبو مسعود - وكأنه اختلف عليه فيه، وكذا اختلف فيه على أبي تميلة فأخرجه البيهقي من وجه آخر عنه فقال عن أبي هريرة، وأما رواية محمد بن الصلت المشار إليها فوصلها الدارمي وسمويه كلاهما عنه والترمذي وابن السكن والعقيلي كلهم من طريقه بلفظ ‏"‏ كان إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره ‏"‏ وذكر أبو مسعود أن الهيثم بن جميل رواه عن فليح - كما قال ابن الصلت - عن أبي هريرة‏.‏
والذي يغلب على الظن أن الاختلاف فيه من فليح فلعل شيخه سمعه من جابر ومن أبي هريرة، ويقوى ذلك اختلاف اللفظين، وقد رجح البخاري أنه عن جابر وخالفه أبو مسعود والبيهقي فرجحا أنه عن أبي هريرة ولم يظهر لي في ذلك ترجيح والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:04 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n114&p1#TOP)باب إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَالْقُرَى
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلَاهُمْ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ وَصَلَّى كَصَلَاةِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ وَقَالَ عِكْرِمَةُ أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْعِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ وَقَالَ عَطَاءٌ إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا فاته العيد‏)‏ أي مع الإمام ‏(‏يصلي ركعتين‏)‏ ‏.‏
في هذه الترجمة حكمان‏:‏ مشروعية استدراك صلاة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كان بالاضطرار أو بالاختيار، وكونها تقضي ركعتين كأصلها، وخالف في الأول جماعة منهم المزني فقال‏:‏ لا تقضي، وفي الثاني الثوري وأحمد قالا‏:‏ إن صلاها وحده صلى أربعا، ولهما في ذلك سلف‏:‏ قال ابن مسعود ‏"‏ من فاته العيد مع الإمام فليصل أربعا ‏"‏ أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح‏.‏
وقال إسحاق‏:‏ إن صلاها في الجماعة فركعتين وإلا فأربعا‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ كأنهم قاسوها على الجمعة، لكن الفرق ظاهر لأن من فاتته الجمعة يعود لفرضه من الظهر، بخلاف العيد‏.‏
انتهى‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ يتخير بين القضاء والترك وبين الثنتين والأربع‏.‏
وأورد البخاري في هذا حديث عائشة في قصة الجاريتين المغنيتين، وأشكلت مطابقته للترجمة على جماعة‏.‏
وأجاب ابن المنير بأن ذلك يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنها أيام العيد ‏"‏ فأضاف نسبة العيد إلى اليوم فيستوي في إقامتها الفذ والجماعة والنساء والرجال، قال ابن رشد‏:‏ وتتمته أن يقال إنها أيام عيد أي لأهل الإسلام بدليل قوله في الحديث الآخر ‏"‏ عيدنا أهل الإسلام ‏"‏ ولهذا ذكره البخاري في صدر الباب، وأهل الإسلام شامل لجميعهم أفرادا وجمعا، وهذا يستفاد منه الحكم الثاني لا مشروعية القضاء، قال‏:‏ والذي يظهر لي أنه أخذ مشروعية القضاء من قوله ‏"‏ فإنها أيام عيد ‏"‏ أي أيام منى، فلما سماها أيام عيد كانت محلا لأداء هذه الصلاة، لأنها شرعت ليوم العيد فيستفاد من ذلك أنها تقع أداء وأن لوقت الأداء آخرا وهو آخر أيام منى‏.‏
قال‏:‏ ووجدت بخط أبي القاسم بن الورد‏:‏ لما سوغ صلى الله عليه وسلم للنساء راحة العيد المباحة كان آكد أن يندبهن إلى صلاته في بيوتهن قوله في الترجمة ‏"‏ وكذلك النساء ‏"‏ مع قوله في الحديث ‏"‏ دعهما فإنها أيام عيد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن كان في البيوت والقرى‏)‏ يشير إلى مخالفة ما روى عن علي ‏"‏ لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب فضل العمل في أيام التشريق ‏"‏ عن الزهري ‏"‏ ليس على المسافر صلاة عيد ‏"‏ ووجه مخالفته كون عموم الحديث المذكور يخالف ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا عيدنا أهل الإسلام‏)‏ هذا الحديث لم أره هكذا، وإنما أوله في حديث عائشة في قصة المغنيتين، وقد تقدم في ثالث الترجمة من كتاب العيدين بلفظ ‏"‏ إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا ‏"‏ وأما باقيه فلعله مأخوذ من حديث عقبة بن عامر مرفوعا ‏"‏ أيام منى عيدنا أهل الإسلام ‏"‏ وهو في السنن وصححه ابن خزيمة، وقوله ‏"‏أهل الإسلام ‏"‏ بالنصب على أنه منادى مضاف حذف منه حرف النداء، أو بإضمار أعني أو أخص، وجوز فيه أبو البقاء في إعراب المسند الجر على أنه بدل من الضمير في قوله عيدنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأمر أنس بن مالك مولاه‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ مولاهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ابن أبي غنية‏)‏ كذا لأبي ذر بالمعجمة والنون بعدها تحتانية مثقلة، وللأكثر بضم المهملة وسكون المثناة بعدها موحدة وهو الراجح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالزاوية‏)‏ بالزاي موضع على فرسخين من البصرة كان به لأنس قصر وأرض وكان يقيم هناك كثيرا وكانت بالزاوية وقعة عظيمة بين الحجاج وابن الأشعث‏.‏
وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة ‏"‏ عن ابن علية عن يونس هو ابن عبيد حدثني بعض آل أنس أن أنسا كان ربما جمع أهله وحشمه يوم العيد فيصلي بهم عبد الله بن أبي عتبة مولاه ركعتين ‏"‏ والمراد بالبعض المذكور عبد الله بن أبي بكر بن أنس، روى البيهقي من طريقه قال ‏"‏ كان أنس إذا فاته العيد مع الإمام جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عكرمة‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه قال في القوم يكونون في السواد وفي السفر في يوم عيد فطر أو أضحى قال‏:‏ يجتمعون ويؤمهم أحدهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وكان عطاء ‏"‏ والأول أصح، فقد رواه الفريابي في مصنفه عن الثوري عن ابن جريج عن عطاء قال ‏"‏ من فاته العيد فليصل ركعتين ‏"‏ وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن جريج وزاد ‏"‏ ويكبر‏"‏، وهذه الزيادة تشير إلى أنها تقضي كهيئتها لا أن الركعتين مطلق نفل‏.‏
وأما حديث عائشة فتقدم الكلام عليه مستوفي في أوائل كتاب العيدين، وقوله فيه ‏"‏ وقالت عائشة ‏"‏ معطوف على الإسناد المذكور كما تقدم بيانه، وقوله ‏"‏فزجرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ دعهم ‏"‏ كذا في الأصول بحذف فاعل زجرهم، ووقع في رواية كريمة ‏"‏ فزجرهم عمر ‏"‏ كذا هنا، وسيأتي بهذا الإسناد في أوائل المناقب بحذفه أيضا للجميع، وضبب النسفي بين زجرهم وبين فقال إشارة إلى الحذف، وقد ثبت بلفظ عمر في طرق أخرى كما تقدم في أوائل العيدين، وقول فيه ‏"‏ أمنا ‏"‏ بسكون الميم ‏(‏يعني من الأمن‏)‏ يشير إلى أن المعنى اتركهم من جهة إنا آمناهم أمنا، أو أراد أنه مشتق من الأمن لا من الأمان الذي للكفار، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:06 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n114&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا
وَقَالَ أَبُو الْمُعَلَّى سَمِعْتُ سَعِيدًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَرِهَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْعِيدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة قبل العيد وبعدها‏)‏ أورد فيه أثر ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد وحديثه المرفوع في ترك الصلاة قبلها وبعدها ولم يجزم بحكم ذلك لأن الأثر يحتمل أن يراد به منع التنفل أو نفي الراتبة، وعلى المنع فهل هو لكونه وقت كراهة أو لأعم من ذلك‏.‏
ويؤيد الأول الاقتصار على القبل، وأما الحديث فليس فيه ما يدل على المواظبة فيحتمل اختصاصه بالإمام دون المأموم أو بالمصلى دون البيت، وقد اختلف السلف في جميع ذلك فذكر ابن المنذر عن أحمد أنه قال‏:‏ الكوفيون يصلون بعدها لا قبلها، والبصريون يصلون قبلها لا بعدها، والمدنيون لا قبلها ولا بعدها‏.‏
وبالأول قال الأوزاعي والثوري والحنفية، وبالثاني قال الحسن البصري وجماعة، وبالثالث قال الزهري وابن جريج وأحمد‏.‏
وأما مالك فمنعه في المصلى، وعنه في المسجد روايتان‏.‏
وقال الشافعي في الأم - ونقله البيهقي عنه في المعرفة بعد أن روى حديث ابن عباس حديث الباب - ما نصه‏:‏ وهكذا يحب للإمام أن لا يتنفل قبلها ولا بعدها، وأما المأموم فمخالف له في ذلك‏.‏
ثم بسط الكلام في ذلك‏.‏
وقال الرافعي‏:‏ يكره للإمام التنفل قبل العيد وبعدها، وقيده في البويطي بالمصلى، وجرى على ذلك الصيمري فقال‏:‏ لا بأس بالنافلة قبلها وبعدها مطلقا إلا للإمام في موضع الصلاة، وأما النووي في شرح مسلم فقال‏:‏ قال الشافعي وجماعة من السلف لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها، فإن حمل كلامه على المأموم وإلا فهو مخالف لنص الشافعي المذكور، ويؤيد ما في البويطي حديث أبي سعيد ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل العيد شيئا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين ‏"‏ أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن، وقد صححه الحاكم، وبهذا قال إسحاق، ونقل بعض المالكية الإجماع على أن الإمام لا يتنفل في المصلى‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ التنفل في المصلى لو فعل لنقل، ومن أجازه رأى أنه وقت مطلق للصلاة، ومن تركه رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ومن اقتدى فقد اهتدى انتهى‏.‏
والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافا لمن قاسها على الجمعة، وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو المعلى‏)‏ بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة اسمه يحيى بن ميمون العطار الكوفي، وليس له عند البخاري سوى هذا الموضع، ولم أقف على أثره هذا موصولا‏.‏
وقد تقدم حديث ابن عباس المرفوع بأتم من هذا السياق في ‏"‏ باب الخطبة بعد العيد‏"‏‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب العيدين من الأحاديث المرفوعة على خمسة وأربعين حديثا، المعلق منها أربعة والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى ستة وعشرون والبقية خالصة، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أنس في أكل التمر قبل صلاة عيد الفطر، وحديث ابن عمر في قصته مع الحجاج، وحديث ابن عباس في العمل في ذي الحجة، حديث ابن عمر في الذبح بالمصلى‏.‏
وحديث جابر في مخالفة الطريق، وأما حديث عقبة بن عامر المشار إليه في الباب الماضي فإن كان مرادا زادت العدة واحدا معلقا، وليس هو في مسلم، وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ثلاثة وعشرون أثرا معلقة إلا أثر أبي بكر وعمر وعثمان في الصلاة قبل الخطبة فإنها موصولة في حديث ابن عباس‏.‏
والله الهادي إلى الصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:08 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n115&p1#TOP)باب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ
الشرح‏:‏
‏(‏أبواب الوتر‏)‏ كذا عند المستملي، وعن الباقين ‏"‏ باب ما جاء في الوتر ‏"‏ وسقطت البسملة عند ابن شبويه والأصيلي وكريمة‏.‏
والوتر بالكسر الفرد، وبالفتح الثأر، وفي لغة مترادفان‏.‏
ولم يتعرض البخاري لحكمه لكن إفراده بترجمة عن أبواب التهجد والتطوع يقتضي أنه غير ملحق بها عنده، ولولا أنه أورد الحديث الذي فيه إيقاعه على الدابة إلا المكتوبة لكان في ذلك إشارة إلى أنه يقول بوجوبه‏.‏
أورد البخاري فيه ثلاثة أحاديث مرفوعة‏:‏ حديث ابن عمر من وجهين، وحديث ابن عباس، وحديث عائشة‏.‏
فأما حديث ابن عمر فأخرجه من الموطأ ولم يختلف على مالك في إسناده إلا أن في رواية مكي بن إبراهيم عن مالك أن نافعا وعبد الله بن دينار أخبراه كذا في الموطآت للدار قطني، وأورده الباقون بالعنعنة‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال ابن التين‏:‏ اختلف في الوتر في سبعة أشياء‏:‏ في وجوبه، وعدده، واشتراط النية فيه، واختصاص بقراءة، واشتراط شفع قبله، وفي آخر وقته، وصلاته في السفر على الدابة‏.‏
قلت‏:‏ وفي قضائه، والقنوت فيه، وفي محل القنوت منه، وفيما يقال فيه، وفي فصله ووصله، وهل تسن ركعتان بعده، وفي صلاته من قعود‏.‏
لكن هذا الأخير ينبني على كونه مندوبا أو لا‏.‏
وقد اختلفوا في أول وقته أيضا، وفي كونه أفضل صلاة التطوع، أو الرواتب أفضل منه، أو خصوص ركعتي الفجر‏.‏
وقد ترجم البخاري لبعض ما ذكرناه، ويأتي الكلام على ما لم يترجم له أثناء الكلام على أحاديث الباب وما بعدها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا‏)‏ لم أقف على اسمه، ووقع في المعجم الصغير للطبراني أن السائل هو ابن عمر، لكن يعكر عليه رواية عبد الله بن شقيق عن ابن عمر ‏"‏ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بينه وبين السائل ‏"‏ فذكر الحديث، وفيه ‏"‏ ثم سأله رجل على رأس الحول وأنا بذلك المكان منه ‏"‏ قال ‏"‏ فما أدري أهو ذلك الرجل أو غيره ‏"‏ وعند النسائي من هذا الوجه أن السائل المذكور من أهل البادية، وعند محمد بن نصر في ‏"‏ كتاب أحكام الوتر ‏"‏ وهو كتاب نفيس في مجلدة من رواية عطية عن ابن عمر أن أعرابيا سأل، فيحتمل أن يجمع بتعدد من سأل، وقد سبق في ‏"‏ باب الحلق في المسجد ‏"‏ أن السؤال المذكور وقع في المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن صلاة الليل‏)‏ في رواية أيوب عن نافع ‏"‏ في باب الحلق في المسجد ‏"‏‏:‏ ‏"‏ أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال‏:‏ كيف صلاة الليل ‏"‏ ونحوه في رواية سالم عن أبيه في أبواب التطوع، وقد تبين من الجواب أن السؤال وقع عن عددها أو عن الفصل والوصل‏.‏
وفي رواية محمد بن نصر من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ قال رجل‏:‏ يا رسول الله كيف تأمرنا أن نصلي من الليل ‏"‏ وأما قول ابن بزيزة جوابه بقوله مثنى يدل على أنه فهم من السائل طلب كيفية العدد لا مطلق الكيفية ففيه نظر، وأولى ما فسر به الحديث من الحديث، واستدل بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعا وهو عن الحنفية وإسحاق، وتعقب بأنه مفهوم لقب وليس بحجة على الراجح، وعلى تقدير الأخذ به فليس بمنحصر في أربع، وبأنه خرج جوابا للسؤال عن صلاة الليل فقيد الجواب بذلك مطابقة للسؤال، وبأنه قد تبين عن رواية أخرى أن حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به، ففي السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من طريق على الأزدي عن ابن عمر مرفوعا ‏"‏ صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ‏"‏ وقد تعقب هذا الأخير بأن أكثر أئمة الحديث أعلوا هذه الزيادة وهي قوله ‏"‏ والنهار ‏"‏ بأن الحفاظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه وحكم النسائي على راويها بأنه أخطأ فيها‏.‏
وقال يحيى بن معين‏:‏ عن علي الأزدي حتى أقبل منه‏؟‏ وادعى يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع أن ابن عمر كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن، ولو كان حديث الأزدي صحيحا لما خالفه ابن عمر، يعني مع شدة اتباعه رواه عنه محمد بن نصر في سؤالاته، لكن روى ابن وهب بإسناد قوي عن ابن عمر قال ‏"‏ صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ‏"‏ موقوف أخرجه ابن عبد البر من طريقه، فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف بالمرفوع فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا، وقد روى ابن أبي شيبة عن وجه آخر عن ابن عمر أنه كان يصلي بالنهار أربعا أربعا وهذا موافق لما نقله ابن معين صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثنى مثنى‏)‏ أي اثنين اثنين، وهو غير منصرف لتكرار العدل فيه قاله صاحب الكشاف‏.‏
وقال آخرون‏:‏ للعدل والوصف، وأما إعادة مثنى فللمبالغة في التأكيد، وقد فسره ابن عمر راوي الحديث فعند مسلم عن طريق عقبة بن حريث قال قلت لابن عمر‏:‏ ما معني مثنى مثنى‏؟‏ قال‏:‏ تسلم من كل ركعتين‏.‏
وفيه رد على من زعم من الحنفية أن معنى مثنى أن يتشهد بين كل ركعتين لأن راوي الحديث أعلم بالمراد به، وما فسره به هو المتبادر إلى الفهم لأنه لا يقال في الرباعية مثلا إنها مثنى، واستدل بهذا على تعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهو ظاهر السياق لحصر المبتدأ في الخبر، وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه، ولم يتعين أيضا كونه لذلك، بل يحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف، إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلى من الأربع فما فوقها لما فيه من الراحة غالبا وقضاء ما يعرض من أمر مهم، ولو كان الوصل لبيان الجواز فقط لم يواظب عليه صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى اختصاصه به فعليه البيان، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم الفصل كما صح عنه الوصل، فعند أبي داود ومحمد بن نصر من طريقي الأوزاعي وابن أبي ذئب كلاهما عن الزهري عن عروة عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين أن يفرغ من العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ‏"‏ وإسنادهما على شرط الشيخين، واستدل به أيضا على عدم النقصان عن ركعتين في النافلة ما عدا الوتر، قال ابن دقيق العيد‏:‏ والاستدلال به أقوى من الاستدلال بامتناع قصر الصبح في السفر إلى ركعة، يشير بذلك إلى الطحاوي فإنه استدل على منع التنفل بركعة بذلك، واستدل بعض الشافعية للجواز بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏الصلاة خير موضوع، فمن شاء استكثر ومن شاء استقل ‏"‏ صححه ابن حبان‏.‏
وقد اختلف السلف في الفصل والوصل في صلاة الليل أيهما أفضل‏.‏
وقال الأثرم عن أحمد‏:‏ الذي اختاره في صلاة الليل مثنى مثنى، فإن صلى بالنهار أربعا فلا بأس‏.‏
وقال محمد بن نصر نحوه في صلاة الليل قال‏:‏ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرها إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على الوصل، إلا أنا نختار أن يسلم من كل ركعتين لكونه أجاب به السائل ولكون أحاديث الفصل أثبت وأكثر طرقا، وقد تضمن كلامه الرد على الداودي الشارح ومن تبعه في دعواهم أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى النافلة أكثر من ركعتين ركعتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا خشي أحدكم الصبح‏)‏ استدل به على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر، وأصرح منه ما رواه أبو داود والنسائي وصححه أبو عوانة وغيره من طريق سليمان بن موسى عن نافع أنه حدثه أن ابن عمر كان يقول ‏"‏ من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك، فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر ‏"‏ وفي صحيح ابن خزيمة من طريق قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا ‏"‏ من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له ‏"‏ وهذا محمول على التعمد أو على أنه لا يقع أداء، لما رواه من حديث أبي سعيد أيضا مرفوعا ‏"‏ من نسى الوتر أو نام عنه فليصله إذا ذكره ‏"‏ وقيل معنى قوله ‏"‏ إذا خشي أحدكم الصبح - أي وهو في شفع - فلينصرف على وتر ‏"‏ وهذا ينبني على أن الوتر لا يفتقر إلى نية‏.‏
وحكى ابن المنذر عن جماعة من السلف أن الذي يخرج بالفجر وقته الاختياري ويبقى وقت الضرورة إلى قيام صلاة الصبح، وحكاه القرطبي عن مالك والشافعي وأحمد، وإنما قاله الشافعي في القديم‏.‏
وقال ابن قدامة‏:‏ لا ينبغي لأحد أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح، واختلف السلف في مشروعية قضائه فنفاه الأكثر، وفي مسلم وغيره عن عائشة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نام من الليل من وجع أو غيره فلم يقم من الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ‏"‏ وقال محمد بن نصر‏:‏ لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الأخبار أنه قضى الوتر ولا أمر بقضائه، ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم في ليلة نومهم عن الصبح في الوادي قضى الوتر فلم يصب‏.‏
وعن عطاء والأوزاعي‏:‏ يقضي ولو طلعت الشمس، وهو وجه عند الشافعية حكاه النووي في شرح مسلم، وعن سعيد بن جبير‏:‏ يقضي من القابلة، وعن الشافعية‏:‏ يقضي مطلقا، ويستدل لهم بحديث أبي سعيد المتقدم والله أعلم‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ يؤخذ من سياق هذا الحديث أن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من النهار شرعا، وقد روى ابن دريد في أماليه بسند جيد أن الخليل بن أحمد سئل عن حد النهار فقال‏:‏ من الفجر المستطير إلى بداءة الشفق‏.‏
وحكى عن الشعبي أنه وقت منفرد لا من الليل ولا من النهار صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلى ركعة واحدة‏)‏ في رواية الشافعي وعبد الله بن وهب ومكي بن إبراهيم ثلاثتهم عن مالك ‏"‏ فليصل ركعة ‏"‏ أخرجه الدار قطني في الموطآت هكذا بصيغة الأمر، وسيأتي بصيغة الأمر أيضا من طريق ابن عمر الثانية في هذا الباب، ولمسلم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا نحوه، واستدل بهذا على أنه لا صلاة بعد الوتر، وقد اختلف السلف في ذلك في موضعين‏:‏ أحدهما في مشروعية ركعتين بعد الوتر عن جلوس، والثاني فيمن أوتر ثم أراد أن يتنفل في الليل هل يكتفي بوتره الأول وليتنفل ما شاء أو يشفع وتره بركعة ثم يتنفل ثم إذا فعل ذلك هل يحتاج إلى وتر آخر أو لا‏؟‏ فأما الأول فوقع عند مسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس ‏"‏ وقد ذهب إليه بعض أهل العلم وجعلوا الأمر في قوله ‏"‏ اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترا ‏"‏ مختصا بمن أوتر آخر الليل‏.‏
وأجاب من لم يقل بذلك بأن الركعتين المذكورتين هما ركعتا الفجر، وحمله النووي على أنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان جواز التنفل بعد الوتر وجواز التنفل جالسا‏.‏
وأما الثاني فذهب الأكثر إلى أنه يصلي شفعا ما أراد ولا ينقض وتره عملا بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا وتران في ليلة‏"‏، وهو حديث حسن أخرجه النسائي وابن خزيمة وغيرهما من حديث طلق بن على‏.‏
وإنما يصح نقض الوتر عند من يقول بمشروعية التنفل بركعة واحدة غير الوتر، وقد تقدم ما فيه‏.‏
وروى محمد بن نصر من طريق سعيد بن الحارث أنه سأل ابن عمر عن ذلك فقال‏:‏ إذا كنت لا تخاف الصبح ولا النوم فاشفع ثم صلي ما بدا لك ثم أوتر، وإلا فصل وترك على الذي كنت أوترت‏.‏
ومن طريق أخرى عن ابن عمر أنه سئل عن ذلك فقال‏:‏ أما أنا فأصلي مثنى، فإذا انصرفت ركعت ركعة واحدة‏.‏
فقيل‏:‏ أرأيت أن أوترت قبل أن أنام ثم قمت من الليل فشفعت حتى أصبح‏؟‏ قال‏:‏ ليس بذلك بأس‏.‏
واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏صل ركعة واحدة ‏"‏ على أن فصل الوتر أفضل من وصله، وتعقب بأنه ليس صريحا في الفصل، فيحتمل أن يريد بقوله ‏"‏ صل ركعة واحدة ‏"‏ أي مضافة إلى ركعتين مما مضى‏.‏
واحتج بعض الحنفية لما ذهب إليه من تعيين الوصل والاقتصار على ثلاث بأن الصحابة أجمعوا على أن الوتر بثلاث موصولة حسن جائز، واختلفوا فيما عداه، قال‏:‏ فأخذنا بما أجمعوا عليه وتركنا ما اختلفوا فيه‏.‏
وتعقبه محمد بن نصر المروزي بما رواه من طريق عراك ابن مالك عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا ‏"‏ لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب ‏"‏ وقد صححه الحاكم من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة والأعرج عن أبي هريرة مرفوعا نحوه، وإسناده على شرط الشيخين، وقد صححه ابن حبان والحاكم، ومن طريق مقسم عن ابن عباس وعائشة كراهية الوتر بثلاث، وأخرجه النسائي أيضا‏.‏
وعن سليمان بن يسار أنه كره الثلاث في الوتر وقال‏:‏ لا يشبه التطوع الفريضة فهذه الآثار تقدح في الإجماع الذي نقله‏.‏
وأما قول محمد بن نصر‏:‏ لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا ثابتا صريحا أنه أوتر بثلاث موصولة، نعم ثبت عنه أنه أوتر بثلاث، لكن لم يبين الراوي هل هي موصولة أو مفصولة‏.‏
انتهى‏.‏
فيرد عليه ما رواه الحاكم من حديث عائشة أنه كان صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن‏.‏
وروى النسائي من حديث أبي بن كعب نحوه ولفظه ‏"‏ يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ولا يسلم إلا في آخرهن ‏"‏ وبين في عدة طرق أن السور الثلاث بثلاث ركعات، ويجاب عنه باحتمال أنهما لم يثبتا عنده، والجمع بين هذا وبين ما تقدم من النهي عن التشبه بصلاة المغرب أن يحمل النهي على صلاة الثلاث بتشهدين، وقد فعله السلف أيضا، فروى محمد بن نصر من طريق الحسن أن عمر كان ينهض في الثالثة من الوتر بالتكبير، ومن طريق المسور بن مخرمة أن عمر أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن، ومن طريق ابن طاوس عن أبيه أنه كان يوتر بثلاث لا يقعد بينهن، ومن طريق قيس بن سعد عن عطاء وحماد بن زيد عن أيوب مثله، وروى محمد بن نصر عن ابن مسعود وأنس وأبي العالية أنهم أوتروا بثلاث كالمغرب، وكأنهم لم يبلغهم النهي المذكور‏.‏
وسيأتي في هذا الباب قول القاسم بن محمد في تجويز الثلاث، ولكن النزاع في تعين ذلك فإن الأخبار الصحيحة تأباه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏توتر له ما قد صلى‏)‏ استدل به على أن الركعة الأخيرة هي الوتر وأن كل ما تقدمها شفع، وادعى بعض الحنفية أن هذا إنما يشرع لمن طرقه الفجر قبل أن يوتر فيكتفي بواحدة لقوله ‏"‏ فإذا خشي الصبح ‏"‏ فيحتاج إلى دليل تعين الثلاث، وسنذكر ما فيه من رواية القاسم الآتية‏.‏

واستدل به على تعين الشفع قبل الوتر وهو عن المالكية بناء على أن قوله ‏"‏ ما قد صلى ‏"‏ أي من النفل‏.‏
وحمله من لا يشترط سبق الشفع على ما هو أعم من النفل والفرض وقالوا‏:‏ إن سبق الشفع شرط في الكمال لا في الصحة، ويؤيده حديث أبي أيوب مرفوعا ‏"‏ الوتر حق، فمن شاء أوتر بخمس ومن شاء بثلاث ومن شاء بواحدة ‏"‏ أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم، وصح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة من غير تقدم نفل قبلها، ففي كتاب محمد بن نصر وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد أن عثمان قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصل غيرها، وسيأتي في المغازي حديث عبد الله بن ثعلبة أن سعدا أوتر بركعة، وسيأتي في المناقب عن معاوية أنه أوتر بركعة وأن ابن عباس استصوبه، وفي كل ذلك رد على ابن التين في قوله‏:‏ إن الفقهاء لم يأخذوا بعمل معاوية في ذلك، وكأنه أراد فقهاءهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن نافع‏)‏ هو معطوف على الإسناد الأول، وهو في الموطأ كذلك إلا أنه ليس مقرونا في سياق واحد بل بين المرفوع والموقوف عدة أحاديث، ولهذا فصله البخاري عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته‏)‏ ظاهره أنه كان يصلي الوتر موصولا فإن عرضت له حاجة فصل ثم بنى على ما مضى، وفي هذا دفع لقول من قال‏:‏ لا يصح الوتر إلا مفصولا‏.‏
وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال‏:‏ صلى ابن عمر ركعتين ثم قال يا غلام أرحل لنا، ثم قام فأوتر بركعة‏.‏
وروى الطحاوي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، وإسناده قوي‏.‏
ولم يعتذر الطحاوي عنه إلا باحتمال أن يكون المراد بقوله بتسليمة أي التسليمة التي في التشهد ولا يخفى بعد هذا التأويل والله أعلم‏.‏
وأما حديث ابن عباس فقد تقدم في عدة مواضع في العلم والطهارة والمساجد والإمامة وأحلت بشرحه على ما هنا‏.‏
وقد رواه عن ابن عباس جماعة منهم كريب وسعيد بن جبير وعلي بن عبد الله بن عباس وعطاء وطاوس والشعبي وطلحة بن نافع ويحيى بن الجزار وأبو جمرة وغيرهم مطولا ومختصرا، وسأذكر ما في طرقه من الفوائد ناسبا كل رواية إلى مخرجها إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَهِيَ خَالَتُهُ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ وِسَادَةٍ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبهِ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه بات عند ميمونة‏)‏ زاد شريك بن أبي نمر عن كريب عند مسلم ‏"‏ فرقبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي ‏"‏ زاد أبو عوانة في صحيحه من هذا الوجه ‏"‏ بالليل‏"‏، ولمسلم من طريق عطاء عن ابن عباس قال ‏"‏ بعثني العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ زاد النسائي من طريق حبيب بن أبي ثابت عن كريب ‏"‏ في إبل أعطاه إياها من الصدقة ‏"‏ ولأبي عوانة من طريق علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه ‏"‏ أن العباس بعثه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، قال‏:‏ فوجدته جالسا في المسجد فلم أستطع أن أكلمه، فلما صلى المغرب قام فركع حتى أذن بصلاة العشاء ‏"‏ ولابن خزيمة من طريق طلحة بن نافع عنه ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد العباس ذودا من الإبل، فبعثني إليه بعد العشاء وكان في بيت ميمونة ‏"‏ وهذا يخالف ما قبله، ويجمع بأنه لما لم يكلمه في المسجد أعاده إليه بعد العشاء إلى بيت ميمونة، ولمحمد بن نصر في كتاب قيام الليل من طريق محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن الزيادة ‏"‏ فقال لي‏:‏ يا بني بت الليلة عندنا ‏"‏ وفي رواية حبيب المذكورة ‏"‏ فقلت‏:‏ لا أنام حتى أنظر ما يصنع في صلاة الليل ‏"‏ وفي رواية مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن مخرمة ‏"‏ فقلت لميمونة‏:‏ إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظني ‏"‏ وكان عزم في نفسه على السهر ليطلع على الكيفية التي أرادها، ثم خشي أن يغلب النوم فوصى ميمونة أن توقظه‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:10 PM
قوله‏:‏ ‏(‏في عرض وسادة‏)‏ في رواية محمد بن الوليد المذكورة ‏"‏ وسادة من أدم حشوها ليف ‏"‏ وفي رواية طلحة بن نافع المذكورة ‏"‏ ثم دخل مع امرأته في فراشها ‏"‏ وزاد أنها ‏"‏ كانت ليلتئذ حائضا ‏"‏ وفي رواية شريك بن أبي نمر عن كريب في التفسير ‏"‏ فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله سماعة ‏"‏ وقد سبقت الإشارة إليه في كتاب العلم، وتقدم الكلام على الاضطجاع والعرض ومسح النوم والعشر الآيات في ‏"‏ باب قراءة القرآن بعد الحدث ‏"‏ وكذا على الشن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى انتصف الليل أو قريبا منه‏)‏ جزم شريك بن أبي نمر في روايته المذكورة ‏"‏ بثلث الليل الأخير ‏"‏ ويجمع بينهما بأن الاستيقاظ وقع مرتين‏:‏ ففي الأولى نطر إلى السماء ثم تلا الآيات ثم عاد لمضجعه فنام، وفي الثانية أعاد ذلك ثم توضأ وصلى، وقد بين ذلك محمد بن الوليد في روايته المذكورة‏.‏
وفي رواية الثوري عن سلمة بن كهيل عن كريب في الصحيحين ‏"‏ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأتى حاجته ثم غسل وجهه ويديه ثم نام، ثم قام فأتى القرية ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي رواية سعيد بن مسروق عن سلمة عند مسلم ‏"‏ ثم قام قومة أخرى ‏"‏ وعنده من رواية شعبة عن سلمة ‏"‏ فبال ‏"‏ بدل فأتى حاجته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قام إلى شن‏)‏ زاد محمد بن الوليد ‏"‏ ثم استفرغ من الشن في إناء ثم توضأ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأحسن الوضوء‏)‏ في رواية محمد بن الوليد وطلحة بن نافع جميعا ‏"‏ فأسبغ الوضوء ‏"‏ وفي رواية عمرو بن دينار عن كريب ‏"‏ فتوضأ وضوءا خفيفا ‏"‏ وقد تقدمت في ‏"‏ باب تخفيف الوضوء ‏"‏ ويجمع بين هاتين الروايتين برواية الثوري فإن لفظه ‏"‏ فتوضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ ‏"‏ ولمسلم من طريق عياض عن مخرمة ‏"‏ فأسبغ الوضوء ولم يمس من الماء إلا قليلا ‏"‏ وزاد فيها ‏"‏ فتسوك ‏"‏ وكذا لشريك عن كريب ‏"‏ فاستن ‏"‏ كما تقدمت الإشارة إليه قبيل كتاب الغسل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قام يصلي‏)‏ في رواية محمد بن الوليد ثم أخذ بردا له حضرميا فتوشحه ثم دخل البيت فقام يصلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصنعت مثله‏)‏ يقتضي أنه صنع جميع ما ذكر من القول والنظر والوضوء والسواك والتوشح، ويحتمل أن يحمل على الأغلب، وزاد سلمة عن كريب في الدعوات في أوله ‏"‏ فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أرقبه ‏"‏ وكأنه خشي أن يترك بعض عمله لما جرى من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك بعض العمل خشية أن يفرض على أمته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقمت إلى جنبه‏)‏ تقدم الكلام عليه في أبواب الإمامة مستوفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأخذ بأذني‏)‏ زاد محمد بن الوليد في روايته ‏"‏ فعرفت أنه إنما صنع ذلك ليؤنسني بيده في ظلمة الليل ‏"‏ وفي رواية الضحاك عن عثمان ‏"‏ فجعلت إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني ‏"‏ وفي هذا رد على من زعم أن أخذ الأذن إنما كان في حالة إدارته له من اليسار إلى اليمين متمسكا برواية سلمة بن كهيل الآتية في التفسير حيث قال ‏"‏ فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه ‏"‏ لكن لا يلزم من إدارته على هذه الصفة أن لا يعود إلى مسك أذنه لما ذكره من تأنيسه وإيقاظه لأن حاله كانت تقتضي ذلك لصغر سنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى ركعتين ثم ركعتين‏)‏ كذا في هذه الرواية، وظاهره أنه فصل بين كل ركعتين، ووقع التصريح بذلك في رواية طلحة بن نافع حيث قال فيها ‏"‏ يسلم من كل ركعتين ‏"‏ ولمسلم من رواية علي بن عبد الله بن عباس التصريح بالفصل أيضا وأنه استاك بين كل ركعتين إلى غير ذلك‏.‏
ثم إن رواية الباب فيها التصريح بذكر الركعتين ست مرات ثم قال ‏"‏ ثم أوتر‏"‏، ومقتضاه أنه صلى ثلاث عشرة ركعة، وصرح بذلك في رواية سلمة الآتية في الدعوات حيث قال ‏"‏ فتتامت ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ فتكاملت صلاته ثلاث عشرة ركعة‏"‏‏.‏
وفي رواية عبد ربه بن سعيد الماضية في الإمامة عن كريب فصلى ثلاث عشرة ركعة‏.‏
وفي رواية محمد بن الوليد المذكورة مثله وزاد ‏"‏ وركعتين بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح ‏"‏ وهي موافقة لرواية الباب لأنه قال بعد قوله ‏"‏ ثم أوتر‏:‏ فقام فصلى ركعتين ‏"‏ فاتفق هؤلاء على الثلاث عشرة، وصرح بعضهم بأن ركعتي الفجر من غيرها، لكن رواية شريك بن أبي نمر الآتية في التفسير عن كريب تخالف ذلك ولفظه ‏"‏ فصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج ‏"‏ فهذا ما في رواية كريب من الاختلاف، وقد عرف أن الأكثر خالفوا شريكا فيها، وروايتهم مقدمة على روايته لما معهم من الزيادة ولكونهم أحفظ منه، وقد حمل بعضهم هذه الزيادة على سنة العشاء، ولا يخفى بعده ولا سيما في رواية مخرمة في حديث الباب، إلا إن حمل على أنه أخر سنة العشاء حتى استيقظ، لكن يعكر عليه رواية المنهال الآتية قريبا، وقد اختلف على سعيد جبير أيضا‏:‏ ففي التفسير من طريق شعبة عن الحكم عنه ‏"‏ فصلى أربع ركعات ثم نام ثم صلى خمس ركعات ‏"‏ وقد حمل محمد بن نصر هذه الأربع على أنها سنة العشاء لكونها وقعت قبل النوم، لكن يعكر عليه ما رواه هو من طريق المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس فإن فيه ‏"‏ فصلى العشاء ثم صلى أربع ركعات بعدها حتى لم يبق في المسجد غيره ثم انصرف ‏"‏ فإنه يقتضي أن يكون صلى الأربع في المسجد لا في البيت، ورواية سعيد بن جبير أيضا تقتضي الاقتصار على خمس ركعات بعد النوم وفيه نظر، وقد رواها أبو داود من وجه آخر عن الحكم وفيه ‏"‏ فصلى سبعا أو خمسا أوتر بهن لم يسلم إلا في آخرهن‏"‏‏.‏
وقد ظهر لي من رواية أخرى عن سعيد بن جبير ما يرفع هذا الإشكال ويوضح أن رواية الحكم وقع فيها تقصير، فعند النسائي من طريق يحيى بن عباد بن سعيد بن جبير ‏"‏ فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثمان ركعات ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن‏"‏، فبهذا يجمع بين رواية سعيد ورواية كريب، وأما ما وقع في رواية عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عند أبي داود ‏"‏ فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر ‏"‏ فهو نظير ما تقدم من الاختلاف في رواية كريب، وأما ما في روايتهما من الفصل والوصل فرواية سعيد صريحة في الوصل، ورواية كريب محتملة فتحمل على رواية سعيد‏.‏
وأما قوله في رواية طلحة بن نافع ‏"‏ يسلم من كل ركعتين ‏"‏ فيحتمل تخصيصه بالثمان فيوافق رواية سعيد، ويؤيده رواية يحيى بن الجزار الآتية، ولم أر في شيء طرق حديث ابن عباس ما يخالف ذلك لأن أكثر الرواة عنه لم يذكروا عددا، ومن ذكر العدد منهم لم يزد على ثلاث عشرة ولم ينقص عن إحدى عشرة، إلا أن في رواية علي بن عبد الله بن عباس عند مسلم ما يخالفهم فإن فيه ‏"‏ فصلى ركعتين أطال فيهما ثم انصرف فنام حتى نفخ، ففعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات - يعني آخر آل عمران - ثم أوتر بثلاث فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة ‏"‏ انتهى‏.‏
فزاد على الرواة تكرار الوضوء وما معه ونقص عنهم ركعتين أو أربعا ولم يذكر ركعتي الفجر أيضا، وأظن ذلك من الراوي عنه حبيب بن أبي ثابت فإن فيه مقالا، وقد اختلف عليه في إسناده ومتنه اختلافا تقدم ذكر بعضه، ويحتمل أن يكون لم يذكر الأربع الأول كما لم يذكر الحكم الثمان كما تقدم، وأما سنة الفجر فقد ثبت ذكرها في طريق أخرى عن علي بن عبد الله عند أبي داود‏.‏
والحاصل أن قصة مبيت ابن عباس يغلب على الظن عدم تعددها، فلهذا ينبغي الاعتناء بالجمع بين مختلف الروايات فيها، ولا شك أن الأخذ بما اتفق عليه الأكثر والأحفظ أولى مما خالفهم فيه من هو دونهم ولا سيما إن زاد أو نقص، والمحقق من عدد صلاته في تلك الليلة إحدى عشرة، وأما رواية ثلاث عشرة فيحتمل أن يكون منها سنة العشاء، ووافق ذلك رواية أبي جمرة عن ابن عباس الآتية في صلاة الليل بلفظ ‏"‏ كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ‏"‏ يعني بالليل، ولم يبين هل سنة الفجر منها أو لا، وبينها يحيى بن الجزار عن ابن عباس عند النسائي بلفظ ‏"‏ كان يصلي ثمان ركعات ويوتر بثلاث ويصلي ركعتين قبل صلاة الصبح ‏"‏ ولا يعكر على هذا الجمع إلا ظاهر سياق الباب فيمكن أن يجمل قوله ‏"‏ صلى ركعتين ثم ركعتين ‏"‏ أي قبل أن ينام، ويكون منها سنة العشاء‏.‏
وقوله ‏"‏ثم ركعتين الخ ‏"‏ أي بعد أن قام‏.‏
وسيأتي نحو هذا الجمع في حديث عائشة في أبواب صلاة الليل إن شاء الله تعالى، وجمع الكرماني بين ما اختلف من روايات قصة ابن عباس هذه باحتمال أن يكون بعض رواته ذكر القدر الذي اقتدى ابن عباس به فيه وفصله عما لم يقتد به فيه، وبعضهم ذكر الجميع مجملا والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين‏)‏ تقدمت تسمية المؤذن قريبا، وسيأتي بيان الاختلاف في الاضطجاع هل كان قبل ركعتي الفجر أو بعدها في أوائل أبواب التطوع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم خرج‏)‏ أي إلى المسجد ‏(‏فصلى الصبح‏)‏ أي بالجماعة، وزاد سلمة بن كهيل عن كريب هنا كما سيأتي في الدعوات ‏"‏ وكان من دعائه‏:‏ اللهم اجعل في قلبي نورا ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي الكلام عليه في أول أبواب صلاة الليل إن شاء الله تعالى‏.‏
وفي حديث ابن عباس من الفوائد غير ما تقدم جواز إعطاء بني هاشم من الصدقة، وهو محمول على التطوع، ويحتمل أن يكون إعطاؤه العباس ليتولى صرفه في مصالح غيره ممن يحل له أخذ ذلك‏.‏
وفيه جواز تقاضي الوعد وإن كان من وعد به مقطوعا بوفائه‏.‏
وفيه الملاطفة بالصغير والقريب والضيف، وحسن المعاشرة للأهل، والرد على من يؤثر دوام الانقباض‏.‏
وفيه مبيت الصغير عند محرمه وإن كان زوجها عندها، وجواز الاضطجاع مع المرأة الحائض، وترك الاحتشام في ذلك بحضرة الصغير وإن كان مميزا بل مراهقا‏.‏
وفيه صحة صلاة الصبي وجواز فتل أذنه لتأنيسه وإيقاظه، وقد قيل إن المتعلم إذ تعوهد بفتل أذنه كان أذكى لفهمه وفيه حمل أفعاله صلى الله عليه وسلم على الاقتداء به ومشروعية التنفل بين المغرب والعشاء، وفضل صلاة الليل ولا سيما في النصف الثاني، والبداءة بالسواك واستحبابه عند كل وضوء وعند كل صلاة، وتلاوة آخر آل عمران عند القيام إلى صلاة الليل، واستحباب غسل الوجه واليدين لمن أراد النوم وهو محدث، ولعله المراد بالوضوء للجنب صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفيه جواز الاعتراف من الماء القليل لأن الإناء المذكور كان قصعة أو صحفة، واستحباب التقليل من الماء في التطهير مع حصول الإسباغ، وجواز التصغير والذكر بالصفة كما تقدم في باب السمر في العلم حيث قال ‏"‏ نام الغليم‏"‏، وبيان فضل ابن عباس وقوة فهمه وحرصه على تعلم أمر الدين وحسن تأتيه في ذلك‏.‏
وفيه اتخاذ مؤذن راتب للمسجد، وإعلام المؤذن الإمام بحضور وقت الصلاة، واستدعاؤه لها، والاستعانة باليد في الصلاة وتكرار ذلك كما سيأتي البحث فيه في أواخر كتاب الصلاة‏.‏
وفيه مشروعية الجماعة في النافلة، والائتمام بمن لم ينو الإمامة، وبيان موقف الإمام والمأموم، وقد تقدم كل ذلك في أبواب الإمامة والله المستعان‏.‏
واستدل به على أن الأحاديث الواردة في كراهية القرآن على غير وضوء ليست على العموم في جميع الأحوال، وأجيب بأن نومه كان لا ينقض وضوءه فلا يتم الاستدلال به إلا أن يثبت أنه قرأ الآيات بين قضاء الحاجة والوضوء والله أعلم‏.‏
انتهى الكلام على حديث ابن عباس‏.‏
وأما طريق ابن عمر الثانية فالقاسم المذكور في إسناده هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق، وقوله فيه ‏"‏ فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة ‏"‏ فيه دفع لقول من ادعى أن الوتر بواحدة مختص بمن خشي طلوع الفجر لأنه علقه بإرادة الانصراف وهو أعم من أن يكون لخشية طلوع الفجر أو غير ذلك، وقوله فيه ‏"‏ قال القاسم ‏"‏ هو بالإسناد المذكور، كذلك أخرجه أبو نعيم في مستخرجه، ووهم من زعم أنه معلق‏.‏
وقوله فيه ‏"‏ منذ أدركنا ‏"‏ أي بلغنا الحلم أو عقلنا، وقوله ‏"‏يوترون بثلاث وأن كلا لواسع ‏"‏ يقتضي أن القاسم فهم من قوله ‏"‏ فاركع ركعة ‏"‏ أي منفردة منفصلة، ودل ذلك على أنه لا فرق عنده بين الوصل والفصل في الوتر والله أعلم‏.‏
وأما حديث عائشة فقد أعاده المصنف إسنادا ومتنا في كتاب صلاة الليل، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وكأنه أراد بإيراده هنا أن لا معارضة بينه وبين حديث ابن عباس، إذ ظاهر حديث ابن عباس فصل الوتر وهذا محتمل الأمرين، وقد بين القاسم أن كلا من الأمرين واسع فشمل الفصل والوصل والاقتصار على واحدة وأكثر‏.‏
قال الكرماني‏:‏ قوله ‏"‏ وأن كلا ‏"‏ أي وأن كل واحدة من الركعة والثلاث والخمس والسبع وغيرها جائز، وأما تعيين الثلاث موصولة ومفصولة فلم يشمله كلامه لأن المخالف من الحنفية يحمل كل ما ورد من الثلاث على الوصل، مع أن كثيرا من الأحاديث ظاهر في الفصل كحديث عائشة ‏"‏ يسلم من كل ركعتين ‏"‏ فإنه يدخل فيه الركعتان اللتان قبل الأخيرة فهو كالنص في موضع النزاع، وحمل الطحاوي هذا ومثله على أن الركعة مضمومة إلى الركعتين قبلها، ولم يتمسك في دعوى ذلك إلا بالنهي عن البتيراء مع احتمال أن يكون المراد بالبتيراء أن يوتر بواحدة فردة ليس قبلها شيء، وهو أعم من أن يكون الوصل أو الفصل، وصرح كثير منهم أن الفصل يقطعهما عن أن يكونا من جملة الوتر، ومن خالفهم يقول إنهما منه بالنية‏.‏
وبالله التوفيق والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:13 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n116&p1#TOP)باب سَاعَاتِ الْوِتْرِ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْصَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ساعات الوتر‏)‏ أي أوقاته‏.‏
ومحصل ما ذكره أن الليل كله وقت للوتر، لكن أجمعوا على أن ابتداءه مغيب الشفق بعد صلاة العشاء، كذا نقله ابن المنذر‏.‏
لكن أطلق بعضهم أنه يدخل بدخول العشاء، قالوا‏:‏ ويظهر أثر الخلاف فيمن صلى العشاء وبأن أنه كان بغير طهارة ثم صلى الوتر متطهرا أو ظن أنه صلى العشاء فصلى الوتر فإنه يجزئ على هذا القول دون الأول، ولا معارضة بين وصية أبي هريرة بالوتر قبل النوم وبين قول عائشة ‏"‏ وانتهى وتره إلى السحر ‏"‏ لأن الأول لإرادة الاحتياط، والآخر لمن علم من نفسه قوة، كما ورد في حديث جابر عند مسلم ولفظه ‏"‏ من طمع منكم أن يقوم آخر الليل فليوتر من آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة‏.‏
وذلك أفضل‏.‏
ومن خاف منكم أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة‏)‏ هو طرف من حديث أورده المصنف من طريق أبي عثمان عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ وإن أوتر قبل أن أنام‏"‏، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده من هذا الوجه بلفظ التعليق، وكذا أخرجه أحمد من طريق أخرى عن أبي هريرة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ أُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ فَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَكَأَنَّ الْأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ قَالَ حَمَّادٌ أَيْ سُرْعَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت‏)‏ أي أخبرني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نطيل‏)‏ كذا للأكثر بنون الجمع، وللكشميهني أطيل بالإفراد، وجوز الكرماني في ‏"‏ أطيل ‏"‏ أن يكون بلفظ مجهول الماضي ومعروف المضارع، وفي الأول بعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى‏)‏ استدل به على فضل الفصل لكونه أمر بذلك وفعله، وأما الوصل فورد من فعله فقط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويوتر بركعة‏)‏ لم يعين وقتها، وبينت عائشة أنه فعل ذلك في جميع أجزاء الليل، والسبب في ذلك ما سيذكر في الباب الذي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكأن‏)‏ بتشديد النون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بأذنيه‏)‏ أي لقرب صلاته من الأذان، والمراد به هنا الإقامة، فالمعنى أنه كان يسرع بركعتي الفجر إسراع من يسمع إقامة الصلاة خشية فوات أول الوقت، ومقتضى ذلك تخفيف القراءة فيهما، فيحصل به الجواب عن سؤال أنس بن سيرين عن قدر القراءة فيهما‏.‏
ووقع في رواية مسلم ‏"‏ أن أنسا قال لابن عمر‏:‏ إني لست عن هذا أسألك، قال‏:‏ إنك لضخم ألا تدعني أستقرئ لك ‏"‏ الحديث‏.‏
ويستفاد من هذا جواب السائل بأكثر مما سأل عنه إذا كان مما يحتاج إليه، ومن قوله ‏"‏ إنك لضخم ‏"‏ أن السمين في الغالب يكون قليل الفهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال حماد‏)‏ أي ابن زيد الراوي، وهو بالإسناد المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بسرعة‏)‏ كذا لأبي ذر وأبي الوقت وابن شبويه، ولغيرهم ‏"‏ سرعة ‏"‏ بغير موحدة، وهو تفسير من الراوي لقوله ‏"‏ كان الأذان بأذنيه ‏"‏ وهو موافق لما تقدم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبي‏)‏ هو حفص بن غياث، ومسلم هو أبو الضحى لا ابن كيسان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كل الليل‏)‏ بنصب ‏"‏ كل ‏"‏ على الظرفية‏.‏
وبالرفع على أنه مبتدأ والجملة خبره، والتقدير أوتر فيه‏.‏
ولمسلم من طريق يحيى بن وثاب عن مسروق ‏"‏ من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر ‏"‏ والمراد بأوله بعد صلاة العشاء كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى السحر‏)‏ زاد أبو داود والترمذي ‏"‏ حين مات ‏"‏ ويحتمل أن يكون اختلاف وقت الوتر باختلاف الأحوال، فحيث أوتر في أوله لعله كان وجعا، وحيث أوتر وسطه لعله كان مسافرا، وأما وتره في آخره فكأنه كان غالب أحواله، لما عرف من مواظبته على الصلاة في أكثر الليل والله أعلم‏.‏
والسحر قبيل الصبح، وحكى الماوردي أنه السدس الأخير، وقيل أوله الفجر الأول‏.‏
وفي رواية طلحة بن نافع عن ابن عباس عند ابن خزيمة ‏"‏ فلما انفجر الفجر قام فأوتر بركعة ‏"‏ قال ابن خزيمة المراد به الفجر الأول، وروى أحمد من حديث معاذ مرفوعا ‏"‏ زادني ربي صلاة وهي الوتر، وقتها من العشاء إلى طلوع الفجر ‏"‏ وفي إسناده ضعف، وكذا في حديث خارجة بن حذافة في السنن، وهو الذي احتج به من قال بوجوب الوتر، وليس صريحا في الوجوب والله أعلم‏.‏
وأما حديث بريدة رفعه ‏"‏ الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا وأعاد ذلك ثلاثا ‏"‏ ففي سنده أبو المنيب وفيه ضعف، وعلى تقدير قبوله فيحتاج من احتج به إلى أن يثبت أن لفظ ‏"‏ حق ‏"‏ بمعنى واجب في عرف الشارع، وأن لفظ واجب بمعنى ما ثبت من طريق الآحاد‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:14 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n116&p1#TOP)باب إِيقَاظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَهُ بِالْوِتْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم أهله بالوتر‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ للوتر‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وهشام هو ابن عروة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنا راقدة معترضة‏)‏ تقدم الكلام عليه في سترة المصلى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أيقظني فأوترت‏)‏ أي فقمت فتوضأت فأوترت، واستدل به على استحباب جعل الوتر آخر الليل سواء المتهجد وغيره، ومحله إذا وثق أن يستيقظ بنفسه أو بإيقاظ غيره، واستدل به على وجوب الوتر لكونه صلى الله عليه وسلم سلك به مسلك الواجب حيث لم يدعها نائمة للوتر وأبقاها للتهجد‏.‏
وتعقب بأنه لا يلزم من ذلك الوجوب، نعم يدل على تأكد أمر الوتر وأنه فوق غيره من النوافل الليلية، وفيه استحباب إيقاظ النائم لإدراك الصلاة، ولا يختص ذلك بالمفروضة ولا بخشية خروج الوقت بل يشرع ذلك لإدراك الجماعة وإدراك أول الوقت وغير ذلك من المندوبات، قال القرطبي‏:‏ ولا يبعد أن يقال إنه واجب في الواجب مندوب في المندوب، لأن النائم وإن لم يكن مكلفا لكن مانعه سريع الزوال، فهو كالغافل، وتنبيه الغافل واجب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n116&p1#TOP)باب لِيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ وِتْرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ليجعل آخر صلاته وترا‏)‏ أي بالليل، وقد تقدم الكلام على حديث الباب في أثناء الحديث الأول وقد استدل به بعض من قال بوجوبه، وتعقب بأن صلاة الليل ليست واجبة فكذا آخره، وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليله‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:15 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n116&p1#TOP)باب الْوِتْرِ عَلَى الدَّابَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الوتر على الدابة‏)‏ لما كان حديث عائشة في إيقاظها للوتر وحديث ابن عمر في الأمر بالوتر آخر الليل قد تمسك بهما بعض من ادعى وجوب الوتر عقبهما المصنف بحديث ابن عمر الدال على أنه ليس بواجب، فذكره في ترجمتين‏.‏
إحداهما تدل على كونه نفلا، والثانية تدل على أنه آكد من غيره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ سَعِيدٌ فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ لَحِقْتُهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْتُ خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَقُلْتُ بَلَى وَاللَّهِ قَالَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بكر بن عمر‏)‏ لا يعرف اسمه، وهو ثقة ليس له في الصحيحين غير هذا الحديث الواحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أما لك في رسول الله أسوة‏)‏ فيه إرشاد العالم لرفيقه ما قد يخفى عليه من السنن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بلى والله‏)‏ فيه الحلف على الأمر الذي يراد تأكيده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان يوتر على البعير‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ترجم بالدابة تنبيها على أن لا فرق بينها وبين البعير في الحكم، والجامع بينهما أن الفرض لا يجزئ على واحدة منهما‏.‏
انتهى‏.‏
ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، فسيأتي في أبواب تقصير الصلاة من طريق سالم عن أبيه ‏"‏ أنه كان يصلي من الليل على دابته وهو مسافر ‏"‏ وروى محمد بن نصر من طريق ابن جريج ‏"‏ قال حدثنا نافع أن ابن عمر كان يوتر على دابته‏"‏‏.‏
قال ابن جريج ‏"‏ وأخبرني موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر كان يخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال الطحاوي ذكر عن الكوفيين أن الوتر لا يصلى على الراحلة، وهو خلاف السنة الثابتة، واستدل بعضهم برواية مجاهد أنه رأى ابن عمر نزل فأوتر، وليس ذلك بمعارض لكونه أوتر على الراحلة لأنه لا نزاع أن صلاته على الأرض أفضل، وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن ابن عمر أنه كان يوتر على راحلته، وربما نزل فأوتر بالأرض‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:20 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n116&p1#TOP)باب الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الوتر في السفر‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال‏:‏ إنه لا يسن في السفر، وهو منقول عن الضحاك‏.‏
وأما قول ابن عمر ‏"‏ لو كنت مسبحا في السفر لأتممت ‏"‏ كما أخرجه مسلم وأبو داود من طريق حفص بن عاصم عنه فإنما أراد به راتبة المكتوبة لا النافلة المقصودة كالوتر، وذلك بين من سياق الحديث المذكور، فقد رواه الترمذي من وجه آخر بلفظ ‏"‏ سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين لا يصلون قبلها ولا بعدها، فلو كنت مصليا قبلها أو بعدها لأتممت ‏"‏ ويحتمل أن تكون التفرقة بين نوافل النهار ونوافل الليل، فإن ابن عمر كان يتنفل على راحلته وعلى دابته في الليل وهو مسافر، وقد قال مع ذلك ما قال‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَّا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا الفرائض‏)‏ أي لكن الفرائض بخلاف ذلك، فكان لا يصليها على الراحلة‏.‏
واستدل به على أن الوتر ليس بفرض، وعلى أنه ليس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الوتر عليه لكونه أوقعه على الراحلة، وأما قول بعضهم إنه كان من خصائصه أيضا أن يوقعه على الراحلة مع كونه واجبا عليه فهي دعوى لا دليل عليها لأنه لم يثبت دليل وجوبه عليه حتى يحتاج إلى تكلف هذا الجمع، واستدل به على أن الفريضة لا تصلى على الراحلة، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وليس ذلك بقوى، لأن الترك لا يدل على المنع إلا أن يقال إن دخول وقت الفريضة مما يكثر على المسافر فترك الصلاة لها على الراحلة دائما يشعر بالفرق بينها وبين النافلة في الجواز وعدمه‏.‏
وأجاب من ادعى وجوب الوتر من الحنفية بأن الفرض عندهم غير الواجب، فلا يلزم من نفي الفرض نفي الواجب، وهذا يتوقف على أن ابن عمر كان يفرق بين الفرض والواجب، وقد بالغ الشيخ أبو حامد فادعى أن أبا حنيفة انفرد بوجوب الوتر ولم يوافقه صاحباه، مع أن ابن شيبة أخرج عن سعيد بن المسيب وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود والضحاك ما يدل على وجوبه عندهم، وعنده عن مجاهد الوتر واجب ولم يثبت، ونقله ابن العربي عن أصبغ من المالكية ووافقه سحنون، وكأنه أخذه من قول مالك‏:‏ من تركه أدب، وكان جرحة في شهادته‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:23 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n116&p1#TOP)باب الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القنوت قبل الركوع وبعده‏)‏ القنوت يطلق على معان، والمراد به هنا الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ أثبت بهذه الترجمة مشروعية القنوت إشارة إلى الرد على من روى عنه أنه بدعة كابن عمر، وفي الموطأ عنه أنه كان لا يقنت في شيء من الصلوات، ووجه الرد عليه ثبوته من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرتفع عن درجة المباح، قال‏:‏ ولم يقيده في الترجمة بصبح ولا غيره مع كونه مقيدا في بعض الأحاديث بالصبح، وأوردها صلى الله عليه وسلم في أبواب الوتر أخذا من إطلاق أنس في بعض الأحاديث، كذا قال، ويظهر لي أنه أشار بذلك إلى قوله في الطريق الرابعة ‏"‏ كان القنوت في الفجر والمغرب ‏"‏ لأنه ثبت أن المغرب وتر النهار، فإذا ثبت القنوت فيها ثبت في وتر الليل بجامع ما بينهما من الوترية، مع أنه قد ورد الأمر به صريحا في الوتر، فروى أصحاب السنن من حديث الحسن بن علي قال ‏"‏ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر‏:‏ اللهم اهدني فيمن هديت ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد صححه الترمذي وغيره لكن ليس على شرط البخاري‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَقَنَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ قَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَوَ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سئل أنس‏)‏ في رواية إسماعيل عن أيوب عند مسلم ‏"‏ قلت لأنس ‏"‏ فعرف بذلك أنه أبهم نفسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقيل أو قنت‏)‏ في رواية الكشميهني بغير واو، وللإسماعيلي ‏"‏ هل قنت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قبل الركوع‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ أو بعد الركوع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعد الركوع يسيرا‏)‏ قد بين عاصم في روايته مقدار هذا اليسير حيث قال فيها ‏"‏ إنما قنت بعد الركوع شهرا ‏"‏ وفي صحيح ابن خزيمة من وجه آخر عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم ‏"‏ وكأنه محمول على ما بعد الركوع‏.‏
بناء على أن المراد بالحصر في قوله ‏"‏ إنما قنت شهرا ‏"‏ أي متواليا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْقُنُوتِ فَقَالَ قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ قُلْتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ قَبْلَهُ قَالَ فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا أُرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد، وعاصم هو ابن سليمان الأحول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قد كان القنوت‏)‏ فيه إثبات مشروعيته في الجملة كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع، فقال‏:‏ كذب‏)‏ لم أقف على تسمية هذا الرجل صريحا، ويحتمل أن يكون محمد بن سيرين بدليل روايته المتقدمة، فإن مفهوم قوله ‏"‏ بعد الركوع يسيرا ‏"‏ يحتمل أن يكون وقبل الركوع كثيرا، ويحتمل أن يكون لا قنوت قبله أصلا، ومعنى قوله ‏"‏ كذب ‏"‏ أي أخطأ، وهو لغة أهل الحجاز، يطلقون الكذب على ما هو أعم من العمد والخطأ، ويحتمل أن يكون أراد بقوله ‏"‏ كذب ‏"‏ أي إن كان حكى أن القنوت دائما بعد الركوع، وهذا يرجح الاحتمال الأول، ويبينه ما أخرجه ابن ماجة من رواية حميد عن أنس أنه سئل عن القنوت فقال ‏"‏ قبل الركوع وبعده ‏"‏ إسناده قوي، وروى ابن المنذر من طريق أخرى عن حميد عن أنس ‏"‏ أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قنتوا في صلاة الفجر قبل الركوع وبعضهم بعد الركوع ‏"‏ وروى محمد بن نصر من طريق أخرى عن حميد عن أنس ‏"‏ أن أول من جعل القنوت قبل الركوع - أي دائما - عثمان، لكي يدرك الناس الركعة ‏"‏ وقد وافق عاصما على روايته هذه عبد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي في المغازي بلفظ ‏"‏ سأل رجل أنسا عن القنوت بعد الركوع أو عند الفراغ من القراءة‏؟‏ قال‏:‏ لا بل عند الفراغ من القراءة ‏"‏ ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك، وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع، وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك والظاهر أنه من الاختلاف المباح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان بعث قوما يقال لهم القراء‏)‏ سيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب المغازي، وكذا على رواية أبي مجلز، والتيمي الراوي عنه هو سليمان وهو يروي عن أنس نفسه، ويروى عنه أيضا بواسطة كما في هذا الحديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن علية، وخالد هو الحذاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان القنوت في المغرب والفجر‏)‏ قد تقدم توجيه إيراد هذه الرواية في أول هذا الباب، وتقدم الكلام على بعضها في أثناء صفة الصلاة‏.‏
وقد روى مسلم من حديث البراء نحو حديث أنس هذا، وتمسك به الطحاوي في ترك القنوت في الصبح قال‏:‏ لأنهم أجمعوا على نسخه في المغرب، فيكون في الصبح كذلك‏.‏
انتهى‏.‏
ولا يخفى ما فيه‏.‏
وقد عارضه بعضهم فقال‏:‏ أجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح، ثم اختلفوا هل ترك، فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه‏؟‏ وظهر لي أن الحكمة في جعل القنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة كما ثبت ‏"‏ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ‏"‏ وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين، ومن ثم اتفقوا على أنه يجهر به، بخلاف القنوت في الصبح فاختلف في محله وفي الجهر به‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ ذكر ابن العربي أن القنوت ورد لعشرة معان، فنظمها شيخنا الحافظ زين الدين العراقي فيما أنشدنا لنفسه إجازة غير مرة‏:‏ ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد مزيدا على عشر معاني مرضيه دعاء خشوع والعبادة طاعة إقامتها إقراره بالعبودية سكوت صلاة والقيام وطوله كذاك دوام طاعة الرابح القنيه ‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب الوتر من الأحاديث المرفوعة على خمسة عشر حديثا، منها واحد معلق، المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية أحاديث، والخالص سبعة وافقه مسلم على تخريجها، وفيه من الآثار ثلاثة موصولة، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:25 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n116&p1#TOP)باب الِاسْتِسْقَاءِ وَخُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ
الشرح‏:‏
‏(‏باب الاستسقاء وخروج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا للمستملي دون البسملة، وسقط ما قبل باب من رواية الحموي والكشميهني، وللأصيلي كتاب الاستسقاء فقط، وثبتت البسملة في رواية ابن شبويه‏.‏
والاستسقاء لغة طلب سقي الماء من الغير للنفس أو الغير، وشرعا طلبه من الله عند حصول الجدب على وجه مخصوص‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي بكر‏)‏ أي ابن محمد بن عمرو بن حزم قاضي المدينة، وسيأتي في ‏"‏ باب تحويل الرداء ‏"‏ التصريح بسماع عبد الله له من عباد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمه‏)‏ هو عبد الله بن زيد بن عاصم، كما سيأتي صريحا في الباب المذكور وسياقه أتم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي إلى المصلى كما سيأتي التصريح به أيضا فيه، ويأتي الكلام فيه على كيفية تحويل الرداء وزاد فيه ‏"‏ وصلى ركعتين‏"‏‏.‏
وقد اتفق فقهاء الأمصار على مشروعية صلاة الاستسقاء وأنها ركعتان إلا ما روي عن أبي حنيفة أنه قال‏:‏ يبرزون للدعاء والتضرع، وإن خطب لهم فحسن‏.‏
ولم يعرف الصلاة، هذا هو المشهور عنه‏.‏
ونقل أبو بكر الرازي عنه التخيير بين الفعل والترك، وحكى ابن عبد البر الإجماع على استحباب الخروج إلى الاستسقاء، والبروز إلى ظاهر المصر، لكن حكى القرطبي عن أبي حنيفة أيضا أنه لا يستحب الخروج، وكأنه أشتبه عليه بقوله في الصلاة‏.‏

حسن الخليفه احمد
05-16-2013, 04:27 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n116&p1#TOP)باب دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اجعلها سنين كسني يوسف‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة في الدعاء في القنوت للمؤمنين، والدعاء على الكافرين، وفيه معنى الترجمة‏.‏
ووجه إدخاله في أبواب الاستسقاء التنبيه على أنه كما شرع الدعاء بالاستسقاء للمؤمنين كذلك شرع الدعاء بالقحط على الكافرين لما فيه من نفع الفريقين بإضعاف عدو المؤمنين ورقة قلوبهم ليذلوا للمؤمنين‏.‏
وقد ظهر من ثمرة ذلك التجاؤهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم برفع القحط، كما في الحديث الثاني‏.‏
ويمكن أن يقال‏:‏ إن المراد أن مشروعية الدعاء على الكافرين في الصلاة تقتضي مشروعية الدعاء للمؤمنين فيها، فثبت بذلك صلاة الاستسقاء خلافا لمن أنكرها‏.‏
والمراد بسني يوسف ما وقع في زمانه عليه السلام من القحط في السنين السبع كما وقع في التنزيل، وقد بين ذلك في الحديث الثاني حيث قال ‏"‏ سبعا كسبع يوسف ‏"‏ وأضيفت إليه لكونه الذي أنذر بها، أو لكونه الذي قام بأمور الناس فيها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الصُّبْحِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن‏)‏ هو الحزامي بالمهملة والزاي لا المخزوي، وهما مدنيان من طبقة واحدة لكن الحزامي معروف بالرواية عن أبي الزناد دون المخزومي، وقد بينه ابن معين والنسائي، لكنه لم ينفرد بهذا الحديث فسيأتي في الجهاد من رواية الثوري، وفي أحاديث الأنبياء من رواية شعيب، وأخرجه الإسماعيلي من رواية موسى بن عقبة كلهم عن أبي الزناد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اللهم اجعلها سنين‏)‏ في الرواية الماضية في ‏"‏ باب يهوى بالتكبير من صفة الصلاة ‏"‏‏:‏ ‏"‏ اللهم اجعلها علهم ‏"‏ والضمير في قوله ‏"‏ اجعلها ‏"‏ يعود على المدة التي تقع فيها الشدة المعبر عنها بالوطأة، وزاد بعد قوله فيها كسني يوسف ‏"‏ وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له ‏"‏ وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفي في تفسير آل عمران إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ غفار غفر الله لها الخ‏)‏ هذا حديث آخر، وهو عند المصنف بالإسناد المذكور وكأنه سمعه هكذا فأورده كما سمعه‏.‏
وقد أخرجه أحمد عن قتيبة كما أخرجه البخاري، ويحتمل أن يكون له تعلق بالترجمة من جهة أن الدعاء على المشركين بالقحط ينبغي أن يخص بمن كان محاربا دون من كان مسالما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏غفار غفر الله لها‏)‏ فيه الدعاء بما يشتق من الاسم كأن يقول لأحمد‏:‏ أحمد الله عاقبتك، ولعلى‏:‏ أعلاك الله‏.‏
وهو من جناس الاشتقاق، ولا يختص بالدعاء بل يأتي مثله في الخبر، ومنه قوله تعالى ‏(‏وأسلمت مع سليمان‏)‏ وسيأتي في المغازي حديث ‏"‏ عصية عصت الله ورسوله ‏"‏ وإنما اختصت القبيلتان بهذا الدعاء لأن غفارا أسلموا قديما، وأسلم سالموا النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك في أوائل المناقب إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن أبي الزناد عن أبيه‏:‏ هذا كله في الصبح‏)‏ يعني أن عبد الرحمن بن أبي الزناد روى هذا الحديث عن أبيه بهذا الإسناد، فبين أن الدعاء المذكور كان في الصبح، وقد تقدم بعض بيان الاختلاف في ذلك في أثناء صفة الصلاة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مِنْ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنْ الْجُوعِ فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ مَضَتْ الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنا عند عبد الله‏)‏ يعني ابن مسعود، وسيأتي في تفسير الدخان سبب تحديث عبد الله بن مسعود بهذا الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما رأى من الناس إدبارا‏)‏ أي من الإسلام، وسيأتي في تفسير الدخان أن قريشا لما أبطئوا عن الإسـلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأخذتهم سنة‏)‏ بفتح المهملة بعدها نون خفيفة أي أصابهم القحط، وقوله ‏"‏حصت ‏"‏ بفتح الحاء والصاد المهملتين أي استأصلت النبات حتى خلت الأرض منه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى أكلنا‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ حتى أكلوا ‏"‏ وهو الوجه، وكذا قوله ‏"‏ ينظر أحدكم ‏"‏ عند الأكثر ‏"‏ ينظر أحدهم ‏"‏ وهو الصواب‏.‏
وسيأتي بقية الكلام عليه بعد تسعة أبواب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n116&p1#TOP)باب سُؤَالِ النَّاسِ الْإِمَامَ الِاسْتِسْقَاءَ إِذَا قَحَطُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ لو أدخل تحت هذه الترجمة حديث ابن مسعود الذي قبله لكان أوضح مما ذكر‏.‏
انتهى‏.‏
ويظهر لي أنه لما كان من سأل قد يكون مسلما وقد يكون مشركا وقد يكون من الفريقين، وكان في حديث ابن مسعود المذكور أن الذي سأل قد يكون مشركا، ناسب أن يذكر في الذي بعده ما يدل على ما إذا كان الطلب من الفريقين كما سأبينه، ولذلك ذكر لفظ الترجمة عاما لقوله ‏"‏ سؤال الناس ‏"‏ وذلك أن المصنف أورد في هذا الباب تمثل ابن عمر بشعر أبي طالب وقول أنس ‏"‏ إن عمر كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ‏"‏ وقد اعترضه الإسماعيلي فقال‏:‏ حديث ابن عمر خارج عن الترجمة، إذ ليس فيه أن أحدا سأله أن يستسقى له ولا في قصة العباس التي أوردها أيضا‏.‏
وأجاب ابن المنير عن حديث ابن عمر بأن المناسبة تؤخذ من قوله فيه ‏"‏ يستسقى الغمام ‏"‏ لأن فاعله محذوف وهم الناس، وعن حديث أنس بأن في قول عمر ‏"‏ كنا نتوسل إليك بنبيك ‏"‏ دلالة على أن للإمام مدخلا في الاستسقاء‏.‏
وتعقب بأنه لا يلزم من كون فاعل ‏"‏ يستسقى ‏"‏ هو الناس أن يكونوا سألوا الإمام أن يستسقى لهم كما في الترجمة، وكذا ليس في قول عمر أنهم كانوا يتوسلون به دلالة على أنهم سألوه أن يستسقى لهم، إذ يحتمل أن يكونوا في الحالين طلبوا السقيا من الله مستشفعين به صلى الله عليه وسلم‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ يحتمل أن يكون أراد بالترجمة الاستدلال بطريق الأولى لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم فأحرى أن يقدموه للسؤال‏.‏
انتهى‏.‏
وهو حسن ويمكن أن يكون أراد من حديث ابن عمر سياق الطريق الثانية عنه، وأن يبين أن الطريق الأولى مختصرة منها، وذلك أن لفظ الثانية ‏"‏ ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى فدل ذلك على أنه هو الذي باشر الطلب صلى الله عليه وسلم، وأن ابن عمر أشار إلى قصة وقعت في الإسلام حضرها هو لا مجرد ما دل عليه شعر أبي طالب‏.‏
وقد علم من بقية الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم إنما استسقى إجابة لسؤال من سأله في ذلك كما في حديث ابن مسعود الماضي وفي حديث أنس الآتي وغيرهما من الأحاديث، وأوضح من ذلك ما أخرجه البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من رواية مسلم الملائي عن أنس قال ‏"‏ جاء رجل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله، أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبي يغط‏.‏
ثم أنشده شعرا يقول فيه‏:‏ وليس لنـا إلا إليك فرارنا وأين فرار الناس إلا إلى الرسل فقام يجر رداءه حتى صعد المنبر فقال ‏"‏ اللهم اسقنا ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ ثم قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو كان أبو طالب حيا لقرت عيناه‏.‏
من ينشدنا قوله‏؟‏ فقام علي فقال‏:‏ يا رسول الله، كأنك أردت قوله ‏"‏ وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ‏"‏ الأبيات، فظهرت بذلك مناسبة حديث ابن عمر للترجمة، وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة، وقد ذكره ابن هشام في زوائده في السيرة تعليقا عمن يثق به‏.‏
وقوله ‏"‏يئط ‏"‏ بفتح أوله وكسر الهمزة وكذا ‏"‏ يغط ‏"‏ بالمعجمة، والأطيط صوت البعير المثقل، والغطيط صوت النائم كذلك، وكني بذلك عن شدة الجوع، لأنهما إنما يقعان غالبا عند الشبع‏.‏
وأما حديث أنس عن عمر فأشار به أيضا إلى ما ورد في بعض طرقه، وهو عند الإسماعيلي من رواية محمد بن المثنى عن الأنصاري بإسناد البخاري إلى أنس قال ‏"‏ كانوا إذا قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا به، فيستسقى لهم فيسقون فلما كان في إمارة عمر ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
وقد أشار إلى ذلك الإسماعيلي فقال‏:‏ هذا الذي رويته يحتمل المعنى الذي ترجمه، بخلاف ما أورده هو‏:‏ قلت‏:‏ وليس ذلك بمبتدع، لما عرف بالاستقراء من عادته من الاكتفاء بالإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده‏.‏
وقد روى عبد الرزاق من حديث ابن عباس ‏"‏ أن عمر استسقى بالمصلى، فقال للعباس‏:‏ قم فأستسق، فقام العباس ‏"‏ فذكر الحديث، فتبين بهذا أن في القصة المذكورة أن العباس كان مسئولا وأنه ينزل منزلة الإمام إذا أمره الإمام بذلك‏.‏
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري - وكان خازن عمر - قال ‏"‏ أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتى الرجل في المنام فقيل له‏:‏ ائت عمر ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة، وظهر بهذا كله مناسبة الترجمة لأصل هذه القصة أيضا والله الموفق‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتمثل‏)‏ أي ينشد شعر غيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأبيض‏)‏ بفتح الضاد وهو مجرور برب مقدرة أو منصوب بإضمار أعني أو أخص، والراجح أنه بالنصب عطفا على قوله ‏"‏ سيدا ‏"‏ في البيت الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثمال‏)‏ بكسر المثلثة وتخفيف الميم هو العماد والملجأ والمطعم والمغيث والمعين والكافي، قد أطلق على كل من ذلك‏.‏
وقوله ‏"‏عصمة للأرامل ‏"‏ أي يمنعهم مما يضرهم، والأرامل جمع أرملة وهي الفقيرة التي لا زوج لها، وقد يستعمل في الرجل أيضا مجازا، ومن ثم لو أوصى للأرامل خص النساء دون الرجال‏.‏
وهذا البيت من أبيات في قصيدة لأبي طالب ذكرها ابن إسحاق في السيرة بطولها، وهي أكثر من ثمانين بيتا، قالها لما تمالأت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم ونفـروا عنه من يريد الإسلام، أولها‏:‏ ولمـا رأيت القـوم لا ود فيهم وقد قطعوا كل العـرا والوسائل وقد جاهرونا بالعـداوة والأذى وقد طاوعوا أمر العـدو المزايل يقول فيها‏:‏ أعبد مناف أنتم خـير قومكم فلا تشركوا في أمركم كل واغل فقد خفت إن لم يصلح الله أمركم تكونوا كما كانت أحاديث وائـل يقول فيها‏:‏ أعوذ برب الناس من كل طاعن علينـا بسـوء أو ملح ببـاطل وثور ومن أرسى ثبيرا مـكانه وراق لـبر في حـراء ونازل وبالبيت حق البيت من بطن مكة وبالله أن الله ليس بغـافل يقول فيها‏:‏ كذبتم وبيت الله نبزى محمـدا ولمـا نطاعن حـوله ونناضل ونسـلمه حتى نصرع حـوله ونذهل عن أبنائنـا والحـلائل يقول فيهـا‏:‏ وما ترك قـوم لا أبالك سيدا يحوط الذمار بين بكر بن وائل وأبيض يستسقى الغمام بوجهـه ثمـال اليتـامى عصمة للأرامل يلوذ به الهـلاك من آل هـاشم فهم عنـده في نعمـة وفواضل قال السهيلي‏:‏ فإن قيل كيف قال أبو طالب ‏"‏ يستسقى الغمام بوجهه ‏"‏ ولم يره قط استسقى، إنما كان ذلك منه بعد الهجرة‏!‏ وأجاب بما حاصله‏:‏ أن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي صلى الله عليه وسلم معه غلام‏.‏
انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه وإن لم يشاهد وقوعه، وسيأتي في الكلام على حديث ابن مسعود ما يشعر بأن سؤال أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء وقع بمكة‏.‏
وذكر ابن التين أن في شعر أبي طالب هذا دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به بحيرا أو غيره من شأنه، وفيه نظر لما تقدم عن ابن إسحاق أن إنشاء أبي طالب لهذا الشعر كان بعد المبعث، ومعرفة أبي طالب بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت في كثير مـن الأخبار، وتمسك بها الشيعة في أنه كان مسلما‏.‏
ورأيت لعلي بن حمزة البصري جزءا جمع فيه شعر أبي طالب وزعم في أوله أنه كان مسلما وأنه مات على الإسلام وأن الحشوية تزعم أنه مات على الكفر وأنهم لذلك يستجيزون لعنه، ثم بالغ في سبهم والرد عليهم، واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه‏.‏
وقد بينت فساد ذلك كله في ترجمة أبي طالب من كتاب الإصابة، وسيأتي بعضه في ترجمة أبي طالب مـن كتاب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر بن حمزة‏)‏ أي ابن عبد الله بن عمر، وسالم شيخه هو عمه، وعمر مختلف في الاحتجاج به وكذلك عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المذكور في الطريق الموصولة، فاعتضدت إحدى الطريقين بالأخرى، وهو من أمثلة أحد قسمي الصحيح كما تقرر في علوم الحديث، وطريق عمر المعلقة وصلها أحمد وابن ماجة والإسماعيلي من رواية أبي عقيل عبد الله بن عقيل الثقفي عنه، وعقيل فيهما بفتح العين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يستسقى‏)‏ بفتح أوله زاد ابن ماجة في روايته ‏"‏ على المنبر ‏"‏ وفي روايته أيضا ‏"‏ في المدينة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يجيش‏)‏ بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة يقال‏:‏ جاش الوادي إذا زخر بالماء، وجاشت القدر إذا غلت، وجاش الشيء إذا تحرك‏.‏
وهو كناية عن كثرة المطر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كل ميزاب‏)‏ بكسر الميم وبالزاي معروف، وهو ما يسيل منه الماء مـن موضع عال‏.‏
ووقع في رواية الحموي ‏"‏ حتى يجيش لك ‏"‏ بتقديم اللام على الكاف وهو تصحيف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني الحسن بن محمد‏)‏ هو الزعفراني والأنصاري شيخه يروي عنه البخاري كثيرا وربما أدخل بينهما واسطة كهذا الموضـع، ووهم من زعم أن البخاري أخرج هذا الحديث عن الأنصاري نفسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا‏)‏ بضم القاف وكسر المهملة أي أصابهم القحط، وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال ‏"‏ اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث‏.‏
فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس ‏"‏ وأخرج أيضا من طريق داود عن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال ‏"‏ استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فخطب الناس عمر فقال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد، فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله ‏"‏ وفيه ‏"‏ فما برحوا حتى سقاهم الله ‏"‏ وأخرجه البلاذري من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فقال ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ بدل ابن عمر، فيحتمل أن يكون لزيد فيه شيخان، وذكر ابن سعد وغيره أن عام الرمادة كان سنة ثمان عشرة، وكان ابتداؤه مصدر الحاج منها ودام تسعة أشهر، والرمادة بفتح الراء وتخفيف الميم، سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب فاغبرت الأرض جدا من عدم المطر، وقد تقدم من رواية الإسماعيلي رفع حديث أنس المذكور في قصة عمر والعباس، وكذلك أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق محمد بن المثنى بالإسناد المذكور‏.‏
ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:03 PM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%B3%D9%8F%D8%A4%D9%8E%D8%A 7%D9%84%D9%90%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%91%D9%8E%D8% A7%D8%B3%D9%90%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D8%A5%D9%90%D9 %85%D9%8E%D8%A7%D9%85%D9%8E%20%D8%A7%D9%84%D9%90%D 8%A7%D8%B3%D9%92%D8%AA%D9%90%D8%B3%D9%92%D9%82%D9% 8E%D8%A7%D8%A1%D9%8E%20%D8%A5%D9%90%D8%B0%D9%8E%D8 %A7%20%D9%82%D9%8E%D8%AD%D9%8E%D8%B7%D9%8F%D9%88%D 8%A7/i9&d18123&c&p1#TOP)باب سُؤَالِ النَّاسِ الْإِمَامَ الِاسْتِسْقَاءَ إِذَا قَحَطُوا الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ لو أدخل تحت هذه الترجمة حديث ابن مسعود الذي قبله لكان أوضح مما ذكر‏.‏
انتهى‏.‏
ويظهر لي أنه لما كان من سأل قد يكون مسلما وقد يكون مشركا وقد يكون من الفريقين، وكان في حديث ابن مسعود المذكور أن الذي سأل قد يكون مشركا، ناسب أن يذكر في الذي بعده ما يدل على ما إذا كان الطلب من الفريقين كما سأبينه، ولذلك ذكر لفظ الترجمة عاما لقوله ‏"‏ سؤال الناس ‏"‏ وذلك أن المصنف أورد في هذا الباب تمثل ابن عمر بشعر أبي طالب وقول أنس ‏"‏ إن عمر كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ‏"‏ وقد اعترضه الإسماعيلي فقال‏:‏ حديث ابن عمر خارج عن الترجمة، إذ ليس فيه أن أحدا سأله أن يستسقى له ولا في قصة العباس التي أوردها أيضا‏.‏
وأجاب ابن المنير عن حديث ابن عمر بأن المناسبة تؤخذ من قوله فيه ‏"‏ يستسقى الغمام ‏"‏ لأن فاعله محذوف وهم الناس، وعن حديث أنس بأن في قول عمر ‏"‏ كنا نتوسل إليك بنبيك ‏"‏ دلالة على أن للإمام مدخلا في الاستسقاء‏.‏
وتعقب بأنه لا يلزم من كون فاعل ‏"‏ يستسقى ‏"‏ هو الناس أن يكونوا سألوا الإمام أن يستسقى لهم كما في الترجمة، وكذا ليس في قول عمر أنهم كانوا يتوسلون به دلالة على أنهم سألوه أن يستسقى لهم، إذ يحتمل أن يكونوا في الحالين طلبوا السقيا من الله مستشفعين به صلى الله عليه وسلم‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ يحتمل أن يكون أراد بالترجمة الاستدلال بطريق الأولى لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم فأحرى أن يقدموه للسؤال‏.‏
انتهى‏.‏
وهو حسن ويمكن أن يكون أراد من حديث ابن عمر سياق الطريق الثانية عنه، وأن يبين أن الطريق الأولى مختصرة منها، وذلك أن لفظ الثانية ‏"‏ ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى فدل ذلك على أنه هو الذي باشر الطلب صلى الله عليه وسلم، وأن ابن عمر أشار إلى قصة وقعت في الإسلام حضرها هو لا مجرد ما دل عليه شعر أبي طالب‏.‏
وقد علم من بقية الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم إنما استسقى إجابة لسؤال من سأله في ذلك كما في حديث ابن مسعود الماضي وفي حديث أنس الآتي وغيرهما من الأحاديث، وأوضح من ذلك ما أخرجه البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من رواية مسلم الملائي عن أنس قال ‏"‏ جاء رجل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله، أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبي يغط‏.‏
ثم أنشده شعرا يقول فيه‏:‏ وليس لنـا إلا إليك فرارنا وأين فرار الناس إلا إلى الرسل فقام يجر رداءه حتى صعد المنبر فقال ‏"‏ اللهم اسقنا ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ ثم قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو كان أبو طالب حيا لقرت عيناه‏.‏
من ينشدنا قوله‏؟‏ فقام علي فقال‏:‏ يا رسول الله، كأنك أردت قوله ‏"‏ وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ‏"‏ الأبيات، فظهرت بذلك مناسبة حديث ابن عمر للترجمة، وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة، وقد ذكره ابن هشام في زوائده في السيرة تعليقا عمن يثق به‏.‏
وقوله ‏"‏يئط ‏"‏ بفتح أوله وكسر الهمزة وكذا ‏"‏ يغط ‏"‏ بالمعجمة، والأطيط صوت البعير المثقل، والغطيط صوت النائم كذلك، وكني بذلك عن شدة الجوع، لأنهما إنما يقعان غالبا عند الشبع‏.‏
وأما حديث أنس عن عمر فأشار به أيضا إلى ما ورد في بعض طرقه، وهو عند الإسماعيلي من رواية محمد بن المثنى عن الأنصاري بإسناد البخاري إلى أنس قال ‏"‏ كانوا إذا قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا به، فيستسقى لهم فيسقون فلما كان في إمارة عمر ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
وقد أشار إلى ذلك الإسماعيلي فقال‏:‏ هذا الذي رويته يحتمل المعنى الذي ترجمه، بخلاف ما أورده هو‏:‏ قلت‏:‏ وليس ذلك بمبتدع، لما عرف بالاستقراء من عادته من الاكتفاء بالإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده‏.‏
وقد روى عبد الرزاق من حديث ابن عباس ‏"‏ أن عمر استسقى بالمصلى، فقال للعباس‏:‏ قم فأستسق، فقام العباس ‏"‏ فذكر الحديث، فتبين بهذا أن في القصة المذكورة أن العباس كان مسئولا وأنه ينزل منزلة الإمام إذا أمره الإمام بذلك‏.‏
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري - وكان خازن عمر - قال ‏"‏ أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتى الرجل في المنام فقيل له‏:‏ ائت عمر ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة، وظهر بهذا كله مناسبة الترجمة لأصل هذه القصة أيضا والله الموفق‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتمثل‏)‏ أي ينشد شعر غيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأبيض‏)‏ بفتح الضاد وهو مجرور برب مقدرة أو منصوب بإضمار أعني أو أخص، والراجح أنه بالنصب عطفا على قوله ‏"‏ سيدا ‏"‏ في البيت الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثمال‏)‏ بكسر المثلثة وتخفيف الميم هو العماد والملجأ والمطعم والمغيث والمعين والكافي، قد أطلق على كل من ذلك‏.‏
وقوله ‏"‏عصمة للأرامل ‏"‏ أي يمنعهم مما يضرهم، والأرامل جمع أرملة وهي الفقيرة التي لا زوج لها، وقد يستعمل في الرجل أيضا مجازا، ومن ثم لو أوصى للأرامل خص النساء دون الرجال‏.‏
وهذا البيت من أبيات في قصيدة لأبي طالب ذكرها ابن إسحاق في السيرة بطولها، وهي أكثر من ثمانين بيتا، قالها لما تمالأت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم ونفـروا عنه من يريد الإسلام، أولها‏:‏ ولمـا رأيت القـوم لا ود فيهم وقد قطعوا كل العـرا والوسائل وقد جاهرونا بالعـداوة والأذى وقد طاوعوا أمر العـدو المزايل يقول فيها‏:‏ أعبد مناف أنتم خـير قومكم فلا تشركوا في أمركم كل واغل فقد خفت إن لم يصلح الله أمركم تكونوا كما كانت أحاديث وائـل يقول فيها‏:‏ أعوذ برب الناس من كل طاعن علينـا بسـوء أو ملح ببـاطل وثور ومن أرسى ثبيرا مـكانه وراق لـبر في حـراء ونازل وبالبيت حق البيت من بطن مكة وبالله أن الله ليس بغـافل يقول فيها‏:‏ كذبتم وبيت الله نبزى محمـدا ولمـا نطاعن حـوله ونناضل ونسـلمه حتى نصرع حـوله ونذهل عن أبنائنـا والحـلائل يقول فيهـا‏:‏ وما ترك قـوم لا أبالك سيدا يحوط الذمار بين بكر بن وائل وأبيض يستسقى الغمام بوجهـه ثمـال اليتـامى عصمة للأرامل يلوذ به الهـلاك من آل هـاشم فهم عنـده في نعمـة وفواضل قال السهيلي‏:‏ فإن قيل كيف قال أبو طالب ‏"‏ يستسقى الغمام بوجهه ‏"‏ ولم يره قط استسقى، إنما كان ذلك منه بعد الهجرة‏!‏ وأجاب بما حاصله‏:‏ أن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي صلى الله عليه وسلم معه غلام‏.‏
انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه وإن لم يشاهد وقوعه، وسيأتي في الكلام على حديث ابن مسعود ما يشعر بأن سؤال أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء وقع بمكة‏.‏
وذكر ابن التين أن في شعر أبي طالب هذا دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به بحيرا أو غيره من شأنه، وفيه نظر لما تقدم عن ابن إسحاق أن إنشاء أبي طالب لهذا الشعر كان بعد المبعث، ومعرفة أبي طالب بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت في كثير مـن الأخبار، وتمسك بها الشيعة في أنه كان مسلما‏.‏
ورأيت لعلي بن حمزة البصري جزءا جمع فيه شعر أبي طالب وزعم في أوله أنه كان مسلما وأنه مات على الإسلام وأن الحشوية تزعم أنه مات على الكفر وأنهم لذلك يستجيزون لعنه، ثم بالغ في سبهم والرد عليهم، واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه‏.‏
وقد بينت فساد ذلك كله في ترجمة أبي طالب من كتاب الإصابة، وسيأتي بعضه في ترجمة أبي طالب مـن كتاب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر بن حمزة‏)‏ أي ابن عبد الله بن عمر، وسالم شيخه هو عمه، وعمر مختلف في الاحتجاج به وكذلك عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المذكور في الطريق الموصولة، فاعتضدت إحدى الطريقين بالأخرى، وهو من أمثلة أحد قسمي الصحيح كما تقرر في علوم الحديث، وطريق عمر المعلقة وصلها أحمد وابن ماجة والإسماعيلي من رواية أبي عقيل عبد الله بن عقيل الثقفي عنه، وعقيل فيهما بفتح العين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يستسقى‏)‏ بفتح أوله زاد ابن ماجة في روايته ‏"‏ على المنبر ‏"‏ وفي روايته أيضا ‏"‏ في المدينة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يجيش‏)‏ بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة يقال‏:‏ جاش الوادي إذا زخر بالماء، وجاشت القدر إذا غلت، وجاش الشيء إذا تحرك‏.‏
وهو كناية عن كثرة المطر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كل ميزاب‏)‏ بكسر الميم وبالزاي معروف، وهو ما يسيل منه الماء مـن موضع عال‏.‏
ووقع في رواية الحموي ‏"‏ حتى يجيش لك ‏"‏ بتقديم اللام على الكاف وهو تصحيف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني الحسن بن محمد‏)‏ هو الزعفراني والأنصاري شيخه يروي عنه البخاري كثيرا وربما أدخل بينهما واسطة كهذا الموضـع، ووهم من زعم أن البخاري أخرج هذا الحديث عن الأنصاري نفسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا‏)‏ بضم القاف وكسر المهملة أي أصابهم القحط، وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال ‏"‏ اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث‏.‏
فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس ‏"‏ وأخرج أيضا من طريق داود عن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال ‏"‏ استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فخطب الناس عمر فقال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد، فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله ‏"‏ وفيه ‏"‏ فما برحوا حتى سقاهم الله ‏"‏ وأخرجه البلاذري من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فقال ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ بدل ابن عمر، فيحتمل أن يكون لزيد فيه شيخان، وذكر ابن سعد وغيره أن عام الرمادة كان سنة ثمان عشرة، وكان ابتداؤه مصدر الحاج منها ودام تسعة أشهر، والرمادة بفتح الراء وتخفيف الميم، سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب فاغبرت الأرض جدا من عدم المطر، وقد تقدم من رواية الإسماعيلي رفع حديث أنس المذكور في قصة عمر والعباس، وكذلك أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق محمد بن المثنى بالإسناد المذكور‏.‏
ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:04 PM
*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n117&p1#TOP)باب تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب تحويل الرداء في الاستسقاء‏)‏ ترجم لمشروعيته خلافا لمن نفاه، ثم ترجم بعد ذلك لكيفيته كما سيأتي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى فَقَلَبَ رِدَاءَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وأخرجه من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن أبي بكر‏)‏ أي ابن محمد بن عمرو بن حزم، وهو أخو عبد الله بن أبي بكر المذكور في الطريق الثانية من هذا الباب، وقد حدث به عن عباد أبوهما أبو بكر بن محمد بن عمرو كما سيأتي بعد خمسة عشر بابا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏استسقى فقلب رداءه‏)‏ ذكر الواقدي أن طول ردائه صلى الله عليه وسلم كان ستة أذرع في ثلاثة أذرع وطول إزاره أربعة أذرع وشبرين في ذراعين وشبر، كان يلبسهما في الجمعة والعيدين‏.‏
ووقع في ‏"‏ شرح الأحكام لابن بزيزة ‏"‏ ذرع الرداء كالذي ذكره الواقدي في فرع الإزار، والأول أولى‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ ترجم بلفظ التحويل، والذي وقع في الطريقين اللذين ساقهما لفظ القلب، وكأنه أراد أنهما بمعنى واحد‏.‏
انتهى‏.‏
ولم تتفق الرواة في الطريق الثانية على لفظ القلب، فإن رواية أبي ذر ‏"‏ حول ‏"‏ وكذا هو في أول حديث في الاستسقاء، وكذلك أخرجه مسلم من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر، وقد وقع بيان المراد من ذلك في ‏"‏ باب الاستسقاء بالمصلى ‏"‏ في زيادة سفيان عن المسعودي عن أبي بكر ابن محمد، ولفظه ‏"‏ قلب رداءه جعل اليمين على الشمال ‏"‏ وزاد فيه ابن ماجة وابن خزيمة من هذا الوجه ‏"‏ والشمال على اليمين ‏"‏ والمسعودي ليس من شرط الكتاب وإنما ذكر زيادته استطرادا، وسيأتي بيان كون زيادته موصولة أو معلقة في الباب المذكور إن شاء الله تعالى‏.‏
وله شاهد أخرجه أبو داود من طريق الزبيدي عن الزهري عن عباد بلفظ ‏"‏ فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وعطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ‏"‏ وله من طريق عمارة بن غزية عن عباد ‏"‏ استسقى وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه ‏"‏ وقد استحب الشافعي في الجديد فعل ما هم به صلى الله عليه وسلم من تنكيس الرداء مع التحويل الموصوف، وزعم القرطبي كغيره أن الشافعي اختار في الجديد تنكيس الرداء لا تحويله، والذي في ‏"‏ الأم ‏"‏ ما ذكرته‏.‏
والجمهور على استحباب التحويل فقط، ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط صلى الله عليه وسلم‏.‏
وعن أبي حنيفة وبعض المالكية لا يستحب شيء من ذلك، واستحب الجمهور أيضا أن يحول الناس بتحويل الإمام، ويشهد له ما رواه أحمد من طريق أخرى عن عباد في هذا الحديث بلفظ ‏"‏ وحول الناس معه ‏"‏ وقال الليث وأبو يوسف‏:‏ يحول الإمام وحده‏.‏
واستثنى ابن الماجشون النساء فقال‏:‏ لا يستحب في حقهن‏.‏
ثم إن ظاهر قوله ‏"‏ فقلب رداءه ‏"‏ أن التحويل وقع بعد فراغ الاستسقاء، وليس كذلك، بل المعنى فقلب رداءه في أثناء الاستسقاء‏.‏
وقد بينه مالك في روايته المذكورة ولفظه ‏"‏ حول رداءه حين استقبل القبلة ‏"‏ ولمسلم من رواية يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد ‏"‏ وإنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه ‏"‏ وأصله للمصنف كما سيأتي بعد أبواب، وله من رواية الزهري عن عباد ‏"‏ فقام فدعا الله قائما، ثم توجه قبل القبلة وحول رداءه‏"‏، فعرف بذلك أن التحويل وقع في أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء‏.‏
واختلف في حكمة هذا التحويل‏:‏ فجزم المهلب بأنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه، وتعقبه ابن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه‏.‏
قال‏:‏ وإنما التحويل أمارة بينه وبين ربه، قيل له حول رداءك ليتحول حالك‏.‏
وتعقب بأن الذي جزم به يحتاج إلى نقل، والذي رده ورد فيه حديث رجاله ثقات أخرجه الدار قطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر، ورجح الدار قطني إرساله‏.‏
وعلى كل حال فهو أولى من القول بالظن‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ إنما حول رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء فلا يكون سنة في كل حال‏.‏
وأجيب بأن التحويل من جهة إلى جهة لا يقتضي الثبوت على العاتق، فالحمل على المعنى الأول أولى، فإن الاتباع أولى من تركه لمجرد احتمال الخصوص، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يُحَدِّثُ أَبَاهُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ هُوَ صَاحِبُ الْأَذَانِ وَلَكِنَّهُ وَهْمٌ لِأَنَّ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ مَازِنُ الْأَنْصَارِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله بن أبي بكر‏)‏ أي قال قال، ويجوز أن يكون ابن عيينة حذف الصيغة مرة، وجرت عادتهم بحذف إحداهما من الخط، وفي حذفها من اللفظ بحث‏.‏
ووقع عند الحموي والمستملي بلفظ ‏"‏ عن عبد الله ‏"‏ وصرح ابن خزيمة في روايته بتحديث عبد الله به لابن عيينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه سمع عباد بن تميم يحدث أباه‏)‏ الضمير في قوله ‏"‏ أباه ‏"‏ يعود على عبد الله بن أبي بكر لا على عباد، وضبطه الكرماني بضم الهمزة وراء بدل الموحدة، أي أظنه‏.‏
ولم أر ذلك في شيء من الروايات التي اتصلت لنا‏.‏
ومقتضاه أن الراوي لم يجزم بأن رواية عباد له عن عمه‏.‏
ووقع في بعض النسخ من ابن ماجة عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن أبيه عن عبد الله بن زيد، وقوله ‏"‏عن أبيه ‏"‏ زيادة وهي وهم، والصواب ما وقع في النسخ المعتمدة من ابن ماجة عن محمد بن الصباح، وكذا لابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء كلاهما عن سفيان قال ‏"‏ حدثنا المسعودي ويحيى هو ابن سعيد عن أبي بكر أي ابن محمد بن عمرو بن حزم، قال سفيان فقلت لعبد الله - أي ابن أبي بكر - حديث حدثناه يحيى والمسعودي عن أبيك عن عباد بن تميم، فقال عبد الله بن أبي بكر‏:‏ ‏"‏ سمعته أنا من عباد يحدث أبي عن عبد الله بن زيد ابن أبي بكر ‏"‏ فذكر الحديث 0 قوله‏:‏ ‏(‏خرج إلى المصلى فاستسقى‏)‏ في رواية الزهري المذكورة ‏"‏ فخرج بالناس يستسقى‏"‏، ولم أقف في شيء من طرق حديث عبد الله بن زيد على سبب ذلك ولا صفته صلى الله عليه وسلم حال الذهاب إلى المصلى وعلى وقت ذهابه، وقد وقع ذلك في حديث عائشة عند أبي داود وابن حبان قالت ‏"‏ شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر، فأمر بمنبر فوضـع له بالمصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي حديث ابن عباس عند أحمد وأصحاب السنن ‏"‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فرقى المنبر ‏"‏ وفي حديث أبي الدرداء عند البزار والطبراني ‏"‏ قحط المطر، فسألنا نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يستسقى لنا، فغدا نبي الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد حكى ابن المنذر الاختلاف في وقتها، والراجح أنه لا وقت لها معين، وإن كان أكثر أحكامها كالعيد، لكنها تخالفه بأنها لا تختص بيوم معين، وهل تصنع بالليل‏؟‏ استنبط بعضهم من كونه صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة فيها بالنهار أنها نهارية كالعيد، وإلا فلو كانت تصلي بالليل لأسر فيها بالنهار وجهر بالليل كمطلق النوافل‏.‏
ونقل ابن قدامة الإجماع على أنها لا تصلي في وقت الكراهة، وأفاد ابن حبان أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى المصلى للاستسقاء كان في شهر رمضان سنة ست من الهجرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاستقبل القبلة وحول رداءه‏)‏ تقدم ما فيه قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى ركعتين‏)‏ في رواية يحيى بن سعيد المذكورة عند ابن خزيمة ‏"‏ وصلى بالناس ركعتين ‏"‏ وفي رواية الزهري الآتية في ‏"‏ باب كيف حول ظهره ‏"‏‏:‏ ‏"‏ ثم صلى لنا ركعتين واستدل به على أن الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة، وهو مقتضى حديث عائشة وابن عباس المذكورين، لكن وقع عند أحمد في حديث عبد الله بن زيد التصريح بأنه بدا بالصلاة قبل الخطبة، وكذا في حديث أبي هريرة عند ابن ماجة حيث قال ‏"‏ فصلى بنا ركعتين بغير أذان ولا إقامة صلى الله عليه وسلم ‏"‏ والمرجح عند الشافعية والمالكية الثاني، وعن أحـمد رواية كذلك، ورواية ‏"‏ يخير‏"‏، ولم يقـع في شيء من طرق حديث عبد الله بن زيد صفة الصلاة المذكورة ولا ما يقرأ فيها، وقد أخرج الدار قطني من حديث ابن عباس أنه يكبر فيهما سبعا وخمسا كالعيد، وأنه يقرأ فيهما بسبـح وهل أتاك، وفي إسناده مقال، لكن أصله في السنن بلفظ ‏"‏ ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد ‏"‏ فأخذ بظاهره الشافعي فقال‏:‏ يكبر فيهما‏.‏
ونقل الفاكهي شيخ شيوخنا عن الشافعي استحباب التكبير حال الخروج إليها كما في العيد، وهو غلط منه عليه، ويمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم خطب، فاقتصر بعض الرواة على شيء وبعضهم على شيء، وعبر بعضهم عن الدعاء بالخطبة فلذلك وقع الاختلاف‏.‏
وأما قول ابن بطال‏:‏ إن رواية أبي بكر بن محمد دالة على تقديم الصلاة على الخطبة وهو أضبط من ولديه عبد الله ومحمد فليس ذلك بالبين من سياق البخاري ولا مسلم والله أعلم‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة لمشابهتها بالعيد، وكذا ما تقرر من تقديم الصلاة أمام الحاجة‏.‏
وقد ترجم المصنف لهذا الحديث أيضا ‏"‏ الدعاء في الاستسقاء قائما واستقبال القبلة فيه ‏"‏ وحمله ابن العربي على حال الصلاة ثم قال‏:‏ يحتمل أن يكون ذلك خاصا بدعاء الاستسقاء، ولا يخفى ما فيه، وقد ترجم له المصنف في الدعوات بالدعاء مستقبل القبلة من غير قيد بالاستسقاء، وكأنه ألحقه به، لأن الأصل عدم الاختصاص‏:‏ وترجم أيضا لكونها ركعتين وهو إجماع عند من قال بها، ولكونها في المصلى، وقد استثنى الخفاف من الشافعية مسجد مكة كالعيد، وبالجهر بالقراءة في الاستسقاء، وبتحويل الظهر إلى الناس عند الدعاء وهو من لازم استقبال القبلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف، وقوله‏:‏ ‏(‏كان ابن عيينة الخ‏)‏ يحتمل أن يكون تعليقا، ويحتمل أن يكون سمع ذلك من شيخه علي بن عبد الله المذكور، ويرجح الثاني أن الإسماعيلي أخرجه عن جعفر الفريابي عن علي بن عبد الله بهذا الإسناد فقال‏:‏ عن عبد الله بن زيد الذي أرى النداء، وكذا أخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان، وتعقبه بأن ابن عيينة غلط فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأن هذا‏)‏ يعني راوي حديث الاستسقاء ‏(‏عبد الله‏)‏ أي هو عبد الله ‏(‏ابن زيد بن عاصم‏)‏ فالتقدير لأن هذا أي عبد الله بن زيد هو عبد الله بن زيد بن عاصم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مازن الأنصار‏)‏ احتراز عن مازن تميم، وهو مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، أو مازن قيس وهو مازن بن منصور بن الحارث بن خصفة بمعجمة ثم مهملة مفتوحتين ابن قيس بن عيلان، ومازن ابن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ومازن ضبة وهو مازن بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد ابن ضبة، ومازن شيبان وهو مازن بن ذهل بن ثعلبة بن شيبان وغيرهم‏.‏
قال الرشاطي‏:‏ مازن في القبائل كثير، والمازن في اللغة بيض النمل وقد حذف البخاري مقابله والتقدير‏:‏ وذاك أي عبد الله بن زيد رائي الأذان عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وقد اتفقا في الاسم واسم الأب والنسبة إلى الأنصاري ثم إلى الخزرج والصحبة والرواية، وافترقا في الجد والبطن الذي من الخزرج لأن حفيد عاصم من مازن وحفيد عبد ربه من بلحارث ابن الخزرج، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:04 PM
*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n117&p1#TOP)باب الِاسْتِسْقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستسقاء في المسجد الجامع‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى أن الخروج إلى المصلى ليس بشرط في الاستسقاء لأن الملحوظ في الخروج المبالغة في اجتماع الناس، وذلك حاصل في المسجد الأعظم بناء على المعهود في ذلك الزمان من عدم تعدد الجامع، بخلاف ما حدث في هذه الأعصار في بلاد مصر والشام والله المستعان‏.‏
وقد ترجم له المصنف بعد ذلك ‏"‏ من اكتفى بصلاة الجمعة في خطبة الاستسقاء ‏"‏ وترجم له أيضا ‏"‏ الاستسقاء في خطبة الجمعة ‏"‏ فأشار بذلك إلى أنه إن اتفق وقوع ذلك يوم الجمعة اندرجت خطبة الاستسقاء وصلاتها في الجمعة، ومدار الطرق الثلاثة على شريك‏:‏ فالأولى عن أبي ضمرة، والثانية عن مالك، والثالثة عن إسماعيل بن جعفر ثلاثتهم عن شريك‏.‏
وأخرجه أيضا من طرق أخرى عن أنس سنشير إليها عند النقل لزوائدها إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ الْمِنْبَرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا قَالَ أَنَسُ وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً وَلَا شَيْئًا وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ قَالَ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ قَالَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالْجِبَالِ وَالْآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ قَالَ شَرِيكٌ فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ قَالَ لَا أَدْرِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا‏)‏ لم أقف على تسميته في حديث أنس، وروى الإمام أحمد من حديث كعب بن مرة ما يمكن أن يفسر هذا المبهم بأنه كعب المذكور وسأذكر بعض سياقه بعد قليل، وروى البيهقي في الدلائل من طريق مرسلة ما يمكن أن يفسر بأنه خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، ولكن رواه ابن ماجة من طريق شرحبيل بن السمط أنه ‏"‏ قال لكعب بن مرة‏:‏ يا كعب حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحذر، قال‏:‏ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله استسق الله عز وجل، فرفع يديه فقال‏:‏ اللهم اسقنا ‏"‏ الحديث‏.‏
ففي هذا أنه غير كعب، وسيأتي بعد أبواب في هذه القصة ‏"‏ فأتاه أبو سفيان ‏"‏ ومن ثم زعم بعضهم أنه أبو سفيان بن حرب، وهو وهم لأنه جاء في واقعة أخرى كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في ‏"‏ باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين ‏"‏ وقد تقدم في الجمعة من رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس ‏"‏ أصاب الناس سنة - أي جدب - على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قام أعرابي ‏"‏ وسيأتي من رواية يحيى بن سعيد عن أنس ‏"‏ أتى رجل أعرابي من أهل البدو ‏"‏ وأما قوله في رواية ثابت الآتية في ‏"‏ باب الدعاء إذا كثر المطر ‏"‏ عن أنس ‏"‏ فقام الناس فصاحوا ‏"‏ فلا يعارض ذلك، لأنه يحتمل أن يكونوا سألوه بعد أن سأل، ويحتمل أنه نسب ذلك إليهم لموافقة سؤال السائل ما كانوا يريدونه من طلب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وقد وقع في رواية ثابت أيضا عند أحمد ‏"‏ إذ قال بعض أهل المسجد ‏"‏ وهي ترجح الاحتمال الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من باب كان وجاه المنبر‏)‏ بكسر واو وجاه ويجوز ضمها أي مواجهة، ووقع في شرح ابن التين أن معناه مستدبر القبلة، وهو وهم، وكأنه ظن أن الباب المذكور كان مقابل ظهر المنبر، وليس الأمر كذلك‏.‏
ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر ‏"‏ من باب كان نحو دار القضاء ‏"‏ وفسر بعضهم دار القضاء بأنها دار الإمارة، وليس كذلك وإنما هي دار عمر بن الخطاب، وسميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دينه فكان يقال لها دار قضاء دين عمر، ثم طال ذلك فقيل لها دار القضاء ذكره الزبير بن بكار بسنده إلى ابن عمر، وذكر عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ عن أبي غسان المدني‏:‏ سمعت ابن أبي فديك عن عمه كانت دار القضاء لعمر، فأمر عبد الله وحفصة أن يبيعاها عند وفاته في دين كان عليه، فباعوها من معاوية، وكانت تسمى دار القضاء‏.‏
قال ابن أبي فديك سمعت عمي يقول‏:‏ إن كانت لتسمى دار قضاء الدين‏.‏
قال وأخبرني عمي أن الخوخة الشارعة في دار القضاء غربي المسجد هي خوخة أبو بكر الصديق التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا يبقى في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر ‏"‏ وقد صارت بعد ذلك إلى مروان وهو أمير المدينة، فلعلها شبهة من قال إنها دار الإمارة فلا يكون غلطا كما قال صاحب المطالع وغيره، وجاء في تسميتها دار القضاء قول آخر رواه عمر بن شبة في ‏"‏ أحبار المدينة ‏"‏ عن أبي غسان المدني أيضا عن عبد العزيز بن عمران عن راشد بن حفص عن أم الحكم بنت عبد الله عن عمتها سهلة بنت عاصم قالت‏:‏ كانت دار القضاء لعبد الرحمن بن عوف وإنما سميت دار القضاء لأن عبد الرحمن بن عوف اعتزل فيها ليالي الشورى حتى قضي الأمر فيها فباعها بنو عبد الرحمن من معاوية بن أبي سفيان‏.‏
قال عبد العزيز‏:‏ فكانت فيها الدواوين وبيت المال، ثم صيرها السفاح رحبة للمسجد‏.‏
وزاد أحمد في رواية ثابت عن أنس ‏"‏ إني لقائم عند المنبر ‏"‏ فأفاد بذلك قوة ضبطه للقصة لقربه، ومن ثم لم يرد هذا الحديث بهذا السياق كله إلا من روايته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قائم يخطب‏)‏ زاد في رواية قتادة في الأدب ‏"‏ بالمدينة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال يا رسول الله‏)‏ هذا يدل على أن السائل كان مسلما فانتفى أن يكون أبا سفيان فإنه حين سؤاله لذلك كان لم يسلم كما سيأتي في حديث عبد الله بن مسعود قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هلكت الأموال‏)‏ في رواية كريمة وأبي ذر جميعا عن الكشميهني ‏"‏ المواشي ‏"‏ وهو المراد بالأموال هنا لا الصامت، وقد تقدم في كتاب الجمعة بلفظ ‏"‏ هلك الكراع ‏"‏ وهو بضم الكاف يطلق على الخيل وغيرها‏.‏
وفي رواية يحيى بن سعيد الآتية ‏"‏ هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس ‏"‏ وهو من ذكر العام بعد الخاص، والمراد بهلاكهم عدم وجود ما يعيشون به من الأقوات المفقودة بحبس المطر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وانقطعت السبل‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ وتقطعت ‏"‏ بمثناة وتشديد الطاء، والمراد بذلك أن الإبل ضعفت - لقلة القوت - عن السفر، أو لكونها لا تجد في طريقها من الكلأ ما يقيم أودها، وقيل المراد نفاد ما عند الناس من الطعام أو قلته قلا يجدون ما يحملونه يجلبونه إلى الأسواق‏.‏
ووقع في رواية قتادة الآتية عن أنس ‏"‏ قحط المطر ‏"‏ أي قل، وهو بفتح القاف والطاء صلى الله عليه وسلم وحكي بضم ثم كسر، وزاد في رواية ثابت الآتية عن أنس ‏"‏ واحمرت الشجر ‏"‏ واحمرارها كناية عن يبس، ورقها لعدم شربها الماء، أو لانتثاره فتصير الشجر أعوادا بغير ورق‏.‏
ووقع لأحمد في رواية قتادة ‏"‏ وأمحلت الأرض ‏"‏ وهذه الألفاظ يحتمل أن يكون الرجل قال كلها، ويحتمل أن يكون بعض الرواة روى شيئا مما قاله بالمعنى لأنها متقاربة فلا تكون غلطا كما قال صاحب المطالع وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فادع الله يغيثنا‏)‏ أي فهو يغيثنا، وهذه رواية الأكثر، ولأبي ذر ‏"‏ أن يغيثنا ‏"‏ وفي رواية إسماعيل بن جعفر الآتية للكشميهني ‏"‏ يغثنا ‏"‏ بالجزم، ويجوز الضم في يغيثنا على أنه من الإغاثة وبالفتح على أنه من الغيث، ويرجح الأول قوله في رواية إسماعيل بن جعفر ‏"‏ فقال اللهم أغثنا ‏"‏ ووقع في رواية قتادة ‏"‏ فادع الله أن يسقينا ‏"‏ وله في الأدب ‏"‏ فاستسق ربك ‏"‏ قال قاسم بن ثابت رواه لنا موسى بن هارون ‏"‏ اللهم أغثتا ‏"‏ وجائز أن يكون من الغوث أو من الغيث، والمعروف في كلام العرب غثنا لأنه من الغوث‏.‏
وقال ابن القطاع‏:‏ غاث الله عباده غيثا وغياثا سقاهم المطر، وأغاثهم أجاب دعاءهم، ويقال غاث وأغاث بمعنى، والرباعي أعلى‏.‏
وقال ابن دريد‏:‏ الأصل غاثه الله يغوثه غوثا فأغيث، واستعمل أغاثه، ومن فتح أوله فمن الغيث ويحتمل أن يكون معنى أغثنا أعطنا غوثا وغيثا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرفع يديه‏)‏ زاد النسائي في رواية سعيد عن يحيى بن سعيد ‏"‏ ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون ‏"‏ وزاد في رواية شريك ‏"‏ حذاء وجهه ‏"‏ ولابن خزيمة من رواية حميد عن أنس ‏"‏ حتى رأيت بياض إبطيه ‏"‏ وتقدم في الجمعة بلفظ ‏"‏ فمد يديه ودعا ‏"‏ زاد في رواية قتادة في الأدب ‏"‏ فنظر إلى السماء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ اللهم اسقنا‏)‏ أعاده ثلاثا في هذه الرواية، ووقع في رواية ثابت الآتية عن أنس ‏"‏ اللهم اسقنا ‏"‏ مرتين، والأخذ بالزيادة أولى، ويرجحها ما تقدم في العلم أنه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كان إذا دعا دعا ثلاثا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا والله‏)‏ كذا للأكثر بالواو، ولأبي ذر بالفاء‏.‏
وفي رواية ثابت المذكورة ‏"‏ وأيم الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من سحاب‏)‏ أي مجتمع ‏(‏ولا قزعة‏)‏ بفتح القاف والزاي بعدها مهملة أي سحاب متفرق، قال ابن سيده‏.‏
القزع قطع من السحاب رقاق، زاد أبو عبيد‏:‏ وأكثر ما يجيء في الخريف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا شيئا‏)‏ بالنصب عطفا على موضع الجار والمجرور أي ما نرى شيئا، والمراد نفي علامات المطر من ريح وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما بيننا وبين سلع‏)‏ بفتح المهملة وسكون اللام جبل معروف بالمدينة، وقد حكي أنه بفتح اللام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من بيت ولا دار‏)‏ أي يحجبنا عن رؤيته، وأشار بذلك إلى أن السحاب كان مفقودا لا مستترا ببيت ولا غيره‏.‏
ووقع في رواية ثابت في علامات النبوة قال ‏"‏ قال أنس‏:‏ وإن السماء لفي مثل الزجاجة ‏"‏ أى لشدة صفائها، وذلك مشعر بعدم السحاب أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فطلعت‏)‏ أي ظهرت ‏(‏من ورائه‏)‏ أي سلع، وكأنها نشأت من جهة البحر لأن وضـع سلع يقتضي ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثل الترس‏)‏ أي مستديرة، ولم يرد أنها مثله في القدر لأن في رواية حفص بن عبيد الله عند أبي عوانة ‏"‏ فنشأت سحابة مثل رجل الطائر وأنا أنظر إليها ‏"‏ فهذا يشعر بأنها كانت صغيرة‏.‏
وفي رواية ثابت المذكورة ‏"‏ فهاجت ريح أنشأت سحابا ثم اجتمـع ‏"‏ وفي رواية قتادة في الأدب ‏"‏ فنشأ السحاب بعضه إلى بعض ‏"‏ وفي رواية إسحاق الآتية ‏"‏ حتى ثار السحاب أمثال الجبال ‏"‏ أي لكثرته، وفيه ‏"‏ ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر على لحيته ‏"‏ وهذا يدل على أن السقف وكف لكونه كان من جريد النخل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما توسطت السماء انتشرت‏)‏ هذا يشعر بأنها استمرت مستديرة حتى انتهت إلى الأفق فانبسطت حينئذ، وكأن فائدته تعميم الأرض بالمطر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما رأينا الشمس سبتا‏)‏ كناية عن استمرار الغيم الماطر، وهذا في الغالب، وإلا فقد يستمر المطر والشمس بادية، وقد تحجب الشمس بغير مطر‏.‏
وأصرح من ذلك رواية إسحاق الآتية بلفظ ‏"‏ فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى‏"‏‏.‏
وأما قوله ‏"‏ سبتا ‏"‏ فوقع للأكثر بلفظ السبت - يعني أحد الأيام - والمراد به الأسبوع، وهو من تسمية الشيء باسم بعضه كما يقال جمعة قاله صاحب النهاية‏.‏
قال‏:‏ ويقال أراد قطعة من الزمان‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ قوله ‏"‏ سبتا ‏"‏ أي من السبت إلى السبت، أي جمعة‏.‏
وقال المحب الطبري مثله وزاد أن فيه تجوزا لأن السبت لم يكن مبدأ ولا الثاني منتهى، وإنما عبر أنس بذلك لأنه كان من الأنصار وكانوا قد جاوروا اليهود فأخذوا بكثير من اصطلاحهم، وإنما سموا الأسبوع سبتا لأنه أعظم الأيام عند اليهود، كما أن الجمعة عند المسلمين كذلك‏.‏

وحكى النووي تبعا لغيره كثابت في الدلائل أن المراد بقوله سبتا قطعة من الزمان، ولفظ ثابت‏:‏ الناس يقولون معناه مـن سبت إلى سبت وإنما السبت قطعة من الزمان‏.‏
وأن الداودي رواه بلفظ ‏"‏ ستا ‏"‏ وهو تصحيف‏.‏
وتعقب بأن الداودي لم ينفرد بذلك فقد وقع في رواية الحموي والمستملي هنا ستا، وكذا رواه سعيد بن منصور عن الدراوردي عن شريك، ووافقه أحمد من رواية ثابت عن أنس، وكأن من ادعى أنه تصحيف استبعد اجتماع قوله ستا مع قوله في رواية إسماعيل بن جعفر الآتية سبعا، وليس بمستبعد لأن من قال ستا أراد ستة أيام تامة، ومن قال سبعا أضاف أيضا يوما ملفقا من الجمعتين‏.‏
وقد وقع في رواية مالك عن شريك ‏"‏ فمطرنا من جمعة إلى جمعة ‏"‏ وفي رواية للنسفي ‏"‏ فدامت جمعة ‏"‏ وفي رواية عبدوس والقابسي فيما حكاه عياض ‏"‏ سبتنا ‏"‏ كما يقال جمعتنا، ووهم من عزا هذه الرواية لأبي ذر‏.‏
وفي رواية قتادة الآتية ‏"‏ فمطرنا فما كدنا نصل إلى منازلنا ‏"‏ أي من كثرة المطر، وقد تقدم للمصنف في الجمعة من وجه آخر بلفظ ‏"‏ فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا ‏"‏ ولمسلم في رواية ثابت ‏"‏ فأمطرنا حتى رأيت الرجل تهمه نفسه أن يأتي أهله ‏"‏ ولابن خزيمة في رواية حميد ‏"‏ حتى أهم الشاب القريب الدار الرجوع إلى أهله ‏"‏ وللمصنف في الأدب من طريق قتادة ‏"‏ حتى سالت مثاعب المدينة ‏"‏ ومثاعب جمع مثعب بالمثلثة وآخره موحده مسيل الماء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجملة المقبلة‏)‏ ظاهره أنه غير الأول، لأن النكرة إذا تكررت دلت على التعدد، وقد قال شريك في آخر هذا الحديث هنا ‏"‏ سألت أنسا‏:‏ أهو الرجل الأول‏؟‏ قال‏:‏ لا أدري ‏"‏ وهذا يقتضي أنه لم يجزم بالتغاير، فالظاهر أن القاعدة المذكورة محمولة على الغالب لأن أنسا من أهل اللسان وقد تعددت‏.‏
وسيأتي في رواية إسحاق عن أنس ‏"‏ فقام ذلك الرجل أو غيره ‏"‏ وكذا لقتادة في الأدب، وتقدم في الجمعة من وجه آخر كذلك، وهذا يقتضي أنه كان يشك فيه، وسيأتي من رواية يحيى بن سعيد فأتى الرجل فقـال‏:‏ يا رسول الله‏"‏‏.‏
ومثله لأبي عوانة من طريق حفص عن أنس بلفظ ‏"‏ فما زلنا نمطر حتى جاء ذلك الأعرابي في الجمعة الأخرى ‏"‏ وأصله في مسلم، وهذا يقتضي الجزم بكونه واحدا، فلعل أنسا تذكره بعد أن نسيه، أو نسيه بعد أن كان تذكره، ويؤيد ذلك رواية البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريق يزيد أن عبيدا السلمي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من، غزوة تبوك أتاه وفد بني فزارة وفيه خارجة بن حصن أخو عيينة قدموا على إبل عجاف فقالوا‏:‏ يا رسول الله ادع لنا ربك أن بغيثنا ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فقال‏:‏ اللهم اسق بلدك وبهيمك، وانشر بركتك‏.‏
اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء ‏"‏ وفيه ‏"‏ قال فلا والله ما نرى في السماء من قزعة ولا سحاب، وما بين المسجد وسلع من بناء ‏"‏ فذكر نحو حديث أنس بتمامه وفيه ‏"‏ قال الرجل - يعني الذي سأله أن يستسقى لهم - هلكت الأموال ‏"‏ الحديث كذا في الأصل، والظاهر أن السائل هو خارجة المذكور لكونه كان كبير الوفد ولذلك سمي من بينهم والله أعلم‏.‏
وأفادت هذه الرواية صفة الدعاء المذكور، والوقت الذي وقع فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هلكت الأموال وانقطعت السبل‏)‏ أي بسبب غير السبب الأول، والمراد أن كثرة الماء انقطع المرعى بسببها فهلكت المواشي من عدم الرعي، أو لعدم ما يكنها من المطر، ويدل على ذلك قوله في رواية سعيد عن شريك عند النسائي ‏"‏ من كثرة الماء ‏"‏ وأما انقطاع السبل فلتعذر سلوك الطرق من كثرة الماء‏.‏
وفي رواية حميد عند ابن خزيمة ‏"‏ واحتبس الركبان ‏"‏ وفي رواية مالك عن شريك ‏"‏ تهدمت البيوت ‏"‏ وفي رواية إسحاق الآتية ‏"‏ هدم البناء وغرق المال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فادع الله يمسكها‏)‏ يجوز في يمسكها الضم والسكون، وللكشميهني هنا ‏"‏ أن يمسكها ‏"‏ والضمير يعود على الأمطار أو على السحاب أو على السماء، والعرب تطلق على المطر سماء، ووقع في رواية سعيد عن شريك ‏"‏ أن يمسك عنا الماء ‏"‏ وفي رواية أحمد من طريق ثابت ‏"‏ أن يرفعها عنا ‏"‏ وفي رواية قتادة في الأدب ‏"‏ فادع ربك أن يحبسها عنا‏.‏
فضحك ‏"‏ وفي رواية ثابت ‏"‏ فتبسم ‏"‏ زاد في رواية حميد ‏"‏ لسرعة ملال ابن آدم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه‏)‏ تقدم الكلام عليه قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اللهم حوالينا‏)‏ بفتح اللام وفيه حذف تقديره اجعل أو أمطر، والمراد به صرف المطر عن الأبنية والدور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا علينا‏)‏ فيه بيان للمراد بقوله ‏"‏ حوالينا ‏"‏ لأنها تشمل الطرق التي حولهم فأراد إخراجها بقوله ‏"‏ ولا علينا‏"‏‏.‏
قال الطيبي‏:‏ في إدخال الواو هنا معنى لطيف، وذلك أنه لو أسقطها لكان مستسقيا للآكام وما معها فقط، ودخول الواو يقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه ولكن ليكون وقاية من أذى المطر، فليست الواو مخلصة للعطف ولكنها للتعليل، وهو كقولهم تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، فإن الجوع ليس مقصودا لعينه ولكن لكونه مانعا عن الرضاع بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك أنفا اهـ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اللهم على الآكام‏)‏ فيه بيان المراد بقوله ‏"‏ حوالينا ‏"‏ والإكام بكسر الهمزة وقد تفتح وتمد‏:‏ جمع أكمة بفتحات، قال ابن البرقي‏:‏ هو التراب المجتمـع‏.‏
وقال الداودي‏:‏ هي أكبر من الكدية‏.‏
وقال القزاز‏:‏ هي التي من حجر واحد وهو قول الخليل‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ هي الهضبة الضخمة، وقيل الجبل الصغير، وقيل ما ارتفـع من الأرض‏.‏
وقال الثعالبي‏:‏ الأكمة أعلى من الرابية وقيل دونها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والظراب‏)‏ بكسر المعجمة وآخره موحدة جمع ظرب بكسر الراء وقد تسكن‏.‏
وقال القزاز‏:‏ هو الجبل المنبسط ليس بالعالي‏.‏
وقال الجوهري‏:‏ الرابية الصغيرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والأودية‏)‏ في رواية مالك ‏"‏ بطون الأودية ‏"‏ والمراد بها ما يتحصل فيه الماء لينتفع به، قالوا‏:‏ ولم تسمـع أفعلة جمـع فاعل إلا الأودية جمـع واد وفيه نظر، وزاد مالك في روايته ورءوس الجبال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فانقطعت‏)‏ أي السـماء أو السحابة الماطرة، والمعنى أنها أمسكت عن المطر على المدينة‏.‏
وفي رواية مالك ‏"‏ فانجابت عن المدينة انجياب الثوب ‏"‏ أي خرجت عنها كما يخرج الثوب عن لابسه‏.‏
وفي رواية سعيد عن شريك ‏"‏ فما هو إلا أن تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك تمزق السحاب حتى ما نرى منه شيئا ‏"‏ والمراد بقوله ‏"‏ ما نرى منه شيئا ‏"‏ أي في المدينة، ولمسلم في رواية حفص ‏"‏ فلقد رأيت السحاب يتمزق كأنه الملا حين تطوى ‏"‏ والملا بضم الميم والقصر وقد يمد جمـع ملاءة وهو ثوب معروف‏.‏
وفي رواية قتادة عند المصنف ‏"‏ فلقد رأيت السحاب ينقطع يمينا وشمالا يمطرون - أي أهل النواحي - ولا يمطر أهل المدينة ‏"‏ وله في الأدب ‏"‏ فجعل السحاب يتصدع عن المدينة - وزاد فيه - يريهم الله كرامة نبيه وإجابة دعوته ‏"‏ وله في رواية ثابت عن أنس ‏"‏ فتكشطت - أي تكشفت - فجعلت تمطر حول المدينة ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وأنها لمثل الإكليل صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولأحمد من هذا الوجه ‏"‏ فتقور ما فوق رءوسنا من السحاب حتى كأنا في إكليل ‏"‏ والإكليل بكسر الهمزة وسكون الكاف كل شيء دار من جوانبه، واشتهر لما يوضع على الرأس فيحيط به، وهو من ملابس الملوك كالتاج‏.‏
وفي رواية إسحاق عن أنس ‏"‏ فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة ‏"‏ والجوبة بفتح الجيم ثم الموحدة وهي الحفرة المستديرة الواسعة، والمراد بها هنا الفرجة في السحاب‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ المراد بالجوبة هنا الترس، وضبطها الزين بن المنير تبعا لغيره بنون بدل الموحدة، ثم فسره بالشمس إذ ظهرت في خلال السحاب‏.‏
لكن جزم عياض بأن من قاله بالنون فقد صحف‏.‏
وفي رواية إسحاق من الزيادة أيضا ‏"‏ وسال الوادي - وادي قناة - شهرا، وقناة بفتح القاف والنون الخفيفة علم على أرض ذات مزارع بناحية أحد، وواديها أحد أودية المدينة المشهورة قاله الحازمي‏.‏
وذكر محمد بن الحسن المخزومي في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ بإسناد له أن أول من سماه وادي قناة تبـع اليماني لما قدم يثرب قبل الإسلام‏.‏
وفي رواية له أن تبعا بعث رائدا ينظر إلى مزارع المدينة فقال‏:‏ نظرت فإذا قناة حب ولا تبن، والجرف حب وتبن، والحرار - يعني جمع حرة بمهملتين - لا حب ولا تبن اهـ‏.‏
وتقدم في الجمعة من هذا الوجه ‏"‏ وسال الوادي قناة ‏"‏ وأعرب بالضم على البدل على أن قناة اسم الوادي ولعله من تسمية الشيء باسم ما جاوره‏.‏
وقرأت بخط الرضى الشاطبي قال‏:‏ الفقهاء تقوله بالنصب والتنوين يتوهمونه قناة من القنوات، وليس كذلك اهـ‏.‏
وهذا الذي ذكره قد جزم به بعض الشراح وقال‏:‏ هو على التشبيه‏.‏
أي سال مثل القناة‏.‏
وقوله في الرواية المذكورة ‏"‏ إلا حدث بالجود ‏"‏ هو بفتح الجيم المطر الغزير، وهذا يدل على أن المطر استمر فيما سوى المدينة، فقد يشكل بأنه يستلزم أن قول السائل ‏"‏ هلكت الأموال وانقطعت السبل ‏"‏ لم يرتفـع الإهلاك ولا القطع وهو خلاف مطلوبه، ويمكن الجواب بأن المراد أن المطر استمر حول المدينة من الإكام والظراب وبطون الأودية لا في الطرق المسلوكة، ووقوع المطر في بقعة دون بقعة كثير ولو كانت تجاورها، وإذا جاز ذلك جاز أن يوجد للماشية أماكن تكنها وترعى فيها بحيث لا يضرها المطر فيزول الإشكال‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة، وفيه القيام في الخطبة وأنها لا تنقطع بالكلام ولا تنقطع بالمطر، وفيه قيام الواحد بأمر الجماعة، وإنما لم يباشر ذلك بعض أكابر الصحابة لأنهم كانوا يسلكون الأدب بالتسليم وترك الابتداء بالسؤال، ومنه قول أنس، ‏"‏ كان يعجبنا أن يجيء الرجل من البادية فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وسؤال الدعاء من أهل الخير ومن يرجى منه القبول وإجابتهم لذلك، ومن أدبه بث الحال لهم قبل الطلب لتحصيل الرقة المقتضية لصحة التوجه فترجى الإجابة عنده، وفيه تكرار الدعاء ثلاثا، وإدخال دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر ولا تحويل فيه ولا استقبال، والاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء، وليس في السياق ما يدل على أنه نواها مع الجمعة، وفيه علم من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام عقبه أو معه ابتداء في الاستسقاء وانتهاء في الاستصحاء وامتثال السحاب أمره بمجرد الإشارة، وفيه الأدب في الدعاء حيث لم يدع برفع المطر مطلقا لاحتمال الاحتياج إلى استمراره فاحترز فيه بما يقتضي رفع الضرر وبقاء النفع، ويستنبط منه أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يتسخطها لعارض يعرض فيها، بل يسأل الله رفع ذلك العارض وإبقاء النعمة‏.‏
وفيه أن الدعاء برفع الضرر لا ينافي التوكل وإن كان مقام الأفضل التفويض صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بما وقع لهم من الجدب، وأخر السؤال في ذلك تفويضا لربه، ثم أجابهم إلى الدعاء لما سألوه في ذلك بيانا للجواز وتقرير السنة في هذه العبادة الخاصة، أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة نفع الله به‏.‏
وفيه جواز تبسم الخطيب على المنبر تعجبا من أحوال الناس، وجواز الصياح في المسجد بسبب الحاجة المقتضية لذلك‏.‏
وفيه اليمين لتأكيد الكلام، ويحتمل أن يكون ذلك جرى على لسان أنس بغير قصد اليمين، واستدل به على جواز الاستسقاء بغير صلاة مخصوصة، وعلى أن الاستسقاء لا تشرع فيه صلاة، فأما الأول فقال به الشافعي وكرهه سفيان الثوري، وأما الثاني فقال به أبو حنيفة كما تقدم، وتعقب بأن الذي وقع في هذه القصة مجرد دعاء لا ينافي مشروعية الصلاة لها، وقد بينت في واقعة أخرى كما تقدم، واستدل به على الاكتفاء بدعاء الإمام في الاستسقاء قاله ابن بطال، وتعقب بما سيأتي في رواية يحيى بن سعيد ‏"‏ ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون ‏"‏ وقد استدل به المصنف في الدعوات على رفع اليدين في كل دعاء‏.‏
وفي الباب عدة أحاديث جمعها المنذري في جزء مفرد وأورد منها النووي في صفة الصلاة في شرح المهذب قدر ثلاثين حديثا، وسنذكر وجه الجمع بينها وبين قول أنس ‏"‏ كان لا يرفع يديه إلا في الاستسقاء ‏"‏ بعد أربعة عشر بابا إن شاء الله تعالى‏.‏
وفيه جواز الدعاء بالاستصـحاء للحاجة، وقد ترجم له البخاري بعد ذلك‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:05 PM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n117&p1#TOP)باب الِاسْتِسْقَاءِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة‏)‏ أورد فيه حديث أنس المذكور من طريق إسماعيل بن جعفر عن شريك المذكور، وقد تقدمت فوائده في الذي قبله قوله فيه ‏"‏ يوم الجمعة ‏"‏ في رواية كريمة ‏"‏ يوم جمعة ‏"‏ بالتنكير‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n117&p1#TOP)باب الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستسقاء على المنبر‏)‏ أورد فيه الحديث المذكور أيضا من رواية قتادة عن أنس، وقد تقدمت فوائده أيضا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n117&p1#TOP)باب مَنْ اكْتَفَى بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء‏)‏ أورد فيه الحديث المذكور أيضا من طريق مالك عن شريك وقد تقدم ما فيه أيضا، وقوله فيه ‏"‏ فدعا فمطرنا ‏"‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ فادع الله ‏"‏ بدل فدعا، وكل من اللفظين مقدر فيما لم يذكر فيه، وفيه تعقب على من استدل به لمن يقول‏:‏ لا تشرع الصلاة للاستسقاء، لأن الظاهر ما تضمنته الترجمة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n117&p1#TOP)باب الدُّعَاءِ إِذَا تَقَطَّعَتْ السُّبُلُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر‏)‏ أورد فيه الحديث المذكور أيضا من طريق أخرى عن مالك، وقد تقدم ما فيه‏.‏
ومراده بقوله ‏"‏ من كثرة المطر ‏"‏ أي وسائر ما ذكر في الحديث مما يشرع الاستصحاء عند وجوده، وظاهره أن الدعاء بذلك متوقف على سبق السقيا، وكلام الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏ يوافقه وزاد‏:‏ أنه لا يسن الخروج للاستصحاء ولا الصلاة ولا تحويل الرداء، بل يدعي بذلك في خطبة الجمعة أو في أعقاب الصلاة، وفي هذا تعقب على من قال من الشافعية إنه ليس قول الدعاء المذكور في أثناء خطبة الاستسقاء لأنه لم ترد به السنة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n117&p1#TOP)باب مَا قِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَوِّلْ رِدَاءَهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحول رداءه الخ‏)‏ إنما عبر عنه بلفظ ‏"‏ قيل ‏"‏ مع صحة الخبر لأن الذي قال في الحديث ‏"‏ ولم يذكر أنه حول رداءه ‏"‏ يحتمل أن يكون هو الراوي عن أنس أو من دونه فلأجل هذا التردد لم يجزم بالحكم، وأيضا فسكوت الراوي عن ذلك لا يقتضي نفي الوقوع‏.‏
وأما تقييده بقوله ‏"‏ يوم الجمعة ‏"‏ فليبين أن قوله فيما مضى ‏"‏ باب تحويل الرداء في الاستسقاء ‏"‏ أي الذي يقام في المصلى‏.‏
وهذا السياق الذي أورده المصنف لهذا الحديث في هذا الباب مختصر جدا، وسيأتي مطولا من الوجه المذكور بعد اثني عشر بابا، وفيه ‏"‏ يخطب على المنبر يوم الجمعة‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n117&p1#TOP)باب إِذَا اسْتَشْفَعُوا إِلَى الْإِمَامِ لِيَسْتَسْقِيَ لَهُمْ لَمْ يَرُدَّهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقى ثم لم يردهم‏)‏ أورد فيه الحديث المذكور من وجه آخر عن مالك أيضا، قال الزين بن المنير‏:‏ تقدم له ‏"‏ باب سؤال الناس الإمام إذا قحطوا ‏"‏ والفرق بين الترجمتين أن الأولى لبيان ما على الناس أن يفعلوه إذا احتاجوا إلى الاستسقاء، والثانية لبيان ما على الإمام من إجابة سـؤالهم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n117&p1#TOP)باب إِذَا اسْتَشْفَعَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْقَحْطِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ظاهر هذه الترجمة منع أهل الذمة من الاستبداد بالاستسقاء، كذا قال، ولا يظهر وجه المنع من هذا اللفظ‏.‏
واستشكل بعض شيوخنا مطابقة حديث ابن مسعود للترجمة، لأن الاستشفاع إنما وقع عقب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بالقحط، ثم سئل أن يدعو برفع ذلك ففعل، فنظيره أن يكون إمام المسلمين هو الذي دعا على الكفار بالجدب فأجيب، فجاءه الكفار يسألونه الدعاء بالسقيا‏.‏
انتهـى‏.‏
ومحصلة أن الترجمة أعم من الحديث، ويمكن أن يقال، هي مطابقة لما وردت فيه، ويلحق بها بقية الصور، إذ لا يظهر الفرق بين ما إذا استشفعوا بسبب دعائه أو بابتلاء الله لهم بذلك، فإن الجامع بينهما ظهور الخضوع منهم والذلة للمؤمنين في التماسهم منهم الدعاء لهم، وذلك من مطالب الشرع‏.‏
ويحتمل أن يكون ما ذكره شيخنا هو السبب في حذف المصنف جواب ‏"‏ إذا ‏"‏ من الترجمة ويكون التقدير في الجواب مثلا‏:‏ أجابهم مطلقا، أو أجابهم بشرط أن يكون هو الذي دعا عليهم، أو لم يجبهم إلى ذلك أصلا‏.‏
ولا دلالة فيما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة على مشروعية ذلك لغيره، إذ الظاهر أن ذلك من خصائصه لاطلاعه على المصلحة في ذلك بخلاف من بعده من الأئمة، ولعله حذف جواب ‏"‏ إذا ‏"‏ لوجود هذه الاحتمالات‏.‏
ويمكن أن يقال‏:‏ إذا رجا إمام المسلمين رجوعهم عن الباطل أو وجود نفع عام للمسلمين شرع دعاؤه لهم والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنْ الْإِسْلَامِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ فَقَرَأَ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَ أَسْبَاطٌ عَنْ مَنْصُورٍ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُقُوا الْغَيْثَ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ قَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَانْحَدَرَتْ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن مسروق قال‏:‏ أتيت ابن مسعود‏)‏ سيأتي في تفسير الروم بالإسناد المذكور في أوله ‏"‏ بينما رجل يحدث في كندة فقال يجيء دخان يوم القيامة ‏"‏ فذكر القصة وفيها ‏"‏ ففزعنا فأتيت ابن مسعود ‏"‏ الحـديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ إن قريشا أبطئوا‏)‏ سيأتي في الطريق المذكورة إنكار ابن مسعود لما قاله القاص المذكور، وسنذكر في تفسير سورة الدخان ما وقع لنا في تسمية القاص المذكور وأقوال العلماء في المراد بقوله تعالى ‏(‏فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين‏)‏ مع بقية شرح هذا الحديث، ونقتصر في هذا الباب على ما يتعلق بالاستسقاء ابتداء وانتهاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فدعا عليهم‏)‏ تقدم في أوائل الاستسقاء صفة ما دعا به عليهم وهو قوله ‏"‏ اللهم سبعا كسبع يوسف ‏"‏ وهو منصوب بفعل تقديره أسألك، أو سلط عليهم‏.‏
وسيأتي في تفسير سورة يوسف بلفظ ‏"‏ اللهم اكفنيهم بسبع كسبع يوسف ‏"‏ وفي سورة الدخان ‏"‏ اللهم أعني عليهم الخ ‏"‏ وأفاد الدمياطي أن ابتداء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بذلك كان عقب طرحهم على ظهره سلى الجزور الذي تقدمت قصته في الطهارة وكان ذلك بمكة قبل الهجرة، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بذلك بعدها بالمدينة في القنوت كما تقدم أوائل الاستسقاء من حديث أبي هريرة، ولا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصص إذ لا مانع أن يدعو بذلك عليهم مرارا، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجاءه أبو سفيان‏)‏ يعني الأموي والد معاوية، والظاهر أن مجيئه كان قبل الهجرة لقول ابن مسعود ‏"‏ ثم عادوا، فذلك قوله‏:‏ ‏(‏يوم نبطش البطشة الكبرى‏)‏ يوم بدر ‏"‏ ولم ينقل أن أبا سفيان قدم المدينة قبل بدر، وعلى هذا فيحتمل أن يكون أبو طالب كان حاضرا ذلك فلذلك قال ‏"‏ وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ‏"‏ البيت، لكن سيأتي بعد هذا بقليل ما يدل على أن القصة المذكورة وقعت بالمدينة، فإن لم يحمل على التعدد وإلا فهو مشكل جدا والله المستعان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جئت تأمر بصلة الرحم‏)‏ يعني والذين هلكوا بدعائك من ذوي رحمك فينبغي أن تصل رحمك بالدعاء لهم، ولم يقـع في هذا السياق التصريح بأنه دعا لهم، وسيأتي هذا الحديث في تفسير سورة ‏"‏ص‏"‏ بلفظ ‏"‏ فكشف عنهم ثم عادوا ‏"‏ وفي سورة الدخان من وجه آخر بلفظ ‏"‏ فاستسقى لهم فسقوا ‏"‏ ونحوه في رواية أسباط المعلقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بدخان مبين الآية‏)‏ سقط قوله الآية لغير أبي ذر، وسيأتي ذكر بقية اختلاف الرواية في تفسير سورة الدخان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوم نبطش البطشة الكبرى‏)‏ زاد الأصيلي بقية الآية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزاد أسباط‏)‏ هو ابن نصر، ووهم من زعم أنه أسباط بن محمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ يعني بإسناده المذكور قبله إلى ابن مسعود وقد وصله الجوزقي والبيهقي من رواية علي بن ثابت عن أسباط بن نصر عن منصور وهو ابن المعتمر عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود قال ‏"‏ لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس إدبارا ‏"‏ فذكر نحو الذي قبله وزاد ‏"‏ فجاءه أبو سفيان وناس من أهل مكة فقالوا‏:‏ يا محمد إنك تزعم أنك بعثت رحمة وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد أشاروا بقولهم ‏"‏ بعثت رحمة ‏"‏ إلى قوله تعالى ‏(‏وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فسقوا الناس حولهم‏)‏ كذا في جميع الروايات في الصحيح بضم السين والقاف وهو على لغة بني الحارث‏.‏
وفي رواية البيهقي المذكورة ‏"‏ فأسقى الناس حولهم ‏"‏ وزاد بعد هذا ‏"‏ فقال - يعني ابن مسعود - لقد مرت آية الدخان وهو الجوع الخ ‏"‏ وقد تعقب الداودي وغيره هذه الزيادة ونسبوا أسباط بن نصر إلى الغلط في قوله ‏"‏ وشكا الناس كثرة المطر الخ ‏"‏ وزعموا أنه أدخل حديثا في حديث، وأن الحديث الذي فيه شكوى كثرة المطر وقوله ‏"‏ اللهم حوالينا ولا علينا ‏"‏ لم يكن في قصة قريش وإنما هو في القصة التي رواها أنس، وليس هذا التعقب عندي بجيد إذ لا مانع أن يقـع ذلك مرتين، والدليل على أن أسباط بن نصر لم يغلط ما سيأتي في تفسير الدخان من رواية أبي معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى في هذا الحديث ‏"‏ فقيل‏:‏ يا رسول الله استسق الله لمضر، فإنها قد هلكت‏.‏
قال‏:‏ لمضر‏؟‏ إنك لجريء‏.‏
فاستسقى فسقوا ‏"‏ اهـ‏.‏
والقائل ‏"‏ فقيل ‏"‏ يظهر لي أنه أبو سفيان لما ثبت في كثير من طرق هذا الحديث في الصحيحين ‏"‏ فجاءه أبو سفيان ‏"‏ ثم وجدت في الدلائل للبيهقي من طريق شبابة عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم عن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط عن كعب بن مرة - أو مرة بن كعب - قال ‏"‏ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
على مضر، فأتاه أبو سفيان فقال‏:‏ ادع الله لقومك فإنهم قد هلكوا ‏"‏ ورواه أحمد وابن ماجة من رواية الأعمش عن عمرو بن مرة بهذا الإسناد عن كعب بن مرة ولم يشك، فأبهم أبا سفيان قال ‏"‏ جاءه رجل فقال استسق الله لمضر، فقال‏:‏ إنك لجريء، ألمضر‏؟‏ قال‏:‏ يا رسول الله استنصرت الله فنصرك، ودعوت الله فأجابك، فرفع يديه فقال‏:‏ اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا مريئا طبقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار، قال فأجيبوا، فما لبثوا أن أتوه فشكوا إليه كثرة المطر فقالوا‏:‏ قد تهدمت البيوت، فرفع يديه وقال‏:‏ ‏"‏ اللهم حوالينا ولا علينا، فجعل السحاب يتقطع يمينا وشمالا ‏"‏ فظهر بذلك أن هذا الرجل المبهم المقول له ‏"‏ إنك لجريء ‏"‏ هو أبو سفيان، لكن يظهر لي أن فاعل ‏"‏ قال يا رسول الله استنصرت الله الخ ‏"‏ هو كعب ابن مرة راوي هذا الخبر لما أخرجه أحمد أيضا والحاكم من طريق شعبة أيضا عن عمرو بن مرة بهذا الإسناد إلى كعب قال ‏"‏ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر‏.‏
فأتيته فقلت‏:‏ يا رسول الله، إن الله قد نصرك وأعطاك واستجاب لك، وإن قومك قد هلكوا ‏"‏ الحديث، فعلى هذا كأن أبا سفيان وكعبا حضرا جميعا، فكلمه أبو سفيان بشيء وكعب بشيء، فدل ذلك على اتحاد قصتهما، وقد ثبت في هذه ما ثبت في تلك من قوله إنك لجريء، ومن قوله ‏"‏ فقال‏:‏ اللهم حوالينا ولا علينا ‏"‏ وغير ذلك‏.‏
وظهر بذلك أن أسباط بن نصر لم يغلط في الزيادة المذكورة ولم ينتقل من حديث إلى حديث، وسياق كعب بن مرة يشعر بأن ذلك وقع في المدينة بقوله ‏"‏ استنصرت الله فنصرك ‏"‏ لأن كلا منهما كان بالمدينة بعد الهجرة، لكن لا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصة مع قصة أنس، بل قصة أنس واقعة أخرى لأن في رواية أنس ‏"‏ فلم يزل على المنبر حتى مطروا ‏"‏ وفي هذه ‏"‏ فما كان إلا جمعة أو نحوها حتى مطروا ‏"‏ والسائل في هذه القصة غير السائل في تلك فهما قصتان وقع في كل منهما طلب الدعاء بالاستسقاء ثم طلب الدعاء بالاستصحاء، وإن ثبت أن كعب بن مرة أسلم قبل الهجرة حمل قوله ‏"‏ استنصرت الله فنصرك ‏"‏ على النصر بإجابة دعائه عليهم، وزال الإشكال المتقدم والله أعلم‏.‏
وإني ليكثر تعجبي من كثرة إقدام الدمياطي على تغليط ما في الصحيح بمجرد التوهم، مع إمكان التصويب بمزيد التأمـل، والتنقيب عن الطرق، وجمع ما ورد في الباب من اختلاف الألفاظ، فلله الحمد على ما علم وأنعم‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:06 PM
*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب الدُّعَاءِ إِذَا كَثُرَ الْمَطَرُ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء إذا كثر المطر‏:‏ حوالينا ولا علينا‏)‏ كان التقدير أن يقول حوالينا، وتكلف له الكرماني إعرابا آخر، وأورد فيه حديث أنس من طريق ثابت عنه، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى، إنما اختار لهذه الترجمة رواية ثابت لقوله فيها ‏"‏ وما تمطر بالمدينة قطرة ‏"‏ لأن ذلك أبلغ في انكشاف المطر، وهذه اللفظة لم تقـع إلا في هذه الرواية، وقوله فيها ‏"‏ وانكشطت ‏"‏ كذا للأكثر، ولكريمة ‏"‏ فكشطت ‏"‏ على البناء للمجهول‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب الدُّعَاءِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ قَائِمًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء في الاستسقاء قائما‏)‏ أي في الخطبة وغيرها، قال ابن بطال‏:‏ الحكمة فيه كونه حال خشوع وإنابة فيناسبه القيام‏.‏
وقال غيره‏:‏ القيام شعار الاعتناء والاهتمام، والدعاء أهم أعمال الاستسقاء فناسبه القيام، ويحتمل أن يكون قام ليراه الناس فيقتدوا بما يصنع‏.‏
الحديث‏:‏
وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ وَخَرَجَ مَعَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَاسْتَسْقَى فَقَامَ بِهِمْ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ فَاسْتَغْفَرَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَلَمْ يُقِمْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال لنا أبو نعيم‏)‏ قال الكرماني تبعا لغيره‏:‏ الفرق بين ‏"‏ قال لنا ‏"‏ و ‏"‏ حدثنا ‏"‏ أن القول يستعمل فيما يسمـع من الشيخ في مقام المذاكرة، والتحديث فيما يسمـع في مقام التحمل اهـ‏.‏
لكن ليس استعمال البخاري لذلك منحصرا في المذاكرة فإنه يستعمله فيما يكون ظاهره الوقف، وفيما يصلح للمتابعات، لتخلص صيغة التحديث لما وضـع الكتاب لأجله من الأصول المرفوعة‏.‏
والدليل على ذلك وجود كثير من الأحاديث التي عبر فيها في الجامع بصيغة القول معبرا فيها بصيغة التحديث في تصانيفه الخارجة عن الجامع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن زهير‏)‏ هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي، وأبو إسحاق هو السبيعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري‏)‏ يعني إلى الصحراء يستسقى، وذلك حيث كان أميرا على الكوفة من جهة عبد الله بن الزبير في سنة أربع وستين قبل غلبة المختار بن أبي عبيد عليها، ذكر ذلك ابن سعد وغيره، وقد روى هذا الحديث قبيصة عن الثوري عن أبي إسحاق قال ‏"‏ بعث ابن الزبير إلى عبد الله ابن يزيد الخطمي أن استسق بالناس، فخرج وخرج الناس معه وفيهم زيد بن أرقم والبراء بن عازب ‏"‏ أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه وخالفه عبد الرزاق عن الثوري فقال فيه ‏"‏ إن ابن الزبير خرج يستسقى بالناس ‏"‏ الحديث، وقوله إن ابن الزبير هو الذي فعل ذلك وهم، وإنما الذي فعله هو عبد الله بن يزيد بأمر ابن الزبير، وقد وافق قبيصة عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري على ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام بهم‏)‏ في رواية أبي الوقت وأبي ذر ‏"‏ لهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاستشقى‏)‏ في رواية أبي الوقت ‏"‏ فاستغفر‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ أورد الحميدي في ‏"‏ الجمـع ‏"‏ هذا الحديث فيما انفرد به البخاري ووهم في ذلك، وسببه أن رواية مسلم وقعت في المغازي ضمن حديث لزيد بن أرقم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم صلى ركعتين‏)‏ ظاهره أنه أخر الصلاة عن الخطبة، وصرح بذلك الثوري في رواية وخالفه شعبة فقال في روايته عن أبي إسحاق ‏"‏ أن عبد الله بن يزيد خرج يستسقى بالناس فصلى ركعتين ثم استسقى ‏"‏ أخرجه مسلم، وقد تقدم في أوائل الاستسقاء ذكر الاختلاف في ذلك وأن الجمهور ذهبوا إلى تقديم الصلاة، وممن اختار تقديم الخطبة ابن المنذر، وصرح الشيخ أبو حامد وغيره بأن هذا الخلاف في الاستحباب لا في الجواز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يؤذن ولم يقم‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ اجمعوا على أن لا أذان ولا إقامة للاستسقاء والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو إسحاق ورأى عبد الله بن يزيد النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا للأكثر، وللحموي وحده ‏"‏ وروى عبد الله بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ثم وجدته كذلك في نسخة الصغاني، فإن كانت روايته محفوظة احتمل أن يكون المراد أنه روى هذا الحديث بعينه، والأظهر أن مراده أنه روى في الجملة فيوافق قوله رأى لأن كلا منهما يثبت له الصحبة، أما سماع هذا الحديث فلا‏.‏
وقوله ‏"‏قال أبو إسحاق ‏"‏ هو موصول، وقد رواه الإسماعيلي من رواية أحمد بن يونس وعلى بن الجعدي عن زهير وصرحا باتصاله إلى أبي إسحاق، وكـأن السر في إيراد هذا الموقوف هنا كونه يفسر المراد بقوله في الرواية المرفوعة بعده ‏"‏ فدعا الله قائما ‏"‏ أي كان على رجليه لا على المنبر، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:06 PM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء‏)‏ أي في صلاتها، ونقل ابن بطال أيضا الإجماع عليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي فَتَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم صلى ركعتين يجهر‏)‏ في رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ جهر ‏"‏ بلفظ الماضي‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب كَيْفَ حَوَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ إِلَى النَّاسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كيف حول النبي صلى الله عليه وسلم ظهره إلى الناس‏)‏ أورد فيه الحديث المذكور وفيه ‏"‏ فحول إلى الناس ظهره ‏"‏ وقد استشكل لأن الترجمة لكيفية التحويل والحديث دال على وقوع التحويل فقط، وأجاب الكرماني بأن معناه حوله حال كونه داعيا، وحمل الزين بن المنير قوله ‏"‏ كيف ‏"‏ على الاستفهام فقال‏:‏ لما كان التحويل المذكور لم يتبين كونه من ناحية اليمين أو اليسار احتاج إلى الاستفهام عنه اهـ، والظاهر أنه لما لم يتبين من الخبر ذلك كأنه يقول هو على التخيير، لكن المستفاد من خارج أنه التفت بجانبه الأيمن لما ثبت أنه كان يعجبه التيمن في شأنه كله، ثم إن محل هذا التحويل بعد فراغ الموعظة وإرادة الدعـاء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي قَالَ فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم حول رداءه‏)‏ ظاهره أن الاستقبال وقع سابقا لتحويل الرداء، وهو ظاهر كلام الشافعي، ووقع في كلام كثير من الشافعية أنه يحوله حال الاستقبال، والفرق بين تحويل الظهر والاستقبال أنه في ابتداء التحويل وأوسطه يكون منحرفا حتى يبلغ الانحراف غايته فيصير مستقبلا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الاستسقاء ركعتين‏)‏ هو مجرور على البدل من صلاة المجرور بالإضافة، والتقدير صلاة ركعتين في الاستسقاء، أو هو عطف بيان أو منصوب بمقدر، وقد تقدم حديث الباب في ‏"‏ باب تحويل الرداء ‏"‏ وقوله فيه ‏"‏ عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ في رواية أبي الوقت ‏"‏ سمع النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب الِاسْتِسْقَاءِ فِي الْمُصَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستسقاء في المصلى‏)‏ هذه الترجمة أخص من الترجمة المتقدمة أول الأبواب وهي ‏"‏ باب الخروج إلى الاستسقاء ‏"‏ لأنه أعم من أن يكون إلى المصلى، ووقع في رواية هذا الباب تعيين الخروج إلى الاستسقاء إلى المصلى، بخلاف تلك فناسب كل رواية ترجمتها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ قَالَ سُفْيَانُ فَأَخْبَرَنِي المَسْعُودِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏)‏ هو ابن عيينة، وهو متصل بالإسناد الأول، ووهم من زعم أنه معلق كالمزي حيث علم على المسعودي في التهذيب علامة التعليق، فإنه عند ابن ماجة من وجه آخر عن سفيان عن المسعودي، وكذا قول ابن القطان لا ندري عمن أخذه البخاري قال‏:‏ ولهذا لا يعد أحد المسعودي في رجاله، وقد تعقبه ابن آلموا بأن الظاهر أنه أخذه عن عبد الله بن محمد شيخه فيه، ولا يلزم من كونهم لم يعدوا المسعودي في رحاله أن لا يكون وصل هذا الموضع عنه لأنه لم يقصد الرواية عنه، وإنما ذكر الزيادة التي زادها استطرادا، وهو كما قال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بكر‏)‏ يعني ابن محمد بن عمرو بن حزم بإسناده وهو عن عباد بن تميم عن عمه، وزعم ابن القطان أيضا أنه لا يدري عمن أخذ أبو بكر هذه الزيادة اهـ‏.‏
وقد بين ذلك ما أخرجه ابن ماجة وابن خزيمة من طريق سفيان بن عيينة وفيه بيان كون أبي بكر رواها عن عباد بن تميم عن عمه، وكذا أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان بن عيينة مبينا‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ حديث أبي بكر يدل على أن الصلاة قبل الخطبة لأنه ذكر أنه صلى قبل قلب ردائه، قال‏:‏ وهو أضبط للقصة من ولده عبد الله بن أبي بكر حيث ذكر الخطبة قبل الصلاة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب استقبال القبلة في الاستسقاء‏)‏ أي في أثناء الخطبة التي تقع من أجله في المصلى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يُصَلِّي وَأَنَّهُ لَمَّا دَعَا أَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هَذَا مَازِنِيٌّ وَالْأَوَّلُ كُوفِيٌّ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ بين أبو ذر في روايته أنه ابن سلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرج إلى المصلى يصلي‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ يدعو‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنه لما دعا أو أراد أن يدعو‏)‏ الشك من الراوي ويحتمل أنه يحيى بن سعيد فقد رواه السراج من طريق يحيى بن أيوب عنه بالشك أيضا ورواه مسلم من رواية سليمان بن بلال عنه فلم يشك كما تقدم في ‏"‏ باب تحويل الرداء ‏"‏ وكأنه كان يشك فيه تارة ويجزم به أخرى، وتقدم الكلام على بقية فوائده هناك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عبد الله بن زيد هذا مازني‏)‏ يعني راوي حديث الاستسقاء، والأول كوفي وهو ابن يزيد، كذا وقعت هذه الزيادة في رواية الكشميهني وحده هنا، وأليق المواضـع بها ‏"‏ باب الدعاء في الاستسقاء قائما ‏"‏ فإن فيه عن عبد الله بن يزيد حديثا وعن عبد الله بن زيد حديثا، فيحسن بيان تغايرهما حيث ذكرا جميعا، وأما هذا الباب فليس فيه لعبد الله بن يزيد ذكر، ولعل هذا من تصرف الكشميهني وكأنه رآه في ورقة مفردة فكتبه في هذا الموضع احتياطا، ويمكن أن يكون قوله ‏"‏ والأول ‏"‏ أي الذي مضى في ‏"‏ باب الدعاء في الاستسقاء ‏"‏ هو ابن يزيد بزيادة الياء في أول اسم أبيه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب رَفْعِ النَّاسِ أَيْدِيَهُمْ مَعَ الْإِمَامِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ
قَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَاشِيَةُ هَلَكَ الْعِيَالُ هَلَكَ النَّاسُ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ يَدْعُو وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ قَالَ فَمَا خَرَجْنَا مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشِقَ الْمُسَافِرُ وَمُنِعَ الطَّرِيقُ وَقَالَ الْأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَشَرِيكٍ سَمِعَا أَنَسًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء‏)‏ تضمنت هذه الترجمة الرد على من زعم أنه يكتفي بدعاء الإمام في الاستسقاء، وقد أشرنا إليه قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أيوب بن سليمان‏)‏ أي ابن بلال، وهو من شيوخ البخاري، إلا أنه ذكر هذه الطريق عنه بصيغة التعلق، وقد وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق أبي إسماعيل الترمذي عن أيوب، وقد تقدم الكلام على بقية المتن في ‏"‏ باب تحويل الرداء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأتى الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله بشق المسافر‏)‏ كذا للأكثر بفتح الموحدة وكسر المعجمة بعدها قاف، واختلف في معناه فوقع في البخاري بشق أي مل، وحكى الخطابي أنه وقع فيه بشق اشتد أي اشتد عليه الضرر‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ بشق ليس بشيء، وإنما هو ‏"‏ لثق ‏"‏ يعني بلام ومثلثة بدل الموحدة والشين يقال‏:‏ لثق الطريق أي صار ذا وحل ولثق الثوب إذا أصابه ندى المطر‏.‏
قلت وهو رواية أبي إسماعيل التي ذكرناها‏.‏
قال الخطابي‏:‏ ويحتمل أن يكون مشق بالميم بدل الموحدة أي صارت الطريق زلقة، ومنه مشق الخط والميم والباء متقاربتان‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ لم أجد لبشق في اللغة معنى‏.‏
وفي نوادر اللحياني‏:‏ نشق بالنون أي نشب، انتهى‏.‏
وفي النون والقاف من مجمل اللغة لابن فارس وكذا في الصحاح‏:‏ نشق الظبي في الحبالة أي علق فيها، ورجل نشق إذا كان ممن يدخل في أمور لا يتخلص منها‏.‏
ومقتضى كلام هؤلاء أن الذي وقع في رواية البخاري تصحيف، وليس كذلك بل له وجه في اللغة لا كما قالوا، ففي ‏"‏ المنضد ‏"‏ لكراع بشق بفتح الموحدة تأخر ولم يتقدم، فعلى هذا فمعنى بشق هنا ضعف عن السفر وعجز عنه كضعف الباشق وعجزه عن الصيد لأنه ينفر الصيد ولا يصيد‏.‏
وقال أبو موسى في ذيل الغريبين صلى الله عليه وسلم الباشق طائر معروف، فلو اشتق منه فعل فقيل بشق لما امتنع، قال‏:‏ ويقال بشق الثوب وبشكه قطعه في خقة، فعلى هذا يكون معنى بشق أي قطع به من السير، انتهـى كلامه‏.‏
وأما ما وقع في بعض الروايات بثق بموحدة ومثلثة فلم أره في شيء مما اتصل بنا، وهو تصحيف، فإن البثق الانفجار ولا معنى له هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الأويسي‏)‏ هو عبد العزيز بن عبد الله، ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير المدني أخو إسماعيل‏.‏
وهذا التعليق ثبت هنا للمستملي وثبت لأبي الوقت وكريمة في آخر الباب الذي بعده، وسقط للباقين رأسا لأنه مذكور عند الجميع في كتاب الدعوات، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج كما سيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:07 PM
*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب رَفْعِ الْإِمَامِ يَدَهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع الإمام يده في الاستسقاء‏)‏ ثبتت هذه الترجمة في رواية الحموي والمستملي، قال ابن رشيد‏:‏ مقصوده بتكرير رفع الإمام يده - وإن كانت الترجمة التي قبلها تضمنته - لتفيد فائدة زائدة وهي أنه لم يكن يفعل ذلك إلا في الاستسقاء، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون قصد التنصيص بالقصد الأول على رفع الإمام يده كما قصد التنصيص في الترجمة الأولى بالقصد الأول على رفع الناس، وإن اندرج معه رفع الإمام‏.‏
قال‏:‏ ويجوز أن يكون قصد بهذه كيفية رفع الإمام يده لقوله ‏"‏ حتى يرى بياض إبطيه ‏"‏ انتهى‏.‏
وقال الزين بن المنير ما محصله‏:‏ لا تكرار في هاتين الترجمتين، لأن الأولى لبيان اتباع المأمومين الإمام في رفع اليدين، والثانية لإثبات رفع اليدين للإمام في الاستسقاء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد‏)‏ هو ابن أبي عروبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن قتادة عن أنس‏)‏ في رواية يزيد بن زريع عن سعيد ‏"‏ عن قتادة أن أنسا حدثهم ‏"‏ كما سيأتي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا في الاستسقاء‏)‏ ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء، وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء وقد تقدم أنها كثيرة، وقد أفردها المصنف بترجمة في كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث، فذهب بعضهم إلى أن العمل بها أولى، وحمل حديث أنس على نفي رؤيته، وذلك لا يستلزم نفي روية غيره‏.‏
وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة إما الرفع البليغ فيدل عليه قوله ‏"‏ حتى يرى بياض إبطيه ‏"‏ ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به مد اليدين وبسطهما عند الدعاء، وكأنه عند الاستسقاء مع ذلك زاد فرفعهما إلى جهة وجهة حتى حادتاه وبه حينئذ يرى بياض إبطيه، وأما صفة اليدين في ذلك فلما رواه مسلم من رواية ثابت عن أنس ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء ‏"‏ ولأبي داود من حديث أنس أيضا ‏"‏ كان يستسقى هكذا ومد يديه - وجعل بطونهما مما يلي الأرض - حتى رأيت بياض إبطيه ‏"‏ قال النووي‏:‏ قال العلماء‏:‏ السنة في كل دعاء لرفع البلاء أن يرفع يديه جاعلا ظهور كفيه إلى السماء، وإذا دعا بسؤال شيء وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء‏.‏
انتهى‏.‏
وقال غيره‏:‏ الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل بتقلب الحال ظهرا لبطن كما قيل في تحويل الرداء، أو هو إشارة إلى صفة المسئول وهو نزول السحاب إلى الأرض‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب مَا يُقَالُ إِذَا مَطَرَتْ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَصَيِّبٍ الْمَطَرُ وَقَالَ غَيْرُهُ صَابَ وَأَصَابَ يَصُوبُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقال‏)‏ يحتمل أن تكون ‏"‏ ما ‏"‏ موصولة أو موصوفة أو استفهامية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا مطرت‏)‏ كذا لأبي ذر من الثلاثي وللباقين ‏"‏ أمطرت ‏"‏ من رباعي وهما بمعنى عند الجمهور، وقيل‏:‏ يقال مطر في الخير وأمطر في الشر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ كصيب المطر‏)‏ وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه بذلك وهو قول الجمهور‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ الصيب السحاب، ولعـله أطلق ذلك مجازا‏.‏
قال ابن المنير‏:‏ مناسبة أثر ابن عباس لحديث عائشة لما وقع في حديث الباب المرفوع قوله ‏"‏ صيبا ‏"‏ قدم المصنف تفسيره في الترجمة، وهذا يقع له كثيرا‏.‏
وقال أخوه الزين‏:‏ وجه المناسبة أن الصيب لما جرى ذكره في القرآن قرن بأحوال مكروهة، ولما ذكر في الحديث وصف بالنفـع فأراد أن يبين بقول ابن عباس أنه المطر وأنه ينقسم إلى نافع وضـار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ صاب وأصاب يصوب‏)‏ كذا وقع في جميع الروايات، وقد استشكل من حيث أن يصوب مضارع صاب، وأما أصاب فمضارعه يصيب، قال أبو عبيدة الصيب تقديره من الفعل سيد وهو من صاب يصوب فلعله كان في الأصل وانصاب كما حكاه صاحب المحكم فسقطت النون كما سقطت ينصاب بعد يصوب، أو المراد ما حكاه صاحب الأفعال صاب المطر يصوب إذا نزل فأصاب الأرض فوقع فيه تقديم وتأخير‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا تَابَعَهُ الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَعُقَيْلٌ عَنْ نَافِعٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ هو ابن مقاتل، وعبد الله هو ابن المبارك، وعبيد الله هو ابن عمر العمري، ونافع مولى ابن عمر، والقاسم بن محمد، أي ابن أبي بكر الصديق، وقد سمع نافع من عائشة ونزل في هذه الرواية عنها، وكذا سمع عبيد الله من القاسم ونزل في هذه الرواية عنه، مع أن معمرا قد رواه عن عبيد الله بن عمر عن القاسم نفسه بإسقاط نافع من السند أخرجه عبد الرزاق عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اللهم صيبا نافعا‏)‏ كذا في رواية المستملي وسقط اللهم لغيرهما‏.‏
وصيبا منصوب بفعل مقدر أي اجعله، ونافعا صفة للصيب وكأنه احترز بها عن الصيب الضار‏.‏
وهذا الحديث من هذا الوجه مختصر، وقد أخرجه مسلم من رواية عطاء عن عائشة تاما ولفظه ‏"‏ كان إذا كان يوم ريح عرف ذلك في وجهه ويقول إذا رأى المطر رحمة ‏"‏ وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق شريح بن هانئ عن عائشة أوضح منه ولفظه ‏"‏ كان إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل، فإن كشف حمد الله فإن أمطرت قال‏:‏ اللهم صيبا نافعا ‏"‏ وسيأتي للمصنف في أوائل بدء الخلق من رواية عطاء أيضا عن عائشة مقتصرا على معنى الشق الأول وفيه ‏"‏ أقبل وأدبر وتغير وجهه ‏"‏ وفيه ‏"‏ وما أدري لعله كما قال قوم عاد ‏(‏هذا عارض‏)‏ الآية ‏"‏ وعرف برواية شريح أن الدعاء المذكور يستحب بعد نزول المطر للازدياد من الخير والبركة مقيدا بدفع ما يحذر من ضرر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه القاسم بن يحيى‏)‏ أي ابن عطاء بن مقدم المقدمي عن عبيد الله بن عمر المذكور بإسناده ولم أقف على هذه الرواية موصولة‏.‏
وقد أخرج البخاري في التوحيد عن مقدم بن محمد عن عمه القاسم ابن يحيى بهذا الإسناد حديثا غير هذا، وزعم مغلطاي أن الدار قطني وصل هذه المتابعة في غرائب الأفراد من رواية يحيى عن عبيد الله‏.‏
قلت‏:‏ ليس ذلك مطابقا إلا إن كان نسخته سقط منها من متن البخاري لفظ القاسم بن يحيى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورواه الأوزاعي وعقيل عن نافع‏)‏ يعني كذلك، فأما رواية الأوزاعي فأخرجها النسائي في ‏"‏ عمل يوم وليلة ‏"‏ عن محمود بن خالد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بهذا ولفظه ‏"‏ هنيئا ‏"‏ بدل نافعا، ورويناها في ‏"‏ الغيلانيات ‏"‏ من طريق دحيم عن الوليد وشعيب هو ابن إسحاق قالا حدثنا الأوزاعي حدثني نافع فذكره، وكذلك وقع في رواية ابن أبي العشرين عن الأوزاعي حدثني نافع أخرجه ابن ماجة، وزال بهذا ما كان يخشى من تدليس الوليد وتسويته، وقد اختلف فيه على الأوزاعي اختلافا كثيرا ذكره الدار قطني في العلل وأرجحها هذه الرواية، ويستفاد من رواية دحيم صحة سماع الأوزاعي عن نافع، خلافا لمن نفاه‏.‏
وأما رواية عقيل فذكرها الدار قطني أيضا‏.‏
قال الكرماني‏:‏ قال أولا تابعه القاسم ثم قال ورواه الأوزاعي، فكان تغير الأسلوب لإفادة العموم في الثاني، لأن الرواية أعم من أن تكون على سبيل المتابعة أم لا، فيحتمل أن يكونا روياه عن نافع كما رواه عبيد الله، ويحتمل أن يكونا روياه على صفة أخرى، انتهى‏.‏
وما أدري لم ترك احتمال أنه صنع ذلك للتفنن في العبارة مع أنه الواقع في نفس الأمر لما بينا من أن رواية الجميع متفقة لأن الخلاف الذي ذكره الدار قطني إنما يرجـع إلى إدخال واسطة بين الأوزاعي ونافع أو لا، والبخاري قد قيد رواية الأوزاعي بكونها عن نافع، والرواة لم يختلفوا في أن نافعا رواه عن القاسم عن عائشة، فظهر بهذا كونها متابعة لا مخالفة، وكذلك رواية عقيل، لكن لما كانت متابعة القاسم أقرب من متابعتهما لأنه تابع في عبيد الله وهما تابعا في شيخه حسن أن يفردها منهما ولما أفردها تفنن في العبارة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب مَنْ تَمَطَّرَ فِي الْمَطَرِ حَتَّى يَتَحَادَرَ عَلَى لِحْيَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من تمطر‏)‏ بتشديد الطاء أي تعرض لوقوع المطر، وتفعل يأتي لمعان أليقها هنا أنه بمعنى مواصلة العمل في مهلة نحو تفكر، ولعله أشار إلى ما أخرجه مسلم من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال ‏"‏ حسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه المطر وقال لأنه حديث عهد بربه ‏"‏ قال العلماء‏:‏ معناه قريب العهد بتكوين ربه، وكأن المصنف أراد أن يبين أن تحادر المطر على، لحيته صلى الله عليه وسلم لم يكن اتفاقا وإنما كان قصدا فلذلك ترجم بقوله من تمطر ‏"‏ أي قصد نزول المطر عليه، لأنه لو لم يكن باختياره لنزل عن المنبر أول ما وكف السقف، لكنه تمادى في خطبته حتى كثر نزوله بحيث تحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ قَالَ فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ قَالَ فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَفِي الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا قَالَ فَمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ السَّمَاءِ إِلَّا تَفَرَّجَتْ حَتَّى صَارَتْ الْمَدِينَةُ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ حَتَّى سَالَ الْوَادِي وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا قَالَ فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ
الشرح‏:‏
قد مضى الكلام على حديث أنس مستوفى في ‏"‏ باب تحويل الرداء‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب إِذَا هَبَّتْ الرِّيحُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا هبت الريح‏)‏ أي ما يصنع من قول أو فعل‏.‏
قيل وجه دخول هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء أن المطلوب بالاستسقاء نزول المطر، والريح في الغالب تعقبه، وقد سبق قريبا التنبيه على إيضاح ما يصنع عند هبوبها‏.‏
ووقع في حديث عائشة الآتي في بدء الخلق ووقع عند أبي يعلى بإسناد صحيح عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا هاجت ريح شديدة قال‏:‏ ‏"‏ اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به، وأعوذ بك من شر ما أمرت به ‏"‏ وهذه زيادة على رواية حميد يجب قبولها لثقة رواتها وفي الباب عن عائشة عند الترمذي، وعن أبي هريرة عند أبي داود والنسائي، وعن ابن عباس عند الطبراني وعن غيرهم‏.‏
والتعبير في هذه الرواية في وصف الريح بالشديدة يخرج الريح الخفيفة والله أعلم‏.‏
وفيه الاستعداد بالمراقبة لله، والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصِرْتُ بِالصَّبَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ في هذه الترجمة إشارة إلى تخصيص حديث أنس الذي قبله بما سوى الصبا من جميع أنواع الريح لأن قضية نصرها له أن يكون مما يسر بها دون غيرها، ويحتمل أن يكون حديث أنس على عمومه إما بأن يكون نصرها له متأخرا عن ذلك لأن ذلك وقع في غزوة الأحزاب وهو المراد بقوله تعالى ‏(‏فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها‏)‏ كما جزم به مجاهد وغيره وإما بأن يكون نصرها له بسبب إهلاك أعدائه فيخشى من هبوبها أن تهلك أحدا من عصاة أمته وهو كان بهم رءوفا رحيما صلى الله عليه وسلم‏.‏
وأيضا فالصبا تؤلف السحاب وتجمعه، فالمطر في الغالب يقع حينئذ، وقد وقع في الخبر الماضي أنه كان إذا أمطرت سرى عنه، وذلك يقتضي أن تكون الصبا أيضا مما يقـع التخوف عند هبوبها فيعكر ذلك على التخصيص المذكور، والله أعلم‏.‏
^الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالصبا‏)‏ بفتح المهملة بعدها موحدة مقصورة يقال لها القبول بفتح القاف لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبها من مشرق الشمس، وضدها الدبور وهي التي أهلكت بها قوم عاد، ومن لطيف المناسبة كون القبول نصرت أهل القبول وكون الدبور أهلكت أهل الإدبار، وأن الدبور أشد من الصبا لما سنذكره في قصة عاد أنها لم يخرج منها إلا قدر يسير ومع ذلك استأصلتهم، قال الله تعالى ‏(‏فهل ترى لهم مـن باقية‏)‏ ‏.‏
ولما علم الله رأفة نبيه صلى الله عليه وسلم بقومه رجاء أن يسلموا سلط عليهم الصبا فكانت سبب رحيلهم عن المسلمين لما أصابهم بسببها من الشدة، ومع ذلك فلم تهلك منهم أحدا ولم تستأصلهم‏.‏
ومن الرياح أيضا الجنوب والشمال، فهذه الأربع تهب من الجهات الأربع، وأي ريح هبت من بين جهتين منها يقال لها النكباء بفتح النون وسكون الكاف بعدها موحدة ومد، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في بدء الخلق إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n118&p1#TOP)باب مَا قِيلَ فِي الزَّلَازِلِ وَالْآيَاتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما قيل في الزلازل والآيات‏)‏ قيل لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخوف المفضي إلى الخشوع والإنابة كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى بذلك، لا سيما وقد نص في الخبر على أن أكثر الزلازل من أشراط الساعة‏.‏
وقال الزين بن المنبر‏:‏ وجه إدخال هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء أن وجود الزلزلة ونحوها يقع غالبا مع نزول المطر، وقد تقدم لنزول المطر دعاء يخصه فأراد المصنف أن يبين أنه لم يثبت على شرطه في القول عند الزلازل ونحوها شيء، وهل يصلي عند وجودها‏؟‏ حكى ابن المنذر فيه الاختلاف، وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة، وعلق الشافعي القول به على صحة الحديث عن علي، وصح ذلك عن ابن عباس أخرجه عبد الرزاق وغيره‏.‏
وروى ابن حبان في صحيحه من طريق عبيد بن عمير عن عائشة مرفوعا ‏"‏ صلاة الآيات ست ركعات وأربع سجدات ‏"‏ ثم أورد المصنف في هذا الباب حديثين‏:‏ أحدهما حديث أبي هريرة من طريق أبي الزناد عن عبد الرحمن وهو ابن هرمز الأعرج عنه مرفوعا‏:‏ ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ‏"‏ الحديث، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الفتن فإنه أخرج هذا الحديث هناك مطولا، وذكر منه قطعا هنا وفي الزكاة وفي الرقاق‏.‏
واختلف في قوله ‏"‏ يتقارب الزمان ‏"‏ فقيل على ظاهره فلا يظهر التفاوت في الليل والنهار بالقصر والطول، وقيل المراد قرب يوم القيامة‏.‏
، وقيل تذهب البركة فيذهب اليوم والليلة بسرعة، وقيل المراد يتقارب أهل ذلك الزمان في الشر وعدم الخير وقيل تتقارب صدور الدول وتطول صلى الله عليه وسلم مدة أحد لكثرة الفتن‏.‏
وقال النووي في شرح قوله ‏"‏ حتى يقترب الزمان ‏"‏ معناه حتى تقرب القيامة، ووهاه الكرماني وقال هو من تحصيل الحاصل، وليس كما قال بل معناه قرب الزمان العام من الزمان الخاص وهو يوم القيامة، وعند قربه يقع ما ذكر من الأمور المنكرة صلى الله عليه وسلم‏.‏
الحديث الثاني حديث ابن عمر ‏"‏ اللهم بارك لنا في شامنا ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ قالوا وفي نجدنا‏.‏
قال‏:‏ هناك الزلازل والفتن ‏"‏ هكذا وقع في هذه الروايات التي اتصلت لنا بصورة الموقوف عن ابن عمر قال ‏"‏ اللهم بارك ‏"‏ لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وقال القابسي‏:‏ سقط ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من النسخة، ولا بد منه لأن مثله لا يقال بالرأي، انتهى‏.‏
وهو من رواية الحسين بن الحسن البصري من آل مالك بن يسار عن عبد الله بن عون عن نافع، ورواه أزهر السمان عن ابن عون مصرحا فيه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في كتاب الفتن، ويأتي الكلام عليه أيضا هناك، ونذكر فيه من وافق أزهر على التصريح برفعه إن شاء الله تعالى وقوله فيه ‏"‏ قالوا وفي نجدنا ‏"‏ قائل ذلك بعض من حضر من الصحابة كما في الحديث الآخر عند الدعاء للمحلقين ‏"‏ قالوا والمقصرين‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:07 PM
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ شُكْرَكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى ‏(‏وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون‏)‏ قال ابن عباس شكركم‏)‏ يحتمل أن يكون مراده أن ابن عباس قرأها كذلك، ويشهد له ما رواه سعيد بن منصور ‏"‏ عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يقرأ وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ‏"‏ وهذا إسناد صحيح، ومن هذا الوجه أخرجه ابن مردويه في التفسير المسند، وروى مسلم من طريق أبي زميل عن ابن عباس قال ‏"‏ مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر نحو حديث زيد بن خالد في الباب وفي آخره ‏"‏ فأنزلت هذه الآية‏:‏ فلا أقسم بمواقع النجوم، إلى قوله تكذبون ‏"‏ وعرف بهذا مناسبة الترجمة وأثر ابن عباس لحديث زيد بن خالد، وقد روى نحو أثر ابن عباس المعلق مرفوعا من حديث علي لكن سياقه يدل على التفسير لا على القراءة، أخرجه عبد بن حميد من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن علي مرفوعا ‏"‏ وتجعلون رزقكم، قال‏:‏ تجعلون شكركم، تقولون مطرنا بنوء كذا ‏"‏ وقد قيل في القراءة المشهورة حذف تقديره وتجعلون شكر رزقكم‏.‏
وقال الطبري‏:‏ المعنى وتجعلون الرزق الذي وجب عليكم به الشكر تكذيبكم به، وقيل بل الرزق بمعنى الشكر في لغة أزد شنوءة نقله الطبري عن الهيثم بن عدي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد ين خالد الجهني‏)‏ هكذا يقول صالح بن كيسان لم يختلف عليه في ذلك، وخالفه الزهري فرواه عن شيخهما عبيد الله فقال‏:‏ عن أبي هريرة أخرجه مسلم عقب رواية صالح فصحح الطريقين، لأن عبيد الله سمع من زيد بن خالد وأبي هريرة جميعا عدة أحاديث منها حديث العسيف وحديث الأمة إذا زنت، فلعله سمع هذا منهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وإنما لم يجمعهما لاختلاف لفظهما كما سنشير إليه‏.‏
وقد صرح صالح بسماعه له من عبيد الله عن أبي عوانة، وروى صالح عن عبيد الله بواسطة الزهري عدة أحاديث منها حديث ابن عباس في شاة ميمونة كما تقدم في الطهارة، وحديثه عنه في قصة هرقل كما تقدم في بدء الوحي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلى لنا‏)‏ أي لأجلنا، أو اللام بمعنى الباء أي صلى بنا، وفيه جواز إطلاق ذلك مجازا وإنما الصلاة لله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالحديبية‏)‏ بالمهملة والتصغير وتخفف ياؤها وتثقل، يقال سميت بشجرة حدباء هناك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على إثر‏)‏ بكسر الهمزة وسكون المثلثة على المشهور وهو ما يعقب الشيء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سماء‏)‏ أي مطر وأطلق عليه سماء لكونه ينزل من جهة السماء وكل جهة علو تسمى سماء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كانت من الليل‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي والحموي ‏"‏ من الليلة ‏"‏ بالإفراد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما انصرف‏)‏ أي من صلاته أو من مكانه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هل تدرون‏)‏ لفظ استفهام معناه التنبيه، ووقع في رواية سفيان عن صالح عند النسائي ‏"‏ ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة ‏"‏ وهذا من الأحاديث الإلهية وهي تحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله بلا واسطة أو بواسطة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصبح من عبادي‏)‏ هذه إضافة عموم بدليل التقسيم إلى مؤمن وكافر بخلاف مثل قوله تعالى ‏(‏إن عبادي ليس لك عليهم سلطان‏)‏ فإنها إضافة تشريف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مؤمن بي وكافر‏)‏ يحتمل أن يكون المراد بالكفر هنا كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإيمان، ولأحمد من رواية نصر بن عاصم الليثي عن معاوية الليثي مرفوعا ‏"‏ يكون الناس مجدبين فينزل الله عليهم رزقا من السماء من رزقه فيصبحون مشركين يقولون‏:‏ مطرنا بنوء كذا ‏"‏ ويحتمل أن يكون المراد به كفر النعمة، ويرشد إليه قوله في رواية معمر عن صالح عن سفيان ‏"‏ فأما من حمدني على سقياي وأثنى عليه فذلك آمن بي ‏"‏ وفي رواية سفيان عند النسائي والإسماعيلي نحوه‏.‏
وقال في آخره ‏"‏ وكفر بي ‏"‏ أو قال ‏"‏ كفر نعمتي ‏"‏ وفي رواية أبي هريرة عند مسلم ‏"‏ قال الله‏:‏ ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم كافرين بها ‏"‏ وله في حديث ابن عباس ‏"‏ أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ‏"‏ وعلى الأول حمله كثير من أهل العلم، وأعلى ما وقفت عليه من ذلك كلام الشافعي، قال في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر نوء كذا فذلك كفر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا، ومن قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرا، وغيره من الكلام أحب إلي منه، يعني حسما للمادة، وعلى ذلك يحمل إطلاق الحديث، وحكى ابن قتيبة في ‏"‏ كتاب الأنواء ‏"‏ أن العرب كانت في ذلك على مذهبين على نحو ما ذكر الشافعي، قال‏:‏ ومعنى النوء سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر، قال‏:‏ وهو مأخوذ من ناء إذا سقط‏.‏
وقال آخرون‏:‏ بل النوء طلوع نجم منها، وهو مأخوذ من ناء إذا نهض، ولا تخالف بين القولين في الوقت لأن كل نجم منها إذا طلع في المشرق وقع حال طلوعه آخر في المغرب لا يزال ذلك مستمرا إلى أن تنتهي الثمانية والعشرون بانتهاء السنة، فإن لكل واحد منها ثلاثة عشر يوما تقريبا، قال‏:‏ وكانوا في الجاهلية يظنون أن نزول الغيث بواسطة النوء إما بصنعه على زعمهم وإما بعلامته، فأبطل الشرع قولهم وجعله كفرا، فإن اعتقد قائل ذلك أن للنوء صنعا في ذلك فكفره كفر تشريك، وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة فليس بشرك لكن يجوز إطلاق الكفر عليه وإرادة كفر النعمة لأنه لم يقع في شيء من طرق الحديث بين الكفر والشرك واسطة، فيحمل الكفر فيه على المعنيين لتناول الأمرين، والله أعلم‏.‏
ولا يرد الساكت، لأن المعتقد قد يشكر بقلبه أو يكفر، وعلى هذا فالقول في قوله ‏"‏ فأما من قال ‏"‏ لما هو أعم من النطق والاعتقاد، كما أن الكفر فيه لما هو أعم من كفر الشرك وكفر النعمة، والله أعلم بالصواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مطرنا بنوء كذا وكذا‏)‏ في حديث أبي سعيد عند النسائي ‏"‏ مطرنا بنوء المجدح ‏"‏ بكسر الميم وسكون الجيم وفتح الدال بعدها مهملة ويقال بضم أوله هو الدبران بفتح المهملة والموحدة بعدها، وقيل سمي بذلك لاستدباره الثريا، وهو نجم أحمر صغير منير‏.‏
قال ابن قتيبة‏:‏ كل النجوم المذكورة له نوء غير أن بعضها أحمر وأغزر من بعض، ونوء الدبران غير محمود عندهم، انتهى‏.‏
وكأن ذلك ورد في الحديث تنبيها على مبالغتهم في نسبة المطر إلى النوء ولو لم يكن محمودا، أو اتفق وقوع ذلك المطر في ذلك الوقت إن كانت القصة واحدة‏.‏
وفي مغازي الواقدي أن الذي قال في ذلك الوقت ‏"‏ مطرنا بنوء الشعري ‏"‏ هو عبد الله بن أبي المعروف بابن سلول أخرجه من حديث أبي قتادة‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم طرح الإمام المسألة على أصحابه وإن كانت لا تدرك إلا بدقة النظر‏.‏
ويستنبط منه أن للولي المتمكن من النظر في الإشارة صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها عبارات ينسبها إلى الله تعالى صلى الله عليه وسلم كذا قرأت بخط بعض شيوخنا، وكأنه أخذه من استنطاق النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عما قال ربهم وحمل الاستفهام فيه على الحقيقة، لكنهم رضي الله عنهم فهموا خلاف ذلك، ولهذا لم يجيبوا إلا بتفويض الأمر إلى الله ورسوله‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n119&p1#TOP)باب لَا يَدْرِي مَتَى يَجِيءُ الْمَطَرُ إِلَّا اللَّهُ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله تعالى‏)‏ عقب الترجمة الماضية بهذه لأن تلك تضمنت أن المطر إنما ينزل بقضاء الله وأنه لا تأثير للكواكب في نزوله، وقضية ذلك أنه لا يعلم أحد متى يجيء إلا هـو‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ خمس لا يعلمهن إلا الله‏)‏ هذا طرف من حديث وصله المؤلف في الإيمان وفي تفسير لقمان من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة في سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام، لكن لفظه ‏"‏ في خمس لا يعلمهن إلا الله ‏"‏ ووقع في بعض الروايات في التفسير بلفظ ‏"‏ وخمس ‏"‏ وروى ابن مردويه في التفسير من طريق يحيى بن أيوب البجلي عن جده عن أبي زرعة عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله ‏(‏إن الله عنده علم الساعة‏)‏ الآية‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِفْتَاحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي غَدٍ وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي الْأَرْحَامِ وَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ الْمَطَرُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يوسف‏)‏ هو الفريابي، وسفيان هو الثوري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مفتاح‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ مفاتح‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما يدري أحد متى يجيء المطر‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ إلا الله ‏"‏ أخرجه من طريق عبد الرحمن ابن مهدي عن الثوري، وفيه رد على من زعم أن لنزول المطر وقتا معينا لا يتخلف عنه، وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في تفسير لقمان إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب الاستسقاء من الأحاديث المرفوعة على أربعين حديثا، المعلق منها تسعة والبقية موصولة، المكرر فيها وفيما مضى سبعة وعشرون حديثا، والخالص ثلاثة عشر، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عمر الذي فيه شعر أبي طالب وحديث أنس عن عمر في الاستسقاء بالعباس وحديث عبد الله بن زيد في الاستسقاء على رجليه وحديث عبد الله بن زيد في صفة تحويل الرداء - وإن كان أخرج أصله - وحديث عائشة في قوله صيبا نافعا وأصله أيضا فيه وحديث أنس ‏"‏ كان إذا هبت الريح الشديدة ‏"‏ وسيأتي بيان ما انفرد به من حديث أبي هريرة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏
وفيه من الآثار عن الصحابة وغيرهم أثران، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ الْكُسُوف
الشرح‏:‏
‏(‏أبواب الكسوف‏)‏ ثبتت البسملة في رواية كريمة، والترجمة في رواية المستملي، وفي بعض النسخ كتاب بدل أبواب، والكسوف لغة التغير إلى سواد ومنه كسف وجهه وحاله، وكسفت الشمس اسودت وذهب شعاعها‏.‏
واختلف في الكسوف والخسوف هل هما مترادفان أو لا كما سيأتي قريبا‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:08 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n119&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في كسوف الشمس‏)‏ أي مشروعيتها، وهو أمر متفق عليه، لكن اختلف في الحكم وفي الصفة، فالجمهور على أنها سنة مؤكدة، وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، ولم أره لغيره إلا ما حكى عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة‏.‏
ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها، وكذا نقل بعض مصنفي الحنفية أنها واجبة، وسيأتي الكلام على الصفة قريبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلْنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد‏)‏ هو ابن عبد الله الطحان، ويونس هو ابن عبيد، والإسناد كله بصريون، وترجمة الحسن عن أبي بكرة متصلة عند البخاري منقطعة عند أبي حاتم والدار قطني، وسيأتي التصريح بالإخبار فيه بعد أربعة أبواب وهو يؤيد صنيع البخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فانكسفت‏)‏ يقال كسفت الشمس بفتح الكاف وانكسفت بمعنى، وأنكر القزاز انكسفت وكذا الجوهري حيث نسبه للعامة والحديث يرد عليه، وحكى كسفت بضم الكاف وهو نادر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه‏)‏ زاد في اللباس من وجه آخر عن يونس ‏"‏ مستعجلا ‏"‏ وللنسائي من رواية يزيد بن زريع عن يونس ‏"‏ من العجلة ‏"‏ ولمسلم من حديث أسماء ‏"‏ كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع فأخطأ بدرع حتى أدرك بردائه ‏"‏ يعني أنه أراد لبس ردائه فلبس الدرع من شغل خاطره بذلك، واستدل به على أن جر الثوب لا يذم إلا ممن قصد به الخيلاء صلى الله عليه وسلم ووقع في حديث أبي موسى بيان السبب في الفزع كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى بنا ركعتين‏)‏ زاد النسائي ‏"‏ كما تصلون ‏"‏ واستدل به من قال إن صلاة الكسوف كصلاة النافلة، وحمله ابن حيان والبيهقي على أن المعنى كما تصلون في الكسوف، لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة، وقد كان ابن عباس علمهم أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان كما روى ذلك الشافعي وابن أبي شيبة وغيرهما، ويؤيد ذلك أن في رواية عبد الوارث عن يونس الآتية في أواخر الكسوف أن ذلك وقع يوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم مثله وقال فيه ‏"‏ إن في كل ركعة ركوعين ‏"‏ فدل ذلك على اتحاد القصة، وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة‏.‏
وفي رواية جابر زيادة بيان في صفة الركوع، والأخذ بها أولى‏.‏
ووقع في أكثر الطرق عن عائشة أيضا أن في كل ركعة ركوعين ‏"‏ وعند ابن خزيمة من حديثها أيضا أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى انجلت‏)‏ استدل به على إطالة الصلاة حتى يقع الانجلاء، وأجاب الطحاوي بأنه قال فيه ‏"‏ فصلوا وادعوا ‏"‏ فدل على أنه إن سلم من الصلاة قبل الانجلاء يتشاغل بالدعاء حتى تنجلي، وقرره ابن دقيق العيد بأنه جعل الغاية لمجموع الأمرين، ولا يلزم من ذلك أن يكون غاية لكل منهما على انفراده فجاز أن يكون الدعاء ممتدا إلى غاية الانجلاء بعد الصلاة، فيصير غاية للمجموع، ولا يلزم منه تطويل الصلاة ولا تكريرها‏.‏
وأما ما وقع عند النسائي من حديث النعمان بن بشير قال ‏"‏ كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت ‏"‏ فإن كان محفوظا احتمل أن يكون معنى قوله ركعتين أي ركوعين، وقد وقع التعبير عن الركوع بالركعة في حديث الحسن ‏"‏ خسف القمر وابن عباس بالبصرة فصلى ركعتين في كل ركعة ركعتان ‏"‏ الحديث أخرجه الشافعي، وأن يكون السؤال وقع بالإشارة فلا يلزم التكرار، وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي قلابة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان كلما ركع ركعة أرسل رجلا ينظر هل انجلت ‏"‏ فتعين الاحتمال المذكور، وإن ثبت تعدد القصة زال الإشكال أصلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن الشمس‏)‏ زاد في رواية ابن خزيمة ‏"‏ فلما كشف عنا خطبنا فقال ‏"‏ واستدل به على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لموت أحد‏)‏ في رواية عبد الوارث الآتية بيان سبب هذا القول ولفظه ‏"‏ وذلك أن ابنا للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له إبراهيم مات فقال الناس في ذلك ‏"‏ وفي رواية مبارك بن فضالة عند ابن حبان ‏"‏ فقال الناس‏:‏ إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم‏"‏، ولأحمد والنسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن حبان من رواية أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال ‏"‏ انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فزعا يجر ثوبه حتى أتى المسجد، فلم يزل يصلي حتى انجلت، فلما انجلت قال‏:‏ إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء، وليس كذلك ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض، وهو نحو قوله في الحديث الماضي في الاستسقاء ‏"‏ يقولون مطرنا بنوء كذا ‏"‏ قال الخطابي‏:‏ كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما‏.‏
وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته وشدة الخوف من ربه، وسيأتي لذلك مزيد بيان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا رأيتموها‏)‏ في رواية كريمة ‏"‏ رأيتموهما ‏"‏ بالتثنية، وسيأتي القول فيه إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا شهاب بن عباد‏)‏ هو العبدي الكوفي من شيوخ البخاري ومسلم، ولهم شيخ آخر يقال له شهاب بن عباد العبدي لكنه بصري وهو أقدم من الكوفي يكون في طبقة شيوخ شيوخه أخرج له البخاري وحده في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ وإبراهيم بن حميد شيخه هو ابن عبد الرحمن الرؤاسي بضم الراء بعدها همزة خفيفة، وفي طبقته إبراهيم بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ولم يخرجوا له‏.‏
وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وهذا الإسناد كله كوفيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏آيتان‏)‏ أي علامتان ‏(‏من آيات الله‏)‏ أي الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته، ويؤيده قوله تعالى ‏(‏وما نرسل بالآيات إلا تخويفا‏)‏ وسيأتي قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏يخوف الله بهما عباده ‏"‏ في باب مفرد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا رأيتموها‏)‏ أي الآية، وللكشميهني ‏"‏ رأيتموهما ‏"‏ بالتثنية، وكذا في رواية الإسماعيلي والمعنى إذا رأيتم كسوف كل منهما لاستحالة وقوع ذلك فيهما معا في حالة واحدة عادة وإن كان ذلك جائزا في القدرة الإلهية‏.‏
واستدل به على مشروعية الصلاة في كسوف القمر، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد إن شاء الله تعالى‏.‏
ووقع في رواية ابن المنذر ‏"‏ حتى ينجلي كسوف أيهما انكسف ‏"‏ وهو أصرح في المراد، وأفاد أبو عوانة أن في بعض الطرق أن ذلك كان يوم مات إبراهيم، وهو كذلك في مسند الشافعي، وهو يؤيد ما قدمناه من اتحاد القصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقوموا فصلوا‏)‏ استدل به على أنه لا وقت لصلاة الكسوف معين، لأن الصلاة علقت برؤيته، وهي ممكنة في كل وقت من النهار، وبهذا قال الشافعي ومن تبعه، واستثنى الحنفية أوقات الكراهة وهو مشهور مذهب أحمد، وعن المالكية وقتها من وقت حل النافلة إلى الزوال‏.‏
وفي رواية إلى صلاة العصر، ورجح الأول بأن المقصود إيقاع هذه العبادة قبل الانجلاء‏.‏
وقد اتفقوا على أنها لا تقضي بعد الانجلاء، فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله فيفوت المقصود، ولم أقف في شيء من الطرق مع كثرتها على أنه صلى الله عليه وسلم صلاها الأضحى لكن ذلك وقع اتفاقا ولا يدل على منع ما عدا واتفقت الطرق على أنه بادر إليها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عمرو‏)‏ هو ابن الحارث المصري، وعبد الرحمن بن القاسم هو ابن أبي بكر الصديق، ونصف رجال هذا الإسناد الأعلى مدنيون ونصفه الأدنى مصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يخسفان‏)‏ بفتح أوله ويجوز الضم، وحكى ابن الصلاح منعه، وروى ابن خزيمة والبزار من طريق نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ خسفت الشمس يوم مات إبراهيم ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فافزعوا إلى الصلاة وإلى ذكر الله وادعوا وتصدقوا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا لحياته‏)‏ استشكلت هذه الزيادة لأن السياق إنما ورد في حق من ظن أن ذلك لموت إبراهيم ولم يذكروا الحياة‏.‏
والجواب أن فائدة ذكر الحياة دفع توهم من يقول لا يلزم من نفي كونه سببا للفقد أن لا يكون سببا للإيجاد، فعمم الشارع النفي لدفع هذا التوهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن محمد‏)‏ هو المسندي، وهاشم هو أبو النضر وشيبان هو النحوي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوم مات إبراهيم‏)‏ يعني ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر جمهور أهل السير أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة، فقيل في ربيع الأول وقيل في رمضان وقيل في ذي الحجة، والأكثر على أنها وقعت في عاشر الشهر وقيل في رابع عشرة، ولا يصح شيء منها على قول ذي الحجة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذ ذاك بمكة في الحج، وقد ثبت أنه شهد وفاته وكانت بالمدينة بلا خلاف، نعم قيل إنه مات سنة تسع فإن ثبت يصح، وجزم النووي بأنها كانت سنة الحديبية، ويجاب بأنه كان يومئذ بالحديبية ورجع منها في آخر الشهر، وفيه رد على أهل الهيئة لأنهم يزعمون أنه لا يقع في الأوقات المذكورة، وقد فرض الشافعي وقوع العيد والكسوف معا‏.‏
واعترضه بعض من اعتمد على قول أهل الهيئة، وانتدب أصحاب الشافعي لدفع قول المعترض فأصابوا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا رأيتم‏)‏ أي شيئا من ذلك‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ فإذا رأيتم ذلك ‏"‏ وسيأتي من وجه آخر بعد أبواب ‏"‏ فإذا رأيتموها‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ابتدأ البخاري أبواب الكسوف بالأحاديث المطلقة في الصلاة بغير تقييد بصفة إشارة منه إلى أن ذلك يعطي أصل الامتثال، وإن كان إيقاعها على الصفة المخصوصة عنده أفضل، وبهذا قال أكثر العلماء‏.‏
ووقع لبعض الشافعية كالبندنيجي أن صلاتها ركعتين كالنافلة لا يجزئ، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:09 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n119&p1#TOP)باب الصَّدَقَةِ فِي الْكُسُوفِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة في الكسوف‏)‏ أورد فيه حديث عائشة من رواية هشام بن عروة عن أبيه ثم عنها، أورده بعد باب من رواية ابن شهاب عن عروة، ثم بعد بابين من رواية عمرة عن عائشة، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر وورد الأمر - في الأحاديث التي أوردها في الكسوف - بالصلاة والصدقة والذكر والدعاء وغير ذلك، وقد قدم منها الأهم فالأهم‏.‏
ووقع الأمر بالصدقة في رواية هشام دون غيرها فناسب أن يترجم بها، ولأن الصدقة تالية للصلاة فلذلك جعلها تلو ترجمة الصلاة في الكسوف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا ثُمَّ قَالَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى‏)‏ استدل به على أنه صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على الوضوء فلهذا لم يحتج إلى الوضوء في تلك الحال، وفيه نظر لأن في السياق حذفا سيأتي في رواية ابن شهاب ‏"‏ خسفت الشمس فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه ‏"‏ وفي رواية عمرة ‏"‏ فخسفت فرجع ضحى فمر بين الحجر ثم قام يصلي ‏"‏ وإذا ثبتت هذه الأفعال جاز أن يكون حذف أيضا فتوضأ ثم قام يصلي فلا يكون نصا في أنه كان على وضوء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأطال القيام‏)‏ في رواية ابن شهاب ‏"‏ فاقترأ قراءة طويلة ‏"‏ وفي أواخر الصلاة من وجه آخر عنه ‏"‏ فقرأ بسورة طويلة ‏"‏ وفي حديث ابن عباس بعد أربعة أبواب ‏"‏ فقرأ نحوا من سورة البقرة في الركعة الأولى ‏"‏ ونحوه لأبي داود من طريق سليمان بن يسار عن عروة وزاد فيه أنه ‏"‏ قرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحوا من آل عمران‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قام فأطال القيام‏)‏ في رواية ابن شهاب ‏"‏ ثم قال سمع الله لمن حمده ‏"‏ وزاد من وجه آخر عنه في أواخر الكسوف ‏"‏ ربنا ولك الحمد ‏"‏ واستدل به على استحباب الذكر المشروع في الاعتدال في أول القيام الثاني من الركعة الأولى، واستشكله بعض متأخري الشافعية من جهة كونه قيام قراءة لا قيام اعتدال بدليل اتفاق العلماء ممن قال بزيادة الركوع في كل ركعة على قراءة الفاتحة فيه وإن كان محمد بن مسلمة المالكي خالف فيه، والجواب أن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة فلا مدخل للقياس فيها، بل كل ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعله فيها كان مشروعا لأنها أصل برأسه، وبهذا المعنى رد الجمهور على من قاسها على صلاة النافلة حتى منع من زيادة الركوع فيها‏.‏
وقد أشار الطحاوي إلى أن قول أصحابه جرى على القياس في صلاة النوافل، لكن اعترض بأن القياس مع وجود النص يضمحل، وبأن صلاة الكسوف أشبه بصلاة العيد ونحوها مما يجمع فيه من مطلق النوافل، فامتازت صلاة الجنازة بترك الركوع والسجود، وصلاة العيدين بزيادة التكبيرات، وصلاة الخوف بزيادة الأفعال الكثيرة واستدبار القبلة، فكذلك اختصت صلاة الكسوف بزيادة الركوع، فالأخذ به جامع بين العمل بالنص والقياس بخلاف من لم يعمل به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأطال الركوع‏)‏ لم أر في شيء من الطرق بيان ما قال فيه، إلا أن العلماء اتفقوا على أنه لا قراءة فيه، وإنما فيه الذكر من تسبيح وتكبير ونحوهما، ولم يقع في هذه الرواية ذكر تطويل الاعتدال الذي يقع فيه السجود بعده، ولا تطويل الجلوس بين السجدتين، وسيأتي البحث فيه في ‏"‏ باب طول السجود ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعله في الأولى‏)‏ وقع ذلك مفسرا في رواية عمرة الآتية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم انصرف‏)‏ أي من الصلاة ‏(‏وقد تجلت الشمس‏)‏ في رواية ابن شهاب ‏"‏ انجلت الشمس قبل أن ينصرف ‏"‏ وللنسائي ‏"‏ ثم تشهد وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فخطب الناس‏)‏ فيه مشروعية الخطبة للكسوف، والعجب أن مالكا روى حديث هشام هذا وفيه التصريح بالخطبة ولم يقل به أصحابه، وسيأتي البحث فيه بعد باب‏.‏
واستدل به على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة، بخلاف ما لو انجلت قبل أن يشرع في الصلاة فإنه يسقط الصلاة والخطبة، فلو انجلت في أثناء الصلاة أتمها على الهيئة المذكورة عند من قال بها، وسيأتي ذكر دليله، وعن أصبغ‏:‏ يتمها على هيئة النوافل المعتادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحمد الله وأثنى عليه‏)‏ زاد النسائي في حديث سمرة ‏"‏ وشهد أنه عبد الله ورسوله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاذكروا الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فادعوا الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والله ما من أحد‏)‏ فيه القسم لتأكيد الخبر وإن كان السامع غير شاك فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما من أحد أغير‏)‏ بالنصب على أنه الخبر وعلى أن ‏"‏ من ‏"‏ زائدة، ويجوز فيه الرفع على لغة تميم، أو ‏"‏ أغير ‏"‏ مخفوض صفة لأحد، والخبر محذوف تقديره موجود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أغير‏)‏ أفعل تفضيل من الغيرة بفتح الغين المعجمة وهي في اللغة تغير يحصل من الحمية والأنفة، وأصلها في الزوجين والأهلين وكل ذلك محال على الله تعالى صلى الله عليه وسلم لأنه منزه عن كل تغير ونقص فيتعين حمله على المجاز، فقيل‏:‏ لما كانت ثمرة الغيرة صون الحريم ومنعهم وزجر من يقصد إليهم، أطلق عليه ذلك لكونه منع من فعل ذلك وزجر فاعله وتوعده، فهو من باب تسمية الشيء بما يترتب عليه‏.‏
وقال ابن فورك‏:‏ المعنى ما أحد أكثر زجرا عن الفواحش من الله‏.‏
وقال‏:‏ غيرة الله ما يغير من حال العاصي بانتقامه منه في الدنيا والآخرة أو في إحداهما، ومنه قوله تعالى ‏(‏إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‏)‏ وقال ابن دقيق العيد‏:‏ أهل التنزيه في مثل هذا على قولين، إما ساكت، وإما مؤول على أن المراد بالغيرة شدة المنع والحماية، فهو من مجاز الملازمة‏.‏
وقال الطيبي وغيره‏:‏ وجه اتصال هذا المعنى بما قبله من قوله ‏"‏ فاذكروا الله الخ ‏"‏ من جهة أنهم لما أمروا باستدفاع البلاء بالذكر والدعاء والصلاة والصدقة ناسب ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء، وخص منها الزنا لأنه أعظمها في ذلك‏.‏
وقيل‏:‏ لما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيرا في إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة رب الغيرة وخالقها سبحانه وتعالى‏.‏
وقوله ‏"‏يا أمة محمد ‏"‏ فيه معنى الإشفاق كما يخاطب الوالد ولده إذا أشفق عليه بقوله ‏"‏ يا بني ‏"‏ كذا قيل، وكان قضية ذلك أن يقول يا أمتي لكن لعدوله عن المضمر إلى المظهر حكمة، وكأنها بسبب كون المقام مقام تحذير وتخويف لما في الإضافة إلى الضمير من الإشعار بالتكريم، ومثله ‏"‏ يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا ‏"‏ الحديث‏.‏
وصدر صلى الله عليه وسلم كلامه باليمين لإرادة التأكيد للخبر وإن كان لا يرتاب في صدقه، ولعل تخصيص العيد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب مع الله تعالى لتنزهه عن الزوجة والأهل ممن يتعلق بهم الغيرة غالبا‏.‏
ويؤخذ من قوله ‏"‏ يا أمة محمد ‏"‏ أن الواعظ ينبغي له حال وعظه أن لا يأتي بكلام فيه تفخيم لنفسه، بل يبالغ في التواضع لأنه أقرب إلى انتفاع من يسمعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لو تعلمون ما أعلم‏)‏ أي من عظيم قدرة الله وانتقامه من أهل الإجرام، وقيل معناه لو دام علمكم كما دام علمي، لأن علمه متواصل بخلاف غيره، وقيل‏:‏ معناه لو علمتم من سعة رحمة الله وحلمه وغير ذلك ما أعلم لبكيتم على ما فاتكم من ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لضحكتم قليلا‏)‏ قيل معنى القلة هنا العدم، والتقدير لتركتم الضحك ولم يقع منكم إلا نادرا لغلبة الخوف واستيلاء الحزن‏.‏
وحكى ابن بطال عن المهلب أن سبب ذلك ما كان عليه الأنصار من محبة اللهو والغناء‏.‏
وأطال في تقرير ذلك بما لا طائل فيه ولا دليل عليه‏.‏
ومن أين له أن المخاطب بذلك الأنصار دون غيرهم‏؟‏ والقصة كانت في أواخر زمنه صلى الله عليه وسلم حيث امتلأت المدينة بأهل مكة ووفود العرب وقد بالغ الزين بن المنير في الرد عليه والتشنيع بما يستغنى عن حكايته‏.‏
وفي الحديث ترجيح التخويف في الخطبة على التوسع في الترخيص لما في ذكر الرخص من ملاءمة النفوس لما جبلت عليه من الشهوة، والطبيب الحاذق يقابل العلة بما يضادها لا بما يزيدها‏.‏
واستدل به على أن لصلاة الكسوف هيئة تخصها من التطويل الزائد على العادة في القيام وغيره، ومن زيادة ركوع في كل ركعة‏.‏
وقد وافق عائشة على رواية ذلك عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو متفق عليهما، ومثله عن أسماء بنت أبي بكر كما تقدم في صفة الصلاة، وعن جابر عند مسلم، وعن علي عند أحمد، وعن أبي هريرة عند النسائي، وعن ابن عمر عند البزار، وعن أم سفيان عند الطبراني وفي رواياتهم زيادة رواها الحفاظ الثقات فالأخذ بها أولى من إلغائها وبذلك قال جمهور أهل العلم من أهل الفتيا، وقد وردت الزيادة في ذلك من طرق أخرى فعند مسلم من وجه آخر عن عائشة، وآخر عن جابر أن في كل ركعة ثلاث ركوعات، وعنده من وجه آخر عن ابن عباس أن في كل ركعة أربع ركوعات، ولأبي داود من حديث أبي بن كعب، والبزار من حديث علي أن في كل ركعة خمس ركوعات، ولا يخلو إسناد منها عن علة وقد أوضح ذلك البيهقي وابن عبد البر، ونقل صاحب الهدى عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة، فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض، ويجمعها أن ذلك يوم مات إبراهيم عليه السلام وإذا اتحدت تعين الأخذ بالراجح، وجمع بعضهم بين هذه الأحاديث بتعدد الواقعة، وأن الكسوف وقع مرارا، فيكون كل من هذه الأوجه جائزا، وإلى ذلك نحا إسحاق لكن لم تثبت عنده الزيادة على أربع ركوعات‏.‏
وقال ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي وغيرهم من الشافعية‏:‏ يجوز العمل بجميع ما ثبت من ذلك وهو من الاختلاف المباح، وقواه النووي في شرح مسلم، وأبدى بعضهم أن حكمة الزيادة في الركوع والنقص كان بحسب سرعة الانجلاء وبطئه، فحين وقع الانجلاء في أول ركوع اقتصر على مثل النافلة، وحين أبطأ زاد ركوعا، وحين زاد في الإبطاء زاد ثالثا وهكذا إلى غاية ما ورد في ذلك‏.‏
وتعقبه النووي وغيره بأن إبطاء الانجلاء وعدمه لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى، وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء، وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه منوي من أول الحال‏.‏
وأجيب باحتمال أن يكون الاعتماد على الركعة الأولى، وأما الثانية فهي تبع لها فمهما اتفق وقوعه في الأولى بسبب بطء الانجلاء يقع مثله في الثانية ليساوي بينهما، ومن ثم قال أصبغ كما تقدم‏:‏ إذا وقع الانجلاء في أثنائها يصلي الثانية كالعادة‏.‏
وعلى هذا فيدخل المصلي فيها على نية مطلق الصلاة، ويزيد في الركوع بحسب الكسوف، ولا مانع من ذلك‏.‏
وأجاب بعض الحنفية عن زيادة الركوع بحمله على رفع الرأس لرؤية الشمس هل انجلت أم لا‏؟‏ فإذا لم يرها انجلت رجع إلى ركوعه ففعل ذلك مرة أو مرارا فظن بعض من رآه يفعل ذلك ركوعا زائدا‏.‏
وتعقب بالأحاديث الصحيحة الصريحة في أنه أطال القيام بين الركوعين ولو كان الرفع لرؤية الشمس فقط لم يحتج إلى تطويل، ولا سيما الأخبار الصريحة بأنه ذكر ذلك الاعتدال ثم شرع في القراءة فكل ذلك يرد هذا الحمل، ولو كان كما زعم هذا القائل لكان فيه إخراج لفعل الرسول عن العبادة المشروعة أو لزم منه إثبات هيئة في الصلاة لا عهد بها وهو ما فر منه‏.‏
وفي حديث عائشة من الفوائد غير ما تقدم المبادرة بالصلاة وسائر ما ذكر عند الكسوف، والزجر عن كثرة الضحك، والحث على كثرة البكاء، والتحقق بما سيصير إليه المرء من الموت والفناء والاعتبار بآيات الله‏.‏
وفيه الرد على من زعم أن للكواكب تأثيرا في الأرض لانتفاء ذلك عن الشمس والقمر فكيف بما دونهما‏.‏
وفيه تقديم الإمام في الموقف، وتعديل الصفوف، والتكبير بعد الوقوف في موضع الصلاة، وبيان ما يخشى اعتقاده على غير الصواب، واهتمام الصحابة بنقل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليقتدى به فيها‏.‏
ومن حكمة وقوع الكسوف تبيين أنموذج ما سيقع في القيامة، وصورة عقاب من لم يذنب، والتنبيه على سلوك طريق الخوف مع الرجاء لوقوع الكسوف بالكوكب ثم كشف ذلك عنه ليكون المؤمن من ربه على خوف ورجاء‏.‏
وفي الكسوف إشارة إلى تقبيح رأي من يعبد الشمس أو القمر، وحمل بعضهم الأمر في قوله تعالى ‏(‏لا تسجدوا للشمس ولا القمر واسجدوا لله الذي خلقهن‏)‏ على صلاة الكسوف لأنه الوقت الذي يناسب الإعراض عن عبادتهما لما يظهر فيهما من التغيير والنقص المنزه عنه المعبود جل وعلا سبحانه وتعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:09 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n119&p1#TOP)باب النِّدَاءِ بِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فِي الْكُسُوفِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النداء بالصلاة جامعة‏)‏ هو بالنصب فيهما على الحكاية، ونصب ‏"‏ الصلاة ‏"‏ في الأصل على الإغراء، وجامعة على الحال، أي احضروا الصلاة في حال كونها جامعة‏.‏
وقيل برفعهما على أن الصلاة مبتدأ وجامعة خبره ومعناه ذات جماعة، وقيل جامعة صفة والخبر محذوف تقديره فاحضروها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامِ بْنِ أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني إسحاق‏)‏ هو ابن منصور على رأي الجياني أو ابن راهويه على رأي أبي نعيم، ويحيى ابن صالح من شيوخ البخاري وربما أخرج عنه بواسطة كهذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الحبشي‏)‏ بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة، ووهم من ضبطه بضم أوله وسكون ثانيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني أبو سلمة عن عبد الله‏)‏ في رواية حجاج الصواف عن يحيى ‏"‏ حدثنا أبو سلمة حدثني عبد الله ‏"‏ أخرجه ابن خزيمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نودي‏)‏ كذا فيه بلفظ البناء للمفعول، وصرح الشيخان في حديث عائشة بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا فنادى بذلك‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا الحديث حجة لمن استحب ذلك، وقد اتفقوا على أنه لا يؤذن لها ولا يقام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن الصلاة‏)‏ بفتح الهمزة وتخفيف النون وهي المفسرة، وروي بتشديد النون والخبر محذوف تقديره أن الصلاة ذات جماعة حاضرة ويروى برفع جامعة على أنه الخبر‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ نودي بالصلاة جامعة ‏"‏ وفيه ما تقدم في لفظ الترجمة‏.‏
وعن بعض العلماء يجوز في الصلاة جامعة النصب فيهما، والرفع فيهما، ويجوز رفع الأول ونصب الثاني، وبالعكس‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:10 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n120&p1#TOP)باب خُطْبَةِ الْإِمَامِ فِي الْكُسُوفِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب خطبة الإمام في الكسوف‏)‏ اختلف في الخطبة فيه، فاستحبها الشافعي وإسحاق وأكثر أصحاب الحديث‏.‏
قال ابن قدامة‏:‏ لم يبلغنا عن أحمد ذلك‏.‏
وقال صاحب الهداية من الحنفية‏:‏ ليس في الكسوف خطبة لأنه لم ينقل‏.‏
وتعقب بأن الأحاديث ثبتت فيه وهي ذات كثرة‏.‏
والمشهور عند المالكية أن لا خطبة لها، مع أن مالكا روى الحديث، وفيه ذكر الخطبة‏.‏
وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد لها خطبة بخصوصها، وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس‏.‏
وتعقب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع، والخصائص لا تثبت إلا بدليل‏.‏
وقد استضعف ابن دقيق العيد التأويل المذكور وقال‏:‏ إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين، بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة، وجميع ما ذكر من سبب الكسوف وغيره هو من مقاصد خطبة الكسوف، فينبغي التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيذكر الإمام ذلك في خطبة الكسوف‏.‏
نعم نازع ابن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبتي الجمعة والعيدين، إذ ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضي ذلك، وإلى ذلك نحا ابن المنير في حاشيته ورد على من أنكر أصل الخطبة لثبوت ذلك صريحا في الأحاديث وذكر أن بعض أصحابهم احتج على ترك الخطبة بأنه لم ينقل في الحديث أنه صعد المنبر، ثم زيفه بأن المنبر ليس شرطا، ثم لا يلزم من أنه لم يذكر أنه لم يقع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة وأسماء‏:‏ خطب النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أما حديث عائشة فقد مضى قبل بباب في رواية هشام صريحا، وأورد المصنف في هذا الباب حديثها من طريق ابن شهاب وليس فيه التصريح بالخطبة، لكنه أراد أن يبين أن الحديث واحد، وأن الثناء المذكور في طريق ابن شهاب كان في الخطبة‏.‏
وأما حديث أسماء - وهي بنت أبي بكر أخت عائشة لأبيها - فسيأتي الكلام عليه بعد أحد عشر بابا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ح و حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَكَبَّرَ فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَامَ وَلَمْ يَسْجُدْ وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ أَدْنَى مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَالَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ ثُمَّ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَكَانَ يُحَدِّثُ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُحَدِّثُ يَوْمَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ إِنَّ أَخَاكَ يَوْمَ خَسَفَتْ بِالْمَدِينَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ قَالَ أَجَلْ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصف الناس‏)‏ بالرفع أي اصطفوا، يقال صف القوم إذا صاروا صفا، ويجوز النصب والفاعل محذوف والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك‏)‏ فيه إطلاق القول على الفعل، فقد ذكره من هذا الوجه في الباب الذي يليه بلفظ ‏"‏ ثم فعل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأفزعوا‏)‏ بفتح الزاي أي التجئوا وتوجهوا، وفيه إشارة إلى المبادرة إلى المأمور به، وأن الالتجاء إلى الله عند المخاوف بالدعاء والاستغفار سبب لمحو ما فرط من العصيان يرجى به زوال المخاوف وأن الذنوب سبب للبلايا والعقوبات العاجلة والآجلة، نسأل الله تعالى رحمته وعفوه وغفرانه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى الصلاة‏)‏ أي المعهودة الخاصة، وهي التي تقدم فعلها منه صلى الله عليه وسلم قبل الخطبة‏.‏
ولم يصب من استدل به على مطلق الصلاة‏.‏
ويستنبط منه أن الجماعة ليست شرطا في صحتها لأن فيه إشعارا بالمبادرة إلى الصلاة والمسارعة إليها، وانتظار الجماعة قد يؤدي إلى فواتها وإلى إخلاء بعض الوقت من الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان يحدث كثير بن عباس‏)‏ هو بتقديم الخبر على الاسم، وقد وقع في مسلم من طريق الزبيدي عن الزهري بلفظ ‏"‏ وأخبرني كثير بن العباس ‏"‏ وصرح برفعه، وأخرجه مسلم أيضا والنسائي من طريق عبد الرحمن بن نمر عن الزهري كذلك وساق المتن بلفظ ‏"‏ صلى يوم كسفت الشمس أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات ‏"‏ وطوله الإسماعيلي من هذا الوجه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لعروة‏)‏ هو مقول الزهري أيضا‏.‏قوله‏:‏ ‏(‏أن أخاك‏)‏ يعني عبد الله بن الزبير، وصرح به المصنف من وجه آخر كما سيأتي في أواخر الكسوف، وللإسماعيلي ‏"‏ فقلت لعروة والله ما فعل ذاك أخوك عبد الله بن الزبير، انخسفت الشمس وهو بالمدينة زمن أراد أن يسير إلى الشام فما صلى إلا مثل الصبح‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أجل لأنه أخطأ السنة‏)‏ في رواية ابن حبان ‏"‏ فقال أجل، كذلك صنع وأخطأ السنة ‏"‏ واستدل به على أن السنة أن يصلي صلاة الكسوف في كل ركعة ركوعان، وتعقب بأن عروة تابعي وعبد الله صحابي فالأخذ بفعله أولى، وأجيب بأن قول عروة وهو تابعي ‏"‏ السنة كذا ‏"‏ وإن قلنا إنه مرسل على الصحيح لكن قد ذكر عروة مستنده في ذلك وهو خبر عائشة المرفوع، فانتفى عنه احتمال كونه موقوفا أو منقطعا، فيرجح المرفوع على الموقوف، فلذلك حكم على صنيع أخيه بالخطأ، وهو أمر نسبي وإلا فما صنعه عبد الله يتأدى به أصل السنة وإن كان فيه تقصير بالنسبة إلى كمال السنة‏.‏
ويحتمل أن يكون عبد الله أخطأ السنة عن غير قصد لأنها لم تبلغه، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n120&p1#TOP)باب هَلْ يَقُولُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَتْ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَخَسَفَ الْقَمَرُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يقول كسفت الشمس أو خسفت‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ أتى بلفظ الاستفهام إشعارا منه بأنه لم يترجح عنده في ذلك شيء‏.‏
قلت ولعله أشار إلى ما رواه ابن عيينة عن الزهري عن عروة قال ‏"‏ لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا خسفت ‏"‏ وهذا موقوف صحيح رواه سعيد بن منصور عنه وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عنه لكن الأحاديث الصحيحة تخالفه لثبوتها بلفظ الكسوف في الشمس من طرق كثيرة، والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر واختاره ثعلب، وذكر الجوهري أنه أفصح، وقيل يتعين ذلك‏.‏
وحكى عياض عن بعضهم عكسه وغلطه لثبوته بالخاء في القمر في القرآن، وكأن هذا هو السر في استشهاد المؤلف به في الترجمة، وقيل‏:‏ يقال بهما في كل منهما وبه جاءت الأحاديث، ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف لأن الكسوف التغير إلى السواد، والخسوف النقصان أو الذل، فإذا قيل في الشمس كسفت أو خسفت لأنها تتغير ويلحقها النقص ساغ، وكذلك القمر، ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان‏.‏
وقيل بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء وقيل بالكاف لذهاب جمع الضوء وبالخاء لبعضه، وقيل بالخاء لذهاب كل لون وبالكاف لتغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الله عز وجل‏:‏ وخسف القمر‏)‏ في إيراده لهذه الآية احتمالان، أحدهما‏:‏ أن يكون أراد أن يقال خسف القمر كما جاء في القرآن ولا يقال كسف، وإذا اختص القمر بالخسوف أشعر باختصاص الشمس بالكسوف‏.‏
والثاني أن يكون أراد أن الذي يتفق للشمس كالذي يتفق للقمر، وقد سمي في القرآن بالخاء في القمر فليكن الذي للشمس كذلك‏.‏
ثم ساق المؤلف حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة بلفظ ‏"‏ خسفت الشمس ‏"‏ وهذا موافق لما قال عروة، لكن روايات غيره بلفظ ‏"‏ كسفت ‏"‏ كثيرة جدا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ فَكَبَّرَ فَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَقَامَ كَمَا هُوَ ثُمَّ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله فيه ‏(‏ثم سجد سجودا طويلا‏)‏ فيه رد على من زعم أنه لا يسن تطويل السجود في الكسوف، وسيأتي ذكره في باب مفرد‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:10 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n120&p1#TOP)باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَوِّفُ اللَّهُ عِبَادَهُ بِالْكُسُوفِ
وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يخوف الله عباده بالكسوف، قاله أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ سيأتي حديثه موصولا بعد سبعة أبواب‏.‏
ثم أورد المصنف حديث أبي بكرة من رواية حماد بن زيد عن يونس وفيه ‏"‏ ولكن يخوف الله بهما عباده ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ ولكن الله يخوف ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه في أول الكسوف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ وَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الْوَارِثِ وَشُعْبَةُ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ وَتَابَعَهُ أَشْعَثُ عَنْ الْحَسَنِ وَتَابَعَهُ مُوسَى عَنْ مُبَارَكٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم يذكر عبد الوارث وشعبة وخالد بن عبد الله وحماد بن سلمة عن يونس‏:‏ يخوف الله بهما عباده‏)‏ أما رواية عبد الوارث فأوردها المصنف بعد عشرة أبواب عن أبي معمر عنه وليس فيها ذلك، لكنه ثبت من رواية عبد الوارث من وجه آخر أخرجه النسائي عن عمران بن موسى عن عبد الوارث وذكر فيه يخوف الله بهما عباده‏.‏
وقال البيهقي‏:‏ لم يذكره أبو معمر، وذكره غيره عن عبد الوارث‏.‏
وأما رواية شعبة فوصلها المصنف في الباب المذكور وليس فيها ذلك، وأما رواية خالد بن عبد الله فسبقت في أول الكسوف، وأما رواية حماد بن سلمة فوصلها الطبراني من رواية حجاج بن منهال عنه بلفظ رواية خالد ومعناه وقال فيه ‏"‏ فإذا كسف واحد منهما فصلوا وادعوا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتابعه أشعث‏)‏ يعني ابن عبد الملك الحمراني ‏(‏عن الحسن‏)‏ يعني في حذف قوله ‏"‏ يخوف الله بهما عباده ‏"‏ وقد وصل النسائي هذه الطريق وابن حبان وغيرهما من طرق عن أشعث عن الحسن وليس فيها ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتابعه موسى عن مبارك عن الحسن قال‏:‏ أخبرني أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم يخوف الله بهما عباده‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ إن الله تعالى‏"‏‏.‏
وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي كما جزم به المزي‏.‏
وقال الدمياطي ومن تبعه‏:‏ هو ابن داود الضبي، والأول أرجح لأن ابن إسماعيل معروف في رجال البخاري دون ابن داود، ولم تقع لي هذه الرواية إلى الآن من طريق واحد منهما‏.‏
وقد أخرجه الطبراني من رواية أبي الوليد وابن حبان من رواية هدبة وقاسم بن أصبغ من رواية سليمان بن حرب كلهم عن مبارك، وساق الحديث بتمامه، إلا أن رواية هدبة ليس فيها ‏"‏ يخوف الله بهما عباده‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع قوله ‏"‏ تابعه أشعث ‏"‏ في رواية كريمة عقب متابعة موسى، والصواب تقديمه لما بيناه من خلو رواية أشعث من قوله ‏"‏ يخوف الله بهما عباده‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يخوف‏)‏ فيه رد على من يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادي لا يتأخر ولا يتقدم، إذ لو كان كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف ويصير بمنزلة الجزر والمد في البحر، وقد رد ذلك عليهم ابن العربي وغير واحد من أهل العلم بما في حديث أبي موسى الآتي حيث قال ‏"‏ فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة ‏"‏ قالوا‏:‏ فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع، ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق والصدقة والصلاة والذكر معنى، فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف، وأن كل ما ذكر من أنواع الطاعة يرجى أن يدفع به ما يخشى من أثر ذلك الكسوف‏.‏
ومما نقص ابن العربي وغيره أنهم يزعمون أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة، وإنما يحول القمر بينها وبين أهل الأرض عند اجتماعهما في العقدتين فقال‏:‏ هم يزعمون أن الشمس أضعاف القمر في الجرم، فكيف يحجب الصغير الكبير إذا قابله، أم كيف يظلم الكثير بالقليل، ولا سيما وهو من جنسه‏؟‏ وكيف تحجب الأرض نور الشمس وهي في زاوية منها لأنهم يزعمون أن الشمس أكبر من الأرض بتسعين ضعفا‏.‏
وقد وقع في حديث النعمان بن بشير وغيره للكسوف سبب آخر غير ما يزعمه أهل الهيئة وهو ما أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة والحاكم بلفظ ‏"‏ إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله، وأن الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له ‏"‏ وقد استشكل الغزالي هذه الزيادة وقال‏:‏ إنها لم تثبت فيجب تكذيب ناقلها‏.‏
قال‏:‏ ولو صحت لكان تأويلها أهون من مكابرة أمور قطعية لا تصادم أصلا من أصول الشريعة‏.‏
قال ابن بزيزة‏:‏ هذا عجب منه، كيف يسلم دعوى الفلاسفة ويزعم أنها لا تصادم الشريعة مع أنها مبنية على أن العالم كري الشكل وظاهر الشرع يعطي خلاف ذلك والثابت من قواعد الشريعة أن الكسوف أثر الإرادة القديمة وفعل الفاعل المختار، فيخلق في هذين الجرمين النور متى شاء والظلمة متى شاء من غير توقف على سبب أو ربط باقتراب‏.‏
والحديث الذي رده الغزالي قد أثبته غير واحد من أهل العلم، وهو ثابت من حيث المعنى أيضا، لأن النورية والإضاءة من عالم الجمال الحسي، فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته‏.‏
ويؤيده قوله تعالى ‏(‏قلما تجلى ربه للجبل جعله دكا‏)‏ ا ه‏.‏
ويؤيد هذا الحديث ما رويناه عن طاوس أنه نظر إلى الشمس وقد انكسفت فبكى حتى كاد أن يموت وقال‏:‏ هي أخوف لله منا‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله ‏"‏ يخوف الله بهما عباده ‏"‏ وليس بشيء صلى الله عليه وسلم لأن الله أفعالا على حسب العادة، وأفعالا خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض‏.‏
وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد، وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها‏.‏
وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب حقا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوفا لعباد الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n120&p1#TOP)باب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْكُسُوفِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف‏)‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ مناسبة التعوذ عند الكسوف أن ظلمة النهار بالكسوف تشابه ظلمة القبر وان كان نهارا، والشيء بالشيء يذكر، فيخاف من هذا كما يخاف من هذا، فيحصل الاتعاظ بهذا في التمسك بما ينجي من غائلة الآخرة‏.‏
ثم ساق المصنف حديث عائشة من رواية عمرة عنها، وإسناده كله مدنيون‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ لَهَا أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَخَسَفَتْ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحًى فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْحُجَرِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ وَانْصَرَفَ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عائذا بالله من ذلك‏)‏ قال ابن السيد‏:‏ هو منصوب على المصدر الذي يجيء على مثال فاعل كقولهم عوفي عافية‏.‏
أو على الحال المؤكدة النائبة مناب المصدر والعامل فيه محذوف كأنه قال‏:‏ أعوذ بالله عائذا، ولم يذكر الفعل لأن الحال نائبة عنه، وروي بالرفع أي أنا عائذ وكأن ذلك كان قبل أن يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على عذاب القبر كما سيأتي البحث فيه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين ظهراني‏)‏ بفتح الظاء المعجمة والنون على التثنية و ‏"‏ الحجر ‏"‏ بضم المهملة وفتح الجيم جمع حجرة بسكون الجيم قيل المراد بين ظهر الحجر والنون والياء زائدتان، وقيل بل الكلمة كلها زائدة، والمراد بالحجر بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وانصرف فقال ما شاء الله أن يقول‏)‏ تقدم بيانه في رواية عروة، وأنه خطب وأمر بالصلاة والصدقة والذكر وغير ذلك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n120&p1#TOP)باب طُولِ السُّجُودِ فِي الْكُسُوفِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب طول السجود في الكسوف‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من أنكره، واستدل بعض المالكية عل ترك إطالته بأن الذي شرع فيه التطويل شرع تكراره كالقيام والركوع ولم تشرع الزيادة في السجود فلا يشرع تطويله، وهو قياس في مقابلة النص كما سيأتي بيانه فهو فاسد الاعتبار، وأبدى بعضهم في مناسبة التطويل في القيام والركوع دون السجود أن القائم والراكع يمكنه رؤية الانجلاء بخلاف الساجد فإن الآية علوية فناسب طول القيام لها بخلاف السجود، ولأن في تطويل السجود استرخاء الأعضاء فقد يفضي إلى النوم‏.‏
وكل هذا مردود بثبوت الأحاديث الصحيحة في تطويله‏.‏
ثم أورد المصنف حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه، وقد تقدم من وجه آخر مختصرا، ووقع في رواية الكشميهني عبد الله بن عمر بضم أوله وفتح الميم بلا واو وهو وهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لَمَّا كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ فَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ جُلِّيَ عَنْ الشَّمْسِ قَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ركعتين في سجدة‏)‏ المراد بالسجدة هنا الركعة بتمامها، وبالركعتين الركوعان، وهو موافق لروايتي عائشة وابن عباس المتقدمتين في أن في كل ركعة ركوعين وسجودين، ولو ترك على ظاهره لاستلزم تثنية الركوع وإفراد السجود ولم يصر إليه أحد‏.‏
فتعين تأويله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم جلس ثم جلى عن الشمس‏)‏ أي بين جلوسه في التشهد والسلام، فتبين قوله في حديث عائشة ‏"‏ ثم انصرف وقد تجلت الشمس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال وقالت عائشة‏)‏ القائل هو ابن سلمة في نقدي، ويحتمل أن يكون عبد الله بن عمرو فيكون من رواية صحابي عن صحابية، ووهم من زعم أنه معلق فقد أخرجه مسلم وابن خزيمة وغيرهما من رواية أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو وفيه قول عائشة هذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما سجدت سجودا قط كان أطول منها‏)‏ كذا فيه‏.‏
وفي رواية غيره ‏"‏ منه ‏"‏ أي من السجود المذكور، زاد مسلم فيه ‏"‏ ولا ركعت ركوعا قط كان أطول منه‏"‏، وتقدم في رواية عروة عن عائشة بلفظ ‏"‏ ثم سجد فأطال السجود ‏"‏ وفي أوائل صفة الصلاة من حديث أسماء بنت أبي بكر مثله، وللنسائي من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بلفظ ‏"‏ ثم رفع رأسه فسجد وأطال السجود ‏"‏ ونحوه عنده عن أبي هريرة، وللشيخين من حديث أبي موسى ‏"‏ بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط ‏"‏ ولأبي داود والنسائي من حديث سمرة ‏"‏ كأطول ما سجد بنا في صلاة قط ‏"‏ وكل هذه الأحاديث ظاهرة في أن السجود في الكسوف يطول كما يطول القيام والركوع، وأبدى بعض المالكية فيه بحثا فقال‏:‏ لا يلزم من كونه أطال أن يكون بلغ به حد الإطالة في الركوع، وكأنه غفل عما رواه مسلم في حديث جابر بلفظ ‏"‏ وسجوده نحو من ركوعه ‏"‏ وهذا مذهب أحمد وإسحاق وأحد قولي الشافعي وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه واختاره ابن سريج ثم النووي، وتعقبه صاحب ‏"‏ المهذب ‏"‏ بأنه لم ينقل في خبر ولم يقل به الشافعي ا ه‏.‏
ورد عليه في الأمرين معا فإن الشافعي نص عليه في البويطي ولفظه ‏"‏ ثم يسجد سجدتين طويلتين يقيم في كل سجدة نحوا مما قام في ركوعه‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في حديث جابر الذي أشرت إليه عند مسلم تطويل الاعتدال الذي يليه السجود ولفظه ‏"‏ ثم ركع فأطال، ثم سجد ‏"‏ وقال النووي‏:‏ هي رواية شاذة مخالفة فلا يعمل بها أو المراد زيادة الطمأنينة في الاعتدال لا إطالته نحو الركوع، وتعقب بما رواه النسائي وابن خزيمة وغيرهما، من حديث عبد الله بن عمرو أيضا ففيه ‏"‏ ثم ركع فأطال حتى قيل لا يرفع، ثم رفع فأطال حتى قيل لا يسجد، ثم سجد فأطال حتى قيل لا يرفع، ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل لا يسجد، ثم سجد ‏"‏ لفظ ابن خزيمة من طريق الثوري عن عطاء بن السائب عن أبيه عنه، والثوري سمع من عطاء قبل الاختلاط فالحديث صحيح، ولم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا، وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته، فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام، وإلا فهو محجوج بهذه الرواية‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:11 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n120&p1#TOP)باب صَلَاةِ الْكُسُوفِ جَمَاعَةً وَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ وَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الكسوف جماعة‏)‏ أي وإن لم يحضر الإمام الراتب فيؤم لهم بعضهم وبه قال الجمهور وعن الثوري إن لم يحضر الإمام صلوا فرادى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى لهم ابن عباس في صفة زمزم‏)‏ وصله الشافعي وسعيد بن منصور جميعا عن سفيان ابن عيينة عن سليمان الأحول سمعت طاوسا يقول ‏"‏ كسفت الشمس فصلى بنا ابن عباس في صفة زمزم ست ركعات في أربع سجدات ‏"‏ وهذا موقوف صحيح، إلا أن ابن عيينة خولف فيه رواه ابن جريج عن سليمان فقال ‏"‏ ركعتين في كل ركعة أربع ركعات ‏"‏ أخرجه عبد الرزاق عنه، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن غندر عن ابن جريج، لكن قال ‏"‏ سجدات ‏"‏ بدل ركعات، وهو وهم من غندر‏.‏
وروى عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال ‏"‏ رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركعتين‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في صفة زمزم‏)‏ كذا للأكثر بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء وهي معروفة‏.‏
وقال الأزهري‏:‏ الصفة موضع بهو مظلل‏.‏
وفي نسخة الصغاني بضاد معجمة مفتوحة ومكسورة وهي جانب النهر ولا معنى لها هنا إلا بطريق التجوز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجمع علي بن عبد الله بن عباس‏)‏ لم أقف على أثره هذا موصولا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى ابن عمرو‏)‏ يحتمل أن يكون بقية أثر على المذكور، وقد أخرج ابن أبي شيبة معناه عن ابن عمر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ انْخَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا وَلَوْ أَصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا وَأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس‏)‏ كذا في الموطأ وفي جميع من أخرجه من طريق مالك، ووقع في رواية اللؤلؤي في سنن أبي داود ‏"‏ عن أبي هريرة ‏"‏ بدل ابن عباس وهو غلط قوله‏:‏ ‏(‏ثم سجد‏)‏ أي سجدتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول‏)‏ فيه أن الركعة الثانية أقصر من الأولى، وسيأتي ذلك في باب مفرد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالوا يا رسول الله‏)‏ في حديث جابر عند أحمد بإسناد حسن ‏"‏ فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب شيئا صنعته في الصلاة لم تكن تصنعه ‏"‏ فذكر نحو حديث ابن عباس، إلا أن في حديث جابر أن ذلك كان في الظهر أو العصر، فإن كان محفوظا فهي قصة أخرى، ولعلها القصة التي حكاها أنس وذكر أنها وقعت في صلاة الظهر، وقد تقدم سياقه في ‏"‏ باب وقت الظهر إذا زالت الشمس ‏"‏ من كتاب المواقيت، لكن فيه ‏"‏ عرضت علي الجنة والنار في عرض هذا الحائط حسب ‏"‏ وأما حديث جابر فهو شبيه بسياق ابن عباس في ذكر العنقود وذكر النساء، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأيناك تناولت‏)‏ كذا للأكثر بصيغة الماضي‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ تناول ‏"‏ بصيغة المضارع بضم اللام وبحذف إحدى التاءين وأصله تتناول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم رأيناك كعكعت‏)‏ في رواية الكشميهني تكعكعت بزيادة تاء في أوله ومعناه تأخرت، يقال كع الرجل إذا نكص على عقبيه، قال الخطابي‏:‏ أصله تكععت فاستثقلوا اجتماع ثلاث عينات فأبدلوا من إحداها حرفا مكررا‏.‏
ووقع في رواية مسلم ‏"‏ ثم رأيناك كففت ‏"‏ بفاءين خفيفتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا‏)‏ ظاهره أنها رؤية عين فمنهم من حمله على أن الحجب كشفت له دونها فرآها على حقيقتها وطويت المسافة بينهما حتى أمكنه أن يتناول منها، وهذا أشبه بظاهر هذا الخبر، ويؤيده حديث أسماء الماضي في أوائل صفة الصلاة بلفظ ‏"‏ دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطف من قطافها ‏"‏ ومنهم من حمله على أنها مثلت له في الحائط كما تنطبع الصورة في المرآة فرأى جميع ما فيها، ويؤيده حديث أنس الآتي في التوحيد ‏"‏ لقد عرضت على الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ لقد مثلت ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ لقد صورت ‏"‏ ولا يرد على هذا أن الانطباع إنما هو في الأجسام الثقيلة لأنا نقول هو شرط عادي فيجوز أن تنخرق العادة خصوصا للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذه قصة أخرى وقعت في صلاة الظهر ولا مانع أن يرى الجنة والنار مرتين بل مرارا على صور مختلفة‏.‏
وأبعد من قال‏:‏ إن المراد بالرؤية رؤية العلم‏.‏
قال القرطبي‏:‏ لا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خلقتا ووجدتا، فيرجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه صلى الله عليه وسلم إدراكا خاصا به أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولو أصبته‏)‏ في رواية مسلم ولو أخذته، واستشكل مع قوله ‏"‏ تناولت ‏"‏ وأجيب بحمل التناول على تكلف الأخذ لا حقيقة الأخذ، وقيل المراد تناولت لنفسي ولو أخذته لكم حكاه الكرماني وليس يجيد وقيل‏:‏ المراد بقوله تناولت أي وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرا على تحويله لكن لم يقدر لي قطفه، ولو أصبته أي لو تمكنت من قطفه‏.‏
ويدل عليه قوله في حديث عقبة بن عامر عند ابن خزيمة ‏"‏ أهوى بيده ليتناول شيئا ‏"‏ وللمصنف في حديث أسماء في أوائل الصلاة ‏"‏ حتى لو اجترأت عليها ‏"‏ وكأنه لم يؤذن له في ذلك فلم يجترئ عليه، وقيل الإرادة مقدرة، أي أردت أن أتناول ثم لم أفعل ويؤيده حديث جابر عند مسلم ‏"‏ ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه، ثم بدا لي أن آخذ لا أفعل ‏"‏ ومثله للمصنف من حديث عائشة كما سيأتي في آخر الصلاة بلفظ ‏"‏ حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم ‏"‏ ولعبد الرزاق من طريق مرسلة ‏"‏ أردت أن آخذ منها قطفا لأريكموه فلم يقدر ‏"‏ ولأحمد من حديث جابر ‏"‏ فحيل بيني وبينه ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ لم يأخذ العنقود لأنه من طعام الجنة وهو لا يفنى، والدنيا فانية لا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى‏.‏
وقيل لأنه لو رآه الناس لكان من إيمانهم بالشهادة لا بالغيب فيخشى أن يقع رفع التوبة فلا ينفع نفسا إيمانها‏.‏
وقيل‏:‏ لأن الجنة جزاء الأعمال، والجزاء بها لا يقع إلا في الآخرة‏.‏
وحكى ابن العربي في ‏"‏ قانون التأويل ‏"‏ عن بعض شيوخه أنه قال‏:‏ معنى قوله ‏"‏ لأكلتم منه الخ ‏"‏ أن يخلق في نفس الآكل مثل الذي أكل دائما بحيث لا يغيب عن ذوقه‏.‏
وتعقب بأنه رأى فلسفي مبني على أن دار الآخرة لا حقائق لها وإنما هي أمثال، والحق أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وإذا قطعت خلقت في الحال، فلا مانع أن يخلق الله مثل ذلك في الدنيا إذا شاء، والفرق بين الدارين في وجوب الدوام وجوازه‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ بين سعيد بن منصور في روايته من وجه آخر عن زيد بن أسلم أن التناول المذكور كان حين قيامه الثاني من الركعة الثانية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأريت النار‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ ورأيت ‏"‏ ووقع في رواية عبد الرزاق المذكورة أن رؤيته النار كانت قبل رؤيته الجنة وذلك أنه قال فيه ‏"‏ عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم النار فتأخر عن مصلاه حتى أن الناس ليركب بعضهم بعضا، وإذا رجع عرضت عليه الجنة فذهب يمشي حتى وقف في مصلاه ‏"‏ ولمسلم من حديث جابر ‏"‏ لقد جيء بالنار حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها ‏"‏ وفيه ‏"‏ ثم جيء بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه‏"‏، وفي حديث سمرة عند ابن خزيمة ‏"‏ لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقون في دنياكم وآخرتكم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع‏)‏ المراد باليوم الوقت الذي هو فيه، أي لم أر منظرا مثل منظر رأيته اليوم، فحذف المرئي وأدخل التشبيه على اليوم لبشاعة ما رأى فيه وبعده عن المنظر المألوف، وقيل‏:‏ الكاف اسم والتقدير ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرا‏.‏
ووقع في رواية المستملي والحموي ‏"‏ فلم أنظر كاليوم قط أفظع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورأيت أكثر أهلها النساء‏)‏ هذا يفسر وقت الرؤية في قوله لهن في خطبة العيد ‏"‏ تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار ‏"‏ وقد مضى ذلك في حديث أبي سعيد في كتاب الحيض، وقد تقدم في العيد الإلمام بتسمية القائل ‏"‏ أيكفرن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يكفرن بالله‏؟‏ قال يكفرن العشير‏)‏ كذا للجمهور عن مالك، وكذا أخرجه مسلم من رواية حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم، ووقع في موطأ يحيى بن يحيى الأندلسي قال ‏"‏ ويكفرن العشير ‏"‏ بزيادة واو، واتفقوا على أن زيادة الواو غلط منه، فإن كان المراد من تغليطه كونه خالف غيره من الرواة فهو كذلك، وأطاق على الشذوذ غلطا، وإن كان المراد من تغليطه فساد المعنى فليس كذلك لأن الجواب طابق السؤال وزاد، وذلك أنه أطلق لفظ النساء فعم المؤمنة منهن والكافرة، فلما قيل ‏"‏ يكفرن بالله ‏"‏ فأجاب ‏"‏ ويكفرن العشير الخ ‏"‏ وكأنه قال‏:‏ نعم يقع منهن الكفر بالله وغيره، لأن منهن من يكفر بالله ومنهن من يكفر الإحسان‏.‏
وقال ابن عبد البر وجه رواية يحيى أن يكون الجواب لم يقع على وفق سؤال السائل، لإحاطة العلم بأن من النساء يكفر بالله فلم يحتج إلى جوابه لأن المقصود في الحديث خلافه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يكفرن العشير‏)‏ قال الكرماني‏:‏ لم يعد كفر العشير بالباء كما عدى الكفر بالله لأن كفر العشير لا يتضمن معنى الاعتراف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويكفرن الإحسان‏)‏ كأنه بيان لقوله ‏"‏ يكفرن العشير ‏"‏ لأن المقصود كفر إحسان العشير لا كفر ذاته، وتقدم تفسير العشير في كتاب الإيمان، والمراد بكفر الإحسان تغطيته أو جحده، ويدل عليه آخر الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله‏)‏ بيان للتغطية المذكورة، و ‏"‏ لو ‏"‏ هنا شرطية لا امتناعية‏.‏
قال الكرماني‏:‏ ويحتمل أن تكون امتناعية بأن يكون الحكم ثابتا على النقيضين والطرف المسكوت عنه أولى من المذكور، والدهر منصوب على الظرفية، والمراد منه مدة عمر الرجل أو الزمان كله مبالغة في كفرانهن، وليس المراد بقوله ‏"‏ أحسنت ‏"‏ مخاطبة رجل بعينه، بل كل من يتأتى منه أن يكون مخاطبا، فهو خاص لفظا عام معنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شيئا‏)‏ التنوين فيه للتقليل أي شيئا قليلا لا يوافق غرضها من أي نوع كان، ووقع في حديث جابر ما يدل على أن المرئي في النار من النساء من اتصف بصفات ذميمة ذكرت ولفظه ‏"‏ وأكثر من رأيت فيها من النساء اللاتي إن ائتمن أفشين، وإن سئلن بخلن، وإن سألن ألحفن، وإن أعطين لم يشكرن ‏"‏ الحديث وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم المبادرة إلى الطاعة عند رؤية ما يحذر منه واستدفاع البلاء بذكر الله وأنواع طاعته، ومعجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه من نصح أمته، وتعليمهم ما ينفعهم وتحذيرهم مما يضرهم، ومراجعة المتعلم للعالم فيما لا يدركه فهمه، وجواز الاستفهام عن علة الحكم، وبيان العالم ما يحتاج إليه تلميذه، وتحريم كفران الحقوق‏.‏
ووجوب شكر المنعم‏.‏
وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم، وجواز إطلاق الكفر على ما لا يخرج من الملة‏.‏
وتعذيب أهل التوحيد على المعاصي، وجواز العمل في الصلاة إذا لم يكثر‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:12 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n120&p1#TOP)باب صَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْكُسُوفِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك وقال‏:‏ يصلين فرادى، وهو منقول عن الثوري وبعض الكوفيين‏.‏
وفي المدونة‏:‏ تصلي المرأة في بيتها وتخرج المتجالة‏.‏
وعن الشافعي يخرج الجميع إلا من كانت بارعة الجمال‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ روي عن مالك أن الكسوف إنما يخاطب به من يخاطب بالجمعة، والمشهور عنه خلاف ذلك وهو إلحاق المصلي في حقهن بحكم المسجد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا قَالَتْ أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي فَقُلْتُ مَا لِلنَّاسِ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ فَقُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ أَيْ نَعَمْ قَالَتْ فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا فَيُقَالُ لَهُ نَمْ صَالِحًا فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أسماء بنت أبي بكر‏)‏ هي جدة فاطمة وهشام لأبويهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأشارت أي نعم‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ أن نعم ‏"‏ بنون بدل التحتانية، وقد تقدمت فوائده في ‏"‏ باب من أجاب الفتيا بالإشارة ‏"‏ من كتاب العلم وفي ‏"‏ باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل ‏"‏ من كتاب الطهارة، ويأتي الكلام على ما يتعلق بالقبر في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ استدل به ابن بطال على جواز خروج النساء إلى المسجد لصلاة الكسوف، وفيه نظر لأن أسماء إنما صلت في حجرة عائشة، لكن يمكنه أن يتمسك بما ورد في بعض طرقه أن نساء غير أسماء كن بعيدات عنها، فعلى هذا فقد كن في مؤخر المسجد كما جرت عادتهن في سائر الصلوات‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n120&p1#TOP)باب مَنْ أَحَبَّ الْعَتَاقَةَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أحب العتاقة‏)‏ بفتح العين المهملة ‏(‏في كسوف الشمس‏)‏ قيده اتباعا للسبب الذي ورد فيه، لأن أسماء إنما روت قصة كسوف الشمس - وهذا طرف منه - إما أن يكون هشام حدث به هكذا فسمعه منه زائدة، أو يكون زائدة اختصره، والأول أرجح فسيأتي في كتاب العتق من طريق عثام ابن علي عن هشام بلفظ ‏"‏ كنا نؤمر عند الخسوف بالعتاقة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا رَبِيعُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ لَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقد أمر‏)‏ في رواية معاوية بن عمرو عن زائدة عند الإسماعيلي ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n120&p1#TOP)باب صَلَاةِ الْكُسُوفِ فِي الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الكسوف في المسجد‏)‏ أورد فيه حديث عائشة من رواية عمرة عنها وقد تقدم قبل أربعة أبواب من هذا الوجه، ولم يقع فيه التصريح بكونها في المسجد، لكنه يؤخذ من قولها فيه ‏"‏ فمر بين ظهراني الحجر ‏"‏ لأن الحجر بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لاصقة بالمسجد، وقد وقع التصريح بذلك في رواية سليمان بن بلال عن يحيى سعيد عن عمرة عند مسلم ولفظه ‏"‏ فخرجت في نسوة بين ظهراني الحجر في المسجد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم من مركبه حتى أتى إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه ‏"‏ الحديث، والمركب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه بسبب موت ابنه إبراهيم كما تقدم في الباب الأول، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد ولم يصلها ظاهرا، وصح أن السنة في صلاة الكسوف أن تصلى في المسجد، ولولا ذلك لكانت صلاتها في الصحراء أجدر برؤية الانجلاء، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n120&p1#TOP)باب لَا تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ
رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ وَالْمُغِيرَةُ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته‏)‏ تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في الباب الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه أبو بكرة والمغيرة‏)‏ تقدم حديثهما فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأبو موسى‏)‏ سيأتي حديثه في الباب الذي يليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وابن عباس‏)‏ تقدم حديثه قبل ثلاثة أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وابن عمر‏)‏ تقدم حديثه في الباب الأول، وقد ذكر المصنف في الباب أيضا حديث أبي مسعود وفيه ذلك، وقد تقدم في الباب الأول أيضا من وجه آخر، وكذا حديث عائشة، وفي الباب مما لم يذكره عن جابر عند مسلم وعن عبد الله بن عمرو والنعمان بن بشير وقبيصة وأبي هريرة كلها عند النسائي وغيره، وعن ابن مسعود وسمرة بن جندب ومحمود بن لبيد كلها عند أحمد وغيره، وعن عقبة بن عامر وبلال عند الطبراني وغيره، فهذه عدة طرق غالبها على شرط الصحة، وهي تفيد القطع عند من اطلع عليها من أهل الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال، فيحب تكذيب من زعم أن الكسوف علامة على موت أحد أو حياة أحد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ وَهِيَ دُونَ قِرَاءَتِهِ الْأُولَى ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ دُونَ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُرِيهِمَا عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏معمر عن الزهري وهشام‏)‏ ساقه على لفظ الزهري، وقد تقدمت رواية هشام مفردة في الباب الثاني، وتقدم الكلام عليه هناك‏.‏
وبين عبد الرزاق عن معمر أن في رواية هشام من الزيادة ‏"‏ فتصدقوا ‏"‏ وقد تقدم ذلك أيضا‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:13 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n121&p1#TOP)باب الذِّكْرِ فِي الْكُسُوفِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الذكر في الكسوف رواه ابن عباس‏)‏ أي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم حديثه بلفظ ‏"‏ فاذكروا الله‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ وَقَالَ هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا‏)‏ بكسر الزاي صفة مشبهة، ويجوز الفتح على أنه مصدر بمعنى الصفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يخشى أن تكون الساعة‏)‏ بالضم على أن كان تامة أي يخشى أن تحضر الساعة، أو ناقصة والساعة اسمها والخبر محذوف، أو العكس‏.‏
قيل وفيه جواز الإخبار بما يوجبه الظن من شاهد الحال، لأن سبب الفزع يخفى عن المشاهد لصورة الفزع فيحتمل أن يكون الفزع لغير ما ذكر، فعلى هذا فيشكل هذا الحديث من حيث أن للساعة مقدمات كثيرة لم تكن وقعت كفتح البلاد واستخلاف الخلفاء وخروج الخوارج‏.‏
ثم الأشراط كطلوع الشمس من مغربها والدابة والدجال والدخان وغير ذلك‏.‏
ويجاب عن هذا باحتمال أن تكون قصة الكسوف وقعت قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العلامات، أو لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات، أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك وكانت لغيره كعقوبة تحدث كما كان يخشى عند هبوب الريح‏.‏
هذا حاصل ما ذكره النووي تبعا لغيره، وزاد بعضهم أن المراد بالساعة غير يوم القيامة، أي الساعة التي جعلت علامة على أمر من الأمور، كموته صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك، وفي الأول نظر لأن قصة الكسوف متأخرة جدا، فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في العاشرة كما اتفق عليه أهل الأخبار، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك‏.‏
وأما الثالث فتحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلا بتوقيف‏.‏
وأما الرابع فلا يخفى بعده‏.‏
وأقربها الثاني فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطلوع المذكور أشياء مما ذكر وتقع متتالية بعضها إثر بعض مع استحضار قوله تعالى ‏(‏وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب‏)‏ ، ثم ظهر لي أنه يحتمل أن يخرج على مسألة دخول النسخ في الأخبار فإذا قيل بجواز ذلك زال الإشكال‏.‏
وقيل لعله قدر وقوع الممكن لولا ما أعلمه الله تعالى بأنه لا يقع قبل الأشراط تعظيما منه لأمر الكسوف ليتبين لمن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط أو أكثرها‏.‏
وقيل لعل حالة استحضار إمكان القدرة غلبت على استحضار ما تقدم من الشروط لاحتمال أن تكون تلك الأشراط كانت مشروطة بشرط لم يتقدم ذكره فيقع المخوف بغير أشراط لفقد الشرط، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هذه الآيات التي يرسل الله‏)‏ ثم قال ‏(‏ولكن يخوف الله بها عباده‏)‏ موافق لقوله تعالى ‏(‏وما نرسل بالآيات إلا تخويفا‏)‏ وموافق لما تقدم تقريره في الباب الأول، واستدل بذلك على أن الأمر بالمبادرة إلى الذكر والدعاء والاستغفار وغير ذلك لا يختص بالكسوفين لأن الآيات أعم من ذلك، وقد تقدم القول في ذلك في أواخر الاستسقاء‏.‏
ولم يقع في هذه الرواية ذكر الصلاة، فلا حجة فيه لمن استحبها عند كل آية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى ذكر الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إلى ذكره ‏"‏ والضمير يعود على الله في قوله ‏"‏ يخوف الله بها عباده‏"‏، وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه مما يدفع به البلاء‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n121&p1#TOP)باب الدُّعَاءِ فِي الْخُسُوفِ
قَالَهُ أَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء في الكسوف‏)‏ في رواية كريمة وأبي الوقت ‏"‏ في الخسوف‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قاله أبو موسى وعائشة‏)‏ يشير إلى حديث أبي موسى الذي قبله، وأما حديث عائشة فوقع الأمر فيه بالدعاء من طريق هشام عن أبيه وهو في الباب الثاني، وورد الأمر بالدعاء أيضا من حديث أبي بكرة وغيره، ومنهم من حمل الذكر والدعاء على الصلاة لكونهما من أجزائها، والأول أولى لأنه جمع بينهما في حديث أبي بكرة حيث قال ‏"‏ فصلوا وادعوا‏"‏، ووقع في حديث ابن عباس عند سعيد ابن منصور ‏"‏ فاذكروا الله وكبروه وسبحوه وهللوه ‏"‏ وهو من عطف الخاص على العام، وقد تقدم الكلام على حديث المغيرة في الباب الأول‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n121&p1#TOP)باب قَوْلِ الْإِمَامِ فِي خُطْبَةِ الْكُسُوفِ أَمَّا بَعْدُ
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الإمام في خطبة الكسوف‏:‏ أما بعد‏)‏ ذكر فيه حديث أسماء مختصرا معلقا فقال ‏"‏ وقال أبو أسامة‏"‏، وقد تقدم مطولا من هذا الوجه في كتاب الجمعة، ووقع فيه هنا في رواية أبي علي ابن السكن وهم نبه عليه أبي علي الجياني وذلك أنه أدخل - بين هشام وفاطمة بنت المنذر - عروة بن الزبير والصواب حذفه‏.‏
قلت‏:‏ لعله كان عنده ‏"‏ هشام بن عروة بن الزبير ‏"‏ فتصحفت ‏"‏ ابن ‏"‏ فصارت ‏"‏ عن ‏"‏ وذلك من الناسخ، وإلا فابن السكن من الحفاظ الكبار‏.‏
وفيه تأييد لمن استحب لصلاة الكسوف خطبة كما تقدم في بابه‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:13 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n121&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في كسوف القمر‏)‏ أورد فيه حديث أبي بكرة من وجهين مختصرا ومطولا، واعترض عليه بأن المختصر ليس فيه ذكر القمر لا بالتنصيص ولا بالاحتمال، والجواب أنه أراد أن يبين أن المختصر بعض الحديث المطول، وأما المطول فيؤخذ المقصود من قوله ‏"‏ وإذا كان ذلك فصلوا ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ أن الشمس والقمر ‏"‏ وقد وقع في بعض طرقه ما هو أصرح من ذلك، فعند ابن حبان من طريق نوح بن قيس عن يونس بن عبيد في هذا الحديث ‏"‏ فإذا رأيتم شيئا من ذلك ‏"‏ وعنده في حديث عبد الله ابن عمرو ‏"‏ فإذا انكسف أحدهما ‏"‏ وقد تقدم حديث أبي مسعود بلفظ ‏"‏ كسوف أيهما انكسف ‏"‏ وفي ذلك رد على من قال لا تندب الجماعة في كسوف القمر، وفرق بوجود المشقة في الليل غالبا دون النهار ووقع عند ابن حبان من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف القمر ولفظه من طريق النضر بن شميل عن أشعث بإسناده في هذا الحديث ‏"‏ صلى في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم‏"‏، وأخرجه الدار قطني أيضا، وفي هذا رد على من أطلق كابن رشيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه، ومنهم من أول قوله ‏"‏ صلى ‏"‏ أي أمر بالصلاة، جمعا بين الروايتين‏.‏
وقال صاحب الهدى‏:‏ لم ينقل أنه صلى في كسوف القمر في جماعة، لكن حكى ابن حبان في السيرة له ‏"‏ أن القمر خسف في السنة الخامسة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الكسوف وكانت أول صلاة كسوف في الإسلام‏"‏، وهذا إن ثبت انتفى التأويل المذكور، وقد جزم به مغلطاي في سيرته المختصرة وتبعه شيخنا في نظمها‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ حكى ابن التين أنه وقع في رواية الأصيلي في حديث أبي بكرة هذا ‏"‏ انكسف القمر ‏"‏ بدل الشمس، وهذا تغيير لا معنى له، وكأنه عسرت عليه مطابقة الحديث للترجمة فظن أن لفظه مغير فغيره هو إلى ما ظنه صوابا وليس كذلك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n121&p1#TOP)باب الرَّكْعَةُ الْأُولَى فِي الْكُسُوفِ أَطْوَلُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الركعة الأولى في الكسوف أطول‏)‏ كذا وقع هنا للحموي وللكشميهني، ووقع بدله للمستملي ‏"‏ باب صب المرأة على رأسها الماء إذا أطال الإمام القيام في الركعة الأولى ‏"‏ قال ابن رشيد وقع في هذا الموضع تخليط من الرواة، وحديث عائشة المذكور مطابق للترجمة الأولى قطعا، وأما الثانية فحقها أن تذكر في موضع آخر، وكأن المصنف ترجم بها وأخلى بياضا ليذكر لها حديثا أو طريقا كما جرت عادته فلم يحصل غرضه فضم بعض الكتابة إلى بعض فنشأ هذا، والأليق بها حديث أسماء المذكور قبل سبعة أبواب فهو نص فيه‏.‏
انتهى‏.‏
ويؤيد ما ذكره ما وقع في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري فإنه ذكر ‏"‏ باب صب المرأة ‏"‏ أولا وقال في الحاشية‏:‏ ليس فيه حديث، ثم ذكر ‏"‏ باب الركعة الأولى أطول ‏"‏ وأورد فيه حديث عائشة، وكذا صنع الإسماعيلي في مستخرجه‏.‏
فعلى هذا فالذي وقع من صنيع شيوخ أبي ذر من اقتصار بعضهم على إحدى الترجمتين ليس بجيد، أما من اقتصر على الأولى وهو المستملي فخطأ محض، إذ لا تعلق لها بحديث عائشة، وأما الآخران فمن حيث أنهما حذفا الترجمة أصلا، وكأنهما استشكلاها فحذفاها، ولهذا حذفت من رواية كريمة أيضا عن الكشميهني، وكذا من رواية الأكثر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي سَجْدَتَيْنِ الْأَوَّلُ الْأَوَّلُ أَطْوَلُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو أحمد‏)‏ هو الزبيري، وسفيان هو الثوري، وهذا المتن طرف من الحديث الطويل الماضي في ‏"‏ باب صلاة الكسوف في المسجد ‏"‏ وكأنه مختصر منه بالمعنى فإنه قال فيه ‏"‏ ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ‏"‏ وقال في هذا ‏"‏ أربع ركعات في سجدتين الأولى أطول ‏"‏ وقد رواه الإسماعيلي بلفظ ‏"‏ الأولى فالأولى أطول ‏"‏ وفيه دليل لمن قال‏:‏ إن القيام الأول من الركعة الثانية يكون دون القيام الثاني من الركعة الأولى، وقد قال ابن بطال‏:‏ إنه لا خلاف أن الركعة الأولى بقيامها وركوعيها تكون أطول من الركعة الثانية بقيامها وركوعيها‏.‏
وقال النووي‏:‏ اتفقوا على أن القيام الثاني وركوعه فيهما أقصر من القيام الأول وركوعه فيهما، واختلفوا في القيام الأول من الثانية وركوعه هل هما أقصر من القيام الثاني من الأولى وركوعه أو يكونان سواء‏؟‏ قيل‏:‏ وسبب هذا الخلاف فهم معنى قوله ‏"‏ وهو دون القيام الأول ‏"‏ هل المراد به الأول من الثانية أو يرجع إلى الجميع فيكون كل قيام دون الذي قبله‏.‏
ورواية الإسماعيلي تعين هذا الثاني، ويرجحه أيضا أنه لو كان المراد من قوله ‏"‏ القيام الأول ‏"‏ أول قيام من الأولى فقط لكان القيام الثاني والثالث مسكوتا عن مقدارهما، فالأول أكثر فائدة، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n121&p1#TOP)باب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْكُسُوفِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجهر بالقراءة في الكسوف‏)‏ أي سواء كان للشمس أو القمر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ فَرَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ مُنَادِيًا بُ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ مِثْلَهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَقُلْتُ مَا صَنَعَ أَخُوكَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَا صَلَّى إِلَّا رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ إِذْ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَجَلْ إِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ تَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الْجَهْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا ابن نمر‏)‏ بفتح النون وكسر الميم، اسمه عبد الرحمن، وهو دمشقي وثقه دحيم والذهلي وابن البرقي وآخرون، وضعفه ابن معين لأنه لم يرو عنه غير الوليد وليس له في الصحيحين غير هذا الحديث، وقد تابعه عليه الأوزاعي وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته‏)‏ استدل به على الجهر فيها بالنهار، وحمله جماعة ممن لم ير بذلك على كسوف القمر، وليس بجيد لأن الإسماعيلي روى هذا الحديث من وجه آخر عن الوليد بلفظ ‏"‏ كسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر الحديث، وكذا رواية الأوزاعي التي بعده صريحة في الشمس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الأوزاعي وغيره سمعت الزهري الخ‏)‏ وصله مسلم عن محمد بن مهران عن الوليد ابن مسلم حدثنا الأوزاعي وغيره فذكره، وأعاد الإسناد إلى الوليد قال‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن بن نمر فذكره، وزاد فيه مسلم طريق كثير بن عباس عن أخيه ولم يذكر قصة عبد الله بن الزبير، واستدل بعضهم على ضعف رواية عبد الرحمن بن نمر في الجهر بأن الأوزاعي لم يذكره في روايته الجهر، وهذا ضعيف لأن من ذكر حجة على من لم يذكر، لا سيما والذي لم يذكره لم يتعرض لنفيه، وقد ثبت الجهر في رواية الأوزاعي عند أبي داود والحاكم من طريق الوليد بن مزيد عنه، ووافقه سليمان بن كثير وغيره كما ترى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أجل‏)‏ أي نعم وزنا ومعنى‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ من أجل ‏"‏ بسكون الجيم، وعلى الأول فقوله ‏"‏ أنه أخطأ ‏"‏ بكسر همزة إنه وعلى الثاني بفتحها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه سليمان بن كثير وسفيان بن حسين عن الزهري في الجهر‏)‏ يعني بإسناده المذكور، ورواية سليمان وصلها أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عنه بلفظ ‏"‏ خسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكبر ثم كبر الناس ثم قرأ فجهر بالقراءة ‏"‏ الحديث، ورويناه في مسند أبي داود الطيالسي عن سليمان بن كثير بهذا الإسناد مختصرا ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف ‏"‏ وأما رواية سفيان بن حسين فوصلها الترمذي والطحاوي بلفظ ‏"‏ صلى صلاة الكسوف وجهر بالقراءة فيها ‏"‏ وقد تابعهم على ذكر الجهر عن الزهري عقيل عند الطحاوي وإسحاق ابن راشد عند الدار قطني، وهذه طرق يعضد بعضها بعضا يفيد مجموعها الجزم بذلك فلا معنى لتعليل من أعله بتضعيف سفيان بن حسين وغيره، فلو لم يرد في ذلك إلا رواية الأوزاعي لكانت كافية، وقد ورد الجهر فيها عن على مرفوعا وموقوفا أخرجه ابن خزيمة وغيره‏.‏
وقال به صاحبا أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهما من محدثي الشافعية وابن العربي من المالكية‏.‏
وقال الطبري‏:‏ يخير بين الجهر والإسرار‏.‏
وقال الأئمة الثلاثة‏:‏ يسر في الشمس ويجهر في القمر، واحتج الشافعي بقول ابن عباس ‏"‏ قرأ نحوا من سورة البقرة ‏"‏ لأنه لو جهر لم يحتج إلى تقدير، وتعقب باحتمال أن يكون بعيدا منه، لكن ذكر الشافعي تعليقا عن ابن عباس أنه صلى بجنب النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف فلم يسمع منه حرفا، ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها واهية، وعلى تقدير صحتها فمثبت الجهر معه قدر زائدة فالأخذ به أولى، وإن ثبت العدد فيكون فعل ذلك لبيان الجواز، وهكذا الجواب عن حديث سمرة عند ابن خزيمة والترمذي ‏"‏ لم يسمع له صوتا ‏"‏ وأنه إن ثبت لا يدل على نفي الجهر، قال ابن العربي‏:‏ الجهر عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادي لها ويخطب فأشبهت العيد والاستسقاء، والله أعلم‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب الكسوف على أربعين حديثا نصفها موصول ونصفها معلق، المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون، والخالص ثمانية‏.‏
وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي بكرة، وحديث أسماء في العتاقة، ورواية عمرة عن عائشة الأولى أطول لكنه أخرج أصله‏.‏
وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة آثار فيها أثر عبد الله بن الزبير، وفيها أثر عروة في تخطئته، وهما موصولان‏.‏
الحديث‏:‏
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ سُجُودِ الْقُرْآنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبواب سجود القرآن‏)‏ كذا للمستملي، ولغيره ‏"‏ باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها ‏"‏ أي سنة سجود التلاوة، وللأصيلي ‏"‏ وسنته‏"‏‏.‏
وسيأتي ذكر من قال بوجوبها في آخر الأبواب‏.‏
وسقطت البسملة لأبي ذر‏.‏
وقد أجمع العلماء على أنه يسجد وفي عشرة مواضع وهي متوالية إلا ثانية الحج و ‏"‏ص‏"‏، وأضاف مالك ‏"‏ص‏"‏ فقط، والشافعي في القديم ثانية الحج فقط، وفي الجديد هي وما في المفصل وهو قول عطاء، وعن أحمد مثله في رواية، وفي أخرى مشهورة زيادة ‏"‏ص‏"‏ وهو قول الليث وإسحاق وابن وهب وابن حبيب من المالكية وابن المنذر وابن سريج من الشافعية، وعن أبي حنيفة مثله لكن نفي ثانية الحج وهو قول داود، ووراء ذلك أقوال أخرى منها عن عطاء الخراساني الجميع إلا ثانية الحج والانشقاق، وقيل بإسقاطهما وإسقاط ‏"‏ص‏"‏ أيضا، وقيل الجميع مشروع ولكن العزائم الأعراف وسبحان وثلاث المفصل روي عن ابن مسعود، وعن ابن عباس الم تنزيل وحم تنزيل والنجم واقرأ، وعن سعيد بن جبير مثله بإسقاط اقرأ، وعن عبيد بن عمير مثله لكن بإسقاط النجم وإثبات الأعراف وسبحان، وعن علي ما ورد الأمر فيه بالسجود عزيمة، وقيل يشرع السجود عند كل لفظ وقع فيه الأمر بالسجود أو الحث عليه والثناء على فاعله أو سيق مساق المدح وهذا يبلغ عددا كثيرا وقد أشار إليه أبو محمد بن الخشاب في قصيدته الإلغازية‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:14 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n121&p1#TOP)مَا جَاءَ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ وَسُنَّتِهَا الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْأَسْوَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ يَكْفِينِي هَذَا فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت الأسود‏)‏ هو ابن يزيد، وعبد الله هو ابن مسعود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسجد من معه غير شيخ‏)‏ سماه في تفسير سورة النجم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق‏:‏ أمية بن خلف، ووقع في سيرة ابن إسحاق أنه الوليد بن المغيرة، وفيه نظر لأنه لم يقتل، وفي تفسير سنيد‏:‏ الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة بالشك وفيه نظر لما أخرجه الطبراني من حديث مخرمة بن نوفل قال ‏"‏ لما أظهر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام أسلم أهل مكة حتى إنه كان ليقرأ السجدة فيسجدون فلا يقدر بعضهم أن يسجد من الزحام، حتى قدم رؤساء قريش الوليد بن المغيرة وأبو جهل، وغيرهما وكانوا بالطائف فرجعوا وقالوا‏:‏ تدعون دين آبائكم ‏"‏ لكن في ثبوت هذا نظر، لقول أبي سفيان في الحديث الطويل‏:‏ ‏"‏ إنه لم يرتد أحد ممن أسلم ‏"‏ ويمكن أن يجمع بأن النفي مقيد بمن ارتد سخطا لا بسبب مراعاة خاطر رؤسائه‏.‏
وروى الطبري من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير أن الذي رفع التراب فسجد عليه هو سعيد بن العاص ابن أمية أبو أحيحة وتبعه النحاس، وذكر أبو حيان شيخ شيوخنا في تفسيره أنه أبو لهب ولم يذكر مستنده، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن أبي هريرة ‏"‏ سجدوا في النجم إلا رجلين من قريش أرادا بذلك الشهرة‏"‏‏.‏
وللنسائي من حديث المطلب بن أبي وداعة قال ‏"‏ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم، فسجد وسجد من معه، فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد ‏"‏ ولم يكن المطلب يومئذ أسلم‏.‏
ومهما ثبت من ذلك فلعل ابن مسعود لم يره أو خص واحدا بذكره لاختصاصه بأخذ الكف من التراب دون غيره‏.‏
وأفاد المصنف في رواية إسرائيل أن النجم أول سورة أنزلت فيها سجدة، وهذا هو السر في بداءة المصنف في هذه الأبواب بهذا الحديث، واستشكل بأن ‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ أول السور نزولا وفيها أيضا سجدة فهي سابقة على النجم، وأجيب بأن السابق من اقرأ أوائلها، وأما بقيتها فنزل بعد ذلك‏.‏
بدليل قصة أبي جهل في نهيه للنبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، أو الأولية مقيدة بشيء محذوف بينته رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عند ابن مردويه بلفظ ‏"‏ أن أول سورة استعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم ‏"‏ وله من رواية عبد الكبير صلى الله عليه وسلم بن دينار عن أبي إسحاق ‏"‏ أول سورة تلاها على المشركين ‏"‏ فذكره، فيجمع بين الروايات الثلاث بأن المراد أول سورة فيها سجدة تلاها جهرا على المشركين‏.‏
وسيأتي بقية الكلام عليه في تفسير سورة النجم إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n121&p1#TOP)باب سَجْدَةِ تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سجدة تنزيل السجدة‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ اجمعوا على السجود فيها، وإنما اختلفوا في السجود بها في الصلاة‏.‏
انتهى‏.‏
وقد تقدم الكلام على ذلك وعلى حديث أبي هريرة المذكور في الباب في كتاب الجمعة مستوفى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n121&p1#TOP)باب سَجْدَةِ ‏"‏ص‏"‏
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سجدة ‏"‏ص‏"‏‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس ‏"‏ ص ليس من عزائم السجود ‏"‏ يعني السجود في ‏"‏ص‏"‏ إلى آخره، والمراد بالعزائم ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلا بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب، وقد روى ابن المنذر وغيره عن علي بن أبي طالب بإسناد حسن‏:‏ أن العزائم حم والنجم واقرأ والم تنزيل‏.‏
وكذا ثبت عن ابن عباس في الثلاثة الأخر، وقيل‏:‏ الأعراف وسبحان وحم والم، أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ ‏"‏ص‏"‏ لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِيهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها‏)‏ وقع في تفسير ‏"‏ص‏"‏ عند المصنف من طريق مجاهد قال ‏"‏ سألت ابن عباس من أين سجدت في ص‏؟‏ ‏"‏ ولابن خزيمة من هذا الوجه ‏"‏ من أين أخذت سجدة ص ‏"‏ ثم اتفقا فقال ‏(‏ومن ذريته داود وسليمان‏)‏ إلى قوله‏:‏ ‏(‏فبهداهم اقتده‏)‏ ففي هذا أنه استنبط مشروعية السجود فيها من الآية، وفي الأول أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يكون استفاده من الطريقين‏.‏
وقد وقع في أحاديث الأنبياء من طريق مجاهد في آخره ‏"‏ فقال ابن عباس‏:‏ نبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم ‏"‏ فاستنبط وجه سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها من الآية، وسبب ذلك كون السجدة التي في ‏"‏ص‏"‏ إنما وردت بلفظ الركوع فلولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدة‏.‏
وفي النسائي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا ‏"‏ سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرا ‏"‏ فاستدل الشافعي بقوله ‏"‏ شكرا ‏"‏ على أنه لا يسجد فيها في الصلاة لأن سجود الشاكر لا يشرع داخل الصلاة‏.‏
ولأبي داود وابن خزيمة والحاكم من حديث أبي سعيد ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ وهو على المنبر ‏"‏ص‏"‏، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، ثم قرأها في يوم آخر فتهيأ الناس للسجود فقال‏:‏ ‏"‏ إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تهيأتم فنزل وسجد وسجدوا معه ‏"‏ فهذا السياق يشعر بأن السجود فيها لم يؤكد كما أكد في غيرها، واستدل بعض الحنفية من مشروعية السجود عند قوله‏:‏ ‏(‏وخر راكعا وأناب‏)‏ بأن الركوع عندها ينوب عن السجود، فإن شاء المصلي ركع بها وإن شاء سجد، ثم طرده في جميع سجدات التلاوة، وبه قال ابن مسعود‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n121&p1#TOP)باب سَجْدَةِ النَّجْمِ
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سجدة النجم قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يأتي موصولا في الذي يليه‏.‏
والكلام على حديث ابن مسعود يأتي في التفسير إن شاء الله تعالى‏.‏
واستدل به على أن من وضع جبهته على كفه ونحوه لا يعد ساجدا حتى يضعها بالأرض، وفيه نظر‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n121&p1#TOP)باب سُجُودِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكُ نَجَسٌ لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سجود المسلمين مع المشركين، والمشرك نجس ليس له وضوء‏)‏ قال ابن التين‏:‏ روينا قوله ‏"‏ نجس بفتح النون والجيم ويجوز كسرها‏.‏
وقال الفراء تسكن الجيم إذا ذكرت اتباعا في قولهم‏:‏ رجس نجس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية الأصيلي بحذف ‏"‏ غير‏"‏‏.‏
والأول أولى، فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عبيد بن الحسن عن رجل زعم أنه كنفسه عن سعيد بن جبير قال ‏"‏ كان ابن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء ثم يركب فيقرأ السجدة فيسجد وما يتوضأ ‏"‏ وأما ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن الليث عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر ‏"‏ فيجمع بينهما بأنه أراد بقوله طاهر الطهارة الكبرى، أو الثاني على حالة الاختيار والأول على الضرورة‏.‏
وقد اعترض ابن بطال على هذه الترجمة فقال‏:‏ إن أراد البخاري الاحتجاج لابن عمر بسجود المشركين فلا حجة فيه لأن سجودهم لم يكن على وجه العبادة، وإنما كان لما ألقى الشيطان إلى آخر كلامه، قال‏:‏ وإن أراد الرد على ابن عمر بقوله ‏"‏ والمشرك نجس ‏"‏ فهو أشبه بالصواب‏.‏
وأجاب ابن رشيد بأن مقصود البخاري تأكيد مشروعية السجود، لأن المشرك قد أقر على السجود، وسمى الصحابي فعله سجودا مع عدم أهليته، فالمتأهل لذلك أحرى بأن يسجد على كل حالة‏.‏
ويؤيده أن في حديث ابن مسعود أن الذي ما سجد عوقب بأن قتل كافرا فلعل جميع من وفق للسجود يومئذ ختم له بالحسنى فأسلم لبركة السجود‏.‏
قال‏:‏ ويحتمل أن يجمع بين الترجمة وأثر ابن عمر بأنه يبعد في العادة أن يكون جميع من حضر من المسلمين كانوا عند قراءة الآية على وضوء، لأنهم لم يتأهبوا لذلك، وإذا كان كذلك فمن بادر منهم إلى السجود خوف الفوات بلا وضوء وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك استدل بذلك على جواز السجود بلا وضوء عند وجود المشقة بالوضوء، ويؤيده أن لفظ المتن ‏"‏ وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس ‏"‏ فسوى ابن عباس في نسبة السجود بين الجميع، وفيهم من لا يصح منه الوضوء فيلزم أن يصح السجود ممن كان بوضوء وممن لم يكن بوضوء، والله أعلم‏.‏
والقصة التي أشار إليها سيحصل لنا إلمام بشيء منها في تفسير سورة الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ لم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح، وأخرجه أيضا بسند حسن عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسلم صلى الله عليه وسلم وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئ إيماء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سجد بالنجم‏)‏ زاد الطبراني في الأوسط من هذا الوجه ‏"‏ بمكة ‏"‏ فأفاد اتحاد قصة ابن عباس وابن مسعود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والجن‏)‏ كأن ابن عباس استند في ذلك إلى إخبار النبي صلى الله عليه وسلم إما مشافهة له وإما بواسطة، لأنه لم يحضر القصة لصغره‏.‏
وأيضا فهو من الأمور التي لا يطلع الإنسان عليها إلا بتوقيف وتجويز أنه كشف له عن ذلك بعيد لأنه لم يحضرها قطعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورواه إبراهيم بن طهمان عن أيوب‏)‏ يأتي الكلام عليه في تفسير سورة النجم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n121&p1#TOP)باب مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَسْجُدْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قرأ السجدة ولم يسجد‏)‏ يشير بذلك إلى الرد على من احتج بحديث الباب على أن المفصل لا سجود فيه كالمالكية، أو أن النجم بخصوصهما لا سجود فيها كأبي ثور، لأن ترك السجود فيها في هذه الحالة لا يدل على تركه مطبقا، لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء أو لكون الوقت كان وقت كراهة أو لكون القارئ كان لم يسجد كما سيأتي تقريره بعد باب، أو ترك حينئذ لبيان الجواز، وهذا أرجح الاحتمالات وبه جزم الشافعي، لأنه لو كان واجبا لأمره بالسجود ولو بعد ذلك‏.‏
وأما ما رواه أبو داود وغيره من طريق مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة ‏"‏ فقد ضعفه أهل العلم بالحديث لضعف في بعض رواته واختلاف في إسناده‏.‏
وعلى تقدير ثبوته، فرواية من أثبت ذلك أرجح إذ المثبت مقدم على النافي، فسيأتي في الباب الذي يليه ثبوت السجود في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ وروى البزار والدار قطني من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه ‏"‏ الحديث رجاله ثقات، وروى ابن مردويه في التفسير بإسناد حسن عن العلاء بن عبد الرحمن وعن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه رأى أبا هريرة سجد في خاتمة النجم فسأله فقال‏:‏ إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة‏.‏
وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن الأسود ابن يزيد عن عمرو أنه سجد في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ ومن طريق نافع ابن عمر أنه سجد فيها، وفي هذا رد على من زعم أن عمل أهل المدينة استمر على ترك السجود في المفصل‏.‏
ويحتمل أن يكون المنفي المواظبة على ذلك لأن المفصل تكثر قرأته في الصلاة فترك السجود فيه كثيرا لئلا تختلط الصلاة على من لم يفقه، أشار إلى هذه العلة مالك في قوله بترك السجود في المفصل أصلا وقال ابن القصار‏:‏ الأمر بالسجود في النجم ينصرف إلى الصلاة، ورد بفعله صلى الله عليه وسلم كما تقدم قبل‏.‏
وزعم بعضهم أن عمل أهل المدينة استمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم على ترك السجود فيها، وفيه نظر لما رواه الطبري بإسناد صحيح عن عبد الرحمن ابن أبزي عن عمر أنه قرأ النجم في الصلاة فسجد فيها ثم قام فقرأ ‏(‏إذا زلزلت‏)‏ ، ومن طريق إسحاق بن سويد عن نافع عن ابن عمر أنه سجد في النجم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يزيد بن خصيفة‏)‏ بالخاء المعجمة والصاد المهملة مصغر، وهو يزيد بن عبد الله بن خصيفة نسب إلى جده، وشيخه ابن قسيط هو يزيد بن عبد الله بن قسيط المذكور في الإسناد الثاني، ورجال الإسنادين معا مدنيون غير شيخي البخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه سأل زيد بن ثابت فزعم‏)‏ حذف المسئول عنه، وظاهر السياق يوهم أن المسئول عنه السجود في النجم وليس كذلك، وقد بينه مسلم عن علي بن حجر وغيره عن إسماعيل بن جعفر بهذا الإسناد قال ‏"‏ سألت زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام، فقال‏:‏ لا قراءة مع الإمام في شيء، وزعم أنه قرأ النجم ‏"‏ الحديث‏.‏
فحذف المصنف الموقوف لأنه ليس من غرضه في هذا المكان ولأنه يخالف زيد بن ثابت في ترك القراءة خلف الإمام وفاقا لمن أوجبها من كبار الصحابة تبعا للحديث الصحيح الدال على ذلك كما تقدم في صفة الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فزعم‏)‏ أراد أخبر، والزعم يطلق على المحقق قليلا كهذا وعلى المشكوك كثيرا، قد تكرر ذلك، ومن شواهده قول الشاعر‏:‏ على الله أرزاق العباد كما زعم‏.‏
ويحتمل أن يكون زعم في هذا الشعر بمعنى ضمن ومنه الزعيم غارم أي الضامن‏.‏
واستنبط بعضهم من حديث زيد بن ثابت أن القارئ إذا تلا على الشيخ لا يندب له سجود التلاوة ما لم يسجد الشيخ أدبا مع الشيخ وفيه نظر‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ اتفق ابن أبي ذئب ويزيد بن خصيفة على هذا الإسناد على ابن قسيط، وخالفهما أبو صخر فرواه عن ابن قسيط عن خارجة بن زيد عن أبيه أخرجه أبو داود والطبراني فإن كان محفوظا حمل على أن لابن قسيط فيه شيخين، وزاد أبو صخر في روايته ‏"‏ وصليت خلف عمر بن عبد العزيز وأبي بكر ابن حزم فلم يسجدا فيها‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:14 PM
اب سَجْدَةِ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سجدة إذا السماء انشقت‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة في السجود فيها‏.‏
وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
وقوله فسجد بها في رواية الكشميهني فيها والباء للظرف‏.‏
وقول أبي سلمة لم أرك تسجد قيل هو استفهام إنكار من أبي سلمة يشعر بأن العمل استمر على خلاف ذلك ولذلك أنكره أبو رافع كما سيأتي بعد ثلاثة أبواب، وهذا فيه نظر، وعلى التنزل فيمكن أن يتمسك به من لا يرى السجود بها في الصلاة، أما تركها مطلقا فلا‏.‏
ويدل على بطلان المدعي أن أبا سلمة وأبا رافع لم ينازعا أبا هريرة بعد أن أعلمهما بالسنة في هذه المسألة ولا احتجا عليه بالعمل على خلاف ذلك‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ وأي عمل يدعي مع مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده‏؟‏ ‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n122&p1#TOP)باب مَنْ سَجَدَ لِسُجُودِ الْقَارِئِ
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ وَهُوَ غُلَامٌ فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَقَالَ اسْجُدْ فَإِنَّكَ إِمَامُنَا فِيهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من سجد سجود القارئ‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ أجمعوا على أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد كذا أطلق، وسيأتي بعد باب قول من جعل ذلك مشروطا بقصد الاستماع‏.‏
وفي الترجمة إشارة إلى أن القارئ إذا لم يسجد لم يسجد السامع‏.‏
ويتأيد بما سأذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن مسعود لتميم بن حذلم‏)‏ بفتح المهملة واللام بينهما معجمة ساكنة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إمامنا‏)‏ زاد الحموي ‏"‏ فيها ‏"‏ وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور من رواية مغيرة عن إبراهيم قال‏:‏ قال تميم بن حذلم‏:‏ قرأت القرآن على عبد الله وأنا غلام، فمررت بسجدة فقال عبد الله‏:‏ أنت إمامنا فيها‏.‏
وقد روى مرفوعا أخرجه ابن أبي شيبة من رواية ابن عجلان عن زيد بن أسلم، أن غلاما قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة، فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد، فلما لم يسجد قال‏:‏ يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ بلى، ولكنك كنت إمامنا فيها، ولو سجدت لسجدنا ‏"‏ رجاله ثقات إلا أنه مرسل‏.‏
وقد روى عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال‏:‏ بلغني، فذكر نحوه‏.‏
أخرجه البيهقي من رواية ابن وهب عن هشام بن سعد وحفص بن ميسرة معا عن زيد بن أسلم به‏.‏
وجوز الشافعي أن يكون القارئ المذكور هو زيد بن ثابت، لأنه يحكي أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد، ولأن عطاء بن يسار روى الحديثين المذكورين‏.‏
انتهى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وسيأتي الكلام على المتن في الباب الأخير‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n122&p1#TOP)باب ازْدِحَامِ النَّاسِ إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ السَّجْدَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ازدحام الناس إذا قرأ الإمام السجدة‏)‏ أي لضيق المكان وكثرة الساجدين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ فَنَزْدَحِمُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا لِجَبْهَتِهِ مَوْضِعًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بشر بن آدم‏)‏ هو الضرير البغدادي، بصري الأصل، ليس له في البخاري إلا هذا الموضع الواحد‏.‏
وفي طبقته بشر بن آدم بن يزيد بصري أيضا وهو ابن بنت أزهر السمان، وفي كل منهما مقال‏.‏
ورجح ابن عدي أن شيخ البخاري هنا هو ابن بنت أزهر، وعلى كل تقدير فلم يخرج له إلا في المتابعات، فسيأتي من طريق أخرى بعد باب ويأتي الكلام عليه‏.‏
ووافقه على هذه الرواية عن علي بن مسهر سويد بن سعيد، أخرجه الإسماعيلي‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n122&p1#TOP)باب مَنْ رَأَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبْ السُّجُودَ
وَقِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا كَأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ سَلْمَانُ مَا لِهَذَا غَدَوْنَا وَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَهَا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يَسْجُدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا فَإِذَا سَجَدْتَ وَأَنْتَ فِي حَضَرٍ فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَإِنْ كُنْتَ رَاكِبًا فَلَا عَلَيْكَ حَيْثُ كَانَ وَجْهُكَ وَكَانَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَا يَسْجُدُ لِسُجُودِ الْقَاصِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من رأى أن الله لم يوجب السجود‏)‏ أي وحمل الأمر في قوله اسجدوا على الندب أو على أن المراد به سجود الصلاة أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب وفي سجود التلاوة على الندب، على قاعدة الشافعي ومن تابعه في حمل المشترك على معنييه‏.‏
ومن الأدلة على أن سجود التلاوة ليس بواجب ما أشار إليه الطحاوي من أن الآيات التي في سجود التلاوة منها ما هو بصيغة الخبر ومنها ما هو بصيغة الأمر، وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر هل فيها سجود أو لا، وهي ثانية الحج وخاتمة النجم واقرأ، فلو كان سجود التلاوة واجبا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقيل لعمران بن حصين‏)‏ وصله ابن أبي شيبة بمعناه من طريق مطرف قال ‏"‏ سألت عمران ابن حصين عن الرجل لا يدري أسمع السجدة أو لا‏؟‏ فقال‏:‏ وسمعها أو لا فماذا‏؟‏‏"‏‏.‏
وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن مطرف ‏"‏ أن عمران مر بقاص فقرأ القاص السجدة فمضى عمران ولم يسجد معه‏"‏‏.‏
إسنادهما صحيح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال سلمان‏)‏ هو الفارسي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما لهذا غدونا‏)‏ هو طرف من أثر وصله عبد الرزاق من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال ‏"‏ مر سلمان على قوم قعود، فقرؤوا السجدة فسجدوا، فقيل له، فقال‏:‏ ليس لهذا غدونا ‏"‏ وإسناده صحيح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عثمان‏:‏ إنما السجدة على من استمعها‏)‏ وصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب ‏"‏ أن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان، فقال عثمان‏:‏ إنما السجود على من استمع، ثم مضى ولم يسجد ‏"‏ ورواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب بلفظ ‏"‏ إنما السجدة على من سمعها ‏"‏ مختصرا، وروى ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ قال عثمان ‏"‏ إنما السجدة على من جلس لها واستمع ‏"‏ والطريقان صحيحان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الزهري الخ‏)‏ وصله عبد الله بن وهب عن يونس عنه بتمامه، وقوله فيه ‏"‏ لا يسجد إلا أن يكون طاهرا ‏"‏ قيل ليس بدال على عدم الوجوب، لأن المدعي يقول‏:‏ علق فعل السجود من القارئ والسامع على شرط وهو وجود الطهارة، فحيث وجد الشرط لزم؛ لكن موضع الترجمة من هذا الأثر قوله ‏"‏ فإن كنت راكبا فلا عليك حيث كان وجهك ‏"‏ لأن هذا دليل النفل، والواجب لا يؤدى على الدابة في الأمن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان السائب بن يزيد لا يسجد لسجود القاص‏)‏ بالصاد المهملة الثقيلة‏:‏ الذي يقص على الناس الأخبار والمواعظ، ولم أقف على هذا الأثر موصولا‏.‏
ومناسبة هذه الآثار للترجمة ظاهرة، لأن الذين يزعمون أن سجود التلاوة واجب لم يفرقوا بين قارئ ومستمع، قال صاحب الهداية من الحنفية‏:‏ السجدة في هذه المواضع - أي مواضع سجود التلاوة - سوى ثانية الحج واجبة على التالي والسامع، سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد ا ه‏.‏
وفرق بعض العلماء بين السامع والمستمع بما دلت عليه هذه الآثار‏.‏
وقال الشافعي في البويطي‏:‏ لا أؤكده على السامع كما أؤكده على المستمع‏.‏
وأقوى الأدلة على نفي الوجوب حديث عمر المذكور في هذا الباب صلى الله عليه وسلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَبِيعَةُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ عَمَّا حَضَرَ رَبِيعَةُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَادَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة‏)‏ هو أخو محمد صلى الله عليه وسلم، وعثمان بن عبد الرحمن التيمي وثقه أبو حاتم، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، ولأبيه صحبة ورواية، وهو ابن عثمان بن عبيد الله ابن أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة، وربيعة بن عبد الله بن الهدير هو عم أبي بكر بن المنذر بن عبد الله ابن الهدير الراوي عنه، والهدير بلفظ التصغير، ذكر ابن سعد أن ربيعة ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس له أيضا في البخاري غير هذا الحديث الواحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عما حضر ربيعة من عمر‏)‏ متعلق بقوله ‏"‏ أخبرني ‏"‏ أي أخبرني راويا عن عثمان عن ربيعة عن قصة حضوره مجلس عمر‏.‏
ووقع عند الإسماعيلي من طريق حجاج عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني أبو بكر ابن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخبره عن ربيعة بن عبد الله أنه حضر عمر ‏"‏ فذكره ا ه‏.‏
وقوله ‏"‏عبد الرحمن بن عثمان ‏"‏ مقلوب والصواب ما تقدم، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قرأ‏)‏ أي أنه قرأ يوم الجمعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنا نمر بالسجود‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إنما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن لم يسجد فلا أثم عليه‏)‏ ظاهر في عدم الوجوب قوله‏:‏ ‏(‏ولم يسجد عمر‏)‏ فيه توكيد لبيان جواز ترك السجود بغير ضرورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزاد نافع‏)‏ هو مقول ابن جريج، والخبر متصل بالإسناد الأول، وقد بين ذلك عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة ‏"‏ فذكره وقال في آخره ‏"‏ قال ابن جريج‏:‏ وزادني نافع عن ابن عمر أنه قال‏:‏ لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء ‏"‏ وكذلك رواه الإسماعيلي والبيهقي وغيرهما من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج فذكر الإسناد الأول، قال وقال حجاج قال ابن جريج وزاد نافع فذكره، وفي هذا رد على الحميدي في زعمه أن هذا معلق، وكذا علم عليه المزي علامة التعليق، وهو وهم، وله شاهد من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عمر لكنه منقطع بين عروة وعمر‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله في رواية عبد الرزاق ‏"‏ أنه قال ‏"‏ الضمير يعود على عمر، أشار إلى ذلك الترمذي في جامعه حيث نسب ذلك إلى عمر في هذه القصة بصيغة الجزم، واستدل بقوله ‏"‏ لم يفرض ‏"‏ على عدم وجوب سجود التلاوة، وأجاب بعض الحنفية على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب بأن نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب‏.‏
وتعقب بأنه اصطلاح لهم حادث، وما كان الصحابة يفرقون بينهما، ويغني عن هذا قول عمر ‏"‏ ومن لم يسجد فلا إثم عليه ‏"‏ كما سيأتي تقريره‏.‏
واستدل بقوله ‏"‏ إلا أن نشاء ‏"‏ على أن المرء مخير في السجود فيكون ليس بواجب‏.‏
وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أن نشاء قراءتها فيجب ولا يخفى بعده، ويرده تصريح عمر بقوله ‏"‏ ومن لم يسجد فلا إثم عليه ‏"‏ فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختارا يدل على عدم وجوبه، استدل به على أن من شرع في السجود وجب عليه إتمامه، وأجيب بأنه استثناء منقطع، والمعنى لكن ذلك موكول إلى مشيئة المرء بدليل إطلاقه ‏"‏ ومن لم يسجد فلا إثم عليه ‏"‏ وفي الحديث من الفوائد أن للخطيب أن يقرأ القرآن في الخطبة، وأنه إذا مر بآية ينزل إلى الأرض ليسجد بها إذا لم يتمكن من السجود فوق المنبر، وأن ذلك لا يقطع الخطبة‏.‏
ووجه ذلك فعل عمر حضور الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم، وعن مالك يمر في خطبته ولا يسجد، وهذا الأثر وارد عليه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n122&p1#TOP)باب مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ بِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى من كره قراءة السجدة في الصلاة المفروضة، وهو منقول عن مالك، وعنه كراهته في السرية دون الجهرية وهو قول بعض الحنفية أيضا وغيرهم، وحديث أبي هريرة المحتج به في الباب تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب الجهر في العشاء ‏"‏ وبينا فيه أن في رواية أبي الأشعث عن معمر التصريح بأن سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها كان داخل الصلاة، وكذا في رواية يزيد بن هارون عن سليمان التيمي في صحيح أبي عوانة وغيره، وفيه حجة على من كره ذلك‏.‏
وقد تقدم النقل عمن زعم أنه لا سجود في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ ولا غيرها من المفصل، وأن العمل استمر عليه بدليل إنكار أبي رافع، وكذا أنكره أبو سلمة، وبينا أن النقل عن علماء المدينة بخلاف ذلك كعمر وابن عمر وغيرهما من الصحابة والتابعين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ فَقُلْتُ مَا هَذِهِ قَالَ سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني بكر‏)‏ هو ابن عبد الله المزني‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:15 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n122&p1#TOP)باب مَنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا لِلسُّجُودِ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الزِّحَامِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يجد موضعا للسجود مع الإمام من الزحام‏)‏ أي ماذا يفعل‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ لم أجد هذه المسالة إلا في سجود الفريضة، واختلف السلف، فقال عمر‏:‏ يسجد على ظهر أخيه وبه قال الكوفيون وأحمد وإسحاق‏.‏
وقال عطاء والزهري‏:‏ يؤخر حتى يرفعوا وبه قال مالك والجمهور، وإذا كان هذا في سجود الفريضة فيجرى مثله في سجود التلاوة، وظاهر صنيع البخاري أنه يذهب إلى أنه يسجد بقدر استطاعته ولو على ظهر أخيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ السُّورَةَ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة‏)‏ زاد على بن مسهر في روايته عن عبيد الله ‏"‏ ونحن عنده ‏"‏ وقد مضى قبل بباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيسجد فنسجد‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ معه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لموضع جبهته‏)‏ يعني من الزحام، زاد مسلم في رواية له ‏"‏ في غير وقت صلاة ‏"‏ ولم يذكر ابن عمر ما كانوا يصنعون حينئذ، ولذلك وقع الاختلاف كما مضى، ووقع في الطبراني من طريق مصعب ابن ثابت عن نافع في هذا الحديث أن ذلك كان بمكة لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم، وزاد فيه ‏"‏ حتى سجد الرجل على ظهر الرجل ‏"‏ وهو يؤيد ما فهمناه عن المصنف‏.‏
والذي يظهر أن هذا الكلام وقع من ابن عمر على سبيل المبالغة في أنه لم يبق أحد إلا سجد، وسياق حديث الباب مشعر بأن ذلك وقع مرارا، فيحتمل أن تكون رواية الطبراني بينت مبدأ ذلك، ويؤيده ما رواه الطبراني أيضا من رواية المسور بن مخرمة عن أبيه قال ‏"‏ أظهر أهل مكة الإسلام يعني في أول الأمر - حتى إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقرأ السجدة فيسجد وما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام، حتى قدم رؤساء أهل مكة وكانوا بالطائف فرجعوهم الإسلام ‏"‏ واستدل به البخاري على السجود لسجود القارئ كما مضى وعلى الازدحام على ذلك‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ اشتملت أبواب السجود على خمسة عشر حديثا، اثنان منها معلقان، المكرر منها فيه وفيما مضى تسعة أحاديث، والخالص ستة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديثي ابن عباس في ‏"‏ص‏"‏ وفي النجم، وحديث عمر في التخيير في السجود‏.‏
وفيه من الآثار عن الصحابة وغيرهم سبعة آثار، والله أعلم بالصواب‏.‏
الحديث‏:‏
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبواب التقصير‏)‏ ثبتت هذه الترجمة للمستملى‏.‏
وفي رواية أبي الوقت ‏"‏ أبواب تقصير الصلاة‏"‏، وثبتت البسملة في رواية كريمة والأصيلي‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n122&p1#TOP)باب مَا جَاءَ فِي التَّقْصِيرِ وَكَمْ يُقِيمُ حَتَّى يَقْصُرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في التقصير‏)‏ تقول‏:‏ قصرت الصلاة بفتحتين مخففا قصرا، وقصرتها بالتشديد تقصيرا، وأقصرتها إقصارا، والأول أشهر في الاستعمال‏.‏
والمراد به تخفيف الرباعية إلى ركعتين‏.‏
ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أن لا تقصير في صلاة الصبح ولا في صلاة المغرب‏.‏
وقال النووي‏:‏ ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح‏.‏
وذهب بعض السلف إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر، وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد، وبعضهم كونه سفر طاعة، وعن أبي حنيفة والثوري في كل سفر سواء كان طاعة أو معصية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكم يقيم حتى يقصر‏)‏ في هذه الترجمة إشكال لأن الإقامة ليست سببا للقصر، ولا القصر غاية للإقامة، قاله الكرماني وأجاب بأن عدد الأيام المذكورة سبب لمعرفة جواز القصر فيها ومنع الزيادة عليها، وأجاب غيره بأن المعنى وكم أقامته المغياة بالقصر‏؟‏ وحاصله كم يقيم مقصر‏؟‏ وقيل المراد كم يقصر حتى يقيم‏؟‏ أي حتى يسمى مقيما فانقلب اللفظ، أو حتى هنا بمعنى حين أي كم يقيم حين يقصر‏؟‏ وقيل فاعل يقيم هو المسافر، والمراد إقامته في بلد ما غايتها التي إذا حصلت يقصر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ وَحُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عاصم‏)‏ هو ابن سليمان، وحصين بالضم هو ابن عبد الرحمن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تسعة عشر‏)‏ أي يوما بليلته، زاد في المغازي من وجه آخر عن عاصم وحده ‏"‏ بمكة‏"‏، وكذا رواه ابن المنذر من طريق عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة، وأخرجه أبو داود من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ سبعة عشر ‏"‏ بتقديم السين، وكذا أخرجه من طريق حفص بن غياث عن عاصم قال وقال عباد ابن منصور عن عكرمة ‏"‏ تسع عشرة ‏"‏ كذا ذكرها معلقة، وقد وصلها البيهقي‏.‏
ولأبي داود أيضا من حديث عمران بن حصين ‏"‏ غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ‏"‏ وله من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس ‏"‏ أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمسة عشر يقصر الصلاة ‏"‏ وجمع البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة عد يومي الدخول والخروج، ومن قال سبع عشرة حذفهما، ومن قال ثماني عشرة عد أحدهما‏.‏
وأما رواية ‏"‏ خمسة عشر ‏"‏ فضعفها النووي في الخلاصة، وليس يجيد لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق فقد أخرجها النسائي من رواية عراك مالك عن عبيد الله كذلك، وإذا ثبت أنها صحيحة فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبعة عشر فحذف منها يومي الدخول والخروج فذكر أنها خمسة عشر، واقتضى ذلك أن رواية تسعة عشر أرجح الروايات، وبهذا أخذ إسحاق بن راهويه، ويرجحها أيضا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة، وأخذ الثوري وأهل الكوفة برواية خمسة عشر لكونها أقل ما ورد، فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقا‏.‏
وأخذ الشافعي بحديث عمران بن حصين لكن محله عنده فيمن لم يزمع الإقامة، فإنه إذا مضت عليه المدة المذكورة وجب عليه الإتمام، فإن أزمع الإقامة في أول الحال على أربعة أيام أتم، على خلاف بين أصحابه في دخول يومي الدخول والخروج فيها أو لا، وحجته حديث أنس الذي يليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنحن إذا سافرنا تسع عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا‏)‏ ظاهره أن السفر إذا زاد على تسعة عشر لزم الإتمام وليس ذلك المراد، وقد صرح أبو يعلى عن شيبان عن أبي عوانة في هذا الحديث بالمراد ولفظه ‏"‏ إذا سافرنا فأقمنا في موضع تسعة عشر ‏"‏ ويؤيده صدر الحديث وهو قوله ‏"‏ أقام ‏"‏ وللترمذي من وجه آخر عن عاصم ‏"‏ فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعا‏"‏‏.‏
قوله في حديث أنس ‏"‏ خرجنا من المدينة ‏"‏ في رواية شعبة عن يحيى بن أبي إسحاق عند مسلم ‏"‏ إلى الحج‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قُلْتُ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا قَالَ أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكان يصلي ركعتين ركعتين‏)‏ في رواية البيهقي من طريق علي بن عاصم عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس ‏"‏ إلا في المغرب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقمنا بها عشرا‏)‏ لا يعارض ذلك حديث ابن عباس المذكور، لأن حديث ابن عباس كان في فتح مكة وحديث أنس في حجة الوداع، وسيأتي بعد باب من حديث ابن عباس ‏"‏ قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة ‏"‏ الحديث، ولا شك أنه خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة الإقامة بمكة وضواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس، وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء لأنه خرج منها في اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى، ومن ثم قال الشافعي‏:‏ إن المسافر إذا أقام ببلدة قصر أربعة أيام‏.‏
وقال أحمد‏:‏ إحدى وعشرين صلاة‏.‏
وأما قول ابن رشيد‏:‏ أراد البخاري أن يبين أن حديث أنس داخل في حديث ابن عباس لأن إقامة عشر داخل في إقامة تسع عشرة - فأشار بذلك إلى أن الأخذ بالزائد متعين - ففيه نظر لأن ذلك إنما يجيء على اتحاد القصتين، والحق أنهما مختلفان، فالمدة التي في حديث ابن عباس يسوغ الاستدلال بها على من لم ينو الإقامة بل كان مترددا متى يتهيأ له فراغ حاجته يرحل، والمدة التي في حديث ابن أنس يستدل بها على من نوى الإقامة لأنه صلى الله عليه وسلم في أيام الحج كان جازما بالإقامة تلك المدة، ووجه الدلالة‏.‏
حديث ابن عباس لما كان الأصل في المقيم الإتمام فلما لم يجيء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام في حال السفر أكثر من تلك المدة جعلها غاية للقصر، وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال كثيرة كما سيأتي، وفيه أن الإقامة في أثناء السفر تسمى إقامة، وإطلاق اسم البلد على ما جاورها وقرب منها لأن منى وعرفة ليسا من مكة، أما عرفة فلأنها خارج الحرم فليست من مكة قطعا، وأما منى ففيها احتمال، والظاهر إنها ليست من مكة إلا إن قلنا إن اسم مكة يشمل جميع الحرم، قال أحمد بن حنبل‏:‏ ليس لحديث أنس وجه إلا أنه حسب أيام إقامته صلى الله عليه وسلم في حجته منذ دخل مكة إلى أن خرج منها لا وجه له إلا هذا‏.‏
وقال المحب الطبري‏:‏ أطلق على ذلك إقامة بمكة لأن هذه المواضع مواضع النسك وهي في حكم التابع لمكة لأنها المقصود بالأصالة لا يتجه سوى ذلك كما قال الإمام أحمد والله أعلم‏.‏
وزعم الطحاوي أن الشافعي لم يسبق إلى أن المسافر يصير بنية إقامته أربعة أيام مقيما، وقد قال أحمد نحو ما قال الشافعي، وهي رواية عن مالك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n122&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ بِمِنًى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة بمنى‏)‏ أي في أيام الرمي، ولم يذكر المصنف حكم المسألة لقوة الخلاف فيها، وخص، منى بالذكر لأنها المحل الذي وقع فيها ذلك قديما‏.‏
واختلف السلف في المقيم بمنى هل يقصر أو يتم، بناء على أن القصر بها للسفر أو للنسك‏؟‏ واختار الثاني مالك، وتعقبه الطحاوي بأنه لو كان كذلك لكان أهل منى يتمون ولا قائل بذلك‏.‏
وقال بعض المالكية‏:‏ لو لم يجز لأهل مكة القصر بمنى لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أتموا، وليس بين مكة ومنى مسافة القصر، فدل على أنهم قصروا للنسك‏.‏
وأجيب بأن الترمذي روى من حديث عمران بن حصين ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة ركعتين ويقول‏:‏ يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر ‏"‏ وكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة‏.‏
قلت‏:‏ وهذا ضعيف، لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، ولو صح فالقصة كانت في الفتح، وقصة منى في حجة الوداع، وكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد‏.‏
ولا يخفى أن أصل البحث مبني على تسليم أن المسافة التي بين مكة ومنى لا يقصر فيها، وهو من محال الخلاف كما سيأتي بعد باب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بمنى‏)‏ زاد مسلم في رواية سالم عن أبيه ‏"‏ بمنى وغيره‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتمها‏)‏ في رواية أبي أسامة عن عبيد الله عند مسلم ‏"‏ ثم إن عثمان صلى أربعا فكان ابن عمر إذا صلى من الإمام صلى أربعا وإذا صلى وحده صلى ركعتين ‏"‏ وسيأتي ذكر السبب في إتمام عثمان بمنى في ‏"‏ باب يقصر إذا خرج من موضعه‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنَ مَا كَانَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنبأنا أبو إسحاق‏)‏ كذا هو بلفظ الإنباء، وهو في عرف المتقدمين بمعنى الإخبار والتحديث وهذا منه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت حارثة بن وهب‏)‏ زاد البرقاني في مستخرجه ‏"‏ رجلا من خزاعة ‏"‏ أخرجه من طريق أبي الوليد شيخ البخاري فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏آمن‏)‏ أفعل تفضيل من الأمن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما كان‏)‏ في رواية الكشميهني والحموي ‏"‏ كانت ‏"‏ أي حالة كونها آمن أوقاته‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ والناس أكثر ما كانوا ‏"‏ قوله شاهد من حديث ابن عباس عند الترمذي وصححه النسائي بلفظ، خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله، يصلي ركعتين ‏"‏ قال الطيبي‏:‏ ما مصدرية، ومعناه الجمع، لأن ما أضيف إليه أفعل يكون جمعا، والمعنى صلى بنا والحال أنا أكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنا‏.‏
وسيأتي في ‏"‏ باب الصلاة بمنى ‏"‏ من كتاب الحج عن آدم عن شعبة بلفظ ‏"‏ عن أبي إسحاق ‏"‏ وقال في روايته ‏"‏ ونحن أكثر ما كنا قط وآمنه ‏"‏ وكلمة قط متعلقة بمحذوف تقديره ونحن ما كنا أكثر منا في ذلك الوقت ولا أكثر أمنا‏.‏
وهذا يستدرك به علي ابن مالك حيث قال‏:‏ استعمال قط غير مسبوقة بالنفي مما يخفى على كثير من النحويين، وقد جاء في هذا الحديث بدون النفي‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ قوله ‏"‏ وآمنه ‏"‏ بالرفع ويجوز النصب بأن يكون فعلا ماضيا وفاعله الله وضمير المفعول النبي صلى الله عليه وسلم، والتقدير وآمن الله نبيه حينئذ‏.‏
ولا يخفى بعد هذا الإعراب‏.‏
وفيه رد على من زعم أن القصر مختص بالخوف، والذي قال ذلك تمسك بقوله تعالى ‏(‏وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‏)‏ ولم يأخذ الجمهور بهذا المفهوم، فقيل لأن شرط مفهوم المخالفة أن لا يكون خرج مخرج الغالب، وقيل هو من الأشياء التي شرع الحكم فيها بسبب ثم زال السبب وبقي الحكم كالرمل، وقيل المراد بالقصر في الآية قصر الصلاة في الخوف إلى ركعة، وفيه نظر لما رواه مسلم من طريق يعلى بن أمية وله صحبة أنه سأل عمر عن قصر الصلاة في السفر فقال إنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ‏"‏ صدقة تصدق الله بها عليكم ‏"‏ فهذا ظاهر في أن الصحابة فهموا من ذلك قصر الصلاة في السفر مطلقا لا قصرها في الخوف خاصة‏.‏
وفي جواب عمر إشارة إلى القول الثاني‏.‏
وروى السراج من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة وهو الحذاء لا يعرف اسمه‏.‏
قال‏:‏ سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر فقال‏:‏ ركعتان، فقلت إن الله عز وجل قال ‏"‏ إن خفتم ‏"‏ ونحن آمنون، فقال‏:‏ سنة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وهذا يرجح القول الثاني أيضا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إبراهيم‏)‏ هو النخعي لا التيمي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات‏)‏ كان ذلك بعد رجوعه من أعمال الحج في حال إقامته بمنى للرمي كما سيأتي ذلك في رواية عباد بن عبد الله الزبير في قصة معاوية بعد بابين‏.‏قوله‏:‏ ‏(‏فقيل ذلك‏)‏ في رواية أبي ذر والأصيلي ‏"‏ فقيل في ذلك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاسترجع‏)‏ أي فقال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومع عمر ركعتين‏)‏ زاد الثوري عن الأعمش ثم تفرقت بكم الطرق، أخرجه المصنف في الحج من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليت حظي من أربع ركعات ركعتان‏)‏ لم يقل الأصيلي ركعات، ومن للبدلية مثل قوله تعالى ‏(‏أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة‏)‏ وهذا يدل على أنه كان يرى الإتمام جائزا وإلا لما كان له حظ من الأربع ولا من غيرها فإنها كانت تكون فاسدة كلها، وإنما استرجح ابن مسعود لما وقع عنده من مخالفة الأولى‏.‏
ويؤيده ما روى أبو داود ‏"‏ أن ابن مسعود صلى أربعا، فقيل له‏:‏ عبت على عثمان ثم صليت أربعا‏.‏
فقال‏:‏ الخلاف شر ‏"‏ وفي رواية البيهقي ‏"‏ إني لأكره الخلاف ‏"‏ ولأحمد من حديث أبي ذر مثل الأول، وهذا يدل على أنه لم يكن يعتقد أن القصر واجب كما قال الحنفية ووافقهم القاضي إسماعيل من المالكية وهي رواية عن مالك وعن أحمد‏.‏
قال ابن قدامة‏:‏ المشهور عن أحمد أنه على الاختيار والقصر عنده أفضل، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين، واحتج الشافعي على عدم الوجوب بأن المسافر إذا دخل في صلاة المقيم صلى أربعا باتفاقهم، ولو كان فرضه القصر لم يأتم مسافر بمقيم‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ لما كان الفرض لا بد لمن هو عليه أن يأتي به ولا يتخير في الإتيان ببعضه وكان التخيير مختصا بالتطوع دل على أن المصلي لا يتخير في الاثنتين والأربع‏.‏
وتعقبه ابن بطال بأنا وجدنا واجبا يتخير بين الإتيان بجميعه أو ببعضه وهو الإقامة بمنى ا هـ‏.‏
ونقل الداودي عن ابن مسعود أنه كان يرى القصر فرضا، وفيه نظر لما ذكرته، ولو كان كذلك لما تعمد ترك الفرض حيث صلى أربعا وقال إن الخلاف شر، ويظهر أثر الخلاف فيما إذا قام إلى الثالثة عمدا فصلاته عند الجمهور صحيحة، وعند الحنفية فاسدة ما لم يكن جلس للتشهد، وسيأتي ذكر السبب في إتمام عثمان بعد بابين إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:16 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n123&p1#TOP)باب كَمْ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته‏)‏ أي من يوم قدومه إلى أن خرج منها، وقد تقدم بيان ذلك في الكلام على حديث أنس في الباب الذي قبله‏.‏
والمقصود بهذه الترجمة بيان ما تقدم من أن المحقق فيه نية الإقامة هي مدة المقام بمكة قبل الخروج إلى منى ثم إلى عرفة وهي أربعة أيام ملفقة لأنه قدم في الرابع وخرج في الثامن فصلى بها إحدى وعشرين صلاة من أول ظهر الرابع إلى آخر ظهر الثامن صلى الله عليه وسلم، وقيل أراد مدة إقامته إلى أن توجه إلى المدينة وهي عشرة كما في حديث أنس، وإن كان لم يصرح في حديث ابن عباس بغايتها فإنها تعرف من الواقع، فإن بين دخوله وخروجه يوم النفر الثاني من منى إلى الأبطح عشرة أيام سواء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ تَابَعَهُ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي العالية البراء‏)‏ هو بتشديد الراء، كان يبري النبل، واسمه زياد وقيل غير ذلك، وهو غير أبي العالية الرياحي، وقد اشتركا في الرواية عن أبي عباس، وسيأتي الكلام على هذا الحديث وعلى متابعة عطاء عن جابر في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n123&p1#TOP)باب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب في كم يقصر الصلاة‏)‏ يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر ولا يسوغ له في أقل منها، وهي من المواضع التي انتشر فيها الخلاف جدا، فحكى ابن المنذر وغيره فيها نحو من عشرين قولا، فأقل ما قيل في ذلك يوم وليلة، وأكثره ما دام غائبا عن بلده‏.‏
وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام، وأورد ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسمي النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة سفرا‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ السفر يوما وليلة ‏"‏ وفي كل منهما تجوز، والمعنى سمي مدة اليوم والليلة سفرا، وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب، وقد تعقب بأن في بعض طرقه ‏"‏ ثلاثة أيام ‏"‏ كما أورده هو من حديث ابن عمر، وفي بعضها ‏"‏ يوم وليلة ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ يوم ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ ليلة ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ بريد ‏"‏ فإن حمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل أي يوم بليلته أو ليلة بيومها قل الاختلاف واندرج في الثلاث فيكون أقل المسافة يوما وليلة، لكن يعكر عليه رواية ‏"‏ بريد ‏"‏ ويجاب عنه بما سيأتي قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر وابن عباس الخ‏)‏ ، وصله ابن المنذر من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عطاء ابن أبي رباح ‏"‏ أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك ‏"‏ وروى السراج من طريق عمرو بن دينار عن ابن عمر نحوه، وروى الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن سالم ‏"‏ أن ابن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة ‏"‏ قال مالك وبينها وبين المدينة أربعة برد، رواه عبد الرزاق عن مالك هذا فقال‏:‏ بين المدينة وذات النصب ثمانية عشر ميلا‏.‏
وفي الموطأ عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه ‏"‏ كان يقصر في مسيرة اليوم التام ‏"‏ ومن طريق عطاء ‏"‏ أن ابن عباس سئل‏:‏ أنقصر الصلاة إلى عرفة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
ولكن إلى عسفان أو إلى جدة أو الطائف ‏"‏ وقد روي عن ابن عباس مرفوعا أخرجه الدار قطني وابن أبي شيبة من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه وعطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان ‏"‏ وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الوهاب، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال ‏"‏ لا تقصروا الصلاة إلا في اليوم، ولا تقصر فيما دون اليوم‏"‏، ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال ‏"‏ تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة ‏"‏ ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة أربعة برد يمكن سيرها في يوم وليلة، وأما حديث ابن عمر الدال على اعتبار الثلاث فإما أن يجمع بينه وبين اختياره بأن المسافة واحدة ولكن السير يختلف، أو أن الحديث المرفوع ما سيق لأجل بيان مسافة القصر، بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذلك اختلفت الألفاظ في ذلك‏.‏
ويؤيد ذلك أن الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان، فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلا في يوم تام لتعلق بها النهي، بخلاف المسافر فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلا في يومين لم يقصر فافترقا‏.‏
والله أعلم‏.‏
وأقل ما ورد في ذلك لفظ ‏"‏ بريد ‏"‏ إن كانت محفوظة وسنذكرها في آخر هذا الباب، وعلى هذا ففي تمسك الحنفية بحديث ابن عمر على أن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال، ولا سيما على قاعدتهم بأن الاعتبار بما رأى الصحابي لا بما روى، فلو كان الحديث عنده لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه وقصر في مسيرة اليوم التام‏.‏
وقد اختلف عن ابن عمر في تحديد ذلك اختلافا غير ما ذكر، فروى عبد الرزاق عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر ‏"‏ وبين المدينة وخيبر ستة وتسعون ميلا‏.‏
وروى وكيع من وجه آخر عن ابن عمر أنه قال ‏"‏ يقصر من المدينة إلى السويداء ‏"‏ وبينهما اثنان وسبعون ميلا‏.‏
وروى عبد الرزاق عن مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه ‏"‏ سافر إلى ريم فقصر الصلاة ‏"‏ قال عبد الرزاق‏:‏ وهي على ثلاثين ميلا من المدينة‏.‏
وروى ابن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر عن محارب ‏"‏ سمعت ابن عمر يقول‏:‏ إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر ‏"‏ وقال الثوري‏:‏ سمعت جبلة بن سحيم عن ابن عمر يقول ‏"‏ لو خرجت ميلا قصرت الصلاة ‏"‏ إسناد كل منهما صحيح‏.‏
وهذه أقوال مغايرة جدا‏.‏
فالله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهي‏)‏ أي الأربعة برد ‏(‏ستة عشر فرسخا‏)‏ ذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب، وهو ثلاثة أميال، والميل من الأرض منتهى مد البصر لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري‏.‏
وقيل حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مسطحة فلا يدري أهو رجل أو امرأة أو هو ذاهب أو آت قال النووي الميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضة معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة ا ه‏.‏
وهذا الذي قاله هو الأشهر، ومنهم من عبر عن ذلك باثني عشر ألف قدم بقدم الإنسان، وقيل هو أربعة آلاف ذراع، وقيل بل ثلاثة آلاف ذراع نقله صاحب البيان، وقيل وخمسمائة صحيحه ابن عبد البر‏.‏
وقيل هو ألفا ذراع، ومنهم من عبر عن ذلك بألف خطوة للجمل، ثم إن الذراع الذي ذكر النووي تحديده قد حرره غيره بذراع الحديد المستعمل الآن في مصر والحجاز في هذا الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعا، وهذه فائدة نفيسة قل من نبه عليها‏.‏
وحكى النووي أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال، وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبو داود من حديث أنس قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال - أو فراسخ - قصر الصلاة ‏"‏ وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ مها القصر لا غاية السفر، ولا يخفى بعد هذا الحمل، أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال ‏"‏ سألت أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة - يعني من البصرة - فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع، فقال أنس فذكر الحديث، فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه‏.‏
ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها، ورده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ، فإن الثلاثة أميال مدرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطا، وقد روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن ابن حرملة قال ‏"‏ قلت لسعيد بن المسيب‏:‏ أأقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏"‏ والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ اختلف في معنى الفرسخ، فقيل السكون ذكره ابن سيده، وقيل السعة، وقيل المكان الذي لا فرجة فيه، وقيل الشيء الطويل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ قال أبو علي الجياني حيث قال البخاري ‏"‏ حدثنا إسحاق ‏"‏ فهو إما ابن راهويه، وإما ابن نصر السعدي، وإما ابن منصور الكوسج، لأن الثلاثة أخرج عنهم عن أبي أسامة‏.‏
قلت‏:‏ لكن إسحاق هنا هو ابن راهويه، لأنه ساق هذا الحديث في مسنده بهذه الألفاظ سندا ومتنا، ومن عادته الإتيان بهذه العبارة دون الأخيرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثكم عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري، واستدل به على أنه لا يشترط في صحة التحمل قول الشيخ ‏"‏ نعم ‏"‏ في جواب من قال له حدثكم فلان بكذا، وفيه نظر لأن في مسند إسحاق في آخره فأقر به أبو أسامة وقال‏:‏ نعم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا تسافر المرأة ثلاثة أيام‏)‏ في رواية مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع ‏"‏ مسيرة ثلاث ليال ‏"‏ والجمع بينهما أن المراد ثلاثة أيام بلياليها أو ثلاث ليال بأيامها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا مع ذي محرم‏)‏ في رواية أبي ذر والأصيلي ‏"‏ إلا معها ذو محرم ‏"‏ والمحرم بفتح الميم الحرام والمراد به من لا يحل له نكاحها‏.‏
ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم وأبي داود ‏"‏ إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها ‏"‏ أخرجاه من طريق الأعمش عن أبي صالح عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ تَابَعَهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أحمد‏)‏ هو ابن محمد المروزي أحد شيوخ البخاري، ووهم من زعم أنه أحمد بن حنبل لأنه لم يسمع من عبد الله بن المبارك، ونقل الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ عن يحيى القطان قال‏:‏ ما أنكرت على عبيد الله بن عمر إلا هذا الحديث‏.‏
ورواه أخوه عبد الله موقوفا‏.‏
قلت‏:‏ وعبد الله ضعيف، وقد تابع عبيد الله الضحاك كما تقدم فاعتمده البخاري لذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ تَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَسُهَيْلٌ وَمَالِكٌ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر‏)‏ مفهومه أن النهي المذكور يختص بالمؤمنات، فتخرج الكافرات كتابية كانت أو حربية، وقد قال به بعض أهل العلم‏.‏
وأجيب بأن الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الشارع فينتفع به وينقاد له، فلذلك قيد به، أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم ولم يقصد به إخراج مما سواه‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة‏)‏ أي محرم، واستدل به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، وهو إجماع في غير الحج والعمرة والخروج من دار الشرك، ومنهم من جعل ذلك من شرائط الحج كما سيأتي البحث فيه في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال شيخنا ابن الملقن تبعا لشيخه مغلطاي‏:‏ الهاء في قوله ‏"‏ مسيرة يوم وليلة ‏"‏ للمرة الواحدة، والتقدير أن تسافر مرة واحدة مخصوصة بيوم وليلة، ولا سلف له في هذا الإعراب، ومسيرة إنما هي مصدر سار كقوله سيرا مثل عاش معيشة وعيشا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه يحيى بن أبي كثير وسهيل ومالك عن المقبري‏)‏ يعني سعيدا ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ يعني لم يقولوا ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ فعلى هذا فهي متابعة في المتن لا في الإسناد، على أنه قد اختلف على سهيل وعلى مالك فيه، وكأن الرواية التي جزم بها المصنف أرجح عنده عنهم، ورجح الدار قطني أنه عن سعيد عن أبي هريرة ليس فيه ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ كما رواه معظم رواة الموطأ، لكن الزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا، وقد وافق ابن أبي ذئب على قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ الليث بن سعد عند أبي داود، والليث وابن أبي ذئب من أثبت الناس في سعيد، فأما رواية يحيى فأخرجها أحمد عن الحسن بن موسى عن شيبان النحوي عنه ولم أجد عنه فيه اختلافا إلا أن لفظة ‏"‏ أن تسافر يوما إلا مع ذي محرم ‏"‏ ويحمل قوله يوما على أن المراد به اليوم بليلته فيوافق رواية ابن أبي ذئب، وأما رواية سهيل فذكر ابن عبد البر أنه اضطرب في إسنادها ومتنها، وأخرجه ابن خزيمة من طريق خالد الواسطي وحماد بن سلمة، وأخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم من طريق جرير كلاهما عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد عن أبي هريرة كما علقه البخاري، إلا أن جريرا قال في روايته ‏"‏ بريدا ‏"‏ بدل يوما‏.‏
وقال بشر بن المفضل عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أبدل سعيدا بأبي صالح، وخالف في اللفظ أيضا فقال ‏"‏ تسافر ثلاثا ‏"‏ أخرجه مسلم، ويحتمل أن يكون الحديثان معا عند سهيل، ومن ثم صحح ابن حبان الطريقين عنه، لكن المحفوظ عن أبي صالح عن أبي سعيد كما تقدمت الإشارة إليه‏.‏
وأما رواية مالك فهي في الموطأ كما قال البخاري، وأخرجها مسلم وأبو داود وغيرهما، وهو المشهور عنه‏.‏
ورواها بشر بن عمر الزهراني عنه فقال ‏"‏ عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ أخرجه أبو داود والترمذي وأبو عوانة وابن خزيمة من طريقه‏.‏
وقال ابن خزيمة‏:‏ إنه تفرد به عن مالك، وفيه نظر لأن الدار قطني أخرجه في ‏"‏ الغرائب ‏"‏ من رواية إسحاق بن محمد الفروي عن مالك كذلك، وأخرجه الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن مالك، والمحفوظ عن مالك ليس فيه قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:17 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n123&p1#TOP)باب يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَصَرَ وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يقصر إذا خرج من موضعه‏)‏ يعني إذا قصد سفرا تقصر في مثله الصلاة، وهي من المسائل المختلف فيها أيضا‏.‏
قال ابن المنذر أجمعوا على أن لمن يريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها، واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت‏:‏ فذهب الجمهور إلى أنه لا بد من مفارقة جميع البيوت‏.‏
وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منزله‏.‏
ومنهم من قال‏:‏ إذا ركب قصر إن شاء، ورجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت، واختلفوا فيما قبل ذلك، فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر، قال‏:‏ ولا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وخرج علي فقصر وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له‏:‏ هذه الكوفة، قال لا، حتى ندخل‏)‏ وصله الحاكم من رواية الثوري عن وقاء بن إياس وهو بكسر الواو وبعدها قاف ثم مدة عن علي بن ربيعة قال ‏"‏ خرجنا مع علي بن أبي طالب فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت، ثم رجعنا فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت ‏"‏ وأخرجه البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن وقاء بن إياس بلفظ ‏"‏ خرجنا مع علي متوجهين هاهنا - وأشار بيده إلى الشام - فصلى ركعتين ركعتين، حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة حضرت الصلاة قالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين هذه الكوفة، أتم الصلاة‏.‏
قال‏:‏ لا، حتى ندخلها ‏"‏ وفهم ابن بطال من قوله في التعليق ‏"‏ لا، حتى ندخلها ‏"‏ أنه امتنع من الصلاة حتى يدخل الكوفة، قال لأنه لو صلى فقصر ساغ له ذلك، لكنه اختار أن يتم لاتساع الوقت ا ه‏.‏
وقد تبين من سياق أثر على أن الأمر على خلاف ما فهمه ابن بطال، وأن المراد بقوله ‏"‏ هذه الكوفة ‏"‏ أي فأتم الصلاة، فقال ‏"‏ لا، حتى ندخلها ‏"‏ أي لا نزال نقصر حتى ندخلها، فإنا ما لم ندخلها في حكم المسافرين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
‏(‏صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ والعصر بذي الحليفة ركعتين ‏"‏ وهي ثابتة في رواية مسلم، وكذا في رواية أبي قلابة عن أنس عند المصنف في الحج، واستدل به على استباحة قصر الصلاة في السفر القصير لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال، وتعقب بأن ذا الحليفة لم تكن منتهى السفر وإنما خرج إليها حيث كان قاصدا إلى مكة فاتفق نزوله بها وكانت أول صلاة حضرت بها العصر فقصرها واستمر يقصر إلى أن رجع، ومناسبة أثر على الحديث أنس ثم لحديث عائشة أن حديث علي دال على أن القصر يشرع بفراق الحضر، وكونه صلى الله عليه وسلم لم يقصر حتى رأى ذا الحليفة إنما هو لكونه أول منزل نزله ولم يحضر قبله وقت صلاة، ويؤيده حديث عائشة ففيه تعليق الحكم بالسفر والحضر، فحيث وجد السفر شرع القصر، وحيث وجد الحضر شرع الإتمام‏.‏
واستدل به على أن من أراد السفر لا يقصر حتى يبرز من البلد خلافا لمن قال من السلف يقصر ولو في بيته، وفيه حجة على مجاهد في قوله‏:‏ لا يقصر حتى يدخل الليل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ الصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ قَالَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ
الشرح‏:‏
‏(‏الصلاة أول ما فرضت‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ الصلوات ‏"‏ بصيغة الجمع، وأول بالرفع على أنه بدل من الصلاة أو مبتدأ ثان، ويجوز النصب على أنه ظرف أي في أول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ركعتين‏)‏ في رواية كريمة ‏"‏ ركعتين ركعتين‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأقرت صلاة السفر‏)‏ تقدم الكلام عليه في أول الصلاة، واستدل بقوله ‏"‏ فرضت ركعتين ‏"‏ على أن صلاة المسافر لا تجوز إلا مقصورة، ورد بأنه معارض بقوله تعالى ‏(‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏)‏ ولأنه دال على أن الأصل الإتمام، ومنهم من حمل قول عائشة ‏"‏ فرضت ‏"‏ أي قدرت‏.‏
وقال الطبري‏:‏ معناه أن المسافر إذا اختار القصر فهو فرضه، ومن أدل دليل على تعين تأويل حديث عائشة هذا كونها كانت تتم في السفر، ولذلك أورده الزهري عن عروة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتأولت ما تأول عثمان‏)‏ هذا فيه رد على من زعم أن عثمان إنما أتم لكونه تأهل بمكة، أو لأنه أمير المؤمنين وكل موضع له دار، أو لأنه عزم على الإقامة بمكة، أو لأنه استجد له أرضا بمنى، أو لأنه كان يسبق الناس إلى مكة، لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها، ويرد الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته وقصر، والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك، والثالث أن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي تقريره في الكلام حديث على حديث العلاء بن الحضرمي في كتاب المغازي، والرابع والخامس لم ينقلا فلا يكفي التخرص في ذلك، والأول وإن كان نقل وأخرجه أحمد والبيهقي من حديث عثمان وأنه لما صلى بمنى أربع ركعات أنكر الناس عليه فقال‏:‏ إني تأهلت بمكة لما قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ من تأهل ببلدة فإنه يصلي صلاة مقيم ‏"‏ فهذا الحدث لا يصح لأنه منقطع، وفي رواته من لا يحتج به، ويرده قول عروة‏:‏ إن عائشة تأولت ما تأول عثمان، ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلا‏.‏
فدل على وهن ذلك الخبر‏.‏
ثم ظهر لي أنه يمكن أن يكون مراد عروة بقوله ‏"‏ كما تأول عثمان ‏"‏ التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما، ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأويل عثمان فتكاثرت، بخلاف تأويل عائشة‏.‏
وقد أخرج ابن جرير في تفسير سورة النساء ‏"‏ إن عائشة كانت تصلي في السفر أربعا، فإذا احتجوا عليها تقول‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حرب وكان يخاف، فهل تخافون أنتم ‏"‏‏؟‏ وقد قيل في تأويل عائشة إنما أتمت في سفرها إلى البصرة إلى قتال علي والقصر عندها إنما يكون في سفر طاعة، وهذان القولان باطلان لا سيما الثاني، ولعل قول عائشة هذا هو السبب في حديث حارثة بن وهب الماضي قبل ببابين والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا، وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال‏:‏ لما قدم علينا معاوية حاجا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا‏:‏ لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة‏.‏
قال‏:‏ وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعا أربعا، ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ الوجه الصحيح في ذلك أن عثمان وعائشة كانا يريان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر من ذلك على أمته، فأخذا لأنفسهما بالشدة ا ه‏.‏
وهذا رجحه جماعة من آخرهم القرطبي، لكن الوجه الذي قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب، وأما ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن عثمان إنما أتم الصلاة لأنه نوى الإقامة بعد الحج فهو مرسل، وفيه نظر لأن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي في الكلام على حديث العلاء بن الحضرمي في المغازي، وصح عن عثمان أنه كان لا يودع النساء إلا على ظهر راحلته، ويسرع الخروج خشية أن يرجع في هجرته‏.‏
وثبت عن عثمان أنه قال لما حاصروه - وقال له المغيرة‏:‏ اركب رواحلك إلى مكة - قال‏:‏ لن أفارق دار هجرتي‏.‏
ومع هذا النظر في رواية معمر عن الزهري فقد روى أيوب عن الزهري ما يخالفه، فروى الطحاوي وغيره من هذا الوجه عن الزهري قال‏:‏ إنما صلى عثمان بمنى أربعا لأن الأعراب كانوا كثروا في ذلك العام فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع، وروى البيهقي من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال‏:‏ إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ولكنه حدث طغام - يعني بفتح الطاء والمعجمة - فخفت أن يستنوا‏.‏
وعن ابن جريح أن أعرابيا ناداه في منى‏:‏ يا أمير المؤمنين ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين‏.‏
وهذه طرق يقوي بعضها بعضا، ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام، وليس بمعارض للوجه الذي اخترته بل يقويه من حيث أن حالة الإقامة في أثناء السفر أقرب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها بخلاف السائر، وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان‏.‏
وأما عائشة فقد جاء عنها سبب الإتمام صريحا، وهو فيما أخرجه البيهقي من طريق هشام بن عروة عن أبيه ‏"‏ أنها كانت تصلى في السفر أربعا، فقلت لها‏:‏ لو صليت ركعتين، فقالت‏:‏ يا ابن أختي إنه لا يشق علي ‏"‏ إسناده صحيح، وهو دال على أنها تأولت أن القصر رخصة، وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل‏.‏
ويدل على اختيار الجمهور ما رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد عن أبي هريرة أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكلم كان يصلي ركعتين من حين يخرج من المدينة إلى مكة حتى يرجع إلى المدينة في السير وفي المقام بمكة‏.‏
قال الكرماني ما ملخصه‏:‏ تمسك الحنفية بحديث عائشة في أن الفرض في السفر أن يصلي الرباعية ركعتين، وتعقب بأنه لو كان على ظاهره لما أتمت عائشة، وعندهم العبرة بما رأى الراوي إذا عارض ما روى‏.‏
ثم ظاهر الحديث مخالف لظاهر القرآن لأنه يدل على أنها فرضت في الأصل ركعتين واستمرت في السفر، وظاهر القرآن أنها كانت أربعا فنقصت ثم إن قولها ‏"‏ الصلاة ‏"‏ تعم الخمس، وهو مخصوص بخروج المغرب مطلقا والصبح بعدم الزيادة فيها في الحضر قال‏:‏ والعام إذا خص ضعفت دلالته حتى اختلف في بقاء الاحتجاج به‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n123&p1#TOP)باب يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا فِي السَّفَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يصلي المغرب ثلاثا في السفر‏)‏ أي ولا يدخل القصر فيها، ونقل ابن المنذر وغيره فيه الإجماع وأراد المصنف أن الأحاديث المطلقة في قول الراوي ‏"‏ كان يصلي في السفر ركعتين ‏"‏ محمولة على المقيدة بأن المغرب بخلاف ذلك، وروى أحمد من طريق ثمامة بن شرحبيل قال ‏"‏ خرجت إلى ابن عمر فقلت‏:‏ ما صلاة المسافر‏؟‏ قال ركعتين ركعتين، إلا صلاة المغرب ثلاثا‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَالِمٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ قَالَ سَالِمٌ وَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمَغْرِبَ وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ فَقُلْتُ لَهُ الصَّلَاةَ فَقَالَ سِرْ فَقُلْتُ الصَّلَاةَ فَقَالَ سِرْ حَتَّى سَارَ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا أعجله السير في السفر‏)‏ يخرج ما إذا أعجله السير في الحضر، كأن يكون خارج البلد في بستان مثلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزاد الليث حدثني يونس‏)‏ وصله الإسماعيلي بطوله عن القاسم بن زكريا عن ابن زنجويه عن إبراهيم بن هانئ عن الرمادي كلاهما عن أبي صالح عن الليث به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأخر ابن عمر المغرب وكان استصرخ على صفية بنت أبي عبيد‏)‏ هي أخت المختار الثقفي، وقوله استصرخ بالضم أي استغيث بصوت مرتفع، وهو من الصراخ بالخاء المعجمة، والمصرخ المغيث قال الله تعالى ‏(‏ما أنا بمصرخكم‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت له الصلاة‏)‏ بالنصب على الإغراء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت له الصلاة‏)‏ فيه ما كانوا عليه من مراعاة أوقات العبادة‏.‏
وفي قوله ‏"‏ سر ‏"‏ جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ظاهر سياق المؤلف أن جميع ما بعد قوله ‏"‏ زاد الليث ‏"‏ ليس داخلا في رواية شعيب، وليس كذلك فإنه أخرج رواية شعيب بعد ثمانية أبواب وفيها أكثر من ذلك، وإنما الزيادة في قصة صفية وصنيع ابن عمر خاصة، وفي التصريح بقوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى سار ميلين أو ثلاثة‏)‏ أخرجه المصنف في ‏"‏ باب السرعة في السير ‏"‏ من كتاب الجهاد من رواية أسلم مولى عمر قال ‏"‏ كنت مع عبد الله بن عمر بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدة وجع، فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعتمة جمع بينهما ‏"‏ فأفادت هذه الرواية تعيين السفر المذكور ووقت انتهاء السير والتصريح بالجمع بين الصلاتين، وأفاد النسائي في رواية أنها كتبت إليه تعلمه بذلك، ولمسلم نحوه من رواية نافع عن ابن عمر‏.‏
وفي رواية لأبي داود من هذا الوجه ‏"‏ فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين جميعا ‏"‏ وللنسائي من هذا الوجه ‏"‏ حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق فصلى بنا ‏"‏ فهذا محمول على أنها قصة أخرى، ويدل عليه أن في أوله ‏"‏ خرجت مع ابن عمر في سفر يريد أرضا له ‏"‏ وفي الأول أن ذلك كان بعد رجوعه من مكة، فدل على التعدد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الله‏)‏ أي ابن عمر ‏(‏رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير‏)‏ يؤخذ منه تقييد جواز التأخير بمن كان على ظهر سير، وسيأتي الكلام عليه بعد ستة أبواب قوله‏:‏ ‏(‏يقيم المغرب‏)‏ كذا للحموي والأكثر بالقاف، وهي موافقة للرواية الآتية، وللمستملى والكشميهني ‏"‏ يعتم ‏"‏ بعين مهملة ساكنة بعدها مثناة فوقانية مكسورة أي يدل في العتمة، ولكريمة ‏"‏ يؤخر‏"‏، وفي الباب عن عمران بن حصين قال ‏"‏ ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صلى ركعتين، إلا المغرب صححه الترمذي، وعن علي ‏"‏ صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة السفر ركعتين إلا المغرب ثلاثا ‏"‏ أخرجه البزار، وفيه أيضا عن خزيمة بن ثابت وجابر وغيرهما وعن عائشة كما تقدم في أول الصلاة‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:18 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n124&p1#TOP)باب صَلَاةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ وَحَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة التطوع من الدابة‏)‏ في رواية كريمة وأبي الوقت ‏"‏ على الدواب ‏"‏ بصيغة الجمع، قال ابن رشيد‏:‏ أورد فيه الصلاة على الراحلة فيمكن أن يكون ترجم بأعم ليلحق الحكم بالقياس، ويمكن أن يستفاد ذلك من إطلاق حديث جابر المذكور في الباب ا ه‏.‏
وقد تقدم في أبواب الوتر قول الزين ابن المنير‏:‏ إنه ترجم بالدابة تنبيها على أن فرق بينها وبين البعير في الحكم إلى آخر كلامه، وأشرنا هناك إلى ما ورد هنا بعد باب بلفظ ‏"‏ الدابة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الأعلى‏)‏ هو ابن عبد الأعلى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه‏)‏ هو العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي حليف آل الخطاب، كان من المهاجربن الأولين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجنائز وآخر علقه في الصيام‏.‏
وفي رواية عقيل عن ابن شهاب الآتية بعد باب أن عامر بن ربيعة أخبره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصلي على راحلته‏)‏ بين في رواية عقيل أن ذلك في غير المكتوبة، وسيأتي بعد باب، وكذا لمسلم من رواية يونس عن ابن شهاب بلفظ ‏"‏ السبحة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حيث توجهت به‏)‏ هو أعم من قول جابر ‏"‏ في غير القبلة ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ قوله ‏"‏ حيث توجهت به ‏"‏ مفهومه أنه يجلس عليها على هيئته التي يركبها عليها ويستقبل بوجهه ما استقبلته الراحلة، فتقديره يصلي على راحلته التي له حيث توجهت به، فعلى هذا يتعلق قوله ‏"‏ توجهت به ‏"‏ بقوله ‏"‏ يصلي‏"‏، ويحتمل أن يتعلق بقوله ‏"‏ على راحلته‏"‏، لكن يؤيد الأول الرواية الآتية يعني رواية عقيل عن ابن شهاب بلفظ ‏"‏ وهو على الراحلة يسبح قبل أي وجه توجهت‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهُوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا شيبان‏)‏ هو النحوي، ويحيى هو ابن أبي كثير، ومحمد بن عبد الرحمن هو ابن ثوبان كما سنبينه بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو راكب‏)‏ في الرواية الآتية ‏"‏ على راحلته نحو المشرق ‏"‏ وزاد ‏"‏ وإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة‏"‏‏.‏
وبين في المغازي من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر أن ذلك كان في غزوة أنمار، وكان أرضهم قبل المشرق لمن يخرج من المدينة، فتكون القبلة على يسار القاصد إليهم‏.‏
وزاد الترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ ‏"‏ فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض من الركوع‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان ابن عمر يصلي على راحلته‏)‏ يعني في السفر، وصرح به في حديث الباب الذي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويوتر عليها‏)‏ لا يعارض ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير ‏"‏ أن ابن عمر كان يصلي على الراحلة تطوعا، فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض ‏"‏ لأنه محمول على أنه فعل كلا من الأمرين، ويؤيد رواية الباب ما تقدم في أبواب الوتر أنه أنكر على سعيد بن يسار نزوله الأرض ليوتر، وإنما أنكر عليه - مع كونه كان يفعله - لأنه أراد أن يبين له أن النزول بحتم، ويحتمل أن يتنزل فعل ابن عمر على حالين‏:‏ فحيث أوتر على الراحلة كان مجدا في السير، وحيث نزل فأوتر على الأرض كان بخلاف ذلك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n124&p1#TOP)باب الْإِيمَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإيماء على الدابة‏)‏ أي للركوع والسجود لمن لم يتمكن من ذلك، وبهذا قال الجمهور، وروى أشهب عن مالك أن الذي يصلي على الدابة لا يسجد بل يومئ‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ يُومِئُ وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبد العزيز‏)‏ تقدم هذا الحديث في أبواب الوتر ‏"‏ باب الوتر في السفر ‏"‏ عن موسى هذا عن جويرية بن أسماء، فكأن لموسى فيه شيخين، فإن الراوي عن ابن عمر في ذلك مغاير لهذا، وزاد في رواية جويرية ‏"‏ يومئ إيماء إلا الفرائض ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ الحديث يدل على الإيماء مطلقا في الركوع والسجود معا، والفقهاء قالوا‏:‏ يكون الإيماء في السجود أخفض من الركوع ليكون البدل على وفق الأصل، وليس في لفظ الحديث ما يثبته ولا ينفيه‏.‏
قلت‏:‏ إلا أنه وقع في حديث جابر عند الترمذي كما تقدم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n124&p1#TOP)باب يَنْزِلُ لِلْمَكْتُوبَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ينزل للمكتوبة‏)‏ أي لأجلها، قال ابن بطال‏:‏ أجمع العلماء على اشتراط ذلك، وأنه لا يجوز لأحد أن يصلي الفريضة على الدابة من غير عذر، حاشا ما ذكر في صلاة شدة الخوف وذكر فيه حديث عامر ربيعه وقد تقدم قريبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ سَالِمٌ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُسَافِرٌ مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يسبح‏)‏ أي يصلي النافلة، وقد تكرر في الحديث كثيرا، وسيأتي قريبا حديث عائشة ‏"‏ سبحة الضحى ‏"‏ والتسبيح حقيقة في قول سبحان الله، فإذا أطلق على الصلاة فهو من باب إطلاق اسم البعض على الكل، أو لأن المصلي منزه لله سبحانه وتعالى بإخلاص العبادة، والتسبيح التنزيه فيكون من باب الملازمة وأما اختصاص ذلك بالنافلة فهو عرف شرعي والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث‏)‏ وصله الإسماعيلي بالإسنادين المذكورين قبل بباين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبانَ قَالَ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قال الملهب‏:‏ هذه الأحاديث تخص قوله تعالى ‏(‏وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره‏)‏ وتبين أن قوله تعالى ‏(‏فأينما تولوا فثم وجه الله‏)‏ في النافلة، وقد أخذ بمضمون هذه الأحاديث فقهاء الأمصار، إلا أن أحمد وأبا ثور كانا يستحبان أن يستقبل القبلة بالتكبير حال ابتداء الصلاة، والحجة لذلك حديث الجارود بن أبي سبرة عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يتطوع في السير استقبل بناقته القبلة ثم صلى حيث وجهت ركابه أخرجه أبو داود وأحمد والدار قطني، واختلفوا في الصلاة على الدواب في السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة فذهب الجمهور إلى جواز ذلك في كل سفر، غير مالك فخصه بالسفر الذي تقصر فيه الصلاة، قال الطبري‏:‏ لا أعلم أحدا وافقه على ذلك‏.‏
قلت‏:‏ ولم يتفق على ذلك عنه، وحجته أن هذه الأحاديث إنما وردت في أسفاره صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عنه أنه سافر سفرا قصيرا فصنع ذلك، وحجة الجمهور مطلق الأخبار في ذلك، واحتج الطبري للجمهور من طريق النظر أن الله تعالى جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر، وقد أجمعوا على أن من كان خارج المصر على ميل أو أقل ونيته العود إلى منزله لا إلى سفر آخر ولم يجد ماء أنه يجوز له التيمم‏.‏
وقال‏:‏ فكما جاز له التيمم في هذا القدر جاز له النفل على الدابة لاشتراكهما في الرخصة ا ه وكأن السر فيما ذكر تيسير تحصيل النوافل على العباد وتكثيرها تعظيما لأجورهم رحمة من الله بهم‏.‏
وقد طرد أبو يوسف ومن وافقه التوسعة في ذلك فجوزه في الحضر أيضا‏.‏
وقال به من الشافعية أبو سعيد الإصطخري، واستدل بقوله ‏"‏ حيث كان وجهه ‏"‏ على أن جهة الطريق تكون بدلا عن القبلة حتى لا يجوز الانحراف عنها عامدا قاصدا لغير حاجة المسير إلا إن كان سائرا في غير جهة القبلة فانحرف إلى جهة القبلة فإن ذلك لا يضره على الصحيح، واستدل به على أن الوتر غير واجب عليه صلى الله عليه وسلم لإيقاعه إياه على الراحلة كما تقدم البحث فيه في ‏"‏ باب الوتر في السفر ‏"‏ من أبواب الوتر، واستنبط من دليل التنفل للراكب جواز التنفل للماشي، ومنعه مالك من أنه أجازه لراكب السفينة‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:19 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n124&p1#TOP)باب صَلَاةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْحِمَارِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة التطوع على الحمار‏)‏ قال ابن رشيد مقصوده أنه لا يشترط في التطوع على الدابة أن تكون الدابة طاهرة الفضلات، بل الباب في المركوبات واحد بشرط أن لا يماس النجاسة‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ يؤخذ من هذا الحديث طهارة عرق الحمار، لأن ملابسته مع التحرز منه متعذر لا سيما إذا طال الزمان في ركوبه واحتمل العرق‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَبَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ اسْتَقْبَلْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ قَدِمَ مِنْ الشَّأْمِ فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ فَقُلْتُ رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لَمْ أَفْعَلْهُ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حبان‏)‏ بفتح المهملة وبالموحدة هو ابن هلال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏استقبلنا أنس بن مالك‏)‏ بسكون اللام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين قدم من الشام‏)‏ كان أنس قد توجه إلى الشام يشكو من الحجاج، وقد ذكرت طرفا من ذلك في أوائل كتاب الصلاة، ووقع في رواية مسلم ‏"‏ حين قدم الشام ‏"‏ وغلطوه لأن أنس بن سيرين إنما تلقاه لما رجع من الشام فخرج ابن سيرين من البصرة ليتلقاه، ويمكن توجيهه بأن يكون المراد بقوله حين قدم الشام مجرد ذكر الوقت الذي وقع له فيه ذلك كما تقول فعلت كذا لما حججت، قال النووي‏:‏ رواية مسلم صحيحة ومعناه تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلقيناه بعين التمر‏)‏ هو موضع بطريق العراق مما يلي الشام وكانت به وقعة شهيرة في آخر خلافة أبي بكر بين خالد بن الوليد والأعاجم، ووجد بها غلمانا من العرب كانوا رهنا تحت يد كسرى منهم جد الكلبي المفسر وحمران مولى عثمان وسيرين مولى أنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأيتك تصلي لغير القبلة‏)‏ فيه إشعار بأنه لم ينكر الصلاة على الحمار ولا غير ذلك من هيئة أنس في ذلك، وإنما أنكر عدم استقبال القبلة فقط، وفي قول أنس ‏"‏ لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ‏"‏ يعني ترك استقبال القبلة للمتنفل على الدابة، وهل يؤخذ منه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمار‏؟‏ فيه احتمال، وقد نازع في ذلك الإسماعيلي فقال‏:‏ خبر أنس إنما هو في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم راكبا تطوعا لغير القبلة، فإفراد الترجمة في الحمار من جهة السنة لا وجه له عندي ا ه‏.‏
وقد روى السراج من طريق يحيى بن سعيد عن أنس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو ذاهب إلى خيبر إسناده حسن، وله شاهد عند مسلم من طريق عمرو بن يحيى المازني عن سعيد بن يسار عن ابن عمر ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر ‏"‏ فهذا يرجح الاحتمال الذي أشار إليه البخاري‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ لم يبين في هذه الرواية كيفية صلاة أنس، وذكره في الموطأ عن يحيى بن سعيد قال ‏"‏ رأيت أنسا وهو يصلي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع جبهته على شيء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورواه إبراهيم بن طهمان عن حجاج‏)‏ يعني ابن حجاج الباهلي، ولم يسق المصنف المتن ولا وقفنا عليه موصولا من طريق إبراهيم، نعم وقع عند السراج من طريق عمرو بن عامر عن الحجاج ابن الحجاج بلفظ ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على ناقته حيث توجهت به ‏"‏ فعلى هذا كأن أنسا قاس الصلاة على الراحلة بالصلاة على الحمار، وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى أن من صلى على موضع فيه نجاسة لا يباشرها بشيء منه أن صلاته صحيحة، لأن الدابة لا تخلو من نجاسة ولو على منفذها وفيه الرجوع إلى أفعاله كالرجوع إلى أقواله من غير عرضة للاعتراض عليه‏.‏
وفيه تلقى المسافر، وسؤال التلميذ شيخه عن مستند فعله والجواب بالدليل، وفيه التلطف في السؤال، والعمل بالإشارة لقوله ‏"‏ من ذا الجانب‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n124&p1#TOP)باب مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ دُبُرَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة‏)‏ زاد الحموي في روايته ‏"‏ وقبلها ‏"‏ والأرجح رواية الأكثر لما سيأتي في الباب الذي بعده، وقد تقدم شيء من مباحث هذا الباب في أبواب الوتر، والمقصود هنا بيان أن مطلق قول ابن عمر ‏"‏ صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر ‏"‏ أي يتنفل الرواتب التي قبل الفريضة وبعدها، وذلك مستفاد من قوله في الرواية الثانية ‏"‏ وكان لا يزيد في السفر على ركعتين ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهذا اللفظ يحتمل أن يريد أن لا يزيد في عدد ركعات الفرض فيكون كناية عن نفي الإتمام، والمراد به الإخبار عن المداومة على القصر، ويحتمل أن يريد لا يزيد نفلا، ويمكن أن يريد ما هو أعم من ذلك‏.‏
قلت‏:‏ ويدل على هذا الثاني رواية مسلم من الوجه الثاني الذي أخرجه المصنف ولفظه‏:‏ ‏"‏ صحبت ابن عمر في طريق مكة فصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة فرأى ناسا قياما فقال‏:‏ ما يصنع هؤلاء‏؟‏ قلت‏:‏ يسبحون‏.‏
قال‏:‏ لو كنت مسبحا لأتممت ‏"‏ فذكر المرفوع كما ساقه المصنف قال النووي‏:‏ أجابوا عن قول ابن عمر هذا بأن الفريضة محتمة، فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها، وأما النافلة فهي إلى خيرة المصلي، فطريق الرفق به أن تكون مشروعة ويخير فيها ا ه‏.‏
وتعقب بأن مراد ابن عمر بقوله ‏"‏ لو كنت مسبحا لأتممت ‏"‏ يعني أنه لو كان مخيرا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه، لكنه فهم من القصر التخفيف، فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ سَافَرَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عمر بن محمد‏)‏ هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر، وحفص هو ابن عاصم أي ابن عمر ابن الخطاب، ويحيى شيخ مسدد هو القطان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأبا بكر‏)‏ معطوف على قوله ‏"‏ صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعمر وعثمان‏)‏ أي أنه ‏(‏كذلك‏)‏ صحبهم، وكانوا لا يزيدون في السفر على ركعتين، وفي ذكر عثمان إشكال لأنه كان في آخر أمره يتم الصلاة كما تقدم تقريبا، فيحمل على الغالب‏.‏
أو المراد به أنه كان لا يتنفل في أول أمره ولا في آخره، وأنه إنما كان يتم إذا كان نازلا، وأما إذا كان سائرا فيقصر، فلذلك قيده في هذه الرواية بالسفر، وهذا أولى لما تقدم تقريره في الكلام على تأويل عثمان‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n124&p1#TOP)باب مَنْ تَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلَوَاتِ وَقَبْلَهَا
وَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلاة‏)‏ هذا مشعر بأن نفي التطوع في السفر محمول على ما بعد الصلاة خاصة فلا يتناول ما قبلها ولا ما لا تعلق له بها من النوافل المطلقة كالتهجد والوتر والضحى وغير ذلك، والفرق بين ما قبلها وما بعدها أن التطوع قبلها لا يظن أنه منها لأنه ينفصل عنها بالإقامة وانتظار الإمام غالبا ونحو ذلك، بخلاف ما بعدها فإنه في الغالب يتصل بها فقد يظن أنه منها‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ نقل النووي تبعا لغيره أن العلماء اختلفوا في التنفل في السفر على ثلاثة أقوال‏:‏ المنع مطلقا، والجواز مطلقا، والفرق بين الرواتب والمطلقة، وهو مذهب ابن عمر كما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن مجاهد قال ‏"‏ صحبت ابن عمر من المدينة إلى مكة، وكان يصلي تطوعا على دابته حيثما توجهت به، فإذا كانت الفريضة نزل فصلى‏"‏‏.‏
وأغفلوا قولا رابعا وهو الفرق بين الليل والنهار في المطلقة، وخامسا وهو ما فرغنا من تقريره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وركع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتي الفجر‏)‏ قلت‏:‏ ورد ذلك في حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن صلاة الصبح ففيه ‏"‏ ثم صلى ركعتين قبل الصبح ثم صلى الصبح كما كان يصلي ‏"‏ وله من حديث أبي هريرة في هذه القصة أيضا ‏"‏ ثم دعا بماء فتوضأ ثم صلى سجدتين - أي ركعتين - ثم أقيمت الصلاة فصلى صلاة الغداة ‏"‏ الحديث‏.‏
ولابن خزيمة والدار قطني من طريق سعيد بن المسيب عن بلال في هذه القصة ‏"‏ فأمر بلالا فأذن، ثم توضأ فصلوا ركعتين، ثم صلوا الغداة ‏"‏ ونحوه للدار قطني من طريق الحسن عن عمران بن حصين، قال صاحب الهدى‏:‏ لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر، إلا ما كان من سنة الفجر‏.‏
قلت‏:‏ ويرد على إطلاقه ما رواه أبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب قال ‏"‏ سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرا فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر ‏"‏ وكأنه لم يثبت عنده، لكن الترمذي استغربه ونقل عن البخاري أنه رآه حسنا، وقد حمله بعض العلماء على سنة الزوال لا على الراتبة قبل الظهر، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ مَا أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ ذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى غير أم هانئ‏)‏ هذا لا يدل على نفي الوقوع، لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى إنما نفى ذلك عن نفسه، وأما قول ابن بطال‏:‏ لا حجة في قول ابن أبي ليلى، وترد عليه الأحاديث الواردة في أنه صلى الضحى وأمر بها، ثم ذكر منها جملة، فلا يرد على ابن أبي ليلى شيء منها، وسيأتي الكلام على صلاة الضحى في باب مفرد في أبواب التطوع، والمقصود هنا أنه صلى الله عليه وسلم صلاها يوم فتح مكة، وقد تقدم في حديث ابن عباس أنه كان حينئذ يقصر الصلاة المكتوبة، وكان حكمه حكم المسافر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث حدثني يونس‏)‏ قد تقدم قبل ببابين موصولا من رواية الليث عن عقيل، ولكن لفظ الروايتين مختلف، ورواية يونس هذه وصلها الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يومئ برأسه‏)‏ هو تفسير لقوله ‏"‏ يسبح ‏"‏ أي يصلي إيماء، وقد تقدم في ‏"‏ باب الإيماء على الدابة ‏"‏ من وجه آخر عن ابن عمر، لكن هناك ذكره موقوفا ثم عقبه بالمرفوع، وهذا ذكر مرفوعا ثم عقبه بالموقوف، وفائدة ذلك مع أن الحجة قائمة بالمرفوع أن يبين أن العمل استمر على ذلك ولم يتطرق إليه نسخ ولا معارض ولا راجح، وقد اشتملت أحاديث الباب على أنواع ما يتطوع به سوى الراتبة التي بعد المكتوبة، فالأول لما قبل المكتوبة، والثاني لما له وقت مخصوص من النوافل كالضحى، والثالث لصلاة الليل، والرابع لمطلق النوافل‏.‏
وقد جمع ابن بطال بين ما اختلف عن ابن عمر في ذلك بأنه كان يمنع التنفل على الأرض ويقول به على الدابة‏.‏
وقال النووي تبعا لغيره‏:‏ لعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر، أو لعله تركها في بعض الأوقات لبيان الجواز ا ه‏.‏
وما جمعنا به تبعا للبخاري فيما يظهر أظهر، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n124&p1#TOP)باب الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء‏)‏ أورد فيه ثلاثة أحاديث‏:‏ حديث ابن عمر وهو مقيد بما إذا جد السير، وحديث ابن عباس وهو مقيد بما إذا كان سائرا، وحديث أنس وهو مطلق‏.‏
واستعمل المصنف الترجمة مطلقة إشارة إلى العمل بالمطلق لأن المقيد فرد من أفراده، وكأنه رأى جواز الجمع بالسفر سواء كان سائرا أم لا، وسواء كان سيره مجدا أم لا، وهذا مما وقع فيه الاختلاف بين أهل العلم، فقال بالإطلاق كثير من الصحابة والتابعين ومن الفقهاء الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأشهب‏.‏
وقال قوم‏:‏ لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة ومزدلفة وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه، ووقع عند النووي أن الصاحبين خالفه شيخهما، ورد عليه السروجي في شرح الهداية وهو أعرف بمذهبه، وسيأتي الكلام على الجمع بعرفة في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
وأجابوا عما ورد من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري، وهو أنه أخر المغرب مثلا إلى آخر وقتها وعجل العشاء في أول وقتها‏.‏
وتعقبه الخطابي وغيره بأن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة‏.‏
ومن الدليل على أن الجمع رخصة قول ابن عباس ‏"‏ أراد أن لا يحرج أمته ‏"‏ أخرجه مسلم، وأيضا فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين كما سيأتي في الباب الذي يليه، وذلك هو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع، ومما يرد الحمل على الجمع الصوري جمع التقديم الآتي ذكره بعد باب، وقيل يختص الجمع بمن يجد في السير‏.‏
قاله الليث، وهو القول المشهور عن مالك، وقيل يختص بالمسافر دون النازل وهو قول ابن حبيب، وقيل يختص بمن له عذر حكى عن الأوزاعي، وقيل يجوز جمع التأخير دون التقديم وهو مروي عن مالك وأحمد واختاره ابن حزم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أورد المصنف في أبواب التقصير أبواب الجمع لأنه تقصير بالنسبة إلى الزمان، ثم أبواب صلاة المعذور قاعدا لأنه تقصير بالنسبة إلى بعض صور الأفعال، ويجمع الجميع الرخصة للمعذور‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَعَنْ حُسَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ وَتَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ وَحَرْبٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَنَسٍ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله في حديث ابن عمر ‏(‏جد به السير‏)‏ أي اشتد‏.‏
قاله صاحب المحكم‏.‏
وقال عياض‏:‏ جد به السير أسرع، كذا قال‏:‏ وكأنه نسب الإسراع إلى السير توسعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم بن طهمان‏)‏ وصله البيهقي من طريق محمد بن عبدوس عن أحمد بن حفص النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم المذكور بسنده المذكور ابن عباس بلفظه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على ظهر سير‏)‏ كذا للأكثر بالإضافة‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ على ظهر ‏"‏ بالتنوين ‏"‏ يسير ‏"‏ بلفظ المضارع بتحتانية مفتوحة في أوله، قال الطيبي‏:‏ الظهر في قوله ‏"‏ ظهر سير ‏"‏ للتأكيد كقوله الصدقة عن ظهر غنى، ولفظ الظهر يقع في مثل هذا اتساعا للكلام كأن السير كان مستندا إلى ظهر قوي من المطى مثلا‏.‏
وقال غيره‏:‏ حصل للسير ظهر لأن الراكب ما دام سائرا فكأنه راكب ظهر‏.‏
قلت‏:‏ وفيه جناس التحريف بين الظهر والظهر، واستدل به على جواز جمع التأخير، وأما جمع التقديم فسيأتي الكلام عليه بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن حسين‏)‏ هو معطوف على الذي قبله والتقدير‏:‏ وقال إبراهيم ابن طهمان عن حسين عن يحيى عن حفص، وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج، ويحتمل أن يكون علقه عن حسين لا بقيد من رواية إبراهيم بن طهمان عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه على بن المبارك وحرب‏)‏ أي ابن شداد ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير ‏(‏عن حفص‏)‏ أي تابعا حسينا فأما متابعة علي بن المبارك فوصلها أبو نعيم في المستخرج من طريق عثمان بن عمر بن فارس عنه، وأما متابعة حرب فوصلها المصنف في آخر الباب الذي بعده، وقد تابعهم معمر عند أحمد وأبان بن يزيد عند الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:19 PM
اب هَلْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ إِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء‏)‏ ‏؟‏ قال ابن رشيد‏:‏ ليس في حديثي الباب تنصيص على الأذان، لكن في حديث ابن عمر منهما ‏"‏ يقيم المغرب فيصليها ‏"‏ ولم يرد بالإقامة نفس الأذان وإنما أراد يقيم للمغرب، فعلى هذا فكأن مراده بالترجمة‏:‏ هل يؤذن أو يقتصر على الإقامة، وجعل حديث أنس مفسرا بحديث ابن عمر، لأن في حديث ابن عمر حكما زائدا ا ه‏.‏
ولعل المصنف أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق حديث ابن عمر، ففي الدار قطني من طريق عمر بن محمد بن زيد عن نافع عن ابن عمر في قصة جمعه المغرب والعشاء ‏"‏ فنزل فأقام الصلاة، وكان لا ينادي بشيء من الصلاة في السفر، فقام فجمع بين المغرب والعشاء ثم رفع ‏"‏ الحديث‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ لعل الزاوي لما أطلق لفظ الصلاة استفيد منه أن المراد بها التامة بأركانها وشرائطها وسننها ومن جملتها الأذان والإقامة، وسبقه ابن بطال إلى نحو ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ وَيُقِيمُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا يُسَبِّحُ بَيْنَهُمَا بِرَكْعَةٍ وَلَا بَعْدَ الْعِشَاءِ بِسَجْدَةٍ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يؤخر صلاة المغرب‏)‏ لم يعين غاية التأخير، وبينه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بأنه بعد أن يغيب الشفق‏.‏
وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وموسى بن عقبة عن نافع ‏"‏ فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوى من الليل ‏"‏ وللمصنف في الجهاد من طريق أسلم مولى عمر عن ابن عمر في هذه القصة ‏"‏ حتى كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعشاء جمعا بينهما ‏"‏ ولأبي داود من طريق ربيعة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر في هذه القصة ‏"‏ فصار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين جمعا ‏"‏ وجاءت عن ابن عمر روايات أخرى ‏"‏ أنه صلى المغرب في آخر الشفق، ثم أقام الصلاة وقد توارى الشفق، فصلى العشاء ‏"‏ أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر عن نافع، ولا تعارض بينه وبين ما سبق لأنه كان في واقعة أخرى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء‏)‏ فيه إثبات للبث قليل، وذلك نحو ما وقع في الجمع بمزدلفة من إناخة الرواحل، ويدل عليه ما تقدم من الطرق التي فيها جمع بينهما وصلاهما جميعا، وفيه حجة على من حمل أحاديث الجمع على الجمع الصوري، قال إمام الحرمين‏:‏ ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها تأويل، ودليله من حيث المعنى الاستنباط من الجمع بعرفة ومزدلفة، فإن سببه احتياج الحاج إليه لاشتغالهم بمناسكهم، وهذا المعنى موجود في كل الأسفار ولم تتقيد الرخص كالقصر والفطر بالنسك، إلى أن قال‏:‏ ولا يخفى على منصف أن الجمع أرفق من القصر، فإن القائم إلى الصلاة لا يشق عليه ركعتان يضمهما إلى ركعتيه، ورفق الجمع واضح لمشقة النزول على المسافر، واحتج به من قال باختصاص الجمع لمن جد به السير، وسيأتي ذلك في الباب الذي بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حَرْبٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج، ومال أبو علي الجياني إلى أنه إسحاق بن منصور، وقد تقدم الكلام على حديث أنس في الباب الذي قبله‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n124&p1#TOP)باب يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى الْعَصْرِ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ
فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس‏)‏ في هذا إشارة إلى أن جمع التأخير عند المصنف يختص بمن ارتحل قبل أن يدخل وقت الظهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يشير إلى حديثه الماضي قبل باب، فإنه قيد الجمع فيه بما إذا كان على ظهر السير، ولا قائل بأنه يصليهما وهو راكب فتعين أن المراد به جمع التأخير، ويؤيده رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده من طريق مقسم عن ابن عباس ففيها التصريح بذلك وإن كان في إسناده مقال، لكنه يصلح للمتابعة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَسَّانُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حسان الواسطي‏)‏ هو ابن عبد الله بن سهل الكندي المصري، كان أبوه واسطيا فقدم مصر فولد بها حسان المذكور واستمر بها إلى أن مات‏.‏قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا المفضل بن فضالة‏)‏ بفتح الفاء بعدها معجمة خفيفة، من ثقات المصريين‏.‏
وفي الرواة حسان الواسطي آخر لكنه حسان بن حسان يروي عن شعبة وغيره ضعفه الدار قطني، ووهم بعض الناس فزعم أنه شيخ البخاري هنا وليس كذلك فإنه ليست له رواية عن المصريين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تزيغ‏)‏ بزاي ومعجمة أي تميل، وزاغت مالت، وذلك إذا قام الفيء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يجمع بينهما‏)‏ أي في وقت العصر‏.‏
وفي رواية قتيبة عن المفضل في الباب الذي بعده ‏"‏ ثم نزل فجمع بينهما ‏"‏ ولمسلم من رواية جابر بن إسماعيل عن عقيل ‏"‏ يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق‏"‏، وله من رواية شبابة عن عقيل‏:‏ ‏"‏ حتى يدخل أول وقت العصر، ثم يجمع بينهما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا زاغت‏)‏ أي قبل أن يرتحل كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n124&p1#TOP)باب إِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ مَا زَاغَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا ارتحل بعدما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب‏)‏ أورد فيه حديث أنس المذكور قبله وفيه ‏"‏ فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ‏"‏ كذا فيه الظهر فقط، وهو المحفوظ عن عقيل في الكتب المشهورة، ومقتضاه أنه كان لا يجمع ين الصلاتين إلا في وقت الثانية منهما، وبه احتج من أبي جمع التقديم كما تقدم، ولكن روى إسحاق بن راهويه هذا الحديث عن شبابة فقال ‏"‏ كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، وأعل بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق، وليس ذلك بقادح فإنهما إمامان حافظان‏.‏
وقد وقع نظيره في ‏"‏ الأربعين ‏"‏ للحاكم قال ‏"‏ حدثنا محمد بن يعقوب هو الأصم حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني هو أحد شيوخ مسلم قال حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب ‏"‏ قال الحافظ صلاح الدين العلائي‏:‏ هكذا وجدته بعد التتبع في نسخ كثيرة من الأربعين بزيادة العصر، وسند هذه الزيادة جيد‏.‏
انتهى‏.‏
قلت‏:‏ وهي متابعة قوية لرواية إسحاق بن راهويه إن كانت ثابتة، لكن في ثبوتها نظر، لأن البيهقي أخرج هذا الحديث عن الحاكم بهذا الإسناد مقرونا برواية أبي داود عن قتيبة وقال‏:‏ إن لفظهما سواء، إلا أن في رواية قتيبة ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية حسان ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ والمشهور في جمع التقديم ما أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطويل عن من معاذ بن جبل، وقد أعله جماعة من أئمة الحديث بتفرد قتيبة عن الليث، وأشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة، حكاه الحاكم في ‏"‏ علوم الحديث‏"‏، وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل، وهشام مختلف فيه وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبي الزبير كمالك والثوري وقرة بن خالد وغيرهم فلم يذكروا في روايتهم جمع التقدم، وورد في جمع التقديم حديث آخر عن ابن عباس أخرجه أحمد وذكره أبو داود تعليقا والترمذي في بعض الروايات عنه وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف، لكن له شواهد من طريق حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس لا أعلمه إلا مرفوعا ‏"‏ أنه كان إذا نزل منزلا في السفر فأعجبه أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر ثم يرتحل، فإذا لم يتهيأ له المنزل مد في السير فسار حتى ينزل فيجمع بين الظهر والعصر ‏"‏ أخرجه البيهقي ورجاله ثقات، إلا أنه مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف‏.‏
وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزوما بوقفه على ابن عباس ولفظه ‏"‏ إذا كنتم سائرين ‏"‏ فذكر نحوه‏.‏
وفي حديث أنس استحباب التفرقة في حال الجمع بين ما إذا كان سائرا أو نازلا، وقد استدل به على اختصاص الجمع بمن جد به السير، لكن وقع التصريح في حديث معاذ بن جبل في الموطأ ولفظه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جمعا‏"‏‏.‏
قال الشافعي في ‏"‏ الأم‏"‏‏.‏
قوله ‏"‏دخل ثم خرج ‏"‏ لا يكون إلا وهو نازل، فللمسافر أن يجمع نازلا ومسافرا‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ في هذا أوضح دليل على الرد على من قال لا يجمع إلا من جد به السير، وهو قاطع للالتباس‏.‏
انتهى‏.‏
وحكى عياض أن بعضهم أول قوله ‏"‏ ثم دخل ‏"‏ أي في الطريق مسافرا ‏"‏ ثم خرج ‏"‏ أي عن الطريق للصلاة، ثم استبعده، ولا شك في بعده، وكأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر عادته ما دل عليه حديث أنس والله أعلم‏.‏
ومن ثم قال الشافعية‏:‏ ترك الجمع أفضل وعن مالك رواية أنه مكروه، وفي هذه الأحاديث تخصيص لحديث الأوقات التي بينها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وبينها النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حيث قال في آخرها ‏"‏ الوقت ما بين هذين ‏"‏ وقد تقدمت الإشارة إليه في المواقيت ‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ تقدم الكلام على الجمع بين الصلاتين بعذر المطر أو المرض أو الحاجة في الحضر في المواقيت في ‏"‏ باب وقت الظهر ‏"‏ وفي ‏"‏ باب وقت المغرب‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:20 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n125&p1#TOP)باب صَلَاةِ الْقَاعِدِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة القاعد‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ أطلق الترجمة، فيحتمل أن يريد صلاة القاعد العذر إماما كان أو مأموما أو منفردا‏.‏
ويؤيده أن أحادث الباب دالة على التقييد بالعذر ويحتمل أن يريد مطلقا لعذر ولغير عذر ليبين أن ذلك جائز، إلا ما دل الإجماع على منعه وهو صلاة الفريضة للصحيح قاعدا ا ه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو شاك‏)‏ بالتنوين مخففا من الشكاية، وقد تقدم الكلام عليه موضحا في أبواب الإمامة، وكذا على حديث أنس، وفيه بيان سبب الشكاية وهما في صلاة الفرض بلا خلاف، وأما حديث عمران ففيه احتمال سنذكره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَكَانَ مَبْسُورًا قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَالَ إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا حسين‏)‏ هو المعلم كما صرح به في الباب الذي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمران بن حصين‏)‏ في رواية عفان عن عبد الوارث حدثنا عمران أخرجه الإسماعيلي، وفيه غنية عن تكلف ابن حبان إقامة الدليل على أن ابن بريدة عاصر عمران‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأخبرنا إسحاق‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وزاد إسحاق ‏"‏ والمراد به على الحالين إسحاق بن منصور شيخه في الإسناد الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبي‏)‏ هو عبد الوارث سعيد التنوري، وهذه الطريق أنزل من التي قبلها، وكذا من التي بعدها بدرجة، لكن استفيد منها تصريح ابن بريدة بقوله حدثني عمران‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان مبسورا‏)‏ بسكون الموحدة بعدها مهملة أي كانت به بواسير كما صرح به بعد باب، والبواسير جمع باسور يقال بالموحدة وبالنون، أو الذي بالموحدة ورم في باطن المقعدة والذي بالنون قرحة فاسدة لا تقبل البرء ما دام فيها ذلك الفساد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن صلاة الرجل قاعدا‏)‏ قال الخطابي‏:‏ كنت تأولت هذا الحديث على أن المراد به صلاة التطوع - يعني للقادر - لكن قوله ‏"‏ من صلى نائما ‏"‏ يفسده، لأن المضطجع لا يصلي التطوع كما يفعل القاعد، لأني لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في ذلك، قال‏:‏ فإن صحت هذه اللفظة ولم يكن بعض الرواة أدرجها قياسا منه للمضطجع على القاعد كما يتطوع المسافر على راحلته فالتطوع للقادر على القعود مضطجعا جائز بهذا الحديث‏.‏
قال‏:‏ وفي القياس المتقدم نظر، لأن القعود شكل من أشكال الصلاة بخلاف الاضطجاع‏.‏
قال‏:‏ وقد رأيت الآن أن المراد بحديث عمران المريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة، فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيبا له في القيام جواز قعوده‏.‏
انتهى‏.‏
وهو حمل متجه، ويؤيده صنيع البخاري حيث أدخل في الباب حديث عائشة وأنس وهما صلاة المفترض قطعا، وكأنه أراد أن تكون الترجمة شاملة لأحكام المصلي قاعدا، ويتلقى ذلك من الأحاديث التي أوردها في الباب، فمن صلى فرضا قاعدا وكان يشق عليه القيام أجزأه وكان هو ومن صلى قائما سواء كما دل عليه حديث أنس وعائشة، فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلف القيام، فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك نظير أجره على أصل الصلاة، فيصح أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم، ومن صلى النفل قاعدا مع القدرة على القيام أجزأه وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال‏.‏
وأما قول الباجي إن الحديث في المفترض والمتنفل معا فإن أراد بالمفترض ما قررناه فذاك، وإلا فقد أبى ذلك أكثر العلماء‏.‏
وحكى ابن التين وغيره عن أبي عبيد وابن الماجشون وإسماعيل القاضي وابن شعبان والإسماعيلي والداودي وغيرهم أنهم حملوا حديث عمران على المتنفل، وكذا نقله الترمذي عن الثوري قال‏:‏ وأما المعذور إذا صلى جالسا فله مثل أجر القائم‏.‏
ثم قال‏:‏ وفي هذا الحديث ما يشهد له، يشير إلى ما أخرجه البخاري في الجهاد من حديث أبي موسى رفعه ‏"‏ إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما كان يعمل صلى الله عليه وسلم وهو صحيح مقيم‏"‏، ولهذا الحديث شواهد كثيرة سيأتي ذكرها في الكلام عليه إن شاء الله تعالى‏.‏
ويؤيد ذلك قاعدة تغليب فضل الله تعالى وقبول عذر من له عذر، والله أعلم‏.‏
ولا يلزم من اقتصار العلماء المذكورين في حمل الحديث المذكور على صلاة النافلة أن لا ترد الصورة التي ذكرها الخطابي، وقد ورد في الحديث ما يشهد لها، فعند أحمد من طريق ابن جريج عن ابن شهاب عن أنس قال ‏"‏ قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي محمة، فحمى الناس، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون من قعود فقال‏:‏ صلاة القاعد نصف صلاة القائم ‏"‏ رجاله ثقات‏.‏
وعند النسائي متابع له من وجه آخر وهو وارد في المعذور فيحمل على من تكلف القيام مع مشقته عليه كما بحثه الخطابي‏.‏
وأما نفي الخطابي جواز التنفل مضطجعا فقد تبعه ابن بطال على ذلك وزاد‏:‏ لكن الخلاف ثابت، فقد نقله الترمذي بإسناده إلى الحسن البصري قال‏:‏ إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما وجالسا ومضطجعا‏.‏
وقال به جماعة من أهل العلم، وأحد الوجهين للشافعية، وصححه المتأخرون، وحكاه عياض وجها عند المالكية أيضا، وهو اختيار الأبهري منهم واحتج بهذا الحديث‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ سؤال عمران عن الرجل خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، بل الرجل والمرأة في ذلك سواء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن صلى قاعدا‏)‏ يستثنى من عمومه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن صلاته قاعدا لا ينقص أجرها عن صلاته قائما، لحديث عبد الله بن عمرو قال ‏"‏ بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ صلاة الرجل قاعد على نصف الصلاة، فأتيته فوجدته يصلي جالسا فوضع يدي على رأسي، فقال‏:‏ مالك يا عبد الله‏؟‏ فأخبرته‏.‏
فقال‏:‏ أجل، ولكني لست كأحد منكم ‏"‏ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏
وهذا ينبني على أن المتكلم داخل في عموم خطابه وهو الصحيح، وقد عد الشافعية في خصائصه صلى الله عليه وسلم هذه المسألة‏.‏
وقال عياض في الكلام على تنفله صلى الله عليه وسلم قاعدا‏:‏ قد علله في حديث عبد الله بن عمرو بقوله ‏"‏ لست كأحد منكم ‏"‏ فيكون هذا مما خص به‏.‏
قال‏:‏ ولعله أشار بذلك إلى من لا عذر له، فكأنه قال‏:‏ إني ذو عذر‏.‏
وقد رد النووي هذا الاحتمال قال‏:‏ وهو ضعيف أو باطل‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ لم يبين كيفية القعود، فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي، وهو قضية كلام الشافعي في البويطي، وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعا، وقيل يجلس مفترشا وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني وصححه الرافعي ومن تبعه، وقيل متوركا وفي كل منها أحاديث، وسيأتي الكلام على قوله ‏"‏ نائما ‏"‏ في الباب الذي يليه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n125&p1#TOP)باب صَلَاةِ الْقَاعِدِ بِالْإِيمَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة القاعد بالإيماء‏)‏ أورد فيه حديث عمران بن حصين أيضا، وليس فيه ذكر الإيماء، وإنما فيه مثل ما في الذي قبله ‏"‏ ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ مطابقة الحديث للترجمة من جهة أن من صلى على جنب فقد احتاج إلى الإيماء‏.‏
انتهى‏.‏
وليس ذلك بلازم‏.‏
نعم يمكن أن يكون البخاري يختار جواز ذلك، ومستنده ترك التفصيل فيه من الشارع، وهو أحد الوجهين للشافعية وعليه شرح الكرماني‏.‏
والأصح عند المتأخرين أنه لا يجوز للقادر الإيماء للركوع والسجود، وإن جاز التنفل مضطجعا، بل لا بد من الإتيان بالركوع والسجود حقيقة وقد اعترضه الإسماعيلي فقال‏:‏ ترجم بالإيماء ولم يقع في الحديث إلا ذكر النوم فكأنه صحف قوله ‏"‏ نائما ‏"‏ يعني بنون على اسم الفاعل من النوم فظنه بإيماء يعني بموحدة مصدر أومأ، فلهذا ترجم بذلك‏.‏
انتهى‏.‏
ولم يصب في ظنه أن البخاري صحفه، فقد وقع في رواية كريمة وغيرها عقب حديث الباب‏:‏ قال أبو عبد الله - يعني البخاري - قوله ‏"‏ نائما ‏"‏ عندي أي مضطجعا، فكأن البخاري كوشف بذلك‏.‏
وهذا التفسير قد وقع مثله في رواية عفان عن عب الوارث في هذا الحديث، قال عبد الوارث‏:‏ النائم المضطجع، أخرجه الإسماعيلي، قال الإسماعيلي‏:‏ معنى قوله نائما أي على جنب ا ه‏.‏
وقد وقع في رواية الأصيلي على التصحيف أيضا حكاه ابن رشيد، ووجهه بأن معناه من صلى قاعدا أومأ بالركوع والسجود، وهذا موافق للمشهور عند المالكية أنه يجوز له الإيماء إذا صلى نفلا قاعدا مع القدرة على الركوع والسجود، وهو الذي يتبين من اختيار البخاري‏.‏
وعلى رواية الأصيلي شرح ابن بطال وأنكر على النسائي ترجمته على هذا الحديث فضل صلاة القاعد على النائم، وادعى أن النسائي صحفه قال‏:‏ وغلطه فيه ظاهر لأنه ثبت الأمر للمصلي إذا وقع عليه النوم أن يقطع الصلاة، وعلل ذلك بأنه لعله يستغفر فيسب نفسه، قال‏:‏ فكيف يأمره بقطع الصلاة ثم يثبت أن له عليها نصف أجر القاعد ا ه‏.‏
وما تقدم من التعقب على الإسماعيلي يرد عليه قال شيخنا في شرح الترمذي بعد أن حكى كلام ابن بطال‏:‏ لعله هو الذي صحف، وإنما ألجأه إلى ذلك حمل قوله ‏"‏ نائما ‏"‏ على النوم الحقيقي الذي أمر المصلي إذا وجده بقطع الصلاة، وليس ذلك المراد هنا إنما المراد الاضطجاع كما تقدم تقريره، وقد ترجم النسائي ‏"‏ فضل صلاة القاعد على النائم ‏"‏ والصواب من الرواية نائما بالنون على اسم الفاعل من النوم والمراد به الاضطجاع كما تقدم، ومن قال غير ذلك فهو الذي صحف، والذي غرهم ترجمة البخاري وعسر توجيهها عليهم، ولله الحمد على ما وهب‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:21 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n125&p1#TOP)باب إِذَا لَمْ يُطِقْ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبٍ وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يطق‏)‏ أي الإنسان الصلاة في حال القعود صلى على جنبه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء إذا لم يقدر‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إن لم يقدر الخ ‏"‏ وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء بمعناه، ومطابقته للترجمة من جهة أن الجامع بينهما أن العاجز عن أداء فرض ينتقل إلى فرض دونه ولا يترك، وهو حجة على من زعم أن العاجز عن القعود في الصلاة تسقط عنه الصلاة، وقد حكاه الغزالي عن أبي حنيفة، وتعقب بأنه لا يوجد في كتب الحنفية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، وسقط ذكره من رواية أبي زيد المروزي ولا بد منه فإن عبدان لم يسمع من إبراهيم بن طهمان، والحسين المكتب هو ابن ذكوان المعلم الذي سبق في الباب قبله، قال الترمذي‏:‏ لا نعلم أحدا روى هذا عن حسين إلا إبراهيم، وروى أبو أسامة وعيسى بن يونس وغيرهما عن حسين على اللفظ السابق، ا ه‏.‏
ولا يؤخذ من ذلك تضعيف رواية إبراهيم كما فهمه ابن العربي تبعا لابن بطال ورد على الترمذي بأن رواية إبراهيم توافق الأصول ورواية غيرهما تخالفها فتكون رواية إبراهيم أرجح، لأن ذلك راجع إلى الترجيح من حيث المعنى لا من حيث الإسناد، وإلا فاتفاق الأكثر على شيء يقتضي أن رواية من خالفهم تكون شاذة، والحق أن الروايتين صحيحتان كما صنع البخاري، وكل منهما مشتملة على حكم غير الحكم الذي اشتملت عليه الأخرى والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الصلاة‏)‏ المراد عن صلاة المريض، بدليل قوله في أوله ‏"‏ كانت بي بواسير ‏"‏ وفي رواية وكيع عن إبراهيم بن طهمان ‏"‏ سألت عن صلاة المريض ‏"‏ أخرجه الترمذي وغيره‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الخطابي لعل هذا الكلام كان جواب فتيا استفتاها عمران، وإلا فليست علة البواسير بمانعة من القيام في الصلاة على ما فيها من الأذى ا ه‏.‏
ولا مانع من أن يسأل عن حكم ما لم يعلمه لاحتمال أن يحتاج إليه فيما بعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن لم تستطع‏)‏ استدل به من قال لا ينتقل المريض إلى القعود إلا بعد عدم القدرة على القيام، وقد حكاه عياض عن الشافعي، وعن مالك وأحمد وإسحاق لا يشترط العدم بل وجود المشقة، والمعروف عند الشافعية أن المراد بنفي الاستطاعة وجود المشقة الشديدة بالقيام، أو خوف زيارة المرض، أو الهلاك، ولا يكتفى بأدنى مشقة‏.‏
ومن المشقة الشديدة دوران الرأس في حق راكب السفينة وخوف الغرق لو صلى قائما فيها، وهل يعد في عدم الاستطاعة من كان كامنا في الجهاد ولو صلى قائما لرآه العدو فتجوز له الصلاة قاعدا أو لا‏؟‏ فيه وجهان للشافعية الأصح الجواز، لكن يقضى صلى الله عليه وسلم لكونه عذرا نادرا‏.‏
واستدل به على تساوي عدم الاستطاعة في القيام والقعود في الانتقال خلافا لمن فرق بينهما كإمام الحرمين، ويدل للجمهور أيضا حديث ابن عباس عند الطبراني بلفظ ‏"‏ يصلي قائما، فإن نالته مشقة فجالسا، فإن نالته مشقة صلى نائما ‏"‏ الحديث، فاعتبر في الحالين وجود المشقة ولم يفرق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعلى جنب‏)‏ في حديث علي عند الدار قطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه ‏"‏ وهو حجة للجمهور في الانتقال من القعود إلى الصلاة على الجنب، وعن الحنفية وبعض الشافعية يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة‏.‏
ووقع في حديث علي صلى الله عليه وسلم أن حالة الاستلقاء تكون عند العجز عن حالة الاضطجاع، واستدل به من قال لا ينتقل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى كالإشارة بالرأس ثم الإيماء بالطرف ثم إجراء القرآن والذكر على اللسان ثم على القلب لكون جميع ذلك لم يذكر في الحديث، وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية‏.‏
وقال بعض الشافعية بالترتيب المذكور وجعلوا مناط الصلاة حصول العقل فحيث كان حاضر العقل لا يسقط عند التكليف بها فيأتي بما يستطيعه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ‏"‏ هكذا استدل به الغزالي، وتعقبه الرافعي بأن الخبر أمر بالإتيان بما يشتمل عليه المأمور، والقعود لا يشتمل على القيام وكذا ما بعده إلى آخر ما ذكر، وأجاب عنه ابن الصلاح بأنا لا نقول إن الآتي بالقعود آت بما استطاعه من القيام مثلا، ولكنا نقول‏:‏ يكون آتيا بما استطاعه من الصلاة، لأن المذكورات أنواع لجنس الصلاة بعضها أدنى من بعض، فإذا عجز عن الأعلى وأتى بالأدنى كان آتيا بما استطاع من الصلاة‏.‏
وتعقب بأن كون هذه المذكورات من الصلاة فرع لمشروعية الصلاة بها وهو محل النزاع‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ اتفق لبعض شيوخنا فرع غريب في النقل كثير في الوقوع، وهو أن يعجز المريض عن التذكر ويقدر على الفعل فألهمه الله أن يتخذ من يلقنه فكان يقول‏:‏ أحرم بالصلاة، قل الله أكبر، اقرأ الفاتحة، قل الله أكبر للركوع إلى آخر الصلاة، يلقنه ذلك تلقينا وهو يفعل جميع ما يقول له بالنطق أو بالإيماء رحمه الله‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n125&p1#TOP)باب إِذَا صَلَّى قَاعِدًا ثُمَّ صَحَّ أَوْ وَجَدَ خِفَّةً تَمَّمَ مَا بَقِيَ
وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ شَاءَ الْمَرِيضُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا وَرَكْعَتَيْنِ قَاعِدًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا صلى قاعدا ثم صح أو وجد خفة تمم ما بقي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أتم ما بقي ‏"‏ أي لا يستأنف بل يبني عليه إتيانا بالوجه الأتم من القيام ونحوه، وفي هذه الترجمة إشارة إلى الرد على من قال‏:‏ من افتتح الفريضة قاعدا لعجزه عن القيام ثم أطلق القيام وجب عليه الاستئناف، وهو محكي عن محمد ابن الحسن، وخفي ذلك على ابن المنير حتى قال‏:‏ أراد البخاري بهذه الترجمة رفع خيال من تخيل أن الصلاة لا تتبعض فيجب الاستئناف على من صلى قاعدا ثم استطاع القيام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن إن شاء المريض‏)‏ أي في الفريضة ‏(‏صلى ركعتين قائما‏)‏ وهذا الأثر وصله ابن شيبة بمعناه، ووصله الترمذي أيضا بلفظ آخر، وتعقبه ابن التين بأنه لا وجه للمشيئة هنا لأن القيام لا يسقط عمن قدر عليه، إلا إن كان يريد بقوله ‏"‏ إن شاء ‏"‏ أي بكلفة كثيرة ا ه‏.‏
ويظهر أن مراده أن من افتتح الصلاة قاعدا ثم استطاع القيام كان له إتمامها قائما إن شاء بأن يبنى على ما صلى، وإن شاء استأنفها، فاقتضى ذلك جواز البناء وهو قول الجمهور‏.‏
ثم أورد المصنف حديث عائشة من رواية مالك بإسنادين له أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قاعدا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثلاثين أو أربعين آية قائما ثم ركع‏.‏
وزاد في الطريق الثانية منهما أنه كان يفعل ذلك في الركعة الثانية، وفي الأولى منهما تقييد ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الليل قاعدا إلا بعد أن أسن، وسيأتي في أثناء صلاة الليل من هذا الوجه بلفظ حتى إذا كبر‏.‏
وفي رواية عثمان بن أبي سليمان عن أبي سلمة عن عائشة ‏"‏ لم يمت حتى كان أكثر صلاته جالسا‏"‏، وفي حديث حفصة ‏"‏ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحته جالسا حتى إذا كان قبل موته بعام وكان يصلي في سبحته جالسا ‏"‏ الحديث أخرجهما مسلم، قال ابن التين‏:‏ قيدت عائشة ذلك بصلاة الليل لتخرج الفريضة، وبقولها ‏"‏ حتى أسن ‏"‏ لنعلم أنه إنما فعل ذلك إبقاء على نفسه ليستديم الصلاة، وأفادت أنه كان يديم القيام وأنه كان لا يجلس عما يطيقه من ذلك‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ هذه الترجمة تتعلق بالفريضة، وحديث عائشة يتعلق بالنافلة‏.‏
ووجه استنباطه أنه لما جاز في النافلة القعود لغير علة مانعة من القيام وكان عليه الصلاة والسلام يقوم فيها قبل الركوع كانت الفريضة التي لا يجوز القعود فيها إلا بعدم القدرة على القيام أولى ا ه‏.‏
والذي يظهر لي أن الترجمة ليست مختصة بالفريضة، بل قوله ‏"‏ ثم صح ‏"‏ يتعلق بالفريضة‏.‏
وقوله ‏"‏أو وجد خفة ‏"‏ يتعلق بالنافلة، وهذا الشق مطابق للحديث، ويؤخذ ما يتعلق بالشق الآخر بالقياس عليه، والجامع بينهما جواز إيقاع بعض الصلاة قاعدا وبعضها قائما، ودل حديث عائشة على جواز القعود في أثناء صلاة النافلة لمن افتتحها قائما كما يباح له أن يفتتحها قاعدا ثم يقوم، إذ لا فرق بين الحالتين، ولا سيما مع وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية خلافا لمن أبى ذلك، واستدل به على أن من افتتح صلاته مضطجعا ثم استطاع الجلوس أو القيام أتمها على ما أدت إليه حاله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ سَجَدَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ نَظَرَ فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا بقي من قراءته‏)‏ فيه إشارة إلى أن الذي كان يقرؤه قبل أن يقوم أكثر، لأن البقية تطلق في الغالب على الأقل‏.‏
وفي هذا الحديث أنه لا يشترط لمن افتتح النافلة قاعدا أن يركع قاعدا، أو قائما أن يركع قائما وسيأتي البحث في ذلك في ‏"‏ باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل ‏"‏ من أبواب التهجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا قضى صلاته نظر الخ‏)‏ يأتي الكلام عليه في أبواب التطوع في الكلام على ركعتي الفجر إن شاء الله تعالى‏.‏
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n125&p1#TOP)‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب التقصير وما معه من الأحاديث المرفوعة على اثنين وخمسين حديثا، المعلق منها ستة عشر حديثا والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون والبقية موصولة، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عباس في قدر الإقامة بمكة، وحديث جابر في التطوع راكبا إلى غير القبلة، وحديث أنس في الجمع بين المغرب والعشاء، وحديث عمران في صلاة القاعد‏.‏
وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة فمن بعدهم ستة آثار والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:23 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n126&p1#TOP)باب الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى وَالْمُدُنِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجمعة في القرى والمدن‏)‏ في هذه الترجمة إشارة إلى خلاف من خص الجمعة بالمدن دون القرى، وهو مروي عن الحنفية‏.‏
وأسنده ابن أبي شيبة عن حذيفة وعلى وغيرهما وعن عمر أنه كتب إلى أهل البحرين أن جمعوا حيثما كنتم‏.‏
وهذا يشمل المدن والقرى‏.‏
أخرجه ابن أبي شيبة أيضا من طريق أبي رافع عن أبي هريرة عن عمر، وصححه ابن خزيمة‏.‏
وروى البيهقي من طريق الوليد بن مسلم سألت الليث ابن سعد فقال‏:‏ كل مدينة أو قرية فيها جماعة أمروا بالجمعة، فإن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد عمر وعثمان بأمرهما وفيهما رجال من الصحابة‏.‏
وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعيب عليهم، فلما اختلف الصحابة وجب الرجوع إلى المرفوع صلى الله عليه وسلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنْ الْبَحْرَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ كذا رواه الحفاظ من أصحاب إبراهيم بن طهمان عنه، وخالفهم المعافى ابن عمران فقال‏:‏ عن ابن طهمان عن محمد بن زياد عن أبي هريرة، أخرجه النسائي، وهو خطأ من المعافى، ومن ثم تكلم محمد بن عبد الله بن عمار في إبراهيم بن طهمان ولا ذنب له فيه كما قاله صالح جزرة، وإنما الخطأ في إسناده من المعافى‏.‏
ويحتمل أن يكون لإبراهيم فيه إسنادان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن أول جمعة جمعت‏)‏ زاد وكيع عن ابن طهمان ‏"‏ في الإسلام ‏"‏ أخرجه أبو داود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعد جمعة‏)‏ زاد المصنف في أواخر المغازي ‏"‏ جمعت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية وكيع ‏"‏ بالمدينة ‏"‏ ووقع في رواية المعافى المذكورة ‏"‏ بمكة ‏"‏ وهو خطأ بلا مرية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بجواثى‏)‏ بضم الجيم وتخفيف الواو وقد تهمز ثم مثلثة خفيفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من البحرين‏)‏ في رواية وكيع ‏"‏ قرية من قرى البحرين ‏"‏ وفي أخرى عنه ‏"‏ من قرى عبد القيس ‏"‏ وكذا للإسماعيلي من رواية محمد بن أبي حفصة عن ابن طهمان، وبه يتم مراد الترجمة‏.‏
ووجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي، ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن كما استدل جابر وأبو سعيد على جواز العزل بأنهم فعلوه والقرآن ينزل فلم ينهوا عنه‏.‏
وحكى الجوهري والزمخشري وابن الأثير أن جوائي اسم حصن بالبحرين، وهذا لا ينافي كونها قرية‏.‏
وحكى ابن التين صلى الله عليه وسلم عن أبي الحسن اللخمي أنها مدينة، وما ثبت في نفس الحديث من كونها قرية أصح مع احتمال أن تكون في الأول قرية ثم صارت مدينة، وفيه إشعار بتقدم إسلام عبد القيس على غيرهم من أهل القرى، وهو كذلك كما قررته في أواخر كتاب الإيمان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ كَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِي الْقُرَى هَلْ تَرَى أَنْ أُجَمِّعَ وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ وَرُزَيْقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَنَا أَسْمَعُ يَأْمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد الأيلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كلكم راع وزاد الليث الخ‏)‏ فيه إشارة إلى أن رواية الليث متفقة مع ابن المبارك إلا في القصة فإنها مختصة برواية الليث، ورواية الليث معلقة، وقد وصلها الذهلي عن أبي صالح كاتب الليث عنه، وقد ساق المصنف رواية ابن المبارك بهذا الإسناد في كتاب الوصايا فلم يخالف رواية الليث إلا في إعادة قوله في آخره ‏"‏ وكلكم راع الخ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكتب رزيق بن حكيم‏)‏ هو بتقديم الراء على الزاي، والتصغير في اسمه واسم أبيه في روايتنا، وهذا هو المشهور في غيرها، وقيل بتقديم الزاي وبالتصغير فيه دون أبيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أجمع‏)‏ أي أصلي بمن معي الجمعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على أرض يعملها‏)‏ أي يزرع فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورزيق يومئذ على أيلة‏)‏ بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام بلدة معروفة في طريق الشام بين المدينة ومصر على ساحل القلزم، وكان رزيق أميرا عليها من قبل عمر بن عبد العزيز، والذي يظهر أن الأرض التي كان يزرعها من أعمال أيلة، ولم يسأل عن أيلة نفسها لأنها كانت مدينة كبيرة ذات قلعة وهي الآن خراب ينزل بها الحاج المصري والغزي صلى الله عليه وسلم وبعض آثارها ظاهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنا أسمع‏)‏ هو قول يونس، والجملة حالية، وقوله ‏"‏يأمره ‏"‏ حالة أخرى، وقوله ‏"‏يخبره ‏"‏ حال من فاعل يأمره، والمكتوب هو الحديث، والمسموع المأمور به قاله الكرماني‏.‏
والذي يظهر أن المكتوب هو عين المسموع، وهو الأمر والحديث معا‏.‏
وفي قوله ‏"‏ كتب ‏"‏ تجوز كأن ابن شهاب أملاه على كاتبه فسمعه يونس منه، ويحتمل أن يكون الزهري كتبه بخطه وقرأه بلفظه فيكون فيه حذف تقديره فكتب ابن شهاب وقرأه وأنا أسمع، ووجه ما احتج به على التجميع من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كلكم راع ‏"‏ أن على من كان أميرا إقامة الأحكام الشرعية - والجمعة منها - وكان رزيق عاملا على الطائفة التي ذكرها، وكان عليه أن يراعي حقوقهم ومن جملتها إقامة الجمعة‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ في هذه القصة إيماء إلى أن الجمعة تنعقد بغير إذن من السلطان إذا كان في القوم من يقوم بمصالحهم‏.‏
وفيه إقامة الجمعة في القرى خلافا لمن شرط لها المدن، فإن قيل؛ قوله ‏"‏ كلكم راع ‏"‏ يعم جميع الناس فيدخل فيه المرعي أيضا، فالجواب أنه مرعي باعتبار، راع باعتبار، حتى ولو لم يكن له أحد كان راعيا لجوارحه وحواسه، لأنه يجب عليه أن يقوم بحق الله وحق عباده، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله فيه ‏(‏قال وحسبت أن قد قال‏)‏ جزم الكرماني بأن فاعل ‏"‏ قال ‏"‏ هنا هو يونس، وفيه نظر، والذي يظهر أنه سالم، ثم ظهر لي أنه ابن عمر‏.‏
وسيأتي في كتاب الاستقراض بيان ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقد رواه الليث أيضا عن نافع عن ابن عمر بدون هذه الزيادة، أخرجه مسلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n126&p1#TOP)باب هَلْ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ غُسْلٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم‏)‏ تقدم التنبيه على ما تضمنته هذه الترجمة في ‏"‏ باب فضل الغسل ‏"‏ ويدخل في قوله ‏"‏ وغيرهم ‏"‏ العبد والمسافر والمعذور، وكأنه استعمل الاستفهام في الترجمة للاحتمال الواقع في حديث أبي هريرة ‏"‏ حق على كل مسلم أن يغتسل ‏"‏ فإنه شامل للجميع، والتقييد في حديث ابن عمر بمن حاء منكم يخرج من لم يجيء، والتقييد في حديث أبي سعيد بالمحتلم يخرج الصبيان، والتقييد في النهي عن منع النساء المساجد بالليل يخرج الجمعة‏.‏
وعرف بهذا وجه إيراد هذه الأحاديث في هذه الترجمة، وقد تقدم الكلام على أكثرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة‏)‏ وصله البيهقي بإسناد صحيح عنه وزاد ‏"‏ والجمعة على من يأتي أهله ‏"‏ ومعنى هذه الزيادة أن الجمعة تجب عنده على من يمكنه الرجوع إلى موضعه قبل دخول الليل، فمن كان فوق هذه المسافة لا تجب عليه عنده‏.‏
وسيأتي البحث فيه بعد باب‏.‏
وقد تقرر أن الآثار التي يوردها البخاري في التراجم تدل على اختيار ما تضمنته عنده، فهذا مصير منه إلى أن الغسل للجمعة لا يشرع إلا لمن وجبت عليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ رَوَاهُ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا
الشرح‏:‏
قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏فسكت ثم قال‏:‏ حق على كل مسلم الخ‏)‏ فاعل ‏"‏ سكت ‏"‏ هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أورده المصنف في ذكر بني إسرائيل من وجه آخر عن وهيب بهذا الإسناد دون قوله ‏"‏ فسكت ثم قال ‏"‏ ويؤكد كونه مرفوعا رواية مجاهد عن طاوس المقتصرة على الحديث الثاني، ولهذه النكتة أورده بعده فقال ‏"‏ رواه أبان بن صالح الخ ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من وجه آخر عن وهيب مقتصرا، وهذا التعليق عن مجاهد قد وصله البيهقي من طريق سعيد بن أبي هلال عن أبان المذكور، وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن طاوس وصرح فيه بسماعه له من أبي هريرة، أخرجه من طريق عمرو بن دينار عن طاوس وزاد فيه ‏"‏ ويمس طيبا إن كان لأهله ‏"‏ واستدل بقوله ‏"‏ لله على كل مسلم حق ‏"‏ للقائل بالوجوب، وقد تقدم البحث فيه‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-28-2013, 06:24 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n126&p1#TOP)باب هَلْ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ غُسْلٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم‏)‏ تقدم التنبيه على ما تضمنته هذه الترجمة في ‏"‏ باب فضل الغسل ‏"‏ ويدخل في قوله ‏"‏ وغيرهم ‏"‏ العبد والمسافر والمعذور، وكأنه استعمل الاستفهام في الترجمة للاحتمال الواقع في حديث أبي هريرة ‏"‏ حق على كل مسلم أن يغتسل ‏"‏ فإنه شامل للجميع، والتقييد في حديث ابن عمر بمن حاء منكم يخرج من لم يجيء، والتقييد في حديث أبي سعيد بالمحتلم يخرج الصبيان، والتقييد في النهي عن منع النساء المساجد بالليل يخرج الجمعة‏.‏
وعرف بهذا وجه إيراد هذه الأحاديث في هذه الترجمة، وقد تقدم الكلام على أكثرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة‏)‏ وصله البيهقي بإسناد صحيح عنه وزاد ‏"‏ والجمعة على من يأتي أهله ‏"‏ ومعنى هذه الزيادة أن الجمعة تجب عنده على من يمكنه الرجوع إلى موضعه قبل دخول الليل، فمن كان فوق هذه المسافة لا تجب عليه عنده‏.‏
وسيأتي البحث فيه بعد باب‏.‏
وقد تقرر أن الآثار التي يوردها البخاري في التراجم تدل على اختيار ما تضمنته عنده، فهذا مصير منه إلى أن الغسل للجمعة لا يشرع إلا لمن وجبت عليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ رَوَاهُ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا
الشرح‏:‏
قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏فسكت ثم قال‏:‏ حق على كل مسلم الخ‏)‏ فاعل ‏"‏ سكت ‏"‏ هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أورده المصنف في ذكر بني إسرائيل من وجه آخر عن وهيب بهذا الإسناد دون قوله ‏"‏ فسكت ثم قال ‏"‏ ويؤكد كونه مرفوعا رواية مجاهد عن طاوس المقتصرة على الحديث الثاني، ولهذه النكتة أورده بعده فقال ‏"‏ رواه أبان بن صالح الخ ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من وجه آخر عن وهيب مقتصرا، وهذا التعليق عن مجاهد قد وصله البيهقي من طريق سعيد بن أبي هلال عن أبان المذكور، وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن طاوس وصرح فيه بسماعه له من أبي هريرة، أخرجه من طريق عمرو بن دينار عن طاوس وزاد فيه ‏"‏ ويمس طيبا إن كان لأهله ‏"‏ واستدل بقوله ‏"‏ لله على كل مسلم حق ‏"‏ للقائل بالوجوب، وقد تقدم البحث فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في كل سبعة أيام يوما‏)‏ هكذا أبهم في هذه الطريق، وقد عينه جابر في حديثه عند النسائي بلفظ ‏"‏ الغسل واجب على كل مسلم في أسبوع يوما وهو يوم الجمعة ‏"‏ وصححه ابن خزيمة‏.‏
ولسعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة من حديث البراء بن عازب مرفوعا نحوه ولفظه ‏"‏ إن من الحق على المسلم أن يغتسل يوم الجمعة ‏"‏ الحديث، ونحوه للطحاوي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من الصحابة أنصاري مرفوعا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَتْ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ قَالَتْ وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي قَالَ يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله في رواية نافع عن ابن عمر ‏(‏قال كانت امرأة لعمر‏)‏ هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل أخت سعيد بن زيد أحد العشرة مما سماها الزهري فيما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه قال ‏"‏ كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل عند عمر بن الخطاب، وكانت تشهد الصلاة في المسجد، وكان عمر يقول لها‏:‏ والله إنك لتعلمين أني ما أحب هذا‏.‏
قالت‏:‏ والله لا أنتهي حتى تنهاني‏.‏قال‏:‏ فلقد طعن عمرو وإنها لفي المسجد ‏"‏ كذا ذكره مرسلا، ووصله عبد الأعلى عن معمر بذكر سالم بن عبد الله عن أبيه، لكن أبهم المرأة‏.‏
أخرجه أحمد عنه، وسماها أحمد من وجه آخر عن سالم قال ‏"‏ كان عمر رجلا غيورا وكان إذا خرج إلى الصلاة اتبعته عاتكة بنت زيد ‏"‏ الحديث، وهو مرسل أيضا، وعرف من هذا أن قوله في حديث الباب ‏"‏ فقيل لها لم تخرجين الخ ‏"‏ أن قائل ذلك كله هو عمر بن الخطاب، ولا مانع أن يعبر عن نفسه بقوله‏:‏ ‏"‏ إن عمر الخ ‏"‏ فيكون من باب التجريد أو الالتفات، وعلى هذا فالحديث من مسند عمر كما صرح به في رواية سالم المرسلة، ويحتمل أن تكون المخاطبة دارت بينها وبين ابن عمر أيضا لأن الحديث مشهور من روايته، ولا مانع أن يعبر عن نفسه بقيل لها الخ، وهذا مقتضى ما صنع الحميدي وأصحاب الأطراف، فإنهم أخرجوا هذا الحديث من هذا الوجه في مسند ابن عمر، وقد تقدم الكلام على فوائده مستوفى قبيل كتاب الجمعة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الإسماعيلي‏:‏ أورد البخاري حديث مجاهد عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد ‏"‏ وأراد بذلك أن الإذن إنما وقع لهن بالليل فلا تدخل فيه الجمعة‏.‏
قال‏:‏ ورواية أبي أسامة التي أوردها بعد ذلك تدل على خلاف ذلك، يعني قوله فيها ‏"‏ لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ‏"‏ انتهى‏.‏
والذي يظهر أنه جنح إلى أن هذا المطلق يحمل على ذلك المقيد‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n126&p1#TOP)باب الرُّخْصَةِ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْجُمُعَةَ فِي الْمَطَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر‏)‏ ضبط في روايتنا بكسر إن وهي الشرطية، ويحضر بفتح أوله أي الرجل‏.‏
وضبطه الكرماني بفتح أن ويحضر بلفظ المبني للمفعول، وهو متجه أيضا‏.‏
وأورد المصنف هنا حديث ابن عباس من رواية إسماعيل وهو المعروف بابن علية، وهو مناسب لما ترجم له، وبه قال الجمهور ومنهم من فرق بين قليل المطر وكثيره‏.‏
وعن مالك‏:‏ لا يرخص في تركها بالمطر‏.‏
وحديث ابن عباس هذا حجة في الجواز‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ الظاهر أن ابن عباس لا يرخص في ترك الجمعة، وأما قوله ‏"‏ صلوا في بيوتكم ‏"‏ فإشارة منه إلى العصر، فرخص لهم في ترك الجماعة فيها، وأما الجمعة فقد جمعهم لها فالظاهر أنه جمع بهم فيها‏.‏
قال‏:‏ ويحتمل أن يكون جمعهم للجمعة ليعلمهم بالرخصة في تركها في مثل ذلك ليعملوا به في المستقبل‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر أنه لم يجمعهم، وإنما أراد بقوله صلوا في بيوتكم مخاطبة من لم يحضر وتعليم من حضر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا قَالَ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي إِنَّ الْجُمْعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الجمعة عزمة‏)‏ استشكله الإسماعيلي فقال‏:‏ لا أخا له صحيحا، فإن أكثر الروايات بلفظ ‏"‏ إنما عزمة ‏"‏ أي كلمة المؤذن وهي ‏"‏ حي على الصلاة ‏"‏ لأنها دعاء إلى الصلاة تقتضي لسامعه الإجابة، ولو كان معنى الجمعة عزمة لكانت العزيمة لا تزول بترك بقية الأذان‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر أنه لم يترك بقية الأذان، وإنما أبدل قوله ‏"‏ حي على الصلاة ‏"‏ بقوله ‏"‏ صلوا في بيوتكم ‏"‏ والمراد بقوله ‏"‏ إن الجمعة عزمة ‏"‏ أي فلو تركت المؤذن يقول حي على الصلاة لبادر من سمعه إلى المجيء في المطر فيشق عليهم فأمرته أن يقول صلوا في بيوتكم لتعلموا أن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والدحض‏)‏ بفتح الدال المهملة وسكون الحاء المهملة - ويجوز فتحها - وآخره ضاد معجمة هو الزلق، وحكى ابن التين أن في رواية القابسي بالراء بدل الدال وهو الغسل، قال‏:‏ ولا معنى له هنا إلا إن حمل على أن الأرض حين أصابها المطر كالمغتسل والجامع بينهما الزلق‏.‏
وقد تقدمت بقية مباحث الحديث في أبواب الأذان‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في السياق عن عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيربن، وأنكره الدمياطي فقال‏:‏ كان زوج بنت سيرين فهو صهر ابن سيربن لا ابن عمه‏.‏
قلت‏:‏ ما المانع أن يكون بين سيرين والحارث أخوة من رضاع ونحوه، فلا ينبغي تغليط الرواية الصحيحة مع وجود الاحتمال المقبول‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n126&p1#TOP)باب مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ
وَعَلَى مَنْ تَجِبُ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَقَالَ عَطَاءٌ إِذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْهُ وَكَانَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَصْرِهِ أَحْيَانًا يُجَمِّعُ وَأَحْيَانًا لَا يُجَمِّعُ وَهُوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أين تؤتي الجمعة، وعلى من تجب‏؟‏ لقول الله تعالى‏:‏ إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله‏)‏ يعني أن الآية ليست صريحة في وجوب بيان الحكم المذكور، فلذلك أتى في الترجعة بصيغة الاستفهام‏.‏
والذي ذهب إليه الجمهور أنها تجب على من سمع النداء أو كان في قوة السامع سواء كان داخل البلد أو خارجه، ومحله كما صرح به الشافعي ما إذا كان المنادي صيتا والأصوات هادئة والرجل سميعا‏.‏
وفي السنن لأبي داود من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا ‏"‏ إنما الجمعة على من سمع النداء ‏"‏ وقال‏:‏ إنه اختلف في رفعه ووقفه‏.‏
وأخرجه الدار قطني من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم ‏"‏ أتسمع النداء‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فأجب ‏"‏ وقد تقدم في صلاة الجماعة ذكر من احتج به على وجوبها، فيكون في الجمعة أولى لثبوت الأمر بالسعي إليها‏.‏
وأما حديث ‏"‏ الجمعة على من آواه الليل إلى أهله ‏"‏ فأخرجه الترمذي، ونقل عن أحمد أنه لم يره شيئا‏.‏
وقال لمن ذكره‏:‏ استغفر ربك‏.‏
وقد تقدم قبل بباب من قول ابن عمر نحوه، والمعنى أنها تجب على من يمكنه الرجوع إلى أهله قبل دخول الليل، واستشكل بأنه يلزم منه أنه يجب السعي من أول النهار وهو بخلاف الآية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء الخ‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه، وقوله ‏"‏سمعت النداء أو لم تسمعه، يعني إذا كنت داخل البلد، وبهذا صرح أحمد، ونقل النووي أنه لا خلاف فيه، وزاد عبد الرزاق في هذا الأثر عن ابن جريح أيضا قلت لعطاء‏:‏ ما القرية الجامعة‏؟‏ قال‏:‏ ذات الجماعة والأمير والقاضي والدور المجتمعة الآخذ بعضها ببعض مثل جدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان أنس - إلى قوله - لا يجمع‏)‏ وصله مسدد في مسنده الكبير عن أبي عوانة عن حميد بهذا‏.‏
وقوله ‏"‏يجمع ‏"‏ أي يصلي بمن معه الجمعة، أو يشهد الجمعة بجامع البصرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو‏)‏ أي القصر، والزاوية موضع ظاهر البصرة معروف كانت فيه وقعة كبيرة بين الحجاج وابن الأشعث‏.‏
قال أبو عبيد البكري‏:‏ هو بكسر الواو موضع دان من البصرة‏.‏
وقوله ‏"‏على فرسخين ‏"‏ أي من البصرة‏.‏
وهذا وصله ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أنس أنه كان يشهد الجمعة من الزاوية وهي على فرسخين من البصرة، وهذا يرد على من زعم أن الزاوية موضع بالمدينة النبوية كان فيه قصر لأنس على فرسخين منها ويرجح الاحتمال الثاني، وعرف بهذا أن التعليق المذكور ملفق من أثرين، ولا يعارض ذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن ثابت قال ‏"‏ كان أنس يكون في أرضه وبينه وبين البصرة ثلاثة أميال فيشهد الجمعة بالبصرة ‏"‏ لكون الثلاثة أميال فرسخا واحدا لأنه يجمع بأن الأرض المذكورة غير القصر، وبأن أنسا كان يرى التجميع حتما إن كان على فرسخ ولا يراه حتما إذا كان أكثر من ذلك، ولهذا لم يقع في رواية ثابت التخيير في رواية حميد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْعَوَالِيِّ فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَارِ يُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُمْ الْعَرَقُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏.‏
‏(‏حدثنا أحمد بن صالح‏)‏ كذا في رواية أبي ذر، ووافقه ابن السكن، وعن غيرهما ‏"‏ حدثنا أحمد ‏"‏ غير منسوب، وجزم أبو نعيم في المستخرج بأنه ابن عيسى، والأول أصوب وفي هذا الإسناد لطيفة، وهو أن فيه ثلاثة دون عبيد الله بن أبي جعفر من أهل مصر وثلاثة فوقه من أهل المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ينتابون الجمعة‏)‏ أي يحضرونها نوبا، والانتياب افتعال من النوبة‏.‏
وفي رواية ‏"‏ يتناوبون‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والعوالي‏)‏ تقدم تفسيرها في المواقيت وأنها على أربعة أميال فصاعدا من المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيأتون في الغبار فيصيبهم الغبار‏)‏ كذا وقع للأكثر، وعند القابسي ‏"‏ فيأتون في العباء ‏"‏ بفتح المهملة والمد وهو أصوب، وكذا هو عند مسلم والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنسان منهم‏)‏ لم أقف على اسمه، وللإسماعيلي ‏"‏ ناس منهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا‏)‏ لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب، أو للشرط والجواب محذوف تقديره لكان حسنا‏.‏
وقد وقع في حديث ابن عباس عند أبي داود أن هذا كان مبدأ الأمر بالغسل للجمعة، ولأبي عوانة من حديث ابن عمر نحوه، وصرح في آخره بأنه صلى الله عليه وسلم قال حينئذ ‏"‏ من جاء منكم الجمعة فليغتسل ‏"‏ وقد استدلت به عمرة على أن غسل الجمعة شرع للتنظيف لأجل الصلاة كما سيأتي في الباب الذي بعده، فعلى هذا فمعنى قوله ‏"‏ ليومكم هذا ‏"‏ أي في يومكم هذا‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا رفق العالم بالمتعلم، واستحباب التنظيف لمجالسة أهل الخير، واجتناب أذى المسلم بكل طريق، وحرص الصحابة على امتثال الأمر ولو شق عليهم‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ فيه رد على الكوفيين حيث لم يوجبوا الجمعة على من كان خارج المصر، كذا قال‏.‏
وفيه نظر لأنه لو كان واجبا على أهل العوالي ما تناوبوا ولكانوا يحضرون جميعا، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-30-2013, 11:56 PM
كتاب الجنائز

*2*كتاب الجنائز

*3*باب مَا جَاءَ فِي الْجَنَائِزِ

وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلَّا لَهُ أَسْنَانٌ فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ وَإِلَّا لَمْ يُفْتَحْ لَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الجنائز‏)‏ كذا للأصيلي وأبي الوقت، والبسملة من الأصل، ولكريمة ‏"‏ باب في الجنائز ‏"‏ وكذا لأبي ذر لكن بحذف ‏"‏ باب ‏"‏ والجنائز بفتح الجيم لا غير جمع جنازة بالفتح والكسر لغتان، قال ابن قتيبة وجماعة‏:‏ الكسر أفصح، وقيل بالكسر للنعش وبالفتح للميت‏.‏

وقالوا لا يقال نعش إلا إذا كان عليه الميت‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أورد المصنف وغيره كتاب الجنائز بين الصلاة والزكاة لتعلقها بهما، ولأن الذي يفعل بالميت من غسل وتكفين وغير ذلك أهمه الصلاة عليه لما فيها من فائدة الدعاء له بالنجاة من العذاب ولا سيما عذاب القبر الذي سيدفن فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله‏)‏ قيل أشار بهذا إلى ما رواه أبو داود والحاكم من طريق كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل قال‏:‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ‏"‏ قال الزين بن المنير‏:‏ حذف المصنف جواب ‏"‏ من ‏"‏ من الترجمة مراعاة لتأويل وهب بن منبه فأبقاه إما ليوافقه أو ليبقي الخبر على ظاهره‏.‏

وقد روى ابن أبي حاتم في ترجمة أبي زرعة‏:‏ أنه لما احتضر أرادوا تلقينه، فتذكروا حديث معاذ، فحدثهم به أبو زرعة بإسناده، وخرجت روحه في آخر قول لا إله إلا الله‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ كأن المصنف لم يثبت عنده في التلقين شيء على شرطه فاكتفى بما دل عليه، وقد أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة من وجه آخر بلفظ ‏"‏ لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ‏"‏ وعن أبي سعيد كذلك، قال الزين بن المنير‏:‏ هذا الخبر يتناول بلفظه من قالها فبغته الموت، أو طالت حياته لكن لم يتكلم بشيء غيرها، ويخرج بمفهومه من تكلم لكن استصحب حكمها من غير تجديد نطق بها، فإن عمل أعمالا سيئة كان في المشيئة، وإن عمل أعمالا صالحة فقضية سعة رحمة الله أن لا فرق بين الإسلام النطقي والحكمي المستصحب والله أعلم‏.‏

انتهى‏.‏

وحكى الترمذي عن عبد الله بن المبارك أنه لقن عند الموت فأكثر عليه فقال‏:‏ إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم بكلام‏.‏

وهذا يدل على أنه كان يرى التفرقة في هذا المقام‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقيل لوهب بن منبه‏:‏ أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله إلخ‏)‏ يجوز نصب مفتاح على أنه خبر مقدم ورفعه على أنه مبتدأ، كأن القائل أشار إلى ما ذكر ابن إسحاق في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل العلاء بن الحضرمي قال له ‏"‏ إذا سئلت عن مفتاح الجنة فقل‏:‏ مفتاحها لا إله إلا الله ‏"‏ وروي عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه أخرجه البيهقي في الشعب وزاد ‏"‏ ولكن مفتاح بلا أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك ‏"‏ وهذه الزيادة نظير ما أجاب به وهب، فيحتمل أن تكون مدرجة في حديث معاذ‏.‏

وأما أثر وهب فوصله المصنف في التاريخ وأبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن سعيد بن رمانة بضم الراء وتشديد الميم وبعد الألف نون قال‏:‏ أخبرني أبي قال قيل لوهب بن منبه فذكره‏.‏

والمراد بقوله لا إله إلا الله في هذا الحديث وغيره كلمتا الشهادة، فلا يرد إشكال ترك ذكر الرسالة‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ قول لا إله إلا الله لقب جرى على النطق بالشهادتين شرعا‏.‏

وأما قول وهب فمراده بالأسنان التزام الطاعة فلا يرد إشكال موافقة الخوارج وغيرهم أن أهل الكبائر لا يدخلون الجنة‏.‏

وأما قوله ‏"‏ لم يفتح له ‏"‏ فكأن مراده لم يفتح له فتحا تاما، أو لم يفتح له في أولي الأمر، وهذا بالنسبة إلى الغالب، وإلا فالحق أنهم في مشيئة الله تعالى‏.‏

وقد أخرج سعيد بن منصور بسند حسن عن وهب بن منبه قريبا من كلامه هذا في التهليل ولفظه ‏"‏ عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه مثل الداعي بلا عمل مثل الرامي بلا وتر ‏"‏ قال الداودي‏:‏ قول وهب محمول على التشديد، ولعله لم يبلغه حديث أبي ذر، أي حديث الباب‏.‏

والحق أن من قال لا إله إلا الله مخلصا أتي بمفتاح وله أسنان، لكن من خلط ذلك بالكبائر حتى مات مصرا عليها لم تكن أسنانه قوية، فربما طال علاجه‏.‏

وقال ابن رشيد‏:‏ يحتمل أن يكون مراد البخاري الإشارة إلى أن من قال لا إله إلا الله مخلصا عند الموت كان ذلك مسقطا لما تقدم له، والإخلاص يستلزم التوبة والندم، ويكون النطق علما على ذلك‏.‏

وأدخل حديث أبي ذر ليبين أنه لا بد من الاعتقاد، ولهذا قال عقب حديث أبي ذر في كتاب اللباس‏:‏ قال أبو عبد الله‏:‏ هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم‏.‏

ومعنى قول وهب إن جئت بمفتاح له أسنان جياد فهو من باب حذف النعت إذا دل عليه السياق لأن مسمى المفتاح لا يعقل إلا بالأسنان وإلا فهو عود أو حديدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي أَوْ قَالَ بَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتاني آت‏)‏ سماه في التوحيد من طريق شعبة عن واصل ‏"‏ جبريل ‏"‏ وجزم بقوله ‏"‏ فبشرني ‏"‏ وزاد الإسماعيلي من طريق مهدي في أوله قصة قال ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له، فلما كان في بعض الليل تنحى فلبث طويلا، ثم أتانا فقال ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وأورده المصنف في اللباس من طريق أبي الأسود عن أبي ذر قال ‏"‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ ‏"‏ فدل على أنها رؤيا منام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أمتي‏)‏ أي من أمة الإجابة، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك أي أمة الدعوة وهو متجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يشرك بالله شيئا‏)‏ أورده المصنف في اللباس بلفظ ‏"‏ ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك ‏"‏ الحديث‏.‏

إنما لم يورده المصنف هنا جريا على عادته في إيثار الخفي على الجلي، وذلك أن نفي الشرك يستلزم إثبات التوحيد، ويشهد له استنباط عبد الله بن مسعود في ثاني حديثي الباب من مفهوم قوله ‏"‏ من مات يشرك بالله دخل النار ‏"‏ وقال القرطبي‏:‏ معنى نفي الشرك أن لا يتخذ مع الله شريكا في الإلهية، لكن هذا القول صار بحكم العرف عبارة عن الإيمان الشرعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت وإن زنى أو سرق‏)‏ قد يتبادر إلى الذهن أن القائل ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم والمقول له الملك الذي بشره به، وليس كذلك، بل القائل هو أبو ذر والمقول له هو النبي صلى الله عليه وسلم كما بينه المؤلف في اللباس‏.‏

وللترمذي ‏"‏ قال أبو ذر يا رسول الله ‏"‏ ويمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله مستوضحا وأبو ذر قاله مستبعدا، وقد جمع بينهما في الرقاق من طريق زيد بن وهب عن أبي ذر‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ حديث أبي ذر من أحاديث الرجاء التي أفضى الاتكال عليها ببعض الجهلة إلى الإقدام على الموبقات، وليس هو على ظاهره فإن القواعد استقرت على أن حقوق الآدميين لا تسقط بمجرد الموت على الإيمان، ولكن لا يلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد أن يدخله الجنة، ومن ثم رد صلى الله عليه وسلم على أبي ذر استبعاده‏.‏

ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‏"‏ دخل الجنة ‏"‏ أي صار إليها إما ابتداء من أول الحال وإما بعد أن يقع ما يقع من العذاب، نسأل الله العفو والعافية‏.‏

وفي هذا الحديث ‏"‏ من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من الدهر، أصابه قبل ذلك ما أصابه ‏"‏ وسيأتي بيان حاله في كتاب الرقاق‏.‏

وفي الحديث أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار، وأن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان، وأن غير الموحدين لا يدخلون الجنة‏.‏

والحكمة في الاقتصار على الزنا والسرقة الإشارة إلى جنس حق الله تعالى وحق العباد، وكأن أبا ذر استحضر قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ‏"‏ لأن ظاهره معارض لظاهر هذا الخبر، لكن الجمع بينهما على قواعد أهل السنة بحمل هذا على الإيمان الكامل ويحمل حديث الباب على عدم التخليد في النار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على رغم أنف أبي ذر‏)‏ بفتح الراء وسكون المعجمة ويقال بضمها وكسرها، وهو مصدر رغم بفتح الغين وكسرها مأخوذ من الرغم وهو التراب، وكأنه دعا عليه بأن يلصق أنفه بالتراب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ وَقُلْتُ أَنَا مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمر بن حفص‏)‏ أي ابن غياث، وشقيق هو أبو وائل، وعبد الله هو ابن مسعود، وكلهم كوفيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من مات يشرك بالله‏)‏ في رواية أبي حمزة عن الأعمش في تفسير البقرة ‏"‏ من مات وهو يدعو من دون الله ندا ‏"‏ وفي أوله ‏"‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أنا أخرى‏"‏، ولم تختلف الروايات في الصحيحين في أن المرفوع الوعيد والموقوف الوعد‏.‏

وزعم الحميدي في ‏"‏ الجمع ‏"‏ وتبعه مغلطاي في شرحه ومن أخذ عنه أن في رواية مسلم من طريق وكيع وابن نمير بالعكس بلفظ ‏"‏ من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، وقلت أنا من مات يشرك بالله شيئا دخل النار ‏"‏ وكأن سبب الوهم في ذلك ما وقع عند أبي عوانة والإسماعيلي من طريق وكيع بالعكس، لكن بين الإسماعيلي أن المحفوظ عن وكيع كما في البخاري، قال‏:‏ وإنما المحفوظ أن الذي قلبه أبو عوانة وحده وبذلك جزم ابن خزيمة في صحيحه، والصواب رواية الجماعة، وكذلك أخرجه أحمد من طريق عاصم وابن خزيمة من طريق يسار وابن حبان من طريق المغيرة كلهم عن شقيق، وهذا هو الذي يقتضيه النظر لأن جانب الوعيد ثابت بالقرآن وجاءت السنة على وفقه فلا يحتاج إلى استنباط، بخلاف جانب الوعد فإنه في محل البحث إذ لا يصح حمله على ظاهره كما تقدم‏.‏

وكأن ابن مسعود لم يبلغه حديث جابر الذي أخرجه مسلم بلفظ ‏"‏ قيل‏:‏ يا رسول الله ما الموجبتان‏؟‏ قال‏:‏ من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار ‏"‏ وقال النووي‏:‏ الجيد أن يقال سمع ابن مسعود اللفظتين من النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه في وقت حفظ إحداهما وتيقنها ولم يحفظ الأخرى فرفع المحفوظة وضم الأخرى إليها، وفي وقت بالعكس، قال‏:‏ فهذا جمع بين روايتي ابن مسعود وموافقته لرواية غيره في رفع اللفظتين انتهى‏.‏

وهذا الذي قال محتمل بلا شك، لكن فيه بعد مع اتحاد مخرج الحديث، فلو تعدد مخرجه إلى ابن مسعود لكان احتمالا قريبا مع أنه يستغرب من انفراد راو من الرواة بذلك دون رفقته وشيخهم ومن فوقه، فنسبة السهو إلى شخص ليس بمعصوم أولى من هذا التعسف‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ حكى الخطيب في ‏"‏ المدرج ‏"‏ أن أحمد بن عبد الجبار رواه عن أبي بكر بن عياش عن عاصم مرفوعا كله وأنه وهم في ذلك، وفي حديث ابن مسعود دلالة على أنه كان يقول بدليل الخطاب، ويحتمل أن يكون أثر ابن مسعود أخذه من ضرورة انحصار الجزاء في الجنة والنار، وفيه إطلاق الكلمة على الكلام الكثير وسيأتي البحث فيه في الأيمان والنذور‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 12:00 AM
*3*باب الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الأمر باتباع الجنائز‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يفصح بحكمه لأن قوله ‏"‏ أمرنا ‏"‏ أعم من أن يكون للوجوب أو للندب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَشْعَثِ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْقَسِّيِّ وَالْإِسْتَبْرَقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الأشعث‏)‏ هو ابن أبي الشعثاء المحاربي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن البراء بن عازب‏)‏ أورده في المظالم عن سعيد بن الربيع عن شعبة عن الأشعث فقال فيه ‏"‏ سمعت البراء بن عازب‏"‏، ولمسلم من طريق زهير بن معاوية عن الأشعث عن معاوية بن سويد قال ‏"‏ دخلت على البراء بن عازب فسمعته يقول ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع‏)‏ أما المأمورات فسنذكر شرحها في كتابي الأدب واللباس، والذي يتعلق منها بهذا الباب اتباع الجنائز‏.‏

وأما المنهيات فمحل شرحها كتاب اللباس وسيأتي الكلام عليها فيه، وسقط من المنهيات في هذا الباب واحدة سهوا إما من المصنف أو من شيخه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَرَوَاهُ سَلَامَةُ بْنُ رَوْحٍ عَنْ عُقَيْلٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ كذا في جميع الروايات غير منسوب‏.‏

وقال الكلاباذي‏:‏ هو الذهلي، وعمرو بن أبي سلمة هو التنيسي وقد ضعفه ابن معين بسبب أن في حديثه عن الأوزاعي مناولة وإجازة، لكن بين أحمد بن صالح المصري أنه كان يقول فيما سمعه ‏"‏ حدثنا ‏"‏ ولا يقول ذلك فيما لم يسمعه، وعلى هذا فقد عنعن هذا الحديث فدل على أنه لم يسمعه، والجواب عن البخاري أنه يعتمد على المناولة ويحتج بها، وقصارى هذا الحديث أن يكون منها، وقد قواه بالمتابعة التي ذكرها عقبة، ولم ينفرد به عمرو، ومع ذلك فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم وغيره عن الأوزاعي، وكأن البخاري اختار طريق عمرو لوقوع التصريح فيها بالإخبار بين الأوزاعي والزهري، ومتابعة عبد الرزاق التي ذكرها وصلها مسلم وقال في آخره‏:‏ كان معمر يرسل هذا الحديث وأسنده مرة عن ابن المسيب عن أبي هريرة‏.‏

وقد وقع لي معلقا في جزء الذهلي ‏"‏ قال أخبرنا عبد الرزاق ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وأما رواية سلامة وهو بتخفيف اللام وهو ابن أخي عقيل فأظنها في الزهريات للذهلي، وله نسخة عن عمه عن الزهري، ويقال إنه كان يرويها من كتاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حق المسلم على المسلم خمس‏)‏ في رواية مسلم من طريق عبد الرزاق ‏"‏ خمس تجب للمسلم على المسلم ‏"‏ وله من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ حق المسلم على المسلم ست ‏"‏ وزاد ‏"‏ وإذا استنصحك فانصح له ‏"‏ وقد تبين أن معنى ‏"‏ الحق ‏"‏ هنا الوجوب خلافا لقول ابن بطال‏:‏ المراد حق الحرمة والصحبة، والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رد السلام‏)‏ يأتي الكلام على أحكامه في الاستئذان، وعيادة المريض يأتي الكلام عليها في المرضى، وإجابة الداعي يأتي الكلام عليها في الوليمة، وتشميت العاطس يأتي الكلام عليه في الأدب‏.‏

وأما اتباع الجنائز فسيأتي الكلام عليه في ‏"‏ باب فضل اتباع الجنائز ‏"‏ في وسط كتاب الجنائز، والمقصود هنا إثبات مشروعيته فلا تكرار‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 12:01 AM
باب الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِذَا أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه‏)‏ أي لف فيها، قال ابن رشيد‏:‏ موقع هذه الترجمة من الفقه أن الموت لما كان سبب تغيير محاسن الحي التي عهد عليها - ولذلك أمر بتغميضه وتغطيته - كان ذلك مظنة للمنع من كشفه حتى قال النخعي‏:‏ ينبغي أن لا يطلع عليه إلا الغاسل له ومن يليه، فترجم البخاري على جواز ذلك، ثم أورد فيه ثلاثة أحاديث‏:‏ أولها حديث عائشة في دخول أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن مات، وسيأتي مستوفى في باب الوفاة آخر المغازي، ومطابقته للترجمة واضحة كما سنبينه، وأشد ما فيه إشكالا قول أبي بكر لا يجمع الله عليك موتتين، وعنه أجوبة‏:‏ فقيل هو على حقيقته وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال، لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف، وكالذي مر على قرية، وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها‏.‏

وقيل أراد لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره إذ يحيا ليسأل ثم يموت، وهذا جواب الداودي، وقيل لا يجمع الله موت نفسك وموت شريعتك‏.‏

وقيل كنى بالموت الثاني عن الكرب، أي لا نلقى بعد كرب هذا الموت كربا آخر‏.‏

ثانيها حديث أم العلاء الأنصارية في قصة عثمان بن مظعون وسيأتي بأتم من هذا السياق في ‏"‏ باب القرعة ‏"‏ آخر الشهادات، وفي التعبير‏.‏

ثالثها حديث جابر في موت أبيه وسيأتي في كتاب الجهاد‏.‏

ودلالة الأول والثالث مشكلة لأن أبا بكر إنما دخل قبل الغسل فضلا عن التكفين وعمر ينكر حينئذ أن يكون مات، ولأن جابرا كشف الثوب عن وجه أبيه قبل تكفينه‏.‏

وقد يقال في الجواب عن الأول‏:‏ إن الذي وقع دخول أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى أي مغطى، فيؤخذ منه أن الدخول على الميت يمتنع إلا إن كان مدرجا في أكفانه أو في حكم المدرج لئلا يطلع منه على ما يكره الاطلاع عليه‏.‏

وقال الزين بن المنير ما محصله‏:‏ كان أبو بكر عالما بأنه صلى الله عليه وسلم لا يزال مصونا عن كل أذى فساغ له الدخول من غير تنقيب عن الحال، وليس ذلك لغيره‏.‏

وأما الجواب عن حديث جابر فأجاب ابن المنير أيضا بأن ثياب الشهيد التي قتل فيها هي أكفانه فهو كالمدرج، ويمكن أن يقال نهيهم له عن كشف وجهه يدل على المنع من الاقتراب من الميت، ولكن يتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينهه، ويجاب بأن عدم نهيهم عن نهيه يدل على تقرير نهيهم، فتبين أن الدخول الثابت في الأحاديث الثلاثة كان في حالة الإدراج أو في حالة تقوم مقامها‏.‏

قال ابن رشيد‏:‏ المعنى الذي في الحديثين من كشف الميت بعد تسجيته مساو لحاله بعد تكفينه والله أعلم‏.‏

وفي هذه الأحاديث جواز تقبيل الميت تعظيما وتبركا وجواز التفدية بالآباء والأمهات، وقد يقال هي لفظة اعتادت العرب أن تقولها ولا تقصد معناها الحقيقي إذ حقيقة التفدية بعد الموت لا تتصور، وجواز البكاء على الميت، وسيأتي مبسوطا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمْ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ اجْلِسْ فَأَبَى فَقَالَ اجْلِسْ فَأَبَى فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَى الشَّاكِرِينَ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ومعمر هو ابن راشد، ويونس هو ابن يزيد، والسنح بضم المهملة وسكون النون بعدها حاء مهملة منازل بني الحارث بن الخزرج وكان أبو بكر متزوجا فيهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتيمم‏)‏ أي قصد‏.‏

وبرد حبرة بكسر المهملة وفتح الموحدة بوزن عنبة، ويجوز فيه التنوين على الوصف، وعدمه على الإضافة، وهي نوع من برود اليمن مخططة غالية الثمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقبله‏)‏ أي بين عينيه‏.‏

وقد ترجم عليه النسائي وأورده صريحا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏التي كتب الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ التي كتب ‏"‏ بضم أوله على البناء للمجهول‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ بَايَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ مِثْلَهُ وَقَالَ نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ مَا يُفْعَلُ بِهِ وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَعْمَرٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه اقتسم‏)‏ الهاء ضمير الشأن واقتسم بضم المثناة، والمعنى أن الأنصار اقترعوا على سكنى المهاجرين لما دخلوا عليهم المدينة‏.‏

وقولها ‏(‏فطار لنا‏)‏ أي وقع في سهمنا، وذكره بعض المغاربة بالصاد ‏"‏ فصار لنا ‏"‏ وهو صحيح من حيث المعنى إن ثبتت الرواية‏.‏

وقولها ‏(‏أبا السائب‏)‏ تعني عثمان المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يفعل بي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ به ‏"‏ وهو غلط منه، فإن المحفوظ في رواية الليث هذا، ولذلك عقبه المصنف برواية نافع بن يزيد عن عقيل التي لفظها ‏"‏ ما يفعل به ‏"‏ وعلق منها هذا القدر فقط إشارة إلى أن باقي الحديث لم يختلف فيه، ورواية نافع المذكورة وصلها الإسماعيلي، وأما متابعة شعيب فستأتي في أواخر الشهادات موصولة، وأما متابعة عمرو بن دينار فوصلها ابن أبي عمر في مسنده عن ابن عيينة عنه، وأما متابعة معمر فوصلها المصنف في التعبير من طريق ابن المبارك عنه، وقد وصلها عبد الرزاق عن معمر أيضا‏.‏

ورويناها في مسند عبد بن حميد ‏(‏ن 452‏)‏ قال أخبرنا عبد الرزاق ولفظه ‏"‏ فوالله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم ‏"‏ وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك موافقة لقوله تعالى في سورة الأحقاف ‏(‏قل ما كنت بدعا من الرسل، وما أدري ما يفعل بي ولا بكم‏)‏ وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى ‏(‏ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏)‏ لأن الأحقاف مكية، وسورة الفتح مدنية بلا خلاف فيهما، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ أنا أول من يدخل الجنة ‏"‏ وغير ذلك من الأخبار الصريحة في معناه، فيحتمل أن يحمل الإثبات في ذلك على العلم المجمل، والنفي على الإحاطة من حيث التفصيل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْهَانِي فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏وينهوني‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وينهونني ‏"‏ وهو أوجه، وفاطمة عمة جابر وهي شقيقة أبيه عبد الله بن عمرو، و ‏"‏ أو ‏"‏ في قوله ‏"‏ تبكين أو لا تبكين ‏"‏ للتخيير، ومعناه أنه مكرم بصنيع الملائكة وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه، ويحتمل أن يكون شكا من الراوي، وسيأتي البحث فيه في كتاب الجهاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه ابن جريج إلخ‏)‏ وصله مسلم من طريق عبد الرزاق عنه، وأوله ‏"‏ جاء قومي بأبي قتيلا يوم أحد‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 12:02 AM
باب الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِذَا أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه‏)‏ أي لف فيها، قال ابن رشيد‏:‏ موقع هذه الترجمة من الفقه أن الموت لما كان سبب تغيير محاسن الحي التي عهد عليها - ولذلك أمر بتغميضه وتغطيته - كان ذلك مظنة للمنع من كشفه حتى قال النخعي‏:‏ ينبغي أن لا يطلع عليه إلا الغاسل له ومن يليه، فترجم البخاري على جواز ذلك، ثم أورد فيه ثلاثة أحاديث‏:‏ أولها حديث عائشة في دخول أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن مات، وسيأتي مستوفى في باب الوفاة آخر المغازي، ومطابقته للترجمة واضحة كما سنبينه، وأشد ما فيه إشكالا قول أبي بكر لا يجمع الله عليك موتتين، وعنه أجوبة‏:‏ فقيل هو على حقيقته وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال، لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف، وكالذي مر على قرية، وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها‏.‏

وقيل أراد لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره إذ يحيا ليسأل ثم يموت، وهذا جواب الداودي، وقيل لا يجمع الله موت نفسك وموت شريعتك‏.‏

وقيل كنى بالموت الثاني عن الكرب، أي لا نلقى بعد كرب هذا الموت كربا آخر‏.‏

ثانيها حديث أم العلاء الأنصارية في قصة عثمان بن مظعون وسيأتي بأتم من هذا السياق في ‏"‏ باب القرعة ‏"‏ آخر الشهادات، وفي التعبير‏.‏

ثالثها حديث جابر في موت أبيه وسيأتي في كتاب الجهاد‏.‏

ودلالة الأول والثالث مشكلة لأن أبا بكر إنما دخل قبل الغسل فضلا عن التكفين وعمر ينكر حينئذ أن يكون مات، ولأن جابرا كشف الثوب عن وجه أبيه قبل تكفينه‏.‏

وقد يقال في الجواب عن الأول‏:‏ إن الذي وقع دخول أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى أي مغطى، فيؤخذ منه أن الدخول على الميت يمتنع إلا إن كان مدرجا في أكفانه أو في حكم المدرج لئلا يطلع منه على ما يكره الاطلاع عليه‏.‏

وقال الزين بن المنير ما محصله‏:‏ كان أبو بكر عالما بأنه صلى الله عليه وسلم لا يزال مصونا عن كل أذى فساغ له الدخول من غير تنقيب عن الحال، وليس ذلك لغيره‏.‏

وأما الجواب عن حديث جابر فأجاب ابن المنير أيضا بأن ثياب الشهيد التي قتل فيها هي أكفانه فهو كالمدرج، ويمكن أن يقال نهيهم له عن كشف وجهه يدل على المنع من الاقتراب من الميت، ولكن يتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينهه، ويجاب بأن عدم نهيهم عن نهيه يدل على تقرير نهيهم، فتبين أن الدخول الثابت في الأحاديث الثلاثة كان في حالة الإدراج أو في حالة تقوم مقامها‏.‏

قال ابن رشيد‏:‏ المعنى الذي في الحديثين من كشف الميت بعد تسجيته مساو لحاله بعد تكفينه والله أعلم‏.‏

وفي هذه الأحاديث جواز تقبيل الميت تعظيما وتبركا وجواز التفدية بالآباء والأمهات، وقد يقال هي لفظة اعتادت العرب أن تقولها ولا تقصد معناها الحقيقي إذ حقيقة التفدية بعد الموت لا تتصور، وجواز البكاء على الميت، وسيأتي مبسوطا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمْ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ اجْلِسْ فَأَبَى فَقَالَ اجْلِسْ فَأَبَى فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَى الشَّاكِرِينَ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ومعمر هو ابن راشد، ويونس هو ابن يزيد، والسنح بضم المهملة وسكون النون بعدها حاء مهملة منازل بني الحارث بن الخزرج وكان أبو بكر متزوجا فيهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتيمم‏)‏ أي قصد‏.‏

وبرد حبرة بكسر المهملة وفتح الموحدة بوزن عنبة، ويجوز فيه التنوين على الوصف، وعدمه على الإضافة، وهي نوع من برود اليمن مخططة غالية الثمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقبله‏)‏ أي بين عينيه‏.‏

وقد ترجم عليه النسائي وأورده صريحا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏التي كتب الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ التي كتب ‏"‏ بضم أوله على البناء للمجهول‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ بَايَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ مِثْلَهُ وَقَالَ نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ مَا يُفْعَلُ بِهِ وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَعْمَرٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه اقتسم‏)‏ الهاء ضمير الشأن واقتسم بضم المثناة، والمعنى أن الأنصار اقترعوا على سكنى المهاجرين لما دخلوا عليهم المدينة‏.‏

وقولها ‏(‏فطار لنا‏)‏ أي وقع في سهمنا، وذكره بعض المغاربة بالصاد ‏"‏ فصار لنا ‏"‏ وهو صحيح من حيث المعنى إن ثبتت الرواية‏.‏

وقولها ‏(‏أبا السائب‏)‏ تعني عثمان المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يفعل بي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ به ‏"‏ وهو غلط منه، فإن المحفوظ في رواية الليث هذا، ولذلك عقبه المصنف برواية نافع بن يزيد عن عقيل التي لفظها ‏"‏ ما يفعل به ‏"‏ وعلق منها هذا القدر فقط إشارة إلى أن باقي الحديث لم يختلف فيه، ورواية نافع المذكورة وصلها الإسماعيلي، وأما متابعة شعيب فستأتي في أواخر الشهادات موصولة، وأما متابعة عمرو بن دينار فوصلها ابن أبي عمر في مسنده عن ابن عيينة عنه، وأما متابعة معمر فوصلها المصنف في التعبير من طريق ابن المبارك عنه، وقد وصلها عبد الرزاق عن معمر أيضا‏.‏

ورويناها في مسند عبد بن حميد ‏(‏ن 452‏)‏ قال أخبرنا عبد الرزاق ولفظه ‏"‏ فوالله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم ‏"‏ وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك موافقة لقوله تعالى في سورة الأحقاف ‏(‏قل ما كنت بدعا من الرسل، وما أدري ما يفعل بي ولا بكم‏)‏ وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى ‏(‏ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏)‏ لأن الأحقاف مكية، وسورة الفتح مدنية بلا خلاف فيهما، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ أنا أول من يدخل الجنة ‏"‏ وغير ذلك من الأخبار الصريحة في معناه، فيحتمل أن يحمل الإثبات في ذلك على العلم المجمل، والنفي على الإحاطة من حيث التفصيل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْهَانِي فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏وينهوني‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وينهونني ‏"‏ وهو أوجه، وفاطمة عمة جابر وهي شقيقة أبيه عبد الله بن عمرو، و ‏"‏ أو ‏"‏ في قوله ‏"‏ تبكين أو لا تبكين ‏"‏ للتخيير، ومعناه أنه مكرم بصنيع الملائكة وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه، ويحتمل أن يكون شكا من الراوي، وسيأتي البحث فيه في كتاب الجهاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه ابن جريج إلخ‏)‏ وصله مسلم من طريق عبد الرزاق عنه، وأوله ‏"‏ جاء قومي بأبي قتيلا يوم أحد‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 12:04 AM
باب الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْل الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه‏)‏ كذا في أكثر الروايات، ووقع للكشميهني بحذف الموحدة‏.‏

وفي رواية الأصيلي بحذف ‏"‏ أهل ‏"‏ فعلى الرواية المشهورة يكون المفعول محذوفا والضمير في قوله ‏"‏ بنفسه ‏"‏ للراجل الذي ينعى الميت إلى أهل الميت بنفسه‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏ الضمير للميت لأن الذي ينكر عادة هو نعي الناس لما يدخل على القلب من هول الموت انتهى، والأول أولى، وأشار المهلب إلى أن في الترجمة خللا قال‏:‏ والصواب الرجل ينعى إلى الناس الميت بنفسه كذا قال، ولم يصنع شيئا إلا أنه أبدل لفظ الأهل بالناس، وأثبت المفعول المحذوف، ولعله كان ثابتا في الأصل فسقط أو حذف عمدا لدلالة الكلام عليه، أو لفظ ‏"‏ ينعى ‏"‏ بضم أوله، والمراد بالرجل الميت والضمير حينئذ له كما قال الزين بن المنير، ويستقيم عليه رواية الكشميهني‏.‏

وأما التفكير بالأهل فلا خلل فيه لأن مراده به ما هو أعم من القرابة وهو أخوة الدين، وهو أولى من التعبير بالناس لأنه يخرج من ليس له به أهلية كالكفار، وأما رواية الأصيلي فقال ابن رشيد إنها فاسدة، قال‏:‏ وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعا كله، وإنما نهي عما كان أهل الجاهلية يصنعونه فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق‏.‏

وقال ابن المرابط‏:‏ مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام‏.‏

وأما نعي الجاهلية فقال سعيد بن منصور ‏"‏ أخبرنا ابن علية عن ابن عون قال قلت لإبراهيم‏:‏ أكانوا يكرهون النعي‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال ابن عون‏:‏ كانوا إذا توفي الرجل ركب رجل دابة ثم صاح في الناس‏:‏ أنعي فلانا ‏"‏ وبه إلى ابن عون قال‏:‏ قال ابن سيرين‏:‏ لا أعلم بأسا أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه‏.‏

وحاصله أن محض الإعلام بذلك لا يكره، فإن زاد على ذلك فلا، وقد كان بعض السلف يشدد في ذلك حتى ‏"‏ كان حذيفة إذا مات له الميت يقول‏:‏ لا تؤذنوا به أحدا، إني أخاف أن يكون نعيا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين ينهى عن النعي ‏"‏ أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن، قال ابن العربي‏:‏ يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات، الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة، الثانية دعوة الحفل للمفاخرة فهذه تكره، الثالثة الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم‏.‏

ثم ذكر المصنف في الباب حديثين‏:‏ أحدهما حديث أبي هريرة في الصلاة على النجاشي وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الجنائز، ثانيهما حديث أنس في قصة قتل الأمراء بمؤتة وسيأتي الكلام عليه في المغازي‏.‏

وورد في علامات النبوة بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا ‏"‏ الحديث، قال الزين بن المنير‏:‏ وجه دخول قصة الأمراء في الترجمة أن نعيهم كان لأقاربهم وللمسلمين الذين هم أهلهم من جهة الدين، ووجه دخول قصة النجاشي كونه كان غريبا في ديار قومه فكان للمسلمين من حيث الإسلام أخا فكانوا أخص به من قرابته‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون بعض أقرباء النجاشي كان بالمدينة حينئذ ممن قدم مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة كذي مخمر ابن أخي النجاشي فيستوي الحديثان في إعلام أهل كل منهما حقيقة ومجازا‏.‏

*3*باب الْإِذْنِ بِالْجَنَازَةِ

وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا آذَنْتُمُونِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الإذن بالجنازة‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ ضبطناه بكسر الهمزة وسكون المعجمة، وضبطه ابن المرابط بمد الهمزة وكسر الذال على وزن الفاعل‏.‏

قلت‏:‏ والأول أوجه، والمعنى الإعلام بالجنازة إذا انتهى أمرها ليصلى عليها‏.‏

قيل‏:‏ هذه الترجمة تغاير التي قبلها من جهة أن المراد بها الإعلام بالنفس وبالغير، قال الزين بن المنير‏:‏ هي مرتبة على التي قبلها لأن النعي إعلام من لم يتقدم له علم بالميت، والإذن إعلام من علم بتهيئة أمره وهو حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو رافع عن أبي هريرة قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا كنتم آذنتموني‏)‏ هذا طرف من حديث تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب كنس المسجد ‏"‏ ومناسبته للترجمة واضحة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَاتَ إِنْسَانٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَمَاتَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ فَقَالَ مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي قَالُوا كَانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد‏)‏ هو ابن سلام كما جزم به أبو علي بن السكن في روايته عن الفربري، وأبو معاوية هو الضرير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده‏)‏ وقع في شرح الشيخ سراج الدين عمر بن الملقن أنه الميت المذكور في حديث أبي هريرة الذي كان يقم المسجد، وهو وهم منه لتغاير القصتين، فقد تقدم أن الصحيح في الأول أنها امرأة وأنها أم محجن، وأما هذا فهو رجل واسمه طلحة بن البراء بن عمير البلوي حليف الأنصار روى حديثه أبو داود مختصرا والطبراني من طريق عروة بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن حسين بن وحوح الأنصاري وهو بمهملتين بوزن جعفر ‏"‏ أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال‏.‏

إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا ‏"‏ فلم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بني سالم بن عوف حتى توفي، وكان قال لأهله لما دخل الليل‏:‏ إذا مت فادفنوني ولا تدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف عليه يهودا أن يصاب بسببي، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبح فجاء حتى وقف على قبره فصف الناس معه، ثم رفع يديه فقال‏:‏ اللهم الق طلحة يضحك إليك وتضحك إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان الليل‏)‏ بالرفع، وكذا قوله ‏"‏ وكانت ظلمة ‏"‏ فكان فيهما تامة، وسيأتي الكلام على حكم الصلاة على القبر في ‏"‏ باب صفوف الصبيان مع الرجال على الجنازة ‏"‏ مع بقية الكلام على هذا الحديث‏.‏

*3*باب فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَ

وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من مات له ولد فاحتسب‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ عبر المصنف بالفضل ليجمع بين مختلف الأحاديث الثلاثة التي أوردها، لأن في الأول دخول الجنة، وفي الثاني الحجب عن النار، وفي الثالث تقييد الولوج بتحلة القسم، وفي كل منها ثبوت الفضل لمن وقع له ذلك‏.‏

ويجمع بينها بأن يقال‏:‏ الدخول لا يستلزم الحجب ففي ذكر الحجب فائدة زائدة لأنها تستلزم الدخول من أول وهلة، وأما الثالث فالمراد بالولوج الورود وهو المرور على النار كما سيأتي البحث فيه عند قوله ‏"‏ إلا تحلة القسم ‏"‏ والمار عليها على أقسام‏:‏ منهم من لا يسمع حسيسها وهم الذين سبقت لهم الحسنى من الله كما في القرآن، فلا تنافي مع هذا بين الولوج والحجب، وعبر بقوله ‏"‏ ولد ‏"‏ ليتناول الواحد فصاعدا وإن كان حديث الباب قد قيد بثلاثة أو اثنتين، لكن وقع في بعض طرقه ذكر الواحد ففي حديث جابر بن سمرة مرفوعا ‏"‏ من دفن ثلاثة فصبر عليهم واحتسب وجبت له الجنة، فقالت أم أيمن‏:‏ أو اثنين‏؟‏ فقال‏:‏ أو اثنين‏.‏

فقالت‏:‏ وواحد‏؟‏ فسكت ثم قال‏:‏ وواحد ‏"‏ أخرجه الطبراني في الأوسط‏.‏

وحديث ابن مسعود مرفوعا ‏"‏ من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حصنا حصينا من النار‏.‏

قال أبو ذر‏:‏ قدمت اثنين، قال‏:‏ واثنين‏.‏

قال أبي بن كعب‏:‏ قدمت واحدا، قال‏:‏ وواحدا ‏"‏ أخرجه الترمذي وقال‏:‏ غريب، وعنده من حديث ابن عباس رفعه ‏"‏ من كان له فرطان من أمتي أدخله الله الجنة‏.‏

فقالت عائشة‏:‏ فمن كان له فرط‏؟‏ قال‏:‏ ومن كان له فرط ‏"‏ الحديث‏.‏

وليس في شيء من هذه الطرق ما يصلح للاحتجاج، بل وقع في رواية شريك التي علق المصنف إسنادها كما سيأتي ولم يسأله عن الواحد، وروى النسائي وابن حبان من طريق حفص بن عبيد الله عن أنس أن المرأة التي قالت واثنان قالت بعد ذلك يا ليتني قلت وواحد‏.‏

وروى أحمد من طريق محمود بن لبيد عن جابر رفعه ‏"‏ من مات له ثلاث من الولد فاحتسبهم دخل الجنة‏.‏

قلنا‏:‏ يا رسول الله واثنان‏؟‏ قال محمود قلت لجابر أراكم لو قلتم وواحد لقال وواحد، قال‏:‏ وأنا أظن ذلك ‏"‏ وهذه الأحاديث الثلاثة أصح من تلك الثلاثة، لكن روى المصنف من حديث أبي هريرة كما سيأتي في الرقاق مرفوعا ‏"‏ يقول الله عز وجل‏:‏ ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ‏"‏ وهذا يدخل فيه الواحد فما فوقه، وهو أصح ما ورد في ذلك، وقوله ‏"‏فاحتسب ‏"‏ أي صبر راضيا بقضاء الله راجيا فضله، ولم يقع التقييد بذلك أيضا في أحاديث الباب، وكأنه أشار إلى ما وقع في بعض طرقه أيضا كما في حديث جابر بن سمرة المذكور قبل، وكذا في حديث جابر بن عبد الله‏.‏

وفي رواية ابن حبان والنسائي من طريق حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس رفعه ‏"‏ من احتسب من صلبه ثلاثة دخل الجنة ‏"‏ الحديث، ولمسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ‏"‏ لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبهم إلا دخلت الجنة ‏"‏ الحديث، ولأحمد والطبراني من حديث عقبة بن عامر رفعه ‏"‏ من أعطى ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله وجبت له الجنة ‏"‏ وفي الموطأ عن أبي النضر السلمي رفعه ‏"‏ لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا جنة من النار ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد عرف من القواعد الشرعية أن الثواب لا يترتب إلا على النية، فلا بد من قيد الاحتساب، والأحاديث المطلقة محمولة على المقيدة، ولكن أشار الإسماعيلي إلى اعتراض لفظي فقال‏:‏ يقال في البالغ احتسب وفي الصغير افترط انتهى‏.‏

وبذلك قال الكثير من أهل اللغة، لكن لا يلزم من كون ذلك هو الأصل أن لا يستعمل هذا موضع هذا، بل ذكر ابن دريد وغيره احتسب فلان بكذا طلب أجرا عند الله، وهذا أعم من أن يكون لكبير أو صغير، وقد ثبت ذلك في الأحاديث التي ذكرناها وهي حجة في صحة هذا الاستعمال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل وبشر الصابرين‏)‏ في رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ وقال الله ‏"‏ وأراد بذلك الآية التي في البقرة وقد وصف فيها الصابرون بقوله تعالى ‏(‏الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون‏)‏ فكأن المصنف أراد تقييد ما أطلق في الحديث بهذه الآية الدالة على ترك القلق والجزع، ولفظ ‏"‏ المصيبة ‏"‏ قي الآية وإن كان عاما لكنه يتناول المصيبة بالولد فهو من أفراده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلَاثٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا عبد العزيز‏)‏ هو ابن صهيب وصرح به في رواية ابن ماجه والإسماعيلي من هذا الوجه، والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما من الناس من مسلم‏)‏ قيده به ليخرج الكافر، ومن الأولى بيانية والثانية زائدة، وسقطت من في رواية ابن علية عن عبد العزيز كما سيأتي في أواخر الجنائز، و ‏"‏ مسلم ‏"‏ اسم ما والاستثناء وما معه الخبر، والحديث ظاهر في اختصاص ذلك بالمسلم لكن هل يحصل ذلك لمن مات له أولاد في الكفر ثم أسلم‏؟‏ فيه نظر، ويدل على عدم ذلك حديث أبي ثعلبة الأشجعي قال ‏"‏ قلت يا رسول الله مات لي ولدان، قال‏:‏ من مات له ولدان في الإسلام أدخله الله الجنة ‏"‏ أخرجه أحمد والطبراني، وعن عمرو بن عبسة مرفوعا ‏"‏ من مات له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا أدخله الله الجنة ‏"‏ أخرجه أحمد أيضا‏.‏

وأخرج أيضا عن رجاء الأسلمية قالت ‏"‏ جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول الله ادع الله لي في ابن لي بالبركة فإنه قد توفي له ثلاثة، فقال‏:‏ أمنذ أسلمت‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏"‏‏.‏

فذكر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتوفى له‏)‏ بضم أوله ووقع في رواية ابن ماجه المذكورة ‏"‏ ما من مسلمين يتوفى لهما ‏"‏ والظاهر أن المراد من ولده الرجل حقيقة، ويدل عليه رواية النسائي المذكورة من طريق حفص عن أنس ففيها ‏"‏ ثلاثة من صلبه‏"‏، وكذا حديث عقبة بن عامر، وهل يدخل في الأولاد أولاد الأولاد‏؟‏ محل بحث، والذي يظهر أن أولاد الصلب يدخلون ولا سيما عند فقد الوسائط بينهم وبين الأب، وفي التقيد بكونهم من صلبه ما يدل على إخراج أولاد البنات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثة‏)‏ كذا للأكثر وهو الموجود في غير البخاري ووقع في رواية الأصيلي وكريمة ‏"‏ ثلاث ‏"‏ بحذف الهاء وهو جائز لكون المميز محذوفا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يبلغوا الحنث‏)‏ كذا للجميع بكسر المهملة وسكون النون بعدها مثلثة، وحكى ابن قرقول عن الداودي أنه ضبطه بفتح المعجمة والموحدة وفسره بأن المراد لم يبلغوا أن يعملوا المعاصي، قال ولم يذكره كذلك غيره، والمحفوظ الأول، والمعنى لم يبلغوا الحلم فتكتب عليهم الآثام‏.‏

قال الخليل‏:‏ بلغ الغلام الحنث إذا جرى عليه القلم، والحنث الذنب قال الله تعالى ‏(‏وكانوا يصرون على الحنث العظيم‏)‏ وقيل المراد بلغ إلى زمان يؤاخذ بيمينه إذا حنث‏.‏

وقال الراغب‏:‏ عبر بالحنث عن البلوغ لما كان الإنسان يؤاخذ بما يرتكبه فيه بخلاف ما قبله، وخص الإثم بالذكر لأنه الذي يحصل بالبلوغ لأن الصبي قد يثاب، وخص الصغير بذلك لأن الشفقة عليه أعظم والحب له أشد والرحمة له أوفر، وعلى هذا فمن بلع الحنث لا يحصل لمن فقده ما ذكر من هذا الثواب وإن كان في فقد الولد أجر في الجملة، وبهذا صرح كثير من العلماء، وفرقوا بين البالغ وغيره بأنه يتصور منه العقوق المقتضى لعدم الرحمة بخلاف الصغير فإنه لا يتصور منه ذلك إذ ليس بمخاطب‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏ بل يدخل الكبير في ذلك من طريق الفحوي لأنه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو كل على أبويه فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي ووصل له منه النفع وتوجه إليه الخطاب بالحقوق‏؟‏ قال‏:‏ ولعل هذا هو السر في إلغاء البخاري التقييد بذلك في الترجمة‏.‏

انتهى‏.‏

ويقوي الأول قوله في بقية الحديث ‏"‏ بفضل رحمته إياهم ‏"‏ لأن الرحمة للصغار أكثر لعدم حصول الإثم منهم، وهل يلتحق بالصغار من بلغ مجنونا مثلا واستمر على ذلك فمات‏؟‏ فيه نظر لأن كونهم لا إثم عليهم يقتضي الإلحاق، وكون الامتحان بهم يخف بموتهم يقتضي عدمه، ولم يقع التقييد في طرق الحديث بشده الحب ولا عدمه، وكان القياس يقتضي ذلك لما يوجد من كراهة بعض الناس لولده وتبرمه منه ولا سيما من كان ضيق الحال، لكن لما كان الولد مظنة المحبة والشفقة نيط به الحكم وإن تخلف في بعض الأفراد‏.‏

قوله ‏(‏إلا أدخله الله الجنة‏)‏ في حديث عتبة بن عبد الله السلمي عند ابن ماجه بإسناد حسن نحو حديث الباب لكن فيه ‏"‏ إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل ‏"‏ وهذا زائد على مطلق دخول الجنة، ويشهد له ما رواه النسائي بإسناد صحيح من حديث معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا في أثناء حديث ‏"‏ ما يسرك أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏بفضل رحمته إياهم‏)‏ أي بفضل رحمة الله للأولاد‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ قيل إن الضمير في رحمته للأب لكونه كان يرحمهم في الدنيا فيجازى بالرحمة في الآخرة والأول أولى، ويؤيده أن في رواية ابن ماجه من هذا الوجه ‏"‏ بفضل رحمة الله إياهم ‏"‏ وللنسائي من حديث أبي ذر ‏"‏ إلا غفر الله لهما بفضل رحمته ‏"‏ وللطبراني وابن حبان من حديث الحارث بن أقيش وهو بقاف ومعجمة مصغر مرفوعا ‏"‏ ما من مسلمين يموت لهما أربعة أولاد إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته ‏"‏ وكذا في حديث عمرو بن عبسة كما سنذكره قريبا‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ الظاهر أن المراد بقوله ‏"‏ إياهم ‏"‏ جنس المسلم الذي مات أولاده لا الأولاد، أي بفضل رحمة الله لمن مات لهم، قال وساغ الجمع لكونه نكرة في سياق النفي فتعمم انتهى‏.‏

وهذا الذي زعم أنه ظاهر ليس بظاهر، بل في غير هذا الطريق ما يدل على أن الضمير للأولاد، ففي حديث عمرو بن عبسة عند الطبراني ‏"‏ إلا أدخله الله برحمته هو وإياهم الجنة ‏"‏ وفي حديث أبي ثعلبة الأشجعي المقدم ذكره ‏"‏ أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ‏"‏ قاله بعد قوله ‏"‏ من مات له ولدان ‏"‏ فوضح بذلك أن الضمير في قوله ‏"‏ إياهم ‏"‏ للأولاد لا للآباء والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا فَوَعَظَهُنَّ وَقَالَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ كَانُوا حِجَابًا مِنْ النَّارِ قَالَتْ امْرَأَةٌ وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ وَقَالَ شَرِيكٌ عَنْ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الرحمن ابن الأصبهاني‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ أخبرنا ‏"‏ واسم والد عبد الرحمن المذكور عبد الله، قال البخاري في التاريخ‏:‏ إن أصله من أصبهان لما فتحها أبو موسى‏.‏

وقال غيره كان عبد الله يتجر إلى أصبهان فقيل له الأصبهاني، ولا منافاة بين القولين فيما يظهر لي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ذكوان‏)‏ هو أبو صالح السمان المذكور في الإسناد المعلق الذي يليه، وقد تقدم في العلم من رواية ابن الأصبهاني أيضا عن أبي حازم عن أبي هريرة، فتحصل له روايته عن شيخين، ولشيخه أبي صالح روايته عن شيخين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اجعل لنا يوما‏)‏ تقدم في العلم بأتم من هذا السياق مع الكلام منه على ما لا يتكرر هنا إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله ‏(‏أيما امرأة‏)‏ إنما خص المرأة بالذكر لأن الخطاب حينئذ كان للنساء وليس له مفهوم لما في بقية الطرق‏.‏

قوله ‏(‏ثلاثة‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ ثلاث ‏"‏ وقد تقدم توجيهه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الولد‏)‏ بفتحتين وهو يشمل الذكر والأنثى والمفرد والجمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانوا‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ كن ‏"‏ بضم الكاف وتشديد النون، وكأنه أنث باعتبار النفس أو النسمة‏.‏

وفي رواية أبي الوقت ‏"‏ إلا كانوا لها حجابا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت امرأة‏)‏ هي أم سليم الأنصارية والدة أنس بن مالك كما رواه الطبراني بإسناد جيد عنها قالت ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده‏:‏ ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة لم يبلغوا الحلم إلا أدخله الجنة بفضل رحمته إياهم، فقلت‏:‏ واثنان‏؟‏ قال‏:‏ واثنان ‏"‏ وأخرجه أحمد لكن الحديث دون القصة، ووقع لأم مبشر الأنصارية أيضا السؤال عن ذلك، فروى الطبراني أيضا من طريق ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم مبشر فقال‏:‏ يا أم مبشر، من مات له ثلاثة من الولد دخل الجنة‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله واثنان‏؟‏ فسكت ثم قال‏:‏ نعم واثنان ‏"‏ وقد تقدم من حديث جابر بن سمرة أن أم أيمن ممن سأل عن ذلك ومن حديث ابن عباس أن عائشة أيضا منهن، وحكى ابن بشكوال أن أم هانئ أيضا سألت عن ذلك، ويحتمل أن يكون كل منهن سأل عن ذلك في ذلك المجلس، وأما تعدد القصة ففيه بعد لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الاثنين بعد ذكر الثلاثة وأجاب بأن الاثنين كذلك فالظاهر أنه كان أوحي إليه ذلك في الحال، وبذلك جزم ابن بطال وغيره، وإذا كان كذلك كان الاقتصار على الثلاثة بعد ذلك مستبعدا جدا لأن مفهومه يخرج الاثنين اللذين ثبت لهما ذلك الحكم بالوحي بناء على القول بمفهوم العدد وهو معتبر هنا كما سيأتي البحث فيه، نعم قد تقدم في حديث جابر بن عبد الله أنه ممن سأل عن ذلك، وروى الحاكم والبزار من حديث بريدة أن عمر سأل عن ذلك أيضا ولفظه ‏"‏ ما من امرئ ولا امرأة يموت له ثلاثة أولاد إلا أدخله الله الجنة‏.‏

فقال عمر‏:‏ يا رسول الله واثنان‏؟‏ قال‏:‏ واثنان‏"‏‏.‏

قال الحاكم صحيح الإسناد، وهذا لا بعد في تعدده لأن خطاب النساء بذلك لا يستلزم علم الرجال به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واثنان‏)‏ قال ابن التين تبعا لعياض‏:‏ هذا يدل على أن مفهوم العدد ليس بحجة لأن الصحابية من أهل اللسان ولم تعتبره إذ لو اعتبرته لانتفى الحكم عندها عما عدا الثلاثة لكنها جوزت لك فسألته، كذا قال والظاهر أنها اعتبرت مفهوم العدد إذ لو لم تعتبره لم تسأل، والتحقيق أن دلالة مفهوم العدد ليست يقينية إنما هي محتملة ومن ثم وقع السؤال عن ذلك‏.‏

قال القرطبي‏:‏ وإنما خصمت الثلاثة بالذكر لأنها أول مراتب الكثرة فبعظم المصيبة يكثر الأجر، فأما إذا زاد عليها فقد يخف أمر المصيبة لأنها تصير كالعادة كما قيل‏:‏ روعت بالبين حتى ما أراع له‏.‏

انتهى‏.‏

وهذا مصير منه إلى انحصار الأجر المذكور في الثلاثة ثم في الاثنين بخلاف الأربعة والخمسة، وهو جمود شديد، فإن من مات له أربعة فقد مات له ثلاثة ضرورة لأنهم إن ماتوا دفعة واحدة فقد مات له ثلاثة وزيادة، ولا خفاء بأن المصيبة بذلك أشد، وإن ماتوا واحدا بعد واحد فإن الأجر يحصل له عند موت الثالث بمقتضى وعد الصادق، فيلزم على قول القرطبي أنه إن مات له الرابع أن يرتفع عنه ذلك الأجر مع تجدد المصيبة وكفى بهذا فسادا، والحق أن تناول الخبر الأربعة فما فوقها من باب أولى وأحرى، ويؤيد ذلك أنهم لم يسألوا عن الأربعة ولا ما فوقها لأنه كالمعلوم عندهم إذ المصيبة إذا كثرت كان الأجر أعظم والله أعلم‏.‏

وقال القرطبي أيضا‏:‏ يحتمل أن يفترق الحال في ذلك بافتراق حال المصاب من زيادة رقة القلب وشدة الحب ونحو ذلك، وقد قدمنا الجواب عن ذلك‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ واثنان ‏"‏ أي وإذا مات اثنان ما الحكم‏؟‏ فقال ‏"‏ واثنان ‏"‏ أي وإذا مات اثنان فالحكم كذلك‏.‏

ووقع في رواية مسلم من هذا الوجه ‏"‏ واثنين بالنصب ‏"‏ أي وما حكم اثنين‏.‏

وفي رواية سهل المتقدم ذكرها أو اثنان، وهو ظاهر في التسوية بين حكم الثلاثة والاثنين، وقد تقدم النقل عن ابن بطال أنه محمول على أنه أوحى إليه بذلك في الحال، ولا بعد أن ينزل عليه الوحي في أسرع من طرفة عين، ويحتمل أن يكون كان العلم عنده بذلك حاصلا لكنه أشفق عليهم أن يتكلوا لأن موت الاثنين غالبا أكثر من موت الثلاثة ما وقع في حديث معاذ وغيره في الشهادة بالتوحيد، ثم لما سئل عن ذلك لم يكن بد من الجواب والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال شريك إلخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عنه بلفظ ‏"‏ حدثنا عبد الرحمن ابن الأصبهاني قال‏:‏ أتاني أبو صالح يعزيني عن ابن لي فأخذ يحدث عن أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ما من امرأة تدفن ثلاثة أفراط إلا كانوا لها حجابا من النار‏.‏

فقالت امرأة‏:‏ يا رسول الله قدمت اثنين، قال‏:‏ واثنين ‏"‏ ولم تسأله عن الواحد‏.‏

قال أبو هريرة ‏"‏ من لم يبلغ الحنث ‏"‏ وهذا السياق ظاهره أن هذه الزيادة عن أبي هريرة موقوفة، ويحتمل أن يكون المراد أن أبا هريرة وأبا سعيد اتفقا على السياق المرفوع، وزاد أبو هريرة في حديثه هذا القيد وهو مرفوع أيضا، وقد تهدم في العلم من طريق أخرى عن شعبة بالإسناد الأول وقال في آخره ‏"‏ وعن ابن الأصبهاني سمعت أبا حازم عن أبي هريرة وقال‏:‏ ثلاثة لم يبلغوا الحنث ‏"‏ وهذه الزيادة في حديث أبي سعيد من رواية شريك وفي حفظه نطر، لكنها ثابتة عند مسلم من رواية شعبة عن ابن الأصبهاني‏.‏

وقوله ‏"‏ولم تسأله عن الواحد ‏"‏ تقدم ما يتعلق به في أول الباب ويأتي مزيد لذلك في ‏"‏ باب ثناء الناس على الميت ‏"‏ في أواخر كتاب الجنائز، ويأتي زيادة على ذلك في كتاب الرقاق في الكلام على الحديث الذي فيه موت الصبي وأن الصبي يتناول الولد الواحد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي‏)‏ هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد‏)‏ وقع في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ للمزي هنا ‏"‏ لم يبلغوا الحنث ‏"‏ وليست في رواية ابن عينة عند البخاري ولا مسلم وإنما هي في متن الطريق الآخر، وفائدة إيراد هذه الطريق الأخيرة عن أبي هريرة أيضا ما في سياقها من العموم في قوله ‏"‏ لا يموت لمسلم إلخ ‏"‏ لشموله النساء والرجال، بخلاف روايته الماضية فإنها مقيدة بالنساء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيلج النار‏)‏ بالنصب لأن الفعل المضارع ينصب بعد النفي بتقدير أن، لكن حكى الطيبي أن شرطه أن يكون بين ما قبل الفاء وما بعدها سببية ولا سببية هنا إذ لا يجوز أن يكون موت الأولاد ولا عدمه سببا لولوج من ولدهم النار، قال‏:‏ وإنما الفاء بمعنى الواو التي للجمع وتقريره لا يجتمع لمسلم موت ثلاثة من ولده وولوجه النار، لا محيد عن ذلك إن كانت الرواية بالنصب، وهذا قد تلقاه جماعة عن الطيبي وأقروه عليه، وفيه نظر لأن السببية حاصلة بالنظر إلى الإسناء لأن الاستثناء بعد النفي إثبات، فكأن المعنى أن تخفيف الولوج مسبب عن موت الأولاد، وهو ظاهر لأن الولوج عام وتخفيفه يقع بأمور منها موت الأولاد بشرطه، وما ادعاه من أن الفاء بمعنى الواو التي للجمع فيه نظر، ووجدت في شرح المشارق للشيخ أكمل الدين المعنى أن الفعل الثاني لم يحصل عقب الأول فكأنه نفي وقوعهما بصفة أن يكون الثاني عقب الأول لأن المقصود نفي الولوج عقب الموت، قال الطيبي‏:‏ وإن كانت الرواية بالرفع فمعناه لا يوجد ولوج النار عقب موت الأولاد إلا مقدارا يسيرا انتهى‏.‏

ووقع في رواية مالك عن الزهري كما سيأتي في الأيمان والنذور بلفظ ‏"‏ لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار إلا تحلة القسم ‏"‏ وقوله تمسه بالرفع جزما والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا تحلة القسم‏)‏ بفتح المثناة وكسر المهملة وتشديد اللام أي ما ينحل به القسم وهو اليمين وهو مصدر حلل اليمين أي كفرها يقال حلل تحليلا وتحلة وتحلا بغير هاء والثالث شاذ‏.‏

وقال أهل اللغة يقال فعلته تحلة القسم أي قدر ما حللت به يميني ولم أبالغ‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ حللت القسم تحلة أي أبررتها‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ اختلف في المراد بهذا القسم فقيل هو معين وقيل غير معين‏.‏

فالجمهور على الأول، وقيل لم يعن به قسم بعينه وإنما معناه التقليل لأمر ورودها وهذا اللفظ يستعمل في هذا تقول‏:‏ لا ينام هذا إلا لتحليل الألية، وتقول ما ضربته إلا تحليلا إذا لم تبالغ في الضرب أي قدرا يصيبه منه مكروه‏.‏

وقيل‏:‏ الاستثناء بمعنى الواو أي لا تمسه النار قليلا ولا كثيرا ولا تحلة القسم، وقد جوز الفراء والأخفش مجيء إلا بمعنى الواو وجعلوا منه قوله تعالى ‏(‏لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم‏)‏ والأول قول الجمهور وبه جزم أبو عبيد وغيره‏.‏

وقالوا‏:‏ المراد به قوله تعالى ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ قال الخطابي‏:‏ معناه لا يدخل النار ليعاقب بها ولكنه يدخلها مجتازا ولا يكون ذلك الجواز إلا قدر ما يحلل به الرجل يمينه، ويدل على ذلك ما وقع عند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في آخر هذا الحديث ‏"‏ إلا تحلة القسم ‏"‏ يعني الورود‏.‏

وفي سنن سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة في آخره‏:‏ ثم قرأ سفيان ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ ومن طريق زمعة بن صالح عن الزهري في آخره‏:‏ قيل وما تحلة القسم‏؟‏ قال‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ وكذا وقع في رواية كريمة في الأصل، قال أبو عبد الله ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ وكذا حكاه عبد الملك بن حبيب عن مالك في تفسير هذا الحديث، وورد نحوه من طريق أخرى في هذا الحديث رواه الطبراني من حديث عبد الرحمن بن بشر الأنصاري مرفوعا ‏"‏ من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم يرد النار إلا عابر سبيل ‏"‏ يعني الجواز على الصراط، وجاء مثله من حديث آخر أخرجه الطبراني من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه مرفوعا ‏"‏ من حرس وراء المسلمين في سبيل الله متطوعا لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم فإن الله عز وجل قال ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ ‏"‏ واختلف في موضع القسم من الآية فقيل هو مقدر أي والله إن منكم، وقيل معطوف على القسم الماضي في قوله تعالى ‏(‏فوربك لنحشرنهم‏)‏ أي وربك إن منكم، وقيل هو مستفاد من قوله تعالى ‏(‏حتما مقضيا‏)‏ أي قسما واجبا كذا رواه الطبراني وغيره من طريق مرة عن ابن مسعود ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد ومن طريق سعيد عن قتادة في تفسير هذه الآية‏.‏

وقال الطيبي يحتمل أن يكون المراد بالقسم ما دل على القطع والبت من السياق، فإن قوله ‏(‏كان على ربك‏)‏ تذييل وتقرير لقوله ‏(‏وإن منكم‏)‏ فهذا بمنزلة القسم بل أبلغ لمجيء الاستثناء بالنفي والإثبات، واختلف السلف في المراد بالورود في الآية، فقيل هو الدخول روى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار أخبرني من سمع من ابن عباس فذكره، وروى أحمد والنسائي والحاكم من حديث جابر مرفوعا ‏"‏ الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما‏"‏، وروى الترمذي وابن أبي حاتم من طريق السدي سمعت مرة يحدث عن عبد الله بن مسعود قال يردونها أو يلجونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم، قال عبد الرحمن ابن مهدي قلت لشعبة‏:‏ إن إسرائيل يرفعه، قال‏:‏ صدق وعمدا أدعه‏.‏

ثم رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل مرفوعا، وقيل المراد بالورود الممر عليها رواه الطبري وغيره من طريق بشر بن سعيد عن أبي هريرة، ومن طريق أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود، ومن طريق معمر وسعيد عن قتادة، ومن طريق كعب الأحبار وزاد ‏"‏ يستوون كلهم على متنها، ثم ينادي مناد أمسكي أصحابك ودعي أصحابي، فيخرج المؤمنون ندية أبدانهم‏"‏، وهذان القولان أصح ما ورد في ذلك ولا تنافي بينهما، لأن من عبر بالدخول تجوز به عن المرور، ووجهه أن المار عليها فوق الصراط في معنى من دخلها، لكن تختلف أحوال المارة باختلاف أعمالهم فأعلاهم درجة من يمر كلمع البرق كما سيأتي تفصيل ذلك عند شرح حديث الشفاعة في الرقاق إن شاء الله تعالى، ويؤيد صحة هذا التأويل ما رواه مسلم من حديث أم مبشر ‏"‏ إن حفصة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال‏:‏ لا يدخل أحد شهد الحديبية النار‏:‏ أليس الله يقول ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ فقال لها‏:‏ أليس الله تعالى يقول ‏(‏ثم ننجي الذين اتقوا‏)‏ الآية ‏"‏ وفي هذا بيان ضعف قول من قال الورود مختص بالكفار ومن قال معنى الورود الدنو منها ومن قال معناه الإشراف عليها ومن قال معن ورودها ما يصيب المؤمن في الدنيا من الحمى، على أن هذا الأخير ليس ببعيد ولا ينافيه بقية الأحاديث والله أعلم‏.‏

وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم أن أولاد المسلمين في الجنة لأنه يبعد أن الله يغفر للآباء بفضل رحمته للأبناء ولا يرحم الأبناء قاله المهلب‏.‏

وكون أولاد المسلمين في الجنة قاله الجمهور ووقفت طائفة قليلة وسيأتي البحث في ذلك في أواخر كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى، وفيه أن من حلف أن لا يفعل كذا ثم فعل منه شيئا ولو قل برت يمينه خلافا لمالك قاله عياض وغيره‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 12:05 AM
باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ اصْبِرِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الرجل للمرأة عند القبر‏:‏ اصبري‏)‏ قال الزين بن المنير ما محصله‏:‏ عبر بقوله رجل ليوضح أن ذلك لا يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعبر بالقول دون الموعظة ونحوها لكون ذلك الأمر يقع على القدر المشترك من الوعظ وغيره، واقتصر على ذكر الصبر دون التقوى لأنه المتيسر حينئذ المناسب لما هي فيه‏.‏

قال‏:‏ وموضع الترجمة من الفقه جواز مخاطبة الرجال النساء في مثل ذلك بما هو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو موعظة أو تعزية وأن ذلك لا يختص بعجوز دون شابة لما يترتب عليه من المصالح الدينية والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا آدم‏)‏ سيأتي هذا الحديث بهذا الإسناد بعينه أتم من هذا في ‏"‏ باب زيارة القبور ‏"‏ بعد زياد على عشرين بابا، وسيأتي الكلام عليه هناك مستوفي إن شاء الله تعالى‏.‏

ومناسبة هذه الترجمة لما قبلها لجامع ما بينهما من مخاطبة الرجل المرأة بالموعظة، لأن في الأول جواز مخاطبتها بما يرغبها في الأجر إذا احتسبت مصيبتها، وفي هذا مخاطبتها بما يرهبها من الإثم لما تضمنه الحديث من الإشارة إلى أن عدم الصبر ينافي التقوى‏.‏

والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 12:07 AM
باب غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالْمَاءِ وَالسَّدْرِ

وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا وَقَالَ سَعِيدٌ لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غسل الميت ووضوئه‏)‏ أي بيان حكمه، وقد نقل النووي الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية، وهو ذهول شديد، فإن الخلاف مشهور لمالكية حتى أن القرطبي رجح في شرح مسلم أنه سنة، ولكن الجمهور على وجوبه‏.‏

وقد رد ابن العربي على من لم يقل بذلك، وقد توارد به القول والعمل، وغسل الطاهر المطهر فكيف بمن سواه‏.‏

وأما قوله ‏(‏ووضوئه‏)‏ فقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ ترجم بالوضوء ولم يأت له بحديث فيحتمل أن يريد انتزاع الوضوء من الغسل لأنه منزل على المعهود من الأغسال كغسل الجنابة، أو أراد وضوء الغاسل أي لا يلزمه وضوء، ولهذا ساق أثر ابن عمر انتهى‏.‏

وفي عود الضمير على الغسل ولم يتقدم له ذكر بعد إلا أن يقال تقدير الترجمة باب غسل الحي الميت لأن الميت لا يتولى ذلك بنفسه فيعود الضمير على المحذوف فيتجه، والذي يظهر أنه أشار كعادته إلى ما ورد في بعض طرق الحديث فسيأتي قريبا في حديث أم عطية أيضا ‏"‏ ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها‏"‏، فكأنه أراد أن الوضوء لم يرد الأمر به مجردا وإنما ورد البداءة بأعضاء الوضوء كما يشرع في غسل الجنابة، أو أراد أن الاقتصار على الوضوء لا يجزئ لورود الأمر بالغسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالماء والسدر‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ جعلهما معا آلة لغسل الميت، وهو مطابق لحديث الباب، لأن قوله بماء وسدر يتعلق بقوله اغسلنها وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل، وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير، لأن الماء المضاف لا يتطهر به انتهى‏.‏

وقد يمنع لزوم كون الماء يصير مضافا بذلك، لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة فإن لفظ الخبر لا يأبى ذلك‏.‏

وقال القرطي‏:‏ يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسده ثم يصب عليه الماء القراح، فهذه غسلة‏.‏

وحكى ابن المنذر أن قوما قالوا‏:‏ تطرح ورقات السدر في الماء أي لئلا يمازج الماء فيتغير وصفه المطلق‏.‏

وحكي عن أحمد أنه أنكر ذلك وقال‏:‏ يغسل في كل مرة بالماء والسدر‏.‏

وأعلى ما ورد في ذلك ما رواه أبو داود من طريق قتادة عن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية فيغسل بالماء والسدر مرتين والثالثة بالماء والكافور‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ كان يقال كان ابن سيرين من أعلم التابعين بذلك‏.‏

وقال ابن العربي من قال الأولى بالماء القراح والثانية بالماء والسدر أو العكس والثالثة بالماء والكافور فليس هو في لفظ الحديث ا ه‏.‏

وكأن قائله أراد أن تقع إحدى الغسلات بالماء الصرف المطلق لأنه المطهر في الحقيقة، وأما المضاف فلا‏.‏

وتمسك بظاهر الحديث ابن شعبان وابن الفرضي وغيرهما من المالكية فقالوا‏:‏ غسل الميت إنما هو للتنظيف فيجزئ بالماء المضاف كماء الورد ونحوه، قالوا وإنما يكره من جهة السرف، والمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الأغسال الواجبة والمندوبة‏.‏

وقيل‏:‏ شرع احتياطا لاحتمال أن يكون عليه جنابة، وفيه نظر لأن لازمه أن لا يشرع غسل من هو دون البلوغ وهو خلاف الإجماع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحنط ابن عمر ابنا لسعيد بن زيد وحمله وصلى ولم يتوضأ‏)‏ حنط بفتح المهملة والنون الثقيلة أي طيبه بالحنوط وهو كل شيء يخلط من الطيب للميت خاصة، وقد وصله مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر حنط ابنا لسعيد بن زيد وحمله ثم دخل المسجد فصلى ولم يتوضأ انتهى‏.‏

والابن المذكور اسمه عبد الرحمن، كذلك رويناه في نسخة أبي الجهم العلاء بن موسى عن الليث عن نافع أنه رأى عبد الله بن عمر حنط عبد الرحمن بن سعيد بن زيد فذكره‏.‏

قيل‏:‏ تعلق هذا الأثر وما بعده بالترجمة من جهة أن المصنف يرى أن المؤمن لا ينجس بالموت وأن غسله إنما هو للتعبد لأنه لو كان نجسا لم يطهره الماء والسدر ولا الماء وحده، ولو كان نجسا ما مسه ابن عمر ولغسل ما مسه من أعضائه، وكأنه أشار إلى تضعيف ما رواه أبو داود من طريق عمرو بن عمير عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ‏"‏ رواته ثقات إلا عمرو بن عمير فليس بمعروف، وروى الترمذي وابن حبان من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة نحوه، وهو معلول لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه‏:‏ الصواب عن أبي هريرة موقوف‏.‏

وقال أبو داود بعد تخريجه‏:‏ هذا منسوخ، ولم يبين ناسخه‏.‏

وقال الذهلي فيما حكاه الحاكم في تاريخه‏:‏ ليس فيمن غسل ميتا فليغتسل حديث ثابت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس رضي الله عنهما إلخ‏)‏ وصله سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن ليس ينجس حيا ولا ميتا ‏"‏ إسناده صحيح، وقد روي مرفوعا أخرجه الدارقطني عن رواية عبد الرحمن بن يحيى المخزومي عن سفيان، وكذلك أخرجه الحاكم من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة عن سفيان، والذي في مصنف ابن أبي شيبة عن سفيان موقوف كما رواه سعيد بن منصور، وروى الحاكم نحوه مرفوعا أيضا من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله ‏"‏لا تنجسوا موتاكم ‏"‏ أي لا تقولوا إنهم نجس، وقوله ينجس بفتح الجيم‏.‏

قوله ‏(‏وقال سعد لو كان نجسا ما مسسته‏)‏ وقع في رواية الأصيلي وأبي الوقت ‏"‏ وقال سعيد ‏"‏ بزيادة ياء والأول أولى وهو سعد بن أبي وقاص كذلك أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عائشة بنت سعد قالت ‏"‏ أوذن سعد - تعني أباها - بجنازة سعيد بن زيد بن عمرو وهو بالعقيق فجاءه فغسله وكفنه وحنطه، ثم أتى داره فاغتسل ثم قال‏:‏ لم أغتسل من غسله، ولو كان نجسا ما مسسته، ولكني اغتسلت من الحر ‏"‏ وقد وجدت عن سعيد بن المسيب شيئا من ذلك أخرجه سمويه في فوائده من طريق أبي واقد المدني قال‏:‏ قال سعيد بن المسيب لو علمت أنه نجس لم أمسه‏.‏

وفي أثر سعد من الفوائد أنه ينبغي للعالم إذا عمل عملا يخشى أن يلتبس على من رآه أن يعلمهم بحقيقة الأمر لئلا يحملوه على غير محمله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ المؤمن لا ينجس‏)‏ هذا طرف من حديث لأبي هريرة تقدم موصولا في ‏"‏ باب الجنب يمشي في السوق ‏"‏ من كتاب الغسل، ووجه الاستدلال به أن صفة الإيمان لا تسلب بالموت وإذا كانت باقية فهو غير نجس، وقد بين ذلك حديث ابن عباس المذكور قبل، ووقع في نسخة الصغاني هنا ‏"‏ قال أبو عبد الله‏:‏ النجس القذر ‏"‏ انتهى‏.‏

وأبو عبد الله هو البخاري‏.‏

وأراد بذلك نفي هذا الوصف وهو النجس عن المسلم حقيقة ومجازا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ تَعْنِي إِزَارَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن أيوب عن محمد بن سيرين‏)‏ في رواية ابن جريج عن أيوب سمعت ابن سيرين، وسيأتي في ‏"‏ باب كيف الإشعار ‏"‏ وقد رواه أيوب أيضا عن حفصة بنت سيرين كما سيأتي بعد أبواب، ومدار حديث أم عطية على محمد وحفصة ابني سيرين، وحفظت منه حفصة ما لم يحفظه محمد كما سيأتي مبينا‏.‏

قال ابن المنذر ليس في أحاديث الغسل للميت أعلى من حديث أم عطية وعليه عول الأئمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أم عطية الأنصارية‏)‏ في رواية ابن جريج المذكورة ‏"‏ جاءت أم عطية امرأة من الأنصار اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت البصرة تبادر ابنا لها فلم تدركه ‏"‏ وهذا الابن ما عرفت اسمه وكأنه كان غازيا، فقدم البصرة فبلع أم عطية وهي بالمدينة قدومه وهو مريض فرحلت إليه فمات قبل أن تلقاه وسيأتي في الإحداد ما يدل على أن قدومها كان بعد موته بيوم أو يومين، وقد تقدم في المقدمة أن اسمها نسيبة بنون ومهملة وموحدة‏.‏

والمشهور فيها التصغير‏.‏

وقيل بفتح أوله وقع ذلك في رواية أبي ذر عن السرخسي وكذا ضبطه الأصيلي عن يحيى بن معين وطاهر بن عبد العزيز في السيرة الهشامية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين توفيت ابنته‏)‏ في رواية الثقفي عن أيوب وهي التي تلي هذه وكذا في رواية ابن جريج ‏"‏ دخل علينا ونحن نغسل بنته ‏"‏ ويجمع بينهما بأن المراد أنه دخل حين شرع النسوة في الغسل، وعند النسائي أن مجيئهن إليها كان بأمره، ولفظه من رواية هشام بن حسان عن حفصة ‏"‏ ماتت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا فقال اغسلنها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابنته‏)‏ لم تقع في شيء من رواية البخاري مسماة، والمشهور أنها زينب زوج أبي العاصي بن الربيع والدة أمامة التي تقدم ذكرها في الصلاة، وهي أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاتها فيما حكاه الطبري في الذيل في أول سنة ثمان، وقد وردت مسماة في هذا عند مسلم من طريق عاصم الأحول عن حفصة عن أم عطية قالت ‏"‏ لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله‏:‏ اغسلنها ‏"‏ فذكر الحديث، ولم أرها في شيء من الطرق عن حفصة ولا عن محمد مسماة إلا في رواية عاصم هذه، وقد خولف في ذلك فحكى ابن التين عن الداودي الشارح أنه جزم بأن البنت المذكورة أم كلثوم زوج عثمان ولم يذكر مستنده، وتعقبه المنذري بأن أم كلثوم توفيت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر فلم يشهدها، وهو غلط منه فإن التي توفيت حينئذ رقية، وعزاه النووي تبعا لعياض لبعض أهل السير، وهو قصور شديد فقد أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب ولفظه ‏"‏ دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم ‏"‏ وهذا الإسناد على شرط الشيخين، وفيه نظر سيأتي في ‏"‏ باب كيف الإشعار ‏"‏ وكذا وقع في ‏"‏ المبهمات ‏"‏ لابن بشكوال من طريق الأوزاعي عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت ‏"‏ كنت فيمن غسل أم كلثوم ‏"‏ الحديث، وقرأت بخط مغلطاي‏:‏ زعم الترمذي أنها أم كلثوم وفيه نظر‏.‏

كذا قال، ولم أر في الترمذي شيئا من ذلك‏.‏

وقد روى الدولابي في الذرية الطاهرة من طريق أبي الرجال عن عمرة أن أم عطية كانت ممن غسل أم كلثوم ابنة النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيمكن دعوى ترجيح ذلك لمجيئه من طرق متعددة، ويمكن الجمع بأن تكون حضرتهما جميعا، فقد جزم ابن عبد البر رحمه الله في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات، ووقع لي من تسمية النسوة اللاتي حضرن معها ثلاث غيرها، ففي الذرية الطاهرة أيضا من طريق أسماء بنت عميس أنها كانت ممن غسلها قالت‏:‏ ومعنا صفية بنت عبد المطلب‏.‏

ولأبي داود من حديث ليلى بنت قانف بقاف ونون وفاء الثقفية قالت‏:‏ كنت فيمن غسلها‏.‏

وروى الطبراني من حديث أم سليم شيئا يومئ إلى أنها حضرت ذلك أيضا، وسيأتي بعد خمسة أبواب قول ابن سيرين‏:‏ ولا أدري أي بناته‏.‏

وهذا يدل على أن تسميتها في رواية ابن ماجه وغيره ممن دون ابن سيرين والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اغسلنها‏)‏ قال ابن بزيزة‏:‏ استدل به على وجوب غسل الميت، وهو مبني على أن قوله فيما بعد ‏"‏ إن رأيتن ذلك ‏"‏ هل يرجع إلى الغسل أو العدد، والثاني أرجح، فثبت المدعي‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ لكن قوله ثلاثا ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد لأن قوله ‏"‏ ثلاثا ‏"‏ غير مستقل بنفسه فلا بد أن يكون داخلا تحت صيغة الأمر فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل، والندب بالنسبة إلى الإيتار انتهى‏.‏

وقواعد الشافعية لا تأبى ذلك‏.‏

ومن ثم ذهب الكوفيون وأهل الطاهر والمزني إلى إيجاب الثلاث وقالوا‏:‏ إن خرج منه شيء بعد ذلك يغسل موضعه ولا يعاد غسل الميت، وهو مخالف لظاهر الحديث‏.‏

وجاء عن الحسن مثله أخرجه عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال ‏"‏ يغسل ثلاثا فإن خرج منه شيء بعد فخمسا، فإن خرج منه شيء غسل سبعا ‏"‏ قال هشام وقال الحسن ‏"‏ يغسل ثلاثا، فإن خرج منه شيء غسل ما خرج ولم يزد على الثلاث‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا أو خمسا‏)‏ في رواية هشام بن حسان عن حفصة ‏"‏ غسلنها وترا ثلاثا أو خمسا ‏"‏ و ‏"‏ أو ‏"‏ هنا للترتيب لا للتخيير، قال النووي‏:‏ المراد اغسلنها وترا وليكن ثلاثا فإن احتجن إلى زيادة فخمسا، وحاصله أن الإيتار مطلوب والثلاث مستحبة، فإن حصل الإنقاء بها لم يشرع ما فوقها وإلا زيد وترا حتى يحصل الإنقاء، والواجب من ذلك مرة واحدة عامة للبدن انتهى‏.‏

وقد سبق بحث ابن دقيق العيد في ذلك‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ في قوله ‏"‏ أو خمسا ‏"‏ إشارة إلى أن المشروع هو الإيتار لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس وسكت عن الأربع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو أكثر من ذلك‏)‏ بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث، في رواية أيوب عن حفصة كما في الباب الذي يليه ‏"‏ ثلاثا أو خمسا أو سبعا ‏"‏ ولم أر في شيء من الروايات بعد قوله سبعا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود، وأما ما سواها فإما ‏"‏ أو سبعا ‏"‏ وإما ‏"‏ أو أكثر من ذلك ‏"‏ فيحتمل تفسير قوله أو أكثر من ذلك بالسبع، وبه قال أحمد، فكره الزيادة على السبع‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم أحدا قال بمجاوزة السبع، وساق من طريق قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثا وإلا فخمسا وإلا فأكثر، قال‏:‏ فرأينا أن أكثر من ذلك سبع‏.‏

وقال الماوردي‏:‏ الزيادة على السبع سرف‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ بلغني أن جسد الميت يسترخي بالماء فلا أحب الزيادة على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن رأيتن ذلك‏)‏ معناه التفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ إنما فوض الرأي ليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار، وحكى ابن التين عن بعضهم قال‏:‏ يحتمل قوله ‏"‏ إن رأيتن ‏"‏ أن يرجع إلى الأعداد المذكورة، ويحتمل أن يكون معناه إن رأيتن أن تفعلن ذلك وإلا فالإنقاء يكفي‏.‏

قوله‏.‏

‏(‏بماء وسدر‏)‏ قال ابن العربي‏:‏ هذا أصل في جواز التطهر بالماء المضاف إذا لم يسلب الماء الإطلاق انتهى‏.‏

وهو مبني على الصحيح أن غسل الميت للتطهير كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور‏)‏ هو شك من الراوي أي اللفظتين قال، والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه، وجزم في الرواية التي تلي هذه بالشق الأول، وكذا في رواية ابن جريج، وظاهره جعل الكافور في الماء وبه قال الجمهور‏.‏

وقال النخعي والكوفيون‏:‏ إنما يجعل في الحنوط أي بعد إنهاء الغسل والتجفيف، قيل الحكمة في الكافور مع كونه يطيب رائحة الموضع لأجل من يحضر من الملائكة وغيرهم أن فيه تجفيفا وتبريدا وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه، وهو أقوى الأراييح الطيبة في ذلك، وهذا هو السر في جعله في الأخيرة إذ لو كان في الأولى مثلا لأذهبه الماء، وهل يقوم المسك مثلا مقام الكافور‏؟‏ إن نظر إلى مجرد التطيب فنعم، وإلا فلا، وقد يقال إذا عدم الكافور قام غيره مقامه ولو بخاصية واحدة مثلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا فرغتن فآذنني‏)‏ أي أعلمنني‏.‏

قوله‏.‏

‏(‏فلما فرغنا‏)‏ كذا للأكثر بصيغة الخطاب من الحاضر، وللأصيلي ‏"‏ فلما فرغن ‏"‏ بصيغة الغائب‏.‏

قوله ‏(‏حقوه‏)‏ بفتح المهملة - ويجوز كسرها وهي لغة هذيل - بعدها قاف ساكنة، والمراد به هنا الإزار كما وقع مفسرا في آخر هذه الرواية، والحقو في الأصل معقد الإزار، وأطلق على الإزار مجازا، وسيأتي بعد ثلاثة أبواب من رواية ابن عون عن محمد بن سيرين بلفظ ‏"‏ فنزع من حقوه إزاره ‏"‏ والحقو في هذا على حقيقته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشعرنها إياه‏)‏ أي اجعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها، وسيأتي الكلام على صفته في باب مفرد، قيل الحكمة في تأخير الإزار معه إلى أن يفرغن من الغسل ولم يناولهن إياه أولا ليكون قريب العهد من جسده الكريم حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل، وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 12:09 AM
باب غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالْمَاءِ وَالسَّدْرِ

وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا وَقَالَ سَعِيدٌ لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غسل الميت ووضوئه‏)‏ أي بيان حكمه، وقد نقل النووي الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية، وهو ذهول شديد، فإن الخلاف مشهور لمالكية حتى أن القرطبي رجح في شرح مسلم أنه سنة، ولكن الجمهور على وجوبه‏.‏

وقد رد ابن العربي على من لم يقل بذلك، وقد توارد به القول والعمل، وغسل الطاهر المطهر فكيف بمن سواه‏.‏

وأما قوله ‏(‏ووضوئه‏)‏ فقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ ترجم بالوضوء ولم يأت له بحديث فيحتمل أن يريد انتزاع الوضوء من الغسل لأنه منزل على المعهود من الأغسال كغسل الجنابة، أو أراد وضوء الغاسل أي لا يلزمه وضوء، ولهذا ساق أثر ابن عمر انتهى‏.‏

وفي عود الضمير على الغسل ولم يتقدم له ذكر بعد إلا أن يقال تقدير الترجمة باب غسل الحي الميت لأن الميت لا يتولى ذلك بنفسه فيعود الضمير على المحذوف فيتجه، والذي يظهر أنه أشار كعادته إلى ما ورد في بعض طرق الحديث فسيأتي قريبا في حديث أم عطية أيضا ‏"‏ ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها‏"‏، فكأنه أراد أن الوضوء لم يرد الأمر به مجردا وإنما ورد البداءة بأعضاء الوضوء كما يشرع في غسل الجنابة، أو أراد أن الاقتصار على الوضوء لا يجزئ لورود الأمر بالغسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالماء والسدر‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ جعلهما معا آلة لغسل الميت، وهو مطابق لحديث الباب، لأن قوله بماء وسدر يتعلق بقوله اغسلنها وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل، وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير، لأن الماء المضاف لا يتطهر به انتهى‏.‏

وقد يمنع لزوم كون الماء يصير مضافا بذلك، لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة فإن لفظ الخبر لا يأبى ذلك‏.‏

وقال القرطي‏:‏ يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسده ثم يصب عليه الماء القراح، فهذه غسلة‏.‏

وحكى ابن المنذر أن قوما قالوا‏:‏ تطرح ورقات السدر في الماء أي لئلا يمازج الماء فيتغير وصفه المطلق‏.‏

وحكي عن أحمد أنه أنكر ذلك وقال‏:‏ يغسل في كل مرة بالماء والسدر‏.‏

وأعلى ما ورد في ذلك ما رواه أبو داود من طريق قتادة عن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية فيغسل بالماء والسدر مرتين والثالثة بالماء والكافور‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ كان يقال كان ابن سيرين من أعلم التابعين بذلك‏.‏

وقال ابن العربي من قال الأولى بالماء القراح والثانية بالماء والسدر أو العكس والثالثة بالماء والكافور فليس هو في لفظ الحديث ا ه‏.‏

وكأن قائله أراد أن تقع إحدى الغسلات بالماء الصرف المطلق لأنه المطهر في الحقيقة، وأما المضاف فلا‏.‏

وتمسك بظاهر الحديث ابن شعبان وابن الفرضي وغيرهما من المالكية فقالوا‏:‏ غسل الميت إنما هو للتنظيف فيجزئ بالماء المضاف كماء الورد ونحوه، قالوا وإنما يكره من جهة السرف، والمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الأغسال الواجبة والمندوبة‏.‏

وقيل‏:‏ شرع احتياطا لاحتمال أن يكون عليه جنابة، وفيه نظر لأن لازمه أن لا يشرع غسل من هو دون البلوغ وهو خلاف الإجماع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحنط ابن عمر ابنا لسعيد بن زيد وحمله وصلى ولم يتوضأ‏)‏ حنط بفتح المهملة والنون الثقيلة أي طيبه بالحنوط وهو كل شيء يخلط من الطيب للميت خاصة، وقد وصله مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر حنط ابنا لسعيد بن زيد وحمله ثم دخل المسجد فصلى ولم يتوضأ انتهى‏.‏

والابن المذكور اسمه عبد الرحمن، كذلك رويناه في نسخة أبي الجهم العلاء بن موسى عن الليث عن نافع أنه رأى عبد الله بن عمر حنط عبد الرحمن بن سعيد بن زيد فذكره‏.‏

قيل‏:‏ تعلق هذا الأثر وما بعده بالترجمة من جهة أن المصنف يرى أن المؤمن لا ينجس بالموت وأن غسله إنما هو للتعبد لأنه لو كان نجسا لم يطهره الماء والسدر ولا الماء وحده، ولو كان نجسا ما مسه ابن عمر ولغسل ما مسه من أعضائه، وكأنه أشار إلى تضعيف ما رواه أبو داود من طريق عمرو بن عمير عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ‏"‏ رواته ثقات إلا عمرو بن عمير فليس بمعروف، وروى الترمذي وابن حبان من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة نحوه، وهو معلول لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه‏:‏ الصواب عن أبي هريرة موقوف‏.‏

وقال أبو داود بعد تخريجه‏:‏ هذا منسوخ، ولم يبين ناسخه‏.‏

وقال الذهلي فيما حكاه الحاكم في تاريخه‏:‏ ليس فيمن غسل ميتا فليغتسل حديث ثابت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس رضي الله عنهما إلخ‏)‏ وصله سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن ليس ينجس حيا ولا ميتا ‏"‏ إسناده صحيح، وقد روي مرفوعا أخرجه الدارقطني عن رواية عبد الرحمن بن يحيى المخزومي عن سفيان، وكذلك أخرجه الحاكم من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة عن سفيان، والذي في مصنف ابن أبي شيبة عن سفيان موقوف كما رواه سعيد بن منصور، وروى الحاكم نحوه مرفوعا أيضا من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله ‏"‏لا تنجسوا موتاكم ‏"‏ أي لا تقولوا إنهم نجس، وقوله ينجس بفتح الجيم‏.‏

قوله ‏(‏وقال سعد لو كان نجسا ما مسسته‏)‏ وقع في رواية الأصيلي وأبي الوقت ‏"‏ وقال سعيد ‏"‏ بزيادة ياء والأول أولى وهو سعد بن أبي وقاص كذلك أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عائشة بنت سعد قالت ‏"‏ أوذن سعد - تعني أباها - بجنازة سعيد بن زيد بن عمرو وهو بالعقيق فجاءه فغسله وكفنه وحنطه، ثم أتى داره فاغتسل ثم قال‏:‏ لم أغتسل من غسله، ولو كان نجسا ما مسسته، ولكني اغتسلت من الحر ‏"‏ وقد وجدت عن سعيد بن المسيب شيئا من ذلك أخرجه سمويه في فوائده من طريق أبي واقد المدني قال‏:‏ قال سعيد بن المسيب لو علمت أنه نجس لم أمسه‏.‏

وفي أثر سعد من الفوائد أنه ينبغي للعالم إذا عمل عملا يخشى أن يلتبس على من رآه أن يعلمهم بحقيقة الأمر لئلا يحملوه على غير محمله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ المؤمن لا ينجس‏)‏ هذا طرف من حديث لأبي هريرة تقدم موصولا في ‏"‏ باب الجنب يمشي في السوق ‏"‏ من كتاب الغسل، ووجه الاستدلال به أن صفة الإيمان لا تسلب بالموت وإذا كانت باقية فهو غير نجس، وقد بين ذلك حديث ابن عباس المذكور قبل، ووقع في نسخة الصغاني هنا ‏"‏ قال أبو عبد الله‏:‏ النجس القذر ‏"‏ انتهى‏.‏

وأبو عبد الله هو البخاري‏.‏

وأراد بذلك نفي هذا الوصف وهو النجس عن المسلم حقيقة ومجازا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ تَعْنِي إِزَارَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن أيوب عن محمد بن سيرين‏)‏ في رواية ابن جريج عن أيوب سمعت ابن سيرين، وسيأتي في ‏"‏ باب كيف الإشعار ‏"‏ وقد رواه أيوب أيضا عن حفصة بنت سيرين كما سيأتي بعد أبواب، ومدار حديث أم عطية على محمد وحفصة ابني سيرين، وحفظت منه حفصة ما لم يحفظه محمد كما سيأتي مبينا‏.‏

قال ابن المنذر ليس في أحاديث الغسل للميت أعلى من حديث أم عطية وعليه عول الأئمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أم عطية الأنصارية‏)‏ في رواية ابن جريج المذكورة ‏"‏ جاءت أم عطية امرأة من الأنصار اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت البصرة تبادر ابنا لها فلم تدركه ‏"‏ وهذا الابن ما عرفت اسمه وكأنه كان غازيا، فقدم البصرة فبلع أم عطية وهي بالمدينة قدومه وهو مريض فرحلت إليه فمات قبل أن تلقاه وسيأتي في الإحداد ما يدل على أن قدومها كان بعد موته بيوم أو يومين، وقد تقدم في المقدمة أن اسمها نسيبة بنون ومهملة وموحدة‏.‏

والمشهور فيها التصغير‏.‏

وقيل بفتح أوله وقع ذلك في رواية أبي ذر عن السرخسي وكذا ضبطه الأصيلي عن يحيى بن معين وطاهر بن عبد العزيز في السيرة الهشامية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين توفيت ابنته‏)‏ في رواية الثقفي عن أيوب وهي التي تلي هذه وكذا في رواية ابن جريج ‏"‏ دخل علينا ونحن نغسل بنته ‏"‏ ويجمع بينهما بأن المراد أنه دخل حين شرع النسوة في الغسل، وعند النسائي أن مجيئهن إليها كان بأمره، ولفظه من رواية هشام بن حسان عن حفصة ‏"‏ ماتت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا فقال اغسلنها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابنته‏)‏ لم تقع في شيء من رواية البخاري مسماة، والمشهور أنها زينب زوج أبي العاصي بن الربيع والدة أمامة التي تقدم ذكرها في الصلاة، وهي أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاتها فيما حكاه الطبري في الذيل في أول سنة ثمان، وقد وردت مسماة في هذا عند مسلم من طريق عاصم الأحول عن حفصة عن أم عطية قالت ‏"‏ لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله‏:‏ اغسلنها ‏"‏ فذكر الحديث، ولم أرها في شيء من الطرق عن حفصة ولا عن محمد مسماة إلا في رواية عاصم هذه، وقد خولف في ذلك فحكى ابن التين عن الداودي الشارح أنه جزم بأن البنت المذكورة أم كلثوم زوج عثمان ولم يذكر مستنده، وتعقبه المنذري بأن أم كلثوم توفيت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر فلم يشهدها، وهو غلط منه فإن التي توفيت حينئذ رقية، وعزاه النووي تبعا لعياض لبعض أهل السير، وهو قصور شديد فقد أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب ولفظه ‏"‏ دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم ‏"‏ وهذا الإسناد على شرط الشيخين، وفيه نظر سيأتي في ‏"‏ باب كيف الإشعار ‏"‏ وكذا وقع في ‏"‏ المبهمات ‏"‏ لابن بشكوال من طريق الأوزاعي عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت ‏"‏ كنت فيمن غسل أم كلثوم ‏"‏ الحديث، وقرأت بخط مغلطاي‏:‏ زعم الترمذي أنها أم كلثوم وفيه نظر‏.‏

كذا قال، ولم أر في الترمذي شيئا من ذلك‏.‏

وقد روى الدولابي في الذرية الطاهرة من طريق أبي الرجال عن عمرة أن أم عطية كانت ممن غسل أم كلثوم ابنة النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيمكن دعوى ترجيح ذلك لمجيئه من طرق متعددة، ويمكن الجمع بأن تكون حضرتهما جميعا، فقد جزم ابن عبد البر رحمه الله في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات، ووقع لي من تسمية النسوة اللاتي حضرن معها ثلاث غيرها، ففي الذرية الطاهرة أيضا من طريق أسماء بنت عميس أنها كانت ممن غسلها قالت‏:‏ ومعنا صفية بنت عبد المطلب‏.‏

ولأبي داود من حديث ليلى بنت قانف بقاف ونون وفاء الثقفية قالت‏:‏ كنت فيمن غسلها‏.‏

وروى الطبراني من حديث أم سليم شيئا يومئ إلى أنها حضرت ذلك أيضا، وسيأتي بعد خمسة أبواب قول ابن سيرين‏:‏ ولا أدري أي بناته‏.‏

وهذا يدل على أن تسميتها في رواية ابن ماجه وغيره ممن دون ابن سيرين والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اغسلنها‏)‏ قال ابن بزيزة‏:‏ استدل به على وجوب غسل الميت، وهو مبني على أن قوله فيما بعد ‏"‏ إن رأيتن ذلك ‏"‏ هل يرجع إلى الغسل أو العدد، والثاني أرجح، فثبت المدعي‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ لكن قوله ثلاثا ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد لأن قوله ‏"‏ ثلاثا ‏"‏ غير مستقل بنفسه فلا بد أن يكون داخلا تحت صيغة الأمر فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل، والندب بالنسبة إلى الإيتار انتهى‏.‏

وقواعد الشافعية لا تأبى ذلك‏.‏

ومن ثم ذهب الكوفيون وأهل الطاهر والمزني إلى إيجاب الثلاث وقالوا‏:‏ إن خرج منه شيء بعد ذلك يغسل موضعه ولا يعاد غسل الميت، وهو مخالف لظاهر الحديث‏.‏

وجاء عن الحسن مثله أخرجه عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال ‏"‏ يغسل ثلاثا فإن خرج منه شيء بعد فخمسا، فإن خرج منه شيء غسل سبعا ‏"‏ قال هشام وقال الحسن ‏"‏ يغسل ثلاثا، فإن خرج منه شيء غسل ما خرج ولم يزد على الثلاث‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا أو خمسا‏)‏ في رواية هشام بن حسان عن حفصة ‏"‏ غسلنها وترا ثلاثا أو خمسا ‏"‏ و ‏"‏ أو ‏"‏ هنا للترتيب لا للتخيير، قال النووي‏:‏ المراد اغسلنها وترا وليكن ثلاثا فإن احتجن إلى زيادة فخمسا، وحاصله أن الإيتار مطلوب والثلاث مستحبة، فإن حصل الإنقاء بها لم يشرع ما فوقها وإلا زيد وترا حتى يحصل الإنقاء، والواجب من ذلك مرة واحدة عامة للبدن انتهى‏.‏

وقد سبق بحث ابن دقيق العيد في ذلك‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ في قوله ‏"‏ أو خمسا ‏"‏ إشارة إلى أن المشروع هو الإيتار لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس وسكت عن الأربع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو أكثر من ذلك‏)‏ بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث، في رواية أيوب عن حفصة كما في الباب الذي يليه ‏"‏ ثلاثا أو خمسا أو سبعا ‏"‏ ولم أر في شيء من الروايات بعد قوله سبعا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود، وأما ما سواها فإما ‏"‏ أو سبعا ‏"‏ وإما ‏"‏ أو أكثر من ذلك ‏"‏ فيحتمل تفسير قوله أو أكثر من ذلك بالسبع، وبه قال أحمد، فكره الزيادة على السبع‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم أحدا قال بمجاوزة السبع، وساق من طريق قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثا وإلا فخمسا وإلا فأكثر، قال‏:‏ فرأينا أن أكثر من ذلك سبع‏.‏

وقال الماوردي‏:‏ الزيادة على السبع سرف‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ بلغني أن جسد الميت يسترخي بالماء فلا أحب الزيادة على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن رأيتن ذلك‏)‏ معناه التفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ إنما فوض الرأي ليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار، وحكى ابن التين عن بعضهم قال‏:‏ يحتمل قوله ‏"‏ إن رأيتن ‏"‏ أن يرجع إلى الأعداد المذكورة، ويحتمل أن يكون معناه إن رأيتن أن تفعلن ذلك وإلا فالإنقاء يكفي‏.‏

قوله‏.‏

‏(‏بماء وسدر‏)‏ قال ابن العربي‏:‏ هذا أصل في جواز التطهر بالماء المضاف إذا لم يسلب الماء الإطلاق انتهى‏.‏

وهو مبني على الصحيح أن غسل الميت للتطهير كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور‏)‏ هو شك من الراوي أي اللفظتين قال، والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه، وجزم في الرواية التي تلي هذه بالشق الأول، وكذا في رواية ابن جريج، وظاهره جعل الكافور في الماء وبه قال الجمهور‏.‏

وقال النخعي والكوفيون‏:‏ إنما يجعل في الحنوط أي بعد إنهاء الغسل والتجفيف، قيل الحكمة في الكافور مع كونه يطيب رائحة الموضع لأجل من يحضر من الملائكة وغيرهم أن فيه تجفيفا وتبريدا وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه، وهو أقوى الأراييح الطيبة في ذلك، وهذا هو السر في جعله في الأخيرة إذ لو كان في الأولى مثلا لأذهبه الماء، وهل يقوم المسك مثلا مقام الكافور‏؟‏ إن نظر إلى مجرد التطيب فنعم، وإلا فلا، وقد يقال إذا عدم الكافور قام غيره مقامه ولو بخاصية واحدة مثلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا فرغتن فآذنني‏)‏ أي أعلمنني‏.‏

قوله‏.‏

‏(‏فلما فرغنا‏)‏ كذا للأكثر بصيغة الخطاب من الحاضر، وللأصيلي ‏"‏ فلما فرغن ‏"‏ بصيغة الغائب‏.‏

قوله ‏(‏حقوه‏)‏ بفتح المهملة - ويجوز كسرها وهي لغة هذيل - بعدها قاف ساكنة، والمراد به هنا الإزار كما وقع مفسرا في آخر هذه الرواية، والحقو في الأصل معقد الإزار، وأطلق على الإزار مجازا، وسيأتي بعد ثلاثة أبواب من رواية ابن عون عن محمد بن سيرين بلفظ ‏"‏ فنزع من حقوه إزاره ‏"‏ والحقو في هذا على حقيقته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشعرنها إياه‏)‏ أي اجعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها، وسيأتي الكلام على صفته في باب مفرد، قيل الحكمة في تأخير الإزار معه إلى أن يفرغن من الغسل ولم يناولهن إياه أولا ليكون قريب العهد من جسده الكريم حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل، وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 12:12 AM
باب مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُغْسَلَ وِتْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يستحب أن يغسل وترا‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ يحتمل أن تكون ‏"‏ ما ‏"‏ مصدرية أو موصولة، والثاني أظهر‏.‏

كذا قال وفيه نظر، لأنه لو كان المراد ذلك لوقع التعبير بمن التي لمن يعقل‏.‏

ثم أورد المصنف فيه حديث أم عطية أيضا من رواية أيوب عن محمد وليس فيه التصريح بالوتر، ومن رواية أيوب قال حدثتني حفصة وفيه ذلك، وقد تقدم الكلام فيه قبل‏.‏

ومحمد شيخه لم ينسب في أكثر الروايات، وقع عند الأصيلي حدثنا محمد بن المثنى‏.‏

وقال الجياني‏:‏ يحتمل أن يكون محمد بن سلام‏.‏

وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن الوليد وهو البسري عن عبد الوهاب وهو من شيوخ البخاري أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ فَقَالَ أَيُّوبُ وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ وَكَانَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ اغْسِلْنَهَا وِتْرًا وَكَانَ فِيهِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا وَكَانَ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ ابْدَءُوا بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا وَكَانَ فِيهِ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ وَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أيوب‏)‏ كذا للأكثر بالفاء وهو بالإسناد المذكور، ووقع عند الأصيلي وقال بالواو فربما ظن معلقا وليس كذلك‏.‏

وقد رواه الإسماعيلي بالإسنادين معا موصولا وسيأتي الكلام على ما في رواية حفصة من الزيادة فيما بعد‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ وترا ثلاثا أو خمسا ‏"‏ استدل به على أن أقل الوتر ثلاث، ولا دلالة فيه لأنه سيق مساق البيان للمراد إذ لو أطلق لتناول الواحدة فما فوقها‏.‏

*3*باب يُبْدَأُ بِمَيَامِنِ الْمَيِّتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يبدأ بميامن الميت‏)‏ أي عند غسله، وكأنه أطلق في الترجمة ليشعر بأن غير الغسل يلحق به قياسا عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَسْلِ ابْنَتِهِ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد‏)‏ هو الحذاء، وحفصة هي بنت سيرين‏.‏

قوله‏.‏

‏(‏في غسل ابنته‏)‏ في رواية هشيم عن خالد عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمرها أن تغسل ابنته قال لها‏.‏

فذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها‏)‏ ليس بين الأمرين تناف لإمكان البداءة بمواضع الوضوء وبالميامن معا، قال الزين بن المنير‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ ابدأن بميامنها ‏"‏ أي في الغسلات التي لا وضوء فيها ‏(‏ومواضع الوضوء منها‏)‏ أي في الغسلة المتصلة بالوضوء‏.‏

وكأن المصنف أشار بذلك إلى مخالفة أبي قلابة في قوله ‏"‏ يبدأ بالرأس ثم باللحية ‏"‏ قال‏:‏ والحكمة في الأمر بالوضوء تجديد أثر سمة المؤمنين في ظهور أثر الغرة والتحجيل‏.‏

*3*باب مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْ الْمَيِّتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مواضع الوضوء من الميت‏)‏ أي يستحب البداءة بها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمَّا غَسَّلْنَا بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا وَنَحْنُ نَغْسِلُهَا ابْدَءُوا بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابدؤوا‏)‏ كذا للأكثر وللكشميهني ‏"‏ ابدأن ‏"‏ وهو الوجه لأنه خطاب للنسوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومواضع الوضوء‏)‏ زاد أبو ذر ‏"‏ منها ‏"‏ واستدل به على استحباب المضمضة والاستنشاق في غسل الميت خلافا للحنفية، بل قالوا‏:‏ لا يستحب وضوؤه أصلا، وإذا قلنا باستحبابه فهل يكون وضوءا حقيقيا بحيث يعاد غسل تلك لأعضاء في الغسل أو جزءا من الغسل بدئت به هذه الأعضاء تشريفا‏؟‏ الثاني أظهر من سياق الحديث، والبداءة بالميامن وبمواضع الوضوء مما زادته حفصة في روايتها عن أم عطية على أخيها محمد، وكذا المشط والضفر كما سيأتي‏.‏

*3*باب هَلْ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي إِزَارِ الرَّجُلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل تكفن المرأة في إزار الرجل‏)‏ أورد فيه حديث أم عطية أيضا‏.‏

وشاهد الترجمة قوله فيه ‏"‏ فأعطاها إزاره ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ أشار بقوله ‏"‏ هل ‏"‏ إلى تردد عنده في المسألة، فكأنه أومأ إلى احتمال اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن المعنى الموجود فيه من البركة ونحوها قد لا يكون في غيره ولا سيما مع قرب عهده بعرقه الكريم، ولكن الأظهر الجواز، وقد نقل ابن بطال الاتفاق على ذلك، لكن لا يلزم من ذلك التعقب على البخاري لأنه إنما ترجم بالنظر إلى سياق الحديث وهو قابل للاحتمال‏.‏

وقال الزين بن المنير نحوه وزاد احتمال الاختصاص بالمحرم أم بمن يكون في مثل إزار النبي صلى الله عليه وسلم وجسده من تحقق النظافة وعدم نفرة الزوج وغيرته أن تلبس زوجته لباس غيره‏.‏

*3*باب يُجْعَلُ الْكَافُورُ فِي آخِرِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يجعل الكافور في الأخيرة‏)‏ أي في الغسلة الأخيرة، قال الزين بن المنير‏:‏ لم يعين حكم ذلك لاحتمال صيغة ‏"‏ اجعلن ‏"‏ للوجوب والندب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي قَالَتْ فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِنَحْوِهِ وَقَالَتْ إِنَّهُ قَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ قَالَتْ حَفْصَةُ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَجَعَلْنَا رَأْسَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن أيوب‏)‏ هو معطوف على الإسناد الأول، وقد تقدم الكلام عليه فيما قبل‏.‏

واختلف في هيئة جعله في الغسلة الأخيرة فقيل‏:‏ يجعل في ماء ويصب عليه في آخر غسلة وهو ظاهر الحديث، وقيل‏:‏ إذا كما غسله طيب بالكافور قبل التكفين‏.‏

ومد ورد في رواية النسائي بلفظ ‏"‏ واجعلن في آخر ذلك كافورا‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قيل ما مناسبة إدخال هذه الترجمة - وهي متعلقة بالغسل - بين ترجمتين متعلقتين بالكفن‏؟‏ أجاب الزين بن المنير بأن العرف تقديم ما يحتاج إليه الميت قبل الشروع في الغسل أو قبل الفراغ منه ليتيسر غسله‏.‏

ومن جملة ذلك الحنوط انتهى ملخصا‏.‏

ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى خلاف من قال إن الكافور يختص بالحنوط ولا يجعل في الماء وهو عن الأوزاعي وبعض الحنفية، أو يجعل في الماء وهو قول الجمهور كما تقدم قريبا‏.‏

ولفظة ‏"‏ الأخيرة ‏"‏ صفة موصوف فيحتمل أن يكون التقدير الغسلة وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون الخرقة التي تلي الجسد‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 12:18 AM
باب نَقْضِ شَعَرِ الْمَرْأَةِ

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَا بَأْسَ أَنْ يُنْقَضَ شَعَرُ الْمَيِّتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نقض شعر المرأة‏)‏ أي الميتة قبل الغسل، والتقييد بالمرأة خرج مخرج الغالب أو الأكثر، وإلا فالرجل إذا كان له شعر ينقض لأجل التنظيف وليبلغ الماء البشرة، وذهب من منعه إلى أنه قد يفضي إلى انتتاف شعره، وأجاب من أثبته بأنه يضم إلى ما انتثر منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن سيرين إلخ‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريق أيوب عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَيُّوبُ وَسَمِعْتُ حَفْصَةَ بِنْتَ سِيرِينَ قَالَتْ حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُنَّ جَعَلْنَ رَأْسَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ نَقَضْنَهُ ثُمَّ غَسَلْنَهُ ثُمَّ جَعَلْنَهُ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب، ونسبه أبو علي بن شبويه عن الفربري ‏"‏ أحمد بن صالح‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أيوب‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق حرملة عن ابن وهب عن ابن جريج ‏"‏ أن أيوب بن أبي تميمة أخبره‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وسمعت‏)‏ هو معطوف على محذوف تقديره سمعت كذا وسمعت حفصة، وسيأتي بيانه في الباب الذي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنهن جعلن رأس بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون نقضنه ثم غسلنه‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ قالت نقضته ‏"‏ والظاهر أن القائلة أم عطية، ولعبد الرزاق عن معمر عن أيوب في هذا الحديث ‏"‏ فقلت نقضته فغسلته فجعلته ثلاثة قرون قالت نعم ‏"‏ والمراد بالرأس شعر الرأس فهو من مجاز المجاورة، وفائدة النقض تبليغ الماء البشرة وتنظيف الشعر من الأوساخ‏.‏

ولمسلم من رواية أيوب عن حفصة عن أم عطية ‏"‏ مشطناها ثلاثة قرون ‏"‏ وهو بتخفيف المعجمة أي سرحناها بالمشط، وفيه حجة للشافعي ومن وافقه على استحباب تسريح الشعر، واعتل من كرهه بتقطيع الشعر، والرفق يؤمن معه ذلك‏.‏

*3*باب كَيْفَ الْإِشْعَارُ لِلْمَيِّتِ

وَقَالَ الْحَسَنُ الْخِرْقَةُ الْخَامِسَةُ تَشُدُّ بِهَا الْفَخِذَيْنِ وَالْوَرِكَيْنِ تَحْتَ الدِّرْعِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب كيف الإشعار للميت‏)‏ أورد فيه حديث أم عطية أيضا، وإنما أفرد له هذه الترجمة لقوله في هذا السياق ‏"‏ وزعم أن الإشعار الففنها فيه ‏"‏ وفيه اختصار والتقدير وزعم أن معنى قوله أشعرنها إياها الففنها، وهو ظاهر اللفظ، لأن الشعار ما يلي الجسد من الثياب‏.‏

والقائل في هذه الرواية ‏"‏ وزعم ‏"‏ هو أيوب‏.‏

وذكر ابن بطال أنه ابن سيرين، والأول أولى، ومد بينه عبد الرزاق في روايته عن ابن جريج قال ‏"‏ قلت لأيوب قوله أشعرنها تؤزر به‏؟‏ قال‏:‏ ما أراه إلا قال الففنها فيه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن الخرقة الخامسة إلخ‏)‏ هذا يدل على أن أول الكلام أن المرأة تكفن في خمسة أثواب‏.‏

وقد وصله ابن أبي شيبة نحوه‏.‏

وروى الجوزقي من طريق إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن هشام عن حفصة عن أم عطية قالت ‏"‏ فكفناها في خمسة أثواب وخمرناها كما يخمر الحي ‏"‏ وهذه الزيادة صحيحة الإسناد، وقول الحسن في الخرقة الخامسة قال به زفر‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ تشد على صدرها لتضم أكفانها، وكأن المصنف أشار إلى موافقة قول زفر‏:‏ ولا يكره القميص للمرأة على الراجح عند الشافعية والحنابلة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَقُولُ جَاءَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ اللَّاتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَتْ الْبَصْرَةَ تُبَادِرُ ابْنًا لَهَا فَلَمْ تُدْرِكْهُ فَحَدَّثَتْنَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي قَالَتْ فَلَمَّا فَرَغْنَا أَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَدْرِي أَيُّ بَنَاتِهِ وَزَعَمَ أَنَّ الْإِشْعَارَ الْفُفْنَهَا فِيهِ وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَأْمُرُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُشْعَرَ وَلَا تُؤْزَرَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا أحمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب‏.‏

وقال أبو علي بن شبويه في روايته ‏"‏ حدثنا أحمد يعني ابن صالح‏"‏‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ ولا أدري أي بناته ‏"‏ هو مقول أيوب، وفيه دليل على أنه لم يسمع تسميتها من حفصة، وقد تقدم قريبا من وجه آخر عنه أنها أم كلثوم‏.‏

*3*باب هَلْ يُجْعَلُ شَعَرُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون‏)‏ أي ضفائر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ ضَفَرْنَا شَعَرَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْنِي ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَقَالَ وَكِيعٌ قَالَ سُفْيَانُ نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري، وهشام هو ابن حسان، وأم الهذيل هي حفصة بنت سيرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضفرنا‏)‏ بضاد ساقطة وفاء خفيفة ‏(‏شعر بنت النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ تعني ثلاثة قرون‏.‏

وقال وكيع قال سفيان‏)‏ أي بهذا الإسناد ‏(‏ناصيتها وقرنيها‏)‏ أي جانبي رأسها، ورواية وكيع وصلها الإسماعيلي بهذه الزيادة وزاد ‏"‏ ثم ألقيناه خلفها ‏"‏ وسيأتي الكلام على هذه الزيادة في الباب الذي يليه‏.‏

واستدل به على ضفر شعر الميت خلافا لمن منعه، فقال ابن القاسم‏:‏ لا أعرف الضفر بل يكف وعن الأوزاعي والحنفية‏:‏ يرسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرقا‏.‏

قال القرطبي‏:‏ وكأن سبب الخلاف أن الذي فعلته أم عطية هل استندت فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا، أو هو شيء رأته ففعلته استحسانا‏؟‏ كلا الأمرين محتمل، لكن الأصل أن لا يفعل في الميت شيء من جنس القرب إلا بإذن من الشرع محقق ولم يرد ذلك مرفوعا، كذا قال‏.‏

وقال النووي الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره له‏.‏

قلت‏:‏ وقد رواه سعيد بن منصور بلفظ الأمر من رواية هشام عن حفصة عن أم عطية قالت ‏"‏ قال لنا رسول الله‏:‏ اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر ‏"‏ وقال ابن حبان في صحيحه‏:‏ ذكر البيان بأن أم عطية إنما مشطت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم بأمره لا من تلقاء نفسها ثم أخرج من طريق حماد عن أيوب قال‏:‏ قالت حفصة عن أم عطية اغسلنها ثلاثة أو خمسا أو سبعا واجعلن لها ثلاثة قرون‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ ثلاثة قرون ‏"‏ مع قوله‏:‏ ‏"‏ ناصيتها وقرنيها ‏"‏ لا تضاد بينهما، لأن المراد بالثلاثة قرون الضفائر، والمراد بالقرنين الجانبان‏.‏

*3*باب يُلْقَى شَعَرُ الْمَرْأَةِ خَلْفَهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب يلقى شعر المرأة خلفها‏)‏ في رواية الأصيلي وأبي الوقت ‏"‏ يجعل ‏"‏ وزاد الحموي ‏"‏ ثلاثة قرون ‏"‏ ثم أورد المصنف حديث أم عطية من رواية هشام بن حسان عن حفصة وفيه ‏"‏ فضفرنا شعرها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها ‏"‏ أخرجه مسدد عن يحيى بن سعيد، وقد أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى بلفظ ‏"‏ ومشطناها ‏"‏ وقد تقدم ذلك من رواية الثوري عن هشام أيضا، وعند عبد الرزاق من طريق أيوب عن حفصة ‏"‏ ضفرنا رأسها ثلاثة قرون ناصيتها وقرنيها وألقيناه إلى خلفها ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ فيه استحباب تسريح المرأة وتضفيرها، وزاد بعض الشافعية أن تجعل الثلاث خلف ظهرها، وأورد فيه حديثا غريبا، كذا قال وهو مما يتعجب منه مع كون الزيادة في صحيح البخاري، وقد توبع راويها عليها كما تراه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ قَالَ حَدَّثَتْنَا حَفْصَةُ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا بِالسِّدْرِ وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا

الشرح‏:‏

في هذا الحديث من الفوائد - غير ما تقدم في هذه التراجم العشر - تعليم الإمام من لا علم له بالأمر الذي يقع فيه، وتفويضه إليه إذا كان أهلا لذلك بعد أن ينبهه على علة الحكم‏.‏

واستدل به على أن الغسل من غسل الميت ليس بواجب لأنه موضع تعليم ولم يأمر به، وفيه نظر لاحتمال أن يكون شرع بعد هذه الواقعة‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ لا أعلم أحدا قال بوجوبه‏.‏

وكأنه ما درى أن الشافعي علق القول به على صحة الحديث، والخلاف فيه ثابت عند المالكية وصار إليه بعض الشافعية أيضا‏.‏

وقال ابن بزيزة‏:‏ الظاهر أنه مستحب، والحكمة فيه تتعلق بالميت، لأن الغاسل إذا علم أنه سيغتسل لم يتحفظ من شيء يصيبه من أثر الغسل فيبالغ في تنظيف الميت وهو مطمئن، ويحتمل أن يتعلق بالغاسل ليكون عند فراغه على يقين من طهارة جسده مما لعله أن يكون أصابه من رشاش ونحوه انتهى واستدل به بعض الحنفية على أن الزوج لا يتولى غسل زوجته، لأن زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم كان حاضرا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم النسوة بغسل ابنته دون الزوج، وتعقب بأنه يتوقف على صحة دعوى أنه كان حاضرا، وعلى تقدير تسليمه فيحتاج إلى ثبوت أنه لم يكن به مانع من ذلك ولا آثر النسوة على نفسه، وعلى تسليمه فغاية ما فيه أن يستدل به على أن النسوة أولى منه لا على منعه من ذلك لو أراده‏.‏

والله أعلم بالصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 12:21 AM
باب الثِّيَابِ الْبِيضِ لِلْكَفَنِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الثياب البيض للكفن‏)‏ أورد فيه حديث عائشة ‏"‏ كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض ‏"‏ الحديث، وتقرير الاستدلال به أن الله لم يكن ليختار لنبيه إلا الأفضل، وكأن المصنف لم يثبت على شرطه الحديث الصريح في الباب وهو ما رواه أصحاب السنن من حديث ابن عباس بلفظ ‏"‏ البسوا ثياب البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم ‏"‏ صححه الترمذي والحاكم، وله شاهد من حديث سمرة بن جندب أخرجوه وإسناده صحيح أيضا، وحكى بعض من صنف في الخلاف عن الحنفية أن المستحب عندهم أن يكون في أحدها ثوب حبرة، وكأنهم أخذوا بما روي أنه عليه الصلاة والسلام كفن في ثوبين وبرد حبرة أخرجه أبو داود من حديث جابر وإسناده حسن، لكن روى مسلم والترمذي من حديث عائشة أنهم نزعوها عنه، قال الترمذي‏:‏ وتكفينه في ثلاثة أثواب بيض أصح ما ورد في كفنه‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة ‏"‏ لف في برد حبرة جفف فيه ثم نوع عنه ‏"‏ يمكن أن يستدل لهم بعموم حديث أنس ‏"‏ كان أحب اللباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبرة ‏"‏ أخرجه الشيخان، وسيأتي في اللباس‏.‏

والحبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة ما كان من البرود مخططا‏.‏

*3*باب الْكَفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الكفن في ثوبين‏)‏ كأنه أشار إلى أن الثلاث في حديث عائشة ليست شرطا في الصحة، وإنما هو مستحب وهو قول الجمهور‏.‏

واختلف فيما إذا شح بعض الورثة بالثاني أو الثالث، والمرجح أنه لا يلتفت إليه‏.‏

وأما الواحد الساتر لجميع البدن فلا بد منه بالاتفاق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَوْقَصَتْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حماد‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ ابن زيد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بينما رجل‏)‏ لم أقف على تسميته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واقف‏)‏ استدل به على إطلاق لفظ الواقف على الراكب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعرفة‏)‏ سيأتي بعد باب من وجه آخر ‏"‏ ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوقصته، أو قال فأوقصته‏)‏ شك من الراوي، والمعروف عند أهل اللغة الأول والذي بالهمز شاذ، والوقص كسر العنق، ويحتمل أن يكون فاعل وقصته الوقعة أو الراحلة بأن تكون أصابته بعد أن وقع والأول أظهر‏.‏

وقال الكرماني فوقصته أي راحلته فإن كان الكسر حصل بسبب الوقوع فهو مجاز، وإن حصل من الراحلة بعد الوقوع فحقيقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكفنوه في ثوبين‏)‏ استدل به على إبدال ثياب المحرم وليس بشيء لأنه سيأتي في الحج بلفظ ‏"‏ في ثوبيه ‏"‏ وللنسائي من طريق يونس بن نافع عن عمرو بن دينار ‏"‏ في ثوبيه اللذين أحرم فيهما ‏"‏ وقال المحب الطبري‏:‏ إنما لم يزده ثوبا ثالثا تكرمة له كما في الشهيد حيث قال ‏"‏ زملوهم بدمائهم ‏"‏ واستدل به على أن الإحرام لا ينقطع بالموت كما سيأتي بعد باب، وعلى ترك النيابة في الحج لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدا أن يكمل عن هذا المحرم أفعال الحج وفيه نظر لا يخفى‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ وفيه أن من شرع في عمل طاعة ثم حال بينه وبين إتمامه الموت رجي له أن الله يكتبه في الآخرة من أهل ذلك العمل‏.‏

*3*باب الْحَنُوطِ لِلْمَيِّتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الحنوط للميت‏)‏ أي غير المحرم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَأَقْصَعَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَقْعَصَتْهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس المذكور في الباب ورد عن شيخ آخر، وشاهد الترجمة قوله ‏"‏ ولا تحنطوه ‏"‏ ثم علل بأنه يبعث ملبيا، فدل على أن سبب النهي أنه كان محرما، فإذا انتفت العلة انتفى النهي، وكأن الحنوط للميت كان مقررا عندهم‏.‏

وكذا قوله ‏"‏ لا تخمروا رأسه ‏"‏ أي لا تغطوه، قال البيهقي‏:‏ فيه دليل على أن غير المحرم يحنط كما يخمر رأسه، وأن النهي إنما وقع لأجل الإحرام خلافا لمن قال من المالكية غيرهم إن الإحرام ينقطع بالموت فيصنع بالميت ما يصنع بالحي، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهو مقتضى القياس، لكن الحديث بعد أن ثبت يقدم على القياس، وقد قال بعض المالكية‏:‏ إثبات الحنوط في هذا الخبر بطريق المفهوم من منع الحنوط للمحرم، ولكنها واقعة حال يتطرق الاحتمال إلى منطوقها فلا يستدل بمفهومها‏.‏

وقال بعض الحنفية‏:‏ هذا الحديث ليس عاما بلفظه لأنه في شخص معين، ولا بمعناه لأنه لم يقل يبعث ملبيا لأنه محرم فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل منفصل‏.‏

وقال ابن بزيزة‏:‏ وأجاب بعض أصحابنا عن هذا الحديث بأن هذا مخصوص بذلك الرجل لأن إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه يبعث ملبيا شهادة بأن حجه قبل، وذلك غير محقق لغيره، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن هذه العلة إنما ثبتت لأجل الإحرام فتعم كل محرم، وأما القبول وعدمه فأمر مغيب‏.‏

واعتل بعضهم بقوله تعالى ‏(‏وأن ليس للإنسان إلا ما سعى‏)‏ وبقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ‏"‏ وليس هذا منها فينبغي أن ينقطع عمله بالموت، وأجيب بأن تكفينه في ثوبي إحرامه وتبقيته على هيئة إحرامه من عمل الحي بعده كغسله والصلاة عليه فلا معنى لما ذكروه‏.‏

وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ وقد قال صلى الله عليه وسلم في الشهداء ‏"‏ زملوهم بدمائهم ‏"‏ مع قوله ‏"‏ والله أعلم بمن يكلم في سبيله ‏"‏ فعمم الحكم في الظاهر بناء على ظاهر السبب فينبغي أن يعمم الحكم في كل محرم، وبين المجاهد والمحرم جامع لأن كلا منهما في سبيل الله‏.‏

وقد اعتذر الداودي عن مالك فقال‏:‏ لم يبلغه هذا الحديث، وأورد بعضهم أنه لو كان إحرامه باقيا لوجب أن يكمل به المناسك ولا قائل به‏.‏

وأجيب بأن ذلك ورد على خلافه الأصل فيقتصر به على مورد النص ولا سيما وقد وضح، أن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام كاستبقاء دم الشهيد‏.‏

*3*باب كَيْفَ يُكَفَّنُ الْمُحْرِمُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كيف يكفن المحرم‏)‏ سقطت هذه الترجمة للأصيلي وثبتت لغيره وهو أوجه‏.‏

وأورد المصنف فيها حديث ابن عباس المذكور من طريقين، ففي الأول ‏"‏ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ‏"‏ كذا للمستملي وللباقين ‏"‏ ملبدا ‏"‏ بدال بدل التحتانية، والتلبيد جمع الشعر بصمغ أو غيره ليخف شعثه، وكانت عادتهم في الإحرام أن يصنعوا ذلك‏.‏

وقد أنكر عياض هذه الرواية وقال‏:‏ ليس للتلبيد معنى، وسيأتي في الحج بلفظ ‏"‏ يهل ‏"‏ ورواه النسائي بلفظ ‏"‏ فإنه يبعث يوم القيامة محرما ‏"‏ لكن ليس قوله ملبدا فاسد المعنى بل توجيهه ظاهر‏.‏

قوله في الرواية الأخرى ‏(‏كان رجل واقفا‏)‏ كذا لأبي ذر وللباقين ‏"‏ واقف ‏"‏ على أنه صفة لرجل، وكان تامة أي حصل رجل واقف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَجُلًا وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏ولا تمسوه‏)‏ بضم أوله وكسر الميم من أمس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ كَانَ رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ فَوَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ قَالَ أَيُّوبُ فَوَقَصَتْهُ وَقَالَ عَمْرٌو فَأَقْصَعَتْهُ فَمَاتَ فَقَالَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَيُّوبُ يُلَبِّي وَقَالَ عَمْرٌو مُلَبِّيًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأقصعته‏)‏ أي هشمته يقال أقصع القملة إذا هشمها، وقيل هو خاص بكسر العظم، ولو سلم فلا مانع أن يستعار لكسر الرقبة‏.‏

وفي رواية الكشميهني بتقديم العين على الصاد، والقعص القتل في الحال ومنه قعاص الغنم وهو موتها‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ تضمنت هذه الترجمة الاستفهام عن الكيفية مع أنها مبينة، لكنها لما كانت تحتمل أن تكون خاصة بذلك الرجل، وأن تكون عامة لكل محرم، آثر المصنف الاستفهام‏.‏

قلت‏:‏ والذي يظهر أن المراد بقوله ‏"‏ كيف يكفن ‏"‏ أي كيفية التكفين ولم يرد الاستفهام، وكيف يظن به أنه متردد فيه وقد جزم قبل ذلك بأنه عام في حق كل أحد حيث ترجم بجواز التكفين في ثوبين‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ في حديث ابن عباس إباحة غسل المحرم الحي بالسدر خلافا لمن كرهه له، وأن الوتر في الكفن ليس بشرط في الصحة، وأن الكفن من رأس المال لأمره صلى الله عليه وسلم بتكفينه في ثوبيه ولم يستفصل هل عليه دين يستغرق أم لا‏.‏

وفيه استحباب تكفين المحرم في ثياب إحرامه، وأن إحرامه باق، وأنه لا يكفن في المخيط‏.‏

وفيه التعليل بالفاء لقوله فإنه، وفيه التكفين في الثياب الملبوسة، وفيه استحباب دوام التلبية إلى أن ينتهي الإحرام، وأن الإحرام يتعلق بالرأس لا بالوجه، وسيأتي الكلام على ما وقع في مسلم بلفظ ‏"‏ ولا تخمروا وجهه ‏"‏ في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

وأغرب القرطبي فحكى عن الشافعي أن المحرم لا يصلي عليه، وليس ذلك بمعروف عنه‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ يحتمل اقتصاره له على التكفين في ثوبيه لكونه مات فيهما وهو متلبس بتلك العبادة الفاضلة، ويحتمل أنه لم يجد له غيرهما‏.‏

*3*باب الْكَفَنِ فِي الْقَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ أَوْ لَا يُكَفُّ وَمَنْ كُفِّنَ بِغَيْرِ قَمِيصٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف‏)‏ قال ابن التين‏:‏ ضبط بعضهم يكف بضم أوله وفتح الكاف وبعضهم بالعكس، والفاء مشدودة فيهما‏.‏

وضبطه بعضهم بفتح أوله وسكون الكاف وتخفيف الفاء وكسرها، والأول أشبه بالمعنى‏.‏

وتعقبه ابن رشيد بأن الثاني هو الصواب قال‏:‏ وكذا وقع في نسخة حاتم الطرابلسي، وكذا رأيته في أصل أبي القاسم بن الورد، قال‏:‏ والذي يظهر لي أن البخاري لحظ قوله تعالى ‏(‏استغفر لهم أو لا تستغفر لهم‏)‏ أي أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه سواء كان يكف عنه العذاب أو لا يكف استصلاحا للقلوب المؤلفة، فكأنه يقول يؤخذ من هذا التبرك بآثار الصالحين سواء علمنا أنه مؤثر في حال الميت أو لا‏.‏

قال‏:‏ ولا يصح أن يراد به سواء كان الثوب مكفوف الأطراف أو غير مكفوف لأن ذلك وصف لا أثر له، قال‏:‏ وأما الضبط الثالث فهو لحن إذ لا موجب لحذف الياء الثانية فيه انتهى‏.‏

وقد جزم المهلب بأنه الصواب، وأن الياء سقطت من الكاتب غلطا، قال ابن بطال‏:‏ والمراد طويلا كان القميص سابغا أو قصيرا فإنه يجوز أن يكفن فيه، كذا قال، ووجهه بعضهم بأن عبد الله كان مفرط الطول كما سيأتي في ذكر السبب في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم له قميصه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم معتدل الخلق، وقد أعطاه مع ذلك قميصه ليكفن فيه ولم يلتفت إلى كونه ساترا لجميع بدنه أو لا‏.‏

وتعقب بأن حديث جابر دال على أنه كفن في غيره فلا تنتهض الحجة بذلك‏.‏

وأما قول ابن رشيد إن المكفوف الأطراف لا أثر له فغير مسلم، بل المتبادر إلى الذهن أنه مراد البخاري كما فهمه ابن التين، والمعنى أن التكفين في القميص ليس ممتنعا سواء كان مكفوف الأطراف أو غير مكفوف، أو المراد بالكف تزريره دفعا لقول من يدعي أن القميص لا يسوغ إلا إذا كانت أطرافه غير مكفوفة أو كان غير مزرر ليشبه الرداء، وأشار بذلك إلى الرد على من خالف في ذلك، وإلى أن التكفين في غير قميص مستحب، ولا يكره التكفين في القميص‏.‏

وفي الخلافيات للبيهقي من طريق ابن عون قال‏:‏ كان محمد بن سيرين يستحب أن يكون قميص الميت كقميص الحي مكففا مزررا، وسيأتي الكلام على حديث عبد الله بن عمر في قصة عبد الله بن أبي في تفسير براءة إن شاء الله تعالى، ونذكر فيه جواب الإشكال الواقع في قول عمر‏:‏ أليس الله قد نهاك أن تصلي على المنافقين‏؟‏ مع أن نزول قوله تعالى ‏(‏ولا تصل على أحد منهم مات أبدا‏)‏ كان بعد ذلك كما سيأتي في سياق حديث الباب حيث قال‏:‏ فنزلت ‏(‏ولا تصل‏)‏ ، ومحصل الجواب أن عمر فهم من قوله ‏(‏فلن يغفر الله لهم‏)‏ منع الصلاة عليهم، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن لا منع، وأن الرجاء لم ينقطع بعد‏.‏

ثم إن ظاهر قوله في حديث جابر ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعدما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه ‏"‏ مخالف لقوله في حديث ابن عمر ‏"‏ لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه فقال‏:‏ يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه، فأعطاه قميصه وقال‏:‏ آذني أصلي عليه، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد جمع بينهما بأن معنى قوله في حديث ابن عمر ‏"‏ فأعطاه ‏"‏ أي أنعم له بذلك، فأطلق على العدة اسم العطية مجازا لتحقيق وقوعها‏.‏

وكذا قوله في حديث جابر ‏"‏ بعد ما دفن عبد الله بن أبي ‏"‏ أي دلي في حفرته، وكأن أهل عبد الله بن أبي خشوا على النبي صلى الله عليه وسلم المشقة في حضوره فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وصل وجدهم قد دلوه في حفرته فأمر بإخراجه إنجازا لوعده في تكفينه في القميص والصلاة عليه والله أعلم‏.‏

وقيل‏:‏ أعطاه صلى الله عليه وسلم أحد قميصيه أولا، ثم لما حضر أعطاه الثاني بسؤال ولده‏.‏

وفي ‏"‏ الإكليل ‏"‏ للحاكم ما يؤيد ذلك‏.‏

وقيل‏:‏ ليس في حديث جابر دلالة على أنه ألبسه قميصه بعد إخراجه من القبر، لأن لفظه ‏"‏ فوضعه على ركبتيه وألبسه قميصه ‏"‏ والواو لا ترتب فلعله أراد أن يذكر ما وقع في الجملة من إكرامه له من غير إرادة ترتيب، وسيأتي في الجهاد ذكر السبب في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم قميصه لعبد الله بن أبي، وبقية القصة في التفسير وأن اسم ابنه المذكور عبد الله كاسم أبيه إن شاء الله تعالى‏.‏

واستنبط منه الإسماعيلي جواز طلب أثار أهل الخير منهم للتبرك بها وإن كان السائل غنيا‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 12:24 AM
باب الْكَفَنِ بِغَيْرِ قَمِيصٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الكفن بغير قميص‏)‏ ثبتت هذه الترجمة للأكثر وسقطت للمستملي، ولكنه ضمنها الترجمة التي قبلها فقال بعد قوله أو لا يكف ‏"‏ ومن كفن بغير قميص ‏"‏ والخلاف في هذه المسألة بين الحنفية وغيرهم في الاستحباب وعدمه، والثاني عن الجمهور، وعن بعض الحنفية يستحب القميص دون العمامة‏.‏

وأجاب بعض من خالف بأن قولها ليس فيها قميص ولا عمامة يحتمل نفي وجودهما جملة، ويحتمل أن يكون المراد نفي المعدود أي الثلاثة خارجة عن القميص والعمامة والأول أظهر‏.‏

وقال بعض الحنفية‏:‏ معناه ليس فيها قميص أي جديد، وقيل ليس فيها القميص الذي غسل فيه، أو ليس فيها قميص مكفوف الأطراف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كُفِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابِ سُحُولٍ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏.‏

‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سحول‏)‏ بضم المهملتين وآخره لام أي بيض، وهو جمع سحل، والثوب الأبيض النقي لا يكون إلا من قطن، وقد تقدم في ‏"‏ باب الثياب البيض للكفن ‏"‏ بلفظ ‏"‏ يمانية بيض سحولية في كرسف ‏"‏ وعن ابن وهب‏:‏ السحول القطن، وفيه نظر، وهو بضم أوله ويروى بفتحه نسبة إلى سحول قرية باليمن‏.‏

وقال الأزهري‏:‏ بالفتح المدينة، وبالضم الثياب‏.‏

وقيل النسب إلى القرية بالضم، وأما بالفتح فنسبة إلى القصار لأنه يسحل الثياب أي ينقيها، والكرسف بضم الكاف والمهملة بينهما راء ساكنة هو القطن، ووقع في رواية للبيهقي ‏"‏ سحولية جدد‏"‏

*3*باب الْكَفَنِ بِلَا عِمَامَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الكفن بلا عمامة‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي ‏"‏ الكفن في الثياب البيض ‏"‏ والأول أولى لئلا تتكرر الترجمة بغير فائدة، وقد تقدم ما في هذا النفي في الباب الذي قبله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثة أثواب‏)‏ في طبقات ابن سعد عن الشعبي ‏"‏ إزار ورداء ولفافة‏"‏‏.‏

*3*باب الْكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ

وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَتَادَةُ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الْحَنُوطُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ يُبْدَأُ بِالْكَفَنِ ثُمَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ بِالْوَصِيَّةِ وَقَالَ سُفْيَانُ أَجْرُ الْقَبْرِ وَالْغَسْلِ هُوَ مِنْ الْكَفَنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الكفن من جميع المال‏)‏ أي من رأس المال، وكأن المصنف راعى لفظ حديث مرفوع ورد بهذا اللفظ أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث علي وإسناده ضعيف، وذكره ابن أبي حاتم في العلل من حديث جابر، وحكى عن أبيه أنه منكر، قال ابن المنذر‏:‏ قال بذلك جميع أهل العلم إلا رواية شاذة عن خلاس بن عمرو قال ‏"‏ الكفن من الثلث ‏"‏ وعن طاوس قال ‏"‏ من الثلث إن كان قليلا ‏"‏ قلت‏:‏ أخرجهما عبد الرزاق، وقد يرد على هذا الإطلاق ما استثناه الشافعية وغيرهم من الزكاة وسائر ما يتعلق بعين المال فإنه يقدم على الكفن وغيره من مؤنة تجهيزه كما لو كانت التركة شيئا مرهونا أو عبدا جانيا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبه قال عطاء والزهري وعمرو بن دينار وقتادة‏.‏

وقال عمرو بن دينار‏:‏ الحنوط من جميع المال‏)‏ أما قول عطاء فوصله الدارمي من طريق ابن المبارك عن ابن جريج عنه قال ‏"‏ الحنوط والكفن من رأس المال‏"‏، وأما قول الزهري وقتادة فقال عبد الرزاق ‏"‏ أخبرنا معمر عن الزهري وقتادة قالا‏:‏ الكفن من جميع المال ‏"‏ وأما قول عمرو بن دينار فقال عبد الرزاق ‏"‏ عن ابن جريج عن عطاء‏:‏ الكفن والحنوط من رأس المال ‏"‏ قال ‏"‏ وقاله عمرو بن دينار ‏"‏ وقوله ‏"‏ وقال إبراهيم ‏"‏ - يعني النخعي - يبدأ بالكفن ثم بالدين ثم بالوصية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سفيان‏)‏ أي الثوري إلخ وصله الدارمي من قول النخعي كذلك دون قول سفيان، ومن طريق أخرى عن النخعي بلفظ ‏"‏ الكفن من جميع المال ‏"‏ وصله عبد الرزاق عن سفيان أي الثوري عن عبيدة بن معتب عن إبراهيم قال ‏"‏ فقلت لسفيان‏:‏ فأجر القبر والغسل‏؟‏ قال‏:‏ هو من الكفن ‏"‏ أي أجر حفر القبر وأجر الغاسل من حكم الكفن في أنه من رأس المال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أُتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا بِطَعَامِهِ فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ وَقُتِلَ حَمْزَةُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن محمد المكي‏)‏ هو الأزرقي على الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سعد‏)‏ أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فإبراهيم بن سعد في هذا الإسناد راو عن أبيه عن جده عن جد أبيه، وسيأتي سياقه في الباب الذي يليه أصرح اتصالا من هذا‏.‏

ويأتي الكلام على فوائده مستوفي في ‏"‏ باب غزوة أحد ‏"‏ من كتاب المغازي، وشاهد الترجمة منه قوله في الحديث ‏"‏ فلم يوجد له ‏"‏ لأن ظاهره أنه لم يوجد ما يملكه إلا البرد المذكور، ووقع في رواية الأكثر ‏"‏ إلا برده ‏"‏ بالضمير العائد عليه‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ إلا بردة ‏"‏ بلفظ واحدة البرود، وسيأتي حديث خباب في الباب الذي بعده بلفظ ‏"‏ ولم يترك إلا نمرة ‏"‏ واختلف فيما إذا كان عليه دين مستغرق هل يكون كفنه ساترا لجميع بدنه أو للعورة فقط‏؟‏ المرجح الأول، ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لا يجزئ ثوب واحد يصف ما تحته من البدن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو رجل آخر‏)‏ لم أقف على اسمه، ولم يقع في أكثر الروايات إلا بذكر حمزة ومصعب فقط، وكدا أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق منصور بن أبي مزاحم عن إبراهيم بن سعد‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ يستفاد من قصة عبد الرحمن إيثار الفقر على الغني وإيثار التخلي للعبادة على تعاطي الاكتساب، فلذلك امتنع من تناول ذلك الطعام مع أنه كان صائما‏.‏

*3*باب إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يوجد إلا ثوب واحد‏)‏ أي اقتصر عليه ولا ينتظر بدفنه ارتقاب شيء آخر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ وَأُرَاهُ قَالَ وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنْ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ

الشرح‏:‏

قول عبد الرحمن بن عوف ‏"‏ وهو خير مني ‏"‏ دلالة على تواضعه‏.‏

وفيه إشارة إلى تعظيم فضل من قتل في المشاهد الفاضلة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد في هذا الطريق ‏"‏ إن غطى رأسه بدت رجلاه ‏"‏ وهو موافق لما في الرواية التي في الباب الذي يليه‏.‏

وروى الحاكم في المستدرك من حديث أنس أن حمزة أيضا كفن كذلك‏.‏

*3*باب إِذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنًا إِلَّا مَا يُوَارِي رَأْسَهُ أَوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى رَأْسَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه أو قدميه‏)‏ أي رأسه مع بقية جسده إلا قدميه أو العكس، كأنه قال‏:‏ ما يواري جسده إلا رأسه، أو جسده إلا قدميه، وذلك بين من حديث الباب حيث قال ‏"‏ خرجت رجلاه ‏"‏ ولو كان المراد أنه يغطي رأسه فقط دون سائر جسده لكان تغطية العورة أولى‏.‏

ويستفاد منه أنه إذا لم يوجد ساتر البتة أنه يغطي جميعه بإذخر، فإن لم يوجد فبما تيسر من نبات الأرض، وسيأتي في كتاب الحج قول العباس ‏"‏ إلا الإذخر فإنه بيوتنا وقبورنا ‏"‏ فكأنها كانت عادة لهم استعماله في القبور، قال المهلب‏:‏ وإنما استحب لهم النبي صلى الله عليه وسلم التكفين في تلك الثياب التي ليست سابغة لأنهم قتلوا فيها انتهى‏.‏

وفي هذا الجزم نظر، بل الظاهر أنه لم يجد لهم غيرها كما هو مقتضى الترجمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ حَدَّثَنَا خَبَّابٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْإِذْخِرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا شقيق‏)‏ هو ابن سلمة أبو وائل، وخباب بمعجمة وموحدتين الأولى مثقلة هو ابن الأرت، والإسناد كله كوفيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يأكل من أجره شيئا‏)‏ كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح، وكأن المراد بالأجر ثمرته، فليس مقصورا على أجر الآخرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أينعت‏)‏ بفتح الهمزة وسكون التحتانية وفتح النون أي نضجت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهو يهد بها‏)‏ بفتح أوله وكسر المهملة أي يجتنيها، وضبطه النووي بضم الدال، وحكى ابن التين تثليثها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما نكفنه به‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ به ‏"‏ من رواية غير أبي ذر، وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَنْ اسْتَعَدَّ الْكَفَنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من استعد الكفن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه‏)‏ ضبط في روايتنا بفتح الكاف على البناء للمجهول وحكي الكسر على أن فاعل الإنكار النبي صلى الله عليه وسلم، وحكى الزين بن المنير عن بعض الروايات فلم ينكره بهاء بدل عليه وهو بمعني الرواية التي بالكسر، وإنما قيد الترجمة بذلك ليشير إلى أن الإنكار الذي وقع من الصحابة كان على الصحابي في طلب البردة فلما أخبرهم بعذره لم ينكروا ذلك عليه، فيستفاد منه جواز تحصيل ما لا بد للميت منه من كفن ونحوه في حال حياته، وهل يلتحق بذلك حفر القبر‏؟‏ فيه بحث سيأتي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ قَالُوا الشَّمْلَةُ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ فَقَالَ اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا قَالَ الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ قَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي قَالَ سَهْلٌ فَكَانَتْ كَفَنَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن امرأة‏)‏ لم أقف على اسمها‏.‏

قوله ‏(‏فيها حاشيتها‏)‏ قال الداودي يعني إنها لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية‏.‏

وقال غيره حاشية الثوب هدبه فكأنه قال إنها جديدة لم يقطع هدبها ولم تلبس بعد‏.‏

وقال القزاز‏:‏ حاشيتا الثوب ناحيتاه اللتان في طرفهما الهدب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتدرون‏)‏ هو مقول سهل بن سعد بينه أبو غسان عن أبي حازم كما أخرجه المصنف في الأدب ولفظه ‏"‏ فقال سهل للقوم أتدرون ما البردة‏؟‏ قالوا‏:‏ الشملة‏"‏‏.‏

انتهى‏.‏

وفي تفسير البردة بالشملة تجوز لأن البردة كساء والشملة ما يشتمل به فهي أعم، لكن لما كان أكثر اشتمالهم بها أطلقوا عليها اسمها‏.‏

قوله ‏(‏فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها‏)‏ كأنهم عرفوا ذلك بقرينة حال أو تقدم قول صريح‏.‏

قوله ‏(‏فخرج إلينا وإنها إزاره‏)‏ في رواية ابن ماجه عن هشام بن عمار عن عبد العزيز ‏"‏ فخرج إلينا فيها ‏"‏ وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني ‏"‏ فاتزر بها ثم خرج‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحسنها فلان فقال اكسنيها ما أحسنها‏)‏ كذا في جميع الروايات هنا بالمهملتين من التحسين‏.‏

وللمصنف في اللباس من طريق يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم ‏"‏ فجسها ‏"‏ بالجيم بغير نون وكذا للطبراني والإسماعيلي من طريق أخرى عن أبي حازم، وقوله ‏"‏فلان ‏"‏ أفاد المحب الطبري في الأحكام له أنه عبد الرحمن بن عوف، وعزاه للطبراني ولم أره في المعجم الكبير لا في مسند سهل ولا عبد الرحمن، ونقله شيخنا ابن الملقن عن المحب في شرح العمدة، وكذا قال لنا شيخنا الحافظ أبو الحسن الهيتمي إنه وقف عليه، لكن لم يستحضر مكانه، ووقع لشيخنا ابن الملقن في ‏"‏ شرح التنبيه ‏"‏ أنه سهل بن سعد وهو غلط فكأنه التبس على شيخنا اسم القائل باسم الراوي، نعم أخرج الطبراني الحديث المذكور عن أحمد بن عبد الرحمن بن يسار عن قتيبة بن سعيد عن يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل وقال في آخره ‏"‏ قال قتيبة هو سعد بن أبي وقاص ‏"‏ انتهى، وقد أخرجه البخاري في اللباس والنسائي في الزينة عن قتيبة ولم يذكرا عنه ذلك، وقد رواه ابن ماجة بسنده المتقدم وقال فيه ‏"‏ فجاء فلان رجل سماه يومئذ ‏"‏ وهو دال على أن الراوي كان ربما سماه‏.‏

ووقع في رواية أخرى للطبراني من طريق زمعة بن صالح عن أبي حازم أن السائل المذكور أعرابي، فلو لم يكن زمعة ضعيفا لانتفى أن يكون هو عبد الرحمن بن عوف أو سعد بن أبي وقاص، أو يقال تعددت القصة على ما فيه من بعد والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أحسنها‏)‏ بنصب النون وما للتعجب‏.‏

وفي رواية ابن ماجه والطبراني من هذا الوجه قال نعم فلما دخل طواها وأرسل بها إليه، وهو للمصنف في اللباس من طريق يعقوب بن عبد الرحمن بلفظ ‏"‏ فقال نعم فجلس ما شاء الله في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال القوم ما أحسنت‏)‏ ما نافية، وقد وقعت تسمية المعاتب له من الصحابة في طريق هشام بن سعد المذكورة ولفظه قال سهل فقلت للرجل لم سألته وقد رأيت حاجته إليها‏؟‏ فقال‏:‏ رأيت ما رأيتم، ولكن أردت أن أخبأها حتى أكفن فيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه لا يرد‏)‏ كذا وقع هنا بحذف المفعول، وثبت في رواية ابن ماجه بلفظ ‏"‏ لا يرد سائلا ‏"‏ ونحوه في رواية يعقوب في البيوع‏.‏

وفي رواية أبي غسان في الأدب لا يسأل شيئا فيمنعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما سألته لألبسها‏)‏ في رواية أبي غسان ‏"‏ فقال رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأفاد الطبراني في رواية زمعة بن صالح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يصنع له غيرها فمات قبل أن تفرغ‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وسعة جوده وقبوله الهدية، واستنبط منه المهلب جواز ترك مكافأة الفقير على هديته، وليس ذلك بظاهر منه فإن المكافأة كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم مستمرة فلا يلزم من السكوت عنها هنا أن لا يكون فعلها، بل ليس في سياق هذا الحديث الجزم بكون ذلك كان هدية فيحتمل أن تكون عرضتها عليه ليشتريها منها، قال‏:‏ وفيه جواز الاعتماد على القرائن ولو تجردت لقولهم ‏"‏ فأخذها محتاجا إليها ‏"‏ وفيه نظر لاحتمال أن يكون سبق لهم منه قول يدل على ذلك كما تقدم‏.‏

قال‏:‏ وفيه الترغيب في المصنوع بالنسبة إلى صانعه إذا كان ماهرا، ويحتمل أن تكون أرادت بنسبته إليها إزالة ما يخشى من التدليس‏.‏

وفيه جواز استحسان الإنسان ما يراه على غيره من الملابس وغيرها إما ليعرفه قدرها وأما ليعرض له بطلبه منه حيث يسوغ له ذلك‏.‏

وفيه مشروعية الإنكار عند مخالفة الأدب ظاهرا وإن لم يبلغ المنكر درجة التحريم‏.‏

وفيه التبرك بآثار الصالحين وقال ابن بطال‏.‏

فيه جواز إعداد الشيء قبل وقت الحاجة إليه، قال‏:‏ وقد حفر جماعة من الصالحين قبورهم قبل الموت‏.‏

وتعقبه الزين بن المنير بأن ذلك لم يقع من أحد من الصحابة، قال‏:‏ ولو كان مستحبا لكثر فيهم‏.‏

وقال بعض الشافعية‏:‏ ينبغي لمن استعد شيئا من ذلك أن يجتهد في تحصيله من جهة يثق بحلها أو من أثر من يعتقد فيه الصلاح والبركة‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 12:27 AM
باب اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الْجَنَائِزَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب اتباع النساء الجنازة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ فصل المصنف بين هذه الترجمة وبين فضل اتباع الجنائز بتراجم كثيرة تشعر بالتفرقة بين النساء‏.‏

والرجال، وأن الفضل الثابت في ذلك يختص بالرجال دون النساء لأن النهي يقتضي التحريم أو الكراهة، والفضل يدل على الاستحباب، ولا يجتمعان‏.‏

وأطلق الحكم هنا لما يتطرق إليه من الاحتمال، ومن ثم اختلف العلماء في ذلك‏.‏

ولا يخفى أن محل النزاع إنما هو حيث تؤمن المفسدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري وأم الهذيل هي حفصة بنت سيرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهينا‏)‏ تقدم في الحيض من رواية هشام بن حسان عن حفصة عنها بلفظ ‏"‏ كنا نهينا عن اتباع الجنائز ‏"‏ ورواه يزيد بن أبي حكيم عن الثوري بإسناد هذا الباب بلفظ ‏"‏ نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي وفيه رد على من قال‏:‏ لا حجة في هذا الحديث لأنه لم يسم الناهي فيه، لما رواه الشيخان وغيرهما أن كل ما ورد بهذه الصيغة كان مرفوعا وهو الأصح عند غيرهما من المحدثين، ويؤيد رواية الإسماعيلي ما رواه الطبراني من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية قالت ‏"‏ لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع النساء في بيت ثم بعث إلينا عمر فقال‏:‏ إني رسول رسول الله إليكن، بعثني إليكن لأبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا ‏"‏ الحديث، وفي آخره ‏"‏ وأمرنا أن نخرج في العيد العواتق، ونهانا أن نخرج في جنازة ‏"‏ وهذا يدل على أن رواية أم عطية الأولى من مرسل الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يعزم علينا‏)‏ أي ولم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات، فكأنها قالت‏:‏ كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه، وبه قال جمهور أهل العلم، ومال مالك إلى الجواز وهو قول أهل المدينة‏.‏

ويدل على الجواز ما رواه ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة فرأى عمر امرأة فصاح بها فقال ‏"‏ دعها يا عمر ‏"‏ الحديث‏.‏

وأخرجه ابن ماجه والنسائي من هذا الوجه، ومن طريق أخرى عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سلمة بن الأزرق عن أبي هريرة ورجاله ثقات‏.‏

وقال المهلب‏:‏ في حديث أم عطية دلالة على أن النهي من الشارع على درجات‏.‏

وقال الداودي‏:‏ قولها ‏"‏ نهينا عن اتباع الجنائز ‏"‏ أي إلى أن نصل إلى القبور، وقوله ‏"‏ولم يعزم علينا ‏"‏ أي أن لا نأتي أهل الميت فنعزيهم ونترحم على ميتهم من غير أن نتبع جنازته انتهى‏.‏

وفي أخذ هذا التفصيل من هذا السياق نظر، نعم هو في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى فاطمة مقبلة فقال‏:‏ من أين جئت‏؟‏ فقالت‏:‏ رحمت على أهل هذا الميت ميتهم‏.‏

فقال‏:‏ لعلك بلغت معهم الكدى‏؟‏ قالت‏:‏ لا ‏"‏ الحديث أخرجه أحمد والحاكم وغيرهما‏.‏

فأنكر عليها بلوغ الكدى، وهو بالضم وتخفيف الدال المقصورة وهي المقادير، ولم ينكر عليها التعزية‏.‏

وقال المحب الطبري‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بقولها ‏"‏ ولم يعزم علينا ‏"‏ أي كما عزم على الرجال بترغيبهم في اتباعها بحصول القيراط ونحو ذلك، والأول أظهر‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب إِحْدَادِ الْمَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إحداد المرأة على غير زوجها‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ الإحداد بالمهملة امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها من الزينة كلها من لباس وطيب وغيرهما وكل ما كان من دواعي الجماع‏.‏

وأباح الشارع للمرأة أن تحد على غير زوجها ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من ألم الوجد، وليس ذلك واجبا لاتفاقهم على أن الزوج لو طالبها بالجماع لم يحل لها منعه من تلك الحال، وسيأتي قي كتاب الطلاق بقية الكلام على مباحث الإحداد‏.‏

وقوله في الترجمة ‏"‏ على غير زوجها ‏"‏ يعم كل ميت غير الزوج سواء كان قريبا أو أجنبيا، ودلالة الحديث له ظاهرة، ولم يقيده في الترجمة بالموت لأنه يختص به عرفا، ولم يبين حكمه لأن الخبر دل على عدم التحريم في الثلاث وأقل ما يقتضيه إثبات المشروعية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ تُوُفِّيَ ابْنٌ لِأُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ دَعَتْ بِصُفْرَةٍ فَتَمَسَّحَتْ بِهِ وَقَالَتْ نُهِينَا أَنْ نُحِدَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ إِلَّا بِزَوْجٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما كان يوم الثالث‏)‏ كذا للأكثر وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وللمستملي ‏"‏ اليوم الثالث‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏دعت بصفرة‏)‏ سيأتي الكلام عليها قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهينا‏)‏ رواه أيوب عن ابن سيرين بلفظ ‏"‏ أمرنا بأن لا نحد على هالك فوق ثلاث ‏"‏ الحديث أخرجه عبد الرزاق، وللطبراني من طريق قتادة عن ابن سيرين عن أم عطية قالت ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ فذكره معناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن نحد‏)‏ بضم أوله من الرباعي، ولم يعرف الأصمعي غيره، وحكى غيره فتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي يقال حدت المرأة وأحدت بمعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا بزوج‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ إلا لزوج ‏"‏ باللام، ووقع في العدد من طريقه بلفظ ‏"‏ إلا على زوج ‏"‏ والكل بمعنى السببية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ لَمَّا جَاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ الشَّأْمِ دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِصُفْرَةٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا وَقَالَتْ إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن زينب بنت أبي سلمة‏)‏ هي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وصرح في العدد بالإخبار بينها وبين حمد بن نافع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نعي‏)‏ بفتح النون وسكون المهملة وتخفيف الياء - وكسر المهملة وتشديد الياء - هو الخبر بموت الشخص، وأبو سفيان هو ابن حرب بن أمية والد معاوية‏.‏

قوله ‏(‏دعت أم حبيبة‏)‏ هي بنت أبي سفيان المذكور‏.‏

وفي قوله ‏"‏ من الشام ‏"‏ نظر، لأن أبا سفيان مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل العلم بالأخبار، والجمهور على أنه مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل سنة ثلاث، ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك إلا في رواية سفيان بن عيينة هذه وأظنها وهما، وكنت أظن أنه حذف منه لفظ ‏"‏ ابن ‏"‏ لأن الذي جاء نعيه من الشام وأم حبيبة في الحياة هو أخوها يزيد بن أبي سفيان الذي كان أميرا على الشام، لكن رواه المصنف في العدد من طريق مالك ومن طريق سفيان الثوري كلاهما عن عبد الله بن بكر بن حزم عن حميد بن نافع بلفظ ‏"‏ حين توفي عنها أبوها أبو سفيان بن حرب ‏"‏ فظهر أنه لم يسقط منه شيء، ولم يقل فيه واحد منهما من الشام، وكذا أخرجه ابن سعد في ترجمة أم حبيبة من طريق صفية بنت أبي عبيد عنها‏.‏

ثم وجدت الحديث في مسند ابن أبي شيبة قال ‏"‏ حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن حميد بن نافع - ولفظه - جاء نعي أخي أم حبيبة أو حميم لها فدعت بصفرة فلطخت به ذراعيها ‏"‏ وكذا رواه الدارمي عن هاشم بن القاسم عن شعبة لكن بلفظ ‏"‏ إن أخا لأم حبيبة مات أو حميما لها ‏"‏ ورواه أحمد عن حجاج ومحمد بن جعفر جميعا عن شعبة بلفظ ‏"‏ أن حميما لها مات ‏"‏ من غير تردد، وإطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب، فقوي الظن عند هذا أن تكون القصة تعددت لزينب مع أم حبيبة عند وفاة أخيها يزيد ثم عند وفاة أبيها أبي سفيان لا مانع من ذلك‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بصفرة‏)‏ في رواية مالك المذكورة ‏"‏ بطيب فيه صفرة خلوق ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ‏"‏ أي بعارضي نفسها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ بِهِ ثُمَّ قَالَتْ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك‏.‏

وساق الحديث هنا من طريق مالك مختصرا، وأورده مطولا من طريقه في العدد كما سيأتي‏.‏

قوله ‏(‏ثم دخلت‏)‏ هو مقول زينب بنت أم سلمة، وهو مصرح به في الرواية التي في العدد وظاهره أن هذه القصة وقعت بعد قصة أم حبيبة، ولا يصح ذلك إلا إن قلنا بالتعدد، ويكون ذلك عقب وفاة يزيد بن أبي سفيان لأن وفاته سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة، ولا يصح أن يكون ذلك عند وفاة أبيه لأن زينب بنت جحش ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح المشهور عند أهل العلم بالأخبار، فيحمل على أنها لم ترد ترتيب الوقائع وإنما أرادت ترتيب الأخبار‏.‏

وقد وقع في رواية أبي داود بلفظ ‏"‏ ودخلت ‏"‏ وذلك لا يقتضي الترتيب والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين توفي أخوها‏)‏ لم أتحقق من المراد به، لأن لزينب ثلاثة إخوة‏:‏ عبد الله وعبد يغير إضافة وعبيد الله بالتصغير، فأما الكبير فاستشهد بأحد وكانت زينب إذ ذاك صغيرة جدا لأن أباها أبا سلمة مات بعد بدر وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أمها أم سلمة وهي صغيرة ترضع كما سيأتي في الرضاع أن أمها حلت من عدتها من أبي سلمة بوضع زينب هذه، فانتفى أن يكون هو المراد هنا، وإن كان وقع في كثير من الموطآت بلفظ ‏"‏ حين توفي أخوها عبد الله ‏"‏ كما أخرجه الدارقطني من طريق ابن وهب وغيره عن مالك، وأما عبد بغير إضافة فيعرفه بأبي حميد وكان شاعرا أعمى وعاش إلى خلافة عمر، وقد جزم إسحاق وغيره من أهل العلم بالأخبار بأنه مات بعد أخته زينب بسنة، وروى ابن سعد في ترجمتها في الطبقات من وجهين أن أبا حميد المذكور حضر جنازة زينب مع عمر وحكي عنه مراجعة له بسببها، وإن كان في إسنادهما الواقدي لكن يستشهد به في مثل هذا، فانتفى أن كون هذا الأخير المراد، وأما عبيد الله المصغر فأسلم قديما وهاجر بزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى الحبشة ثم تنصر هناك ومات فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعده أم حبيبة، فهذا يحتمل أن يكون هو المراد لأن زينب بنت أبي سلمة عندما جاء الخبر بوفاة عبيد الله كانت في سن من يضبط، ولا مانع أن يحزن المرء على قريبه الكافر ولا سيما إذا تذكر سوء مصيره‏.‏

ولعل الرواية التي في الموطأ ‏"‏ حين توفي أخوها عبد الله ‏"‏ كانت عبيد الله بالتصغير فلم يضبطها الكاتب والله أعلم‏.‏

ويعكر على هذا قول من قال إن عبيد الله مات بأرض الحبشة فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم حبيبة، فإن ظاهرها أن تزوجها كان بعد موت عبيد الله، وتزويجها وقع وهي بأرض الحبشة وقبل أن تسمع النهي، وأيضا ففي السياق ‏"‏ ثم دخلت على زينب ‏"‏ بعد قولها دخلت على أم حبيبة، وهو ظاهر في أن ذلك كان بعد موت قريب زينب بنت جحش المذكور وهو بعد مجيء أم حبيبة من الحبشة بمدة طويلة، فإن لم يكن هذا الظن هو الواقع احتمل أن يكون أخا لزينب بنت جحش من أمها أو من الرضاعة، أو يرجح ما حكاه ابن عبد البر وغيره من أن زينب بنت أبى سلمة ولدت بأرض الحبشة فإن مقتضى ذلك أن يكون لها عند وفاة عبد الله بن جحش أربع سنين، وما مثلها يضبط في مثلها والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمست به‏)‏ أي شيئا من جسدها، وسيأتي في الطريق التي في العدد بلفظ ‏"‏ فمست منه ‏"‏ وسيأتي فيه لزينب حديث آخر عن أمها أم سلمة في الإحداد أيضا، وسيأتي الكلام على الأحاديث الثلاثة مستوفي إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب زِيَارَةِ الْقُبُورِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب زيارة القبور‏)‏ أي مشروعيتها وكأنه لم يصرح بالحكم لما فيه من الخلاف كما سيأتي، وكأن المصنف لم يثبت على شرطه الأحاديث المصرحة بالجواز، وقد أخرجه مسلم من حديث بريدة وفيه نسخ النهي عن ذلك ولفظه ‏"‏ كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها ‏"‏ وزاد أبو داود والنسائي من حديث أنس ‏"‏ فإنها تذكر الآخرة ‏"‏ وللحاكم من حديثه فيه ‏"‏ وترق القلب وتدمع العين، فلا تقولوا هجرا ‏"‏ أي كلاما فاحشا، وهو بضم الهاء وسكون الجيم وله من حديث ابن مسعود ‏"‏ فإنها تزهد في الدنيا ‏"‏ ولمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ زوروا القبور فإنها تذكر الموت ‏"‏ قال النووي تبعا للعبدري والحازمي وغيرهما‏:‏ اتفقوا على أن زيارة القبور للرجال جائزة‏.‏

كذا أطلقوا، وفيه نظر لأن ابن أبي شيبة وغيره روى عن ابن سيرين وإبراهيم النخعي والشعبي الكراهة مطلقا حتى قال الشعبي‏:‏ لولا نهي النبي صلى الله عليه وسلم لزرت قبر ابنتي‏.‏

فلعل من أطلق أراد بالاتفاق ما استقر عليه الأمر بعد هؤلاء، وكأن هؤلاء لم يبلغهم الناسخ والله أعلم‏.‏

ومقابل هذا قول ابن حزم‏:‏ إن زيارة القبور واجبة ولو مرة واحدة في العمر لورود الأمر به‏.‏

واختلف في النساء فقيل‏:‏ دخلن في عموم الإذن وهو قول الأكثر، ومحله ما إذا أمنت الفتنة ويؤيد الجواز حديث الباب، وموضع الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة‏.‏

وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة فروى الحاكم من طريق ابن أبي مليكة أنه رآها زارت قبر أخيها عبد الرحمن ‏"‏ فقيل لها‏:‏ أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك‏؟‏ قالت نعم، كان نهي ثم أمر بزيارتها ‏"‏ وقيل الإذن خاص بالرجال ولا يجوز للنساء زيارة القبور، وبه جزم الشيخ أبو إسحاق في ‏"‏ المهذب ‏"‏ واستدل له بحديث عبد الله بن عمرو الذي تقدمت الإشارة إليه في ‏"‏ باب اتباع النساء الجنائز ‏"‏ وبحديث ‏"‏ لعن الله زوارات القبور ‏"‏ أخرجه الترمذي وصححه من حديث أبي هريرة، وله شاهد من حديث ابن عباس ومن حديث حسان بن ثابت‏.‏

واختلف من قال بالكراهة في حقهن هل هي كراهة تحريم أو تنزيه‏؟‏ قال القرطبي‏:‏ هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصفة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك، فقد يقال‏:‏ إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي قَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ فَقَالَ إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بامرأة‏)‏ لم أقف على اسمها ولا اسم صاحب القبر‏.‏

وفي رواية لمسلم ما يشعر بأنه ولدها ولفظه ‏"‏ تبكي على صبي لها ‏"‏ وصرح به في مرسل يحيى بن أبي كثير عند عبد الرزاق ولفظه ‏"‏ قد أصيبت بولدها ‏"‏ وسيأتي في أوائل كتاب الأحكام من طريق أخرى عن شعبة عن ثابت ‏"‏ أن أنسا قال لامرأة من أهله‏:‏ تعرفين فلانة‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم مر بها ‏"‏ فذكر هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال اتقي الله‏)‏ في رواية أبي نعيم في المستخرج ‏"‏ فقال يا أمة الله اتقي الله ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ الظاهر أنه كان في بكائها قدر زائد من نوح أو غيره، ولهذا أمرها بالتقوى‏.‏

قلت‏:‏ يؤيده أن في مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور ‏"‏ فسمع منها ما يكره فوقف عليها ‏"‏ وقال الطيبي‏:‏ قوله ‏"‏ اتقي الله ‏"‏ توطئة لقوله ‏"‏ واصبري ‏"‏ كأنه قيل لها خافي غضب الله إن لم تصبري ولا تجزعي ليحصل لك الثواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إليك عني‏)‏ هو من أسماء الأفعال، ومعناها تنح وابعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم تصب بمصيبتي‏)‏ سيأتي في الأحكام من وجه آخر عن شعبة بلفظ ‏"‏ فإنك خلو من مصيبتي ‏"‏ وهو بكسر المعجمة وسكون اللام، ولمسلم ‏"‏ ما تبالي بمصيبتي ‏"‏ ولأبي يعلى من حديث أبي هريرة أنها قالت ‏"‏ يا عبد الله إني أنا الحرى الثكلي، ولو كنت مصابا عذرتني‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم تعرفه‏)‏ جملة حالية أي خاطبته بذلك ولم تعرف أنه رسول الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقيل لها‏)‏ في رواية الأحكام ‏"‏ فمر بها رجل فقال لها‏:‏ إنه رسول الله، فقالت‏:‏ ما عرفته ‏"‏ وفي رواية أبي يعلى المذكورة ‏"‏ قال فهل تعرفينه‏؟‏ قالت‏:‏ لا ‏"‏ وللطبراني في الأوسط من طريق عطية عن أنس أن الذي سألها هو الفضل بن العباس، وزاد مسلم في رواية له ‏"‏ فأخذها مثل الموت ‏"‏ أي من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه صلى الله عليه وسلم خجلا منه ومهابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم تجد عنده بوابين‏)‏ في رواية الأحكام ‏"‏ بوابا ‏"‏ بالإفراد قال الزين بن المنير‏:‏ فائدة هذه الجملة من هذا الخبر بيان عذر هذه المرأة في كونها لم تعرفه، وذلك أنه كان من شأنه أن لا يتخذ بوابا مع قدرته على ذلك تواضعا، وكان من شأنه أنه لا يستتبع الناس وراءه إذا مشى كما جرت عادة الملوك والأكابر، فلذلك اشتبه على المرأة فلم تعرفه مع ما كانت فيه من شاغل الوجد والبكاء‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ فائدة هذه الجملة أنه لما قيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم استشعرت خوفا وهيبة في نفسها فتصورت أنه مثل الملوك له حاجب وبواب يمنع الناس من الوصول إليه، فوجدت الأمر بخلاف ما تصورته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت‏:‏ لم أعرفك‏)‏ في حديث أبي هريرة ‏"‏ فقالت والله ما عرفتك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما الصبر عند الصدمة الأولى‏)‏ في رواية الأحكام ‏"‏ عند أول صدمة ‏"‏ ونحوه لمسلم، والمعني إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر، وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله فاستعير للمصيبة الواردة على القلب، قال الخطابي‏:‏ المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الأيام يسلو‏.‏

وحكى الخطابي عن غيره أن المرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ أراد أن لا يجتمع عليها مصيبة الهلاك وفقد الأجر‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ صدر هذا الجواب منه صلى الله عليه وسلم عن قولها لم أعرفك على أسلوب الحكيم كأنه قال لها‏:‏ دعي الاعتذار فإني لا أغضب لغير الله وانظري لنفسك‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏‏.‏

فائدة جواب المرأة بذلك أنها لما جاءت طائعة لما أمرها به من التقوى والصبر معتذرة عن قولها الصادر عن الحزن بين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال، فهو الذي يترتب عليه الثواب انتهى‏.‏

ويؤيده أن في رواية أبي هريرة المذكورة ‏"‏ فقالت أنا أصبر، أنا أصبر ‏"‏ وفي مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور ‏"‏ فقال اذهبي إليك، فإن الصبر عند الصدمة الأولى ‏"‏ وزاد عبد الرزاق فيه من مرسل الحسن ‏"‏ والعبرة لا يملكها ابن آدم‏"‏‏.‏

وذكر هذا الحديث في زيارة القبور مع احتمال أن تكون المرأة المذكورة تأخرت بعد الدفن عند القبر والزيارة إنما تطلق على من أنشأ إلى القبر قصدا من جهة استواء الحكم في حقها حيث أمرها بالتقوى والصبر لما رأى من جزعها ولم ينكر عليها الخروج من بيتها فدل على أنه جائز، وهو أعم من أن يكون خروجها لتشييع ميتها فأقامت عند القبر بعد الدفن أو أنشأت قصد زيارته بالخروج بسبب الميت‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من التواضع والرفق بالجاهل، ومسامحة المصاب وقبول اعتذاره، وملازمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏

وفيه أن القاضي لا ينبغي له أن يتخذ من يحجبه عن حوائج الناس، وأن من أمر بمعروف ينبغي له أن يقبل ولو لم يعرف الآمر‏.‏

وفيه أن الجزع من المنهيات لأمره لها بالتقوى مقرونا بالصبر‏.‏

وفيه الترغيب في احتمال الأذى عند بذل النصيحة ونشر الموعظة، وأن المواجهة بالخطاب إذا لم تصادف المنوي لا أثر لها‏.‏

وبني عليه بعضهم ما إذا قال يا هند أنت طالق فصادف عمرة أن عمرة لا تطلق‏.‏

واستدل به على جواز زيارة القبور سواء كان الزائر رجلا أو امرأة كما تقدم، وسواء كان المزور مسلما أو كافرا، لعدم الاستفصال في ذلك‏.‏

قال النووي‏:‏ وبالجواز قطع الجمهور‏.‏

وقال صاحب الحاوي‏:‏ لا تجوز زيارة قبر الكافر، وهو غلط انتهى‏.‏

وحجة الماوردي قوله تعالى ‏(‏ولا تقم على قبره‏)‏ ، وفي الاستدلال به نظر لا يخفى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الزين بن المنير‏:‏ قدم المصنف ترجمة زيارة القبور على غيرها من أحكام تشييع الجنازة وما بعد ذلك مما يتقدم الزيارة لأن الزيارة يتكرر وقوعها فجعلها أصلا ومفتاحا لتلك الأحكام انتهى ملخصا‏.‏

وأشار أيضا إلى أن مناسبة ترجمة زيارة القبور تناسب اتباع النساء الجنائز، فكأنه أراد حصر الأحكام المتعلقة بخروج النساء متوالية‏.‏

والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 09:55 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n135&p1#TOP)باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ ذُنُوبًا إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَمَا يُرَخَّصُ مِنْ الْبُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يعذب الميت ببعض بكاء أهله إذا كان النوح من سنته‏)‏ هذا تقييد من المصنف لمطلق الحديث وحمل منه لرواية ابن عباس المقيدة بالبعضية على رواية ابن عمر المطلقة كما ساقه في الباب عنهما، وتفسير منه للبعض المبهم في رواية ابن عباس بأنه النوح، ويؤيده أن المحذور بعض البكاء لا جميعه كما سيأتي بيانه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا كان النوح من سنته‏)‏ يوهم أنه بقية الحديث المرفوع، وليس كذلك بل هو كلام المصنف قاله تفقها، وبقية السياق يرشد إلى ذلك، وهذا الذي جزم به هو أحد الأقوال في تأويل الحديث المذكور كما سيأتي بيانه‏.‏
واختلف في ضبط قوله ‏"‏ من سنته ‏"‏ فللأكثر في الموضعين بضم المهملة وتشديد النون أي طريقته وعادته، وضبط بعضهم بفتح المهملة بعدها موحدتان الأولى مفتوحة أي من أجله، قال صاحب المطالع‏:‏ حكي عن أبي الفضل بن ناصر أنه رجح هذا وأنكر الأول فقال‏:‏ وأي سنه للميت‏؟‏ انتهى‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ بل الأول أولى لإشعاره بالعناية بذلك إذ لا يقال من سنته إلا عند غلبة ذلك عليه واشتهاره به‏.‏
قلت‏:‏ وكأن البخاري ألهم هذا الخلاف فأشار إلى ترجيح الأول حيث استشهد بالحديث الذي فيه‏:‏ لأنه أول من سن القتل، فإنه يثبت ما استبعده ابن ناصر بقوله‏:‏ وأي سنة للميت‏؟‏ وأما تعبير المصنف بالنوح فمراده ما كان من البكاء بصياح وعويل، وما يلتحق بذلك من لطم خد وشق جيب وغير ذلك من المنهيات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقول الله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا‏)‏ وجه الاستدلال لما ذهب إليه من هذه الآية أن هذا الأمر عام في جهات الوقاية ومن جملتها أن لا يكون الأصل مولعا بأمر منكر لئلا يجري أهله عليه بعده، أو يكون قد عرف أن لأهله عادة بفعل أمر منكر وأهمل نهيهم عنه فيكون لم يق نفسه ولا أهله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كلكم راع الحديث‏)‏ هو طرف من حديث لابن عمر تقدم موصولا في الجمعة، ووجه الاستدلال منه ما تقدم، لأن من جملة رعايته لهم أن يكون الشر من طريقته فيجري أهله عليه أو يراهم يفعلون الشر فلا ينهاهم عنه فيسأل عن ذلك ويؤاخذ به‏.‏
وقد تعقب استدلال البخاري بهذه الآية والحديث على ما ذهب إليه من حمل حديث الباب عليه لأن الحديث ناطق بأن الميت يعذب ببكاء أهله، والآية والحديث يقتضيان أنه يعذب بسنته فلم يتحد الموردان، والجواب أنه لا مانع في سلوك طريق الجمع من تخصيص بعض العمومات وتقييد بعض المطلقات، فالحديث وإن كان دالا على تعذيب كل ميت بكل بكاء لكن دلت أدلة أخرى على تخصيص ذلك ببعض البكاء كما سيأتي توجيهه وتقييد ذلك بمن كانت تلك سنته أو أهمل النهي عن ذلك، فالمعنى على هذا أن الذي يعذب ببعض بكاء أهله من كان راضيا بذلك بأن تكون تلك طريقته إلخ، ولذلك قال المصنف ‏(‏فإذا لم يكن من سنته‏)‏ أي كمن كان لا شعور عنده بأنهم يفعلون شيئا من ذلك، أو أدى ما عليه بأن نهاهم فهذا لا مؤاخذة عليه بفعل غيره، ومن ثم قال ابن المبارك‏:‏ إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئا من ذلك بعد وفاته لم يكن عليه شيء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فهو كما قالت عائشة‏)‏ أي كما استدلت عائشة بقوله تعالى ‏(‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏)‏ أي ولا تحمل حاملة ذنبا ذنب أخرى عنها، وهذا حمل منه لإنكار عائشة على أنها أنكرت عموم التعذيب لكل ميت بكي عليه‏.‏
وأما قوله ‏(‏وهو كقوله وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء‏)‏ فوقع في رواية أبي ذر وحده ‏"‏ وإن تدع مثقله ذنوبا إلى حملها ‏"‏ وليست ذنوبا في التلاوة وإنما هو في تفسير مجاهد فنقله المصنف عنه، وموقع التشبيه في قوله أن الجملة الأولى دلت على أن النفس المذنبة لا يؤاخذ غيرها بذنبها، فكذلك الثانية دلت على أن النفس المذنبة لا يحمل عنها غيرها شيئا من ذنوبها ولو طلبت ذلك ودعت إليه، ومحل ذلك كله إنما هو في حق من لم يكن له في شيء من ذلك تسبب، وإلا فهو يشاركه كما في قوله تعالى ‏(‏وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم‏)‏ وقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين‏"‏‏.‏
قوله ‏(‏وما يرخص من البكاء في غير نوح‏)‏ هذا معطوف على أول الترجمة وكأنه أشار بذلك إلى حديث عامر بن سعد عن أبي مسعود الأنصاري وقرظة بن كعب قالا ‏"‏ رخص لنا في البكاء عند المصيبة في غير نوح ‏"‏ أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني وصححه الحاكم، لكن ليس إسناده على شرط البخاري فاكتفى بالإشارة إليه واستغنى عنه بأحاديث الباب الدالة على مقتضاه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تقتل نفس ظلما الحديث‏)‏ هو طرف من حديث لابن مسعود وصله المصنف في الديات وغيرها، ووجه الاستدلال به أن القاتل المذكور يشارك من صنع صنيعه لكونه فتح له الباب ونهج له الطريق، فكذلك من كانت طريقته النوح على الميت يكون قد نهج لأهله تلك الطريقة فيؤاخذ على فعله الأول‏.‏
وحاصل ما بحثه المصنف في هذه الترجمة أن الشخص لا يعذب بفعل غيره إلا إذا كان له فيه تسبب، فمن أثبت تعذيب شخص بفعل غيره فمراده هذا، ومن نفاه فمراده ما إذا لم يكن له فيه تسبب أصلا والله أعلم‏.‏
وقد اعترض بعضهم على استدلال البخاري بهذا الحديث لأن ظاهره أن الوزر يختص بالبادئ دون من أتى بعده، فعلى هذا يختص التعذيب بأول من سن النوح على الموتى‏.‏
والجواب أنه ليس في الحديث ما ينفي الإثم عن غير البادئ فيستدل على ذلك بدليل آخر، وإنما أراد المصنف بهذا الحديث الرد على من يقول إن الإنسان لا يعذب إلا بذنب باشره بقوله أو فعله فأراد أن يبين أنه قد يعذب بفعل غيره إذا كان له فيه تسبب‏.‏
وقد اختلف العلماء في مسألة تعذيب الميت بالبكاء عليه فمنهم من حمله على ظاهره وهو بين من قصة عمر مع صهيب كما سيأتي في ثالث أحاديث هذا الباب، ويحتمل أن يكون عمر كان يرى أن المؤاخذة تقع على الميت إذا كان قادرا على النهي ولم يقع منه، فلذلك بادر إلى نهي صهيب، وكذلك نهى حفصة كما رواه مسلم من طريق نافع عن ابن عمر عنه، وممن أخذ بظاهره أيضا عبد الله ابن عمر فروى عبد الرزاق من طريقه أنه شهد جنازة رافع بن خديج فقال لأهله ‏"‏ إن رافعا شيخ كبير لا طاقة له بالعذاب، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ‏"‏ ويقابل قول هؤلاء قول من رد هذا الحديث وعارضه بقوله تعالى ‏(‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏)‏ وممن روي عنه الإنكار مطلقا أبو هريرة كما رواه أبو يعلى من طريق بكر بن عبد الله المزني قال‏:‏ قال أبو هريرة ‏"‏ والله لئن انطلق رجل مجاهد في سبيل الله فاستشهد فعمدت امرأته سفها وجهلا فبكت عليه ليعذبن هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة ‏"‏ وإلى هذا جنح جماعة من الشافعية منهم أبو حامد وغيره، ومنهم من أول قوله ‏"‏ ببكاء أهله عليه ‏"‏ على أن الباء للحال، أي أن مبدأ عذاب الميت يقع عند بكاء أهله عليه، وذلك أن شدة بكائهم غالبا إنما تقع عند دفنه، وفي تلك الحالة يسأل ويبتدأ به عذاب القبر، فكأن معنى الحديث أن الميت يعذب حالة بكاء أهله عليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون بكاؤهم سبا لتعذيبه حكاه الخطابي، ولا يخفى ما فيه من التكلف‏.‏
ولعل قائله إنما أخذه من قول عائشة ‏"‏ إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليعذب بمعصيته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن ‏"‏ أخرجه مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها، وعلى هذا يكون خاصا ببعض الموتى‏.‏
ومنهم من أوله على أن الرواي سمع بعض الحديث ولم يسمع بعضه، وأن اللام في الميت لمعهود معين كما جزم به القاضي أبو بكر الباقلاني وغيره، وحجتهم ما سيأتي في رواية عمرة عن عائشة في رابع أحاديث الباب، وقد رواه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري وزاد في أوله ‏"‏ ذكر لعائشة أن ابن عمر يقول أن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة‏:‏ يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية ‏"‏ فذكرت الحديث‏.‏
ومنهم من أوله على أن ذلك مختص بالكافر وأن المؤمن لا يعذب بذنب غيره أصلا، وهو بين من رواية ابن عباس عن عائشة وهو ثالث أحاديث الباب‏.‏
وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة، وفيه إشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر بل بما استشعرته من معارضه القرآن‏.‏
قال الداودي‏:‏ رواية ابن عباس عن عائشة أثبتت ما نفته عمرة وعروة عنها، إلا أنها خصته بالكافر لأنها أثبتت أن الميت يزداد عذابا ببكاء أهله، فأي فرق بين أن يزداد بفعل غيره أو يعذب ابتداء‏؟‏ وقال القرطبي‏:‏ إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة أو النسيان أو على أنه سمع بعضا ولم يسمع بعضا بعيد، لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح‏.‏
وقد جمع كثير من أهل العلم بين حديثي عمر وعائشة بضروب من الجمع‏:‏ أولها طريقة البخاري كما تقدم توجيهها‏.‏
ثانيها وهو أخص من الذي قبله ما إذا أوصى أهله بذلك وبه قال المزني وإبراهيم الحربي وآخرون من الشافعية وغيرهم حتى قال أبو الليث السمرقندي‏.‏
إنه قول عامة أهل العلم، وكذا نقله النووي عن الجمهور قالوا‏:‏ وكان معروفا للقدماء حتى قال طرفة بن العبد‏:‏ إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد واعترض بأن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدور الوصية، والحديث دال على أنه إنما يقع عند وقوع الامتثال‏.‏
والجواب أنه ليس في السياق حصر، فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أنه لا يقع إذا لم يتمثلوا مثلا‏.‏
ثالثها يقع ذلك أيضا لمن أهمل نهي أهله عن ذلك، وهو قول داود وطائفة، ولا يخفى أن محله ما إذا لم يتحقق أنه ليست لهم بذلك عادة، ولا ظن أنهم يفعلون ذلك قال ابن المرابط‏:‏ إذا علم المرء بما جاء في النهي عن النوح وعرف أن أهله من شأنهم يفعلون ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن تعاطيه فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده‏.‏
رابعها معنى قوله ‏"‏ يعذب ببكاء أهله ‏"‏ أي بنظير ما يبكيه أهله به، وذلك أن الأفعال التي يعددون بها عليه غالبا تكون من الأمور المنهية فهم يمدحونه بها وهو يعذب بصنيعه ذلك وهو عين ما يمدحونه به، وهذا اختيار ابن حزم وطائفة، واستدل له بحديث ابن عمر الآتي بعد عشرة أبواب في قصة موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ‏"‏ ولكن يعذب بهذا، وأشار إلى لسانه‏"‏‏.‏
قال ابن حزم‏:‏ فصح أن البكاء الذي يعذب به الإنسان ما كان منه باللسان إذ يندبونه برياسته التي جار فيها، وشجاعته التي صرفا في غير طاعة الله، وجوده الذي لم يضعه في الحق، فأهله يبكون عليه بهذه المفاخر وهو يعذب بذلك‏.‏
وقال الإسماعيلي كثر كلام العلماء في هذه المسألة وقال كل مجتهدا على حسب ما قدر له، ومن أحسن ما حضرني وجه لم أرهم ذكروه، وهو أنهم كانوا في الجاهلية يغيرون ويسبون ويقتلون، وكان أحدهم إذا مات بكته باكيته بتلك الأفعال المحرمة، فمعنى الخبر أن الميت يعذب بذلك الذي يبكي عليه أهله به، لأن الميت يندب بأحسن أفعاله، وكانت محاسن أفعالهم ما ذكر، وهي زيادة ذنب من ذنوبه يستحق العذاب عليها‏.‏
خامسها معنى التعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله به كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعا ‏"‏ الميت يعذب ببكاء الحي، إذا قالت النائحة‏:‏ واعضداه واناصراه واكاسياه، جبذ الميت وقيل له‏:‏ أنت عضدها، أنت ناصرها، أنت كاسيها ‏"‏‏؟‏ ورواه ابن ماجه ‏"‏ يتعتع به ويقال‏:‏ أنت كذلك ‏"‏‏؟‏ ورواه الترمذي بلفظ ‏"‏ ما من ميت يموت فتقوم نادبته فتقول‏:‏ واجبلاه واسنداه أو شبه ذلك من القول إلا وكل به ملكان يلهزانه، أهكذا كنت ‏"‏‏؟‏ وشاهده ما روى المصنف في المغازي من حديث النعمان بن بشير قال ‏"‏ أغمي على عبد الله بن رواحة، فجعت أخته تبكي وتقول‏:‏ واجبلاه واكذا واكذا، فقال حين أفاق‏:‏ ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذلك ‏"‏‏؟‏ سادسها معنى التعذيب تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها، وهذا اختيار أبي جعفر الطبري من المتقدمين، ورجحه ابن المرابط وعياض ومن تبعه ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين، واستشهدوا له بحديث قيلة بنت مخرمة وهي بفتح القاف وسكون التحتانية وأبوها بفتح الميم وسكون المعجمة ثقفية ‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة ثم أصابته الحمى فمات ونزل علي البكاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفا، وإذا مات استرجع، فوالذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم ‏"‏ وهذا طرف من حديث طويل حسن الإسناد أخرجه ابن أبي خيثمة وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم‏.‏
وأخرج أبو داود والترمذي أطرافا منه‏.‏
قال الطبري‏:‏ ويؤيد ما قاله أبو هريرة أن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم، ثم ساقه بإسناد صحيح إليه، وشاهده حديث النعمان بن بشير مرفوعا أخرجه البخاري في تاريخه وصححه الحاكم، قال ابن المرابط‏:‏ حديث قيلة نص في المسألة فلا يعدل عنه‏.‏
واعترضه ابن رشيد بأنه ليس نصا، وإنما هو محتمل، فإن قوله ‏"‏ فيستعبر إليه صويحبه ‏"‏ ليس نصا في أن المراد به الميت، بل يحتمل أن يراد به صاحبه الحي، وأن الميت يعذب حينئذ ببكاء الجماعة عليه، ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات فينزل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلا‏:‏ من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ بذلك عذب بصنعه، ومن كان ظالما فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به، ومن كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نهيهم عنها فإن كان راضيا بذلك التحق بالأول وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كي أهمل النهي، ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم‏.‏
والله تعالى أعلم بالصواب‏.‏
وحكى الكرماني تفصيلا آخر وحسنه وهو التفرقة بين حال البرزخ وحال يوم القيامة، فيحمل قوله تعالى ‏(‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏)‏ على يوم القيامة، وهذا الحديث وما أشبهه على البرزخ‏.‏
ويؤيد ذلك أن مثل ذلك يقع في الدنيا، والإشارة إليه بقوله تعالى ‏(‏واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏)‏ فإنها دالة على جواز وقوع التعذيب على الإنسان بما ليس له فيه تسبب، فكذلك يمكن أن يكون الحال في البرزخ بخلاف يوم القيامة والله أعلم‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب خمسة أحاديث‏:‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ وَمُحَمَّدٌ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ وَيَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ قَالَ حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنٌّ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا فَقَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدان ومحمد‏)‏ هو ابن مقاتل، وعبد الله هو ابن المبارك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي عثمان‏)‏ هو النهدي كما صرح به في التوحيد من طريق حماد عن عاصم‏.‏
وفي رواية شعبة في أواخر الطب عن عاصم سمعت أبا عثمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هي زينب كما وقع في رواية أبي معاوية عن عاصم المذكور في مصنف ابن أبي شيبة‏.‏
قوله ‏(‏إن ابنا لي‏)‏ قيل هو علي بن أبي العاص بن الربيع، وهو من زينب كذا كتب الدمياطي بخطه في الحاشية، وفيه نظر لأنه لم يقع مسمى في شيء من طرق هذا الحديث‏.‏
وأيضا فقد ذكر الزبير بن بكار وغيره من أهل العلم بالأخبار أن عليا المذكور عاش حتى ناهز الحلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه على راحلته يوم فتح مكة، ومثل هذا لا يقال في حقه صبي عرفا، وإن جاز من حيث اللغة‏.‏
ووجدت في الأنساب للبلاذري أن عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات وضعه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره وقال ‏"‏ إنما يرحم الله من عباده الرحماء ‏"‏ وفي مسند البزار من حديث أبي هريرة قال ثقل ابن لفاطمة فبعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحو حديث الباب وفيه مراجعة سعد بن عبادة في البكاء، فعلى هذا فالابن المذكور محسن بن علي بن أبي طالب، وقد اتفق أهل العلم بالأخبار أنه مات صغيرا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا أولى أن يفسر به الابن إن ثبت أن القصة كانت لصبي ولم يثبت أن المرسلة زينب، لكن الصواب في حديث الباب أن المرسلة زينب وإن الولد صبية كما ثبت في مسند أحمد عن أبي معاوية بالسند المذكور ولفظه ‏"‏ أتي النبي صلى الله عليه وسلم بأمامة بنت زينب ‏"‏ زاد سعدان بن نصر في الثاني من حديثه عن أبي معاوية بهذا الإسناد ‏"‏ وهي لأبي العاص بن الربيع ونفسها تقعقع كأنها في شن ‏"‏ فذكر حديث الباب، وفيه مراجعة سعد بن عبادة‏.‏
وهكذا أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في معجمه عن سعدان، ووقع في رواية بعضهم أميمة بالتصغير، وهي أمامة المذكورة، فقد اتفق أهل العلم بالنسب أن زينب لم تلد لأبي العاص إلا عليا وأمامة فقط، وقد استشكل ذلك من حيث أن أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أن أمامة بنت أبي العاص من زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة، ثم عاشت عند علي حتى قتل عنها‏.‏
ويجاب بأن المراد بقوله في حديث الباب ‏"‏ أن ابنا لي قبض ‏"‏ أي قارب أن يقبض، ويدل على ذلك أن في رواية حماد ‏"‏ أرسلت تدعوه إلى ابنها في الموت ‏"‏ وفي رواية شعبة ‏"‏ أن ابنتي قد حضرت ‏"‏ وهو عند أبي داود من طريقه أن ابني أو ابنتي، وقد قدمنا أن الصواب قول من قال ابنتي لا ابني، ومؤيده ما رواه الطبراني في ترجمة عبد الرحمن بن عوف في المعجم الكبير من طريق الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال ‏"‏ استعز بأمامة بنت أبي العاص فبعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه تقول له ‏"‏ فذكر نحو حديث أسامة وفيه مراجعة سعد في البكاء وغير ذلك، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ استعز ‏"‏ بضم المثناة وكسر المهملة وتشديد الزاي أي اشتد بها المرض وأشرفت على الموت، والذي يظهر أن الله تعالى أكرم نبيه صلى الله عليه وسلم لما سلم لأمر ربه وصبر ابنته ولم يملك مع ذلك عينيه من الرحمة والشفقة بأن عافى الله ابنة ابنته في ذلك الوقت فخلصت من تلك الشدة وعاشت تلك المدة، وهذا ينبغي أن يذكر في دلائل النبوة والله المستعان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقرئ السلام‏)‏ بضم أوله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن لله ما أخذ وله ما أعطى‏)‏ قدم ذكر الأخذ على الإعطاء - وإن كان متأخرا في الواقع - لما يقتضيه المقام، والمعنى أن الذي أراد الله أن يأخذه هو الذي كان أعطاه، فإن أخذه أخذ ما هو له، فلا ينبغي الجزع لأن مستودع الأمانة لا ينبغي له أن يجزع إذا استعيدت منه، ويحتمل أن يكون المراد بالإعطاء إعطاء الحياة لمن بقي بعد الميت، أو ثوابهم على المصيبة، أو ما هو أعم من ذلك‏.‏
و ‏"‏ ما ‏"‏ في الموضعين مصدرية، ويحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف، فعل الأول التقدير لله الأخذ والإعطاء، وعلى الثاني لله الذي أخذه من الأولاد وله ما أعطى منهم، أو ما هو أعم من ذلك كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكل‏)‏ أي من الأخذ والإعطاء - أو من الأنفس - أو ما هو أعم من ذلك، وهي جملة ابتدائية معطوفة على الجملة المؤكدة، ويجوز في كل النصب عطفا على اسم أن فينسحب التأكيد أيضا عليه، ومعنى العندية العلم فهو من مجاز الملازمة، والأجل يطلق على الحد الأخير وعلى مجموع العمر، و قوله ‏(‏مسمى‏)‏ أي معلوم مقدر أو نحو ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولتحتسب‏)‏ أي تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها، ليحسب لها ذلك من عملها الصالح قوله ‏(‏فأرسلت إليه تقسم‏)‏ وقع في حديث عبد الرحمن بن عوف أنها راجعته مرتين وأنه إنما قام في ثالث مرة، وكأنها ألحت عليه في ذلك دفعا لما يظنه بعض أهل الجهل أنها ناقصة المكانة عنده، أو ألهمها الله تعالى أن حضور نبيه عندها يدفع عنها ما هي فيه من الألم ببركة دعائه وحضوره، فحقق الله ظنها‏.‏
والظاهر أنه امتنع أولا مبالغة في إظهار التسليم لربه، أو ليبين الجواز في أن من دعي لمثل ذلك لم تجب عليه الإجابة بخلاف الوليمة مثلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام ومعه‏)‏ في رواية حماد ‏"‏ فقام وقام معه رجال ‏"‏ وقد سمي منهم غير من ذكر في هذه الرواية عبادة بن الصامت وهو في رواية عبد الواحد في أوائل التوحيد‏.‏
وفي رواية شعبة أن أسامة راوي الحديث كان معهم‏.‏
وفي رواية عبد الرحمن بن عوف أنه كان معهم، ووقع في رواية شعبة في الأيمان والنور وأبي أو أبي كذا فيه بالشك هل قالها بفتح الهمزة وكسر الموحدة وتخفيف الياء أو بضم الهمزة وفتح الموحدة والتشديد، فعلى الأول يكون معهم زيد بن حارثة أيضا لكن الثاني أرجح لأنه ثبت في رواية هذا الباب بلفظ ‏"‏ وأبي بن كعب ‏"‏ والظاهر أن الشك فيه من شعبة لأن ذلك لم يقع في رواية غيره والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرفع‏)‏ كدا هنا بالراء‏.‏
وفي رواية حماد ‏"‏ فدفع ‏"‏ بالدال وبين في رواية شعبة أنه وضع في حجره صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفي هذا السياق حذف والتقدير فمشوا إلى أن وصلوا إلى بيتها فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا فرفع، ووقع بعض هذا المحذوف في رواية عبد الواحد ولفظه ‏"‏ فلما دخلنا ناولوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونفسه تقعقع قال‏.‏
حسبت أنه قال كأنها شن‏)‏ كذا في هذه الرواية، وجزم بذلك في رواية حماد ولفظه ‏"‏ ونفسه تقعقع كأنها في شن ‏"‏ والقعقعة حكاية صوت الشيء اليابس إذا حرك، والشن بفتح المعجمة وتشديد النون القربة الخلقة اليابسة، وعلى الرواية الثانية شبه البدن بالجلد اليابس الخلق وحركة الروح فيه بما يطرح في الجلد من حصاة ونحوها‏.‏
وأما الرواية الأولى فكأنه شبه النفس بنفس الجلد وهو أبلغ قي الإشارة إلى شدة الضعف وذلك أظهر في التشبيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ففاضت عيناه‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم وصرح به في رواية شعبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال سعد‏)‏ أي ابن عبادة المذكور، وصرح به في رواية عبد الواحد، ووقع في رواية ابن ماجه من طريق عبد الواحد ‏"‏ فقال عبادة بن الصامت ‏"‏ والصواب ما في الصحيح‏.‏
قوله ‏(‏ما هذا‏)‏ في رواية عبد الواحد ‏"‏ فقال سعد بن عبادة أتبكي ‏"‏ زاد أبو نعيم في المستخرج ‏"‏ وتنهي عن البكاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال هذه‏)‏ أي الدمعة أثر رحمة، أي أن الذي يفيض من الدمع من حزن القلب بغير تعمد من صاحبه ولا استدعاء لا مؤاخذة عليه، وإنما المنهي عنه الجزع وعدم الصبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنما يرحم الله من عباده الرحماء‏)‏ في رواية شعبة في أواخر الطب ‏"‏ ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء ‏"‏ ومن في قوله من عباده بيانية، وهي حال من المفعول قدمه فيكون أوقع، والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة ومقتضاه أن رحمة الله تختص بمن اتصف بالرحمة وتحقق بها بخلاف من فيه أدنى رحمة، لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود وغيره ‏"‏ الراحمون يرحمهم الرحمن ‏"‏ والراحمون جمع راحم فيدخل كل من فيه أدنى رحمة، وقد ذكر الحربي مناسبة الإتيان بلفظ الرحماء في حديث الباب بما حاصله أن لفظ الجلالة دال على العظمة، وقد عرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون الكلام مسوقا للتعظيم، فلما ذكر هنا ناسب ذكر من كثرت رحمته وعظمته ليكون الكلام جاريا على نسق التعظيم، بخلاف الحديث الآخر فإن لفظ الرحمن دال على العفو فناسب أن يذكر معه كل ذي رحمة وإن قلت، والله أعلم‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاه بركتهم ودعائهم وجواز القسم عليهم لذلك، وجواز المشي إلى التعزية والعيادة بغير إذن بخلاف الوليمة، وجواز إطلاق اللفظ الموهم لما لم يقع بأنه يقع مبالغة في ذلك لينبعث خاطر المسؤول في المجيء للإجابة إلى ذلك، وفيه استحباب أبرار القسم وأمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاوما للحزن بالصبر، وإخبار من يستدعي بالأمر الذي يستدعى من أجله، وتقديم السلام على الكلام، وعيادة المريض ولو كان مفضولا أو صبيا صغيرا‏.‏
وفيه أن أهل الفضل لا ينبغي أن يقطعوا الناس عن فضلهم ولو ردوا أول مرة، واستفهام التابع من إمامه عما يشكل عليه مما يتعارض ظاهره، وحسن الأدب في السؤال لتقديمه قوله ‏"‏ يا رسول الله ‏"‏ على الاستفهام‏.‏
وفيه الترغيب في الشفقة على خلق الله والرحمة لهم والترهيب من قساوة القلب وجمود العين، وجواز البكاء من غير نوح ونحوه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ قَالَ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ قَالَ فَقَالَ هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَنَا قَالَ فَانْزِلْ قَالَ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثنا عبد الله بن محمد‏)‏ هو المسندي، وأبو عامر هو العقدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن هلال‏)‏ في رواية محمد بن سنان الآتية بعد أبواب ‏"‏ حدثنا هلال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شهدنا بنتا للنبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هي أم كلثوم زوج عثمان رواه الواقدي عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد، وأخرجه ابن سعد في الطبقات في ترجمة أم كلثوم، وكذا الدولابي في الذرية الطاهرة، وكذلك رواه الطبري والطحاوي من هذا الوجه، ورواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس فسماها رقية أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط والحاكم في المستدرك، قال البخاري‏:‏ ما أدري ما هذا، فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها‏.‏
قلت‏:‏ وهم حماد في تسميتها فقط، ويؤيد الأول ما رواه ابن سعد أيضا في ترجمة أم كلثوم من طريق عمرة بنت عبد الرحمن قالت‏:‏ نزل في حفرتها أبو طلحة‏.‏
وأغرب الخطابي فقال‏:‏ هذه البنت كانت لبعض بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسبت إليه‏.‏
انتهى ملخصا‏.‏
وكأنه ظن أن الميتة في حديث أنس هي المحتضرة في حديث أسامة، وليس كذلك كما بينته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم يقارف‏)‏ بقاف وفاء، زاد ابن المبارك عن فليح ‏"‏ أراه يعني الذنب ‏"‏ ذكره المصنف في ‏"‏ باب من يدخل قبر المرأة ‏"‏ تعليقا، ووصله الإسماعيلي، وكذا سريج بن النعمان عن فليح أخرجه أحمد عنه، وقيل معناه لم يجامع تلك الليلة وبه جزم ابن حزم وقال‏:‏ معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لم يذنب تلك الليلة انتهى‏.‏
ويقويه أن في رواية ثابت المذكورة بلفظ لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة، فتنحى عثمان‏.‏
وحكي عن الطحاوي أنه قال‏:‏ لم يقارف تصحيف، والصواب لم يقاول أي لم ينازع غيره الكلام، لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء وتعقب بأنه تغليط للثقة بغير مستند، وكأنه استبعد أن يقع لعثمان ذلك لحرصه على مراعاة الخاطر الشريف‏.‏
ويجاب عنه باحتمال أن يكون مرض المرأة طال واحتاج عثمان إلى الوقاع، ولم يظن عثمان أنها تموت ملك الليلة، وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها بل ولا حين احتضارها والعلم عند الله تعالى‏.‏
وفي هذا الحديث جواز البكاء كما ترجم له، وإدخال الرجال المرأة قبرها لكونهم أقوى على ذلك من النساء، وإيثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت - ولو كان امرأة - على الأب والزوج، وقيل إنما آثره بذلك لأنها كانت صنعته، وفيه نظر فإن ظاهر السياق أنه صلى الله عليه وسلم اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع، وعلل ذلك بعضهم بأنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة، وحكي عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة فتلطف صلى الله عليه وسلم في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح، ووقع في رواية حماد المذكورة ‏"‏ فلم يدخل عثمان القبر ‏"‏ وفيه جواز الجلوس على شفير القبر عند الدفن، واستدل به على جواز البكاء بعد الموت، وحكى ابن قدامة في المغني عن الشافعي أنه يكره لحديث جبر بن عتيك في الموطأ فإن فيه ‏"‏ فإذا وجب فلا تبكين باكية ‏"‏ يعني إذا مات‏.‏
وهو محمول على الأولوية، والمراد لا ترفع صوتها بالبكاء، ويمكن أن يفرق بين الرجال والنساء في ذلك لأن النساء قد يفضي بهن البكاء إلى ما يحذر من النوح لقلة صبرهن، واستدل به بعضهم على جواز الجلوس عليه مطلقا وفيه نظر، وسيأتي البحث فيه في باب مفرد إن شاء الله تعالى‏.‏
وفيه فضيلة لعثمان لإيثاره الصدق وإن كان عليه فيه غضاضة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا أَوْ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَلَا تَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ فَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ قَالَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُهَيْبٌ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ادْعُهُ لِي فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ فَقُلْتُ ارْتَحِلْ فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ وَا أَخَاهُ وَا صَاحِبَاهُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَقَالَتْ حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عِنْدَ ذَلِكَ وَاللَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَيْئًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بنت لعثمان‏)‏ هي أم أبان كما سيأتي من رواية أيوب‏.‏
قوله‏.‏
‏(‏وإني لجالس بينهما، أو قال جلست إلى أحدهما‏)‏ هذا شك من ابن جريج، ولمسلم من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة قال ‏"‏ كنت جالسا إلى جنب ابن عمر ونحن ننتظر جنازة أم أبان بنت عثمان وعنده عمرو من عثمان، فجاء ابن عباس يقوده قائده فأراه أخبره بمكان ابن عمر فجاء حتى جلس إلى جنبي فكنت بينهما، فإذا صوت من الدار ‏"‏ وفي رواية عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عند الحميدي ‏"‏ فبكى النساء ‏"‏ فظهر السبب في قول ابن عمر لعمرو بن عثمان ما قال، والظاهر أن المكان الذي جلس فيه ابن عباس كان أوفق له من الجلوس بجنب ابن عمر، أو اختار أن لا يقيم ابن أبي مليكة من مكانه ويجلس فيه للنهي عن ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما أصيب عمر‏)‏ يعني بالقتل، وأفاد أيوب في روايته أن ذلك كان عقب الحجة المذكورة ولفظه ‏"‏ فلما قدمنا لم يلبث عمر أن أصيب ‏"‏ وفي رواية عمرو بن دينار ‏"‏ لم يلبث أن طعن‏"‏‏.‏
قوله ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ فلما مات عمر‏)‏ هذا صريح في أن حديث عائشة من رواية ابن عباس عنها، ورواية مسلم توهم أنه من رواية ابن أبي مليكة عنها، والقصة كانت بعد موت عائشة لقوله فيها ‏"‏ فجاء ابن عباس يقوده قائده ‏"‏ فإنه إنما عمي في أواخر عمره، ويؤيد كون ابن أبي مليكة لم يحمله عنها أن عند مسلم في أواخر القصة ‏"‏ قال ابن أبي مليكة‏:‏ وحدثني القاسم بن محمد قال لما بلغ عائشة قول ابن عمر قالت‏:‏ إنكم لتحدثونني عن غير كاذبين ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ ‏"‏ وهذا يدل على أن ابن عمر كان قد حدث به مرارا‏.‏
وسيأتي في الحديث الذي بعده أنه حدث بذلك أيضا لما مات رافع بن خديج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بسكون نون لكن ويجوز تشديدها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حسبكم‏)‏ بسكون السين المهملة أي كافيكم ‏(‏القرآن‏)‏ أي في تأييد ما ذهبت إليه من رد الخبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس عند ذلك‏)‏ أي عند انتهاء حديثه عن عائشة ‏(‏والله هو أضحك وأبكى‏)‏ أي أن العبرة لا يملكها ابن آدم ولا تسبب له فيها فكيف يعاقب عليها فضلا عن الميت‏.‏
وقال الداودي‏:‏ معناه أن الله تعالى أذن في الجميل من البكاء فلا يعذب على ما أذن فيه‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ غرضه تقرير قول عائشة أي أن بكاء الإنسان وضحكه من الله يظهره فيه فلا أثر له في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما قال ابن عمر شيئا‏)‏ قال الطيب وغيره‏:‏ ظهرت لابن عمر الحجة فسكت مذعنا‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ سكوته لا يدل على الإذعان فلعله كره المجادلة في ذلك المقام‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ ليس سكوته لشك طرأ له بعدما صرح برفع الحديث، ولكن احتمل عنده أن يكون الحديث قابلا للتأويل، ولم يتعين له محمل يحمله عليه إذ ذاك أو كان المجلس لا يقبل المماراة ولم تتعين الحاجة إلى ذلك حينئذ‏.‏
ويحتمل أن يكون ابن عمر فهم من استشهاد ابن عباس بالآية قبول روايته لأنها يمكن أن يتمسك بها في أن لله أن يعذب بلا ذنب فيكون بكاء الحي علامة لذلك، أشار إلى ذلك الكرماني‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏عن عبد الله بن أبي بكر‏)‏ أي ابن محمد بن عمرو بن حزم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما مر‏)‏ كذا أخرجه من طريق مالك مختصرا، وهو في الموطأ بلفظ ‏"‏ ذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول‏:‏ إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه، فقالت عائشة‏:‏ يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم، وأخرجه أبو عوانة من رواية سفيان عن عبد الله بن أبي بكر كذلك وزاد ‏"‏ أن ابن عمر لما مات رافع قال لهم‏:‏ لا تبكوا عليه فإن بكاء الحي على الميت عذاب على الميت‏.‏
قالت عمرة‏:‏ فسألت عائشة عن ذلك فقالت‏:‏ يرحمه الله إنما مر ‏"‏ فذكر الحديث، ورافع المذكور هو رافع بن خديج كما تقدمت الإشارة إليه في الحديث الأول‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ وَهْوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ وَا أَخَاهُ فَقَالَ عُمَرُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بردة‏)‏ هو ابن أبي موسى الأشعري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما أصيب عمر جعل صهيب يقول وا أخاه‏)‏ أخرجه مسلم من طريق عبد الملك بن عمير عن أبي بردة أتم من هذا السياق وفيه قول عمر ‏"‏ علام تبكي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الميت ليعذب ببكاء الحي‏)‏ الظاهر أن الحي من يقابل الميت، ويحتمل أن يكون المراد به القبيلة وتكون اللام فيه بدل الضمير والتقدير يعذب ببكاء حيه أي قبيلته‏.‏
فيوافق قوله في الرواية الأخرى ‏"‏ ببكاء أهله ‏"‏ وفي رواية مسلم المذكورة ‏"‏ من يبكي عليه يعذب ‏"‏ ولفظها أعم‏.‏
وفيه دلالة على أن الحكم ليس خاصا بالكافر، وعلى أن صهيبا أحد من سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه نسيه حتى ذكره به عمر، وزاد فيه عبد الملك بن عمير عن أبي بردة ‏"‏ فذكرت ذلك لموسى بن طلحة فقال‏:‏ كانت عائشة تقول إنما كان أولئك اليهود ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ أنكر عمر على صهيب بكاءه لرفع صوته بقوله وا أخاه، ففهم منه أن إظهاره لذلك قبل موت عمر يشعر باستصحابه ذلك بعد وفاته أو زيادته عليه فابتدره بالإنكار لذلك والله أعلم‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ إن قيل كيف نهى صهيبا عن البكاء وأقر نساء بني المغيرة على البكاء على خالد كما سيأتي في الباب الذي يليه‏؟‏ فالجواب أنه خشي أن يكون رفعه لصوته من باب ما نهي عنه ولهذا قال في قصة خالد ‏"‏ ما لم يكن نقع أو لقلقة‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 09:56 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n135&p1#TOP)باب مَا يُكْرَهُ مِنْ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ وَالنَّقْعُ التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ وَاللَّقْلَقَةُ الصَّوْتُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من النياحة على الميت‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ما موصولة ومن لبيان الجنس فالتقدير‏:‏ الذي يكره من جنس البكاء هو النياحة، والمراد بالكراهة كراهة التحريم لما تقدم من الوعيد عليه انتهى‏.‏
ويحتمل أن تكون ما مصدرية ومن تبعيضية والتقدير كراهية بعض النياحة، أشار إلى ذلك ابن المرابط وغيره‏.‏
ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية أن بعض النياحة لا تحرم وفيه نظر، وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عمة جابر لما ناحت عليه فدل على أن النياحة إنما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خد أو شق جيب، وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن النياحة بعد هذه القصة لأنها كانت بأحد، وقد قال في أحد ‏"‏ لكن حمزة لا بواكي له ‏"‏ ثم نهى عن ذلك وتوعد عليه، وذلك بين فيما أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من طريق أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنساء بني عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد فقال‏:‏ لكن حمزة لا بواكي له‏.‏
فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ويحهن، ما انقلبن بعد، مروهن فلينقلبن، ولا يبكين على هالك بعد اليوم ‏"‏ وله شاهد أخرجه عبد الرزاق من طريق عكرمة مرسلا ورجاله ثقات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر‏:‏ دعهن يبكين على أبي سليمان إلخ‏)‏ هذا الأثر وصله المصنف في التاريخ الأوسط من طريق الأعمش عن شقيق قال‏:‏ لما مات خالد بن الوليد اجتمع نسوة بني المغيرة - أي ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم - وهن بنات عم خالد بن الوليد بن المغيرة يبكين عليه، فقيل لعمر‏:‏ أرسل إليهن فانههن، فذكره‏.‏
وأخرجه ابن سعد عن وكيع وغير واحد عن الأعمش‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما لم يكن نقع أو لقلقة‏)‏ بقافين الأولى ساكنة، وقد فسره المصنف بأن النقع التراب أي وضعه على الرأس، واللقلقة الصوت أي المرتفع وهذا قول الفراء، فأما تفسير اللقلقة فمتفق عليه كما قال أبو عبيد في غريب الحديث، وأما النقع فروى سعيد بن منصور عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال‏:‏ النقع الشق أي شق الجيوب، وكذا قال وكيع فيما رواه ابن سعد عنه‏.‏
وقال الكسائي هو صنعة الطعام للمأتم، كأنه ظنه من النقيعة وهي طعام المأتم، والمشهور أن النقيعة طعام القادم من السفر كما سيأتي في آخر الجهاد، وقد أنكره أبو عبيد عليه وقال‏:‏ الذي رأيت عليه أكثر أهل العلم أنه رفع الصوت، يعني بالبكاء‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ هو وضع التراب على الرأس، لأن النقع هو الغبار‏.‏
وقيل‏:‏ هو شق الجيوب وهو قول شمر، وقيل‏:‏ هو صوت لطم الخدود حكاه الأزهري‏.‏
وقال الإسماعيلي معترضا على البخاري‏:‏ النقع لعمري هو الغبار ولكن ليس هذا موضعه، وإنما هو هنا الصوت العالي، واللقلقة ترديد صوت النواحة انتهى‏.‏
ولا مانع من حمله على المعنيين بعد أن فسر المراد بكونه وضع التراب على الرأس لأن ذلك من صنيع أهل المصائب، بل قال ابن الأثير‏:‏ المرجح أنه وضع التراب على الرأس، وأما من فسره بالصوت فيلزم موافقته للقلقة، فحمل اللفظين على معنيين أولى من حملهما على معني واحد، وأجيب بأن بينهما مغايرة من وجه كما تقدم فلا مانع من إرادة ذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ كانت وفاة خالد بن الوليد بالشام سنة إحدى وعشرين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد بن عبيد‏)‏ هو الطائي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن ربيعة‏)‏ هو الأسدي، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، والإسناد كله كوفيون، وصرح في رواية مسلم بسماع سعيد من علي ولفظه ‏"‏ حدثنا‏"‏، والمغيرة هو ابن شعبة وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن سعيد بن عبيد وفيه علي بن ربيعة قال ‏"‏ أتيت المسجد والمغيرة أمير الكوفة فقال‏:‏ سمعت ‏"‏ فذكره‏.‏
ورواه أيضا من طريق وكيع عن سعيد بن عبيد ومحمد بن قيس الأسدي كلاهما عن علي بن ربيعة قال ‏"‏ أول من نيح عليه بالكوفة قرظة بن كعب ‏"‏ وفي رواية الترمذي ‏"‏ مات رجل من الأنصار يقال له قرظة بن كعب فنيح عليه، فجاء المغيرة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال‏:‏ ما بال النوح في الإسلام ‏"‏ انتهى‏.‏
وقرظة المذكور بفتح القاف والراء والظاء المشالة أنصاري خزرجي كان أحد من وجهه عمر إلى الكوفة ليفقه الناس، وكان على يده فتح الري، واستخلفه علي على الكوفة، وجزم ابن سعد وغير بأنه مات في خلافته وهو قول مرجوح لما ثبت في صحيح مسلم أن وفاته حيث كان المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة، وكانت إمارة المغيرة على الكوفة من قبل معاوية من سنة إحدى وأربعين إلى أن مات وهو عليها سنة خمسين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن كذبا علي ليس ككذب على أحد‏)‏ أي ‏"‏ غيري‏"‏، ومعناه أن الكذب على الغير قد ألف واستسهل خطبه، وليس الكذب علي بالغا مبلغ ذاك في السهولة وإن كان دونه في السهولة فهو أشد منه في الإثم، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من أورد أن الذي تدخل عليه الكاف أعلى والله أعلم‏.‏
وكذا لا يلزم من إثبات الوعيد المذكور على الكذب عليه أن يكون الكذب على غيره مباحا، بل يستدل على تحريم الكذب على غيره بدليل آخر، والفرق بينهما أن الكذب عليه توعد فاعله بجعل النار له مسكنا بخلاف الكذب على غيره، وقد تقدمت بقية مباحث الحديث في كتاب العلم، ويأتي كثير منها في شرح حديث واثلة في أوائل مناقب قريش إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من ينح عليه يعذب‏)‏ ضبطه الأكثر بضم أوله وفتح النون وجزم المهملة على أن من شرطية وتجزم الجواب، ويجوز رفعه على تقدير فإنه يعذب، وروي بكسر النون وسكون التحتانية وفتح المهملة‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ من يناح ‏"‏ على أن ‏"‏ من ‏"‏ موصولة، وقد أخرجه الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم بلفظ ‏"‏ إذا نيح على الميت عذب بالنياحة عليه ‏"‏ وهو يؤيد الرواية الثانية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بما نيح عليه‏)‏ كذا للجميع بكسر النون، ولبعضهم ما نيح بغير موحدة على أن ما ظرفية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ تَابَعَهُ عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ وَقَالَ آدَمُ عَنْ شُعْبَةَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن المسيب‏)‏ في رواية حدثنا سعيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عبد الأعلى‏)‏ هو ابن حماد، وسعيد هو ابن أبي عروبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا قتادة‏)‏ يعني عن سعيد بن المسيب إلخ، وقد وصله أبو يعلى في مسنده عن عبد الأعلى بن حماد كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال آدم عن شعبة‏)‏ يعني بإسناد حديث الباب لكن بغير لفظ المتن وهو قوله ‏"‏ يعذب ببكاء الحي عليه ‏"‏ تفرد آدم بهذا اللفظ، وقد رواه أحمد عن محمد بن جعفر غندر ويحيى بن سعيد القطان وحجاج بن محمد كلهم عن شعبة كالأول، وكذا أخرجه مسلم عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر، وأخرجه أبو عوانة من طريق أبي النضر وعبد الصمد بن عبد الوارث وأبي زيد الهروي وأسود بن عامر كلهم عن سعيد كذلك، وفي الحديث تقديم من يحدث كلاما يقتضي تصديقه فيما يحدث به فإن المغيرة قدم قبل تحديثه بتحريم النوح أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد من الكذب على غيره، وأشار إلى أن الوعيد على ذلك يمنعه أن يخبر عنه بما لم يقل‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n135&p1#TOP)باب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ مُثِّلَ بِهِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُجِّيَ ثَوْبًا فَذَهَبْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْشِفَ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي ثُمَّ ذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُفِعَ فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقَالُوا ابْنَةُ عَمْرٍو أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو قَالَ فَلِمَ تَبْكِي أَوْ لَا تَبْكِي فَمَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا في رواية الأصيلي، وسقط من رواية أبي ذر وكريمة، وعلى ثبوته فهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله كما تقدم تقريره غير مرة، وعلى التقديرين فلا بد له من تعلق بالذي قبله، وقد تقدم توجيهه في أول الترجمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قد مثل به‏)‏ بضم الميم وتشديد المثلثة يقال مثل بالقتيل إذا جدع أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيء من أجزائه‏.‏
والاسم المثلة بضم الميم وسكون المثلثة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سجي ثوبا‏)‏ بضم المهملة وتشديد الجيم الثقيلة أي غطي بثوب قوله‏:‏ ‏(‏ابنة عمرو أو أخت عمرو‏)‏ هذا شك من سفيان، والصواب بنت عمرو وهي فاطمة بنت عمرو، وقد تقدم على الصواب من رواية شعبة عن ابن المنكدر في أوائل الجنائز بلفظ ‏"‏ فذهبت عمتي فاطمة ‏"‏ ووقع في ‏"‏ الأكليل ‏"‏ للحاكم تسميتها هند بنت عمرو، فلعل لها اسمين أو أحدهما اسمها والأخر لقبها أو كانتا جميعا حاضرتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال فلم‏؟‏ تبكي أو لا تبكي‏)‏ هكذا في هذه الرواية بكسر اللام وفتح الميم على أنه استفهام عن غائبة، وأما قوله ‏"‏ أو لا تبكي ‏"‏ فالظاهر أنه شك من الرواي هل استفهم أو نهى، لكن تقدم في أوائل الجنائز من رواية شعبة ‏"‏ تبكي أو لا تبكي ‏"‏ وتقدم شرحه على التخيير، ومحصله أن هذا الجليل القدر الذي تظله الملائكة بأجنحتها لا ينبغي أن يبكي عليه بل يفرح له بما صار إليه‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 09:57 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n135&p1#TOP)باب لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الْجُيُوبَ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ليس منا من شق الجيوب‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ أفرد هذا القدر بترجمة ليشعر بأن النفي الذي حاصله التبري يقع بكل واحد من المذكورات لا بمجموعها‏.‏
قلت‏:‏ ويؤيده رواية لمسلم بلفظ ‏"‏ أو شق الجيوب، أو دعا ‏"‏ إلخ‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ الْيَامِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زبيد‏)‏ بزاي وموحدة مصغر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اليامي‏)‏ بالتحتانية والميم الخفيفة وفي رواية الكشميهني ‏"‏ الأيامي ‏"‏ بزيادة همزة في أوله‏.‏
والإسناد كله كوفيون، ولسفيان وهو الثوري فيه إسناد آخر سيذكر بعد بابين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس منا‏)‏ أي من أهل سنتنا وطريقتنا، وليس المراد به إخراجه عن الدين، ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك كما يقول الرجل لولده عند معاتبته‏:‏ لست منك ولست مني، أي ما أنت على طريقتي‏.‏
وقال الزين بن المنير ما ملخصه‏:‏ التأويل الأول يستلزم أن يكون الخبر إنما ورد عن أمر وجودي، وهذا يصان كلام الشارع عن الحمل عليه‏.‏
والأولى أن يقال‏:‏ المراد أن الواقع في ذلك يكون قد تعرض لأن يهجر ويعرض عنه فلا يختلط بجماعة السنة تأديبا له على استصحابه حاله الجاهلية التي قبحها الإسلام، فهذا أولى من الحمل على ما لا يستفاد منه قدر زائد على الفعل الموجود‏.‏
وحكي عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويله ويقول‏:‏ ينبغي أن يمسك عن ذلك ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر‏.‏
وقيل‏:‏ المعنى ليس على ديننا الكامل، أي أنه خرج من فرع من فروع الدين وإن كان معه أصله، حكاه ابن العربي‏.‏
ويظهر لي أن هذا النفي يفسره التبري الأتي في حديث أبي موسى بعد باب حيث قال ‏"‏ برئ منه النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأصل البراءة الانفصال من الشيء، وكأنه توعده بأن لا يدخله في شفاعته مثلا‏.‏
وقال المهلب‏:‏ قوله أنا بريء أي من فاعل ما ذكر وقت ذلك الفعل، ولم يرد نفيه عن الإسلام‏.‏
قلت‏:‏ بينهما واسطة تعرف مما تقدم أول الكلام، وهذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب وغيره‏.‏
وكأن السبب في ذلك ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء، فإن وقع التصريح بالاستحلال مع العلم بالتحريم أو التسخط مثلا بما وقع فلا مانع من حمل النفي على الإخراج من الدين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لطم الخدود‏)‏ خص الخد بذلك لكونه الغالب في ذلك، وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وشق الجيوب‏)‏ جمع جيب بالجيم الموحدة وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس، والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره وهو من علامات التسخط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ودعا بدعوى الجاهلية‏)‏ في رواية مسلم بدعوى أهل الجاهلية، أي من النياحة ونحوها، وكذا الندبة كقولهم‏:‏ واجبلاه، وكذا الدعاء بالويل والثبور كما سيأتي بعد ثلاثة أبواب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n135&p1#TOP)باب رِثَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ سعد بن خولة‏)‏ سعد بالنصب علق المفعولية، وخولة بفتح المعجمة وسكون الواو والرثاء بكسر الراء وبالمثلثة بعدها مدة مدح الميت وذكر محاسنه، وليس هو المراد من الحديث حيث قال الراوي ‏"‏ يرثي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولهذا اعترض الإسماعيلي الترجمة فقال‏:‏ ليس هذا من مراثي الموتى وإنما هو من التوجع، يقال رثيته إذا مدحته بعد موته ورثيت له إذا تحزنت عليه‏.‏
ويمكن أن يكون مراد البخاري هذا بعينه كأنه يقول ما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم فهو من التحزن والتوجع وهو مباح، وليس معارضا لنهيه عن المراثي التي هي ذكر أوصاف الميت المباعثة على تهييج الحزن وتجديد اللوعة، وهذا هو المراد بما أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عيد الله بن أبي أوفى قال ‏"‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي ‏"‏ وهو عند ابن أبي شيبة بلفظ ‏"‏ نهانا أن نتراثى‏"‏، ولا شك أن الجامع بين الأمرين التوجع والتحزن‏.‏
ويؤخذ من هذا التقرير مناسبة إدخال هذه الترجمة في تضاعيف التراجم المتعلقة بحال من يحضر الميت‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا فَقُلْتُ بِالشَّطْرِ فَقَالَ لَا ثُمَّ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي قَالَ إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن مات‏)‏ بفتح الهمزة ولا يصح كسرها لأنها تكون شرطية والشرط لما يستقبل وهو قد كان مات، والمعنى أن سعد بن خولة وهو من المهاجرين من مكة إلى المدينة وكانوا يكرهون الإقامة في الأرض التي هاجروا منها وتركوها مع حبهم فيها لله تعالى، فمن ثم خشي سعد بن أبي وقاص أن يموت بها، وتوجع رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة لكونه مات بها، وأفاد أبو داود الطيالسي في روايته لهذا الحديث عن إبراهيم بن سعد عن الزهري أن القاتل يرثي له إلخ هو الزهري، ويؤيده أن هاشم بن هاشم وسعد بن إبراهيم رويا هذا الحديث عن عامر بن سعد فلم يذكرا ذلك فيه، وكذا في رواية عائشة بنت سعد عن أبيها كما سيأتي في كتاب الوصايا مع بقية الكلام عليه وذكر الاختلاف في تسمية البنت المذكورة إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n135&p1#TOP)باب مَا يُنْهَى مِنْ الْحَلْقِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ
وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا شَدِيدًا فَغُشِيَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ينهى من الحلق عند المصيبة‏)‏ تقدم الكلام على هذا التركيب في ‏"‏ باب ما يكره من النياحة على الميت ‏"‏ وعلى الحكمة في اقتصاره على الحلق دون ما ذكر معه في الباب الذي قبله، وقوله ‏"‏عند المصيبة ‏"‏ مصر للحكم على تلك الحالة ومر واضح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحكم بن موسى‏)‏ هو القنطري بقاف مفتوحة ونون ساكنة، ووقع في رواية أبي الوقت ‏"‏ حدثنا الحكم ‏"‏ وهو وهم فإن الذين جمعوا رجال البخاري في صحيحه أطبقوا على ترك ذكره في شيوخه فدل على أن الصواب رواية الجماعة بصيغة التعليق‏.‏
وقد وصله مسلم في صحيحه فقال ‏"‏ حدثنا الحكم بن موسى ‏"‏ وكذا ابن حبان فقال ‏"‏ أخبرنا أبو يعلى حدثنا الحكم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن جابر‏)‏ هو ابن يزيد بن جابر، نسب إلى جده في هذه الرواية وصرح به في رواية مسلم، ومخيمرة بمعجمة وراء مصغر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجع‏)‏ بكسر الجيم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في حجر امرأة من أهله‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ فصاحت ‏"‏ وله من وجه آخر من طريق أبي صخرة عن أبي بردة وغيره ‏"‏ قالوا أغمي على أبي موسى، فأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة ‏"‏ الحديث‏.‏
وللنسائي من طريق يزيد بن أوس عن أم عبد الله امرأة أبي موسى عن أبي موسى فذكر الحديث دون القصة، ولأبي نعيم في المستخرج على مسلم من طريق ربعي قال ‏"‏ أغمي على أبي موسى فصاحت امرأته بنت أبي دومة ‏"‏ فحصلنا على أنها أم عبد الله بنت أبي دومة، وأفاد عمر بن شبة في تاريخ البصرة أن اسمها صفية بنت دمون وأنها والدة أبي بردة بن أبي موسى وأن ذلك وقع حيث كان أبو موسى أميرا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني بريء‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أنا بريء ‏"‏ وكذا لمسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الصالقة‏)‏ بالصاد المهملة والقاف أي التي ترفع صوتها بالبكاء، ويقال فيه بالسين المهملة بدل الصاد ومنه قوله تعالى ‏(‏سلقوكم بالسنة حداد‏)‏ وعن ابن الأعرابي‏:‏ الصلق ضرب الوجه حكاه صاحب المحكم والأول أشهر، والحالقة التي تحلق رأسها عند المصيبة، والشاقة التي تشق ثوبها، ولفظ أبي صخرة عند مسلم ‏"‏ أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق ‏"‏ أي حلق شعره وسلق صوته - أي رفعه - وخرق ثوبه، وقد تقدم الكلام على المراد بهذه البراءة قبل بباب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n135&p1#TOP)باب لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ليس منا من ضرب الخدود‏)‏ وتقدم الكلام عليه قبل بابين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ
الشرح‏:‏
عبد الرحمن المذكور في هذا الإسناد هو ابن مهدي‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n135&p1#TOP)باب مَا يُنْهَى مِنْ الْوَيْلِ وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة‏)‏ تقدم توجيه هذا التركيب، وهذه الترجمة مع حديثها سقطت للكشميهني وثبتت للباقين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ
الشرح‏:‏
حديث ابن مسعود أورده المصنف من وجه آخر وليس فيه ذكر الويل المترجم به، وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه، ففي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه وصححه ابن حبان ‏"‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور‏"‏، والظاهر أن ذكرى دعوى الجاهلية بعد ذكر الويل من العام بعد الخاص‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 10:00 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n135&p1#TOP)باب مَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن‏)‏ يعرف مبني للمجهول و ‏"‏ من ‏"‏ موصولة والضمير لها، ويحتمل أن يكون لمصدر جلس أي جلوسا يعرف، ولم يفصح المصنف بحكم هذه المسألة ولا التي بعدها حيث ترجم ‏"‏ من لم يظهر حزنه عند المصيبة ‏"‏ لأن كلا منهما قابل للترجيح، أما الأول فلكونه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والثاني من تقريره، وما يباشره بالفعل أرجح غالبا‏.‏
وأما الثاني فلأنه فعل أبلغ في الصبر وأزجر للنفس فيرجح، ويحمل فعله صلى الله عليه وسلم المذكور على بيان الجواز ويكون فعله في حقه قي تلك الحالة أولى‏.‏
وقال الزين بن المنير ما ملخصه‏:‏ موقع هذه الترجمة من الفقه أن الاعتدال في الأحوال هو المسلك الأقوم فمن أصيب بمصيبة عظيمة لا يفرط في الحزن حتى يقع في المحذور من اللطم والشق والنوح وغيرها، ولا يفرط في التجلد حتى يفضي إلى القسوة والاستخفاف بقدر المصاب، فيقتدي به صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة بأن يجلس المصاب جلسة خفيفة بوقار وسكينة تظهر عليه مخايل الحزن ويؤذن بأن المصيبة عظيمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ لَمْ يُطِعْنَهُ فَقَالَ انْهَهُنَّ فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي ويحيي هو ابن سعيد الأنصاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو بالنصب على المفعولية والفاعل قوله‏:‏ ‏(‏قتل ابن حارثة‏)‏ ، وهو زيد، وأبوه بالمهملة والمثلثة، وجعفر هو ابن أبي طالب، وابن رواحة هو عبد الله، وكان قتلهم في غزوة مؤتة كما تقدم ذكره في رابع باب من كتاب الجنائز، ووقع تسمية الثلاثة في رواية النسائي من طريق معاوية بن صالح عن يحيي بن سعد، وساق مسلم إسناده دون المتن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جلس‏)‏ زاد أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن يحيي ‏"‏ في المسجد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يعرف فيه الحزن‏)‏ قال الطيبي‏:‏ كأنه كظم الحزن كظما فظهر منه ما لا بد للجبلة البشرية منه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صائر الباب‏)‏ بالمهملة والتحتانية وقع تفسيره في نفس الحديث شق الباب وهو بفتح الشين المعجمة أي الموضع الذي ينظر منه، ولم يرد بكسر المعجمة أي الناحية إذ ليست مرادة هنا قاله ابن التين‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 10:02 PM
قوله‏:‏ ‏(‏اشتكى ابن لأبي طلحة‏)‏ أي مرض، وليس المراد أنه صدرت منه شكوى، لكن لما كان الأصل أن المريض يحصل منه ذلك استعمل في كل مرض لكل مريض‏.‏
والابن المذكور هو أبو عمير الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه ويقول له ‏"‏ يا أبا عمير، ما فعل النغير ‏"‏ كما سيأتي في كتاب الأدب، بين ذلك ابن حبان في روايته من طريق عمارة بن زاذان عن ثابت، وزاد من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت في أوله قصة تزويج أم سليم بأبي طلحة بشرط أن يسلم وقال فيه ‏"‏ فحملت فولدت غلاما صبيحا فكان أبو طلحة يحبه حبا شديدا، فعاش حتى تحرك فمرض، فحزن أبو طلحة عليه حزنا شديدا حتى تضعضع، وأبو طلحة يغدو ويروح على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فراح روحة فمات الصبي ‏"‏ فأفادت هذه الرواية تسميه امرأة أبي طلحة، ومعني قوله‏:‏ ‏"‏ وأبو طلحة خارج ‏"‏ أي خارج البيت عند النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر النهار‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ كان لأبي طلحة ولد فتوفي، فأرسلت أم سليم أنسا يدعو أبا طلحة، وأمرته أن لا يخبره بوفاة ابنه، وكان أبو طلحة صائما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هيأت شيئا‏)‏ قال الكرماني‏:‏ أي أعددت طعاما لأبي طلحة وأصلحته، وقيل هيأت حالها وتزينت‏.‏
قلت‏:‏ بل الصواب أن المراد أنها هيأت أمر الصبي بأن غسلته وكفنته كما ورد في بعض طرقه صريحا، ففي رواية أبو داود الطيالسي عن مشايخه عن ثابت ‏"‏ فهيأت الصبي‏"‏‏.‏
وفي رواية حميد عند ابن سعد ‏"‏ فتوفي الغلام فهيأت أم سليم أمره‏"‏‏.‏
وفي رواية عمارة بن زاذان عن ثابت ‏"‏ فهلك الصبي فقامت أم سليم فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوبا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونحته في جانب البيت‏)‏ أي جعلته في جانب البيت‏.‏
وفي رواية جعفر عن ثابت ‏"‏ فجعلته في مخدعها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هدأت‏)‏ بالهمز أي سكنت و ‏(‏نفسه‏)‏ بسكون الفاء كذا للأكثر، والمعنى أن النفس كانت قلقة منزعجة بعارض المرض فسكنت بالموت، وظن أبو طلحة أن مرادها أنها سكنت بالنوم لوجود العافية‏.‏
وفي رواية أبي ذر ‏"‏ هدأ نفسه ‏"‏ بفتح الفاء أي سكن، لأن المريض يكون نفسه عاليا فإذا زال مرضه سكن، وكذا إذا مات‏.‏
ووقع في رواية أنس بن سيرين ‏"‏ هو أسكن ما كان‏"‏، ونحوه في رواية جعفر عن ثابت‏.‏
وفي رواية معمر عن ثابت ‏"‏ أمسى هادئا ‏"‏ وفي رواية حميد ‏"‏ بخير ما كان‏"‏، ومعانيها متقاربة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأرجو أن يكون قد استراح‏)‏ لم تجزم بذلك على سبيل الأدب، ويحتمل أنها لم تكن علمت أن الطفل لا عذاب عليه ففوضت الأمر إلى الله تعالى، مع وجود رجائها بأنه استراح من نكد الدنيا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وظن أبو طلحة أنها صادقة‏)‏ أي بالنسبة إلى ما فهمه من كلامها، وإلا فهي صادقة بالنسبة إلى ما أرادت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبات‏)‏ أي معها ‏(‏فلما أصبح اغتسل‏)‏ فيه كناية عن الجماع، لأن الغسل إنما يكون في الغالب منه، وقد وقع التصريح بذلك في غير هذه الرواية‏:‏ ففي رواية أنس بن سيرين ‏"‏ فقربت إليه العشاء فتعشى، ثم أصاب منها‏"‏‏.‏
وفي رواية عبد الله ‏"‏ ثم تعرضت له فأصاب منها‏"‏‏.‏
وفي رواية حماد عن ثابت ‏"‏ ثم تطيبت‏"‏، زاد جعفر عن ثابت ‏"‏ فتعرضت له حتى وقع بها ‏"‏ وفي رواية سليمان عن ثابت ‏"‏ ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات‏)‏ زاد سليمان بن المغيرة عن ثابت عند مسلم ‏"‏ فقالت‏:‏ يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قالت‏:‏ فاحتسب ابنك‏.‏
فغضب وقال تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتني بابني‏"‏‏.‏
وفي رواية عبد الله ‏"‏ فقالت‏:‏ يا أبا طلحة، أرأيت قوما أعاروا متاعا ثم بدا لهم فيه فأخذوه فكأنهم وجدوا في أنفسهم ‏"‏ زاد حماد في روايته عن ثابت ‏"‏ فأبوا أن يردوها، فقال أبو طلحة‏:‏ ليس لهم ذلك، أن العارية مؤداة إلى أهلها‏.‏
ثم اتفقا، فقالت‏:‏ إن الله أعارنا فلانا ثم أخذه منا ‏"‏ زاد حماد ‏"‏ فاسترجع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ لهما في ليلتهما ‏"‏ ووقع في رواية أنس بن سيرين ‏"‏ اللهم بارك لهما ‏"‏ ولا تعارض بينهما فيجمع بأنه دعا بذلك ورجا إجابة دعائه، ولم تختلف الرواة عن ثابت وكذا عن حميد في أنه قال ‏"‏ بارك الله لكما في ليلتكما ‏"‏ وعرف من رواية أنس بن سيرين أن المراد الدعاء وإن كان لفظه لفظ الخبر‏.‏
وفي رواية أنس بن سيرين من الزيادة ‏"‏ فولدت غلاما ‏"‏ وفي رواية عبد الله بن عبد الله ‏"‏ فجاءت بعبد الله بن أبي طلحة ‏"‏ وسيأتي الكلام على قصة تحنيكه وغير ذلك حيث ذكره المصنف في العقيقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏)‏ هو ابن عيينة بالإسناد المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل من الأنصار إلخ‏)‏ هو عباية بن رفاعة، لما أخرجه سعيد بن منصور ومسدد وابن سعد والبيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ كلهم من طريق سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة قال ‏"‏ كانت أم أنس تحت أبي طلحة ‏"‏ فذكر القصة شبيهة بسياق ثابت عن أنس‏.‏
وقال في آخره ‏"‏ فولدت له غلاما، قال عباية‏:‏ فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين كلهم قد ختم القرآن ‏"‏ وأفادت هذه الرواية أن في رواية سفيان تجوزا في ‏"‏ قوله ‏"‏ لهما ‏"‏ لأن ظاهره أنه من ولدهما بغير واسطة، وإنما المراد من أولاد ولدهما المدعو له بالبركة وهو عبد الله بن أبي طلحة‏.‏
ووقع في رواية سفيان ‏"‏ تسعة ‏"‏ وفي هذه ‏"‏ سبعة ‏"‏ فلعل في أحدهما تصحيفا، أو المراد بالسبعة من ختم القرآن كله وبالتسعة من قرأ معظمه، وله من الولد فيما ذكر ابن سعد وغيره من أهل العلم بالأنساب إسحاق وإسماعيل وعبد الله ويعقوب وعمر والقاسم وعمارة وإبراهيم وعمير وزيد ومحمد، وأربع من البنات‏.‏
وفي قصة أم سليم هذه من الفوائد أيضا جواز الأخذ بالشدة وترك الرخصة مع القدرة عليها، والتسلية عن المصائب، وتزين المرأة لزوجها، وتعرضها لطلب الجماع منه، واجتهادها في عمل مصالحه، ومشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها‏.‏
وشرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم‏.‏
وكان الحامل لأم سليم على ذلك المبالغة في الصبر والتسليم لأمر الله تعالى ورجاء إخلافه عليها ما فات منها، إذ لو أعلمت أبا طلحة بالأمر في أول الحال تنكد عليه وقته ولم تبلغ الغرض الذي أرادته، فلما علم الله صدق نيتها بلغها مناها وأصلح لها ذريتها‏.‏
وفيه إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأن من ترك شيئا عوضه الله خيرا منه، وببان حال أم سليم من التجلد وجودة الرأي وقوة العزم، وسيأتي في الجهاد والمغازي أنها كانت تشهد القتال وتقوم بخدمة المجاهدين إلى غير ذلك مما انفردت به عن معظم النسوة، وسيأتي شرح حديث أبي عمير ما فعل النغير مستوفى في أواخر كتاب الأدب، وفيه بيان ما كان سمي به غير الكنية التي اشتهر بها‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 10:04 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نِعْمَ الْعِدْلَانِ وَنِعْمَ الْعِلَاوَةُ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصبر عند الصدمة الأولى‏)‏ أي هو المطلوب المبشر عليه بالصلاة والرحمة، ومن هنا تظهر مناسبة إيراد أثر عمر في هذا الباب، وقد تقدم الكلام على المتن المرفوع مستوفى في زيارة القبور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر‏)‏ أي ابن الخطاب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏العدلان‏)‏ بكسر المهملة أي المثلان، و قوله‏:‏ ‏(‏العلاوة‏)‏ بكسرها أيضا أي ما يعلق على البعير بعد تمام الحمل‏.‏
وهذا الأثر وصله الحاكم في المستدرك من طريق جرير عن منصور عن مجاهد عن سعيد بن المسيب عن عمر كما ساقه المصنف وزاد‏:‏ ‏(‏أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة‏)‏ نعم العدلان ‏(‏وأولئك هم المهتدون‏)‏ نعم العلاوة‏.‏
وهكذا أخرجه البيهقي عن الحاكم، وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره من وجه آخر عن منصور من طريق نعيم بن أبي هند عن عمر نحوه، وظهر بهذا مراد عمر بالعدلين وبالعلاوة وأن العدلين الصلاة والرحمة والعلاوة الاهتداء‏.‏
ويؤيده وقوعهما بعد ‏"‏ على ‏"‏ المشعرة بالفوقية المشعرة بالحمل قاله الزين بن المنير‏.‏
وقد روي نحو قول عمر مرفوعا أخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أعطيت أمتي شيئا لم يعطه أحد من الأمم عند المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون - إلى قوله - المهتدون‏"‏، قال فأخبر أن المؤمن إذا سلم لأمر الله واسترجع كتب له ثلاث خصال من الخير‏:‏ الصلاة من الله والرحمة، وتحقيق سبل الهدى‏.‏
فأغنى هذا عن التكلف في ذلك كقول المهلب‏:‏ العدلان إنا لله وإنا إليه راجعون والعلاوة الثواب عليهما، وعن قول الكرماني‏:‏ الظاهر أن المراد بالعدلين القول وجزاؤه، أي قول الكلمتين ونوعا الثواب لأنهما متلازمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقوله تعالى ‏(‏واستعنيوا بالصبر والصلاة‏)‏ الآية‏)‏ هـو بالجر عطفا على أول الترجمة، والتقدير‏:‏ وباب قوله تعالى، أي تفسيره أو نحو ذلك‏.‏
وقوله وإنها قيل أفرد الصلاة لأن المراد بالصبر الصوم وهو من التروك أو الصبر عن الميت ترك الجزع، والصلاة أفعال وأقوال فلذلك ثقلت على غير الخاشعين، ومن أسرارها أنها تعين على الصبر لما فيها من الذكر والدعاء والخضوع وكلها تضاد حب الرياسة وعدم الانقياد للأوامر والنواهي، وكأن المصنف أراد بإيراد هذه الآية ما جاء عن ابن عباس أنه نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر، فاسترجع ثم تنحى عن الطريق فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ثم قام وهو يقول ‏(‏واستعينوا بالصبر والصلاة‏)‏ الآية، أخرجه الطبري في تفسيره بإسناد حسن، وعن حذيفة قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى ‏"‏ أخرجه أبو داود بإسناد حسن أيضا‏.‏
قال الطبري‏:‏ الصبر منع النفس محابها وكفها عن هواها، ولذلك قيل لمن لم يجزع صابر لكفه نفسه، وقيل لرمضان شهر الصبر لكف الصائم نفسه عن المطعم والمشرب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إنا بك لمحزونون ‏"‏ قال ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ تدمع العين ويحزن القلب‏)‏ سقطت هذه الترجمة والأثر قي رواية الحموي وثبتت للباقين، وحديث ابن عمر كأن المراد به ما أورده المصنف في الباب الذي بعد هذا إلا أن لفظه ‏"‏ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ‏"‏ فيحتمل أن يكون ذكره بالمعنى لأن ترك المؤاخذة بذلك يستلزم وجوده، وأما لفظه فثبت في قصة موت إبراهيم من حديث أنس عند مسلم، وأصله عند المصنف كما في هذا الباب، وعن عبد الرحمن بن عوف عند ابن سعد والطبراني، وأبي هريرة عند ابن حبان والحاكم، وأسماء بنت يزيد عند ابن ماجه، ومحمود بن لبيد عند ابن سعد، والسائب بن يزيد وأبي أمامة عند الطبراني‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا قُرَيْشٌ هُوَ ابْنُ حَيَّانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ رَوَاهُ مُوسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ المُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني الحسن بن عبد العزيز‏)‏ هو الجروي بفتح الجيم والراء منسوب إلى جروة بفتح الجيم وسكون الراء قرية من قرى تنيس، وكان أبوه أميرها فتزهد الحسن ولم يأخذ من تركة أبيه شيئا، وكان يقال إنه نظير قارون في المال، والحسن المذكور من طبقة البخاري ومات بعده بسنة وليس له عنده سوى هذا الحديث وحديثين آخرين في التفسير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني يحيي بن حسان‏)‏ هو التنيسي أدركه البخاري ولم يلقه لأنه مات قبل أن يدخل مصر، وقد روى عنه الشافعي مع جلالته ومات قبله بمدة، فوقع للحسن نظير ما وقع لشيخه من رواية إمام عظيم الشأن عنه ثم يموت قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا قريش هو ابن حيان‏)‏ هو بالقاف والمعجمة وأبوه بالمهملة والتحتانية بصري يكنى أبا بكر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على أبي سيف‏)‏ قال عياض هو البراء بن أوس، وأم سيف زوجته هي أم بردة واسمها خوله بنت المنذر‏.‏
قلت‏:‏ جمع بذلك بين ما وقع في هذا الحديث الصحيح وبين قول الواقدي فيما رواه ابن سعد في الطبقات عنه عن يعقوب بن أبي صعصعة عن عبد الله بن أبي صعصعة قال ‏"‏ لما ولد له إبراهيم تنافست فيه نساء الأنصار أيتهن ترضعه، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد من بني عدي بن النجار وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد من بني عدي بن النجار أيضا، فكانت ترضعه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه في بني النجار ‏"‏ انتهى‏.‏
وما جمع به غير مستبعد، إلا أنه لم يأت عن أحد من الأئمة التصريح بأن البراء بن أوس يكنى أبا سيف ولا أن أبا سيف يسمى البراء بن أوس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏القين‏)‏ بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هو الحداد، ويطلق على كل صانع، يقال قان الشيء إذا أصلحه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ظئرا‏)‏ بكسر المعجمة وسكون التحتانية المهموزة بعدها راء أي مرضعا، وأطلق عليه ذلك لأنه كان زوج المرضعة، وأصل الظئر من ظأرت الناقة إذا عطفت على غير ولدها فقيل ذلك للتي ترضع غير ولدها، وأطلق ذلك على زوجها لأنه يشاركها في تربيته غالبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لإبراهيم‏)‏ أي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع التصريح بذلك في رواية سليمان بن المغيرة المعلقة بعد هذا ولفظه عند مسلم في أوله ‏"‏ ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم، ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته فانتهى إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره وقد امتلأ البيت دخانا، فأحرمت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ يا أبا سيف أمسك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
‏"‏ لمسلم أيضا من طريق عمرو بن سعيد عن أنس ‏"‏ ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة، وكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وأنه ليدخن وكان ظئره قينا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإبراهيم يجود بنفسه‏)‏ أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله‏.‏
وفي رواية سليمان ‏"‏ يكيد ‏"‏ قال صاحب المعين أي يسوق بها، وقيل معناه يقارب بها الموت‏.‏
وقال أبو مروان بن سراج ‏"‏ قد يكون من الكيد وهو القيء يقال منه كاد يكيد شبه تقلع نفسه عند الموت بذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تذرفان‏)‏ بذال معجمة وفاء أي يجري دمعهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنت يا رسول الله‏)‏ ‏؟‏ قال الطيبي‏.‏
فيه معنى التعجب، والواو تستدعي معطوفا عليه أي الناس لا يصبرون على المصيبة وأنت تفعل كفعلهم، كأنه تعجب لذلك منه مع عهده منه أنه يحث على الصبر وينهى عن الجزع، فأجابه بقوله ‏"‏ إنها رحمة ‏"‏ أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب على الولد لا ما توهمت من الجزع انتهى‏.‏
ووقع في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه ‏"‏ فقلت يا رسول الله تبكي، أو لم تنه عن البكاء ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين‏:‏ صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان قال‏.‏
إنما هذا رحمة ومن لا يرحم لا يرحم‏"‏‏.‏
وفي رواية محمود بن لبيد فقال ‏"‏ إنما أنا بشر‏"‏، وعند عبد الرزاق من مرسل مكحول ‏"‏ إنما أنهى الناس عن النياحة أن يندب الرجل بما ليس فيه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتبعها بأخرى‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ ثم أتبعها والله بأخرى ‏"‏ بزيادة القسم، قيل أراد به أنه أتبع الدمعة الأولى بدمعة أخرى، وقيل أتبع الكلمة الأولى المجملة وهي قوله ‏"‏ إنها رحمة ‏"‏ بكلمة أخرى مفصلة وهي قوله ‏"‏ أن العين تدمع ‏"‏ ويؤيد الثاني ما تقدم من طريق عبد الرحمن ومرسل مكحول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن العين تدمع إلخ‏)‏ في حديث عبد الرحمن بن عوف ومحمود بن لبيد ‏"‏ ولا نقول ما يسخط الرب ‏"‏ وزاد في حديث عبد الرحمن في آخره ‏"‏ لولا أنه أمر حق ووعد صدق وسبيل نأتيه، وإن آخرنا سيلحق بأولنا، لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا ‏"‏ ونحوه في حديث أسماء بنت يزيد ومرسل مكحول وزاد في آخره ‏"‏ وفصل رضاعه في الجنة ‏"‏ وفي آخر حديث محمود بن لبيد ‏"‏ وقال أن له مرضعا في الجنة ‏"‏ ومات وهو ابن ثمانية عمر شهرا، وذكر الرضاع وقع في آخر حديث أنس عند مسلم من طريق عمرو بن سعيد عنه، إلا أن ظاهر سياقه الإرسال، فلفظه ‏"‏ قال عمرو فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين يكملان رضاعه في الجنة ‏"‏ وسيأتي في أواخر الجنائز حديث البراء ‏"‏ أن لإبراهيم لمرضعا في الجنة‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة في وقت وفاة إبراهيم عليه السلام‏)‏ ‏:‏ جزم الواقدي بأنه مات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر‏.‏
وقال ابن حزم‏:‏ مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر، واتفقوا على أنه ولد في ذي الحجة سنة ثمان‏.‏
قال ابن بطال وغيره‏:‏ هذا الحديث يفسر البكاء المباح والحزن الجائز، وهو ما كان بدمع العين ورقة القلب من غير سخط لأمر الله، وهو أبين شيء وقع في هذا المعنى‏.‏
وفيه مشروعية تقبيل الولد وشمه، ومشروعية الرضاع، وعيادة الصغير، والحضور عند المحتضر، ورحمة العيال، وجواز الإخبار عن الحزن وإن كان الكتمان أولى، وفيه وقوع الخطاب للغير وإرادة غيره بذلك، وكل منهما مأخوذ من مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم ولده مع أنه في تلك الحالة لم يكن ممن يفهم الخطاب لوجهين‏:‏ أحدهما صغره، والثاني نزاعه‏.‏
وإنما أراد بالخطاب غيره من الحاضرين إشارة إلى أن ذلك لم يدخل في نهيه السابق‏.‏
وفيه جواز الاعتراض على من خالف فعله ظاهر قوله ليظهر الفرق، وحكى ابن التين قول من قال‏:‏ إن فيه دليلا على تقبيل الميت وشمه، ورده بأن القصة إنما وقعت قبل الموت وهو كما قال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه موسى‏)‏ هو ابن إسماعيل التبوذكي وطريقه هذه وصلها البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريق تمتام وهو بمثناتين لقب محمد بن غالب البغدادي الحافظ عنه، وفي سياقه ما ليس في سياق قريش بن حيان، وإنما أراد البخاري أصل الحديث‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 10:06 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب الْبُكَاءِ عِنْدَ الْمَرِيضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب البكاء عند المريض‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ من رواية أبي ذر، قال الزين بن المنير‏:‏ ذكر المريض أعم من أن يكون أشرف على الموت أو هو في مبادئ المرض، لكن البكاء عادة إنما يقع عند ظهور العلامات المخوفة كما في قصة سعد بن عبادة في حديث هذا الباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ فَقَالَ قَدْ قَضَى قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَوْا فَقَالَ أَلَا تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَمُ وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَضْرِبُ فِيهِ بِالْعَصَا وَيَرْمِي بِالْحِجَارَةِ وَيَحْثِي بِالتُّرَابِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عمرو‏)‏ هو ابن الحارث المصري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن الحارث الأنصاري‏)‏ هو ابن أبي سعيد بن المعلى قاضي المدينة‏.‏
ووقع في رواية مسلم من طريق عمارة بن غزية عن سعيد بن الحارث بن المعلى فكأنه نسب أباه لجده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اشتكى‏)‏ أي ضعف و ‏"‏ شكوى ‏"‏ بغير تنوين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما دخل عليه‏)‏ زاد مسلم في رواية عمارة بن غزية ‏"‏ فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين معه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في غاشية أهله‏)‏ بمعجمتين أي الذين يغشونه للخدمة وغيرها، وسقط لفظ ‏"‏ أهله ‏"‏ من أكثر الروايات، وعليه شرح الخطابي، فيجوز أن يكون المراد بالغاشية الغشية من الكرب، ويؤيده ما وقع في رواية مسلم في غشيته‏.‏
وقال التوربشتي‏:‏ الغاشية هي الداهية من شر أو من مرض أو من مكروه، والمراد ما يتغشاه من كرب الوجع الذي هو فيه لا الموت، لأنه أفاق من تلك المرضة وعاش بعدها زمانا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا‏)‏ في هذا إشعار بأن هذه القصة كانت بعد قصة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن عبد الرحمن بن عوف كان معهم في هذه ولم يعترضه بمثل ما اعترض به هناك، فدل على أنه تقرر عنده العلم بأن مجرد البكاء بدمع العين من غير زيادة على ذلك لا يضر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال ألا تسمعون‏)‏ لا يحتاج إلى مفعول لأنه جعل كالفعل اللازم، أي ألا توجدون السماع، وفيه إشارة إلى أنه فهم من بعضهم الإنكار، فبين لهم الفرق بين الحالتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الله‏)‏ بكسر الهمزة لأنه ابتداء كلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يعذب بهذا‏)‏ أي إن قال سوءا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو يرحم‏)‏ إن قال خيرا، ويحتمل أن يكون معنى قوله ‏"‏ أو يرحم ‏"‏ أي إن لم ينفذ الوعيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه‏)‏ أي بخلاف غيره، ونظيره قوله في قصة عبد الله بن ثابت التي أخرجها مالك في الموطأ من حديث جابر بن عتيك، ففيه ‏"‏ فصاح النسوة، فجعل ابن عتيك يسكتهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ دعهن فإذا وجبت قلا تبكين باكية ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان عمر‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور إلى ابن عمر، وسقطت هذه الجملة وكذا التي قبلها من رواية مسلم، ولهذا طن بعض الناس أنهما معلقان‏.‏
وفي حديث ابن عمر من الفوائد استحباب عيادة المريض، وعيادة الفاضل للمفضول، والإمام أتباعه مع أصحابه، وفيه النهي عن المنكر وبيان الوعيد عليه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب مَا يُنْهَى مِنْ النَّوْحِ وَالْبُكَاءِ وَالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ينهى من النوح والبكاء والزجر عن ذلك‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ عطف الزجر على النهي للإشارة إلى المؤاخذة الواقعة في الحديث بقوله ‏"‏ فاحث في أفواههن التراب‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ لَمَّا جَاءَ قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ فَأَمَرَهُ الثَّانِيَةَ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنِي أَوْ غَلَبْنَنَا الشَّكُّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ فَزَعَمَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب‏)‏ بمهملة وشين معجمة وزن جعفر ثقة من أهل الطائف نزل الكوفة، ذكر الأصيلي أنه لم يرو عنه غير البخاري، وليس كذلك بل روى عنه أيضا محمد بن مسلم بن وارة الرازي كما ذكره المزي في التهذيب، وعبد الوهاب شيخه هو ابن عبد المجيد الثقفي، وقد تقدم الكلام على حديث عائشة قبل أربعة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرَ خَمْسِ نِسْوَةٍ أُمِّ سُلَيْمٍ وَأُمِّ الْعَلَاءِ وَابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ ابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب‏)‏ هو الحجبي، وحماد هو ابن زيد، ومحمد هو ابن سيرين، والإسناد كله بصريون‏.‏
وقد رواه عارم عن حماد فقال‏:‏ ‏"‏ عن أيوب عن حفصة ‏"‏ بدل محمد أخرجه الطبراني، وله أصل عن حفصة كما سيأتي في الأحكام من طريق عبد الوارث عن أيوب عنها، فكأن حمادا سمعه من أيوب عن كل منهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عند البيعة‏)‏ أي لما بايعهن على الإسلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فما وفت‏)‏ أي بترك النوح‏.‏
وأم سليم هي بنت ملحان والدة أنس، وأم العلاء تقدم ذكرها في ثالث باب من كتاب الجنائز، وابنة أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة، وأما قوله أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ فهو شك من أحد رواته هل ابنة أبي سبرة هي امرأة معاذ أو غيرها، وسيأتي في كتاب الأحكام من رواية حفصة عن أم عطية بالشك أيضا، والذي يظهر لي أن الرواية بواو العطف أصح لأن امرأة معاذ وهو ابن جبل هي أم عمرو بنت خلاد بن عمرو السلمية ذكرها ابن سعد، فعلى هذا فابنة أبي سبرة غيرها‏.‏
ووقع في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ لأبي موسى من طريق حفصة عن أم عطية ‏"‏ وأم معاذ ‏"‏ بدل قوله وامرأة معاذ وكذا في رواية عارم، لكن لفظه ‏"‏ أو أم معاذ بنت أبي سبرة ‏"‏ وفي الطبراني من رواية ابن عون عن ابن سيرين عن أم عطية ‏"‏ فما وفت غير أم سليم وأم كلثوم وامرأة معاذ بن أبي سبرة ‏"‏ كذا فيه والصواب ما في الصحيح امرأة معاذ وبنت أبي سبرة، ولعل بنت أبي سبرة يقال لها أم كلثوم، وإن كانت الرواية التي فيها أم معاذ محفوظة فلعلها أم معاذ بن جبل وهي هند بنت سهل الجهنية ذكرها ابن سعد أيضا، وعرف بمجموع هذه النسوة الخمس وهي أم سليم وأم العلاء وأم كلثوم وأم عمرو وهند - إن كانت الرواية محفوظة - وإلا فيختلج في خاطري أن الخامسة هي أم عطية راوية الحديث‏.‏
ثم وجدت ما يؤيده من طريق عاصم عن حفصة عن أم عطية بلفظ ‏"‏ فما وقت غيري وغير أم سليم ‏"‏ أخرجه الطبراني أيضا‏.‏
ثم وجدت ما يرده وهو ما أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت ‏"‏ كان فيما أخذ علينا أن لا ننوح ‏"‏ الحديث، فزاد في آخره ‏"‏ وكانت لا تعد نفسها لأنها لما كان يوم الحرة لم تزل النساء بها حتى قامت معهن فكانت لا تعد نفسها لذلك ‏"‏ ويجمع بأنها تركت عد نفسها من يوم الحرة‏.‏
قلت‏:‏ يوم الحرة قتل فيه من الأنصار من لا يحصى عدده ونهبت المدينة الشريفة وبذل فيها السيف ثلاثة أيام وكان ذلك في أيام يزيد بن معاوية، وفي حديث أم عطية مصداق ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنهن ناقصات عقل ودين‏.‏
وفيه فضيلة ظاهرة للنسوة المذكورات، قال عياض‏:‏ معنى الحديث لم يف ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم مع أم عطية في الوقت الذي بايعت فيه النسوة إلا المذكورات، لا أنه لم يترك النياحة من المسلمات غير خمسة‏.‏
وسيأتي الكلام على بقية فوائده في تفسير سورة الممتحنة إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 10:08 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب الْقِيَامِ لِلْجَنَازَةِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القيام للجنازة‏)‏ إي إذا مرت على من ليس معها، وأما قيام من كان معها إلى أن توضع بالأرض فسيأتي في ترجمة مفردة‏.‏
وسنذكر اختلاف العلماء في كل منهما فيما بعد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ قَالَ سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ الْحُمَيْدِيُّ حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تخلفكم‏)‏ بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد اللام المكسورة بعدها فاء أي تترككم وراءها، ونسبة ذلك إليها على سبيل المجاز لأن المراد حاملها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏)‏ هذا السياق لفظ الحميدي في مسنده، ويحتمل أن يكون علي بن عبد الله حدث به على السياقين فقال مرة ‏"‏ عن سفيان حدثنا الزهري عن سالم ‏"‏ وقال مرة ‏"‏ قال الزهري أخبرني سالم ‏"‏ والمراد من السياقين أن كلا منهما سمعه من شيخه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏زاد الحميدي‏)‏ يعني عن سفيان بهذا الإسناد، وقد رويناه موصلا في مسنده، وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريقه كذلك، وكذا أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وثلاثة معه أربعتهم عن سفيان بالزيادة إلا أنه في سياقهم بالعنعنة، وفي هذا الإسناد رواية تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي في نسق والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب مَتَى يَقْعُدُ إِذَا قَامَ لِلْجَنَازَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يقعد إذا قام للجنازة‏)‏ سقط هذا الباب والترجمة من رواية المستملي وثبتت الترجمة دون الباب لرفيقه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ جِنَازَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاشِيًا مَعَهَا فَلْيَقُمْ حَتَّى يُخَلِّفَهَا أَوْ تُخَلِّفَهُ أَوْ تُوضَعَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُخَلِّفَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يخلفها أو تخلفه‏)‏ شك من البخاري، أو من قتيبة حين حدثه به، وقد رواه النسائي عن قتيبة ومسلم عن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث فقالا‏:‏ ‏"‏ حتى تخلفه ‏"‏ من غير شك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو توضع من قبل أن تخلفه‏)‏ فيه بيان للمراد من رواية سالم الماضية، وقد أخرجه مسلم من طريق ابن جريج عن نافع بلفظ ‏"‏ إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه إذا كان غير متبعها‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ فَإِنْ قَعَدَ أُمِرَ بِالْقِيَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال‏)‏ كأنه أشار بهذا إلى ترجيح رواية من روى في حديث الباب ‏"‏ حتى توضع بالأرض ‏"‏ على رواية من روى ‏"‏ حتى توضع في اللحد ‏"‏ وفيه اختلاف على سهيل بن أبي صالح عن أبيه، قال أبو داود‏:‏ ‏"‏ رواه أبو معاوية عن سهيل فقال ‏"‏ حتى توضع في اللحد‏"‏، وخالفه الثوري وهو أحفظ فقال ‏"‏ في الأرض ‏"‏ انتهى، ورواه جرير عن سهيل فقال ‏"‏ حتى توضع ‏"‏ حسب، وزاد ‏"‏ قال سهيل‏:‏ ورأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال ‏"‏ أخرجه أبو نعيم في المستخرج بهذه الزيادة، وهو في مسلم بدونها، وفي المحيط للحنفية‏:‏ الأفضل أن يهال عليها التراب، وحجتهم رواية أبي معاوية، ورجح الأول عند البخاري بفعل أبي صالح لأنه راوي الخبر أعرف بالمراد منه، ورواية أبي معاوية مرجوحة كما قال أبو داود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن قعد أمر بالقيام‏)‏ فيه إشارة إلى أن القيام في هذا لا يفوت بالقعود، لأن المراد به تعظيم أمر الموت، وهو لا يفوت بذلك‏.‏
وأما قول المهلب‏:‏ قعود أبي هريرة ومروان يدل على أن القيام ليس بواجب وأنه ليس عليه العمل، فإن أراد أنه ليس بواجب عندهما فظاهر، وإن أراد في نفس الأمر فلا دلالة فيه على ذلك‏.‏
ويدل على الأول ما رواه الحاكم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فساق نحو القصة المذكورة وزاد ‏"‏ إن مروان لما قال له أبو سعيد قم قام، ثم قال له‏:‏ لم أقمتني‏؟‏ فذكر الحديث‏.‏
فقال لأبي هريرة‏:‏ فما منعك أن تخبرني‏؟‏ قال‏:‏ كنت إماما فجلست‏"‏‏.‏
فعرف بهذا أن أبا هريرة لم يكن يراه واجبا، وأن مروان لم يكن يعرف حكم المسألة قبل ذلك، وأنه بادر إلى العمل بها بخبر أبي سعيد‏.‏
وروى الطحاوي من طريق الشعبي عن أبي سعيد قال ‏"‏ مر على مروان بجنازة فلم يقم، فقال له أبو سعيد‏.‏
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت عليه جنازة فقام، فقام مروان ‏"‏ وأظن هذه الرواية مختصرة من القصة‏.‏
وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال أكثر الصحابة والتابعين باستحبابه كما نقله ابن المنذر، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن، وروى البيهقي من طريق أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما أن القائم مثل الحامل، يعني في الأجر‏.‏
وقال الشعبي والنخعي‏:‏ يكره القعود قبل أن توضع‏.‏
وقال بعض السلف‏:‏ يجب القيام، واحتج له برواية سعيد عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا ‏"‏ ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع ‏"‏ أخرجه النسائي‏.‏
‏(‏تنبيهان‏)‏ الأول‏:‏ قال الزين بن المنير‏:‏ إنما نوع هذه التراجم مع إمكان جمعها في ترجمة واحدة للإشارة إلى الاعتناء بها وما يختص كل طريق منها بحكمة، ولأن بعض ذلك وقع فيما ليس على شرطه فاكتفى بذكره في الترجمة لصلاحيته للاستدلال‏.‏
‏(‏الثاني‏)‏ ‏:‏ قال ثبت بين حديثي الباب ترجمة لفظها ‏"‏ باب من تبع جنازة ‏"‏ وجد ذلك في نسخة محررة مسموعة، فإن سقطت في غيرها قدم من أثبت على من نفى، قال‏:‏ وإنما لم يستغن عنها بما قبلها لتصريحه في الخبر بأنهما جلسا قبل أن توضع، وأطال في تقرير ذلك وأن ذكرها أولى من حذفها‏.‏
وهو عجيب منه فإن الذي تضمنه الحديث الثاني من الزيادة قد اشتملت عليه الترجمة الأولى، وليس في الترجمة زيادة على ما في الحديثين إلا قوله ‏"‏ عن مناكب الرجال ‏"‏ وقد ذكرت من وقعت في روايته‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، وهشام هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير، وحديث أبي سعيد هذا أبين سياقا من حديث عامر بن ربيعة، وهو يوضح أن المراد بالغاية المذكورة من كان معها أو مشاهدا لها، وأما من مرت به فليس عليه من القيام إلا قدر ما تمر عليه أو توضع عنده بأن يكون بالمصلى مثلا‏.‏
وروى أحمد من طريق سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ من صلى على جنازة ولم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه، وإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع ‏"‏ وفي هذا السياق بيان لغاية القيام، وأنه لا يختصن بمن مرت به، ولفظ القيام يتناول من كان قاعدا، فأما من كان راكبا فيحتمل أن يقال ينبغي له أن يقف ويكون الوقوف في حقه كالقيام في حق القاعد، واستدل بقوله ‏"‏ فإن لم يكن معها ‏"‏ على أن شهود الجنازة لا يجب على الأعيان‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب مَنْ قَامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قام لجنازة يهودي‏)‏ أي أو نحوه من أهل الذمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَرَّ بِنَا جَنَازَةٌ فَقَامَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْنَا بِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي و ‏(‏يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مر بنا‏)‏ بضم الميم على البناء للمجهول‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ مرت ‏"‏ بفتح الميم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام‏)‏ زاد غير كريمة ‏"‏ لها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقمنا‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ وقمنا ‏"‏ بالواو، وزاد الأصيلي وكريمة ‏"‏ له ‏"‏ والضمير للقيام أي لأجل قيامه، وزاد أبو داود من طريق الأوزاعي عن يحيى ‏"‏ فلما ذهبنا لنحمل قيل إنها جنازة يهودي ‏"‏ زاد البيهقي من طريق أبي قلابة الرقاشي عن معاذ بن فضالة شيخ البخاري فيه ‏"‏ فقال إن الموت فزع ‏"‏ وكذا لمسلم من وجه آخر عن هشام‏.‏
قال القرطبي‏:‏ معناه أن الموت يفزع منه، إشارة إلى استعظامه، ومقصود الحديث أن لا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت، لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت، قمن ثم استوى فيه كون الميت مسلما أو غير مسلم‏.‏
وقال غيره‏:‏ جعل نفس الموت فزعا مبالغة كما يقال رجل عدل، قال البيضاوي‏:‏ هو مصدر جرى مجرى الوصف للمبالغة، وفيه تقدير أي الموت ذو فزع انتهى‏.‏
ويؤيد الثاني رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ إن للموت فزعا ‏"‏ أخرجه ابن ماجه، وعن ابن عباس مثله عند البزار قال‏:‏ وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلق من أجلها ويضطرب، ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَالَا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ أَلَيْسَتْ نَفْسًا وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ كُنْتُ مَعَ قَيْسٍ وَسَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ زَكَرِيَّاءُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ وَقَيْسٌ يَقُومَانِ لِلْجَنَازَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فمروا عليهما‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ عليهم ‏"‏ أي على قيس وهو ابن سعد بن عبادة وسهل وهو ابن حنيف ومن كان حينئذ معهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أهل الأرض أي من أهل الذمة‏)‏ كذا فيه بلفظ أي التي يفسر بها، وهي رواية الصحيحين وغيرهما، وحكى ابن التين عن الداودي أنه شرحه بلفظ أو التي للشك‏.‏
وقال‏:‏ لم أره لغيره، وقيل لأهل الذمة أهل الأرض لأن المسلمين لما فتحوا البلاد أقروهم على عمل الأرض وحمل الخراج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أليست نفسا‏)‏ هذا لا يعارض التعليل المتقدم حيث قال ‏"‏ إن للموت فزعا ‏"‏ على ما تقدم، وكذا ما أخرجه الحاكم من طريق قتادة عن أنس مرفوعا فقال ‏"‏ إنما قمنا للملائكة‏"‏، ونحوه لأحمد من حديث أبي موسى، ولأحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا ‏"‏ إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس ‏"‏ ولفظ ابن حبان ‏"‏ إعظاما لله الذي يقبض الأرواح ‏"‏ فإن ذلك أيضا لا ينافي التعليل السابق، لأن القيام للفزع من الموت فيه تنظيم لأمر الله، وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك وهم الملائكة، وأما ما أخرجه أحمد من حديث الحسن بن علي قال ‏"‏ إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم أذيا بريح اليهودي ‏"‏ زاد الطبراني من حديث عبد الله بن عياش بالتحتانية والمعجمة ‏"‏ فأذاه ريح بخورها ‏"‏ وللطبراني والبيهقي من وجه آخر عن الحسن ‏"‏ كراهية أن تعلو رأسه ‏"‏ فإن ذلك لا يعارض الأخبار الأولى الصحيحة، أما أولا فلأن أسانيدها لا تقاوم تلك في الصحة، وأما ثانيا فلأن التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي، والتعليل الماضي صريح من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فكأن الراوي لم يسمع التصريح بالتعليل منه فعلل باجتهاده‏.‏
وقد روى ابن أبي شيبة من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت قال ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلعت جنازة، فلما رآها قام وقام أصحابه حتى بعدت، والله ما أدري من شأنها أو من تضايق المكان، وما سألناه عن قيامه ‏"‏ ومقتضى التعليل بقوله ‏"‏ أليست نفسا ‏"‏ أن ذلك يستحب لكل جنازة، وإنما اقتصر في الترجمة على اليهودي وقوفا مع لفظ الحديث، وقد اختلف أهل العلم في أصل المسألة فذهب الشافعي إلى أنه غير واجب فقال‏:‏ هذا إما أن يكون منسوخا أو يكون قام لعلة، وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله، والحجة في الآخر من أمره، والقعود أحب إلي انتهى‏.‏
وأشار بالترك إلى حديث علي ‏"‏ إنه صلى الله عليه وسلم قام للجنازة ثم قعد ‏"‏ أخرجه مسلم، قال البيضاوي‏:‏ يحتمل قول علي ‏"‏ ثم قعد ‏"‏ أي بعد أن جاوزته وبعدت عنه، ويحتمل أن يريد كان يقوم في وقت ثم ترك القيام أصلا، وعلى هذا يكون فعله الأخير قرينة في أن المراد بالأمر الوارد في ذلك الندب، ويحتمل أن يكون نسخا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر، والأول أرجح لأن احتمال المجاز - يعني في الأمر - أولى من دعوى النسخ انتهى‏.‏
والاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي من حديث علي أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا ثم حدثهم الحديث، ومن ثم قال بكراهة القيام جماعة منهم سليم الرازي وغيره من الشافعية‏.‏
وقال ابن حزم‏:‏ قعوده صلى الله عليه وسلم بعد أمره بالقيام يدل على أن الأمر للندب، ولا يجوز أن يكون نسخا لأن النسخ لا يكون إلا بنهي أو بترك معه نهي انتهى‏.‏
وقد ورد معنى النهي من حديث عبادة قال ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم للجنازة، فمر به حبر من اليهود فقال‏:‏ هكذا نفعل، فقال‏:‏ اجلسوا وخالفوهم ‏"‏ أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي، فلو لم يكن إسناده ضعيفا لكان حجة في النسخ‏.‏
وقال عياض‏:‏ ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي، وتعقبه النووي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع وهو هنا ممكن قال‏:‏ والمختار أنه مستحب، وبه قال المتولي انتهى‏.‏
وقول صاحب المهذب هو على التخيير كأنه مأخوذ من قول الشافعي المتقدم لما تقضيه صيغة أفعل من الاشتراك، ولكن القعود عنده أولى، وعكسه قول ابن حبيب وابن الماجشون من المالكية‏:‏ كان قعوده صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، فمن جلس فهو في سعة، ومن قام فله أجر‏.‏
واستدل بحديث الباب على جواز إخراج جنائز أهل الذمة نهارا غير متميزة عن جنائز المسلمين، أشار إلى ذلك الزين بن المنير قال‏:‏ وإلزامهم بمخالفة رسوم المسلمين وقع اجتهادا من الأئمة‏.‏
ويمكن أن يقال إذا ثبت النسخ للقيام تبعه ما عداه، فيحمل على أن ذلك كان عند مشروعية القيام، فلما ترك القيام منع من الإظهار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حمزة‏)‏ هو السكري، وعمرو هو ابن مرة المذكور في الإسناد الذي قبله، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق عبدان عن أبي حمزة ولفظه نحو حديث شعبة، إلا أنه قال في روايته‏:‏ فمرت عليهما جنازة فقاما، ولم يقل فيه بالقادسية‏.‏
وأراد المصنف بهذا التعليق بيان سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى لهذا الحديث من سهل وقيس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال زكرياء‏)‏ هو ابن أبي زائدة، وطريقه هذه موصولة عند سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة عنه، وأبو مسعود المذكور فيها هو البدري، ويجمع بين ما وقع فيه من الاختلاف بأن عبد الرحمن بن أبي ليلى ذكر قيسا وسهلا مفردين لكونهما رفعا له الحديث، وذكره مرة أخرى عن قيس وأبي مسعود لكون أبي مسعود لم يرفعه‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 10:09 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب حَمْلِ الرِّجَالِ الْجِنَازَةَ دُونَ النِّسَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب حمل الرجال الجنازة دون النساء‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ ليست الحجة من حديث الباب بظاهرة في منع النساء، لأنه من الحكم المعلق على شرط‏.‏
وليس فيه أن لا يكون الواقع إلا ذلك، لو سلم فهو من مفهوم اللقب‏.‏
ثم أجاب بأن كلام الشارع مهما أمكن حمله على التشريع لا يحمل على مجرد الإخبار عن الواقع، ويؤيده العدول عن المشاكلة في الكلام حيث قال‏:‏ إذا وضعت فاحتملها الرجال، ولم يقل فاحتملت، فلما قطع احتملت عن مشاكلة وضعت دل على قصد تخصيص الرجال بذلك، وأيضا فجواز ذلك للنساء وإن كان يؤخذ بالبراءة الأصلية لكنه معارض بأن في الحمل على الأعناق والأمر بالإسراع مظنة الانكشاف غالبا، وهو مباين‏.‏
للمطلوب منهن من التستر مع ضعف نفوسهن عن مشاهدة الموتى غالبا فكيف بالحمل، مع ما يتوقع من صراخهن عند حمله ووضعه وغير ذلك من وجوه المفاسد انتهى ملخصا‏.‏
وقد ورد ما هو أصرح من هذا في منعهن، ولكنه على غير شرط المصنف، ولعله أشار إليه وهو ما أخرجه أبو يعلى من حديث أنس قال ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فرأى نسوة فقال‏:‏ أتحملنه‏؟‏ قلن‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ أتدفنه‏؟‏ قلن‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فارجعن مأزورات غير مأجورات‏"‏‏.‏
ونقل النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ أنه لا خلاف في هذه المسألة بين العلماء، والسبب فيه ما تقدم، ولأن الجنازة لا بد أن يشيعها الرجال فلو حملها النساء لكان ذلك ذريعة إلى اختلاطهن بالرجال فيفضي إلى الفتنة‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ قد عذر الله النساء لضعفهن حيث قال ‏(‏إلا المستضعفين من الرجال والنساء‏)‏ الآية، وتعقبه الزين بن المنير بأن الآية لا تدل على اختصاصهن بالضعف بل على المساواة انتهى‏.‏
والأولى أن ضعف النساء بالنسبة إلى الرجال من الأمور المحسوسة التي لا تحتاج إلى دليل خاص‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه أنه سمع أبا سعيد‏)‏ لسعيد المقبري فيه إسناد آخر رواه ابن أبي ذئب عنه عن عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن حبان وقال‏:‏ الطريقان جميعا محفوظان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا وضعت الجنازة‏)‏ في رواية ابن أبي ذئب المذكورة ‏"‏ إذا وضع الميت على السرير ‏"‏ فدل على أن المراد بالجنازة الميت، وقد تقدم أن هذا اللفظ يطلق على الميت وعلى السرير الذي يحمل عليه أيضا، وسيأتي بقية الكلام عليه بعد باب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ
وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْتُمْ مُشَيِّعُونَ وَامْشِ بَيْنَ يَدَيْهَا وَخَلْفَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ شِمَالِهَا وَقَالَ غَيْرُهُ قَرِيبًا مِنْهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب السرعة بالجنازة‏)‏ أي نعد أن تحمل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس‏:‏ أنتم مشيعون، فامش‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فامشوا ‏"‏ وأثر أنس هذا وصله عبد الوهاب بن عطاء الخفاف في ‏"‏ كتاب الجنائز ‏"‏ له عن حميد عن أنس بن مالك أنه ‏"‏ سئل عن المشي في الجنازة فقال‏:‏ أمامها وخلفها، وعن يمينها وشمالها، إنما أنتم مشيعون‏"‏‏.‏
ورويناه عاليا في ‏"‏ رباعيات أبي بكر الشافعي ‏"‏ من طريق يزيد بن هرون عن حميد كذلك، وبنحوه أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش عن حميد، وأخرجه عبد الرزاق عن أبي جعفر الرازي عن حميد ‏"‏ سمعت العيزار - يعني ابن حريث - سأل أنس بن مالك - يعني عن المشي مع الجنازة - فقال‏:‏ إنما أنت مشيع ‏"‏ فذكر نحوه، فاشتمل على فائدتين‏:‏ تسمية السائل، والتصريح بسماع حميد‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ مطابقة هذا الأثر للترجمة أن الأثر يتضمن التوسعة على المشيعين وعدم التزامهم جهة معينة، وذلك لما علم من تفاوت أحوالهم في المشي، وقضية الإسراع بالجنازة أن لا يلزموا بمكان واحد يمشون فيه لئلا يشق على بعضهم ممن يضعف في المشي عمن يقوى عليه، ومحصله أن السرعة لا تتفق غالبا إلا مع عدم التزام المشي في جهة معينة فتناسبا، وقد سبق إلى نحو ذلك أبو عبد الله بن المرابط فقال‏:‏ قول أنس ليس من معنى الترجمة إلا من وجه أن الناس في مشيهم متفاوتون‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ ويمكن أن يقال لفظ المشي والتشييع في أثر أنس أعم من الإسراع والبطء، فلعله أراد أن يفسر أثر أنس بالحديث، قال‏:‏ ويمكن أن يكون أراد أن يبين بقول أنس أن المراد بالإسراع ما لا يخرج عن الوقار لمتبعها بالمقدار الذي يصدق عليه به المصاحبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره قريبا منها‏)‏ أي قال غير أنس مثل قول أنس وقيد ذلك بالقرب من الجنازة لأن من بعد عنها يصدق عليه أيضا أنه مشى أمامها وخلفها مثلا، والغير المذكور أظنه عبد الرحمن بن قرط بضم القاف وسكون الراء بعدها مهملة، قال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا مسكين بن ميمون حدثني عروة بن رويم قال شهد عبد الرحمن بن قرط جنازة، فرأى ناسا تقدموا وآخرين استأخروا، فأمر بالجنازة فوضعت، ثم رماهم بالحجارة حتى اجتمعوا إليه، ثم أمر بها فحملت ثم قال‏:‏ بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها ‏"‏ وعبد الرحمن المذكور صحابي ذكر البخاري ويحيي بن معين أنه كان من أهل الصفة وكان واليا على حمص في زمن عمر، ودل إيراد البخاري لأثر أنس المذكور على اختيار هذا المذهب هو التخيير في المشي مع الجنازة، وهو قول الثوري وبه قال ابن حزم لكن قيده بالماشي اتباعا لما أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم من حديث المغيرة بن شعبة مرفوعا ‏"‏ الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها ‏"‏ وعن النخعي أنه إن كان في الجنازة نساء مشى أمامها وإلا فخلفها، وفي المسألة مذهبان آخران مشهوران‏:‏ فالجمهور على أن المشي أمامها أفضل، وفيه حديث لابن عمر أخرجه أصحاب السنن ورجاله رجال الصحيح إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، ويعارضه ما رواه سعيد بن منصور وغيره من طريق عبد الرحمن بن أبزى عن علي قال ‏"‏ المشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ ‏"‏ إسناده حسن، وهو موقوف له حكم المرفوع، لكن حكى الأثرم عن أحمد أنه تكلم في إسناده، وهو قول الأوزاعي وأبي حنيفة ومن تبعهما‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَفِظْنَاهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حفظناه من الزهري‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ عن ‏"‏ بدل من، والأول أولى لأنه يقتضي سماعه منه بخلاف رواية المستملي، وقد صرح الحميدي في مسنده بسماع سفيان له من الزهري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن المسيب‏)‏ كذا قال سفيان وتابعه معمر وابن أبي حفصة عند مسلم، وخالفهم يونس فقال ‏"‏ عن الزهري حدثني أبو أمامة بن سهل عن أبي هريرة ‏"‏ وهو محمول على أن للزهري فيه شيخين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسرعوا‏)‏ نقل ابن قدامة أن الأمر فيه للاستحباب بلا خلاف بين العلماء، وشذ ابن حزم فقال بوجوبه، والمراد بالإسراع شدة المشي وعلى ذلك حمله بعض السلف وهو قول الحنفية‏.‏
قال صاحب الهداية‏:‏ ويمشون بها مسرعين دون الخبب، وفي المبسوط‏:‏ ليس فيه شيء مؤقت، غير أن العجلة أحب إلى أبي حنيفة، وعن الشافعي والجمهور المراد بالإسراع ما فوق سجية المشي المعتاد، ويكره الإسراع الشديد‏.‏
ومال عياض إلى نفي الخلاف فقال‏:‏ من استحبه أراد الزيادة على المشي المعتاد، ومن كرهه أراد الإفراط فيه كالرمل‏.‏
والحاصل أنه يستحب الإسراع لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة بالميت أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا ينافي المقصود من النظافة وإدخال المشقة على المسلم، قال القرطبي‏:‏ مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن، ولأن التباطؤ ربما أدى إلى التباهي والاختيال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالجنازة‏)‏ أي بحملها إلى قبرها، وقيل المعنى بتجهيزها، فهو أعم من الأول، قال القرطبي‏:‏ والأول أظهر‏.‏
وقال النووي‏:‏ الثاني باطل مردود بقوله في الحديث ‏"‏ تضعونه عن رقابكم‏"‏‏.‏
وتعقبه الفاكهي بأن الحمل على الرقاب قد يعبر به عن المعاني كما تقول حمل فلان على رقبته ذنوبا، فيكون المعنى استريحوا من نظر من لا خير فيه، قال‏:‏ ويؤيده أن الكل لا يحملونه انتهى‏.‏
ويؤيده حديث ابن عمر ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره ‏"‏ أخرجه الطبراني بإسناد حسن، ولأبي داود من حديث حصين بن وحوح مرفوعا ‏"‏ لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن تك صالحة‏)‏ أي الجثة المحمولة‏.‏
قال الطيبي‏:‏ جعلت الجنازة عين الميت، وجعلت الجنازة التي هي مكان الميت مقدمة إلى الخير الذي كني به عن عمله الصالح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فخير‏)‏ هو خبر مبتدأ محذوف أي فهو خير، أو مبتدأ خبره محذوف أي فلها خير، أو فهناك خير، ويؤيده رواية مسلم بلفظ ‏"‏ قربتموها إلى الخير ‏"‏ ويأتي في قوله بعد ذلك ‏"‏ فشر ‏"‏ نظير ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تقدمونها إليه‏)‏ الضمير راجع إلى الخير باعتبار الثواب، قال ابن مالك‏:‏ روي ‏"‏ تقدمونه إليها ‏"‏ فأنث الضمير على تأويل الخير بالرحمة أو الحسنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تضعونه عن رقابكم‏)‏ استدل به على أن حمل الجنازة يختص بالرجال للإتيان فيه بضمير المذكر ولا يخفى ما فيه‏.‏
وفيه استحباب المبادرة إلى دفن الميت، لكن بعد أن يتحقق أنه مات، أما مثل المطعون والمفلوج والمسبوت فينبغي أن لا يسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم، نبه على ذلك ابن بزيزة، ويؤخذ من الحديث ترك صحبة أهل البطالة وغير الصالحين‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 10:11 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب قَوْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ عَلَى الْجِنَازَةِ قَدِّمُونِي الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الميت وهو على الجنازة‏)‏ أي السرير ‏(‏قدموني‏)‏ أي إن كان صالحا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ لِأَهْلِهَا يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ وَلَوْ سَمِعَ الْإِنْسَانُ لَصَعِقَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا وضعت الجنازة‏)‏ يحتمل أن يريد بالجنازة نفس الميت وبوضعه جعله في السرير، ويحتمل أن يريد السرير والمرد وضعها على الكتف، والأول أولى لقوله بعد ذلك ‏"‏ فإن كانت صالحة قالت ‏"‏ فإن المراد به الميت‏.‏
ويؤيده رواية عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة المذكور بلفظ ‏"‏ إذا وضع المؤمن على سريره يقول قدموني ‏"‏ الحديث‏.‏
وظاهره أن قائل ذلك هو الجسد المحمول على الأعناق‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ إنما يقول ذلك الروح، ورده ابن المنير بأنه لا مانع أن يرد الله الروح إلى الجسد في تلك الحال ليكون ذلك زيادة في بشرى المؤمن وبؤس الكافر، وكذا قال غيره وزاد‏:‏ ويكون ذلك مجازا باعتبار ما يؤول إليه الحال بعد إدخال القبر وسؤال الملكين‏.‏
قلت‏:‏ وهو بعيد ولا حاجة إلى دعوى إعادة الروح إلى الجسد قبل الدفن لأنه يحتاج إلى دليل، فمن الجائز أن يحدث الله النطق في الميت إذا شاء‏.‏
وكلام ابن بطال فيما يظهر لي أصوب‏.‏
وقال ابن بزيرة‏.‏
قوله في آخر الحديث ‏"‏ يسمع صوتها كل شيء ‏"‏ دال على أن ذلك بلسان القال لا بلسان الحال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن كانت غير ذلك‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ غير صالحة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت لأهلها‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أي لأجل أهلها إظهارا لوقوعه في الهلكة، وكل من وقع في الهلكة دعا بالويل‏.‏
ومعني النداء يا حزني‏.‏
وأضاف الويل إلى ضمير الغائب حملا على المعنى كراهية أن يضيف الويل إلى نفسه، أو كأنه لما أبصر نفسه غير صالحة نفر عنها وجعلها كأنها غيره‏.‏
ويؤيد الأول أن في رواية أبي هريرة المذكورة ‏"‏ قال يا ويلتاه أين تذهبون بي ‏"‏ فدل على أن ذلك من تصرف الرواة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لصعق‏)‏ أي لغشي عليه من شدة ما يسمعه، وربما أطلق ذلك على الموت، والضمير في يسمعه راجع إلى دعائه بالويل أي يصيح بصوت منكر لو سمعه الإنسان لغشي عليه قال ابن بزيزة‏:‏ هو مختص بالميت الذي هو غير صالح، وأما الصالح فمن شأنه اللطف والرفق في كلامه فلا يناسب الصعق من سماع كلامه انتهى‏:‏ ويحتمل أن يحصل الصعق من سماع كلام الصالح لكونه غير مألوف، وقد روى أبو القاسم بن منده هذا الحديث في ‏"‏ كتاب الأهوال ‏"‏ بلفظ ‏"‏ لو سمعه الإنسان لصعق من المحسن والمسيء ‏"‏ فإن كان المراد به المفعول دل على وجود الصعق عند سماع كلام الصالح أيضا، وقد استشكل هذا مع ما ورد في حديث السؤال في القبر فيضربه ضربة فيصعق صعقة يسمعه كل شيء إلا الثقلين، والجامع بينهما الميت والصعق، والأول استثني فيه الإنس فقط، والثاني استثني فيه الجن والإنس‏.‏
والجواب أن كلام الميت بما ذكر لا يقتضي وجود الصعق - وهو الفزع -إلا من الآدمي لكونه لم يألف سماع كلام الميت، بخلاف الجن في ذلك‏.‏
وأما الصيحة التي يصيحها المضروب فإنها غير مألوفة للإنس والجن جميعا، لكون سببها عذاب الله ولا شيء أشد منه على كل مكلف فاشترك فيه الجن والإنس والله أعلم‏.‏
واستدل به على أن كلام الميت يسمعه كل حيوان ناطق وغير ناطق، لكن قال ابن بطال‏:‏ هو عام أريد به الخصوص، وإن المعني يسمعه من له عقل كالملائكة والجن والإنس، لأن المتكلم روح وإنما يسمع الروح من هو روح مثله‏.‏
وتعقب بمنع الملازمة إذ لا ضرورة إلى التخصيص، بل لا يستثنى إلا الإنسان كما هو ظاهر الخبر، وإنما اختص الإنسان بذلك إبقاء عليه، وبأنه لا مانع من إنطاق الله الجسد بغير روح كما تقدم‏.‏
والله تعالى أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب مَنْ صَفَّ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى الْجِنَازَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإمام‏)‏ أورد فيه حديث جابر في الصلاة على النجاشي وفيه كنت في الصف الثاني أو الثالث، وقد اعترض عليه بأنه لا يلزم من كونه في الصف الثاني أو الثالث أن يكون ذلك منتهى الصفوف، وبأنه ليس في السياق ما يدل على كون الصفوف خلف الإمام‏.‏
والجواب عن الأول أن الأصل عدم الزائد، وقد روى مسلم من طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر قصة الصلاة على النجاشي فقال ‏"‏ فقمنا فصفنا صفين ‏"‏ فعرف بهذا أن من روى عنه كنت في الصف الثاني أو الثالث شك هل كان هنالك صف ثالث أم لا، وبذلك تصح الترجمة‏.‏
وعن الثاني بأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه صريحا كما سيأتي في هجرة الحبشة من وجه آخر عن قتادة بهذا الإسناد بزيادة ‏"‏ فصفنا وراءه ‏"‏ ووقع في الباب الذي يليه من حديث أبي هريرة بلفظ ‏"‏ فصفوا خلفه ‏"‏ وسنذكر بقية فوائد الحديث فيه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب الصُّفُوفِ عَلَى الْجِنَازَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصفوف على الجنازة‏)‏ قال الزين بن المنير ما ملخصه‏:‏ إنه أعاد الترجمة لأن الأولى لم يحزم فيها بالزيادة على الصفين‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ أومأ المصنف إلى الرد على عطاء حيث ذهب إلى أنه لا يشرع فيها تسوية الصفوف، يعني كما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج قال‏:‏ قلت لعطاء أحق على الناس أن يسووا صفوفهم على الجنائز كما يسوونها في الصلاة‏؟‏ قال‏:‏ لا، إنما يكبرون ويستغفرون‏.‏
وأشار المصنف بصيغة الجمع إلى ما ورد في استحباب ثلاثة صفوف، وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث مالك بن هبيرة مرفوعا ‏"‏ من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب ‏"‏ حسنه الترمذي وصححه الحاكم وفي رواية له ‏"‏ إلا غفر له ‏"‏ قال الطبري‏:‏ ينبغي لأهل الميت إذا لم يخشوا عليه التغير أن ينتظروا به اجتماع قوم يقوم منهم ثلاثة صفوف لهذا الحديث انتهى‏.‏
وتعقب بعضهم الترجمة بأن أحاديث الباب ليس فيها صلاة على جنازة، وإنما فيها الصلاة على الغائب أو على من في القبر، وأجيب بأن الاصطفاف إذا شرع والجنازة غائبة ففي الحاضرة أولى‏.‏
وأجاب الكرماني بأن المراد بالجنازة في الترجمة الميت سواء كان مدفونا أو غير مدفون، فلا منافاة بين الترجمة والحديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ النَّجَاشِيَّ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد‏)‏ هو ابن المسيب كذا رواه أصحاب معمر البصريون عنه، وكذا هو في مصنف عبد الرزاق عن معمر، وأخرجه النسائي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق فقال فيه ‏"‏ عن سعيد وأبي سلمة ‏"‏ وكذا أخرجه ابن حبان من طريق يونس عن الزهري عنهما، وكذا ذكره الدارقطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ من طريق خالد بن مخلد وغيره عن مالك، والمحفوظ عن مالك ليس فيه ذكر أبي سلمة كذا هو في ‏"‏ الموطأ‏"‏، وكذا أخرجه المصنف كما تقدم في أوائل الجنائز، والمحفوظ عن الزهري أن نعي النجاشي والأمر بالاستغفار له عنده عن سعيد وأبي سلمة جميعا‏.‏
وأما قصة الصلاة عليه والتكبير فعنده عن سعيد وحده، كذا فصله عقيل عنه كما سيأتي بعد خمسة أبواب، وكذا يأتي في هجرة الحبشة من طريق صالح بن كيسان عنه، وذكر الدارقطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ الاختلاف فيه وقال‏:‏ إن الصواب ما ذكرناه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نعي النجاشي‏)‏ بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء ثقيلة كياء النسب، وقيل بالتخفيف ورجحه الصغاني، وهو لقب من ملك الحبشة، وحكى المطرزي تشديد الجيم عن بعضهم وخطأه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم تقدم‏)‏ زاد ابن ماجه من طريق عبد الأعلى عن معمر ‏"‏ فخرج وأصحابه إلى البقيع فصفنا خلفه ‏"‏ وقد تقدم في أوائل الجنائز من رواية مالك بلفظ ‏"‏ فخرج بهم إلى المصلى ‏"‏ والمراد بالبقيع بقيع بطحان، أو يكون المراد بالمصلى موضعا معدا للجنائز ببقيع الغرقد غير مصلى العيدين والأول أظهر، وقد تقدم في العيدين أن المصلى كان ببطحان والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَصَفَّهُمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا قُلْتُ مَنْ حَدَّثَكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، وحديث ابن عباس المذكور سيأتي الكلام عليه بعد اثني عشر بابا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ الْحَبَشِ فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ قَالَ فَصَفَفْنَا فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَعَهُ صُفُوفٌ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي

الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش‏)‏ بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة، في رواية مسلم من طريق يحيي بن سعيد عن ابن جريج ‏"‏ مات اليوم عبد لله صالح أصحمة ‏"‏ وللمصنف في هجرة الحبشة من طريق ابن عيينة عن ابن جريج ‏"‏ فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة ‏"‏ وسيأتي ضبط هذا الاسم بعد في ‏"‏ باب التكبير على الجنازة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد المستملي في روايته ‏"‏ ونحن صفوف ‏"‏ وبه يصح مقصود الترجمة‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ يؤخذ مقصودها من قوله ‏"‏ فصففنا ‏"‏ لأن الغالب أن الملازمين له صلى الله عليه وسلم كانوا كثيرا، ولا سيما مع أمره لهم بالخروج إلى المصلى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو الزبير عن جابر كنت في الصف الثاني‏)‏ وصله النسائي من طريق شعبة عن أبي الزبير بلفظ ‏"‏ كنت في الصف الثاني يوم صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي ‏"‏ ووهم من نسب وصل هذا التعليق لرواية مسلم، فإنه أخرجه من طريق أيوب عن أبي الزبير وليس فيه مقصود التعليق‏.‏
وفي الحديث دلالة على أن للصفوف على الجنازة تأثيرا ولو كان الجمع كثيرا، لأن الظاهر أن الذين ذلك فقد صفهم، وهذا هو الذي فهمه مالك بن هبيرة الصحابي المقدم ذكره فكان يصف من يحضر الصلاة على الجنازة ثلاثة صفوف سواء قلوا أو كثروا، ويبقى النظر فيما إذا تعددت الصفوف والعدد قليل، أو كان الصف واحدا والعدد كثير أيهما أفضل‏؟‏ وفي قصة النجاشي علم من أعلام النبوة، لأنه صلى الله عليه وسلم أعلمهم بموته في اليوم الذي مات فيه، مع بعد ما بين أرض الحبشة والمدينة‏.‏
واستدل به على منع الصلاة على الميت في المسجد وهو قول الحنفية والمالكية، لكن قال أبو يوسف‏:‏ إن أعد مسجد للصلاة على الموتى لم يكن في الصلاة فيه عليهم بأس‏.‏
قال النووي‏:‏ ولا حجة فيه، لأن الممتنع عند الحنفية إدخال الميت المسجد لا مجرد الصلاة عليه، حتى لو كان الميت خارج المسجد جازت الصلاة عليه لمن هو داخله‏.‏
وقال ابن بزيزة وغيره‏:‏ استدل به بعض المالكية، وهو باطل لأنه ليس فيه صيغة نهي، ولاحتمال أن يكون خرج بهم إلى المصلى لأمر غير المعنى المذكور، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد، فكيف يترك هذا الصريح لأمر محتمل‏؟‏ بل الظاهر أنه إنما خرج بالمسلمين إلى المصلى لقصد تكثير الجمع الذين يصلون عليه، ولإشاعة كونه مات على الإسلام، فقد كان بعض الناس لم يدركونه أسلم، فقد روى ابن أبي حاتم قي التفسير من طريق ثابت والدارقطني في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ والبزار من طريق حميد كلاهما عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى على النجاشي قال بعض أصحابه‏:‏ صلى على علج من الحبشة، فنزلت ‏(‏وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم‏)‏ الآية ‏"‏ وله شاهد في معجم الطبراني الكبير من حديث وحشي بن حرب وآخر عنده في الأوسط من حديث أبي سعيد وزاد فيه أن الذي طعن بذلك فيه كان منافقا، واستدل به على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد، وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف، حتى قال ابن حزم‏:‏ لم يأت عن أحد من الصحابة منعه‏.‏
قال الشافعي‏:‏ الصلاة على الميت دعاء له، وهو إذا كان ملففا يصلي عليه فكيف لا يدعى له وهو غائب أو في القبر بذلك الوجه الذي يدعى له به وهو ملفف‏؟‏ وعن الحنفية والمالكية لا يشرع ذلك، وعن بعض أهل العلم إنما يحوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه الميت أو ما قرب منه لا ما إذا طالت المدة حكاه ابن عبد البر‏.‏
وقال ابن حبان‏:‏ إنما يحوز ذلك لمن كان في جهة القبلة، فلو كان بلد الميت مستدبر القبلة مثلا لم يحز، قال المحب الطبري‏:‏ لم أر ذلك لغيره وحجته حجة الذي قبله‏:‏ الجمود على قصة النجاشي، وستأتي حكاية مشاركة الخطابي لهم في هذا الجمود‏.‏
وقد اعتذر من لم يقل بالصلاة على الغائب عن قصة النجاشي بأمور‏:‏ منها أنه كان بأرض لم يصل عليه بها أحد، فتعينت الصلاة عليه لذلك، ومن ثم قال الخطابي لا يصلي على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس بها من يصلي عليه، واستحسنه الروياني من الشافعية، وبه ترجم أبو داود في السنن ‏"‏ الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك ببلد آخر ‏"‏ وهذا محتمل إلا أنني لم أقف في شيء من الأخبار على أنه لم يصل عليه في بلده أحد، ومن ذلك قول بعضهم‏:‏ كشف له صلى الله عليه وسلم عنه حتى رآه، فتكون صلاته عليه كصلاة الإمام على ميت رآه ولم يره المأمومون ولا خلاف في جوازها‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا يحتاج إلى نقل، ولا يثبت بالاحتمال‏.‏
وتعقبه بعض الحنفية بأن الاحتمال كاف في مثل هذا من جهة المانع، وكأن مستند قائل ذلك ما ذكره الواقدي في أسبابه بغير إسناد عن ابن عباس قال ‏"‏ كشف النبي صلى الله عليه وسلم عن سرير النجاشي حتى رآه وصلى عليه ‏"‏ ولابن حبان من حديث عمران بن حصين ‏"‏ فقام وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه ‏"‏ أخرجه من طريق الأوزاعي عن يحيي بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب عنه، ولأبي عوانة من طريق أبان وغيره عن يحيى ‏"‏ فصلينا خلفه ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا‏"‏‏.‏
ومن الاعتذارات أيضا أن ذلك خاص بالنجاشي لأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ميت غائب غيره، قال المهلب‏:‏ وكأنه لم يثبت عنده قصة معاوية الليثي وقد ذكرت في ترجمته في الصحابة أن خبره قوي بالنظر إلى مجموع طرقه، واستند من قال بتخصيص النجاشي لذلك إلى ما تقدم من إرادة إشاعة أنه مات مسلما أو استئلاف قلوب الملوك الذين أسلموا في حياته، قال النووي‏:‏ لو فتح باب هذا الخصوص لا نسد كثير من ظواهر الشرع، مع أنه لو كان شيء مما ذكروه لتوفرت الدواعي على نقله‏.‏
وقال ابن العربي المالكي‏:‏ قال المالكية ليس ذلك إلا لمحمد، قلنا‏:‏ وما عمل به محمد تعمل به أمته، يعني لأن الأصل عدم الخصوصية‏.‏
قالوا‏:‏ طويت له الأرض وأحضرت الجنازة بين يديه، قلنا‏:‏ إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا لأهل لذلك، ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم، ولا تخترعوا حديثا من عند أنفسكم، ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف، فإنها سبيل تلاف، إلى ما ليس له تلاف‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ قولهم رفع الحجاب عنه ممنوع، ولئن سلمنا فكان غائبا عن الصحابة الذين صلوا عليه مع النبي صلى الله عليه وسلم قلت‏:‏ وسبق إلى ذلك الشيخ أبو حامد في تعليقه، ويؤيده حديث مجمع بن جارية بالجيم والتحتانية في قصة الصلاة على النجاشي قال ‏"‏ فصففنا خلفه صفين وما نرى شيئا ‏"‏ أخرجه الطبراني، وأصله في ابن ماجه، لكن أجاب بعض الحنفية عن ذلك بما تقدم من أنه يصير كالميت الذي يصلي عليه الإمام وهو يراه ولا يراه المأمومون فإنه جائز اتفاقا‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ أجمع كل من أجاز الصلاة على الغائب أن ذلك يسقط فرض الكفاية، إلا ما حكي عن ابن القطان أحد أصحاب الوجوه من الشافعية أنه قال‏:‏ يجوز ذلك ولا يسقط الفرض، وسيأتي الكلام على الاختلاف في عدد التكبير على الجنازة في باب مفرد‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 10:14 PM
باب صُفُوفِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْجَنَائِزِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صفوف الصبيان مع الرجال في الجنائز‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ على الجنائز ‏"‏ أي عند إرادة الصلاة عليها‏.‏
وقد تقدم الجواب عن الترجمة على الجنازة وإرادة الصلاة على القبر في الباب الذي قبله، وتقدم أن الكلام على المتن يأتي مستوفى بعد اثني عشر بابا، وسيأتي بعد ثلاث تراجم ‏"‏ باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز ‏"‏ وذكر فيه طرفا من حديث ابن عباس المذكور، وكان ابن عباس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دون البلوغ لأنه شهد حجة الوداع وقد قارب الاحتلام كما تقدم بيان ذلك في كتاب الصلاة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n136&p1#TOP)باب سُنَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ وَقَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ وَقَالَ صَلُّوا عَلَى النَّجَاشِيِّ سَمَّاهَا صَلَاةً لَيْسَ فِيهَا رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ وَلَا يُتَكَلَّمُ فِيهَا وَفِيهَا تَكْبِيرٌ وَتَسْلِيمٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُصَلِّي إِلَّا طَاهِرًا وَلَا يُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبِهَا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَقَالَ الْحَسَنُ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَأَحَقُّهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى جَنَائِزِهِمْ مَنْ رَضُوهُمْ لِفَرَائِضِهِمْ وَإِذَا أَحْدَثَ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ عِنْدَ الْجَنَازَةِ يَطْلُبُ الْمَاءَ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَإِذَا انْتَهَى إِلَى الْجَنَازَةِ وَهُمْ يُصَلُّونَ يَدْخُلُ مَعَهمْ بِتَكْبِيرَةٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ يُكَبِّرُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَرْبَعًا وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ التَّكْبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ اسْتِفْتَاحُ الصَّلَاةِ وَقَالَ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَفِيهِ صُفُوفٌ وَإِمَامٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سنة الصلاة على الجنازة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ المراد بالسنة ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم فيها، يعني فهو أعم من الواجب والمندوب، ومراده بما ذكره هنا من الآثار والأحاديث أن لها حكم غيرها من الصلوات والشرائط والأركان وليست مجرد دعاء فلا تجزئ بغير طهارة مثلا، وسيأتي بسط ذلك في أواخر الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى على الجنازة‏)‏ هذا طرف من حديث سيأتي موصولا بعد باب، وهذا اللفظ عند مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة وعن حديث ثوبان أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال صلوا على صاحبكم‏)‏ هذا طرف من حديث لسلمة بن الأكوع سيأتي موصولا في أوائل الحوالة أوله ‏"‏ كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا‏:‏ صل عليها، فقال‏:‏ هل عليه دين ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال صلوا على النجاشي‏)‏ تقدم الكلام عليه قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سماها صلاة‏)‏ أي يشترط فيها ما يشترط في الصلاة وإن لم يكن فيها ركوع ولا سجود، فإنه لا يتكلم فيها ويكبر فيها ويسلم منها بالاتفاق، وإن اختلف في عدد التكبير والتسليم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر لا يصلي إلا طاهرا‏)‏ وصله مالك في الموطأ عن نافع بلفظ ‏"‏ إن ابن عمر كان يقول‏:‏ لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يصلي عند طلوع الشمس ولا غروبها‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريق أيوب عن نافع قال ‏"‏ كان ابن عمر إذا سئل عن الجنازة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر يقول‏:‏ ما صليتا لوقتهما‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ‏"‏ ما ‏"‏ في قوله ما صليتا ظرفية، يدل عليه رواية مالك عن نافع قال ‏"‏ كان ابن عمر يصلي على الجنازة بعد الصبح والعصر إذا صليتا لوقتهما ‏"‏ ومقتضاه أنهما إذا أخرتا إلى وقت الكراهة عنده لا يصلي عليها حينئذ، ويبين ذلك ما رواه مالك أيضا عن محمد بن أبي حرملة ‏"‏ أن ابن عمر قال وقد أتي بجنازة بعد صلاة الصبح بغلس‏:‏ إما أن تصلوا عليها وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس ‏"‏ فكأن ابن عمر يرى اختصاص الكراهة بما عند طلوع الشمس وعند غروبها لا مطلق ما بين الصلاة وطلوع الشمس أو غروبها‏.‏
وروى ابن أبي شيبة من طريق ميمون بن مهران قال ‏"‏ كان ابن عمر يكره الصلاة على الجنازة إذا طلعت الشمس وحين تغرب ‏"‏ وقد تقدم ذلك عنه واضحا في ‏"‏ باب الصلاة في مسجد قباء ‏"‏ وإلى قول ابن عمر في ذلك ذهب مالك والأوزاعي والكوفيون وأحمد وإسحاق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويرفع يديه‏)‏ وصله البخاري في ‏"‏ كتاب رفع اليدين ‏"‏ و ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ إنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة ‏"‏ وقد روي مرفوعا أخرجه الطبراني في الأوسط من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر بإسناد ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن إلخ‏)‏ لم أره موصولا، وقوله ‏"‏من رضوه ‏"‏ في رواية الحموي والمستملي ‏"‏ من رضوهم ‏"‏ بصيغة الجمع‏.‏
وفائدة أثر الحسن هذا بيان أنه نقل عن الذين أدركهم وهو جمهور الصحابة أنهم كانوا يلحقون صلاة الجنازة بالصلوات التي يجمع فيها، وقد جاء عن الحسن ‏"‏ أن أحق الناس بالصلاة على الجنازة الأب ثم الابن ‏"‏ أخرجه عبد الرزاق، وهي مسألة اختلاف بين أهل العلم، فروى ابن أبي شيبة عن جماعة منهم سالم والقاسم وطاوس أن إمام الحي أحق‏.‏
وقال علقمة والأسود وآخرون‏:‏ الوالي أحق من الولي، وهو قول مالك وأبي حنيفة والأوزاعي وأحمد وإسحاق وقال أبو يوسف والشافعي‏:‏ الولي أحق من الوالي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا أحدث يوم العيد أو عند الجنازة يطلب الماء ولا يتيمم‏)‏ يحمل أن يكون هذا الكلام معطوفا على أصل الترجمة، ويحتمل أن يكون بقية كلام الحسن، وقد وجدت عن الحسن في هذه المسألة اختلافا، فروى سعيد بن منصور عن حماد بن زيد عن كثير ين شنظير قال ‏"‏ سئل الحسن عن الرجل يكون في الجنازة على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ تفوته، قال‏:‏ يتيمم ويصلي ‏"‏ وعن هشيم عن يونس عن الحسن مثله، وروى ابن أبي شيبة عن حفص عن أشعث عن الحسن قال ‏"‏ لا يتيمم ولا يصلي إلا على طهر ‏"‏ وقد ذهب جمع من السلف إلى أنه يجزي لها التيمم لمن خاف فواتها لو تشاغل بالوضوء، وحكاه ابن المنذر عن عطاء وسالم والزهري والنخعي وربيعة والليث والكوفيين، وهي رواية عن أحمد، وفيه حديث مرفوع عن ابن عباس رواه ابن عدي وإسناده ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا انتهى إلى الجنازة يدخل معهم بتكبيرة‏)‏ وجدت هذا الأثر عن الحسن وهو يقوي الاحتمال الثاني، قال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا معاذ عن أشعث عن الحسن في الرجل ينتهي إلى الجنازة وهم يصلون عليها، قال‏:‏ يدخل معهم بتكبيرة‏.‏
والمخالف في هذا بعض المالكية‏.‏
وفي مختصر ابن الحاجب‏:‏ وفي دخول المسبوق بين التكبيرتين أو انتظار التكبير قولان انتهى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن المسيب إلخ‏)‏ لم أره موصولا عنه، ووجدت معناه بإسناد قوي عن عقبة بن عامر الصحابي أخرجه ابن أبي شيبة عنه موقوفا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس التكبيرة الواحدة استفتاح الصلاة‏)‏ وصله سعيد بن منصور عن إسماعيل بن علية عن يحيى بن أبي إسحاق قال قال رزيق بن كريم لأنس بن مالك‏:‏ رجل صلى فكبر ثلاثا، قال أنس‏:‏ أو ليس التكبير ثلاثا‏؟‏ قال‏:‏ يا أبا حمزة التكبير أربع، قال‏:‏ أجل، غير أن واحدة هي استفتاح الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏)‏ أي الله سبحانه وتعالى ‏(‏ولا تصل على أحد منهم‏)‏ وهذا معطوف على أصل الترجمة‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏وفيه صفوف وإمام‏)‏ معطوف على قوله ‏"‏ وفيها تكبير وتسليم ‏"‏ قرأت بخط مغلطاي‏:‏ كأن البخاري أراد الرد على مالك، فإن ابن العربي نقل عنه أنه استحب أن يكون المصلون على الجنازة سطرا واحدا، قال‏:‏ ولا أعلم لذلك وجها‏.‏
وقد تقدم حديث مالك بن هبيرة في استحباب الصفوف‏.‏
ثم أورد المصنف حديث ابن عباس في الصلاة على القبر، وسيأتي الكلام عليه قريبا، وموضع الترجمة منه قوله ‏"‏ فأمنا فصففنا خلفه ‏"‏ قال ابن رشيد نقلا عن ابن المرابط وغيره ما محصله‏:‏‏:‏ مراد هذا الباب الرد على من يقول إن الصلاة على الجنازة إنما هي دعاء لها واستغفار فتجوز على غير طهارة، فأول المصنف الرد عليه من جهة التسمية التي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة، ولو كان الغرض الدعاء وحده لما أخرجهم إلى البقيع، ولدعا في المسجد وأمرهم بالدعاء معه أو التأمين على دعائه، ولما صفهم خلفه كما يصنع في الصلاة المفروضة والمسنونة، وكذا وقوفه في الصلاة وتكبيره في افتتاحها وتسليمه في التحلل منها كل ذلك دال على أنها على الأبدان لا على اللسان وحده، وكذا امتناع الكلام فيها، وإنما لم يكن فيها ركوع ولا سجود لئلا يتوهم بعض الجهلة أنها عبادة للميت فيضل بذلك انتهى‏.‏
ونقل ابن عبد البر الاتفاق على اشتراط الطهارة لها إلا عن الشعبي، قال ووافقه إبراهيم بن علية وهو ممن يرغب عن كثير من قوله‏.‏
ونقل غيره أن ابن جرير الطبري وافقهما على ذلك وهو مذهب شاذ، قال ابن رشيد‏:‏ وفي استدلال البخاري - بالأحاديث التي صدر بها الباب من تسميتها صلاة - لمطلوبه من إثبات شرط الطهارة إشكال، لأنه إن تمسك بالعرف الشرعي عارضه عدم الركوع والسجود، وإن تمسك بالحقيقة اللغوية عارضته الشرائط المذكورة ولم يستو التبادر في الإطلاق فيدعي الاشتراك لتوقف الإطلاق على القيد عند إرادة الجنازة بخلاف ذات الركوع والسجود، فتعين الحمل على المجاز انتهى‏.‏
ولم يستدل البخاري على مطلوبه بمجرد تسميتها صلاة بل بذلك وبما انضم إليه من وجود جميع الشرائط إلا الركوع والسجود، وقد تقدم ذكر الحكمة في حذفهما منها فبقي ما عداهما على الأصل‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ غرض البخاري بيان جواز إطلاق الصلاة على صلاة الجنازة وكونها مشروعة وإن لم يكن فيها ركوع وسجود، فاستدل تارة بإطلاق اسم الصلاة والأمر بها، وتارة بإثبات ما هو من خصائص الصلاة نحو عدم التكلم فيها، وكونها مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، وعدم صحتها بدون الطهارة، وعدم أدائها عند الوقت المكروه وبرفع اليد وإثبات الأحقية بالإمامة، وبوجوب طلب الماء لها، وبكونها ذات صفوف إمام‏.‏
قال‏:‏ وحاصله أن الصلاة لفظ مشترك بين ذات الأركان المخصوصة وبين صلاة الجنازة، وهو حقيقة شرعية فيهما انتهى كلامه‏.‏
وقد قال بذلك غيره‏.‏
ولا يخفى أن بحث ابن رشيد أقوى، ومطلوب المصنف حاصل كما قدمته بدون الدعوى المذكورة بل بإثبات ما مر من خصائصها كما تقدم‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 10:17 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب فَضْلِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا صَلَّيْتَ فَقَدْ قَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ مَا عَلِمْنَا عَلَى الْجَنَازَةِ إِذْنًا وَلَكِنْ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَجَعَ فَلَهُ قِيرَاطٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل اتباع الجنائز‏)‏ قال ابن رشيد ما محصله مقصود الباب بيان القدر الذي يحصل به مسمى الاتباع الذي يجوز به القيراط، إذ في الحديث الذي أورده إجمال، ولذلك صدره بقول زيد بن ثابت، وآثر الحديث المذكور على الذي بعده وإن كان أوضح منه في مقصوده كعادته المألوفة في الترجمة على اللفظ المشكل ليبين مجمله، وقد تقدم طرف من بيان ما يحصل به مسمى الاتباع في ‏"‏ باب السرعة بالجنازة‏"‏، وله تعلق بهذا الباب، وكأنه قصد هناك كيفية المشي وأمكنته، وقصد هنا ما الذي يحصل به الاتباع وهو أعم من ذلك، قال‏:‏ ويمكن أن يكون قصد هنا ما الذي يحصل به المقصد إذ الاتباع إنما هو وسيلة إلى تحصيل الصلاة منفردة أو الدفن منفردا أو المجموع‏.‏
قال‏:‏ وهذا كله يدل على براعة المصنف ودقة فهمه وسعة علمه‏.‏
وقال الزين بن المنير ما محصله‏:‏ مراد الترجمة إثبات الأجر والترغيب فيه لا تعيين الحكم، لأن الاتباع من الواجبات على الكفاية، فالمراد بالفضل ما ذكرناه لا قسيم الواجب، وأجمل لفظ الاتباع تبعا للفظ الحديث الذي أورده لأن القيراط لا يحصل إلا لمن اتبع وصلى أو اتبع وشيع وحضر الدفن لا لمن اتبع مثلا وشيع ثم انصرف بغير صلاة كما سيأتي بيان الحجة لذلك في الباب الذي يليه، وذلك لأن الاتباع إنما هو وسيلة لأحد مقصودين‏:‏ إما الصلاة وإما الدفن، فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصل المرتب على المفصود، وإن كان يرجى أن يحصل لفاعل ذلك فضل ما بحسب نيته‏.‏
وروى سعيد بن منصور من طريق مجاهد قال ‏"‏ اتباع الجنازة أفضل النوافل ‏"‏ وفي رواية عبد الرزاق عنه ‏"‏ اتباع الجنازة أفضل من صلاة التطوع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال زيد بن ثابت‏:‏ إذا صليت فقد قضيت الذي عليك‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريق عروة عنه بلفظ ‏"‏ إذا صليتم على الجنازة فقد قضيتم ما عليكم فخلوا بينها وبين أهلها ‏"‏ وكذا أخرجه عبد الرزاق، لكن بلفظ ‏"‏ إذا صليت على جنازة فقد قضيت ما عليك ‏"‏ ووصله ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ الأفراد ومعناه فقد قضيت حق الميت، فإن أردت الاتباع فلك زيادة أجر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال حميد بن هلال‏:‏ ما علمنا على الجنازة إذنا ولكن من صلى ثم رجع فله قيراط‏)‏ لم أره موصولا عنه، قال الزين بن المنير‏:‏ مناسبته للترجمة استعارة بأن الاتباع إنما هو لمحض ابتغاء الفضل، وأنه لا يجري مجرى قضاء حق أولياء الميت فلا يكون لهم فيه حق ليتوقف الانصراف قبله على الإذن منهم‏.‏
قلت‏:‏ وكأن البخاري أراد الرد على ما أخرجه عبد الرزاق من طريق عمرو بن شعيب عن أبي هريره قال ‏"‏ أميران وليسا بأميرين‏:‏ الرجل يكون مع الجنازة يصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأذن وليها ‏"‏ الحديث، وهذا منقطع موقوف، وروى عبد الرزاق مثله من قول إبراهيم، وأخرجه ابن أبي شيبة عن المسور من فعله أيضا، وقد ورد مثله مرفوعا من حديث جابر أخرجه البزار بإسناد فيه مقال، وأخرجه العقيلي في الضعفاء من حديث أبي هريرة مرفوعا بإسناد ضعيف، وروى أحمد من طريق عبد الله بن هرمز عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ من تبع جنازة فحمل من علوها وحثا في قبرها وقعد حتى يؤذن له رجع بقيراطين ‏"‏ وإسناده ضعيف‏.‏
والذي عليه معظم أئمة الفتوى قول حميد بن هلال، وحكي عن مالك أنه لا ينصرف حتى يستأذن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا يَقُولُ حُدِّثَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقُولُ مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ فَقَالَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْنَا فَصَدَّقَتْ يَعْنِي عَائِشَةَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ فَرَّطْتُ ضَيَّعْتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدث ابن عمر‏)‏ كذا في جميع الطرق ‏"‏ حدث ‏"‏ بضم المهملة على البناء للمجهول، ولم أقف في شيء من الطرق عن نافع على تسمية من حدث ابن عمر عن أبي هريرة بذلك، وقد أورده أصحاب الأطراف والحميدي في جمعه في ترجمة نافع عن أبي هريرة، وليس في شيء من طرقه ما يدل على أنه سمع منه وإن كان ذلك محتملا، ووقفت على تسمية من حدث ابن عمر بذلك صريحا في موضعين‏:‏ أحدهما في صحيح مسلم وهو خباب بمعجمة وموحدتين الأولى مشددة وهو أبو السائب المدني صاحب المقصورة قيل إن له صحبة، ولفظه من طريق داود بن عامر بن سعد عن أبيه ‏"‏ أنه كان قاعدا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال‏:‏ يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ‏"‏‏؟‏ فذكر الحديث‏.‏
والثاني في جامع الترمذي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر الحديث، قال أبو سلمة فذكرت ذلك لابن عمر فأرسل إلى عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أبا هريرة يقول من تبع‏)‏ كذا في جميع‏:‏ الطرق لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن راشد عن أبي النعمان شيخ البخاري فيه، لكن أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن مهدي بن الحارث عن موسى بن إسماعيل، عن أبي أمية عن أبي النعمان، وعن التستري عن شيبان ثلاثتهم عن جرير بن حازم عن نافع قال ‏"‏ قيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ من تبع جنازة فله قيراط من الأجر ‏"‏ فذكره ولم يبين لمن السياق، وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ كذلك، فالظاهر أن السياق له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من تبع جنازة فله قيراط‏)‏ زاد مسلم في روايته ‏"‏ من الأجر‏"‏‏.‏
والقيراط بكسر القاف‏.‏
قال الجوهري‏:‏ أصله قراط بالتشديد لأن جمعه قراريط فأبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء قال‏:‏ والقيراط نصف دانق‏.‏
وقال قبل ذلك‏:‏ الدانق سدس الدرهم‏.‏
فعلى هذا يكون القيراط جزءا من اثني عشر جزءا من الدرهم‏.‏
وأما صاحب النهاية فقال‏:‏ القيراط جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وفي الشام جزء من أربعة وعشرين جزءا، ونقل ابن الجوزي عن ابن عقيل أنه كان يقول‏:‏ القيراط نصف سدس درهم أو نصف عشر دينار‏.‏
والإشارة بهذا المقدار إلى الأجر المتعلق بالميت في تجهيزه وغسله وجميع ما يتعلق به، فللمصلي عليه قيراط من ذلك، ولمن شهد الدفن قيراط‏.‏
وذكر القيراط تقريبا للفهم لما كان الإنسان يعرف القيراط ويعمل العمل في مقابلته، وعد من جنس ما يعرف وضرب له المثل يما يعلم انتهى‏.‏
وليس الذي قال ببعيد، وقد روى بزار من طريق عجلان عن أبي هريره مرفوعا ‏"‏ من أتى جنازة في أهلها فله قيراط، فإن تبعها فله قيراط، فإن صلى عليها فله قيراط، فإن انتظرها حتى تدفن فله قيراط ‏"‏ فهذا يدل على أن لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطا وأن اختلفت مقادير القراريط ولا سيما بالنسبة إلى مشقة ذلك العمل وسهولته، وعلى هذا فيقال‏:‏ إنما خص قيراطي الصلاة والدفن بالذكر لكونهما المقصودين، بخلاف باقي أحوال الميت فإنها وسائل، ولكن هذا يخالف ظاهر سياق الحديث الذي في الصحيح المتقدم في كتاب الإيمان فإن فيه ‏"‏ إن لمن تبعها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها قيراطين ‏"‏ فقط، ويجاب عن هذا بأن القيراطين المذكورين لمن شهد، والذي ذكره ابن عقيل لمن باشر الأعمال التي يحتاج إليها الميت فافترقا، وقد ورد لفظ القيراط في عدة أحاديث‏:‏ فمنها ما يحمل على القيراط المتعارف ومنها ما يحمل على الجزء في الجملة وإن لم تعرف النسبة‏.‏
فمن الأول حديث كعب بن مالك مرفوعا ‏"‏ إنكم ستفتحون بلدا يذكر فيها القيراط ‏"‏ وحديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ كنت أرعى غنما لأهل مكة بالقراريط ‏"‏ قال ابن ماجه عن بعض شيوخه‏:‏ يعني كل شاة بقيراط‏.‏
وقال غيره‏:‏ قراريط جبل بمكة‏.‏
ومن المحتمل حديث ابن عمر في الذين أوتوا التوراة ‏"‏ أعطوا قيراطا قيراطا ‏"‏ وحديث الباب، وحديث أبي هريرة ‏"‏ من اقتنى كلبا نقص من عمله كل يوم قيراط ‏"‏ وقد جاء تعيين مقدار القيراط في حديث الباب بأنه مثل أحد كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه‏.‏
وفي رواية عند أحمد والطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر ‏"‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله مثل قراريطنا هذه‏؟‏ قال‏:‏ لا بل مثل أحد ‏"‏ قال النووي وغيره‏:‏ لا يلزم من ذكر القيراط في الحديثين تساويهما لأن عادة الشارع تعظيم الحسنات وتخفيف مقابلها والله أعلم‏.‏
وقال ابن العربي القاضي‏:‏ الذرة جزء من ألف وأربعة وعشرين جزءا من حبة والحبة ثلث القيراط، فإذا كانت الذرة تخرج من النار فكيف بالقيراط‏؟‏ قال وهذا قدر قيراط الحسنات، فأما قيراط السيئات فلا‏.‏
وقال غيره‏:‏ القيراط في اقتناء الكلب جزء من أجزاء عمل المقتنى له في ذلك اليوم، وذهب الأكثر إلى أن المراد بالقيراط في حديث الباب جزء من أجزاء معلومة عند الله؛ وقد قربها النبي صلى الله عليه وسلم للفهم بتمثيله القيراط بأحد، قال الطيبي‏:‏ قوله ‏"‏ مثل أحد ‏"‏ تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ القيراط، والمراد منه أنه يرجع بنصيب كبير من الأجر، وذلك لأن لفظ القيراط مبهم من وجهين، فبين الموزون بقوله ‏"‏ من الأجر ‏"‏ وبين المقدار المراد منه بقوله ‏"‏ مثل أحد‏"‏‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ أراد تعظيم الثواب فمثله للعيان بأعظم الجبال خلقا وأكثرها إلى النفوس المؤمنة حبا، لأنه الذي قال في حقه ‏"‏ إنه حبل يحبنا ونحبه ‏"‏ انتهى‏.‏
ولأنه أيضا قريب من المخاطبين يشترك أكثرهم في معرفته، وخص القيراط بالذكر لأنه كان أقل ما تقع به الإجارة في ذلك الوقت، أو جرى ذلك مجرى العادة من تقليل الأجر بتقليل العمل‏.‏
واستدل بقوله ‏"‏ من تبع ‏"‏ على أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي أمامها، لأن ذلك هو حقيقة الاتباع حسا‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ الذين رجحوا المشي أمامها حملوا الاتباع هنا على الاتباع المعنوي أي المصاحبة، وهو أعم من أن يكون أمامها أو خلفها أو غير ذلك، وهذا مجاز يحتاج إلى أن يكون الدليل الدال على استحباب التقدم راجحا انتهى‏.‏
وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في ‏"‏ باب السرعة بالجنازة ‏"‏ وذكرنا اختلاف العلماء في ذلك بما يغني عن إعادته قوله‏:‏ ‏(‏أكثر علينا أبو هريرة‏)‏ قال ابن التين‏:‏ لم يتهمه ابن عمر، بل خشي عليه السهو، أو قال ذلك لكونه لم ينقل له عن أبي هريرة أنه رفعه، فظن أنه قال برأيه فاستنكره انتهى‏.‏
والثاني جمود على سياق رواية البخاري، وقد بينا أن في رواية مسلم أن رفعه، وكذا في رواية خباب عن أبي هريرة عند مسلم أيضا‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ قوله ‏"‏ أكثر علينا ‏"‏ أي في ذكر الأجر أو في كثرة الحديث، كأنه خشي لكثرة رواياته أن يشتبه عليه بعض الأمر انتهى‏.‏
ووقع في رواية أبي سلمة عند سعيد بن منصور ‏"‏ فبلغ ذلك ابن عمر فتعاظمه ‏"‏ وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد أيضا ومسدد وأحمد بإسناد صحيح ‏"‏ فقال ابن عمر‏:‏ يا أبا هريرة انظر ما تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصدقت يعني عائشة أبا هريرة‏)‏ لفظ ‏"‏ يعني ‏"‏ للبخاري، كأنه شك فاستعملها‏.‏
وقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي النعمان شيخه فلم يقلها‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ فبعث ابن عمر إلى عائشة يسألها فصدقت أبا هريرة ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة عند الترمذي ‏"‏ فذكر ذلك لابن عمر، فأرسل إلى عائشة فسألها عن ذلك فقالت‏:‏ صدق ‏"‏ وفي رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم ‏"‏ فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت، حتى رجع إليه الرسول فقال‏:‏ قالت عائشة صدق أبو هريرة ‏"‏ ووقع في رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد بن منصور ‏"‏ فقام أبو هريرة فأخذ بيده فانطلقا حتى أتيا عائشة فقال لها‏:‏ يا أم المؤمنين، أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ فذكره فقالت ‏"‏ اللهم نعم‏"‏‏.‏
ويجمع بينهما بأن الرسول لما رجع إلى ابن عمر بخبر عائشة بلغ ذلك أبا هريرة فمشى إلى ابن عمر فاسمعه ذلك من عائشة مشافهة، وزاد في رواية الوليد ‏"‏ فقال أبو هريرة‏:‏ لم يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودي ولا صفق بالأسواق، وإنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلة يطعمنيها أو كلمة يعلمنيها ‏"‏ قال له ابن عمر ‏"‏ كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقد فرطنا في قراريط كثيرة‏)‏ أي من عدم المواظبة على حضور الدفن، بين ذلك مسلم في روايته من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال ‏"‏ كان ابن عمر يصلي على الجنازة ثم ينصرف، فلما بلغه حديث أبي هريرة ‏"‏ قال فذكره‏.‏
وفي هذه القصة دلالة على تميز أبي هريرة في الحفظ، وأن إنكار العلماء بعضهم على بعض قديم، وفيه استغراب العالم ما لم يصل إلى علمه وعدم مبالاة الحافظ بإنكار من لم يحفظ، وفيه ما كان الصحابة عليه من التثبت في الحديث النبوي والتحرز فيه والتنقيب عليه، وفيه دلالة على فضيلة ابن عمر من حرصه على العلم وتأسفه على ما فاته من العمل الصالح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرطت‏:‏ ضيعت من أمر الله‏)‏ كذا في جميع الطرق، وفي بعض النسخ ‏"‏ فرطت من أمر الله أي ضيعت ‏"‏ وهو أشبه‏.‏
وهذه عادة المصنف إذا أراد تفسير كلمة غريبة من الحديث ووافقت كلمة من القرآن فسر الكلمة التي من القرآن، وقد ورد في رواية سالم المذكورة بلفظ ‏"‏ لقد ضيعنا قراريط كثيرة‏"‏‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ وقع لي حديث الباب من رواية عشرة من الصحابة غير أبي هريرة وعائشة‏:‏ من حديث ثوبان عند مسلم، والبراء، وعبد الله بن مغفل عند النسائي، وأبي سعيد عند أحمد، وابن مسعود عند أبي عوانة وأسانيد هؤلاء الخمسة صحاح‏.‏
ومن حديث أبي بن كعب عند ابن ماجه، وابن عباس عند البيهقي في الشعب، وأنس عند الطبراني في الأوسط، وواثلة بن الأسقع عند ابن عدي، وحفصة عند حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال وفي كل من أسانيد هؤلاء الخمسة ضعف‏.‏
وسأشير إلى ما فيها من فائدة زائدة في الكلام على الحديث في الباب الذي يلي هذا‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 10:25 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب مَنْ انْتَظَرَ حَتَّى تُدْفَنَ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من انتظر حتى تدفن‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يذكر المصنف جواب ‏"‏ من ‏"‏ إما استغناء بما ذكر في الخبر أو توقفا على إثبات الاستحقاق بمجرد الانتظار إن خلا عن اتباع‏.‏
قال‏:‏ وعدل عن لفظ الشهود كما هو في الخبر إلى لفظ الانتظار لينبه على أن المقصود من الشهود إنما هو معاضدة أهل الميت والتصدي لمعونتهم، وذلك من المقاصد المعتبرة انتهى‏.‏
والذي يظهر لي أنه اختار لفظ الانتظار لكونه أعم من المشاهدة، فهو أكثر فائدة‏.‏
وأشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الانتظار ليفسر اللفظ الوارد بالمشاهدة به، ولفظ الانتظار وقع في رواية معمر عند مسلم، وقد ساق البخاري سندها ولم يذكر لفظها‏.‏
ووقعت هذه الطريق في بعض الروايات التي لم تتصل لنا عن البخاري في هذا الباب أيضا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن مسلمة‏)‏ هو القعنبي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ يعني أبا سعيد كيسان المقبري وهو ثابت في جميع الطرق، وحكى الكرماني أنه سقط من بعض الطرق‏.‏
قلت‏:‏ والصواب إثباته‏.‏
وكذا أخرجه إسحاق بن راهويه والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن أبي ذئب، نعم سقط قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ من رواية ابن عجلان عند أبي عوانة وعبد الرحمن بن إسحاق عند ابن أبي شيبة وأبي معشر عند حميد بن زنجويه ثلاثتهم عن سعيد المقبري‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يسق البخاري لفظ رواية أبي سعيد، ولفظه عند الإسماعيلي ‏"‏ أنه سأل أبا هريرة‏:‏ ما ينبغي في الجنازة‏؟‏ فقال‏:‏ سأخبرك بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ من تبعها من أهلها حتى يصلي عليها فله قيراط مثل أحد، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان ‏"‏‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وحدثني عبد الرحمن‏)‏ هو معطوف على مقدر أي قال ابن شهاب حدثني فلان بكذا، وحدثني عبد الرحمن الأعرج بكذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يصلي‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ عليه ‏"‏ واللام للأكثر مفتوحة، وفي بعض الروايات بكسرها، ورواية الفتح محمولة عليها فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة من الذي يحصل له كما تقدم تقريره، وللبيهقي من طريق محمد بن علي الصائغ عن أحمد بن شبيب شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ حتى يصلي عليها ‏"‏ وكذا هو عند مسلم من طريق ابن وهب عن يونس، ولم يبين في هذه الرواية ابتداء الحضور، وقد تقدم بيانه في رواية أبي سعيد المقبري حيث قال ‏"‏ من أهلها ‏"‏ وفي رواية خباب عند مسلم ‏"‏ من خرج مع جنازة من بيتها ‏"‏ ولأحمد في حـديث أبي سعيد الخدري ‏"‏ فمشى معها من أهلها ‏"‏ ومقتضاه أن القيراط يختصن بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، وبذلك صرح المحب الطبري وغيره، والذي يظهر لي أن القيراط يحصل أيضا لمن صلى فقط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع مثلا وصلى، ورواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ أصغرهما مثل أحد ‏"‏ يدل على أن القراريط تتفاوت‏.‏
ووقع أيضا في رواية أبي صالح المذكورة عند مسلم ‏"‏ من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط ‏"‏ وفي رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند أحمد ‏"‏ ومن صلى ولم يتبع فله قيراط ‏"‏ فدل على أن الصلاة تحصل القيراط وأن لم يقع اتباع، ويمكن أن يحمل الاتباع هنا على ما بعد الصلاة، وهل يأتي نظير هذا في قيراط الدفن‏؟‏ فيه بحث‏.‏
قال النووي في شرح البخاري عند الكلام على طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب الإيمان بلفظ ‏"‏ من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلي ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين‏"‏‏.‏
الحديث‏.‏
ومقتضى هذا أن القيراطين إنما يحصلان لمن كان معها في جميع الطريق حتى تدفن، فإن صلى مثلا وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له إلا قيراط واحد انتهى‏.‏
وليس في الحديث ما يقتضي ذلك إلا من طريق المفهوم، فإن ورد منطوق بحصول القيراط لشهود الدفن وحده كان مقدما‏.‏
ويجمع حينئذ بتفاوت القيراط، والذين أبوا ذلك جعلوه من باب المطلق والمقيد، نعم مقتضى جميع الأحاديث أن من اقتصر على التشييع فلم يصل ولم يشهد الدفن فلا قيراط له إلا على الطريقة التي قدمناها عن ابن عقيل، لكن الحديث الذي أوردناه عن البراء في ذلك ضعيف‏.‏
وأما التقييد بالإيمان والاحتساب فلا بد منه لأن ترتب الثواب على العمل يستدعي سبق النية فيه فيخرج من فعل ذلك على سبيل المكافأة المجردة أو على سبيل المحاباة والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن شهد‏)‏ كذا في جميع الطرق بحذف المفعول‏.‏
وفي رواية البيهقي التي أشرت إليها ‏"‏ ومن شهدها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فله قيراطان‏)‏ ظاهره أنهما غير قيراط الصلاة، وهو ظاهر سياق أكثر الروايات، وبذلك جزم بعض المتقدمين وحكاه ابن التين عن القاضي أبي الوليد، لكن سياق رواية ابن سيرين يأبى ذلك وهي صريحة في أن الحاصل من الصلاة ومن الدفن قيراطان فقط، وكذلك رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم بلفظ ‏"‏ من خرج مع جنازة من بيتها ثم تبعها حتى كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له قيراط ‏"‏ وكذلك رواية الشعبي عن أبي هريرة عند النسائي بمعناه، ونحوه رواية نافع بن جبير‏.‏
قال النووي‏:‏ رواية ابن سيرين صريحة في أن المجموع قيراطان، ومعني رواية الأعرج على هذا كان له قيراطان أي بالأول، وهذا مثل حديث ‏"‏ من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله ‏"‏ أي بانضمام صلاة العشاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تدفن‏)‏ ظاهره أن حصول القيراط متوقف على فراغ الدفن، وهو أصح الأوجه عند الشافعية وغيرهم، وقيل يحصل بمجرد الوضع في اللحد، وقيل عند انتهاء الدفن قبل إهالة التراب، وقد وردت الأخبار بكل ذلك، ويترجح الأول للزيادة، فعند مسلم من طريق معمر في إحدى الروايتين عنه ‏"‏ حتى يفرغ منها ‏"‏ وفي الأخرى ‏"‏ حتى توضع في اللحد ‏"‏ وكذا عنده في رواية أبي حازم بلفظ ‏"‏ حتى توضع في القبر ‏"‏ وفي رواية ابن سيرين والشعبي ‏"‏ حتى يفرغ منها ‏"‏ وفي رواية أبي مزاحم عند أحمد ‏"‏ حتى يقضي قضاؤها ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة عند الترمذي ‏"‏ حتى يقضى دفنها ‏"‏ وفي رواية ابن عياض عند أبي عوانة ‏"‏ حتى يسوى عليها ‏"‏ أي التراب، وهي أصرح الروايات في ذلك‏.‏
ويحتمل حصول القيراط بكل من ذلك، لكن يتفاوت القيراط كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قيل وما القيراطان‏)‏ لم يعين في هذه الرواية القائل ولا المقول له، وقد بين الثاني مسلم في رواية الأعرج هذه فقال ‏"‏ قيل وما القيراطان يا رسول الله ‏"‏ وعنده في حديث ثوبان ‏"‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيراط ‏"‏ وبين القائل أبو عوانة من طريق أبي مزاحم عن أبي هريرة ولفظه ‏"‏ قلت وما القيراط يا رسول الله‏"‏، ووقع عند مسلم أن أبا حازم أيضا سأل أبا هريرة عن ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثل الجبلين العظيمين‏)‏ سبق أن في رواية ابن سيرين وغيره ‏"‏ مثل أحد ‏"‏ وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند ابن أبي شيبة ‏"‏ القيراط مثل جبل أحد ‏"‏ وكذا في حديث ثوبان عند مسلم والبراء عند النسائي وأبي سعيد عند أحمد‏.‏
ووقع عند النسائي من طريق الشعبي ‏"‏ فله قيراطان من الأجر كل واحد منهما أعظم من أحد ‏"‏ وتقدم أن في رواية أبي صالح عند مسلم ‏"‏ أصغرهما مثل أحد ‏"‏ وفي رواية أبي بن كعب عند ابن ماجه ‏"‏ القيراط أعظم من أحد هذا ‏"‏ كأنه أشار إلى الجبل عند ذكر الحديث، وفي حديث واثلة عند ابن عدي ‏"‏ كتب له قيراطان من أجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد ‏"‏ فأفادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد وأن المراد به زنة الثواب المرتب على ذلك العمل‏.‏
وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم الترغيب في شهود الميت، والقيام بأمره، والحض على الاجتماع له، والتنبيه على عظيم فضل الله وتكريمه للمسلم في تكثير الثواب لمن يتولى أمره بعد موته، وفيه تقدير الأعمال بنسبة الأوزان إما تقريبا للأفهام وإما على حقيقته‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب صَلَاةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْجَنَائِزِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم على القبر، وقد تقدم توجيهه قبل ثلاثة أبواب، قال ابن رشيد‏:‏ أفاد بالترجمة الأولى بيان كيفية وقوف الصبيان مع الرجال وأنهم يصفون معهم لا يتأخرون عنهم، لقوله في الحديث الذي ساقه فيها ‏"‏ وأنا فيهم ‏"‏ وأفاد بهذه الترجمة مشروعية صلاة الصبيان على الجنائز، وهو وإن كان الأول دل عليه ضمنا لكن أراد التنصيص عليه وأخر هذه الترجمة عن فضل اتباع الجنائز ليبين أن الصبيان داخلون في قوله ‏"‏ من تبع جنازة‏"‏‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بِالْمُصَلَّى وَالْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ لم يتعرض المصنف لكون الميت بالمصلى أو لا لأن المصلى عليه كان غائبا وألحق حكم المصلى بالمسجد بدليل ما تقدم في العيدين وفي الحيض من حديث أم عطية ‏"‏ ويعتزل الحيض المصلى ‏"‏ فدل على أن للمصلى حكم المسجد فيما ينبغي أن يجتنب فيه ويلحق به ما سوى ذلك، وقد تقدم الكلام على ما في قصة الصلاة على النجاشي قبل خمسة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّ بِهِمْ بِالْمُصَلَّى فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا
الشرح‏:‏
قوله ‏"‏وعن ابن شهاب ‏"‏ هو معطوف على الإسناد المصدر به، وسيأتي الكلام على عدد التكبير بعد ثلاثة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر في رجم اليهوديين، سيأتي الكلام عليه مبسوطا في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى‏.‏
وحكى ابن بطال عن ابن حبيب أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية جهة المشرق انتهى، فإن ثبت ما قال وإلا فيحتمل أن يكـون المراد بـالمسجد هنا المصلى المتخذ للعيـدين والاستسقاء لأنه لم يكن عند المسجد النبوي مكان يتهيأ فيه الرجم، وسيأتي في قصة ماعز ‏"‏ فرجمناه بالمصلى ‏"‏ ودل حديث ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان معد للصلاة عليها فقد يستفاد منه أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمر عارض أو لبيان الجواز‏.‏
والله أعلم‏.‏
واستدل به على مشروعية الصلاة على الجنائز في المسجد، ويقويه حديث عائشة ‏"‏ ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد ‏"‏ أخرجه مسلم، وبه قال الجمهور‏.‏
وقال مالك‏:‏ لا يعجبني، وكرهه ابن أبي ذئب وأبو حنيفة وكل من قال بنجاسة الميت، وأما من قال بطهارته منهم فلخشية التلويث، وحملوا الصلاة على سهيل بأنه كان خارج المسجد والمصلون داخله وذلك جائز اتفاقا، وفيه نظر لأن عائشة استدلت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بالمرور بجنازة سعد على حجرتها لتصلي عليه، واحتج بعضهم بأن العمل استقر على ترك ذلك لأن الذين أنكروا ذلك على عائشة كانوا من الصحابة، ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه، وقد روى ابن أبي شيبة وغيره ‏"‏ أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وأن صهيبا صلى على عمر في المسجد ‏"‏ زاد في رواية ‏"‏ ووضعت الجنازة في المسجد تجاه المنبر ‏"‏ وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب مَا يُكْرَهُ مِنْ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ
وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ضَرَبَتْ امْرَأَتُهُ الْقُبَّةَ عَلَى قَبْرِهِ سَنَةً ثُمَّ رُفِعَتْ فَسَمِعُوا صَائِحًا يَقُولُ أَلَا هَلْ وَجَدُوا مَا فَقَدُوا فَأَجَابَهُ الْآخَرُ بَلْ يَئِسُوا فَانْقَلَبُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور‏)‏ ترجم بعد ثمانية أبواب ‏"‏ باب بناء المسجد على القبر ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ الاتخاذ أعم من البناء فلذلك أفرده بالترجمة، ولفظها يقتضي أن بعض الاتخاذ لا يكره، فكأنه يفصل بين ما إذا ترتبت على الاتخاذ مفسدة أو لا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولما مات الحسن بن الحسن‏)‏ هو ممن وافق اسمه اسم أبيه، وكانت وفاته سنة سبع وتسعين وهو من ثقات التابعين وروى له النسائي، وله ولد يسمى الحسن أيضا فهم ثلاثة في نسق، واسم امرأته المذكورة فاطمة بنت الحسين وهي ابنة عمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏القبة‏)‏ أي الخيمة، فقد جاء في موضع آخر بلفظ الفسطاط كما رويناه في الجزء السادس عشر من حديث الحسين بن إسماعيل بن عبد الله المحاملي رواية الأصبهانيين عنه، وفي كتاب ابن أبي الدنيا في القبور من طريق المغيرة بن مقسم قال ‏"‏ لما مات الحسن بن الحسن ضربت امرأته على قبره فسطاطا فأقامت عليه سنة ‏"‏ فذكر نحوه، ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة هناك، فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بالميت بالقرب منه تعليلا للنفس، وتخييلا باستصحاب المألوف من الأنس، ومكابرة للحس، كما يتعلل بالوقوف على الأطلال البالية ومخاطبة المنازل الخالية، فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا، وكأنهما من الملائكة، أو من مؤمني الجن‏.‏
وإنما ذكره البخاري لموافقته للأدلة الشرعية لا لأنه دليل برأسه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ هِلَالٍ هُوَ الْوَزَّانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا قَالَتْ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن النحوي، وهلال الوزان هو ابن أبي حميد على المشهور، وكذا وقع منسوبا عند ابن أبي شيبة والإسماعيلي وغيرهما‏.‏
وقال البخاري في تاريخه‏:‏ قال وكيع هلال بن حميد‏.‏
وقال مرة هلال بن عبد الله ولا يصح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مسجدا‏)‏ في رواية الكشميهني مساجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأبرز قبره‏)‏ أي لكشف قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل، والمراد الدفن خارج بيته، وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد النبوي، ولهذا لما وسع المسجد جعلت حجرتها مثلثة الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر مع استقبال القبلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏غير أني أخشى‏)‏ كذا هنا‏.‏
وفي رواية أبي عوانة عن هلال الآتية في أواخر الجنائز ‏"‏ غير أنه خشي أو خشي ‏"‏ على الشك هل هو بفتح الخاء المعجمة أو ضمها‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ غير أنه خشي ‏"‏ بالضم لا غير، فرواية الباب تقتضي أنها هي التي امتنعت من إبرازه، ورواية الضم مبهمة يمكن أن تفسر بهذه، والهاء ضمير الشأن وكأنها أرادت نفسها ومن وافقها على ذلك، وذلك يقتضي أنهم فعلوه باجتهاد، بخلاف رواية الفتح فإنها تقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بذلك، وقد تقدم الكلام على بقية فوائد المتن في أبواب المساجد في ‏"‏ باب هل تنبش قبور المشركين ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدا، ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر، ومفهومهما متغاير، ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إِذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها‏)‏ وقع في نسخة ‏"‏ من ‏"‏ يدل ‏"‏ في‏"‏، أي في مدة نفاسها أو بسبب نفاسها، والأول أعم من جهة أنه يدخل فيه من ماتت منه أو من غيره، والثاني أليق بخبر الباب فإن في بعض طرقه أنها ماتت حاملا وتقدم الكلام عليه في أثناء كتاب الحيض‏.‏
وحسين المذكور في هذا الإسناد هو ابن ذكوان المعلم، قال الزين بن المنير وغيره‏:‏ المفصود بهذه الترجمة أن النفساء وإن كانت معدودة من جملة الشهداء فإن الصلاة عليها مشروعة، بخلاف شهيد المعركة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب أَيْنَ يَقُومُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أين يقوم‏)‏ أي الإمام من المرأة والرجل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا
الشرح‏:‏
حديث سمرة المذكور في الباب ورد من وجه آخر عن حسين المعلم، وفيه مشروعية الصلاة على المرأة، فإن كونها نفساء وصف غير معتبر، وأما كونها امرأة فيحتمل أن يكون معتبرا فإن القيام عليها عند وسطها لسترها، وذلك مطلوب في حقها؛ بخلاف الرجل‏.‏
ويحتمل أن لا يكون معتبرا وأن ذلك كان قبل اتخاذ النعش للنساء، فأما بعد اتخاذه فقد حصل الستر المطلوب، ولهذا أورد المصنف الترجمة مورد السؤال، وأراد عدم التفرقة بين الرجل والمرأة، وأشار إلى تضعيف ما رواه أبو داود والترمذي من طريق أبي غالب عن أنس بن مالك أنه صلى على رجل فقام عند رأسه، وصلى على امرأة فقام عند عجيزتها، فقال له العلاء بن زياد‏:‏ أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل‏؟‏ قال‏:‏ نعم وحكى ابن رشيد عن ابن المرابط أنه أبدى لكونها نفساء علة مناسبة وهي استقبال جنينها ليناله من بركة الدعاء، وتعقب بأن الجنين كعضو منها، ثم هو لا يصلى عليه إذا انفرد وكان سقطا فأحرى إذا كان باقيا في بطنها أن لا يقصد‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ روى حماد بن زيد عن عطاء بن السائب أن عبد الله بن معقل بن مقرن أتي بجنازة رجل وامرأة فصلى على الرجل ثم صلى على المرأة أخرجه ابن شاهين في الجنائز له، وهو مقطوع فإن عبد الله تابعي‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 10:27 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ أَرْبَعًا
وَقَالَ حُمَيْدٌ صَلَّى بِنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ سَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ كَبَّرَ الرَّابِعَةَ ثُمَّ سَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التكبير على الجنازة أربعا‏)‏ قال الزين بن المنير أشار بهذه الترجمة إلى أن التكبير لا يزيد على أربع، ولذلك لم يذكر ترجمة أخرى ولا خبرا في الباب، وقد اختلف السلف في ذلك‏:‏ فروى مسلم عن زيد بن أرقم أنه يكبر خمسا ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وروى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد فكبر خمسا، وروى ابن المنذر وغيره عن علي أنه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى الصحابة خمسا وعلى سائر الناس أربعا، وروي أيضا بإسناد صحيح عن أبي معبد قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فكبر ثلاثا‏.‏
وسنذكر الاختلاف على أنس في ذلك‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع، وفيه أقوال أخر، فذكر ما تقدم‏.‏
قال‏:‏ وذهب بكر بن عبد الله المزني إلى أنه لا ينقص من ثلاث ولا يزاد على سبع‏.‏
وقال أحمد مثله لكن قال‏:‏ لا ينقص من أربع‏.‏
وقال ابن مسعود‏:‏ كبر ما كبر الإمام‏.‏
قال‏:‏ والذي نختاره ما ثبت عن عمر، ثم ساق بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب قال ‏"‏ كان التكبير أربعا وخمسا، فجمع عمر الناس على أربع ‏"‏ وروى البيهقي بإسناد حسن إلى أبي وائل قال ‏"‏ كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعا وستا وخمسا وأربعا، فجمع عمر الناس على أربع كأطول الصلاة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال حميد‏:‏ صلى بنا أنس فكبر ثلاثا ثم سلم، فقيل له فاستقبل القبلة ثم كبر الرابعة ثم سلم‏)‏ لم أره موصولا من طريق حميد، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أنه كبر على جنازة ثلاثا ثم انصرف ناسيا، فقالوا يا أبا حمزة إنك كبرت ثلاثا فقال‏:‏ صفوا فصفوا، فكبر الرابعة‏.‏
وروي عن أنس الاقتصار على ثلاث‏.‏
قال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا معاذ بن معاذ عن عمران ابن حدير قال‏:‏ صليت مع أنس بن مالك على جنازة فكبر عليها ثلاثا لم يزد عليها‏.‏
وروى ابن المنذر من طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن أبي إسحاق قال قيل لأنس إن فلانا كبر ثلاثا فقال‏:‏ وهل التكبير إلا ثلاثا‏؟‏ انتهى قال مغلطاي إحدى الروايتين وهم‏.‏
قلت‏:‏ بل يمكن الجمع بين ما اختلف فيه على أنس إما بأنه كان يرى الثلاث مجزئة والأربع أكمل منها، وإما بأن من أطلق عنه الثلاث لم يذكر الأولى لأنها افتتاح الصلاة كما تقدم في باب سنة الصلاة من طريق ابن علية عن يحيى بن أبي إسحاق أن أنسا قال ‏"‏ أو ليس التكبير ثلاثا‏؟‏ فقيل له‏:‏ يا أبا حمزة التكبير أربعا‏.‏
قال‏:‏ أجل، غير أن واحدة هي افتتاح الصلاة ‏"‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال‏:‏ يزيد في التكبير على أربع إلا ابن أبي ليلى انتهى‏.‏
وفي المبسوط للحنفية قيل‏:‏ إن أبا يوسف قال يكبر خمسا‏.‏
وقد تقدم القول عن أحمد في ذلك‏.‏
ثم أورد المصنف حديث أبي هريرة في الصلاة على النجاشي، وقد تقدم الجواب عن إيراد من تعقبه بأن الصلاة على النجاشي صلاة على غائب لا على جنازة، ومحصل الجواب أن ذلك بطريق الأولى‏.‏
وقد روى ابن أبي داود في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكبر أربعا وقال‏:‏ لم أر في شيء من الأحاديث الصحيحة أنه كبر على جنازة أربعا إلا في هذا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَلِيمٍ أَصْحَمَةَ وَتَابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال يزيد بن هرون وعبد الصمد عن سليم‏)‏ يعني بإسناده إلى جابر ‏(‏أصحمة‏)‏ ووقع في رواية المستملي وقال يزيد عن سليم أصحمة وتابعه عبد الصمد، أما رواية يزيد فوصلها المصنف في هجرة الحبشة عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه، وأما رواية عبد الصمد فوصلها الإسماعيلي من طريق أحمد بن سعيد عنه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ وقع في جميع الطرق التي اتصلت لنا من البخاري أصحمة بمهملتين بوزن أفعلة مفتوح العين في المسند والمعلق معا، وفيه نظر لأن إيراد المصنف يشعر بأن يزيد خالف محمد بن سنان، وأن عبد الصمد تابع يزيد، ووقع في مصنف ابن أبي شيبة عن يزيد صحمة بفتح الصاد وسكون الحاء فهذا متجه، ويتحصل منه أن الرواة اختلفوا في إثبات الألف وحذفها‏.‏
وحكى الإسماعيلي أن في رواية عبد الصمد أصخمة بخاء معجمة وإثبات الألف، قال‏:‏ وهو غلط فيحتمل أن يكون هذا محل الاختلاف الذي أشار إليه البخاري‏.‏
وحكى كثير من الشراح أن رواية يزيد ورفيقه صحمة بالمهملة بغير ألف، وحكى الكرماني أن في بعض النسخ في رواية محمد بن سنان أصحبة بموحدة بدل الميم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى الْجَنَازَةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ يَقْرَأُ عَلَى الطِّفْلِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَسَلَفًا وَأَجْرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة‏)‏ أي مشروعيتها، وهي من المسائل المختلف فيها، ونقل ابن المنذر عن ابن مسعود والحسن بن علي وابن الزبير والمسور بن مخرمة مشروعيتها، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق‏.‏
ونقل عن أبي هريرة وابن عمر ليس فيها قراءة وهو قول مالك والكوفيين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن إلخ‏)‏ وصله عبد الوهاب بن عطاء في ‏"‏ كتاب الجنائز ‏"‏ له عن سعيد بن أبي عروبة أنه سئل عن الصلاة على الصبي فأخبرهم عن قتادة عن الحسن أنه كان يكبر ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقول‏:‏ اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا‏.‏
وروى عبد الرزاق والنسائي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال ‏"‏ السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في الأولى ‏"‏ إسناده صحيح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ طَلْحَةَ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ح حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعد‏)‏ هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وطلحة هو ابن عبد الله بن عوف الخزاعي كما نسبهما في الإسناد الثاني‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ليس في حديث الباب بيان محل قراءة الفاتحة، وقد وقع التصريح به في حديث جابر أخرجه الشافعي بلفظ ‏"‏ وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى ‏"‏ أفاده شيخنا في شرح الترمذي وقال إن سنده ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لتعلموا أنها سنة‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ جمع البخاري بين روايتي شعبة وسفيان، وسياقهما مختلف ا هـ‏.‏
فأما رواية شعبة فقد أخرجها ابن خزيمة في صحيحه والنسائي جميعا عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ فأخذت بيده فسألته عن ذلك فقال‏:‏ نعم يا ابن أخي، إنه حق وسنة ‏"‏ وللحاكم من طريق آدم عن شعبة ‏"‏ فسألته فقلت‏:‏ يقرأ‏؟‏ نعم، إنه حق وسنة‏"‏‏.‏
وأما رواية سفيان فأخرجها الترمذي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عنه بلفظ ‏"‏ فقال‏:‏ أنه من السنة، أو من تمام السنة ‏"‏ وأخرجه النسائي أيضا من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته، فقال‏:‏ سنة وحق ‏"‏ وللحاكم من طريق ابن عجلان أنه سمع سعيد بن أبي سعيد يقول‏:‏ ‏"‏ صلى ابن عباس على جنازة فجهر بالحمد ثم قال‏:‏ إنما جهرت لتعلموا أنها سنة ‏"‏ وقد أجمعوا على أن قول الصحابي ‏"‏ سنة ‏"‏ حديث مسند، كذا نقل الإجماع، مع أن الخلاف عند أهل الحديث وعند الأصوليين شهير، وعلى الحاكم فيه مأخذ آخر وهو استدراكه له وهو في البخاري، وقد روى الترمذي من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وقال‏:‏ لا يصح هذا، والصحيح عن ابن عباس قوله ‏"‏ من السنة ‏"‏ وهذا مصير منه إلى الفرق بين الصيغتين، ولعله أراد الفرق بالنسبة إلى الصراحة والاحتمال، والله أعلم‏.‏
وروى الحاكم أيضا من طريق شرحبيل بن سعد عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بالأبواء فكبر، ثم قرأ الفاتحة رافعا صوته، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ اللهم عبدك وابن عبدك أصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، إن كان زاكيا فزكه، وإن كان مخطئا فاغفر له‏.‏
اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده‏.‏
ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم انصرف فقال يا أيها الناس، إني لم أقرأ عليها - أي جهرا - إلا لتعلموا أنها سنة‏"‏‏.‏
قال الحاكم‏:‏ شرحبيل لم يحتج به الشيخان، وإنما أخرجته لأنه مفسر للطرق المتقدمة انتهى‏.‏
وشرحبيل مختلف في توثيقه، واستدل الطحاوي على ترك القراءة في الأولى بتركها في باقي التكبيرات وبترك التشهد، قال‏:‏ ولعل قراءة من قرأ الفاتحة من الصحابة كان على وجه الدعاء لا على وجه التلاوة‏.‏
وقوله ‏"‏أنها سنة ‏"‏ يحتمل أن يريد أن الدعاء سنة انتهى‏.‏
ولا يخفى ما يجيء على كلامه من التعقب، وما يتضمنه استدلاله من التعسف‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ مَا يُدْفَنُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على القبر بعدما يدفن‏)‏ وهذه أيضا من المسائل المختلف فيها، قال ابن المنذر قال بمشروعيته الجمهور، ومنعه النخعي ومالك وأبو حنيفة، وعنهم إن دفن قبل أن يصلى عليه شرع إلا فلا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّهُمْ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ قُلْتُ مَنْ حَدَّثَكَ هَذَا يَا أَبَا عَمْرٍو قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت من حدثك هذا يا أبا عمرو‏)‏ القائل هو الشيباني، والمقول له هو الشعبي‏.‏
وقد تقدم في ‏"‏ باب الإذن بالجنازة ‏"‏ بأتم من هذا السياق، وفيه عن الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس، وتكلما هناك على ما ورد في تسمية المقبور المذكور‏.‏
ووقع في الأوسط للطبراني من طريق محمد بن الصباح الدولابي عن إسماعيل بن زكريا عن الشيباني أنه صلى عليه بعد دفنه بليلتين‏.‏
وقال‏:‏ إن إسماعيل تفرد بذلك‏.‏
ورواه الدارقطني من طريق هريم بن سفيان عن الشيباني فقال ‏"‏ بعد موته بثلاث ‏"‏ ومن طريق بشر بن آدم عن أبي عاصم عن سفيان الثوري عن الشيباني فقال ‏"‏ بعد شهر ‏"‏ وهذه روايات شاذة، وسياق الطرق الصحيحة يدل على أنه صلى عليه في صبيحة دفنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَسْوَدَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً كَانَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِهِ فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ مَا فَعَلَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ قَالُوا مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلَا آذَنْتُمُونِي فَقَالُوا إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا قِصَّتُهُ قَالَ فَحَقَرُوا شَأْنَهُ قَالَ فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏فأتى قبره فصلى عليه‏)‏ زاد ابن حبان في رواية حماد بن سلمة عن ثابت ‏"‏ ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها عليهم بصلاتي ‏"‏ وأشار إلى أن بعض المخالفين احتج بهذه الزيادة على أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم‏.‏
ثم ساق من طريق خارجة بن زيد بن ثابت نحو هذه القصة وفيها ‏"‏ ثم أتى القبر فصففنا خلفه وكبر عليه أربعا ‏"‏ قال ابن حبان‏:‏ في ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من صلى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره، وأنه ليس من خصائصه‏.‏
وتعقب بأن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلا للأصالة، واستدل بخبر الباب على رد التفصيل بين من صلى عليه فلا يصلى عليه بأن القصة وردت فيمن صلى عليه، وأجيب بأن الخصوصية تنسحب على ذلك‏.‏
واختلف من قال بشرع الصلاة لمن لم يصل فقيل‏:‏ يؤخر دفنه ليصلي عليها من كان لم يصل، وقيل‏:‏ يبادر بدفنها ويصلي الذي فاتته على القبر، وكذا اختلف في أمد ذلك‏:‏ فعند بعضهم إلى شهر، وقيل ما لم يبل الجسد، وقيل‏:‏ يختص بمن كان من أهل الصلاة عليه حين موته وهو الراجح عند الشافعية، وقيل‏:‏ يجوز أبدا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب الْمَيِّتُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الميت يسمع خفق النعال‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ جرد المصنف ما ضمنه هذه الترجمة ليجعله أول آداب الدفن من إلزام الوقار واجتناب اللغط وقرع الأرض بشدة الوطء عليها كما يلزم ذلك مع الحي النائم، وكأنه اقتطع ما هو من سماع الآدميين من سماع ما هو من الملائكة، وترجم بالخفق ولفظ المتن بالقرع إشارة إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الخفق وهو ما رواه أحمد وأبو داود من حديث البراء بن عازب في أثناء حديث طويل فيه ‏"‏ وأنه ليسمع خفق نعالهم ‏"‏ وروى إسماعيل بن عبد الرحمن السدي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين ‏"‏ أخرجه البزار وابن حبان في صحيحه هكذا مختصرا‏.‏
وأخرج ابن حبان أيضا من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ نحوه في حديث طويل، واستدل به على جواز المشي بين القبور بالنعال، ولا دلالة فيه‏.‏
قال ابن الجوزي‏:‏ ليس في الحديث سوى الحكاية عمن يدخل المقابر، وذلك لا يقتضي إباحة ولا تحريما انتهى‏.‏
وإنما استدل به من استدل على الإباحة أخذا من كونه صلى الله عليه وسلم قاله وأقره فلو كان مكروها لبينه، لكن يعكر عليه احتمال أن يكون المراد سماعه إياها بعد أن يجاوز المقبرة، ويدل على الكراهة حديث بشير بن الخصاصية ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يمشي بين القبور وعليه نعلان سبتيتان فقال‏:‏ يا صاحب السبتيتين ألق نعليك ‏"‏ أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم‏.‏
وأغرب ابن حزم فقال‏:‏ يحرم المشي بين القبور بالنعال السبتية دون غيرها، وهو جمود شديد‏.‏
وأما قول الخطابي يشبه أن يكون النهي عنهما لما فيهما من الخيلاء فإنه متعقب بأن ابن عمر كان يلبس النعال السبتية ويقول ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها ‏"‏ وهو حديث صحيح كما سيأتي في موضعه‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ يحمل نهي الرجل المذكور على أنه كان في نعليه قذر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه ما لم ير فيهما أذى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوْ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عياش‏)‏ هو ابن الوليد الرقام كما جزم به أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وهو بتحتانية ومعجمة، وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى‏.‏
وساق حديثه مقرونا برواية خليفة عن يزيد بن زريع على لفظ خليفة، وسيأتي مفردا في عذاب القبر عن عياش بن الوليد بلفظه وما فيه من زيادة، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله‏.‏
وقوله هنا ‏"‏ إذا وضع في قبره وتولي وذهب أصحابه ‏"‏ كذا ثبت في جميع الروايات فقال ابن التين‏:‏ إنه كرر اللفظ والمعني واحد، ورأيته أنا مضبوطا بخط معتمد ‏"‏ وتولي ‏"‏ بضم أوله وكسر اللام على البناء للمجهول، أي تولي أمره أي الميت، وسيأتي في رواية عياش بلفظ ‏"‏ وتولى عنه أصحابه ‏"‏ وهو الموجود في جميع الروايات عند مسلم وغيره‏.‏

حسن الخليفه احمد
07-31-2013, 10:29 PM
باب مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ أو نحوها ‏"‏ بقية ما تشد إليه الرجال من الحرمين وكذلك ما يمكن من مدافن الأنبياء وقبور الشهداء والأولياء تيمنا بالجوار وتعرضا للرحمة النازلة عليهم اقتداء بموسى عليه السلام، انتهى‏.‏
وهذا بناء على أن المطلوب القرب من الأنبياء الذين دفنوا ببيت المقدس، وهو الذي رجحه عياض‏.‏
وقال المهلب‏:‏ إنما طلب ذلك ليقرب عليه المشي إلى المحشر وتسقط عنه المشقة الحاصلة لمن بعد عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ قَالَ أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَاذَا قَالَ ثُمَّ الْمَوْتُ قَالَ فَالْآنَ فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة ‏"‏ أرسل ملك الموت إلى موسى ‏"‏ الحديث أورده المصنف بطوله من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه عنه ولم يذكر فيه الرفع، وقد ساقه في أحاديث الأنبياء من هذا الوجه ثم قال‏:‏ وعن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وقد ساقه مسلم من طريق معمر بالسندين كذلك‏.‏
وقوله فيه ‏"‏ رمية بحجر ‏"‏ أي قدر رمية حجر، أي أدنني من مكان إلى الأرض المقدسة هذا القدر، أو أدنني إليها حتى يكون بيني وبينها هذا القدر، وهذا الثاني أظهر، وعليه شرح ابن بطال وغيره‏.‏
وأما الأول فهو وإن رجحه بعضهم فليس بجيد إذ لو كان كذلك لطلب الدنو أكثر من ذلك، ويحتمل أن يكون القدر الذي كان بينه وبين أول الأرض المقدسة كان قدر رمية فلذلك طلبها، لكن حكى ابن بطال عن غيره أن الحكمة في أنه لم يطلب دخولها ليعمى موضع قبره لئلا تعبده الجهال من ملته انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون سر ذلك أن الله لما منع بنى إسرائيل من دخول بيت المقدس وتركهم في التيه أربعين سنة إلى أن أفناهم الموت فلم يدخل الأرض المقدسة مع يوشع إلا أولادهم، ولم يدخلها معه أحد ممن امتنع أولا أن يدخلها كما سيأتي شرح ذلك في أحاديث الأنبياء ومات هرون ثم موسى عليهما السلام قبل فتح الأرض المقدسة على الصحيح كما سيأتي واضحا أيضا، فكأن موسى لما لم يتهيأ له دخولها لغلبة الجبارين عليها ولا يمكن نبشه بعد ذلك لينقل إليها طلب القرب منها لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه، وقيل إنما طلب موسى الدنو لأن النبي يدفن حيث يموت ولا ينقل، وفيه نظر لأن موسى قد نقل يوسف عليهما السلام معه لما خرج من مصر كما سيأتي ذلك في ترجمته إن شاء الله تعالى، وهذا كله بناء على الاحتمال الثاني والله أعلم‏.‏
واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد، فقيل‏:‏ يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته، وقيل يستحب، والأولى تنزيل ذلك على حالتين‏:‏ فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة، وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم، والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة كمكة وغيرها‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ
وَدُفِنَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدفن بالليل‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من منع ذلك محتجا بحديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر أن يقبر الرجل ليلا إلا أن يضطر إلى ذلك ‏"‏ أخرجه ابن حبان، لكن بين مسلم في روايته السبب في ذلك ولفظه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض وكفن في كفن غير طائل وقبر ليلا، فزجر أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلي عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك‏.‏
وقال إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه ‏"‏ فدل على أن النهي بسبب تحسين الكفن‏.‏
وقوله ‏"‏حتى يصلي عليه ‏"‏ مضبوط بكسر اللام أي النبي صلى الله عليه وسلم فهذا سبب آخر يقتضي أنه إن رجي بتأخير الميت إلى الصباح صلاة من ترجى بركته عليه استحب تأخيره، وإلا فلا، وبه جزم الطحاوي‏.‏
واستدل المصنف للجواز بما ذكره من حديث ابن عباس ‏"‏ ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم دفنهم إياه بالليل، بل أنكر عليهم عدم إعلامهم بأمره ‏"‏ وأيد ذلك بما صنع الصحابة بأبي بكر، وكان ذلك كالإجماع منهم على الجواز‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث ابن عباس قريبا‏.‏
وأما أثر أبي بكر فوصله المصنف في أواخر الجنائز في ‏"‏ باب موت يوم الاثنين ‏"‏ من حديث عائشة وفيه ‏"‏ ودفن أبو بكر قبل أن يصبح ‏"‏ ولابن أبي شيبة من حديث القاسم بن محمد قال ‏"‏ دفن أبو بكر ليلا ‏"‏ ومن حديث عبيد بن السباق ‏"‏ أن عمر دفن أبا بكر بعد العشاء الآخرة ‏"‏ وصح أن عليا دفن فاطمة ليلا كما سيأتي في مكانه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب بِنَاءِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَبْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب بناء المسجد على القبر‏)‏ أورد فيه حديث عائشة في لعن من بنى على القبر مسجدا، وقد تقدم الكلام عليه قبل ثمانية أبواب‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ كأنه قصد بالترجمة الأولى اتخاذ المساجد في المقبرة لأجل القبور بحيث لولا تجدد القبر ما اتخذ المسجد‏.‏
ويؤيده بناء المسجد في المقبرة على حدته لئلا يحتاج إلى الصلاة فيوجد مكان يصلى فيه سوى المقبرة، فلذلك نحا به منحى الجواز انتهى‏.‏
وقد تقدم أن المنع من ذلك إنما هو حال خشية أن يصنع بالقبر كما صنع أولئك الذين لعنوا، وأما إذا أمن ذلك فلا امتناع، وقد يقول بالمنع مطلقا من يرى سد الذريعة وهو هنا متجه قوي‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n137&p1#TOP)باب مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ الْمَرْأَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من يدخل قبر المرأة‏)‏ أورد فيه حديث أنس في دفن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزول أبي طلحة في قبرها، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ فَقَالَ هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَنَا قَالَ فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا قَالَ ابْنُ مُبَارَكٍ قَالَ فُلَيْحٌ أُرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ لِيَقْتَرِفُوا أَيْ لِيَكْتَسِبُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن المبارك‏)‏ تقضم هناك أن الإسماعيلي وصله من طريقه‏.‏
ووقع في رواية أبي الحسن القابسي هنا ‏"‏ قال أبو المبارك ‏"‏ بلفظ الكنية، ونقل أبو علي الجياني عنه أنه قال‏:‏ أبو المبارك كنية محمد بن سنان يعني راوي الطريق الموصولة، وتعقبه بأن محمد بن سنان يكنى أبا بكر بغير خلاف عند أهل العلم بالحديث، والصواب ابن المبارك كما في بقية الطرق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليقترفوا‏:‏ ليكتسبوا‏)‏ ثبت هذا في رواية الكشميهني، وهذا تفسير ابن عباس أخرجه الطبراني من طريق علي بن أبي طلحة عنه، قال في قوله تعالى ‏(‏وليقترفوا ما هم مقترفون‏)‏ ‏:‏ ليكتسبوا ما هم مكتسبون‏.‏
وفي هذا مصير من البخاري إلى تأييد ما قاله ابن المبارك عن فليح، أو أراد أن يوجه الكلام المذكور، وأن لفظ المقارفة في الحديث أريد به ما هو أخص من ذلك وهو الجماع‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-03-2013, 11:52 PM
*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D9%85%D9%8E%D9%86%D9%92%20%D 8%A7%D9%86%D9%92%D8%AA%D9%8E%D8%B8%D9%8E%D8%B1%D9% 8E%20%D8%AD%D9%8E%D8%AA%D9%91%D9%8E%D9%89%20%D8%AA %D9%8F%D8%AF%D9%92%D9%81%D9%8E%D9%86%D9%8E/i9&d18333&c&p1#TOP)باب مَنْ انْتَظَرَ حَتَّى تُدْفَنَ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من انتظر حتى تدفن‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يذكر المصنف جواب ‏"‏ من ‏"‏ إما استغناء بما ذكر في الخبر أو توقفا على إثبات الاستحقاق بمجرد الانتظار إن خلا عن اتباع‏.‏
قال‏:‏ وعدل عن لفظ الشهود كما هو في الخبر إلى لفظ الانتظار لينبه على أن المقصود من الشهود إنما هو معاضدة أهل الميت والتصدي لمعونتهم، وذلك من المقاصد المعتبرة انتهى‏.‏
والذي يظهر لي أنه اختار لفظ الانتظار لكونه أعم من المشاهدة، فهو أكثر فائدة‏.‏
وأشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الانتظار ليفسر اللفظ الوارد بالمشاهدة به، ولفظ الانتظار وقع في رواية معمر عند مسلم، وقد ساق البخاري سندها ولم يذكر لفظها‏.‏
ووقعت هذه الطريق في بعض الروايات التي لم تتصل لنا عن البخاري في هذا الباب أيضا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن مسلمة‏)‏ هو القعنبي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ يعني أبا سعيد كيسان المقبري وهو ثابت في جميع الطرق، وحكى الكرماني أنه سقط من بعض الطرق‏.‏
قلت‏:‏ والصواب إثباته‏.‏
وكذا أخرجه إسحاق بن راهويه والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن أبي ذئب، نعم سقط قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ من رواية ابن عجلان عند أبي عوانة وعبد الرحمن بن إسحاق عند ابن أبي شيبة وأبي معشر عند حميد بن زنجويه ثلاثتهم عن سعيد المقبري‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يسق البخاري لفظ رواية أبي سعيد، ولفظه عند الإسماعيلي ‏"‏ أنه سأل أبا هريرة‏:‏ ما ينبغي في الجنازة‏؟‏ فقال‏:‏ سأخبرك بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ من تبعها من أهلها حتى يصلي عليها فله قيراط مثل أحد، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان ‏"‏‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وحدثني عبد الرحمن‏)‏ هو معطوف على مقدر أي قال ابن شهاب حدثني فلان بكذا، وحدثني عبد الرحمن الأعرج بكذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يصلي‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ عليه ‏"‏ واللام للأكثر مفتوحة، وفي بعض الروايات بكسرها، ورواية الفتح محمولة عليها فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة من الذي يحصل له كما تقدم تقريره، وللبيهقي من طريق محمد بن علي الصائغ عن أحمد بن شبيب شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ حتى يصلي عليها ‏"‏ وكذا هو عند مسلم من طريق ابن وهب عن يونس، ولم يبين في هذه الرواية ابتداء الحضور، وقد تقدم بيانه في رواية أبي سعيد المقبري حيث قال ‏"‏ من أهلها ‏"‏ وفي رواية خباب عند مسلم ‏"‏ من خرج مع جنازة من بيتها ‏"‏ ولأحمد في حـديث أبي سعيد الخدري ‏"‏ فمشى معها من أهلها ‏"‏ ومقتضاه أن القيراط يختصن بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، وبذلك صرح المحب الطبري وغيره، والذي يظهر لي أن القيراط يحصل أيضا لمن صلى فقط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع مثلا وصلى، ورواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ أصغرهما مثل أحد ‏"‏ يدل على أن القراريط تتفاوت‏.‏
ووقع أيضا في رواية أبي صالح المذكورة عند مسلم ‏"‏ من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط ‏"‏ وفي رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند أحمد ‏"‏ ومن صلى ولم يتبع فله قيراط ‏"‏ فدل على أن الصلاة تحصل القيراط وأن لم يقع اتباع، ويمكن أن يحمل الاتباع هنا على ما بعد الصلاة، وهل يأتي نظير هذا في قيراط الدفن‏؟‏ فيه بحث‏.‏
قال النووي في شرح البخاري عند الكلام على طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب الإيمان بلفظ ‏"‏ من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلي ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين‏"‏‏.‏
الحديث‏.‏
ومقتضى هذا أن القيراطين إنما يحصلان لمن كان معها في جميع الطريق حتى تدفن، فإن صلى مثلا وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له إلا قيراط واحد انتهى‏.‏
وليس في الحديث ما يقتضي ذلك إلا من طريق المفهوم، فإن ورد منطوق بحصول القيراط لشهود الدفن وحده كان مقدما‏.‏
ويجمع حينئذ بتفاوت القيراط، والذين أبوا ذلك جعلوه من باب المطلق والمقيد، نعم مقتضى جميع الأحاديث أن من اقتصر على التشييع فلم يصل ولم يشهد الدفن فلا قيراط له إلا على الطريقة التي قدمناها عن ابن عقيل، لكن الحديث الذي أوردناه عن البراء في ذلك ضعيف‏.‏
وأما التقييد بالإيمان والاحتساب فلا بد منه لأن ترتب الثواب على العمل يستدعي سبق النية فيه فيخرج من فعل ذلك على سبيل المكافأة المجردة أو على سبيل المحاباة والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن شهد‏)‏ كذا في جميع الطرق بحذف المفعول‏.‏
وفي رواية البيهقي التي أشرت إليها ‏"‏ ومن شهدها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فله قيراطان‏)‏ ظاهره أنهما غير قيراط الصلاة، وهو ظاهر سياق أكثر الروايات، وبذلك جزم بعض المتقدمين وحكاه ابن التين عن القاضي أبي الوليد، لكن سياق رواية ابن سيرين يأبى ذلك وهي صريحة في أن الحاصل من الصلاة ومن الدفن قيراطان فقط، وكذلك رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم بلفظ ‏"‏ من خرج مع جنازة من بيتها ثم تبعها حتى كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له قيراط ‏"‏ وكذلك رواية الشعبي عن أبي هريرة عند النسائي بمعناه، ونحوه رواية نافع بن جبير‏.‏
قال النووي‏:‏ رواية ابن سيرين صريحة في أن المجموع قيراطان، ومعني رواية الأعرج على هذا كان له قيراطان أي بالأول، وهذا مثل حديث ‏"‏ من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله ‏"‏ أي بانضمام صلاة العشاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تدفن‏)‏ ظاهره أن حصول القيراط متوقف على فراغ الدفن، وهو أصح الأوجه عند الشافعية وغيرهم، وقيل يحصل بمجرد الوضع في اللحد، وقيل عند انتهاء الدفن قبل إهالة التراب، وقد وردت الأخبار بكل ذلك، ويترجح الأول للزيادة، فعند مسلم من طريق معمر في إحدى الروايتين عنه ‏"‏ حتى يفرغ منها ‏"‏ وفي الأخرى ‏"‏ حتى توضع في اللحد ‏"‏ وكذا عنده في رواية أبي حازم بلفظ ‏"‏ حتى توضع في القبر ‏"‏ وفي رواية ابن سيرين والشعبي ‏"‏ حتى يفرغ منها ‏"‏ وفي رواية أبي مزاحم عند أحمد ‏"‏ حتى يقضي قضاؤها ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة عند الترمذي ‏"‏ حتى يقضى دفنها ‏"‏ وفي رواية ابن عياض عند أبي عوانة ‏"‏ حتى يسوى عليها ‏"‏ أي التراب، وهي أصرح الروايات في ذلك‏.‏
ويحتمل حصول القيراط بكل من ذلك، لكن يتفاوت القيراط كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قيل وما القيراطان‏)‏ لم يعين في هذه الرواية القائل ولا المقول له، وقد بين الثاني مسلم في رواية الأعرج هذه فقال ‏"‏ قيل وما القيراطان يا رسول الله ‏"‏ وعنده في حديث ثوبان ‏"‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيراط ‏"‏ وبين القائل أبو عوانة من طريق أبي مزاحم عن أبي هريرة ولفظه ‏"‏ قلت وما القيراط يا رسول الله‏"‏، ووقع عند مسلم أن أبا حازم أيضا سأل أبا هريرة عن ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثل الجبلين العظيمين‏)‏ سبق أن في رواية ابن سيرين وغيره ‏"‏ مثل أحد ‏"‏ وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند ابن أبي شيبة ‏"‏ القيراط مثل جبل أحد ‏"‏ وكذا في حديث ثوبان عند مسلم والبراء عند النسائي وأبي سعيد عند أحمد‏.‏
ووقع عند النسائي من طريق الشعبي ‏"‏ فله قيراطان من الأجر كل واحد منهما أعظم من أحد ‏"‏ وتقدم أن في رواية أبي صالح عند مسلم ‏"‏ أصغرهما مثل أحد ‏"‏ وفي رواية أبي بن كعب عند ابن ماجه ‏"‏ القيراط أعظم من أحد هذا ‏"‏ كأنه أشار إلى الجبل عند ذكر الحديث، وفي حديث واثلة عند ابن عدي ‏"‏ كتب له قيراطان من أجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد ‏"‏ فأفادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد وأن المراد به زنة الثواب المرتب على ذلك العمل‏.‏
وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم الترغيب في شهود الميت، والقيام بأمره، والحض على الاجتماع له، والتنبيه على عظيم فضل الله وتكريمه للمسلم في تكثير الثواب لمن يتولى أمره بعد موته، وفيه تقدير الأعمال بنسبة الأوزان إما تقريبا للأفهام وإما على حقيقته‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-03-2013, 11:53 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D9%85%D9%8E%D9%86%D9%92%20%D 8%A7%D9%86%D9%92%D8%AA%D9%8E%D8%B8%D9%8E%D8%B1%D9% 8E%20%D8%AD%D9%8E%D8%AA%D9%91%D9%8E%D9%89%20%D8%AA %D9%8F%D8%AF%D9%92%D9%81%D9%8E%D9%86%D9%8E/i9&d18333&c&p1#TOP)باب صَلَاةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْجَنَائِزِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم على القبر، وقد تقدم توجيهه قبل ثلاثة أبواب، قال ابن رشيد‏:‏ أفاد بالترجمة الأولى بيان كيفية وقوف الصبيان مع الرجال وأنهم يصفون معهم لا يتأخرون عنهم، لقوله في الحديث الذي ساقه فيها ‏"‏ وأنا فيهم ‏"‏ وأفاد بهذه الترجمة مشروعية صلاة الصبيان على الجنائز، وهو وإن كان الأول دل عليه ضمنا لكن أراد التنصيص عليه وأخر هذه الترجمة عن فضل اتباع الجنائز ليبين أن الصبيان داخلون في قوله ‏"‏ من تبع جنازة‏"‏‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D9%85%D9%8E%D9%86%D9%92%20%D 8%A7%D9%86%D9%92%D8%AA%D9%8E%D8%B8%D9%8E%D8%B1%D9% 8E%20%D8%AD%D9%8E%D8%AA%D9%91%D9%8E%D9%89%20%D8%AA %D9%8F%D8%AF%D9%92%D9%81%D9%8E%D9%86%D9%8E/i9&d18333&c&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بِالْمُصَلَّى وَالْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ لم يتعرض المصنف لكون الميت بالمصلى أو لا لأن المصلى عليه كان غائبا وألحق حكم المصلى بالمسجد بدليل ما تقدم في العيدين وفي الحيض من حديث أم عطية ‏"‏ ويعتزل الحيض المصلى ‏"‏ فدل على أن للمصلى حكم المسجد فيما ينبغي أن يجتنب فيه ويلحق به ما سوى ذلك، وقد تقدم الكلام على ما في قصة الصلاة على النجاشي قبل خمسة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّ بِهِمْ بِالْمُصَلَّى فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا
الشرح‏:‏
قوله ‏"‏وعن ابن شهاب ‏"‏ هو معطوف على الإسناد المصدر به، وسيأتي الكلام على عدد التكبير بعد ثلاثة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر في رجم اليهوديين، سيأتي الكلام عليه مبسوطا في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى‏.‏
وحكى ابن بطال عن ابن حبيب أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية جهة المشرق انتهى، فإن ثبت ما قال وإلا فيحتمل أن يكـون المراد بـالمسجد هنا المصلى المتخذ للعيـدين والاستسقاء لأنه لم يكن عند المسجد النبوي مكان يتهيأ فيه الرجم، وسيأتي في قصة ماعز ‏"‏ فرجمناه بالمصلى ‏"‏ ودل حديث ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان معد للصلاة عليها فقد يستفاد منه أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمر عارض أو لبيان الجواز‏.‏
والله أعلم‏.‏
واستدل به على مشروعية الصلاة على الجنائز في المسجد، ويقويه حديث عائشة ‏"‏ ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد ‏"‏ أخرجه مسلم، وبه قال الجمهور‏.‏
وقال مالك‏:‏ لا يعجبني، وكرهه ابن أبي ذئب وأبو حنيفة وكل من قال بنجاسة الميت، وأما من قال بطهارته منهم فلخشية التلويث، وحملوا الصلاة على سهيل بأنه كان خارج المسجد والمصلون داخله وذلك جائز اتفاقا، وفيه نظر لأن عائشة استدلت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بالمرور بجنازة سعد على حجرتها لتصلي عليه، واحتج بعضهم بأن العمل استقر على ترك ذلك لأن الذين أنكروا ذلك على عائشة كانوا من الصحابة، ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه، وقد روى ابن أبي شيبة وغيره ‏"‏ أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وأن صهيبا صلى على عمر في المسجد ‏"‏ زاد في رواية ‏"‏ ووضعت الجنازة في المسجد تجاه المنبر ‏"‏ وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D9%85%D9%8E%D9%86%D9%92%20%D 8%A7%D9%86%D9%92%D8%AA%D9%8E%D8%B8%D9%8E%D8%B1%D9% 8E%20%D8%AD%D9%8E%D8%AA%D9%91%D9%8E%D9%89%20%D8%AA %D9%8F%D8%AF%D9%92%D9%81%D9%8E%D9%86%D9%8E/i9&d18333&c&p1#TOP)باب مَا يُكْرَهُ مِنْ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ
وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ضَرَبَتْ امْرَأَتُهُ الْقُبَّةَ عَلَى قَبْرِهِ سَنَةً ثُمَّ رُفِعَتْ فَسَمِعُوا صَائِحًا يَقُولُ أَلَا هَلْ وَجَدُوا مَا فَقَدُوا فَأَجَابَهُ الْآخَرُ بَلْ يَئِسُوا فَانْقَلَبُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور‏)‏ ترجم بعد ثمانية أبواب ‏"‏ باب بناء المسجد على القبر ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ الاتخاذ أعم من البناء فلذلك أفرده بالترجمة، ولفظها يقتضي أن بعض الاتخاذ لا يكره، فكأنه يفصل بين ما إذا ترتبت على الاتخاذ مفسدة أو لا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولما مات الحسن بن الحسن‏)‏ هو ممن وافق اسمه اسم أبيه، وكانت وفاته سنة سبع وتسعين وهو من ثقات التابعين وروى له النسائي، وله ولد يسمى الحسن أيضا فهم ثلاثة في نسق، واسم امرأته المذكورة فاطمة بنت الحسين وهي ابنة عمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏القبة‏)‏ أي الخيمة، فقد جاء في موضع آخر بلفظ الفسطاط كما رويناه في الجزء السادس عشر من حديث الحسين بن إسماعيل بن عبد الله المحاملي رواية الأصبهانيين عنه، وفي كتاب ابن أبي الدنيا في القبور من طريق المغيرة بن مقسم قال ‏"‏ لما مات الحسن بن الحسن ضربت امرأته على قبره فسطاطا فأقامت عليه سنة ‏"‏ فذكر نحوه، ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة هناك، فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بالميت بالقرب منه تعليلا للنفس، وتخييلا باستصحاب المألوف من الأنس، ومكابرة للحس، كما يتعلل بالوقوف على الأطلال البالية ومخاطبة المنازل الخالية، فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا، وكأنهما من الملائكة، أو من مؤمني الجن‏.‏
وإنما ذكره البخاري لموافقته للأدلة الشرعية لا لأنه دليل برأسه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ هِلَالٍ هُوَ الْوَزَّانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا قَالَتْ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن النحوي، وهلال الوزان هو ابن أبي حميد على المشهور، وكذا وقع منسوبا عند ابن أبي شيبة والإسماعيلي وغيرهما‏.‏
وقال البخاري في تاريخه‏:‏ قال وكيع هلال بن حميد‏.‏
وقال مرة هلال بن عبد الله ولا يصح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مسجدا‏)‏ في رواية الكشميهني مساجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأبرز قبره‏)‏ أي لكشف قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل، والمراد الدفن خارج بيته، وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد النبوي، ولهذا لما وسع المسجد جعلت حجرتها مثلثة الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر مع استقبال القبلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏غير أني أخشى‏)‏ كذا هنا‏.‏
وفي رواية أبي عوانة عن هلال الآتية في أواخر الجنائز ‏"‏ غير أنه خشي أو خشي ‏"‏ على الشك هل هو بفتح الخاء المعجمة أو ضمها‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ غير أنه خشي ‏"‏ بالضم لا غير، فرواية الباب تقتضي أنها هي التي امتنعت من إبرازه، ورواية الضم مبهمة يمكن أن تفسر بهذه، والهاء ضمير الشأن وكأنها أرادت نفسها ومن وافقها على ذلك، وذلك يقتضي أنهم فعلوه باجتهاد، بخلاف رواية الفتح فإنها تقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بذلك، وقد تقدم الكلام على بقية فوائد المتن في أبواب المساجد في ‏"‏ باب هل تنبش قبور المشركين ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدا، ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر، ومفهومهما متغاير، ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-03-2013, 11:55 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D9%85%D9%8E%D9%86%D9%92%20%D 8%A7%D9%86%D9%92%D8%AA%D9%8E%D8%B8%D9%8E%D8%B1%D9% 8E%20%D8%AD%D9%8E%D8%AA%D9%91%D9%8E%D9%89%20%D8%AA %D9%8F%D8%AF%D9%92%D9%81%D9%8E%D9%86%D9%8E/i9&d18333&c&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إِذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها‏)‏ وقع في نسخة ‏"‏ من ‏"‏ يدل ‏"‏ في‏"‏، أي في مدة نفاسها أو بسبب نفاسها، والأول أعم من جهة أنه يدخل فيه من ماتت منه أو من غيره، والثاني أليق بخبر الباب فإن في بعض طرقه أنها ماتت حاملا وتقدم الكلام عليه في أثناء كتاب الحيض‏.‏
وحسين المذكور في هذا الإسناد هو ابن ذكوان المعلم، قال الزين بن المنير وغيره‏:‏ المفصود بهذه الترجمة أن النفساء وإن كانت معدودة من جملة الشهداء فإن الصلاة عليها مشروعة، بخلاف شهيد المعركة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D9%85%D9%8E%D9%86%D9%92%20%D 8%A7%D9%86%D9%92%D8%AA%D9%8E%D8%B8%D9%8E%D8%B1%D9% 8E%20%D8%AD%D9%8E%D8%AA%D9%91%D9%8E%D9%89%20%D8%AA %D9%8F%D8%AF%D9%92%D9%81%D9%8E%D9%86%D9%8E/i9&d18333&c&p1#TOP)باب أَيْنَ يَقُومُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أين يقوم‏)‏ أي الإمام من المرأة والرجل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا
الشرح‏:‏
حديث سمرة المذكور في الباب ورد من وجه آخر عن حسين المعلم، وفيه مشروعية الصلاة على المرأة، فإن كونها نفساء وصف غير معتبر، وأما كونها امرأة فيحتمل أن يكون معتبرا فإن القيام عليها عند وسطها لسترها، وذلك مطلوب في حقها؛ بخلاف الرجل‏.‏
ويحتمل أن لا يكون معتبرا وأن ذلك كان قبل اتخاذ النعش للنساء، فأما بعد اتخاذه فقد حصل الستر المطلوب، ولهذا أورد المصنف الترجمة مورد السؤال، وأراد عدم التفرقة بين الرجل والمرأة، وأشار إلى تضعيف ما رواه أبو داود والترمذي من طريق أبي غالب عن أنس بن مالك أنه صلى على رجل فقام عند رأسه، وصلى على امرأة فقام عند عجيزتها، فقال له العلاء بن زياد‏:‏ أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل‏؟‏ قال‏:‏ نعم وحكى ابن رشيد عن ابن المرابط أنه أبدى لكونها نفساء علة مناسبة وهي استقبال جنينها ليناله من بركة الدعاء، وتعقب بأن الجنين كعضو منها، ثم هو لا يصلى عليه إذا انفرد وكان سقطا فأحرى إذا كان باقيا في بطنها أن لا يقصد‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ روى حماد بن زيد عن عطاء بن السائب أن عبد الله بن معقل بن مقرن أتي بجنازة رجل وامرأة فصلى على الرجل ثم صلى على المرأة أخرجه ابن شاهين في الجنائز له، وهو مقطوع فإن عبد الله تابعي‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D9%85%D9%8E%D9%86%D9%92%20%D 8%A7%D9%86%D9%92%D8%AA%D9%8E%D8%B8%D9%8E%D8%B1%D9% 8E%20%D8%AD%D9%8E%D8%AA%D9%91%D9%8E%D9%89%20%D8%AA %D9%8F%D8%AF%D9%92%D9%81%D9%8E%D9%86%D9%8E/i9&d18333&c&p1#TOP)باب التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ أَرْبَعًا
وَقَالَ حُمَيْدٌ صَلَّى بِنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ سَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ كَبَّرَ الرَّابِعَةَ ثُمَّ سَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التكبير على الجنازة أربعا‏)‏ قال الزين بن المنير أشار بهذه الترجمة إلى أن التكبير لا يزيد على أربع، ولذلك لم يذكر ترجمة أخرى ولا خبرا في الباب، وقد اختلف السلف في ذلك‏:‏ فروى مسلم عن زيد بن أرقم أنه يكبر خمسا ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وروى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد فكبر خمسا، وروى ابن المنذر وغيره عن علي أنه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى الصحابة خمسا وعلى سائر الناس أربعا، وروي أيضا بإسناد صحيح عن أبي معبد قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فكبر ثلاثا‏.‏
وسنذكر الاختلاف على أنس في ذلك‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع، وفيه أقوال أخر، فذكر ما تقدم‏.‏
قال‏:‏ وذهب بكر بن عبد الله المزني إلى أنه لا ينقص من ثلاث ولا يزاد على سبع‏.‏
وقال أحمد مثله لكن قال‏:‏ لا ينقص من أربع‏.‏
وقال ابن مسعود‏:‏ كبر ما كبر الإمام‏.‏
قال‏:‏ والذي نختاره ما ثبت عن عمر، ثم ساق بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب قال ‏"‏ كان التكبير أربعا وخمسا، فجمع عمر الناس على أربع ‏"‏ وروى البيهقي بإسناد حسن إلى أبي وائل قال ‏"‏ كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعا وستا وخمسا وأربعا، فجمع عمر الناس على أربع كأطول الصلاة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال حميد‏:‏ صلى بنا أنس فكبر ثلاثا ثم سلم، فقيل له فاستقبل القبلة ثم كبر الرابعة ثم سلم‏)‏ لم أره موصولا من طريق حميد، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أنه كبر على جنازة ثلاثا ثم انصرف ناسيا، فقالوا يا أبا حمزة إنك كبرت ثلاثا فقال‏:‏ صفوا فصفوا، فكبر الرابعة‏.‏
وروي عن أنس الاقتصار على ثلاث‏.‏
قال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا معاذ بن معاذ عن عمران ابن حدير قال‏:‏ صليت مع أنس بن مالك على جنازة فكبر عليها ثلاثا لم يزد عليها‏.‏
وروى ابن المنذر من طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن أبي إسحاق قال قيل لأنس إن فلانا كبر ثلاثا فقال‏:‏ وهل التكبير إلا ثلاثا‏؟‏ انتهى قال مغلطاي إحدى الروايتين وهم‏.‏
قلت‏:‏ بل يمكن الجمع بين ما اختلف فيه على أنس إما بأنه كان يرى الثلاث مجزئة والأربع أكمل منها، وإما بأن من أطلق عنه الثلاث لم يذكر الأولى لأنها افتتاح الصلاة كما تقدم في باب سنة الصلاة من طريق ابن علية عن يحيى بن أبي إسحاق أن أنسا قال ‏"‏ أو ليس التكبير ثلاثا‏؟‏ فقيل له‏:‏ يا أبا حمزة التكبير أربعا‏.‏
قال‏:‏ أجل، غير أن واحدة هي افتتاح الصلاة ‏"‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال‏:‏ يزيد في التكبير على أربع إلا ابن أبي ليلى انتهى‏.‏
وفي المبسوط للحنفية قيل‏:‏ إن أبا يوسف قال يكبر خمسا‏.‏
وقد تقدم القول عن أحمد في ذلك‏.‏
ثم أورد المصنف حديث أبي هريرة في الصلاة على النجاشي، وقد تقدم الجواب عن إيراد من تعقبه بأن الصلاة على النجاشي صلاة على غائب لا على جنازة، ومحصل الجواب أن ذلك بطريق الأولى‏.‏
وقد روى ابن أبي داود في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكبر أربعا وقال‏:‏ لم أر في شيء من الأحاديث الصحيحة أنه كبر على جنازة أربعا إلا في هذا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَلِيمٍ أَصْحَمَةَ وَتَابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال يزيد بن هرون وعبد الصمد عن سليم‏)‏ يعني بإسناده إلى جابر ‏(‏أصحمة‏)‏ ووقع في رواية المستملي وقال يزيد عن سليم أصحمة وتابعه عبد الصمد، أما رواية يزيد فوصلها المصنف في هجرة الحبشة عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه، وأما رواية عبد الصمد فوصلها الإسماعيلي من طريق أحمد بن سعيد عنه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ وقع في جميع الطرق التي اتصلت لنا من البخاري أصحمة بمهملتين بوزن أفعلة مفتوح العين في المسند والمعلق معا، وفيه نظر لأن إيراد المصنف يشعر بأن يزيد خالف محمد بن سنان، وأن عبد الصمد تابع يزيد، ووقع في مصنف ابن أبي شيبة عن يزيد صحمة بفتح الصاد وسكون الحاء فهذا متجه، ويتحصل منه أن الرواة اختلفوا في إثبات الألف وحذفها‏.‏
وحكى الإسماعيلي أن في رواية عبد الصمد أصخمة بخاء معجمة وإثبات الألف، قال‏:‏ وهو غلط فيحتمل أن يكون هذا محل الاختلاف الذي أشار إليه البخاري‏.‏
وحكى كثير من الشراح أن رواية يزيد ورفيقه صحمة بالمهملة بغير ألف، وحكى الكرماني أن في بعض النسخ في رواية محمد بن سنان أصحبة بموحدة بدل الميم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D9%85%D9%8E%D9%86%D9%92%20%D 8%A7%D9%86%D9%92%D8%AA%D9%8E%D8%B8%D9%8E%D8%B1%D9% 8E%20%D8%AD%D9%8E%D8%AA%D9%91%D9%8E%D9%89%20%D8%AA %D9%8F%D8%AF%D9%92%D9%81%D9%8E%D9%86%D9%8E/i9&d18333&c&p1#TOP)باب قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى الْجَنَازَةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ يَقْرَأُ عَلَى الطِّفْلِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَسَلَفًا وَأَجْرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة‏)‏ أي مشروعيتها، وهي من المسائل المختلف فيها، ونقل ابن المنذر عن ابن مسعود والحسن بن علي وابن الزبير والمسور بن مخرمة مشروعيتها، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق‏.‏
ونقل عن أبي هريرة وابن عمر ليس فيها قراءة وهو قول مالك والكوفيين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن إلخ‏)‏ وصله عبد الوهاب بن عطاء في ‏"‏ كتاب الجنائز ‏"‏ له عن سعيد بن أبي عروبة أنه سئل عن الصلاة على الصبي فأخبرهم عن قتادة عن الحسن أنه كان يكبر ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقول‏:‏ اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا‏.‏
وروى عبد الرزاق والنسائي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال ‏"‏ السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في الأولى ‏"‏ إسناده صحيح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ طَلْحَةَ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ح حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعد‏)‏ هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وطلحة هو ابن عبد الله بن عوف الخزاعي كما نسبهما في الإسناد الثاني‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ليس في حديث الباب بيان محل قراءة الفاتحة، وقد وقع التصريح به في حديث جابر أخرجه الشافعي بلفظ ‏"‏ وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى ‏"‏ أفاده شيخنا في شرح الترمذي وقال إن سنده ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لتعلموا أنها سنة‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ جمع البخاري بين روايتي شعبة وسفيان، وسياقهما مختلف ا هـ‏.‏
فأما رواية شعبة فقد أخرجها ابن خزيمة في صحيحه والنسائي جميعا عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ فأخذت بيده فسألته عن ذلك فقال‏:‏ نعم يا ابن أخي، إنه حق وسنة ‏"‏ وللحاكم من طريق آدم عن شعبة ‏"‏ فسألته فقلت‏:‏ يقرأ‏؟‏ نعم، إنه حق وسنة‏"‏‏.‏
وأما رواية سفيان فأخرجها الترمذي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عنه بلفظ ‏"‏ فقال‏:‏ أنه من السنة، أو من تمام السنة ‏"‏ وأخرجه النسائي أيضا من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته، فقال‏:‏ سنة وحق ‏"‏ وللحاكم من طريق ابن عجلان أنه سمع سعيد بن أبي سعيد يقول‏:‏ ‏"‏ صلى ابن عباس على جنازة فجهر بالحمد ثم قال‏:‏ إنما جهرت لتعلموا أنها سنة ‏"‏ وقد أجمعوا على أن قول الصحابي ‏"‏ سنة ‏"‏ حديث مسند، كذا نقل الإجماع، مع أن الخلاف عند أهل الحديث وعند الأصوليين شهير، وعلى الحاكم فيه مأخذ آخر وهو استدراكه له وهو في البخاري، وقد روى الترمذي من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وقال‏:‏ لا يصح هذا، والصحيح عن ابن عباس قوله ‏"‏ من السنة ‏"‏ وهذا مصير منه إلى الفرق بين الصيغتين، ولعله أراد الفرق بالنسبة إلى الصراحة والاحتمال، والله أعلم‏.‏
وروى الحاكم أيضا من طريق شرحبيل بن سعد عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بالأبواء فكبر، ثم قرأ الفاتحة رافعا صوته، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ اللهم عبدك وابن عبدك أصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، إن كان زاكيا فزكه، وإن كان مخطئا فاغفر له‏.‏
اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده‏.‏
ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم انصرف فقال يا أيها الناس، إني لم أقرأ عليها - أي جهرا - إلا لتعلموا أنها سنة‏"‏‏.‏
قال الحاكم‏:‏ شرحبيل لم يحتج به الشيخان، وإنما أخرجته لأنه مفسر للطرق المتقدمة انتهى‏.‏
وشرحبيل مختلف في توثيقه، واستدل الطحاوي على ترك القراءة في الأولى بتركها في باقي التكبيرات وبترك التشهد، قال‏:‏ ولعل قراءة من قرأ الفاتحة من الصحابة كان على وجه الدعاء لا على وجه التلاوة‏.‏
وقوله ‏"‏أنها سنة ‏"‏ يحتمل أن يريد أن الدعاء سنة انتهى‏.‏
ولا يخفى ما يجيء على كلامه من التعقب، وما يتضمنه استدلاله من التعسف‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-03-2013, 11:56 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على الشهداء‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ أراد باب حكم الصلاة على الشهيد، ولذلك أورد فيه حديث جابر الدال على نفيها، وحديث عقبة الدال على إثباتها قال‏:‏ ويحتمل أن يكون المراد باب مشروعية الصلاة على الشهيد في قبره لا قبل دفنه عملا بظاهر الحديثين، قال‏:‏ والمراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار انتهى‏.‏
وكذا المراد بقوله بعد ‏"‏ من لم ير غسل الشهيد ‏"‏ ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا صالحا أو غير صالح، وخرج بقوله ‏"‏ المعركة ‏"‏ من جرح في القتال وعاش بعد ذلك حياة مستقرة، وخرج بحرب الكفار من مات بقتال المسلمين كأهل البغي، وخرج بجميع ذلك من سمي شهيدا بسبب غير السبب المذكور، وإنما يقال له شهيد بمعنى ثواب الآخرة، وهذا كله على الصحيح من مذاهب العلماء‏.‏
والخلاف في الصلاة على قتيل معركة الكفار مشهور، قال الترمذي‏:‏ قال بعضهم يصلى على الشهيد وهو قول الكوفيين وإسحاق‏.‏
وقال بعضهم لا يصلى عليه وهو قول المدنيين والشافعي وأحمد‏.‏
وقال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏ جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد، وما روي أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح‏.‏
وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه‏.‏
قال‏:‏ وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين، يعني والمخالف يقول لا يصلى على القبر إذا طالت المدة‏.‏
قال وكأنه صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله مودعا لهم بذلك، ولا يدل ذلك على نسخ الحكم الثابت انتهى‏.‏
وما أشار إليه من المدة والتوديع قد أخرجه البخاري أيضا كما سننبه عليه بعد هذا‏.‏
ثم إن الخلاف في ذلك في منع الصلاة عليهم على الأصح عند الشافعية، وفي وجه أن الخلاف في الاستحباب وهو المنقول عن الحنابلة، قال الماوردي عن أحمد‏:‏ الصلاة على الشهيد أجود، وأن لم يصلوا عليه أجزأ‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر‏)‏ كذا يقول الليث عن ابن شهاب، قال النسائي‏:‏ لا أعلم أحدا من ثقات أصحاب ابن شهاب تابع الليث على ذلك‏.‏
ثم ساقه من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة فذكر الحديث مختصرا، وكذا أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق، والطبراني من طريق عبد الرحمن بن إسحاق وعمرو بن الحارث كلهم عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة، وعبد الله له رؤية فحديثه من حيث السماع مرسل، وقد رواه عبد الرزاق عن معمر فزاد فيه جابرا، وهو مما يقوي اختيار البخاري، فإن ابن شهاب صاحب حديث فيحمل على أن الحديث عنده عن شيخين، ولا سيما أن في رواية عبد الرحمن بن كعب ما ليس في رواية عبد الله بن ثعلبة‏.‏
وعلي بن شهاب فيه اختلاف آخر رواه أسامة بن زيد الليثي عنه عن أنس أخرجه أبو داود والترمذي، وأسامة سيء الحفظ، وقد حكى الترمذي في ‏"‏ العلل ‏"‏ عن البخاري أن أسامة غلط في إسناده‏.‏
وأخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري عن ابن شهاب فقال‏:‏ ‏"‏ عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه ‏"‏ وابن عبد العزيز ضعيف، وقد أخطأ في قوله ‏"‏ عن أبيه‏"‏‏.‏
وقد ذكر البخاري فيه اختلافا آخر كما سيأتي بعد بابين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يقول أيهما‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أيهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يصل عليهم‏)‏ هو مضبوط في روايتنا بفتح اللام، وهو اللائق بقوله بعد ذلك ‏"‏ ولم يغسلوا ‏"‏ وسيأتي بعد بابين من وجه آخر عن الليث بلفظ ‏"‏ ولم يصل عليهم ولم يغسلهم ‏"‏ وهذه بكسر اللام والمعني ولم يفعل ذلك بنفسه ولا بأمره‏.‏
وفي حديث جابر هذا مباحث كثيرة يأتي استيفاؤها في غزوة أحد من المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏
وفيه جواز تكفين الرجلين في ثوب واحد لأجل الضرورة إما بجمعهما فيه وإما بقطعه بينهما، وعلى جواز دفن اثنين في لحد، وعلى استحباب تقديم أفضلهما لداخل اللحد، وعلى أن شهيد المعركة لا يغسل، وقد ترجم المصنف لجميع ذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية أسامة المذكورة ‏"‏ لم يصل عليهم ‏"‏ كما في حديث جابر‏.‏
وفي رواية عنه عند الشافعي والحاكم ‏"‏ ولم يصل على أحد غيره ‏"‏ يعني حمزة‏.‏
وقال الدارقطني‏:‏ هذه اللفظة غير محفوظة - يعني عن أسامة - والصواب الرواية الموافقة لحديث الليث والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الخير‏)‏ هو اليزني، والإسناد كله بصريون، وهذا معدود من أصح الأسانيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلاته‏)‏ بالنصب أي مثل صلاته‏.‏
زاد في غزوة أحد من طريق حيوة بن شريح عن يزيد ‏"‏ بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وسيأتي الكلام على الزيادة هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
وكانت أحد في شوال سنة ثلاث، ومات صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، فعلى هذا ففي قوله ‏"‏ بعد ثمان سنين ‏"‏ تجوز على طريق جبر الكسر، إلا فهي سبع سنين ودون النصف‏.‏
واستدل به على مشروعية الصلاة على الشهداء وقد تقدم جواب الشافعي عنه بما لا مزيد عليه‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ معنى صلاته صلى الله عليه وسلم عليهم لا يخلو من ثلاثة معان‏:‏ إما أن يكون ناسخا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم، أو يكون من سنتهم أن لا يصلي عليهم إلا بعد هذه المدة المذكورة، أو تكون الصلاة عليهم جائزة بخلاف غيرهم فإنها واجبة‏.‏
وأيها كان فقد ثبت بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء‏.‏
ثم كأن الكلام بين المختلفين في عصرنا إنما هو في الصلاة عليهم قبل دفنهم، وإذا ثبتت الصلاة عليهم بعد الدفن كانت قبل الدفن أولى انتهى‏.‏
وغالب ما ذكره بصدد المنع - لا سيما في دعوى الحصر - فإن صلاته عليهم تحتمل أمورا أخر‏:‏ منها أن تكون من خصائصه، ومنها أن تكون بمعنى الدعاء كما تقدم‏.‏
ثم هي واقعة عين لا عموم فيها، فكيف ينتهض الاحتجاج بها لدفع حكم قد تقرر‏؟‏ ولم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره والله أعلم‏.‏
قال النووي‏:‏ المراد بالصلاة هنا الدعاء، وأما كونه مثل الذي على الميت فمعناه أنه دعا لهم بمثل الدعاء الذي كانت عادته أن يدعو به للموتى‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏إني فرط لكم‏)‏ أي سابقكم، و قوله‏:‏ ‏(‏وإني والله‏)‏ فيه الحلف لتأكيد الخبر وتعظيمه، و قوله‏:‏ ‏(‏لأنظر إلى حوضي‏)‏ هو على ظاهره، وكأنه كشف له عنه في تلك الحالة‏.‏
وسيأتي الكلام على الحوض مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى، وكذا على المنافسة في الدنيا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما أخاف عليكم أن تشركوا‏)‏ أي على مجموعكم، لأن ذلك قد وقع من البعض أعاذنا الله تعالى‏.‏
وفي هذا الحديث معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك أورده المصنف في ‏"‏ علامات النبوة ‏"‏ كما سيأتي بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب دَفْنِ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر‏)‏ أورد فيه حديث جابر المذكور مختصرا بلفظ ‏"‏ كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ جرى المصنف على عادته إما بالإشارة إلى ما ليس على شرطه، وإما بالاكتفاء بالقياس‏.‏
وقد وقع في رواية عبد الرزاق يعني المشار إليها قبل بلفظ ‏"‏ وكان يدفن الرجلين والثلاثة في القبر الواحد ‏"‏ انتهى‏.‏
وورد ذكر الثلاثة في هذه القصة عن أنس أيضا عند الترمذي وغيره، وروى أصحاب السنن عن هشام بن عامر الأنصاري قال‏:‏ جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقالوا‏:‏ أصابنا قرح وجهد، قال‏:‏ احفروا وأوسعوا‏.‏
واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر ‏"‏ صححه الترمذي، والظاهر أن المصنف أشار إلى هذا الحديث‏.‏
وأما القياس ففيه نظر، لأنه لو أراده لم يقتصر عل الثلاثة بل كان يقول مثلا دفن الرجلين فأكثر، ويؤخذ من هذا جواز دفن المرأتين في قبر، وأما دفن الرجل مع المرأة فروى عبد الرزاق بإسناد حسن عن واثلة بن الأسقع ‏"‏ أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد فيقدم الرجل ويجعل المرأة وراءه‏"‏، وكأنه كان يجعل بينهما حائلا من تراب ولا سيما إن كانا أجنبيين‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب مَنْ لَمْ يَرَ غَسْلَ الشُّهَدَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم ير غسل الشهداء‏)‏ في نسخة ‏"‏ الشهيد ‏"‏ بالإفراد‏.‏
أشار بذلك إلى ما روي عن سعيد بن المشيب أنه قال‏:‏ يغسل الشهيد، لأن كل ميت يجنب فيجب غسله حكاه ابن المنذر، قال‏:‏ وبه قال الحسن البصري‏.‏
ورواه ابن أبي شيبة عنهما أي عن سعيد والحسن، وحكي عن ابن سريج من الشافعية وعن غيره، وهو من الشذوذ‏.‏
وقد وقع عند أحمد من وجه آخر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد ‏"‏ لا تغسلوهم فإن كل جرح - أو كل دم - يفوح مسكا يوم القيامة، ولم يصل عليهم ‏"‏ فبين الحكمة في ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرٍ قال قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْفِنُوهُمْ فِي دِمَائِهِمْ يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ
الشرح‏:‏
حديث جابر أورده المصنف قبل مختصرا بلفظ ‏"‏ ولم يغسلهم ‏"‏ واستدل بعمومه على أن الشهيد لا يغسل حتى ولا الجنب والحائض، وهو الأصح عند الشافعية، وقيل يغسل للجنابة لا بنية غسل الميت، لما روي في قصة حنظلة بن الراهب أن الملائكة غسلته يوم أحد لما استشهد وهو جنب، وقصته مشهورة رواها ابن إسحق وغيره، وروى الطبراني وغيره من حديث ابن عباس بإسناد لا بأس به عنه قال ‏"‏ أصيب حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ رأيت الملائكة تغسلهما ‏"‏ غريب في ذكـر حمزة، وأجيب بأنه لو كان واجبا ما اكتفي فيه بغسل الملائكة، فدل على سقوطه عمن يتولى أمر الشهيد‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-03-2013, 11:57 PM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب مَنْ يُقَدَّمُ فِي اللَّحْدِ
وَسُمِّيَ اللَّحْدَ لِأَنَّهُ فِي نَاحِيَةٍ وَكُلُّ جَائِرٍ مُلْحِدٌ مُلْتَحَدًا مَعْدِلًا وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِيمًا كَانَ ضَرِيحًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من يقدم في اللحد‏)‏ أي إذا كانوا أكثر من واحد، وقد دل حديث الباب على تقديم من كان أكثر قرآنا من صاحبه، وهذا نظير تقديمه في الإمامة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسمي اللحد لأنه في ناحية‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ أصل الإلحاد الميل والعدول عن الشيء، وقيل للمائل عن الدين ملحد، وسمي اللحد لأنه شق يعمل في جانب القبر فيميل عن وسط القبر إلى جانبه بحيث يسع الميت فيوضع فيه ويطبق عليه اللبن‏.‏
وأما قول المصنف بعد ‏"‏ ولو كان مستقيما لكان ضريحا ‏"‏ فلأن الضريح شق يشق في الأرض على الاستواء ويدفن فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ملتحدا‏:‏ معدلا‏)‏ هو قول أبي عبيدة بن المثنى في ‏"‏ كتاب المجاز‏"‏‏.‏
قال ‏"‏قوله ملتحدا أي معدلا ‏"‏ وقال الطبري معناه ولن تجد من دونه معدلا تعدل إليه عن الله، لأن قدرة الله محيطة بجميع خلقه‏.‏
قال والملتحد مفتعل من اللحد، يقال منه لحدت إلى كذا إذا ملت إليه انتهى‏.‏
ويقال‏:‏ لحدته وألحدته، قال الفراء‏:‏ الرباعي أجود‏.‏
وقال غيره‏:‏ الثلاثي أكثر‏.‏
ويؤيده حديث عائشة في قصة دفن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد ‏"‏ الحديث أخرجه ابن ماجه، ثم ساق المصنف حديث جابر من طريق ابن المبارك عن الليث متصلا، وعن الأوزاعي منقطعا لأن ابن شهاب لم يسمع من جابر‏.‏
زاد ابن سعد في الطبقات عن الوليد بن مسلم ‏"‏ حدثني الأوزاعي بهذا الإسناد قال‏:‏ زملوهم بجراحهم فإني أنا الشهيد عليهم، ما من مسلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة يسيل دما ‏"‏ الحديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِقَتْلَى أُحُدٍ أَيُّ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى رَجُلٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ صَاحِبِهِ وَقَالَ جَابِرٌ فَكُفِّنَ أَبِي وَعَمِّي فِي نَمِرَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الشرح‏:‏
قوله في رواية الأوزاعي ‏(‏فكفن أبي وعمي في نمرة‏)‏ هي بفتح النون وكسر الميم‏:‏ بردة من صوف أو غيره مخططة‏.‏
وقال الفراء‏:‏ هي دراعة فيها لونان سواد وبياض، ويقال للسحابة إذا كانت كذلك نمرة، وذكر الواقدي في المغازي وابن سعد أنهما كفنا في نمرتين، فإن ثبت حمل على أن النمرة الواحدة شقت بينهما نصفين، وسيأتي مزيد لذلك بعد بابين‏.‏
والرجل الذي كفن معه في النمرة كأنه هو الذي دفن معه كما سيأتي الكلام على تسميته بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال سليمان بن كثير إلخ‏)‏ هو موصول في الزهريات للذهلي‏.‏
وفي رواية سليمان المذكور إبهام شيخ الزهري وقد تقدم البحث فيه قبل بابين، قال الدارقطني في ‏"‏ التتبع ‏"‏‏:‏ اضطرب فيه الزهري، وأجيب بمنع الاضطراب لأن الحاصل من الاختلاف فيه على الثقات أن الزهري حمله عن شيخين، وأما إبهام سليمان لشيخ الزهري وحذف الأوزاعي له فلا يؤثر ذلك في رواية من سماه، لأن الحجة لمن ضبط وزاد إذا كان ثقة لا سيما إذا كان حافظا، وأما رواية أسامة وابن عبد العزيز فلا تقدح في الرواية الصحيحة لضعفهما، وقد بينا أن البخاري صرح بغلط أسامة فيه، وسيأتي الكلام على بقية فوائد حيث جابر في المغازي، وفيه فضيلة ظاهرة لقارئ القرآن، ويلحق به أهل الفقه والزهد وسائر وجوه الفضل‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب الْإِذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي الْقَبْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإذخر والحشيش في القبر‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس في تحريم مكة، وفيه ‏"‏ فقال العباس إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا ‏"‏ وسيأتي الكلام على فوائده في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
وجوز ابن مالك في قوله ‏"‏ إلا الإذخر ‏"‏ الرفع والنصب، وترجم ابن المنذر على هذا الحديث طرح الإذخر في القبر وبسطه فيه، وأراد المصنف بذكر الحشيش التنبيه على إلحاقه بالإذخر وأن المراد باستعمال الإذخر البسط ونحوه لا التطيب، ومراده بالحشيش ما يجوز حشه من الحرم إذا لم يقيده في الترجمة بشيء‏.‏
وقد تقدم في ‏"‏ باب إذا لم يجد كفنا ‏"‏ في قصة مصعب بن عمير لما قصر كفنه أن يغطى رأسه وأن يجعل على رجليه من الإذخر، ولأحمد من طريق خباب أيضا أن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الإذخر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا وَقَالَ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة إلخ‏)‏ هو طرف من حديث طويل فيه قصة أبي شاه وقد تقدم موصولا في كتاب العلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبان بن صالح إلخ‏)‏ وصله ابن ماجه من طريقه وفيه ‏"‏ فقال العباس إلا الإذخر، فإنه للبيوت والقبور‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد إلخ‏)‏ هو طرف من الحديث الأول، وسيأتي موصولا في كتاب الحج، وأورده لقوله فيه ‏"‏ لقينهم ‏"‏ بدل لقبورهم، والقين بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هو الحداد، وكأنه أشار إلى ترجيح الرواية الأولى لموافقة رواية أبي هريرة وصفية، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب هَلْ يُخْرَجُ الْمَيِّتُ مِنْ الْقَبْرِ وَاللَّحْدِ لِعِلَّةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة‏)‏ أي لسبب، وأشار بذلك إلى الرد على من منع إخراج الميت من قبره مطلقا أو لسبب دون سبب، كمن خص الجواز بما لو دفن بغير غسل أو بغير صلاة، فإن في حديث جابر الأول دلالة على الجواز إذا كان في نبشه مصلحة تتعلق به من زيادة البركة له، وعليه يتنزل قوله في الترجمة ‏"‏ من القبر‏"‏، وفي حديث جابر الثاني دلالة على جواز الإخراج لأمر يتعلق بالحي لأنه لا ضرر على الميت في دفن ميت آخر معه، وقد بين ذلك جابر بقوله ‏"‏ فلم تطب نفسي ‏"‏ وعليه يتنزل قوله ‏"‏ واللحد ‏"‏ لأن والد جابر كان في لحد، وإنما أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قصة عبد الله بن أبي قابلة للتخصيص، وقصة والد جابر ليس فيها تصريح بالرفع، قاله الزين بن المنير، ثم أورد المصنف فيه حديث عمرو - وهو ابن دينار - عن جابر في قصة عبد الله بن أبي، وقد سبق ذكره في ‏"‏ باب الكفن في القميص ‏"‏ وزاد في هذه الطريق ‏"‏ وكان كسا عباسا قميصا ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ قميصه ‏"‏ والعباس المذكور هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا قَالَ سُفْيَانُ وَقَالَ أَبُو هَارُونَ يَحْيَى وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَانِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ قَالَ سُفْيَانُ فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏:‏ وقال أبو هرون إلخ‏)‏ كذا وقع في رواية أبي ذر وغيرها، ووقع في كثير من الروايات ‏"‏ وقال أبو هريرة ‏"‏ وكذا في مستخرج أبي نعيم وهو تصحيف، وأبو هرون المذكور جزم المزي بأنه موسى بن أبي عيسى الحناط بمهملة ونون المدني، وقيل هو الغنوي واسمه إبراهيم بن العلاء من شيوخ البصرة، وكلاهما من أتباع التابعين، فالحديث معضل‏.‏
وقد أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان فسماه عيسى ولفظه ‏"‏ حدثنا عيسى بن أبي موسى ‏"‏ فهذا هو المعتمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏:‏ فيرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله قيمصه مكافأة لما صنع بالعباس‏)‏ هذا القدر متصل عند سفيان، وقد أخرجه البخاري في أواخر الجهاد في ‏"‏ باب كسوة الأسارى ‏"‏ عن عبد الله بن محمد عن سفيان بالسند المذكور قال ‏"‏ لما كان يوم بدر أتي بأسارى وأتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه ‏"‏ ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ فلذلك ‏"‏ من كلام سفيان أدرج في الخبر، بينته رواية علي بن عبد الله التي في هذا الباب، وسأستوفي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ مَا أُرَانِي إِلَّا مَقْتُولًا فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَا أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فَاقْضِ وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الْآخَرِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حسين المعلم عن عطاء‏)‏ هو ابن أبي رباح ‏(‏عن جابر‏)‏ هكذا أخرج البخاري هذا الحديث عن مسدد عن بشر بن المفضل عن حسين، ولم أره بعد التتبع الكثير في شيء من كتب الحديث بهذا الإسناد إلى جابر إلا في البخاري، وقد عز على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه في مستخرجه من طريق البخاري، وأما أبو نعيم فأخرجه من طريق أبي الأشعث عن بشر بن المفضل فقال ‏"‏ عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن جابر ‏"‏ وقال بعده‏:‏ ليس أبو نضرة من شرط البخاري‏.‏
قال‏:‏ وروايته عن حسين عن عطاء عزيزة جدا‏.‏
قلت‏:‏ وطريق سعيد مشهورة عنه، أخرجها أبو داود وابن سعد والحاكم والطبراني من طريقه عن أبي نضرة عن جابر، واحتمل عندي أن يكون لبشر بن المفضل فيه شيخان، إلى أن رأيته في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ للحاكم قد أخرجه عن أبي بكر بن إسحاق عن معاذ بن المثنى عن مسدد عن بشر كما رواه أبو الأشعث عن بشر، وكذا أخرجه في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ بهذا الإسناد إلى جابر ولفظه لفظ البخاري سواء، فغلب علي الظن حينئذ أن في هذه الطريق وهما، لكن لم يتبين لي ممن هو، ولم أر من نبه على ذلك، وكأن البخاري استشعر بشيء من ذلك فعقب هذه الطريق بما أخرجه من طريق ابن أبي نجيح عن عطاء عن جابر مختصرا ليوضح أن له أصلا من طريق عطاء عن جابر‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما أراني‏)‏ بضم الهمزة بمعني الظن، وذكر الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ عن الواقدي أن سبب ظنه ذلك منام رآه أنه رأى مبشر بن عبد المنذر - وكان ممن استشهد ببدر - يقول له‏:‏ أنت قادم علينا في هذه الأيام، فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ هذه الشهادة‏.‏
وفي رواية أبي نضرة المذكورة عند ابن السكن عن جابر أن أباه قال له‏:‏ إني معرض نفسي للقتل‏.‏
الحديث‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ إنما قال ذلك بناء على ما كان عزم عليه، وإنما قال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض أصحابه سيقتل كما سيأتي واضحا في المغازي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن علي دينا‏)‏ سيأتي مقداره في علامات النبوة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاقض‏)‏ كذا في الأصل بحذف المفعول‏.‏
وفي رواية الحاكم ‏"‏ فاقضه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بأخواتك‏)‏ سيأتي الكلام على ذكر عدتهن ومن عرف اسمها منهن في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ودفن معه آخر‏)‏ هو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام الأنصاري، وكان صديق والد جابر وزوج أخته هند بنت عمرو، وكأن جابرا سماه عمه تعظيما‏.‏
قال ابن إسحاق في المغازي ‏"‏ حدثني أبي عن رجال من بني سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين أصيب عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح‏:‏ اجمعوا بينهما فإنهما كانا متصادقين في الدنيا ‏"‏ وفي ‏"‏ مغازي الواقدي ‏"‏ عن عائشة أنها رأت هند بنت عمرو تسوق بعيرا لها عليه زوجها عمرو بن الجموح وأخوها عبد الله بن عمرو بن حرام لتدفنهما بالمدينة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برد القتلى إلى مضاجعهم‏.‏
وأما قول الدمياطي إن قوله ‏"‏ وعمي ‏"‏ وهم فليس بجيد، لأن له محملا سائغا، والتجوز في مثل هذا يقع كثيرا‏.‏
وحكى الكرماني عن غيره أن قوله ‏"‏ وعمي ‏"‏ تصحيف من ‏"‏ عمرو ‏"‏ وقد روى أحمد بإسناد حسن من حديث أبي قتادة قال ‏"‏ قتل عمرو بن الجموح وابن أخيه يوم أحد فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلا في قبر واحد ‏"‏ قال ابن عبد البر في التمهيد‏:‏ ليس هو ابن أخيه وإنما هو ابن عمه، وهو كما قال فلعله كان أسن منه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاستخرجته بعد ستة أشهر‏)‏ أي من يوم دفنه وهذا يخالف في الظاهر ما وقع في الموطأ عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين كانا قد حفر السيل قبرهما، وكانا في قبر واحد، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس، وكان بين أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة، وقد جمع بينهما ابن عبد البر بتعدد القصة، وفيه نظر لأن الذي في حديث جابر أنه دفن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر وفي حديث الموطأ أنهما وجدا في قبر واحد بعد ست وأربعين سنة، فإما أن يكون المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة، أو أن السيل خرق أحد القبرين فصارا كقبر واحد، وقد ذكر ابن إسحاق القصة في المغازي فقال ‏"‏ حدثني أبي عن أشياخ من الأنصار قالوا‏:‏ لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء انفجرت العين عليهم فجئنا فأخرجناهما - يعني عمرا وعبد الله - وعليهما بردتان قد غطي بهما وجوههما وعلى أقدامهم شيء من نبات الأرض، فأخرجناهما يتثنيان تثنيا كأنهما دفنا بالأمس‏"‏‏.‏
وله شاهد بإسناد صحيح عند ابن سعد من طريق أبي الزبير عن جابر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه‏)‏ وقال عياض في رواية أبي السكن والنسفي ‏"‏ غير هنية في أذنه ‏"‏ وهو الصواب بتقديم ‏"‏ غير ‏"‏ وزيادة ‏"‏ في ‏"‏ وفي الأول تغيير، قال ومعنى قوله ‏"‏ هنية ‏"‏ أي شيئا يسيرا، وهو بنون بعدها تحتانية مصغرا، وهو تصغير ‏"‏ هنة ‏"‏ أي شيء، فصغره لكونه أثرا يسيرا انتهى‏.‏
وقد قال الإسماعيلي عقب سياقه بلفظ الأكثر‏.‏
إنما هو ‏"‏ عند‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وكدا وقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني، لكن يبقى في الكلام نقص، ويبينه ما في رواية ابن أبي خيثمة والطبراني من طريق غسان بن مضر عن أبي سلمة بلفظ ‏"‏ وهو كيوم دفنته، إلا هنية عند أذنه ‏"‏ وهو موافق من حيث المعني لرواية ابن السكن التي صوبها عياض‏.‏
وجمع أبو نعيم في روايته من طريق أبي الأشعث بين لفظ ‏"‏ غير ‏"‏ ولفظ ‏"‏ عند ‏"‏ فقال ‏"‏ غير هنية عند أذنه ‏"‏ ووقع في رواية الحاكـم المشار إليها ‏"‏ فإذا هو كيوم وضعته غير أذنه ‏"‏ سقط منها لفظ ‏"‏ هنية ‏"‏ وهو مستقيم المعنى‏.‏
وكذلك ذكره الحميدي في ‏"‏ الجمع ‏"‏ في أفراد البخاري، والمراد بالأذن بعضها‏.‏
وحكى ابن التين أنه في روايته بفتح الهاء وسكون التحتانية بعدها همزة ثم مثناة منصوبة ثم هاء الضمير، أي على حالته‏.‏
وقد أخرجه ابن السكن من طريق شعبة عن أبي مسلمة بلفظ ‏"‏ غير أن طرف أذن أحدهم تغير‏"‏، ولابن سعد من طريق أبي هلال عن أبي مسلمة ‏"‏ إلا قليلا من شحمة أذنه ‏"‏ ولأبي داود من طريق حماد بن زيد عن أبي مسلمة ‏"‏ إلا شعرات كن من لحيته مما يلي الأرض ‏"‏ ويجمع بين هذه الرواية وغيرها بأن المراد الشعرات التي تتصل بشحمة الأذن، وأفادت هذه الرواية سبب تغير ذلك دون غيره، ولا يعكر على ذلك ما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن محمد بن المنكدر عن جابر ‏"‏ أن أباه قتل يوم أحد ثم مثلوا به فجدعوا أنفه وأذنيه ‏"‏ الحديث، وأصله في مسلم، لأنه محمول على أنهم قطعوا بعض أذنيه لا جميعهما والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن أبي نجيح عن عطاء‏)‏ كذا للأكثر، وحكى أبو علي الجياني أنه وقع عند أبي علي بن السكن ‏"‏ عن مجاهد ‏"‏ بدل ‏"‏ عطاء ‏"‏ قال‏:‏ والذي رواه غيره أصح‏.‏
قلت‏:‏ وكذا أخرجه ابن سعد والنسائي والإسماعيلي وآخرون كلهم من طريق سعيد بن عامر بالسند المذكور فيه وهو الصواب‏.‏
وفي قصة والد جابر من الفوائد‏:‏ الإرشاد إلى بر الأولاد بالآباء خصوصا بعد الوفاة، والاستعانة على ذلك بإخبارهم بمكانتهم من القلب‏.‏
وفيه قوة إيمان عبد الله المذكور لاستثنائه النبي صلى الله عليه وسلم ممن جعل ولده أعز عليه منهم‏.‏
وفيه كرامته بوقوع الأمر على ما ظن، وكرامته بكون الأرض لم تبل جسده مع لبثه فيها، والظاهر أن ذلك لمكان الشهادة‏.‏
وفيه فضيلة لجابر لعمله بوصية أبيه بعد موته في قضاء دينه كما سيأتي بيانه في مكانه‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-03-2013, 11:58 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب اللَّحْدِ وَالشَّقِّ فِي الْقَبْرِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب اللحد والشق في القبر‏)‏ أورد فيه حديث جابر في قصة قتلى أحد وليس فيه للشق ذكر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ فَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ
الشرح‏:‏
قال ابن رشيد‏:‏ قوله في حديث جابر ‏"‏ قدمه في اللحد ‏"‏ ظاهر في أن الميتين جميعا في اللحد، ويحتمل أن يكون المقدم في اللحد والذي يليه في الشق لمشقة الحفر في الجانب لمكان اثنين، وهذا يؤيد ما تقدم توجيهه أن المراد بقوله ‏"‏ فكفن أبي وعمي في نمرة واحدة ‏"‏ أي شقت بينهما، ويحتمل أن يكون ذكر الشق في الترجمة لينبه على أن اللحد أفضل منه، لأنه الذي وقع دفن الشهداء فيه مع ما كانوا فيه من الجهد والمشقة، فلولا مزيد فضيلة فيه ما عانوه‏.‏
وفي السنن لأبي داود وغيره من حديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ اللحد لنا والشق لغيرنا ‏"‏ وهو يؤيد فضيلة اللحد على الشق‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ الْإِسْلَامُ
وَقَالَ الْحَسَنُ وَشُرَيْحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَالْوَلَدُ مَعَ الْمُسْلِمِ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ أُمِّهِ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ وَقَالَ الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه‏؟‏ وهل يعرض على الصبي الإسلام‏)‏ ‏؟‏ هذه الترجمة معقودة لصحة إسلام الصبي، وهي مسألة اختلاف كما سنبينه‏.‏
وقوله ‏"‏وهل يعرض عليه ‏"‏ ذكره هنا بلفظ الاستفهام، وترجم في كتاب الجهاد بصيغة تدل على الجزم بذلك فقال ‏"‏ وكيف يعرض الإسلام على الصبي ‏"‏‏؟‏ وكأنه لما أقام الأدلة هنا على صحة إسلامه استغنى بذلك وأفاد هناك ذكر الكيفية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن إلخ‏)‏ أما أثر الحسن فأخرجه البيهقي من طريق محمد بن نصر أظنه في كتاب الفرائض له قال ‏"‏ حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا يزيد بن زريع عن يونس عن الحسن في الصغير‏؟‏ قال‏:‏ مع المسلم من والديه‏.‏
وأما أثر إبراهيم فوصله عبد الرزاق عن معمر عن مغيرة عن إبراهيم قال في نصرانيين بينهما ولد صغير فاسلم أحدهما‏؟‏ قال‏:‏ أولاهما به المسلم‏.‏
وأما أثر شريح فأخرجه البيهقي بالإسناد المذكور إلى يحيى بن يحيى ‏"‏ حدثنا هشيم عن أشعث عن الشعبي عن شريح أنه اختصم إليه في صبي أحد أبويه نصراني، قال‏:‏ الوالد المسلم أحق بالولد‏"‏‏.‏
وأما أثر قتادة فوصله عبد الرزاق عن معمر عنه نحو قول الحسن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عباس مع أمه من المستضعفين‏)‏ وصله المصنف في الباب من حديثه بلفظ كنت أنا وأمي من المستضعفين، واسم أمه لبابة بنت الحارث الهلالية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يكن مع أبيه على دين قومه‏)‏ هذا قاله المصنف تفقها، وهو مبني على أن إسلام العباس كان بعد وقعة بدر، وقد اختلف في ذلك فقيل‏:‏ أسلم قبل الهجرة وأقام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك لمصلحة المسلمين، روى ذلك ابن سعد من حديث ابن عباس، وفي إسناده الكلبي وهو متروك‏.‏
ويرده أن العباس أسر ببدر، وقد فدى نفسه كما سيأتي في المغازي واضحا، ويرده أيضا أن الآية التي في قصة المستضعفين نزلت بعد بدر بلا خلاف، فالمشهور أنه أسلم قبل فتح خيبر، ويدل عليه حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط كما أخرجه أحمد والنسائي، وروى ابن سعد من حديث ابن عباس أنه هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ورده بقصة الحجاج المذكور، والصحيح أنه هاجر عام الفتح في أول السنة وقدم مع النبي صلى الله عليه وسلم فشهد الفتح والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏:‏ الإسلام يعلو ولا يعلى‏)‏ كذا في جميع نسخ البخاري لم يعين القائل، وكنت أظن أنه معطوف على قول ابن عباس فيكون من كلامه، ثم لم أجده من كلامه بعد التتبع الكثير، ورأيته موصولا مرفوعا من حديث غيره أخرجه الدارقطني ومحمد بن هرون الروياني في مسنده من حديث عائذ بن عمرو المزني بسند حسن، ورويناه في ‏"‏ فوائد أبي يعلى الخليلي ‏"‏ من هذا الوجه وزاد في أوله قصة وهي أن عائذ بن عمرو جاء يوم الفتح مع أبي سفيان بن حرب، فقال الصحابة‏:‏ هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هذا عائد بن عمرو وأبو سفيان، الإسلام أعز من ذلك، الإسلام يعلو ولا يعلى‏.‏
وفي هذه القصة أن للمبدأ به في الذكر تأثيرا في الفضل لما يفيده من الاهتمام، وليس فيه حجة على أن الواو ترتب‏.‏
ثم وجدته من قول ابن عباس كما كنت أظن ذكره ابن حزم في المحلى قال‏:‏ ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ إذا أسلمت اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني يفرق بينهما، الإسلام يعلو ولا يعلى‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لِابْنِ صَيَّادٍ تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَضَهُ وَقَالَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ فَقَالَ لَهُ مَاذَا تَرَى قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِّطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ هُوَ الدُّخُّ فَقَالَ اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ وَقَالَ سَالِمٌ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ يَعْنِي فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ أَوْ زَمْرَةٌ فَرَأَتْ أمُّ ابْنِ صَيّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ يَا صَافِ وَهُوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ هَذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ وَقَالَ شُعَيْبٌ فِي حَدِيثِهِ فَرَفَصَهُ رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ وَقَالَ إِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ وَعُقَيْلٌ رَمْرَمَةٌ وَقَالَ مَعْمَرٌ رَمْزَةٌ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر في قصة ابن صياد وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الباب المشار إليه في الجهاد، ومقصود البخاري منه الاستدلال هنا بقوله صلى الله عليه وسلم لابن صياد ‏"‏ أتشهد أني رسول الله ‏"‏‏؟‏ وكان إذ ذاك دون البلوغ قوله‏:‏ ‏"‏ أطم ‏"‏ بضمتين بناء كالحصن‏.‏
و ‏"‏ مغالة ‏"‏ بفتح الميم والمعجمة الخفيفة بطن من الأنصار، وابن صياد في رواية أبي ذر صائد وكلا الأمرين كان يدعى به، وقوله ‏"‏فرفضه ‏"‏ للأكثر بالضاد المعجمة أي تركه، قال الزين بن المنير‏:‏ أنكرها القاضي‏.‏
ولبعضهم بالمهملة أي دفعه برجله، قال عياض‏:‏ كذا في رواية أبي ذر عن غير المستملي ولا وجه لها‏.‏
قال المازري‏:‏ لع له رفسه بالسين المهملة أي ضربه برجله، قال عياض‏:‏ لم أجد هذه اللفظة في جماهير اللغة يعني بالصاد، قال‏:‏ وقد وقع في رواية الأصيلي بالقاف بدل الفاء‏.‏
وفي رواية عبدوس ‏"‏ فوقصه ‏"‏ بالواو والقاف، وقوله ‏"‏وهو يختل ‏"‏ بمعجمة ساكنة بعدها مثناة مكسورة أي يخدعه، والمراد أنه كان يريد أن يستغفله ليسمع كلامه وهو لا يشعر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏له فيها رمزة أو زمرة‏)‏ كذا للأكثر على الشك في تقديم الراء على الزاي أو تأخيرها، ولبعضهم ‏"‏ زمزمة أو رمرمة ‏"‏ على الشك هل هو بزايين أو براءين مع زيادة ميم فيهما، ومعاني هذه الكلمات المختلفة متقاربة، فأما التي بتقديم الراء وميم واحدة فهي فعلة من الرمز وهو الإشارة، وأما التي بتقديم الزاي كذلك فمن الزمر والمراد حكاية صوته، وأما التي بالمهملتين وميمين فأصله من الحركة وهي هنا بمعني الصوت الخفي، وأما التي بالمعجمتين كذلك فقال الخطابي‏:‏ هو تحريك الشفتين بالكلام‏.‏
وقال غيره‏:‏ وهو كلام العلوج وهو صوت يصوت من الخياشيم والحلق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فثار ابن صياد‏)‏ أي قام كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ فثاب ‏"‏ بموحدة أي رجع عن الحالة التي كان فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال شعيب زمزمة فرفصه‏)‏ في رواية أبي ذر بالزايين وبالصاد المهملة‏.‏
وفي رواية غيره ‏"‏ وقال شعيب في حديثه فرفصه زمزمة أو رمرمة ‏"‏ بالشك‏.‏
وسيأتي في الأدب موصولا من هذا الوجه بالشك، لكن فيه ‏"‏ فرصه ‏"‏ بغير فاء وبالتشديد، وذكر الخطابي في غريبه بمهملة أي ضغطه وضم بعضه إلى بعض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إسحاق الكلبي وعقيل رمرمة‏)‏ يعني بمهملتين ‏(‏وقال معمر رمزة‏)‏ يعني براء ثم زاي، أما رواية إسحاق فوصلها الذهلي في الزهريات وسقطت من رواية المستملي والكشميهني وأبي الوقت، وأما رواية عقيل فوصلها المصنف في الجهاد وكذا رواية معمر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ
الشرح‏:‏
‏(‏كان غلام يهودي يخدم‏)‏ لم أقف في شيء من الطرق الموصولة على تسميته، إلا أن ابن بشكوال ذكر أن صاحب ‏"‏ العتبية ‏"‏ حكى عن زياد شيطون أن اسم هذا الغلام عبد القدوس، قال‏:‏ وهو غريب ما وجدته عند غيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو عنده‏)‏ في رواية أبي داود ‏"‏ عند رأسه ‏"‏ أخرجه عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه، وكذا للإسماعيلي عن أبي خليفة عن سليمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأسلم‏)‏ في رواية النسائي عن إسحاق بن راهويه عن سليمان المذكور فقال ‏"‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنقذه من النار‏)‏ في رواية أبي داود وأبي خليفة ‏"‏ أنقذه بي من النار ‏"‏ وفي الحديث جواز استخدام المشرك، وعيادته إذا مرض، وفيه حسن العهد، واستخدام الصغير، وعرض الإسلام على الصبي ولولا صحته منه ما عرضه عليه‏.‏
وفي قوله ‏"‏ أنقذه بي من النار ‏"‏ دلالة على أنه صح إسلامه، وعلى أن الصبي إذا عقل الكفر ومات عليه أنه يعذب‏.‏
وسيأتي البحث في ذلك من حديث سمرة الطويل في الرؤيا الآتي في ‏"‏ باب أولاد المشركين ‏"‏ في أواخر الجنائز‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ أَنَا مِنْ الْوِلْدَانِ وَأُمِّي مِنْ النِّسَاءِ
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس ‏"‏ كنت أنا وأمي من المستضعفين ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه في الترجمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى وَإِنْ كَانَ لِغَيَّةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ يَدَّعِي أَبَوَاهُ الْإِسْلَامَ أَوْ أَبُوهُ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ إِذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا صُلِّيَ عَلَيْهِ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا الْآيَةَ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة في أن كل مولود يولد على الفطرة، أخرجه من طريق ابن شهاب عن أبي هريرة منقطعا، ومن طريق آخر عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فالاعتماد في المرفوع على الطريق الموصولة، وإنما أورد المنقطعة لقول ابن شهاب الذي استنبطه من الحديث، وقول ابن شهاب ‏"‏ لغية ‏"‏ بكسر اللام والمعجمة وتشديد التحتانية أي من زنا، ومراده أنه يصلى على ولد الزنا ولا يمنع ذلك من الصلاة عليه لأنه محكوم بإسلامه تبعا لأمه، وكذلك من كان أبوه مسلما دون أمه‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ لم يقل أحد إنه لا يصلى على ولد الزنا إلا قتادة وحده، واختلف في الصلاة على الصبي فقال سعيد بن جبير‏:‏ لا يصلى عليه حتى يبلغ، وقيل حتى يصلي‏.‏
وقال الجمهور‏:‏ يصلى عليه حتى السقط إذا استهل‏.‏
وقد تقدم في ‏"‏ باب قراءة فاتحة الكتاب ‏"‏ ما يقال في الصلاة على جنازة الصبي، ودخل في قوله ‏"‏ كل مولود ‏"‏ السقط فلذلك قيده بالاستهلال، وهذا مصير من الزهري إلى تسمية الزاني أبا لمن زنى بأمه فإنه يتبعه في الإسلام، وهو قول مالك، وسيأتي الكلام على المتن المرفوع وعلى ذكر الاختلاف على الزهري فيه في ‏"‏ باب أولاد المشركين ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب إِذَا قَالَ الْمُشْرِكُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يأت بجواب إذا لأنه صلى الله عليه وسلم لما قال لعمه ‏"‏ قل لا إله إلا الله أشهد لك بها ‏"‏ كان محتملا لأن يكون ذلك خاصا به، لأن غيره إذا قالها وقد أيقن بالوفاة لم ينفعه‏.‏
ويحتمل أن يكون ترك جواب إذا ليفهم الواقف عليه أنه موضع تفصيل وفكر، وهذا هو المعتمد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ الْآيَةَ
الشرح‏:‏
حديث سعيد بن المسيب عن أبيه أورده المصنف في قصة أبي طالب عند موته، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في تفسير براءة‏.‏
وقوله في هذه الطريق ‏"‏ ما لم أنه عنه ‏"‏ أي الاستغفار‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ عنك‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏فأنزل الله فيه الآية ‏"‏ يعني قوله تعالى ‏(‏ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين‏)‏ الآية كما سيأتي‏.‏
وقد ثبت لغير أبي ذر ‏"‏ فأنزل الله فيه‏:‏ ما كان للنبي ‏"‏ الآية‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-03-2013, 11:59 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب الْجَرِيدِ عَلَى الْقَبْرِ وَأَوْصَى بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ أَنْ يُجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيدَانِ وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فُسْطَاطًا عَلَى قَبْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ انْزِعْهُ يَا غُلَامُ فَإِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ رَأَيْتُنِي وَنَحْنُ شُبَّانٌ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنَّ أَشَدَّنَا وَثْبَةً الَّذِي يَثِبُ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ حَتَّى يُجَاوِزَهُ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ أَخَذَ بِيَدِي خَارِجَةُ فَأَجْلَسَنِي عَلَى قَبْرٍ وَأَخْبَرَنِي عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ إِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَجْلِسُ عَلَى الْقُبُورِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجريدة على القبر‏)‏ أي وضعها أو غرزها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأوصى بريدة الأسلمي إلخ‏)‏ وقع في رواية الأكثر ‏"‏ في قبره ‏"‏ وللمستملي ‏"‏ على قبره ‏"‏ وقد وصله ابن سعد من طريق مورق العجلي قال ‏"‏ أوصى بريدة أن يوضع في قبره جريدتان، ومات بأدنى خراسان ‏"‏ قال ابن المرابط وغيره‏:‏ يحتمل أن يكون بريدة أمر أن يغرزا في ظاهر القبر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وضعه الجريدتين في القبرين، ويحتمل أن يكون أمر أن يجعلا في داخل القبر لما في النخلة من البركة لقوله تعالى ‏(‏كشجرة طيبة‏)‏ والأول أظهر، ويؤيده إيراد المصنف حديث القبرين في آخر الباب، وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه ولم يره خاصا بذينك الرجلين‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما فلذلك عقبه بقول ابن عمر ‏"‏ إنما يظله عمله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورأى ابن عمر فسطاطا على قبر عبد الرحمن‏)‏ الفسطاط بضم الفاء وسكون المهملة وبطاءين مهملتين هو البيت من الشعر، وقد يطلق على غير الشعر، وفيه لغات أخرى بتثليث الفاء وبالمثناتين بدل الطاءين وإبدال الطاء الأولى مثناة وإدغامهما في السين وكسر أوله في الثلاثة، وعبد الرحمن هو ابن أبي بكر الصديق بينه ابن سعد في روايته له موصولا من طريق أيوب بن عبد الله بن يسار قال ‏"‏ مر عبد الله بن عمر على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر أخي عائشة وعليه فسطاط مضروب، فقال‏:‏ يا غلام انزعه، فإنما يظله عمله‏.‏
قال الغلام‏:‏ تضربني مولاتي‏.‏
قال‏:‏ كلا‏.‏
فنزعه‏"‏‏.‏
ومن طريق ابن عون عن رجل قال ‏"‏ قدمت عائشة ذا طوى حين رفعوا أيديهم عن عبد الرحمن بن أبي بكر، فأمرت بفسطاط فضرب على قبره ووكلت به إنسانا وارتحلت، فقدم ابن عمر ‏"‏ فذكر نحوه، وقد تقدم توجيه إدخال هذا الأثر تحت هذه الترجمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال خارجة بن زيد‏)‏ أي ابن ثابت الأنصاري أحد ثقات التابعين، وهو أحد السبعة الفقهاء من أهل المدينة إلخ‏.‏
وصله المصنف في ‏"‏ التاريخ الصغير ‏"‏ من طريق ابن إسحاق ‏"‏ حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري سمعت خارجة بن زيد ‏"‏ فذكره، وفيه جواز تعلية القبر ورفعه عن وجه الأرض، وقوله ‏"‏رأيتني ‏"‏ بضم المثناة والفاعل والمفعول ضميران لشيء واحد، وهو من خصائص أفعال القلوب‏.‏
ومظعون والد عثمان بظاء معجمة ساكنة ثم مهملة، ومناسبته من وجه أن وضع الجريد على القبر يرشد إلى جواز وضع ما يرتفع به ظهر القبر عن الأرض، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في آخر الجنائز‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أراد البخاري أن الذي ينفع أصحاب القبور هي الأعمال الصالحة، وأن علو البناء والجلوس عليه وغير ذلك لا يضر بصورته وإنما يضر بمعناه إذا تكلم القاعدون عليه بما يضر مثلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عثمان بن حكيم‏:‏ أخذ بيدي خارجة‏)‏ أي ابن زيد بن ثابت إلخ، وصله مسدد في مسنده الكبير وبين فيه سبب إخبار خارجة لحكيم بذلك ولفظه ‏"‏ حدثنا عيسى بن يونس حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا عبد الله بن سرجس وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول‏:‏ لأن أجلس على جمرة فتحرق ما دون لحمي حتى تفضي إلي، أحب إلي من أن أجلس على قبر‏.‏
قال عثمان‏:‏ فرأيت خارجة بن زيد في المقابر، فذكرت له ذلك، فأخذ بيدي ‏"‏ الحديث‏.‏
وهذا إسناد صحيح‏.‏
وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة مرفوعا من طريق سهل بن أبي صالح عن أبيه عنه، وروى الطحاوي من طريق محمد بن كعب قال‏:‏ إنما قال أبو هريرة‏:‏ من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة، لكن إسناده ضعيف‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ الظاهر أن هذا الأثر والذي بعده من الباب الذي بعد هذا وهو ‏"‏ باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله ‏"‏ وكأن بعض الرواة كتبه في غير موضعه قال‏:‏ وقد يتكلف له طريق يكون به من الباب وهي الإشارة إلى أن ضرب الفسطاط إن كان لغرض صحيح كالتستر من الشمس مثلا للحي لا لإظلال الميت فقط جاز، وكأنه يقول‏:‏ إذا أعلى القبر لغرض صحيح لا لقصد المباهاة جاز كما يجوز القعود عليه لغرض صحيح لا لمن أحدث عليه‏.‏
قال‏:‏ والظاهر أن المراد بالحدث هنا التغوط، ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك من إحداث ما لا يليق من الفحش قولا وفعلا لتأذي الميت بذلك انتهى‏.‏
ويمكن أن يقال‏:‏ هذه الآثار المذكورة في هذا الباب تحتاج إلى بيان مناسبتها للترجمة، وإلى مناسبة بعضها لبعض، وذلك أنه لم يذكر حكم وضع الجريدة، وذكر أثر بريدة وهو يؤذن بمشروعيتها، ثم أثر ابن عمر المشعر بأنه لا تأثير لما يوضع على القبر، بل التأثير للعمل الصالح، وظاهرهما التعارض فلذلك أبهم حكم وضع الجريدة، قال الزين بن المنير‏.‏
والذي يظهر من تصرفه ترجيح الوضع، ويجاب عن أثر ابن عمر بأن ضرب الفسطاط على القبر لم يرد فيه ما ينتفع به الميت بخلاف وضع الجريدة لأن مشروعيتها ثبتت بفعله صلى الله عليه وسلم، إن كان بعض العلماء قال‏:‏ إنها واقعة عين يحتمل أن تكون مخصوصة بمن أطلعه الله تعالى على حال الميت، وأما الآثار الواردة في الجلوس على القبر فإن عموم قول ابن عمر ‏"‏ إنما يظله عمله ‏"‏ يدخل فيه أنه كما لا ينتفع بتظليله ولو كان تعظيما له لا يتضرر بالجلوس عليه ولو كان تحقيرا له‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال نافع‏:‏ كان ابن عمر يجلس على القبور‏)‏ ووصله الطحاوي من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج أن نافعا حدثه بذلك، ولا يعارض هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه قال ‏"‏ لأن أطأ على رضف أحب إلي من إن أطأ على قبر ‏"‏ وهذه من المسائل المختلف فيها، وورد فيها من صحيح الحديث ما أخرجه مسلم عن أبي مرثد الغنوي مرفوعا ‏"‏ لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها ‏"‏ قال النووي‏:‏ المراد بالجلوس القعود عند الجمهور‏.‏
وقال مالك‏:‏ المراد بالقعود الحدث، وهو تأويل ضعيف أو باطل انتهى‏.‏
وهو يوهم انفراد مالك بذلك، وكذا أوهمه كلام ابن الجوزي حيث قال‏:‏ جمهور الفقهاء على الكراهة خلافا لمالك، وصرح النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ بأن مذهب أبي حنيفة كالجمهور، وليس كذلك، بل مذهب أبي حنيفة وأصحابه كقول مالك كما نقله عنهم الطحاوي واحتج له بأثر ابن عمر المذكور‏.‏
وأخرج عن علي نحوه، وعن زيد بن ثابت مرفوعا ‏"‏ إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبور لحدث غائط أو بول ‏"‏ ورجال إسناده ثقات‏.‏
ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أحمد من حديث عمرو بن حزم الأنصاري مرفوعا ‏"‏ لا تقعدوا على القبور ‏"‏ وفي رواية له عنه ‏"‏ رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متكئ على قبر فقال‏:‏ لا تؤذ صاحب القبر ‏"‏ إسناده صحيح، وهو دال على أن المراد بالجلوس القعود على حقيقته، ورد ابن حزم التأويل المتقدم بأن لفظ حديث أبي هريرة عند مسلم ‏"‏ لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده ‏"‏ قال‏:‏ وما عهدنا أحدا يقعد على ثيابه للغائط، فدل على أن المراد القعود على حقيقته‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ التأويل المذكور بعيد، لأن الحدث على القبر أقبح من أن يكره، وإنما يكره الجلوس المتعارف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا فَقَالَ لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ قال أبو علي الجياني‏:‏ لم أره منسوبا لأحد من المشايخ‏.‏
قلت‏:‏ قد نسبه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ يحيى بن جعفر، وجزم أبو مسعود في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ وتبعه المزي بأنه يحيى بن يحيى، ووقع في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري ‏"‏ حدثنا يحيى بن موسى ‏"‏ وهذا هو المعتمد‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث ابن عباس في كتاب الوضوء بما فيه مقنع بعون الله تعالى‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ
يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاثِ الْأَجْدَاثُ الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ أُثِيرَتْ بَعْثَرْتُ حَوْضِي أَيْ جَعَلْتُ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ الْإِيفَاضُ الْإِسْرَاعُ وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ إِلَى نَصْبٍ إِلَى شَيْءٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ وَالنُّصْبُ وَاحِدٌ وَالنَّصْبُ مَصْدَرٌ يَوْمُ الْخُرُوجِ مِنْ الْقُبُورِ يَنْسِلُونَ يَخْرُجُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله‏)‏ كأنه يشير إلى التفصيل بين أحوال القعود، فإن كان لمصلحة تتعلق بالحي أو الميت لم يكره، ويحمل النهي الوارد عن ذلك على ما يخالف ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يخرجون من الأجداث‏:‏ الأجداث القبور‏)‏ أي المراد بالأجداث في الآية القبور‏.‏
وقد وصله ابن أبي حاتم وغيره من طريق قتادة والسدي وغيرهما، واحدها جدث بفتح الجيم والمهملة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعثرت‏:‏ أثيرت‏.‏
بعثرت حوضي‏:‏ جعلت أسفله أعلاه‏)‏ هذا كلام أبي عبيدة في ‏"‏ كتاب المجاز‏"‏‏.‏
وقال السدي‏:‏ بعثرت أي حركت، فخرج ما فيها‏.‏
رواه ابن أبي حاتم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الإيفاض‏)‏ بياء تحتانية ساكنة قبلها كسرة وبفاء ومعجمة ‏(‏الإسراع‏)‏ كذا قال الفراء في ‏"‏ المعاني‏"‏‏.‏
وقال أبو عبيدة‏:‏ يوفضون أي يسرعون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ الأعمش‏:‏ إلى نصب‏)‏ يعني بفتح النون كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية أبي ذر بالضم، والأول أصح‏.‏
وكذا ضبطه الفراء عن الأعمش في ‏"‏ كتاب المعاني ‏"‏ وهي قراءة الجمهور‏.‏
وحكى الطبراني أنه لم يقرأه بالضم ألا الحسن البصري‏.‏
وقد حكى الفراء عن زيد بن ثابت ذلك، ونقلها غيره عن مجاهد وأبي عمران الجوني‏.‏
وفي ‏"‏ كتاب السبعة ‏"‏ لابن مجاهد‏:‏ قرأها ابن عامر بضمتين، يعني بلفظ الجمع‏.‏
وكذا قرأها حفص عن عاصم‏.‏
ومن هنا يظهر سبب تحصيص الأعمش بالذكر لأنه كوفي، وكذا عاصم ففي انفراد حفص عن عاصم بالضم شذوذ‏.‏
قال أبو عبيدة‏:‏ النصب بالفتح هو العلم الذي نصبوه ليعبدوه، ومن قرأ نصب بالضم فهي جماعة مثل رهن ورهن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوفضون إلى شيء منصوب‏:‏ يستبقون‏)‏ قال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم عن قرة عن الحسن في قوله‏:‏ ‏(‏إلى نصب يوفضون‏)‏ أي يبتدرون أيهم يستلمه أول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والنصب واحد والنصب مصدر‏)‏ كذا وقع فيه، والذي في ‏"‏ المعاني للفراء ‏"‏ النصب والنصب واحد وهو مصدر والجمع الأنصاب‏.‏
وكأن التغيير من بعض النقلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوم الخروج من قبورهم‏)‏ أي خروج أهل القبور من قبورهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وينسلون يخرجون‏)‏ كذا أورده عبد بن حميد وغيره عن قتادة، وسيأتي له معنى آخر إن شاء الله تعالى‏.‏
وفي نسخة الصغاني بعد قوله‏:‏ ‏(‏يخرجون‏)‏ ‏:‏ من النسلان‏.‏
وهذه التفاسير أوردها لتعلقها بذكر القبر استطرادا، ولها تعلق بالموعظة أيضا‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ مناسبة إيراد هذه الآيات في هذه الترجمة للإشارة إلى أن المناسب لمن قعد عند القبر إن يقصر كلامه على الإنذار بقرب المصير إلى القبور ثم إلى النشر لاستيفاء العمل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلَّا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ قَالَ أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى الْآيَةَ
الشرح‏:‏
حديث علي بن أبي طالب أورده المصنف مرفوعا ‏"‏ ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي مبسوطا في تفسير ‏(‏والليل إذا يغشى‏)‏ ، وهو أصل عظيم في إثبات القدر‏.‏
وقوله فيه ‏"‏ اعملوا ‏"‏ جرى مجرى أسلوب الحكيم، أي الزموا ما يجب على العبد من العبودية، ولا تتصرفوا في أمر الربوبية‏.‏
وعثمان شيخه هو ابن أبي شيبة، وجرير هو ابن عبد الحميد‏.‏
وموضع الحاجة منه ‏"‏ فقعد وقعدنا حوله‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏فقال رجل ‏"‏ هو عمر أو غيره كما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب مَا جَاءَ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في قاتل النفس‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ مقصود الترجمة حكم قاتل النفس‏.‏
والمذكور في الباب حكم قاتل نفسه، فهو أخص من الترجمة، ولكنه أراد أن يلحق بقاتل نفسه قاتل غيره من باب الأولى، لأنه إذا كان قاتل نفسه الذي لم يتعد ظلم نفسه ثبت فيه الوعيد الشديد فأولى من ظلم غيره بإفاتة نفسه‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ عادة البخاري إذا توقف في شيء ترجم عليه ترجمة مبهمة كأنه ينبه على طريق الاجتهاد‏.‏
وقد نقل عن مالك أن قاتل النفس لا تقبل توبته، ومقتضاه أن لا يصلى عليه، وهو نفس قول البخاري‏.‏
قلت‏:‏ لعل البخاري أشار بذلك إلى ما رواه أصحاب السنن من حديث جابر بن سمرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه ‏"‏ وفي رواية للنسائي ‏"‏ أما أنا فلا أصلي عليه‏"‏، لكنه لما لم يكن على شرطه أومأ إليه بهذه الترجمة وأورد فيها ما يشبهه من قصة قاتل نفسه‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا جُنْدَبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَمَا نَسِينَا وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ اللَّهُ بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
الشرح‏:‏
حديث ثابت بن الضحاك فيمن قتل نفسه بحديدة، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الأيمان والنذور، وخالد المذكور في إسناده هو الحذاء‏.‏
ثانيها حديث جندب، هو ابن عبد الله البجلي قال فيه ‏"‏ قال حجاج بن منهال حدثنا جرير بن حازم ‏"‏ وقد وصله في ذكر بني إسرائيل فقال‏:‏ ‏"‏ حدثنا محمد حدثنا حجاج بن منهال ‏"‏ فذكره‏.‏
وهو أحد المواضع التي يستدل بها على أنه ربما علق عن بعض شيوخه ما بينه وبينه فيه واسطة، لكنه أورده هنا مختصرا وأورده هناك مبسوطا فقال في أوله ‏"‏ كان فيمن كان قبلكم رجل ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك، ولم أقف على تسمية هذا الرجل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار ‏"‏ وهو من أفراد البخاري من هذا الوجه، وقد أخرجه أيضا في الطب من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مطولا، ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم وليس فيه ذكر الخنق، وفيه من الزيادة ذكر السم وغيره ولفظه ‏"‏ فهو في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ‏"‏ وقد تمسك به المعتزلة وغيرهم ممن قال بتخليد أصحاب المعاصي في النار، وأجاب أهل السنة عن ذلك بأجوبة‏:‏ منها توهيم هذه الزيادة، قال الترمذي بعد أن أخرجه‏:‏ رواه محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلم يذكر ‏"‏ خالدا مخلدا ‏"‏ وكذا رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يشير إلى رواية الباب قال‏:‏ وهو أصح لأن الروايات قد صحت أن أهل التوحيد يعذبون ثم يخرجون منها ولا يخلدون، وأجاب غيره بحمل ذلك على من استحله، فإنه يصير باستحلاله كافرا والكافر مخلد بلا ريب‏.‏
وقيل‏:‏ ورد مورد الزجر والتغليظ، وحقيقته غير مرادة‏.‏
وقيل‏:‏ المعنى أن هذا جزاؤه، لكن قد تكرم الله على الموحدين فأخرجهم من النار بتوحيدهم‏.‏
وقيل‏:‏ التقدير مخلدا فيها إلى أن يشاء الله‏.‏
وقيل‏:‏ المراد بالخلود طول المدة لا حقيقة الدوام كأنه يقول يخلد مدة معينة، وهذأ أبعدها‏.‏
وسيأتي له مزيد بسط عند الكلام على أحاديث الشفاعة إن شاء الله تعالى‏.‏
واستدل بقوله ‏"‏ الذي يطعن نفسه يطعنها في النار ‏"‏ على أن القصاص من القاتل يكون بما قتل به اقتداء بعقاب الله تعالى لقاتل نفسه، وهو استدلال ضعيف‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله في حديث الباب ‏"‏ يطعنها ‏"‏ هو بضم العين المهملة كذا ضبطه في الأصول‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-04-2013, 12:01 AM
باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ عدل عن قوله كراهة الصلاة على المنافقين لينبه على أن الامتناع من طلب المغفرة لمن لا يستحقها، لا من جهة العبادة الواقعة من صورة الصلاة، فقد تكون العبادة طاعة من وجه معصية من وجه‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كأنه يشير إلى حديثه في قصة الصلاة على عبد الله بن أبي أيضا، وقد تقدم في ‏"‏ باب القميص الذي يكف ‏"‏ ثم أورد المصنف الحديث المذكور من طريق ابن عباس عن عمر بن الخطاب، وسيأتي من هذا الوجه أيضا في التفسير‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب ثَنَاءِ النَّاسِ عَلَى الْمَيِّتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ثناء الناس على الميت‏)‏ أي مشروعيته وجوازه مطلقا، بخلاف الحي فإنه منهي عنه إذا أفضى إلى الإطراء خشية عليه من الزهو، أشار إلى ذلك الزين بن المنير‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا وَجَبَتْ قَالَ هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأثنوا عليها خيرا‏)‏ في رواية لنضر بن أنس عن أبيه عند الحاكم ‏"‏ كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر بجنازة فقال‏:‏ ما هذه الجنازة‏؟‏ قالوا‏:‏ جنازة فلان الفلاني، كان يحب الله ورسوله، ويعمل بطاعة الله ويسعى فيها‏"‏‏.‏
وقال ضد ذك في التي أثنوا عليها شرا‏.‏
ففيه تفسير ما أبهم من الخير والشر في رواية عبد العزيز‏.‏
وللحاكم أيضا من حديث جابر ‏"‏ فقال بعضهم لنعم المرء، لقد كان عفيفا مسلما ‏"‏ وفيه أيضا ‏"‏ فقال بعضهم بئس المرء كان، إن كان لفظا غليظا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجبت‏)‏ في رواية إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عند مسلم ‏"‏ وجبت وجبت وجبت ‏"‏ ثلاث مرات‏.‏
وكذا في رواية النضر المذكورة، قال النووي‏:‏ والتكرار فيه لتأكيد الكلام المبهم ليحفظ ويكون أبلغ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال عمر‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ فداء لك أبي وأمي ‏"‏ وفيه جواز قول مثل ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة‏)‏ فيه بيان لأن المراد بقوله ‏"‏ وجبت ‏"‏ أي الجنة لذي الخير، والنار لذي الشر، والمراد بالوجوب الثبوت إذ هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب، والأصل أنه لا يجب على الله شيء، بل الثواب فضله، والعقاب عدله، لا يسأل عما يفعل‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ‏"‏ ونحوه للإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة، وهو أبين في العموم من رواية آدم، وفيه رد على من زعم أن ذلك خاص بالميتين المذكورين لغيب أطلع الله نبيه عليه، وإنما هو خبر عن حكم أعلمه الله به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنتم شهداء الله في الأرض‏)‏ أي المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من الإيمان‏.‏
وحكى ابن التين أن ذلك مخصوص بالصحابة لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم‏.‏
قال‏.‏
والصواب أن ذلك يختص بالثقات والمتقين انتهى‏.‏
وسيأتي في الشهادات بلفظ ‏"‏ المؤمنون شهداء الله في الأرض ‏"‏ ولأبي داود من حديث أبي هريرة في نحو هذه القصة ‏"‏ إن بعضكم على بعض لشهيد ‏"‏ وسيأتي مزيد بسط فيه في الكلام على الحديث الذي بعده‏.‏
قال النووي‏:‏ والظاهر أن الذي أثنوا علنه شرا كان من المنافقين‏.‏
قلت‏:‏ يرشد إلى ذلك ما رواه أحمد من حديث أبي قتادة بإسناد صحيح أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على الذي أثنوا عليه شرا، وصلى على الآخر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ هُوَ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ فَقُلْتُ وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَقُلْنَا وَثَلَاثَةٌ قَالَ وَثَلَاثَةٌ فَقُلْنَا وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ الْوَاحِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏مر‏)‏ بضم الميم على البناء للمجهول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عفان‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وذكر أصحاب الأطراف أنه أخرجه قائلا فيه ‏"‏ قال عفان ‏"‏ وبذلك جزم البيهقي‏.‏
وقد وصله أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن عفان به، ومن طريقه أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا داود بن أبي الفرات‏)‏ هو بلفظ النهر المشهور، واسمه عمرو، وهو كندي من أهل مرو‏.‏
ولهم شيخ آخر يقال له داود بن أبي الفرات اسم أبيه بكر وأبو الفرات اسم جده وهو أشجعي من أهل المدينة؛ أقدم من الكندي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الأسود‏)‏ هو الديلي التابعي الكبير المشهور، ولم أره من رواية عبد الله بن بريدة عنه إلا معنعنا‏.‏
وقد حكى الدارقطني في ‏"‏ كتاب التتبع ‏"‏ عن علي بن المديني أن ابن بريدة إنما يروي عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود، ولم يقل في هذا الحديث سمعت أبا الأسود‏.‏
قلت‏:‏ وابن بريدة ولد في عهد عمر، فقد أدرك أبا الأسود بلا ريب، لكن البخاري لا يكتفي بالمعاصرة فلعله أخرجه شاهدا واكتفى للأصل بحديث أنس الذي قبله والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قدمت المدينة وقد وقع بها مرض‏)‏ زاد المصنف في الشهادات عن موسى بن إسماعيل عن داود ‏"‏ وهم يموتون موتا ذريعا ‏"‏ وهو بالذال المعجمة أي سريعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأثني على صاحبها خيرا‏)‏ كذا في جميع الأصول ‏"‏ خيرا ‏"‏ بالنصب، وكذا ‏"‏ شرا ‏"‏ وقد غلط من ضبط أثنى بفتح الهمزة على البناء للفاعل فإنه في جميع الأصول مبني للمفعول، قال ابن التين‏:‏ والصواب الرفع وفي نصبه بعد في اللسان‏.‏
ووجهه غيره بأن الجار والمجرور أقيم مقام المفعول الأول وخيرا مقام الثاني، وهو جائز وإن كان المشهور عكسه‏.‏
وقال النووي‏:‏ هو منصوب بنزع الخافض، أي أثنى عليه بخير‏.‏
وقال ابن مالك‏:‏ ‏"‏ خيرا ‏"‏ صفة لمصدر محذوف فأقيمت مقامه فنصبت، لأن ‏"‏ أثنى ‏"‏ مسند إلى الجار والمجرور‏.‏
قال‏:‏ والتفاوت بين الإسناد إلى المصدر والإسناد إلى الجار والمجرور قليل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال أبو الأسود‏)‏ هو الراوي، وهو بالإسناد المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت‏:‏ وما وجبت‏)‏ هو معطوف على شيء مقدر، أي قلت هذا شيء عجيب، وما معنى قوله لكل منهما وجبت مع اختلاف الثناء بالخير والشر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيما مسلم إلخ‏)‏ الظاهر أن قوله ‏"‏ أيما مسلم ‏"‏ هو المقول فحينئذ يكون قول عمر لكل منهما ‏"‏ وجبت ‏"‏ قاله بناء على اعتقاده صدق الوعد المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أدخله الله الجنة‏"‏، وأما اقتصار عمر على ذكر أحد الشقين فهو إما للاختصار وإما لإحالته السامع على القياس، والأول أظهر، وعرف من القصة أن المثني على كل من الجنائز المذكورة كان أكثر من واحد، وكذا في قول عمر ‏"‏ قلنا وما وجبت ‏"‏ إشارة إلى أن السائل عن ذلك هو وغيره‏.‏
وقد وقع في تفسير قوله تعالى ‏(‏وكذلك جعلناكم أمة وسطا‏)‏ في البقرة عند ابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة أن أبي بن كعب ممن سأل عن ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلنا وثلاثة‏)‏ فيه اعتبار مفهوم الموافقة لأنه سأل عن الثلاثة ولم يسأل عما فوق الأربعة كالخمسة مثلا، وفيه أن مفهوم العدد ليس دليلا قطعيا بل هو في مقام الاحتمال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم لم نسأله عن الواحد‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ إنما لم يسأل عمر عن الواحد استبعادا منه أن يكتفى في مثل هذا المقام العظيم بأقل من النصاب‏.‏
وقال أخوه في الحاشية‏:‏ فيه إيماء إلى الاكتفاء بالتزكية بواحد‏.‏
كذا قال، وفيه غموض‏.‏
وقد استدل به المصنف على أن أقل ما يكتفى به في الشهادة اثنان كما سيأتي في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى‏.‏
قال الداودي‏:‏ المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفسقة لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم، ولا من بينه وبين الميت عداوة لأن شهادة العدو لا تقبل‏.‏
وفي الحديث فضيلة هذه الأمة، وإعمال الحكم بالظاهر‏.‏
ونقل الطيبي عن بعض شراح ‏"‏ المصابيح ‏"‏ قال‏:‏ ليس معنى قوله ‏"‏ أنتم شهداء الله في الأرض ‏"‏ أن الذي يقولونه في حق شخص يكون كذلك حتى يصير من يستحق الجنة من أهل النار بقولهم، ولا العكس، بل معناه أن الذي أثنوا عليه خيرا رأوه منه كان ذلك علامة كونه من أهل الجنة، وبالعكس‏.‏
وتعقبه الطيبي بأن قوله ‏"‏ وجبت ‏"‏ بعد الثناء حكم عقب وصفا مناسبا فأشعر بالعلية‏.‏
وكذا قوله ‏"‏ أنتم شهداء الله في الأرض ‏"‏ لأن الإضافة فيه للتشريف لأنهم بمنزلة عالية عند الله، فهو كالتزكية للأمة بعد أداء شهادتهم، فينبغي أن يكون لها أثر‏.‏
قال‏:‏ وإلى هذا يومئ قوله تعالى ‏(‏وكذلك جعلناكم أمة وسطا‏)‏ الآية‏.‏
قلت‏:‏ وقد استشهد محمد بن كعب القرظي لما روى عن جابر نحو حديث أنس بهذه الآية، أخرجه الحاكم‏.‏
وقد وقع ذلك في حديث مرفوع غيره عند ابن أبي حاتم في التفسير، وفيه أن الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ما قولك وجبت ‏"‏ هو أبي بن كعب‏.‏
وقال النووي‏:‏ قال بعضهم معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل - وكان ذلك مطابقا للواقع - فهو من أهل الجنة، فإن كان غير مطابق فلا، وكذا عكسه‏.‏
قال‏:‏ والصحيح أنه على عمومه وأن من مات منهم فألهم الله تعالى الناس الثناء عليه بخير كان دليلا على أنه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة، وهذا إلهام يستدل به على تعيينها، وبهذا تظهر فائدة الثناء انتهى‏.‏
وهذا في جانب الخير واضح، ويؤيده ما رواه أحمد وابن حبان والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا ‏"‏ ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرا إلا قال الله تعالى‏:‏ قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون ‏"‏ ولأحمد من حديث أبي هريرة نحوه وقال ‏"‏ ثلاثة ‏"‏ بدل أربعة وفي إسناده من لم يسم، وله شاهد من مراسيل بشير بن كعب أخرجه أبو مسلم الكجي‏.‏
وأما جانب الشر فظاهر الأحاديث أنه كذلك، لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره على خيره، وقد وقع في رواية النضر المشار إليها أولا في آخر حديث أنس ‏"‏ إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر ‏"‏ واستدل به على جواز ذكر المرء بما فيه من خير أو شر للحاجة ولا يكون ذلك من الغيبة‏.‏
وسيأتي البحث عن ذلك في ‏"‏ باب النهي عن سب الأموات ‏"‏ آخر الجنائز، وهو أصل في قبول الشهادة بالاستفاضة، وأن أقل أصلها اثنان‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ فيه جواز الشهادة قبل الاستشهاد، وقبولها قبل الاستفصال‏.‏
وفيه استعمال الثناء في الشر للمؤاخاة والمشاكلة، وحقيقته إنما هي في الخير‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-04-2013, 12:03 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n138&p1#TOP)باب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الْهُونُ هُوَ الْهَوَانُ وَالْهَوْنُ الرِّفْقُ وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في عذاب القبر‏)‏ لم يتعرض المصنف في الترجمة لكون عذاب القبر يقع على الروح فقط أو عليها وعلى الجسد، وفيه خلاف شهير عند المتكلمين، وكأنه تركه لأن الأدلة التي يرضاها ليست قاطعة في أحد الأمرين فلم يتقلد الحكم في ذلك واكتفى بإثبات وجوده، خلافا لمن نفاه مطلقا من الخوارج وبعض المعتزلة كضرار بن عمرو وبشر المريسي ومن وافقهما، وخالفهم في ذلك أكثر المعتزلة وجميع أهل السنة وغيرهم وأكثروا من الاحتجاج له‏.‏
وذهب بعض المعتزلة كالجياني إلى أنه يقع على الكفار دون المؤمنين، وبعض الأحاديث الآتية ترد عليهم أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقوله تعالى‏)‏ بالجر عطفا على عذاب القبر، أي ما ورد في تفسير الآيات المذكورة‏.‏
وكأن المصنف قدم ذكر هذه الآيات لينبه على ثبوت ذكره في القرآن، خلافا لمن رده وزعم أنه لم يرد ذكره إلا من أخبار الآحاد‏.‏
فأما الآية التي في الأنعام فروى الطبراني وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت الملائكة باسطو أيديهم‏)‏ قال‏:‏ هذا عند الموت، والبسط الضرب يضربون وجوههم وأدبارهم انتهى‏.‏
ويشهد له قوله تعالى في سورة القتال ‏(‏فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم‏}‏ وهذا وإن كان قبل الدفن فهو من جملة العذاب الواقع قبل يوم القيامة، وإنما أضيف العذاب إلى القبر لكون معظمه يقع فيه، ولكون الغالب على الموتى أن يقبروا، إلا فالكافر ومن شاء الله تعذيبه من العصاة يعذب بعد موته ولو لم يدفن، ولكن ذلك محجوب عن الخلق إلا من شاء الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقوله جل ذكره‏.‏
سنعذبهم مرتين‏)‏ وروى الطبري وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط أيضا من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال ‏"‏ خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال‏:‏ اخرج يا فلان فإنك منافق ‏"‏ فذكر الحديث، وفيه ‏"‏ ففضح الله المنافقين ‏"‏ فهذا العذاب الأول، والعذاب الثاني عذاب القبر‏.‏
وريا أيضا من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه، ومن طريق محمد بن ثور عن معمر عن الحسن ‏"‏ سنعذبهم مرتين‏:‏ عذاب الدنيا وعذاب القبر ‏"‏ وعن محمد بن إسحاق قال ‏"‏ بلغني ‏"‏ فذكر نحوه‏.‏
وقال الطبري بعد أن ذكر اختلافا عن غير هؤلاء‏:‏ والأغلب أن إحدى المرتين عذاب القبر، والأخرى تحتمل أحد ما تقدم ذكره من الجوع أو السبي أو القتل أو الإذلال أو غير ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقوله تعالى ‏(‏وحاق بآل فرعون‏)‏ الآية‏)‏ روى الطبري من طريق الثوري عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل قال‏:‏ أرواح آل فرعون في طيور سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها‏.‏
ووصله ابن أبي حاتم من طريق ليث عن أبي قيس فذكر عبد الله بن مسعود فيه، وليث ضعيف، وسيأتي بعد بابين في الكلام على حديث ابن عمر بيان أن هذا العرض يكون في الدنيا قبل يوم القيامة‏.‏
قال القرطبي‏:‏ الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ، وهو حجة في تثبيت عذاب القبر‏.‏
وقال غيره‏:‏ وقع ذكر عذاب الدارين في هذه الآية مفسرا مبينا، لكنه حجة على من أنكر عذاب القبر مطلقا لا على من خصه بالكفار‏.‏
واستدل بها على أن الأرواح باقية بعد فراق الأجساد، وهو قول أهل السنة كما سيأتي‏.‏
واحتج بالآية الأولى على أن النفس والروح شيء واحد لقوله تعالى ‏(‏أخرجوا أنفسكم‏)‏ والمراد الأرواح، وهي مسألة مشهورة فيها أقوال كثيرة وستأتي الإشارة إلى شيء منها في التفسير عند قوله تعالى ‏(‏ويسألونك عن الروح‏)‏ الآية‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب ستة أحاديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا وَزَادَ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ
الشرح‏:‏
حديث البراء في قوله تعالى ‏(‏يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت‏)‏ وقد أورد المصنف في التفسير عن أبي الوليد الطيالسي عن شعبة، وصرح فيه بالإخبار بين شعبة وعلقمة، وبالسماع بين علقمة وسعد بن عبيدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثم شهد‏)‏ في رواية الحموي والمستملي ‏"‏ ثم يشهد ‏"‏ هكذا ساقه المصنف بهذا اللفظ، وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن حفص بن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ أبين من لفظه قال ‏"‏ أن المؤمن إذا شهد أن لا إله إلا الله وعرف محمدا في قبره فذلك قوله إلخ ‏"‏ وأخرجه ابن مردويه من هذا الوجه وغيره بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عذاب القبر فقال‏:‏ إن المسلم إذا شهد أن لا إله إلا الله وعرف أن محمدا رسول الله ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله في الطريق الثانية ‏(‏بهذا وزاد ‏(‏يثبت الله الذين آمنوا‏)‏ نزلت في عذاب القبر‏)‏ يوهم أن لفظ غندر كلفظ حفص وزيادة، وليس كذلك، وإنما هو بالمعنى، فقد أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه، والقدر الذي ذكره هو أول الحديث، وبقيته عندهم ‏"‏ يقال له من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ ربي الله ونبيي محمد‏"‏، والقدر المذكور أيضا أخرجه مسلم والنسائي من طريق خيثمة عن البراء، وقد اختصر سعد وخيثمة هذا الحديث جدا، لكن أخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن خيثمة فزاد فيه ‏"‏ إن كان صالحا وفق، وإن كان لا خير فيه وجد أبله ‏"‏ وفيه اختصار أيضا وقد رواه زاذان أبو عمر عن البراء مطولا مبينا أخرجه أصحاب السنن وصححه أبو عوانة وغيره وفيه من الزيادة في أوله ‏"‏ استعيذوا بالله من عذاب القبر ‏"‏ وفيه ‏"‏ فترد روحه في جسده ‏"‏ وفيه ‏"‏ فيأتيه ملكان فيجلسان فيقولان له‏:‏ من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ ربي الله‏.‏
فيقولان له‏:‏ ما دينك‏؟‏ فيقول‏:‏ ديني الإسلام‏.‏
فيقولان له‏.‏
ما هذا الرجل الذي بعث فيكم‏؟‏ فيقول‏:‏ هو رسول الله‏.‏
فيقولان له‏:‏ وما يدريك‏؟‏ فيقول‏:‏ قرأت القرآن كتاب الله فآمنت به وصدقت‏.‏
فذلك قوله تعالى ‏(‏يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت‏)‏ ‏"‏ وفيه ‏"‏ وأن الكافر تعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له‏:‏ من ربك‏؟‏ فيقول هاه هاه لا أدري ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي نحو هذا في حديث أنس سادس أحاديث الباب، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
قال الكرماني‏:‏ ليس في الآية ذكر عذاب القبر، فلعله سمى أحوال العبد في قبره عذاب القبر تغليبا لفتنة الكافر على فتنة المؤمن لأجل التخويف، ولأن القبر مقام الهول والوحشة، ولأن ملاقاة الملائكة مما يهاب منه ابن آدم في العادة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ حَدَّثَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ قَالَ اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْقَلِيبِ فَقَالَ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا فَقِيلَ لَهُ تَدْعُو أَمْوَاتًا فَقَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لَا يُجِيبُونَ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر في قصة أصحاب القليب قليب بدر وفيه قوله صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ‏"‏ أورده هنا مختصرا، وسيأتي مطولا في المغازي‏.‏
وصالح المذكور في الإسناد هو ابن كيسان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الْآنَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى
الشرح‏:‏
حديث عائشة قالت ‏"‏ إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنهم ليعلمون الآن ما أن كنت أقول لهم حق ‏"‏ وهذا مصير من عائشة إلى رد رواية بن عمر المذكورة‏.‏
وقد خالفها الجمهور في ذلك وقبلوا حديث ابن عمر لموافقة من رواه غيره عليه‏.‏
وأما استدلالها بقوله تعالى ‏(‏إنك لا تسمع الموتى‏)‏ فقالوا معناها لا تسمعهم سماعا ينفعهم، أو لا تسمعهم إلا أن يشاء الله‏.‏
وقال السهيلي‏:‏ عائشة لم تحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم فغيرها ممن حضر أحفظ للفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قالوا له ‏"‏ يا رسول الله أتخاطب قوما قد جيفوا‏؟‏ فقال‏:‏ ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ‏"‏ قال‏:‏ وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحال عالمين جاز أن يكونوا سامعين إما بآذان رءوسهم كما هو قول الجمهور، أو بآذان الروح على رأي من يوجه السؤال إلى الروح من غير رجوع إلى الجسد‏.‏
قال‏:‏ وأما الآية فإنها كقوله تعالى ‏(‏أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي‏)‏ أي إن الله هو الذي يسمع ويهدي انتهى‏.‏
وقوله‏:‏ إنها لم تحضر صحيح، لكن لا يقدح ذلك في روايتها لأنه مرسل صحابي وهو محمول على أنها سمعت ذلك ممن حضره أو من النبي صلى الله عليه وسلم بعد، ولو كان ذلك قادحا في روايتها لقدح في رواية ابن عمر فإنه لم يحضر أيضا، ولا مانع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال اللفظين معا فإنه لا تعارض بينهما‏.‏
وقال ابن التين‏.‏
لا معارضة بين حديث ابن عمر والآية لأن الموتى لا يسمعون بلا شك، لكن إذا أراد الله إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع كقوله تعالى ‏(‏إنا عرضنا الأمانة‏)‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏(‏فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها‏)‏ الآية‏.‏
وسيأتي في المغازي قول قتادة‏:‏ إن الله أحياهم حتى سمعوا كلام نبيه توبيخا ونقمة انتهى‏.‏
وقد أخذ ابن جرير وجماعة من الكرامية من هذه القصة أن السؤال في القبر يقع على البدن فقط، وأن الله يخلق فيه إدراكا بحيث يسمع ويعلم ويلذ ويألم‏.‏
وذهب ابن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد، وخالفهم الجمهور فقالوا‏:‏ تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت في الحديث، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه، لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه‏.‏
والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط أن الميت قد يشاهد في قبره حال المسألة لا أثر فيه من إقعاد ولا غيره، ولا ضيق في قبره ولا سعة، وكذلك غير المقبور كالمصلوب‏.‏
وجوابهم أن ذلك غير ممتنع في القدرة، بل له نظير في العادة وهو النائم فإنه يجد لذة وألما لا يدركه جليسه، بل اليقظان قد يدرك ألما أو لذة لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يدرك ذلك جليسه، وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد وأحوال ما بعد الموت على ما قبله، والظاهر أن الله تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستره عنهم إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله‏.‏
وقد ثبتت الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور كقوله ‏"‏ أنه ليسمع خفق نعالهم ‏"‏ وقوله ‏"‏ تختلف أضلاعه لضمة القبر ‏"‏ وقوله ‏"‏ يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق ‏"‏ وقوله ‏"‏ يضرب بين أذنيه ‏"‏ وقوله ‏"‏ فيقعدانه ‏"‏ وكل ذلك من صفات الأجساد‏.‏
وذهب أبو الهذيل ومن تبعه إلى أن الميت لا يشعر بالتعذيب ولا بغيره إلا بين النفختين، قالوا وحاله كحال النائم والمغشي عليه لا يحس بالضرب ولا بغيره إلا بعد الإفاقة، والأحاديث الثابتة في السؤال حالة تولي أصحاب الميت عنه ترد عليهم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وجه إدخال حديث ابن عمر وما عارضه من حديث عائشة في ترجمة عذاب القبر أنه لما ثبت من سماع أهل القليب وتوبيخه لهم دل إدراكهم الكلام بحاسة السمع على جواز إدراكهم ألم العذاب ببقية الحواس بل بالذات إذ الجامع بينهما وبين بقية الأحاديث أن المصنف أشار إلى طريق من طرق الجمع بين حديثي ابن عمر وعائشة بحمل حديث ابن عمر على أن مخاطبة أهل القليب وقعت وقت المسألة وحينئذ كانت الروح قد أعيدت إلى الجسد، وقد تبين من الأحاديث الأخرى أن الكافر المسئول يعذب، وأما إنكار عائشة فمحمول على غير وقت المسألة فيتفق الخبران‏.‏
ويظهر من هذا التقرير وجه إدخال حديث ابن عمر في هذه الترجمة والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ سَمِعْتُ الْأَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ لَهَا أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ زَادَ غُنْدَرٌ عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت الأشعث‏)‏ هو ابن أبي الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر‏)‏ وقع في رواية أبي وائل عن مسروق عند المصنف في الدعوات ‏"‏ دخلت عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا‏:‏ إن أهل القبور يعذبون في قبورهم ‏"‏ وهو محمول على أن إحداهما تكلمت وأقرتها الأخرى على ذلك فنسبت القول إليهما مجازا، والإفراد يحمل على المتكلمة‏.‏
ولم أقف على اسم واحدة منهما‏.‏
وزاد في رواية أبي وائل ‏"‏ فكذبتهما ‏"‏ ووقع عند مسلم من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت ‏"‏ دخلت علي امرأة من اليهود وهي تقول‏:‏ هل شعرت أنكم تفتنون في القبور‏.‏
قال‏:‏ فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ إنما يفتن يهود‏.‏
قالت عائشة‏:‏ فلبثنا ليالي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل شعرت أنه أوحي إلى أنكم تفتنون في القبور‏.‏
قالت عائشة‏:‏ فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من عذاب القبر ‏"‏ وبين هاتين الروايتين مخالفة، لأن في هذه أنه صلى الله عليه وسلم أنكر على اليهودية، وفي الأولى أنه أقرها‏.‏
قال النووي تبعا للطحاوي وغيره‏:‏ هما قصتان، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قول اليهودية في القصة الأولى، ثم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولم يعلم عائشة، فجاءت اليهودية مرة فذكرت لها ذلك فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول، فأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثباته انتهى‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ سرا فلما رأى استغراب عائشة حين سمعت ذلك من اليهودية أعلن به انتهى‏.‏
وكأنه لم يقف على رواية الزهري عن عروة التي ذكرناها عن صحيح مسلم، وقد تقدم في ‏"‏ باب التعوذ من عذاب القبر ‏"‏ في الكسوف من طريق عمرة عن عائشة ‏"‏ أن يهودية جاءت تسألها فقالت لها‏:‏ أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعذب الناس في قبورهم‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائذا بالله من ذلك‏.‏
ثم ركب ذات غداة مركبا فخسفت الشمس ‏"‏ فذكر الحديث، وفي آخره ‏"‏ ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر ‏"‏ وفي هذه موافقة لرواية الزهري وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن علم بذلك‏.‏
وأصرح منه ما رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري عن سعيد بن عمرو بن سعيد الأموي عن عائشة ‏"‏ أن يهودية كانت تخدمها، فلا تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف إلا قالت لها اليهودية‏:‏ وقاك الله عذاب القبر‏.‏
قالت‏:‏ فقلت يا رسول الله هل للقبر عذاب‏؟‏ قال‏:‏ كذبت يهود، لا عذاب دون يوم القيامة‏.‏
ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار وهو ينادي بأعلى صوته‏:‏ أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق ‏"‏ وفي هذا كله أنه صلى الله عليه وسلم إنما علم بحكم عذاب القير إذ هو بالمدينة في آخر الأمر كما تقدم تاريخ صلاة الكسوف في موضعه‏.‏
وقد استشكل ذلك بأن الآية المتقدمة مكية وهي قوله تعالى ‏(‏يثبت الله الذين آمنوا‏)‏ وكذلك الآية الأخرى المتقدمة وهي قوله تعالى ‏(‏النار يعرضون عليها غدوا وعشيا‏)‏ والجواب أن عذاب القبر إنما يؤخذ من الأولى بطريق المفهوم من حق من لم يتصف بالإيمان، وكذلك بالمنطوق في الأخرى في حق آل فرعون وإن التحق بهم من كان له حكمهم من الكفار، فالذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو وقوع عذاب القبر على الموحدين، ثم أعلم صلى الله عليه وسلم أن ذلك قد يقع على من يشاء الله منهم فجزم به وحذر منه وبالغ في الاستعاذة منه تعليما لأمته وإرشادا، فانتفى التعارض بحمد الله تعالى‏.‏
وفيه دلالة على أن عذاب القبر ليس بخاص بهذه الأمة بخلاف المسألة ففيها اختلاف سيأتي ذكره آخر الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال نعم عذاب القبر‏)‏ كذا للأكثر، زاد في رواية الحموي والمستملي ‏"‏ حق ‏"‏ وليس بجيد لأن المصنف قال عقب هذه الطريق‏:‏ زاد غندر ‏"‏ عذاب القبر حق ‏"‏ فتبين أن لفظ ‏"‏ حق ‏"‏ ليست في رواية عبدان عن أبيه عن شعبة، وأنها ثابتة في رواية غندر عن شعبة وهو كذلك‏.‏
وقد أخرج طريق غندر النسائي والإسماعيلي كذلك وكذلك أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع قوله ‏"‏ زاد غندر إلخ ‏"‏ في رواية أبي ذر وحده، ووقع ذلك في بعض النسخ عقب حديث أسماء بنت أبي بكر وهو غلط‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَقُولُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِي يَفْتَتِنُ فِيهَا الْمَرْءُ فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً
الشرح‏:‏
أورده مختصرا جدا بلفظ ‏"‏ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة ‏"‏ وهو مختصر، وقد ساقه النسائي والإسماعيلي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري فزاد بعد قوله ضجة ‏"‏ حالت بيني وبين أن أفهم آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سكت ضجيجهم قلت لرجل قريب مني‏:‏ أي بارك الله فيك، ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر كلامه‏؟‏ قال قال‏:‏ قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبا من فتنة الدجال ‏"‏ انتهى‏.‏
وقد تقدم هذا الحديث في كتاب العلم وفي الكسوف من طريق فاطمة بنت المنذر عن أسماء بتمامه، وفيه من الزيادة ‏"‏ يؤتى أحدكم فيقال له‏:‏ ما علمك بهذا الرجل ‏"‏ الحديث، فلم يبين فيه ما بين في هذه الرواية من تفهيم الرجل المذكور لأسماء فيه‏.‏
وأخرجه في كتاب الجمعة من طريق فاطمة أيضا وفيه أنه ‏"‏ لما قال أما بعد لغط نسوة من الأنصار، وأنها ذهبت لتسكتهن فاستفهمت عائشة عما قال ‏"‏ فيجمع بين مختلف هذه الروايات أنها احتاجت إلى الاستفهام مرتين، وأنه لما حدثت فاطمة لم تبين لها الاستفهام الثاني‏.‏
ولم أقف على اسم الرجل الذي استفهمت منه عن ذلك إلى الآن‏.‏
ولأحمد من طريق محمد بن المنكدر عن أسماء مرفوعا ‏"‏ إذا دخل الإنسان قبره فإن كان مؤمنا احتف به عمله فيأتيه الملك فترده الصلاة والصيام، فيناديه الملك‏:‏ اجلس، فيجلس فيقول‏:‏ ما تقول في هذا الرجل محمد‏؟‏ قال‏:‏ أشهد أنه رسول الله‏.‏
قال‏:‏ على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الحديث الذي يليه‏.‏
وقد تقدم الكلام على بقية فوائد حديث أسماء في كتاب العلم، ووقع في بعض النسخ هنا ‏"‏ زاد غندر عذاب القبر ‏"‏ وهو غلط لأن هذا إنما هو في آخر حديث عائشة الذي قبله، وأما حديث أسماء فلا رواية لغندر فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا قَالَ قَتَادَةُ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ
الشرح‏:‏
حديث أنس قد تقدم بهذا الإسناد في ‏"‏ باب خفق النعال ‏"‏ وعبد الأعلى المذكور فيه هو ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري، وسعيد هو ابن أبي عروبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن العبد إذا وضع في قبره‏)‏ كذا وقع عنده مختصرا، وأوله عند أبي داود من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بهذا السند ‏"‏ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلا لبني النجار، فسمع صوتا ففزع فقال‏:‏ من أصحاب هذه القبور‏؟‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله ناس ماتوا في الجاهلية‏.‏
فقال‏:‏ تعوذوا بالله من عذاب القبر ومن فتنة الدجال‏.‏
قالوا‏:‏ وما ذاك يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ إن العبد ‏"‏ فذكر الحديث، فأفاد بيان سبب الحديث قوله‏:‏ ‏(‏وإنه ليسمع قرع نعالهم‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ إذا انصرفوا ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ يأتيه ملكان ‏"‏ زاد ابن حبان والترمذي من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة ‏"‏ أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير ‏"‏ وفي رواية ابن حبان ‏"‏ يقال لهما منكر ونكير ‏"‏ زاد الطبراني في الأوسط من طريق أخرى عن أبي هريرة ‏"‏ أعينهما مثل قدور النحاس، وأنيابهما مثل صياصي البقر، وأصواتهما مثل الرعد ‏"‏ ونحوه لعبد الرزاق من مرسل عمرو بن دينار وزاد ‏"‏ يحفران بأنيابهما ويطآن في أشعارهما، معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها ‏"‏ وأورد ابن الجوزي في ‏"‏ الموضوعات ‏"‏ حديثا فيه ‏"‏ أن فيهم رومان وهو كبيرهم ‏"‏ وذكر بعض الفقهاء أن اسم اللذين يسألان المذنب منكر ونكير، وأن اسم اللذين يسألان المطيع مبشر وبشير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيقعدانه‏)‏ زاد في حديث البراء فتعاد روحه في جسده كما تقدم في أول أحاديث الباب، وزاد ابن حبان من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة ‏"‏ فإذا كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن شماله، وفعل المعروف من قبل رجليه‏.‏
فيقال له‏:‏ اجلس، فيجلس وقد مثلت له الشمس عند الغروب ‏"‏ زاد ابن ماجه من حديث جابر ‏"‏ فيجلس فيمسح عينيه ويقول‏:‏ دعوني أصلي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيقولان‏:‏ ما كنت تقول في هذا الرجل محمد‏)‏ زاد أبو داود في أوله ‏"‏ ما كنت تعبد‏؟‏ فإن هداه الله قال‏:‏ كنت أعبد الله‏.‏
فيقال له‏:‏ ما كنت تقول في هذا الرجل ‏"‏ ولأحمد من حديث عائشة ‏"‏ ما هذا الرجل الذي كان فيكم ‏"‏ وله من حديث أبي سعيد ‏"‏ فإن كان مؤمنا قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله‏.‏
فيقال له‏:‏ صدقت ‏"‏ زاد أبو داود ‏"‏ فلا يسأل عن شيء غيرهما ‏"‏ وفي حديث أسماء بنت أبي بكر المتقدم في العلم والطهارة وغيرهما ‏"‏ فأما المؤمن أو الموقن فيقول‏:‏ محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا‏.‏
فيقال له‏:‏ نم صالحا ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عند سعيد بن منصور ‏"‏ فيقال له‏:‏ نم نومة العروس، فيكون في أحلى نومة نامها أحد حتى يبعث ‏"‏ وللترمذي في حديث أبي هريرة ‏"‏ ويقال له‏:‏ نم، فينام نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ‏"‏ ولابن حبان وابن ماجه من حديث أبي هريرة وأحمد من حديث عائشة ‏"‏ ويقال له‏:‏ على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيقال له‏:‏ انظر إلى مقعدك من النار‏)‏ في رواية أبي داود ‏"‏ فيقال له‏:‏ هذا بيتك كان في النار، ولكن الله عز وجل عصمك ورحمك فأبدلك الله به بيتا في الجنة‏.‏
فيقول‏:‏ دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له‏:‏ اسكت ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عند أحمد ‏"‏ كان هذا منزلك لو كفرت بربك ‏"‏ ولابن ماجه من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح ‏"‏ فيقال له‏:‏ هل رأيت الله‏؟‏ فيقول ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فتفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له‏:‏ انظر إلى ما وقاك الله ‏"‏ وسيأتي في أواخر الرقاق من وجه آخر عن أبي هريرة ‏"‏ لا يدخل أحد الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ‏"‏ وذكر عكسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال قتادة‏:‏ وذكر لنا أنه يفسح له في قبره‏)‏ زاد مسلم من طريق شيبان عن قتادة ‏"‏ سبعون ذراعا، ويملأ خضرا إلى يوم يبعثون ‏"‏ ولم أقف على هذه الزيادة موصولة من حديث قتادة‏.‏
وفي حديث أبي سعيد من وجه آخر عند أحمد ‏"‏ ويفسح له في قبره ‏"‏ وللترمذي وابن حبان من حديث أبي هريرة ‏"‏ فيفسح له في قبره سبعين ذراعا ‏"‏ زاد ابن حبان ‏"‏ في سبعين ذراعا‏"‏‏.‏
وله من وجه آخر عن أبي هريرة ‏"‏ ويرحب له في قبره سبعون ذراعا، وينور له كالقمر ليلة البدر ‏"‏ وفي حديث البراء الطويل ‏"‏ فينادي مناد من السماء‏:‏ إن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وافتحوا له بابا في الجنة وألبسوه من الجنة‏.‏
قال فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له فيها مد بصره ‏"‏ زاد ابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة ‏"‏ فيزداد غبطة وسرورا، فيعاد الجلد إلى ما بدأ منه وتجعل روحه في نسم طائر يعلق في شجر الجنة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأما المنافق والكافر‏)‏ كذا في هذه الطريق بواو العطف، وتقدم في ‏"‏ باب خفق النعال ‏"‏ بها ‏"‏ وأما الكافر أو المنافق ‏"‏ بالشك‏.‏
وفي رواية أبي داود ‏"‏ وأن الكافر إذا وضع ‏"‏ وكذا لابن حبان من حديث أبي هريرة، وكذا في حديث البراء الطويل، وفي حديث أبي سعيد عند أحمد ‏"‏ وإن كان كافرا أو منافقا ‏"‏ بالشك، وله في حديث أسماء ‏"‏ فإن كان فاجرا أو كافرا ‏"‏ وفي الصحيحين من حديثها ‏"‏ وأما المنافق أو المرتاب ‏"‏ وفي حديث جابر عند عبد الرزاق وحديث أبي هريرة عند الترمذي ‏"‏ وأما المنافق ‏"‏ وفي حديث عائشة عند أحمد وأبي هريرة عند ابن ماجه ‏"‏ وأما الرجل السوء ‏"‏ وللطبراني من حديث أبي هريرة ‏"‏ وإن كان من أهل الشك ‏"‏ فاختلفت هذه الروايات لفظا وهي مجتمعة على أن كلا من الكافر والمنافق يسأل، ففيه تعقب على من زعم أن السؤال إنما يقع على من يدعي الإيمان إن محقا وإن مبطلا، ومستندهم في ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عبيد بن عمير أحد كبار التابعين قال ‏"‏ إنما يفتن رجلان‏:‏ مؤمن ومنافق، وأما الكافر فلا يسأل عن محمد ولا يعرفه ‏"‏ وهذا موقوف‏.‏
والأحاديث الناصة على أن الكافر يسأل مرفوعة مع كثرة طرقها الصحيحة فهي أولى بالقبول، وجزم الترمذي الحكيم بأن الكافر يسأل، واختلف في الطفل غير المميز فحزم القرطبي في التذكرة بأنه يسأل، وهو منقول عن الحنفية، وجزم غير واحد من الشافعية بأنه لا يسأل، ومن ثم قالوا‏:‏ لا يستحب أن يلقن‏.‏
واختلف أيضا في النبي هل يسأل، وأما الملك فلا أعرف أحدا ذكره، والذي يظهر أنه لا يسأل لأن السؤال يختص بمن شأنه أن يفتن، وقد مال ابن عبد البر إلى الأول وقال‏.‏
الآثار تدل على أن الفتنة لمن كان منسوبا إلى أهل القبلة، وأما الكافر الجاحد فلا يسأل عن دينه‏.‏
وتعقبه ابن القيم في ‏"‏ كتاب الروح ‏"‏ وقال‏:‏ في الكتاب والسنة دليل على أن السؤال للكافر والمسلم، قال الله تعالى ‏(‏يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين‏)‏ وفي حديث أنس في البخاري ‏"‏ وأما المنافق والكافر ‏"‏ بواو العطف، وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ فإن كان مؤمنا - فذكره وفيه - وإن كان كافرا ‏"‏ وفي حديث البراء ‏"‏ وإن الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا - فذكره وفيه - فيأتيه منكر ونكير ‏"‏ الحديث أخرجه أحمد هكذا، قال‏:‏ وأما قول أبي عمر‏:‏ فأما الكافر الجاحد فليس ممن يسأل عن دينه، فجوابه أنه نفي بلا دليل‏.‏
بل في الكتاب العزيز الدلالة على أن الكافر يسأل عن دينه، قال الله تعالى ‏(‏فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين‏)‏ وقال تعالى ‏(‏فوربك لنسألنهم أجمعين‏)‏ لكن للنافي أن يقول إن هذا السؤال يكون يوم القيامة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيقول لا أدري‏)‏ في رواية أبي داود المذكورة ‏"‏ وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره فيقول له‏:‏ ما كنت تعبد ‏"‏ وفي أكثر الأحاديث ‏"‏ فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل ‏"‏ وفي حديث البراء ‏"‏ فيقولان له من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ هاه هاه لا أدري، فيقولان له‏:‏ ما دينك‏؟‏ فيقول‏:‏ هاه هاه لا أدري‏.‏
فيقولان له‏:‏ ما هذا الرجل الذي بعث فيكم‏؟‏ فيقول‏:‏ هاه هاه لا أدري ‏"‏ وهو أتم الأحاديث سياقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنت أقول ما يقول الناس‏)‏ في حديث أسماء ‏"‏ سمعت الناس يقولون شيئا فقلته ‏"‏ وكذا في أكثر الأحاديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا دريت ولا تليت‏)‏ كذا في أكثر الروايات بمثناة مفتوحة بعدها لام مفتوحة وتحتانية ساكنة، قال ثعلب‏:‏ قوله ‏"‏ تليت ‏"‏ أصله تلوت، أي لا فهمت ولا قرأت القرآن، والمعنى لا دريت ولا اتبعت من يدري، وإنما قاله بالياء لمؤاخاة دريت‏.‏
وقال ابن السكيت‏:‏ قوله ‏"‏ تليت ‏"‏ إتباع ولا معنى لها، وقيل صوابه ولا ائتليت بزيادة همزتين قيل المثناة بوزن افتعلت من قولهم ما ألوت أي ما استطعت، حكي ذلك عن الأصمعي، وبه جزم الخطابي‏.‏
وقال الفراء‏:‏ أي قصرت كأنه قيل له لا دريت ولا قصرت في طلب الدارية ثم أنت لا تدري‏.‏
وقال الأزهري‏.‏
الألو يكون بمعنى الجهد وبمعنى التقصير وبمعنى الاستطاعة‏.‏
وحكى ابن قتيبة عن يونس بن حبيب أن صواب الرواية ‏"‏ لا دريت ولا أتليت ‏"‏ بزيادة ألف وتسكين المثناة كأنه يدعو عليه بأن لا يكون له من يتبعه، وهو من الإتلاء يقال ما أتلت إبله أي لم تلد أولادا يتبعونها‏.‏
وقال‏:‏ قول الأصمعي أشبه بالمعنى، أي لا دريت ولا استطعت أن تدري‏.‏
ووقع عند أحمد من حديث أبي سعيد ‏"‏ لا دريت ولا اهتديت ‏"‏ وفي مرسل عبيد بن عمير عند عبد الرزاق ‏"‏ لا دريت ولا أفلحت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بمطارق من حديد ضربة‏)‏ تقدم في ‏"‏ باب خفق النعال ‏"‏ بلفظ ‏"‏ بمطرقة ‏"‏ على الإفراد، وكذا هو في معظم الأحاديث‏.‏
قال الكرماني‏:‏ الجمع مؤذن بأن كل جزء من أجزاء تلك المطرقة مطرقة برأسها مبالغة ا ه‏.‏
وفي حديث البراء ‏"‏ لو ضرب بها جبل لصار ترابا ‏"‏ وفي حديث أسماء ‏"‏ ويسلط عليه دابة في قبره معها سوط ثمرته جمرة مثل غرب البعير تضربه ما شاء الله صماء لا تسمع صوته فترحمه ‏"‏ وزاد في أحاديث أبي سعيد وأبي هريرة وعائشة التي أشرنا إليها ‏"‏ ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له‏:‏ هذا منزلك لو آمنت بربك، فأما إذ كفرت فإن الله أبدلك هذا، ويفتح له باب إلى النار ‏"‏ زاد في حديث أبي هريرة ‏"‏ فيزداد حسرة وثبورا، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه‏"‏، في حديث البراء ‏"‏ فينادي مناد من السماء‏:‏ أفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من يليه‏)‏ قال المهلب‏:‏ المراد الملائكة الذين يلون فتنته، كذا قال، ولا وجه لتخصيصه بالملائكة فقد ثبت أن البهائم تسمعه‏.‏
وفي حديث البراء ‏"‏ يسمعه من بين المشرق والمغرب ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عند أحمد ‏"‏ يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين ‏"‏ وهذا يدخل فيه الحيوان والجماد، لكن يمكن أن يخص منه الجماد‏.‏
ويؤيده أن في حديث أبي هريرة عند البزار ‏"‏ يسمعه كل دابة إلا الثقلين ‏"‏ والمراد بالثقلين الإنس والجن، قيل لهم ذلك لأنهم كالثقل على وجه الأرض‏.‏
قال المهلب‏:‏ الحكمة في أن الله يسمع الجن قول الميت قدموني ولا يسمعهم صوته إذا عذب بأن كلامه قبل الدفن متعلق بأحكام الدنيا وصوته إذا عذب في القبر متعلق بأحكام الآخرة، وقد أخفى الله على المكلفين أحوال الآخرة إلا من شاء الله إبقاء عليهم كما تقدم‏.‏
وقد جاء في عذاب القبر غير هذه الأحاديث‏:‏ منها عن أبي هريرة وابن عباس وأبي أيوب وسعد وزيد بن أرقم وأم خالد في الصحيحين أو أحدهما، وعن جابر عند ابن ماجه، وأبي سعيد عند ابن مردويه، وعمر وعبد الرحمن بن حسنة وعبد الله بن عمرو عند أبي داود، وابن مسعود عند الطحاوي، وأبي بكرة وأسماء بنت يزيد عند النسائي، وأم مبشر عند ابن أبي شيبة، وعن غيرهم‏.‏
وفي أحاديث الباب من الفوائد‏:‏ إثبات عذاب القبر، وأنه واقع على الكفار ومن شاء الله من الموحدين‏.‏
والمسألة وهل هي واقعة على كل واحد‏؟‏ تقدم تقرير ذلك، وهل تختص بهذه الأمة أم وقعت على الأمم قبلها‏؟‏ ظاهر الأحاديث الأول وبه جزم الحكيم الترمذي وقال‏:‏ كانت الأمم قبل هذه الأمة تأتيهم الرسل فإن أطاعوا فذاك وإن أبوا اعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب، فلما أرسل الله محمدا رحمة للعالمين أمسك عنهم العذاب، وقبل الإسلام ممن أظهره سواء أسر الكفر أو لا، فلما ماتوا قيض الله لهم فتاني القبر ليستخرج سرهم بالسؤال وليميز الله الخبيث من الطيب ويثبت الله الذين آمنوا ويضل الله الظالمين انتهى‏.‏
ويؤيده حديث زيد بن ثابت مرفوعا ‏"‏ أن هذه الأمة تبتلى في قبورها ‏"‏ الحديث أخرجه مسلم، ومثله عند أحمد عن أبي سعيد في أثناء حديث، ويؤيده أيضا قول الملكين ‏"‏ ما تقول في هذا الرجل محمد ‏"‏ وحديث عائشة عند أحمد أيضا بلفظ ‏"‏ وأما فتنة القبر فبي تفتنون وعني تسألون ‏"‏ وجنح ابن القيم إلى الثاني وقال‏:‏ ليس في الأحاديث ما ينفي المسألة عمن تقدم من الأمم، وإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بكيفية امتحانهم في القبور لا أنه نفى ذلك عن غيرهم، قال‏:‏ والذي يظهر أن كل نبي مع أمته كذلك، فتعذب كفارهم في قبورهم بعد سؤالهم وإقامة الحجة عليهم كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة‏.‏
وحكي في مسألة الأطفال احتمالا، والظاهر أن ذلك لا يمتنع في حق المميز دون غيره‏.‏
وفيه ذم التقليد في الاعتقادات لمعاقبة من قال‏:‏ كنت أسمع الناس يقولون شيئا فقلته، وفيه أن الميت يحيا في قبره للمسألة خلافا لمن رده واحتج بقوله تعالى ‏(‏قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين‏)‏ الآية قال‏:‏ فلو كان يحيا في قبره للزم أن يحيا ثلاث مرات ويموت ثلاثا وهو خلاف النص، والجواب بأن المراد بالحياة في القبر للمسألة ليست الحياة المستقرة المعهودة في الدنيا التي تقوم فيها الروح بالبدن وتدبيره وتصرفه وتحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء، بل هي مجرد إعادة لفائدة الامتحان الذي وردت به الأحاديث الصحيحة، فهي إعادة عارضة، كما حيي خلق لكثير من الأنبياء لمسألتهم لهم عن أشياء ثم عادوا موتى‏.‏
وفي حديث عائشة جواز التحديث عن أهل الكتاب بما وافق الحق‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-04-2013, 12:06 AM
باب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التعوذ من عذاب القبر‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ أحاديث هذا الباب تدخل في الباب الذي قبله، وإنما أفردها عنها لأن الباب الأول معقود لثبوته ردا على من أنكره‏.‏
والثاني لبيان ما ينبغي اعتماده في مدة الحياة من التوسل إلى الله بالنجاة منه والابتهال إليه في الصرف عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَجَبَتْ الشَّمْسُ فَسَمِعَ صَوْتًا فَقَالَ يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا وَقَالَ النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَوْنٌ سَمِعْتُ أَبِي سَمِعْتُ الْبَرَاءَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيي‏)‏ هو ابن سعيد القطان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي أيوب‏)‏ هو الأنصاري‏.‏
وفي هذا الإسناد ثلاثة من الصحابة في نسق أولهم أبو جحيفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجبت الشمس‏)‏ أي سقطت، والمراد غروبها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فسمع صوتا‏)‏ قيل يحتمل أن يكون سمع صوت ملائكة العذاب أو صوت اليهود المعذبين أو صوت وقع العذاب‏.‏
قلت‏:‏ وقد وقع عند الطبراني من طريق عبد الجبار بن العباس عن عون بهذا السند مفسرا ولفظه ‏"‏ خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين غربت الشمس ومعي كوز من ماء، فانطلق لحاجته حتى جاء فوضأته فقال‏:‏ أتسمع ما اسمع‏؟‏ قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏
قال‏:‏ أسمع أصوات اليهود يعذبون في قبورهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يهود تعذب في قبورها‏)‏ هو خبر مبتدأ أي هذه يهود، أو هو مبتدأ خبره محذوف‏.‏
قال الجوهري‏:‏ اليهود قبيلة والأصل اليهوديون فحذفت ياء الإضافة مثل زنج وزنجي ثم عرف على هذا الحد فجمع على قياس شعير وشعيرة ثم عرف الجمع بالألف واللام ولولا ذلك لم يجز دخول الألف واللام لأنه معرفة مؤنث فجرى مجرى القبيلة وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث، وهو موافق لقوله فيما تقدم من حديث عائشة ‏"‏ إنما تعذب اليهود ‏"‏ وإذا ثبت أن اليهود تعذب بيهوديتهم ثبت تعذيب غيرهم من المشركين لأن كفرهم بالشرك أشد من كفر اليهود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النضر إلخ‏)‏ ساق هذه الطريق لتصريح عون فيها بسماعه له من أبيه وسماع أبيه له من البراء، وقد وصلها الإسماعيلي من طريق أحمد بن منصور عن النضر ولم يسق المتن، وساقه إسحاق بن راهويه في مسنده عن النضر بلفظ ‏"‏ فقال‏:‏ هذه يهود تعذب في قبورها ‏"‏ قال ابن رشد‏:‏ لم يجر للتعوذ من عذاب القبر في هذا الحديث ذكر، فلهذا قال بعض الشارحين‏:‏ إنه من بقية الباب الذي قبله، وإنما أدخله في هذا الباب بعض من نسخ الكتاب ولم يميز، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون المصنف أراد أن يعلم بأن حديث أم خالد ثاني أحاديث هذا الباب محمول على أنه صلى الله عليه وسلم نعوذ من عذاب القبر حين سمع أصوات يهود، لما علم من حاله أنه كان يتعوذ ويأمر بالتعوذ مع عدم سماع العذاب فكيف مع سماعه‏.‏
قال‏:‏ وهذا جار على ما عرف من عادة المصنف في الإغماض‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ العادة قاضية بأن كل من سمع مثل ذلك الصوت يتعوذ من مثله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَلًّى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي ابْنَةُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا معلى‏)‏ هو ابن أسد، وبنت خالد اسمها أمة وتكنى أم خالد، وقد أورده المصنف في الدعوات من وجه آخر ‏"‏ عن موسى بن عقبة سمعت أم خالد بنت خالد ولم أسمع أحدا سمع من النبي غيرها ‏"‏ فذكره‏.‏
ووقع في الطبراني من وجه آخر عن موسى بلفظ ‏"‏ استجيروا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ ويقول ‏"‏ وقد تقدم الكلام على فوائد هذا الحديث في آخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-04-2013, 12:11 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n139&p1#TOP)باب عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب عذاب القبر من الغيبة والبول‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ المراد بتخصيص هذين الأمرين بالذكر تعظيم أمرهما‏.‏
لا نفي الحكم عما عداهما، فعلى هذا لا يلزم من ذكرهما حصر عذاب القبر فيهما، لكن الظاهر من الاقتصار على ذكرهما أنهما أمكن في ذلك من غيرهما، وقد روى أصحاب السنن من حديث أبي هريرة ‏"‏ استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ قَالَ ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس أورده المصنف في قصة القبرين، وليس فيه للغيبة ذكر، وإنما ورد بلفظ النميمة، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الطهارة‏.‏
وقيل مراد المصنف أن الغيبة تلازم النميمة لأن النميمة مشتملة على ضربين‏:‏ نقل كلام المغتاب إلى الذي اغتابه، والحديث عن المنقول عنه بما لا يريده‏.‏
قال بن رشيد‏:‏ لكن لا يلزم من الوعيد على النميمة ثبوته على الغيبة وحدها، لأن مفسدة النميمة أعظم، وإذا لم تساوها لم يصح الإلحاق إذ لا يلزم من التعذيب على الأشد التعذيب على الأخف، لكن يجوز أن يكون ورد على معنى التوقع والحذر فيكون قصد التحذير من المغتاب لئلا يكون له في ذلك نصيب انتهى‏.‏
وقد وقع في بعض طرق هذا الحديث بلفظ الغيبة كما بيناه في الطهارة، فالظاهر أن البخاري جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n139&p1#TOP)باب الْمَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر ‏"‏ أن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يريد بالغداة والعشي غداة واحدة وعشية واحدة يكون العرض فيها‏.‏
ومعنى قوله ‏"‏ حتى يبعثك الله ‏"‏ أي لا تصل إليه إلى يوم البعث‏.‏
ويحتمل أن يريد كل غداة وكل عشي، وهو محمول على أنه يحيا منه جزء ليدرك ذلك فغير ممتنع أن تعاد الحياة إلى جزء من الميت أو أجزاء وتصح مخاطبته والعرض عليه انتهى‏.‏
والأول موافق للأحاديث المتقدمة قبل بابين في سياق المسألة وعرض المقعدين على كل أحد‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ يجوز أن يكون هذا العرض على الروح فقط، ويجوز أن يكون عليه مع جزء من البدن‏.‏
قال‏:‏ والمراد بالغداة والعشي وقتهما وإلا فالموتى لا صباح عندهم ولا مساء‏.‏
قال‏:‏ وهذا في حق المؤمن والكافر واضح، فأما المؤمن المخلط فمحتمل في حقه أيضا، لأنه يدخل الجنة في الجملة، ثم هو مخصوص بغير الشهداء لأنهم أحياء وأرواحهم تسرح في الجنة‏.‏
ويحتمل أن يقال‏:‏ إن فائدة العرض في حقهم تبشير أرواحهم باستقرارها في الجنة مقترنة بأجسادها، فإن فيه قدرا زائدا على ما هي فيه الآن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة‏)‏ اتحد فيه الشرط والجزاء لفظا ولا بد فيه من تقدير، قال التوربشتي‏:‏ التقدير إن كان من أهل الجنة فمقعده من مقاعد أهل الجنة يعرض عليه‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ الشرط والجزاء إذا اتحدا لفظا دل على الفخامة، والمراد أنه يرى بعد البعث من كرامة الله ما ينسيه هذا المقعد انتهى‏.‏
ووقع عند مسلم بلفظ ‏"‏ إن كان من أهل الجنة فالجنة ‏"‏ أي فالمعروض الجنة‏.‏
وفي هذا الحديث إثبات عذاب القبر، وأن الروح لا تفنى بفناء الجسد لأن العرض لا يقع إلا على حي‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ استدل به على أن الأرواح على أفنية القبور‏.‏
قال‏:‏ والمعنى عندي أنها قد تكون على أفنية قبورها لا أنها لا تفارق الأفنية، بل هي كما قال مالك إنه بلغه أن الأرواح تسرح حيث شاءت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يبعثك الله يوم القيامة‏)‏ في رواية مسلم عن يحيى بن مالك ‏"‏ حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ‏"‏ وحكى ابن عبد البر فيه الاختلاف بين أصحاب مالك، وأن الأكثر رووه كرواية البخاري وأن ابن القاسم رواه كرواية مسلم، قال‏.‏
والمعنى حتى يبعثك الله إلى ذلك المقعد‏.‏
ويحتمل أن يعود الضمير إلى الله‏.‏
فإلى الله ترجع الأمور، والأول أظهر ا ه‏.‏
ويؤيده رواية الزهري عن سالم عن أبيه بلفظ ‏"‏ ثم يقال‏:‏ هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏
وقد أخرج النسائي رواية ابن القاسم لكن لفظه كلفظ البخاري‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n139&p1#TOP)باب كَلَامِ الْمَيِّتِ عَلَى الْجَنَازَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كلام الميت على الجنازة‏)‏ أي بعد حملها، أورد فيه حديث أبي سعيد، وقد تقدم الكلام عليه قبل بضعة وثلاثين بابا، وترجم له ‏"‏ قول الميت وهو على الجنازة قدموني ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ الحكمة في هذا التكرير أن الترجمة الأولى مناسبة للترجمة التي قبلها وهي ‏"‏ باب السرعة بالجنازة ‏"‏ لاشتمال الحديث على بيان موجب الإسراع، وكذلك هذه الترجمة مناسبة للتي قبلها كأنه أراد أن يبين أن ابتداء العرض إنما يكون عند حمل الجنازة لأنها حينئذ يظهر لها ما تؤول إليه فتقول ما تقول‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n139&p1#TOP)باب مَا قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانَ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما قيل في أولاد المسلمين‏)‏ أي غير البالغين‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ تقدم في أوائل الجنائز ترجمة ‏"‏ من مات له ولد فاحتسب ‏"‏ وفيها الحديث المصدر به، وإنما ترجم بهذه لمعرفة مآل الأولاد، ووجه انتزاع ذلك أن من يكون سببا في حجب النار عن أبويه أولى بأن يحجب هو لأنه أصل الرحمة وسببها‏.‏
وقال النووي‏:‏ أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة‏.‏
وتوقف فيه بعضهم لحديث عائشة، يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ ‏"‏ توفي صبي من الأنصار فقلت‏:‏ طوبى له لم يعلم سوءا ولم يدركه‏.‏
فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلا ‏"‏ الحديث‏.‏
قال والجواب عنه أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل، أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة انتهى‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ نفى بعضهم الخلاف في ذلك‏.‏
وكأنه عنى ابن أبي زيد فإنه أطلق الإجماع في ذلك، ولعله أراد إجماع من يعتد به‏.‏
وقال المازري‏:‏ الخلاف في غير أولاد الأنبياء انتهى‏.‏
ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث أبي هريرة الذي بدأ به كما سيأتي، فإن فيه التصريح بإدخال الأولاد الجنة مع آبائهم‏.‏
وروى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن علي مرفوعا ‏"‏ أن المسلمين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار ‏"‏ ثم قرأ ‏(‏والذين آمنوا واتبعتهم‏)‏ الآية، وهذا أصح ما ورد في تفسير هذه الآية وبه جزم ابن عباس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة إلخ‏)‏ لم أره موصولا من حديثه على هذا الوجه، نعم عند أحمد من طريق عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله وإياهم بفضل رحمته الجنة‏"‏، ولمسلم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسب إلا دخلت الجنة ‏"‏ الحديث‏.‏
وله من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة‏:‏ دفنت ثلاثة‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ لقد احتظرت بحظار شديد من النار ‏"‏ وفي صحيح أبي عوانة من طريق عاصم عن أنس ‏"‏ مات ابن للزبير فجزع عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حجابا من النار‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان له‏)‏ كذا للأكثر أي كان موتهم له حجابا، وللكشميهني ‏"‏ كانوا ‏"‏ أي الأولاد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثة من الولد‏)‏ سقط قوله ‏"‏ من الولد ‏"‏ في رواية أبي ذر، وكذا سبق من رواية عبد الوارث عن عبد العزيز في ‏"‏ باب فضل من مات له ولد فاحتسب ‏"‏ وتقدم الكلام عليه مستوفى هناك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما توفي إبراهيم‏)‏ زاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة بسنده ‏"‏ ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وله من طريق معاذ عن شعبة بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ توفي ابنه إبراهيم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن له مرضعا في الجنة‏)‏ قال ابن التين‏:‏ يقال امرأة مرضع بلا هاء مثل حائض، وقد أرضعت فهي مرضعة إذا بني من الفعل، قال الله تعالى ‏(‏تذهل كل مرضعة عما أرضعت‏)‏ قال‏:‏ وروي ‏"‏ مرضعا ‏"‏ بفتح الميم أي إرضاعا انتهى‏.‏
وقد سبق إلى حكاية هذا الوجه الخطابي، والأول رواية الجمهور‏.‏
وفي رواية عمرو المذكورة ‏"‏ مرضعا ترضعه في الجنة ‏"‏ وقد تقدم الكلام على قصة موت إبراهيم مستوفى في ‏"‏ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا بك لمحزونون ‏"‏ وإيراد البخاري له في هذا الباب يشعر باختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة، فكأنه توقف فيه أولا ثم جزم به‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n139&p1#TOP)باب مَا قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما قيل في أولاد المشركين‏)‏ هذه الترجمة تشعر أيضا بأنه كان متوقفا في ذلك، وقد جزم بعد هذا في تفسير سورة الروم بما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة كما سيأتي تحريره، وقد رتب أيضا أحاديث هذا الباب ترتيبا يشير إلى المذهب المختار، فإنه صدره بالحديث الدال على التوقف، ثم ثنى بالحديث المرجح لكونهم في الجنة، ثم ثلث بالحديث المصرح بذلك فإن قوله في سياقه ‏"‏ وأما الصبيان حوله فأولاد الناس ‏"‏ قد أخرجه في التعبير بلفظ ‏"‏ وأما الولدان الذين حوله فكل مولود يولد على الفطرة‏.‏
فقال بعض المسلمين‏:‏ وأولاد المشركين‏؟‏ فقال‏:‏ وأولاد المشركين ‏"‏ ويؤيده ما رواه أبو يعلى من حديث أنس مرفوعا ‏"‏ سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم ‏"‏ إسناده حسن‏.‏
وورد تفسير ‏"‏ اللاهين ‏"‏ بأنهم الأطفال من حديث ابن عباس مرفوعا أخرجه البزار، وروى أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت ‏"‏ قلت يا رسول الله من في الجنة‏؟‏ قال‏:‏ النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة ‏"‏ إسناده حسن‏.‏
واختلف العلماء قديما وحديثا في هذه المسألة على أقوال‏:‏ أحدها أنهم في مشيئة الله تعالى، وهو منقول عن الحمادين وابن المبارك وإسحاق، ونقله البيهقي في ‏"‏ الاعتقاد ‏"‏ عن الشافعي في حق أولاد الكفار خاصة، قال ابن عبد البر‏:‏ وهو مقتضى صنيع مالك، وليس عنده في هذه المسألة شيء منصوص، إلا أن أصحابه صرحوا بأن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار خاصة في المشيئة، والحجة فيه حديث ‏"‏ الله أعلم بما كانوا عاملين‏"‏‏.‏
ثانيها أنهم تبع لآبائهم، فأولاد المسلمين في الجنة وأولاد الكفار في النار، وحكاه ابن حزم عن الأزارقة من الخوارج، واحتجوا بقوله تعالى ‏(‏رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا‏)‏ وتعقبه بأن المراد قوم نوح خاصة، وإنما دعا بذلك لما أوحى الله إليه ‏(‏أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن‏)‏ وأما حديث ‏"‏ هم من آبائهم أو منهم ‏"‏ فذاك ورد في حكم الحربي، وروى أحمد من حديث عائشة ‏"‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولدان المسلمين، قال‏:‏ في الجنة‏.‏
وعن أولاد المشركين، قال‏:‏ في النار فقلت يا رسول الله لم يدركوا الأعمال، قال‏:‏ ربك أعلم بما كانوا عاملين، لو شئت أسمعتك تضاغيهم في النار ‏"‏ وهو حديث ضعيف جدا لأن في إسناده أبا عقيل مولى بهية وهو متروك‏.‏
ثالثها أنهم يكونون في برزخ بين الجنة والنار، لأنهم لم يعملوا حسنات يدخلون بها الجنة، ولا سيئات يدخلون بها النار‏.‏
رابعها خدم أهل الجنة، وفيه حديث عن أنس ضعيف أخرجه أبو داود الطيالسي وأبو يعلى، وللطبراني والبزار من حديث سمرة مرفوعا ‏"‏ أولاد المشركين خدم أهل الجنة ‏"‏ وإسناده ضعيف‏.‏
خامسها أنهم يصيرون ترابا، روي عن ثمامة بن أشرس‏.‏
سادسها هم في النار حكاه عياض عن أحمد، وغلطه ابن تيمية بأنه قول لبعض أصحابه ولا يحفظ عن الإمام أصلا‏.‏
سابعها أنهم يمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار، فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن أبى عذب، أخرجه البزار من حديث أنس وأبي سعيد، وأخرجه الطبراني من حديث معاذ بن جبل‏.‏
وقد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون ومن مات في الفترة من طرق صحيحة، وحكى البيهقي في ‏"‏ كتاب الاعتقاد ‏"‏ أنه المذهب الصحيح، وتعقب بأن الآخرة ليست دار تكليف فلا عمل فيها ولا ابتلاء، وأجيب بأن ذلك بعد أن يقع الاستقرار في الجنة أو النار، وأما في عرصات القيامة فلا مانع من ذلك، وقد قال تعالى ‏(‏يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون‏)‏ وفي الصحيحين ‏"‏ أن الناس يؤمرون بالسجود، فيصير ظهر المنافق طبقا، فلا يستطيع أن يسجد‏"‏‏.‏
ثامنها أنهم في الجنة، وقد تقدم القول فيه في ‏"‏ باب فضل من مات له ولد ‏"‏ قال النووي‏:‏ وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون، لقوله تعالى ‏(‏وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا‏)‏ وإذا كان لا يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من باب الأولى، ولحديث سمرة المذكور في هذا الباب، ولحديث عمة خنساء المتقدم، ولحديث عائشة الآتي قريبا‏.‏
تاسعها الوقف‏.‏
عاشرها الإمساك‏.‏
وفي الفرق بينهما دقة‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث‏:‏ أحدها حديث ابن عباس وأبي هريرة ‏"‏ سئل عن أولاد المشركين ‏"‏ وفي رواية ابن عباس ‏"‏ ذراري المشركين ‏"‏ ولم أقف في شيء من الطرق على تسمية هذا السائل، لكن عند أحمد وأبي داود عن عائشة ما يحتمل أن تكون هي السائلة، فأخرجا من طريق عبد الله بن أبي قيس عنها قالت ‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول الله ذراري المسلمين‏؟‏ قال‏:‏ مع آبائهم‏.‏
قلت‏:‏ يا رسول الله بلا عمل‏؟‏ قال‏:‏ الله أعلم بما كانوا عاملين ‏"‏ الحديث‏.‏
وروى عبد الرزاق من طريق أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ‏"‏ سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال‏:‏ هم مع آبائهم، ثم سألته بعد ذلك فقال‏:‏ الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم سألته بعدما استحكم الإسلام فنزل ‏(‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏)‏ قال‏:‏ هم على الفطرة، أو قال‏:‏ في الجنة ‏"‏ وأبو معاذ هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف، ولو صح هذا لكان قاطعا للنزاع رافعا لكثير من الإشكال المتقدم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ اللَّهُ إِذْ خَلَقَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
الشرح‏:‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يسمع ابن عباس هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، بين ذلك أحمد من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال‏:‏ كنت أقول في أولاد المشركين‏:‏ هم منهم، حتى حدثني رجل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيته فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏"‏ ربهم أعلم بهم، هو خلقهم وهو أعلم بما كانوا عاملين ‏"‏ فأمسكت عن قولي انتهى‏.‏
وهذا أيضا يدفع القول الأول الذي حكيناه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏الله أعلم‏)‏ قال ابن قتيبة‏:‏ معنى قوله ‏"‏ بما كانوا عاملين ‏"‏ أي لو أبقاهم، فلا تحكموا عليهم بشيء‏.‏
وقال غيره‏:‏ أي علم أنهم لا يعملون شيئا ولا يرجعون فيعملون أو أخبر بعلم شيء لو وجد كيف يكون، مثل قوله‏:‏ ‏(‏ولو ردوا لعادوا‏)‏ ولكن لم يرد أنهم يجازون بذلك في الآخرة لأن العبد لا يجازى بما لم يعمل‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ وأما حديث أبي هريرة فهو طرف من ثاني أحاديث الباب كما سيأتي في القدر من طريق همام عن أبي هريرة، ففي آخره ‏"‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، أفرأيت من يموت وهو صغير‏؟‏ قال‏:‏ الله أعلم بما كانوا عاملين ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ فقال رجل‏:‏ يا رسول الله أرأيت لو مات قبل ذلك ‏"‏ ولأبي داود من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة نحو رواية همام‏.‏
وأخرج أبو داود عقبه عن ابن وهب سمعت مالكا وقيل له إن أهل الأهواء يحتجون علينا بهذا الحديث يعني قوله ‏"‏ فأبواه يهودانه أو ينصرانه ‏"‏ فقال مالك‏:‏ احتج عليهم بآخره ‏"‏ الله أعلم بما كانوا عاملين‏"‏‏.‏
ووجه ذلك أن أهل القدر استدلوا على أن الله فطر العباد على الإسلام وأنه لا يضل أحدا وإنما يضل الكافر أبواه، فأشار مالك إلى الرد عليهم بقوله ‏"‏ الله أعلم ‏"‏ فهو دال على أنه يعلم بما يصيرون إليه بعد إيجادهم على الفطرة، فهو دليل على تقدم العلم الذي ينكره غلاتهم، ومن ثم قال الشافعي‏:‏ أهل القدر إن أثبتوا العلم خصموا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ هكذا رواه ابن أبي ذئب عن الزهري، وتابعه يونس كما تقدم قبل أبواب من طريق عبد الله بن المبارك عنه، وأخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن يونس، وخالفهما الزبيدي ومعمر فروياه عن الزهري عن سعيد بن المسيب بدل أبي سلمة، وأخرجه الذهلي في ‏"‏ الزهريات ‏"‏ من طريق الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، وقد تقدم أيضا من طريق شعيب عن الزهري عن أبي هريرة من غير ذكر واسطة‏.‏
وصنيع البخاري يقتضي ترجيح طريق أبي سلمة، وصنيع مسلم يقتضي تصحيح القولين عن الزهري، وبذلك جزم الذهلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كل مولود‏)‏ أي من بني آدم، وصرح به جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ كل بني آدم يولد على الفطرة ‏"‏ وكذا رواه خالد الواسطي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج ذكرها ابن عبد البر، واستشكل هذا التركيب بأنه يقتضي أن كل مولود يقع له التهويد وغيره مما ذكر، والفرض أن بعضهم يستمر مسلما ولا يقع له شيء، والجواب أن المراد من التركيب أن الكفر ليس من ذات المولود ومقتضى طبعه، بل إنما حصل بسبب خارجي، فإن سلم من ذلك السبب استمر على الحق‏.‏
وهذا يقوي المذهب الصحيح في تأويل الفطرة كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يولد على الفطرة‏)‏ ظاهره تعميم الوصف المذكور في جميع المولودين، وأصرح منه رواية يونس المتقدمة بلفظ ‏"‏ ما من مولود إلا يولد على الفطرة‏"‏، ولمسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه‏"‏‏.‏
وفي رواية له من هذا الوجه ‏"‏ ما من مولود إلا وهو على الملة‏"‏‏.‏
وحكى ابن عبد البر عن قوم أنه لا يقتضي العموم، وإنما المراد أن كل من ولد على الفطرة وكان له أبوان على غير الإسلام نقلاه إلى دينهما، فتقدير الخبر على هذا‏:‏ كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهوديان مثلا فإنهما يهودانه ثم يصير عند بلوغه إلى ما يحكم به عليه‏.‏
ويكفي في الرد عليهم رواية أبي صالح المتقدمة‏.‏
وأصرح منها رواية جعفر بن ربيعة بلفظ ‏"‏ كل بني آدم يولد على الفطرة ‏"‏ وقد اختلف السلف في المراد بالفطرة في هذا الحديث على أقوال كثيرة، وحكى أبو عبيد أنه سأل محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة عن ذلك فقال‏:‏ كان هذا في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض، وقبل الأمر بالجهاد‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ كأنه عني أنه لو كان يولد على الإسلام فمات قبل أن يهوده أبواه مثلا لم يرثاه‏.‏
والواقع في الحكم أنهما يرثانه فدل على تغير الحكم‏.‏
وقد تعقبه ابن عبد البر وغيره‏.‏
وسبب الاشتباه أنه حمله على أحكام الدنيا، فلذلك ادعى فيه النسخ، والحق أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بما وقع في نفس الأمر، ولم يرد به إثبات أحكام الدنيا‏.‏
وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام، قال ابن عبد البر‏:‏ وهو المعروف عند عامة السلف‏.‏
وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى ‏(‏فطرة الله التي فطر الناس عليها‏)‏ الإسلام، واحتجوا بقول أبي هريرة في آخر حديث الباب‏:‏ اقرؤوا إن شئتم ‏(‏فطرة الله التي فطر الناس عليها‏)‏ وبحديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ‏"‏ إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد رواه غيره فزاد فيه ‏"‏ حنفاء مسلمين ‏"‏ ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى ‏(‏فطرة الله‏)‏ لأنها إضافة مدح، وقد أمر نبيه بلزومها، فعلم أنها الإسلام‏.‏
وقال ابن جرير‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏فأقم وجهك للدين‏)‏ أي سدد لطاعته ‏(‏حنيفا‏)‏ أي مستقيما ‏(‏فطرة الله‏)‏ أي صبغة الله، وهو منصوب على المصدر الذي دل عليه الفعل الأول، أو منصوب بفعل مقدر، أي ألزم‏.‏
وقد سبق قبل أبواب قول الزهري في الصلاة على المولود‏:‏ من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام، وسيأتي في تفسير سورة الروم جزم المصنف بأن الفطرة الإسلام، وقد قال أحمد‏:‏ من مات أبواه وهما كافران حكم بإسلامه‏.‏
واستدل بحديث الباب فدل على أنه فسر الفطرة بالإسلام‏.‏
وتعقبه بعضهم بأنه كان يلزم أن لا يصح استرقاقه، ولا يحكم بإسلامه إذا أسلم أحد أبويه‏.‏
والحق أن الحديث سيق لبيان ما هو في نفس الأمر، لا لبيان الأحكام في الدنيا‏.‏
وحكى محمد بن نصر أن آخر قولي أحمد أن المراد بالفطرة الإسلام‏.‏
قال ابن القيم‏:‏ وقد جاء عن أحمد أجوبة كثيرة يحتج فيها بهذا الحديث على أن الطفل إنما يحكم بكفره بأبويه، فإذا لم يكن بين أبوين كافرين فهو مسلم‏.‏
وروى أبو داود عن حماد بن سلمة أنه قال‏:‏ المراد أن ذلك حيث أخذ الله عليهم العهد حيث قال ‏(‏ألست بربكم قالوا بلى‏)‏ ونقله ابن عبد البر عن الأوزاعي وعن سحنون، ونقله أبو يعلى بن الفراء عن إحدى الروايتين عن أحمد، وهو ما حكاه الميموني عنه وذكره ابن بطة، وقد سبق في ‏"‏ باب إسلام الصبي ‏"‏ في آخر حديث الباب من طريق يونس ثم يقول ‏(‏فطرة الله التي فطر الناس عليها - إلى قوله - القيم‏)‏ وظاهره أنه من الحديث المرفوع، وليس كذلك بل هو من كلام أبي هريرة أدرج في الخبر، بينه مسلم من طريق الزبيدي عن الزهري ولفظه ‏"‏ ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم ‏"‏ قال الطيبي‏:‏ ذكر هذه الآية عقب هذا الحديث يقوي ما أوله حماد بن سلمة من أوجه‏:‏ أحدها أن التعريف في قوله ‏"‏ على الفطرة ‏"‏ إشارة إلى معهود وهو قوله تعالى ‏(‏فطرة الله‏)‏ ومعنى المأمور في قوله‏:‏ ‏(‏فأقم وجهك‏)‏ أي اثبت على العهد القديم‏.‏
ثانيها ورود الرواية بلفظ ‏"‏ الملة ‏"‏ بدل الفطرة و ‏"‏ الدين ‏"‏ في قوله‏:‏ ‏(‏للدين حنيفا‏)‏ هو عين الملة، قال تعالى ‏(‏دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا‏)‏ ويؤيده حديث عياض المتقدم‏.‏
ثالثها التشبيه بالمحسوس المعاين ليفيد أن ظهوره يقع في البيان مبلغ هذا المحسوس، قال‏.‏
والمراد تمكن الناس من الهدى في أصل الجبلة، والتهيؤ لقبول الدين، فلو ترك المرء عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد انتهى‏.‏
وإلى هذا مال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏ فقال‏:‏ المعنى أن الله خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول وعلى تلك الأهلية أدركت الحق، ودين الإسلام هو الدين الحق، وقد دل على هذا المعنى بقية الحديث حيث قال ‏"‏ كما تنتج البهيمة ‏"‏ يعني أن البهيمة تلد الولد كامل الخلقة، فلو ترك كذلك كان بريئا من العيب، لكنهم تصرفوا فيه بقطع أذنه مثلا فخرج عن الأصل، وهو تشبيه واقع ووجهه واضح والله أعلم‏.‏
وقال ابن القيم‏:‏ ليس المراد بقوله ‏"‏ يولد على الفطرة ‏"‏ أنه خرج من بطن أمه يعلم الدين، لأن الله يقول ‏(‏والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا‏)‏ ولكن المراد أن فطرته مقتضية لمعرفة دين الإسلام ومحبته، فنفس الفطرة تستلزم الإقرار والمحبة، وليس المراد مجرد قبول الفطرة لذلك، لأنه لا يتغير بتهويد الأبوين مثلا بحيث يخرجان الفطرة عن القبول، وإنما المراد أن كل مولود يولد على إقراره بالربوبية، فلو خلي وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره، كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من ارتضاع اللبن حتى يصرفه عنه الصارف، ومن ثم شبهت الفطرة باللبن بل كانت إياه في تأويل الرؤيا‏.‏
والله أعلم‏.‏
وفي المسألة أقوال أخر ذكرها ابن عبد البر وغيره‏:‏ منها قول ابن المبارك أن المراد أنه يولد على ما يصير إليه من شقاوة أو سعادة، فمن علم الله أنه يصير مسلما ولد على الإسلام، ومن علم الله أنه يصير كافرا ولد على الكفر، فكأنه أول الفطرة بالعلم‏.‏
وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يكن لقوله ‏"‏ فأبواه يهودانه إلخ ‏"‏ معنى لأنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها فينافي في التمثيل بحال البهيمة‏.‏
ومنها أن المراد أن الله خلق فيهم المعرفة والإنكار، فلما أخذ الميثاق من الذرية قالوا جميعا ‏(‏بلى‏)‏ أما أهل السعادة فقالوها طوعا، وأما أهل الشقاوة فقالوها كرها‏.‏
وقال محمد بن نصر‏:‏ سمعت إسحاق ابن راهويه يذهب إلى هذا المعنى ويرجحه، وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل صحيح، فأنه لا يعرف هذا التفصيل عند أخذ الميثاق إلا عن السدي ولم يسنده، وكأنه أخذه من الإسرائيليات، حكاه ابن القيم عن شيخه‏.‏
ومنها أن المراد بالفطرة الخلقة أي يولد سالما لا يعرف كفرا ولا إيمانا، ثم يعتقد إذا بلغ التكليف، ورجحه ابن عبد البر وقال‏:‏ إنه يطابق التمثيل بالبهيمة ولا يخالف حديث عياض لأن المراد بقوله‏:‏ ‏(‏حنيفا‏)‏ أي على استقامة، وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يقتصر في أحوال التبديل على ملل الكفر دون ملة الإسلام، ولم يكن لاستشهاد أبي هريرة بالآية معنى‏.‏
ومنها قول بعضهم‏:‏ أن اللام في الفطرة للعهد أي فطرة أبويه، وهو متعقب بما ذكر في الذي قبله‏.‏
ويؤيد المذهب الصحيح أن قوله ‏"‏ فأبواه يهودانه إلخ ‏"‏ ليس فيه لوجود الفطرة شرط بل ذكر ما يمنع موجبها كحصول اليهودية مثلا متوقف على أشياء خارجة عن الفطرة، بخلاف الإسلام‏.‏
وقال ابن القيم‏:‏ سبب اختلاف العلماء في معنى الفطرة في هذا الحديث أن القدرية كانوا يحتجون به على أن الكفر والمعصية ليسا بقضاء الله بل مما ابتدأ الناس إحداثه، فحاول جماعة من العلماء مخالفتهم بتأويل الفطرة على غير معنى الإسلام، ولا حاجة لذلك، لأن الآثار المنقولة عن السلف تدل على أنهم لم يفهموا من لفظ الفطرة إلا الإسلام، ولا يلزم من حملها على ذلك موافقة مذهب القدرية، لأن قوله‏:‏ ‏"‏ فأبواه يهودانه إلخ ‏"‏ محمول على أن ذلك يقع بتقدير الله تعالى، ومن ثم احتج عليهم مالك بقوله في آخر الحديث ‏"‏ الله أعلم بما كانوا عاملين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأبواه‏)‏ أي المولود، قال الطيبي‏:‏ الفاء أما للتعقيب أو السببية أو جزاء شرط مقدر، أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه إما بتعليمهما إياه أو بترغيبهما فيه، وكونه تبعا لهما في الدين يقتضي أن يكون حكمه حكمهما‏.‏
وخص الأبوان بالذكر للغالب، فلا حجة فيه لمن حكم بإسلام الطفل الذي يموت أبواه كافرين كما هو قول أحمد، فقد استمر عمل الصحابة ومن بعدهم على عدم التعرض لأطفال أهل الذمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كمثل البهيمة تنتج البهيمة‏)‏ أي تلدها فالبهيمة الثانية بالنصب على المفعولية وقد تقدم بلفظ ‏"‏ كما تنتج البهيمة بهيمة‏"‏، قال الطيبي‏:‏ قوله ‏"‏ كما ‏"‏ حال من الضمير المنصوب في ‏"‏ يهودانه ‏"‏ أي يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة تشبيها بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة، أو هو صفة مصدر محذوف أي يغيرانه تغييرا مثل تغييرهم البهيمة السليمة، قال‏:‏ وقد تنازعت الأفعال الثلاثة في ‏"‏ كما ‏"‏ على التقديرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تنتج‏)‏ بضم أوله وسكون النون وفتح المثناة بعدها جيم، قال أهل اللغة‏:‏ نتجت الناقة على صيغة ما لم يسم فاعله تنتج بفتح المثناة وأنتج الرجل ناقته ينتجها إنتاجا، زاد في الرواية المتقدمة ‏"‏ بهيمة جمعاء ‏"‏ أي لم يذهب من بدنها شيء، سميت بذلك لاجتماع أعضائها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هل ترى فيها جدعاء‏)‏ ‏؟‏ قال الطيبي‏:‏ هو في موضع الحال أي سليمة مقولا في حقها ذلك، وفيه نوع التأكيد أي إن كل من نظر إليها قال ذلك لظهور سلامتها‏.‏
والجدعاء المقطوعة الأذن، ففيه إيماء إلى أن تصميمهم على الكفر كان بسبب صممهم عن الحق‏.‏
ووقع في الرواية المتقدمة بلفظ ‏"‏ هل تحسون فيها من جدعاء ‏"‏ وهو من الإحساس والمراد به العلم بالشيء، يريد أنها تولد لا جدع فيها وإنما يجدعها أهلها بعد ذلك‏.‏
وسيأتي في تفسير سورة الروم أن معنى قوله‏:‏ ‏(‏لا تبديل لخلق الله‏)‏ أي لدين الله وتوجيه ذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ذكر ابن هشام في ‏"‏ المغني ‏"‏ عن ابن هشام الخضراوي أنه جعل هذا الحديث شاهدا لورود ‏"‏ حتى ‏"‏ للاستثناء، فذكره بلفظ ‏"‏ كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه ‏"‏ وقال‏:‏ ولك أن تخرجه على أن فيه حذفا أي يولد على الفطرة ويستمر على ذلك حتى يكون، يعني فتكون للغاية على بابها انتهى‏.‏
ومال صاحب ‏"‏ المغني ‏"‏ في موضع آخر إلى أنه ضمن ‏"‏ يولد ‏"‏ معنى ينشأ مثلا، وقد وجدت الحديث في تفسير ابن مردويه من طريق الأسود بن سريع بلفظ ‏"‏ ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة، فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها ‏"‏ الحديث‏.‏
وهو يؤيد الاحتمال المذكور‏.‏
واللفظ الذي ساقه الخضراوي لم أره في الصحيحين ولا غيرهما، إلا عند مسلم كما تقدم في رواية ‏"‏ حتى يعرب عنه لسانه ‏"‏ ثم وجدت أبا نعيم في مستخرجه على مسلم أورد الحديث من طريق كثير بن عبيد عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري بلفظ ‏"‏ ما من مولود يولد في بني آدم إلا يولد على الفطرة، حتى يكون أبواه يهودانه ‏"‏ الحديث‏.‏
وكذا أخرجه ابن مردويه من هذا الوجه، وهو عند مسلم عن حاجب بن الوليد عن محمد بن حرب بلفظ ‏"‏ ما من مولود إلا يولد على الفطرة، أبواه يهودانه ‏"‏ الحديث‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-04-2013, 12:14 AM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n139&p1#TOP)باب الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا قُلْنَا لَا قَالَ لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ قُلْتُ مَا هَذَا قَالَا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ قَالَ يَزِيدُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالَا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنْ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ وَأَدْخَلَانِي دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ قُلْتُ طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ قَالَا نَعَمْ أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمْ الزُّنَاةُ وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ وَالدَّارُ الْأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ فَارْفَعْ رَأْسَكَ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ قَالَا ذَاكَ مَنْزِلُكَ قُلْتُ دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي قَالَا إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمُرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ فَلَوْ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر في قصة ابن صياد وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الباب المشار إليه في الجهاد، ومقصود البخاري منه الاستدلال هنا بقوله صلى الله عليه وسلم لابن صياد ‏"‏ أتشهد أني رسول الله ‏"‏‏؟‏ وكان إذ ذاك دون البلوغ قوله‏:‏ ‏"‏ أطم ‏"‏ بضمتين بناء كالحصن‏.‏
و ‏"‏ مغالة ‏"‏ بفتح الميم والمعجمة الخفيفة بطن من الأنصار، وابن صياد في رواية أبي ذر صائد وكلا الأمرين كان يدعى به، وقوله ‏"‏فرفضه ‏"‏ للأكثر بالضاد المعجمة أي تركه، قال الزين بن المنير‏:‏ أنكرها القاضي‏.‏
ولبعضهم بالمهملة أي دفعه برجله، قال عياض‏:‏ كذا في رواية أبي ذر عن غير المستملي ولا وجه لها‏.‏
قال المازري‏:‏ لع له رفسه بالسين المهملة أي ضربه برجله، قال عياض‏:‏ لم أجد هذه اللفظة في جماهير اللغة يعني بالصاد، قال‏:‏ وقد وقع في رواية الأصيلي بالقاف بدل الفاء‏.‏
وفي رواية عبدوس ‏"‏ فوقصه ‏"‏ بالواو والقاف، وقوله ‏"‏وهو يختل ‏"‏ بمعجمة ساكنة بعدها مثناة مكسورة أي يخدعه، والمراد أنه كان يريد أن يستغفله ليسمع كلامه وهو لا يشعر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏له فيها رمزة أو زمرة‏)‏ كذا للأكثر على الشك في تقديم الراء على الزاي أو تأخيرها، ولبعضهم ‏"‏ زمزمة أو رمرمة ‏"‏ على الشك هل هو بزايين أو براءين مع زيادة ميم فيهما، ومعاني هذه الكلمات المختلفة متقاربة، فأما التي بتقديم الراء وميم واحدة فهي فعلة من الرمز وهو الإشارة، وأما التي بتقديم الزاي كذلك فمن الزمر والمراد حكاية صوته، وأما التي بالمهملتين وميمين فأصله من الحركة وهي هنا بمعني الصوت الخفي، وأما التي بالمعجمتين كذلك فقال الخطابي‏:‏ هو تحريك الشفتين بالكلام‏.‏
وقال غيره‏:‏ وهو كلام العلوج وهو صوت يصوت من الخياشيم والحلق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فثار ابن صياد‏)‏ أي قام كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ فثاب ‏"‏ بموحدة أي رجع عن الحالة التي كان فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال شعيب زمزمة فرفصه‏)‏ في رواية أبي ذر بالزايين وبالصاد المهملة‏.‏
وفي رواية غيره ‏"‏ وقال شعيب في حديثه فرفصه زمزمة أو رمرمة ‏"‏ بالشك‏.‏
وسيأتي في الأدب موصولا من هذا الوجه بالشك، لكن فيه ‏"‏ فرصه ‏"‏ بغير فاء وبالتشديد، وذكر الخطابي في غريبه بمهملة أي ضغطه وضم بعضه إلى بعض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إسحاق الكلبي وعقيل رمرمة‏)‏ يعني بمهملتين ‏(‏وقال معمر رمزة‏)‏ يعني براء ثم زاي، أما رواية إسحاق فوصلها الذهلي في الزهريات وسقطت من رواية المستملي والكشميهني وأبي الوقت، وأما رواية عقيل فوصلها المصنف في الجهاد وكذا رواية معمر‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n139&p1#TOP)باب مَوْتِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب موت يوم الاثنين‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ تعين وقت الموت ليس لأحد فيه اختيار، لكن في التسبب في حصوله مدخل كالرغبة إلى الله لقصد التبرك فمن لم تحصل له الإجابة أثيب على اعتقاده‏.‏
وكأن الخبر الذي ورد في فضل الموت يوم الجمعة لم يصح عند البخاري فاقتصر على ما وافق شرطه، وأشار إلى ترجيحه على غيره، والحديث الذي أشار إليه أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا ‏"‏ ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر ‏"‏ وفي إسناده ضعف، وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه وإسناده أضعف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ فِي كَمْ كَفَّنْتُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ وَقَالَ لَهَا فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ قَالَ فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالَتْ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ قَالَ أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ فَقَالَ اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فَكَفِّنُونِي فِيهَا قُلْتُ إِنَّ هَذَا خَلَقٌ قَالَ إِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت عائشة‏:‏ دخلت على أبي بكر‏)‏ تعني أباها، زاد أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من هذا الوجه ‏"‏ فرأيت به الموت، فقلت هيج هيج من لا يزال دمعه مقنعا فإنه في مرة مدفوق فقال‏:‏ لا تقولي هذا، ولكن قولي ‏(‏وجاءت سكرة الموت بالحق‏)‏ الآية - ثم قال - في أي يوم ‏"‏ الحديث‏.‏
وهذه الزيادة أخرجها ابن سعد مفردة عن أبي سامة عن هشام‏.‏
وقولها ‏"‏ هيج ‏"‏ بالجيم حكاية بكائها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي كم ثوبا كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم فيه‏؟‏ وقوله ‏"‏ في كم ‏"‏ معمول مقدم لكفنتم، قيل‏:‏ ذكر لها أبو بكر ذلك بصيغة الاستفهام توطئة لها للصبر على فقده، واستنطاقا لها بما يعلم أنه يعظم عليها ذكره، لما في بداءته لها بذلك من إدخال الغم العظيم عليها، لأنه يبعد أن يكون أبو بكر نسي ما سأل عنه مع قرب العهد، ويحتمل أن يكون السؤال عن قدر الكفن على حقيقته، لأنه لم يحضر ذلك لاشتغاله بأمر البيعة‏.‏
وأما تعيين اليوم فنسيانه أيضا محتمل لأنه صلى الله عليه وسلم دفن ليلة الأربعاء، فيمكن أن يحصل التردد هل مات يوم الاثنين أو الثلاثاء‏.‏
وقد تقدم الكلام على الكفن في موضعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت يوم الاثنين‏)‏ بالنصب أي في يوم الاثنين، وقولها بعد ذلك ‏"‏ قلت يوم الاثنين ‏"‏ بالرفع أي هذا يوم الاثنين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرجو فيما بيني وبين الليل‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ الليلة ‏"‏ ولابن سعد من طريق الزهري عن عروة عن عائشة ‏"‏ أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوما باردا، فحم خمسة عشر يوما، ومات مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ‏"‏ وأشار الزين بن المنير إلى أن الحكمة في تأخر وفاته عن يوم الاثنين مع أنه كان يحب ذلك ويرغب فيه لكونه قام في الأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم فناسب أن تكون وفاته متأخرة عن الوقت الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏به ردع‏)‏ بسكون المهملة بعدها عين مهملة أي لطخ لم يعمه كله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزيدوا عليه ثوبين‏)‏ زاد ابن سعد عن أبي معاوية عن هشام ‏"‏ جديدين‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكفنوني فيهما‏)‏ أي المزيد والمزيد عليه‏.‏
وفي رواية غير أبي ذر ‏"‏ فيها ‏"‏ أي الثلاثة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خلق‏)‏ بفتح المعجمة واللام أي غير جديد‏.‏
وفي رواية أبي معاوية عند ابن سعد ‏"‏ ألا نجعلها جددا كلها‏؟‏ قال‏:‏ لا،‏"‏، وظاهره أن أبا بكر كان يرى عدم المغالاة في الأكفان‏.‏
ويؤيده قوله بعد ذلك ‏"‏ إنما هو للمهلة ‏"‏ وروى أبو داود من حديث علي مرفوعا ‏"‏ لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا ‏"‏ ولا يعارضه حديث جابر في الأمر بتحسين الكفن أخرجه مسلم، فإنه يجمع بينهما بحمل التحسين على الصفة وحمل المغالاة على الثمن‏.‏
وقيل التحسين حق الميت، فإذا أوصى بتركه اتبع كما فعل الصديق، ويحتمل أن يكون اختار ذلك الثوب بعينه لمعنى فيه من التبرك به لكونه صار إليه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو لكونه كان جاهد فيه أو تعبد فيه‏.‏
ويؤيده ما رواه ابن سعد من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال‏:‏ قال أبو بكر ‏"‏ كفنوني في ثوبي اللذين كنت أصلي فيهما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما هو‏)‏ أي الكفن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏للمهلة‏)‏ قال عياض‏:‏ روي بضم الميم وفتحها وكسرها‏.‏
قلت‏:‏ جزم به الخليل‏.‏
وقال ابن حبيب‏:‏ هو بالكسر الصديد، وبالفتح التمهل، وبالضم عكر الزيت‏.‏
والمراد هنا الصديد‏.‏
ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‏"‏ إنما هو ‏"‏ أي الجديد، وأن يكون المراد ‏"‏ بالمهلة ‏"‏ على هذا التمهل أي إن الجديد لمن يريد البقاء، والأول أظهر‏.‏
ويؤيده قول القاسم بن محمد بن أبي بكر قال ‏"‏ كفن أبو بكر في ريطة بيضاء وريطة ممصرة وقال‏:‏ إنما هو لما يخرج من أنفه وفيه ‏"‏ أخرجه ابن سعد‏.‏
وله عنه من وجه آخر ‏"‏ إنما هو للمهل والتراب ‏"‏ وضبط الأصمعي هذه بالفتح‏.‏
وفي هذا الحديث استحباب التكفين في الثياب البيض وتثليث الكفن وطلب الموافقة فيما وقع للأكابر تبركا بذلك‏.‏
وفيه جواز التكفين في الثياب المغسولة، وإيثار الحي بالجديد، والدفن بالليل، وفضل أبي بكر وصحة فراسته وثباته عند وفاته‏.‏
وفيه أخذ المرء العلم عمن دونه‏.‏
وقال أبو عمر‏:‏ فيه أن التكفين في الثوب الجديد والخلق سواء‏.‏
وتعقب بما تقدم من احتمال أن يكون أبو بكر اختاره لمعنى فيه، وعلى تقدير أن لا يكون كذلك فلا دليل فيه على المساواة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n139&p1#TOP)باب مَوْتِ الْفَجْأَةِ الْبَغْتَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب موت الفجاءة، البغتة‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ هو مضبوط بالكسر على البدل، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي البغتة، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ بغتة‏"‏‏.‏
والفجاءة بضم الفاء وبعد الجيم مد ثم همز، ويروى بفتح ثم سكون بغير مد، وهي الهجوم على من لم يشعر به‏.‏
وموت الفجأة وقوعه بغير سبب من مرض وغيره، قال ابن رشيد‏:‏ مقصود المصنف والله أعلم الإشارة إلى أنه ليس بمكروه، لأنه لم يظهر منه كراهيته لما أخبره الرجل بأن أمه افتلتت نفسها، وأشار إلى ما رواه أبو داود بلفظ ‏"‏ موت الفجأة أخذة أسف ‏"‏ وفي إسناده مقال، فجرى على عادته في الترجمة بما لم يوافق شرطه، وإدخال ما يومئ إلى ذلك ولو من طرف خفي انتهى‏.‏
والحديث المذكور أخرجه أبو داود من حديث عبيد بن خالد السلمي ورجاله ثقات، إلا أن راويه رفعه مرة ووقفه أخرى‏.‏
وقوله ‏"‏أسف ‏"‏ أي غضب وزنا ومعنى، وروي بوزن فاعل أي غضبان، ولأحمد من حديث أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجدار مائل فأسرع وقال‏:‏ أكره موت الفوات ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ وكان ذلك - والله أعلم - لما في موت الفجأة من خوف حرمان الوصية، وترك الاستعداد للمعاد بالتوبة وغيرها من الأعمال الصالحة‏.‏
وقد روى ابن أبي الدنيا في ‏"‏ كتاب الموت ‏"‏ من حديث أنس نحو حديث عبيد بن خالد وزاد فيه ‏"‏ المحروم من حرم وصيته ‏"‏ انتهى‏.‏
وفي ‏"‏ مصنف ابن أبي شيبة ‏"‏ عن عائشة وابن مسعود ‏"‏ موت الفجأة راحة للمؤمن وأسف على الفاجر ‏"‏ وقال ابن المنير لعل البخاري أراد بهذه الترجمة أن من مات فجأة فليستدرك ولده من أعمال البر ما أمكنه مما يقبل النيابة، كما وقع في حديث الباب‏.‏
وقد نقل عن أحمد وبعض الشافعية كراهة موت الفجأة، ونقل النووي عن بعض القدماء أن جماعة من الأنبياء والصالحين ماتوا كذلك، قال النووي‏:‏ وهو محبوب للمراقبين‏.‏
قلت‏:‏ وبذلك يجتمع القولان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن جعفر‏)‏ أي ابن أبي كثير المدني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا‏)‏ هو سعد بن عبادة، واسم أمه عمرة، وسيأتي حديثه والكلام عليه في الوصايا إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏افتلتت‏)‏ بضم المثناة وكسر اللام أي سلبت، على ما لم يسم فاعله، يقال افتلت فلان أي مات فجأة وافتلتت نفسه كذلك، وضبطه بعضهم بفتح السين إما على التمييز، وإما على أنه مفعول ثان، والفلتة والافتلات ما وقع بغتة من غير روية، وذكره ابن قتيبة بالقاف وتقديم المثناة وقال‏:‏ هي كلمة تقال لمن فتله الحب ولمن مات فجأة، والمشهور في الرواية بالفاء‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n139&p1#TOP)باب مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَقْبَرَهُ أَقْبَرْتُ الرَّجُلَ أُقْبِرُهُ إِذَا جَعَلْتَ لَهُ قَبْرًا وَقَبَرْتُهُ دَفَنْتُهُ كِفَاتًا يَكُونُونَ فِيهَا أَحْيَاءً وَيُدْفَنُونَ فِيهَا أَمْوَاتًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ قال بعضهم مراده بقوله ‏"‏ قبر النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ المصدر من قبرته قبرا، والأظهر عندي أنه أراد الاسم، ومقصوده بيان صفته من كونه مسنما أو غير مسنم وغير ذلك مما يتعلق بعضه ببعض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قول الله عز وجل‏:‏ فأقبره‏)‏ يريد تفسير الآية ‏(‏ثم أماته فأقبره‏)‏ أي جعله ممن يقبر لا ممن يلقى حتى تأكله الكلاب مثلا‏.‏
وقال أبو عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏ أقبره أمر بأن يقبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقبرت الرجل إذا جعلت له قبرا وقبرته دفنته‏)‏ قال يحيى الفراء في المعاني‏:‏ يقال أقبره جعله مقبورا وقبره دفنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كفاتا إلخ‏)‏ روى عبد بن حميد من طريق مجاهد قال في قوله‏:‏ ‏(‏ألم نجعل الأرض كفاتا، أحياء وأمواتا‏)‏ قال‏:‏ يكونون فيها ما أرادوا ثم يدفنون فيها‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب أحاديث‏:‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ هِشَامٍ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ أَيْنَ أَنَا غَدًا اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَدُفِنَ فِي بَيْتِي
الشرح‏:‏
قوله ‏"‏إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعذر في مرضه ‏"‏ وقد ضبط في روايتنا بالعين المهملة والذال المعجمة أي يتمنع، وحكى ابن التين أنه في رواية القابسي بالقاف والدال المهملة أي يسأل عن قدر ما بقي إلى يومها، لأن المريض يجد عند بعض أهله من الأنس ما لا يجد عند بعض‏.‏
وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث والذي بعده في ‏"‏ باب الوفاة النبوية ‏"‏ آخر المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏
والمقصود من إيرادهما هنا بيان أنه صلى الله عليه وسلم دفن في بيت عائشة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ هِلَالٍ هُوَ الْوَزَّانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ لَوْلَا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَوْ خُشِيَ أَنَّ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا وَعَنْ هِلَالٍ قَالَ كَنَّانِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يُولَدْ لِي
الشرح‏:‏
تقدم في ‏"‏ باب ما يكره من اتخاذ القبور على المساجد ‏"‏ من طريق هلال المذكور، وفي ‏"‏ باب بناء المسجد على القبر ‏"‏ من وجه آخر، وفي أبواب المساجد أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن هلال‏)‏ يعني بالإسناد المذكور إليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كناني عروة بن الزبير‏)‏ أي الذي روى عنه ذلك الحديث‏.‏
واختلف في كنية هلال‏:‏ فالمشهور أنه أبو عمرو، وقيل أبو أمية، وقيل أبو الجهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سفيان التمار‏)‏ هو ابن دينار على الصحيح، وقيل ابن زياد، والصواب أنه غيره، وكل منهما عصفري كوفي‏.‏
وهو من كبار أتباع التابعين، وقد لحق عصر الصحابة، ولم أر له رواية عن صحابي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مسنما‏)‏ أي مرتفعا، زاد أبو نعيم في المستخرج ‏"‏ وقبر أبي بكر وعمر كذلك ‏"‏ واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية، وادعى القاضي حسين اتفاق الأصحاب عليه، وتعقب بأن جماعة من قدماء الشافعية استحبوا التسطيح كما نص عليه الشافعي وبه جزم الماوردي وآخرون‏.‏
وقول سفيان التمار لا حجة فيه كما قال البيهقي لاحتمال أن قبره صلى الله عليه وسلم لم يكن في الأول مسنما، فقد روى أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال‏:‏ ‏"‏ دخلت على عائشة فقلت‏:‏ يا أمة اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت له عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء ‏"‏ زاد الحاكم ‏"‏ فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما، وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وهذا كان في خلافة معاوية، فكأنها كانت في الأول مسطحة، ثم لما بني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة‏.‏
وقد روى أبو بكر الآجري في ‏"‏ كتاب صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من طريق إسحاق بن عيسى ابن بنت داود بن أبي هند عن غنيم بن بسطام المديني قال‏:‏ رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم في إمارة عمر بن عبد العزيز فرأيته مرتفعا نحوا من أربع أصابع، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره، ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه‏.‏
ثم الاختلاف في ذلك في أيهما أفضل لا في أصل الجواز، ورجح المزني التسنيم من حيث المعنى بأن المسطح يشبه ما يصنع للجلوس بخلاف المسنم، ورجحه ابن قدامة بأنه يشبه أبنية أهل الدنيا وهو من شعار أهل البدع فكان التسنيم أولى‏.‏
ويرجح التسطيح ما رواه مسلم من حديث فضالة بن عبيد أنه أمر بقبر فسوي، ثم قال‏:‏ ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ لَمَّا سَقَطَ عَلَيْهِمْ الْحَائِطُ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذُوا فِي بِنَائِهِ فَبَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ فَفَزِعُوا وَظَنُّوا أَنَّهَا قَدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا وَجَدُوا أَحَدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ لَا وَاللَّهِ مَا هِيَ قَدَمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هِيَ إِلَّا قَدَمُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا فروة‏)‏ هو ابن أبي المغراء، وعلي هو ابن مسهر، وثبت ذلك في رواية أبي ذر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما سقط عليهم الحائط‏)‏ أي حائط حجرة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفي رواية الحموي عنهم‏:‏ والسبب في ذلك ما رواه أبو بكر الآجري من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة قال‏:‏ أخبرني أبي قال ‏"‏ كان الناس يصلون إلى القبر فأمر به عمر بن عبد العزيز فرفع حتى لا يصلي إليه أحد، فلما هدم بدت قدم بساق وركبة ففزع عمر بن عبد العزيز، فأتاه عروة فقال‏:‏ هذا ساق عمر وركبته، فسري عن عمر بن عبد العزيز ‏"‏ وروى الآجري من طريق مالك بن مغول عن رجاء بن حيوة قال‏:‏ كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز - وكان قد اشترى حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - أن اهدمها ووسع بها المسجد، فقعد عمر في ناحية، ثم أمر بهدمها، فما رأيته باكيا أكثر من يومئذ‏.‏
ثم بناه كما أراد‏.‏
فلما أن بنى البيت على القبر وهدم البيت الأول ظهرت القبور الثلاثة وكان الرمل الذي عليها قد انهار، ففزع عمر بن عبد العزيز وأراد أن يقوم فيسويها بنفسه، فقلت له‏:‏ أصلحك الله، إنك إن قمت قام الناس معك، فلو أمرت رجلا أن يصلحها، ورجوت أنه يأمرني بذلك، فقال‏:‏ يا مزاحم - يعني مولاه - قم فأصلحها‏.‏
قال رجاء‏:‏ وكان قبر أبي بكر عند وسط النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر خلف أبي بكر رأسه عند وسطه‏.‏
وهذا ظاهره يخالف حديث القاسم، فإن أمكن الجمع وإلا فحديث القاسم أصح‏.‏
وأما ما أخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن عائشة ‏"‏ أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره ‏"‏ فسنده ضعيف، ويمكن تأويله‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَوْصَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا تَدْفِنِّي مَعَهُمْ وَادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي بِالْبَقِيعِ لَا أُزَكَّى بِهِ أَبَدًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن هشام‏)‏ هو بالإسناد المذكور، وقد أخرجه المصنف في الاعتصام من وجه آخر عن هشام وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبدة عن هشام وزاد فيه ‏"‏ وكان في بيتها موضع قبر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا أزكى‏)‏ بضم أوله وفتح الكاف على البناء للمجهول، أي لا يثنى علي بسببه ويجعل لي بذلك مزية وفضل وأنا في نفس الأمر يحتمل أن لا أكون كذلك، وهذا منها على سبيل التواضع وهضم النفس بخلاف قولها لعمر كنت أريده لنفسي فكأن اجتهادها في ذلك تغير أو لما قالت ذلك لعمر كان قبل أن يقع لها ما وقع في قصة الجمل فاستحيت بعد ذلك أن تدفن هناك وقد قال عنها عمار بن ياسر وهو أحد من حاربها يومئذ‏:‏ إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، وسيأتي ذلك مبسوطا في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى، وهو كما قال رضي الله تعالى عنهم أجمعين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اذْهَبْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْ يَقْرَأُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلَامَ ثُمَّ سَلْهَا أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ قَالَتْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي فَلَأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي فَلَمَّا أَقْبَلَ قَالَ لَهُ مَا لَدَيْكَ قَالَ أَذِنَتْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ فَإِذَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي ثُمَّ سَلِّمُوا ثُمَّ قُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَادْفِنُونِي وَإِلَّا فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ إِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَمَنْ اسْتَخْلَفُوا بَعْدِي فَهُوَ الْخَلِيفَةُ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا فَسَمَّى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَوَلَجَ عَلَيْهِ شَابٌّ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ كَانَ لَكَ مِنْ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ ثُمَّ اسْتُخْلِفْتَ فَعَدَلْتَ ثُمَّ الشَّهَادَةُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَقَالَ لَيْتَنِي يَا ابْنَ أَخِي وَذَلِكَ كَفَافًا لَا عَلَيَّ وَلَا لِي أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ خَيْرًا أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأيت عمر بن الخطاب قال يا عبد الله بن عمر‏)‏ هذا طرف من حديث طويل سيأتي في مناقب عثمان وزاد فيه ‏"‏ وقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين ‏"‏ وفي أوله قدر ورقة في سياق مقتله وفي آخره قدر صفحة في قصة بيعة عثمان‏.‏
قال ابن التين‏.‏
قول عائشة في قصة عمر ‏"‏ كنت أريده لنفسي ‏"‏ يدل على أنه لم يبق ما يسع إلا موضع قبر واحد، فهو يغاير قولها عند وفاتها لا تدفني عندهم فإنه يشعر بأنه بقي من البيت موضع للدفن‏.‏
والجمع بينهما أنها كانت أولا تظن أنه لا يسع إلا قبرا واحدا فلما دفن ظهر لها أن هناك وسعا لقبر آخر، وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ إنما استأذنها عمر لأن الموضع كان بيتها وكان لها فيه حق، وكان لها أن تؤثر به على نفسها فآثرت عمر‏.‏
وفيه الحرص على مجاورة الصالحين في القبور طمعا في إصابة الرحمة إذا نزلت عليهم وفي دعاء من يزورهم من أهل الخير‏.‏
وفي قول عمر ‏"‏ قل يستأذن عمر فإن أذنت ‏"‏ أن من وعد عدة جاز له الرجوع فيها ولا يلزم بالوفاء‏.‏
وفيه أن من بعث رسولا في حاجة مهمة أن له أن يسأل الرسول قبل وصوله إليه ولا يعد ذلك من قلة الصبر بل من الحرص على الخير‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-04-2013, 12:16 AM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n139&p1#TOP)باب مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ينهى من سب الأموات‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لفظ الترجمة يشعر بانقسام السب إلى منهي وغير منهي، ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقا‏.‏
والجواب أن عمومه مخصوص بحديث أنس السابق حيث قال صلى الله عليه وسلم عند ثنائهم بالخير وبالشر ‏"‏ وجبت، وأنتم شهداء الله في الأرض ‏"‏ ولم ينكر عليهم‏.‏
ويحتمل أن اللام في الأموات عهدية والمراد به المسلمون، لأن الكفار مما يتقرب إلى الله بسبهم‏.‏
وقال القرطبي في الكلام على حديث ‏"‏ وجبت ‏"‏ يحتمل أجوبة، الأول أن الذي كان يحدث عنه بالشر كان مستظهرا به فيكون من باب لا غيبة لفاسق، أو كان منافقا‏.‏
ثانيها يحمل النهي على ما بعد الدفن، والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه‏.‏
ثالثها يكون النهي العام متأخرا فيكون ناسخا، وهذا ضعيف‏.‏
وقال ابن رشيد ما محصله‏:‏ أن السب ينقسم في حق الكفار وفي حق المسلمين، أما الكافر فيمنع إذا تأذى به الحي المسلم، وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة، وقد يجب في بعض المواضع، وقد يكون فيه مصلحة للميت، كمن علم أنه أخذ ماله بشهادة زور ومات الشاهد فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن ذلك المال يرد إلى صاحبه‏.‏
قال‏:‏ ولأجل الغفلة عن هذا التفضيل ظن بعضهم أن البخاري سها عن حديث الثناء بالخير والشر، وإنما قصد البخاري أن يبين أن ذلك الجائز كان على معنى الشهادة، وهذا الممنوع هو على معنى السب، ولما كان المتن قد يشعر بالعموم أتبعه بالترجمة التي بعده‏.‏
وتأول بعضهم الترجمة الأولى على المسلمين خاصة‏.‏
والوجه عندي حمله على العموم إلا ما خصصه الدليل‏.‏
بل لقائل أن يمنع أن ما كان على جهة الشهادة وقصد التحذير يسمى سبا في اللغة‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير - وقد تكون منه الفلتة - فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له، فكذلك الميت‏.‏
ويحتمل أن يكون النهي على عمومه فيما بعد الدفن، والمباح ذكر الرجل بما فيه قبل الدفن ليتعظ بذلك فساق الأحياء، فإذا صار إلى قبره أمسك عنه لإفضائه إلى ما قدم‏.‏
وقد عملت عائشة راوية هذا الحديث بذلك في حق من استحق عندها اللعن فكانت تلعنه وهو حي، فلما مات تركت ذلك ونهت عن لعنه كما سأذكره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَنْ الْأَعْمَشِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ الْأَعْمَشِ تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَابْنُ عَرْعَرَةَ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أفضوا‏)‏ أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر، واستدل به على منع سب الأموات مطلقا، وقد تقدم أن عمومه مخصوص، وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم والتنفير عنهم‏.‏
وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورواه عبد الله بن عبد القدوس ومحمد بن أنس عن الأعمش‏)‏ أي متابعين لشعبة، وأنس والد محمد كالجادة، وهو كوفي سكن الدينور، وثقه أبو زرعة وغيره، وروى عنه من شيوخ البخاري إبراهيم بن موسى الرازي‏.‏
وأما ابن عبد القدوس فذكره البخاري في التاريخ فقال‏:‏ إنه صدوق إلا أنه يروي عن قوم ضعفاء‏.‏
واختلف كلام غيره فيه، وليس له في الصحيح غير هذا الموضع الواحد‏.‏
ووقع لنا أيضا من رواية محمد بن فضيل عن الأعمش بزيادة فيه، أخرجه عمر بن شبة في ‏"‏ كتاب أخبار البصرة ‏"‏ عن محمد بن يزيد الرفاعي عنه بهذا السند إلى مجاهد ‏"‏ إن عائشة قالت‏:‏ ما فعل يزيد الأرجي لعنه الله‏؟‏ قالوا‏:‏ مات‏.‏
قالت‏:‏ أستغفر الله‏.‏
قالوا‏:‏ ما هذا‏؟‏ فذكرت الحديث ‏"‏ وأخرجه من طريق مسروق ‏"‏ إن عليا بعث يزيد بن قيس الأرجي في أيام الجمل برسالة فلم ترد عليه جوابا، فبلغها أنه عاب عليها ذلك فكانت تلعنه، ثم لما بلغها موته نهت عن لعنه وقالت‏:‏ إن رسول الله نهانا عن سب الأموات ‏"‏ وصححه ابن حبان من وجه آخر عن الأعمش عن مجاهد بالقصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه علي بن الجعد‏)‏ وصله المصنف في الرقاق عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومحمد بن عرعرة وابن أبي عدي‏)‏ لم أره من طريق محمد بن عرعرة موصولا، وطريق ابن أبي عدي ذكرها الإسماعيلي‏.‏
ووصله أيضا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة، وهو عند أحمد عنه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n139&p1#TOP)باب ذِكْرِ شِرَارِ الْمَوْتَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ذكر شرار الموتى‏)‏ تقدم في الباب قبله من شرح ذلك ما فيه كفاية‏.‏
وحديث الباب أورده هنا مختصرا، وسيأتي مطولا مع الكلام عليه في تفسير الشعراء إن شاء الله تعالى‏.‏
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n139&p1#TOP)‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الجنائز من الأحاديث المرفوعة على مائتي حديث وعشرة أحاديث، المعلق من ذلك والمتابعة ستة وخمسون حديثا، والبقية موصولة‏.‏
المكرر من ذلك فيه وفيما مضى مائة حديث وتسعة أحاديث، والخالص مائة حديث وحديث‏.‏
وافقه مسلم على تخريجها سوى أربعة وعشرين حديثا وهي‏:‏ حديث عائشة ‏"‏ أقبل أبو بكر على فرسه‏"‏، وحديث أم العلاء في قصة عثمان ابن مظعون، وحديث أنس ‏"‏ أخذ الراية زيد فأصيب‏"‏، وحديثه ‏"‏ ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة‏"‏، وحديث عبد الرحمن بن عوف ‏"‏ قتل مصعب بن عمير‏"‏، وحديث سهل بن سعد ‏"‏ أن امرأة جاءت ببردة منسوجة‏"‏، وحديث أنس ‏"‏ شهدنا بنتا للنبي صلى الله عليه وسلم‏"‏، وحديث أبي سعيد ‏"‏ إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال‏"‏، وحديث ابن عباس في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب، وحديث جابر في قصة قتلى أحد ‏"‏ زملوهم بدمائهم‏"‏، وحديثه في قصة استشهاد أبيه ودفنه، وحديث صفية بنت شيبة في تحريم مكة، وحديث أنس في قصة الغلام اليهودي، وحديث ابن عباس ‏"‏ كنت أنا وأمي من المستضعفين ‏"‏ وقد وهم المزي تبعا لأبي مسعود في جعله من المتفق، وقد تعقبه الحميدي على أبي مسعود فأجاد، وحديث أبي هريرة الذي يخنق نفسه كما أوضحته فيما مضى، وحديث عمر ‏"‏ أيما مسلم شهد له أربعة بخير‏"‏، وحديث بنت خالد بن سعيد في التعوذ، وحديث البراء لما توفي إبراهيم، وحديث سمرة في الرؤيا بطوله لكن عند مسلم طرف يسير من أوله، وحديث عائشة ‏"‏ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين‏"‏، وحديثها في وصيتها أن لا تدفن معهم، وحديث عمر في قصة وصيته عند قتله، وحديث عائشة ‏"‏ لا تسبوا الأموات‏"‏، وحديث ابن عباس في قول أبي لهب‏.‏
وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم ثمانية وأربعون أثرا، منها ستة موصولة، والبقية معلقة‏.‏
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:02 AM
*2*كتاب الزكاة
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%9 1%D9%8E%D9%83%D9%8E%D8%A7%D8%A9%D9%90/i9&d340&c&p1#TOP)باب وُجُوبِ الزَّكَاةِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الزكاة‏)‏ البسملة ثابتة في الأصل ولأكثر الرواة ‏"‏ باب ‏"‏ بدل كتاب، وسقط ذلك لأبي ذر فلم يقل باب ولا كتاب، وفي بعض النسخ ‏"‏ كتاب الزكاة - باب وجوب الزكاة‏"‏‏.‏
والزكاة في اللغة النماء، يقال زكا الزرع إذا نما، وترد أيضا في المال، وترد أيضا بمعنى التطهير‏.‏
وشرعا بالاعتبارين معا‏:‏ أما بالأول فلأن إخراجها سبب للنماء في المال، أو بمعنى أن الأجر بسببها يكثر، أو بمعنى أن متعلقها الأموال ذات النماء كالتجارة والزراعة‏.‏
ودليل الأول ‏"‏ ما نقص مال من صدقة ‏"‏ ولأنها يضاعف ثوابها كما جاء ‏"‏ أن الله يربي الصدقة‏"‏‏.‏
وأما بالثاني فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل، وتطهير من الذنوب‏.‏
وهي الركن الثالث من الأركان التي بني الإسلام عليها كما تقدم في كتاب الإيمان‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ تطلق الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والحق والعفو‏.‏
وتعريفها في الشرع‏.‏
إعطاء جزء من النصاب الحولي إلى فقير ونحوه غير هاشمي ولا مطلبي‏.‏
ثم لها ركن وهو الإخلاص، وشرط هو السبب وهو ملك النصاب الحولي، وشرط من تجب عليه وهو العقل والبلوغ والحرية‏.‏
ولها حكم وهو سقوط الواجب في الدنيا وحصول الثواب في الأخرى‏.‏
وحكمة وهي التطهير من الأدناس ورفع الدرجة واسترقاق الأحرار انتهى‏.‏
وهو جيد لكن في شرط من تجب عليه اختلاف‏.‏
والزكاة أمر مقطوع به في الشرع يستغني عن تكلف الاحتجاج له، وإنما وقع الاختلاف في فروعه، وأما أصل فرضية الزكاة فمن جحدها كفر‏.‏
وإنما ترجم المصنف بذلك على عادته في إيراد الأدلة الشرعية المتفق عليها والمختلف فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله‏)‏ هو بالرفع‏.‏
قال الزين بن المنير‏.‏
مبتدأ وخبره محذوف أي هو دليل على ما قلناه من الوجوب‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب ستة أحاديث‏:‏ أولها حديث أبي سفيان هو ابن حرب، الطويل في قصة هرقل، أورده هنا معلقا واقتصر منه على قوله ‏"‏ يأمر بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف‏"‏، ودلالته على الوجوب ظاهرة‏.‏
وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في بدء الوحي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن، ودلالته على وجوب الزكاة أوضح من الذي قبله‏.‏
وسيأتي الكلام عليه في أواخر كتاب الزكاة قبل أبواب صدقة الفطر بستة أبواب، وقوله في أوله ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال ادعهم ‏"‏ هكذا أورده في التوحيد مختصرا في أوله واختصر أيضا من آخره، وأورده في التوحيد عن أبي عاصم مثله لكنه قرنه برواية غيره، وقد أخرجه الدارمي في مسنده عن أبي عاصم ولفظه في أوله ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال‏:‏ إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فادعهم ‏"‏ وفي آخره بعد قوله فقرائهم ‏"‏ فإن هم أطاعوا لك في ذلك فإياك وكرائم أموالهم، وإياك ودعوة المظلوم فإنها ليس لها من دون الله حجاب ‏"‏ وكذا قال في المواضع كلها ‏"‏ فإن أطاعوا لك في ذلك ‏"‏ والذي عند البخاري هنا ‏"‏ فإن هم أطاعوا لذلك ‏"‏ وستأتي هذه الزيادة من وجه آخر مع شرحها إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ مَا لَهُ مَا لَهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَبٌ مَا لَهُ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَقَالَ بَهْزٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ مَحْفُوظٍ إِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو
الشرح‏:‏
حديث أبي أيوب في سؤال الرجل عن العمل الذي يدخل به الجنة، وأجيب عنه بأن ‏"‏ تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم‏"‏، وفي دلالته على الوجوب غموض‏.‏
وقد أجيب عنه بأجوبة‏:‏ أحدها أن سؤاله عن العمل الذي يدخل الجنة يقتضي أن لا يجاب بالنوافل قبل الفرائض فتحمل على الزكاة الواجبة‏.‏
ثاني الأجوبة أن الزكاة قرينة الصلاة كما سيأتي في الباب من قول أبي بكر الصديق، وقد قرن بينهما في الذكر هنا‏.‏
ثالثها أنه وقف دخول الجنة على أعمال من جملتها أداء الزكاة، فيلزم أن من لم يعملها لم يدخل، ومن لم يدخل الجنة دخل النار، وذلك يقتضي الوجوب‏.‏
رابعها أنه أشار إلى أن القصة التي في حديث أبي أيوب والقصة التي في حديث أبي هريرة الذي يعقبه واحدة، فأراد أن يفسر الأول بالثاني لقوله فيه ‏"‏ وتؤدي الزكاة المفروضة ‏"‏ وهذا أحسن الأجوبة‏.‏
وقد أكثر المصنف من استعمال هذه الطريقة‏.‏
وأما حديث أبي أيوب فقوله فيه ‏"‏ عن ابن عثمان ‏"‏ الإبهام فيه من الراوي عن شعبة، وذلك أن اسم هذا الرجل عمرو، وكان شعبة يسميه محمدا، وكان الحذاق من أصحابه يهمونه كما وقع في رواية حفص بن عمرو كما سيأتي في الأدب عن أبي الوليد عن شعبة، وكان بعضهم يقول محمد كما قال شعبة، وبيان ذلك في طريق بهز التي علقها المصنف هنا ووصله في كتاب الأدب الآتي عن عبد الرحمن بن بشير عن بهز بن أسد، وكذا أخرجه مسلم والنسائي من طريق بهز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن موسى بن طلحة عن أبي أيوب‏)‏ هو الأنصاري‏.‏
ووقع في رواية مسلم الآتي ذكرها ‏"‏ حدثنا موسى بن طلحة حدثني أبو أيوب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا‏)‏ هذا الرجل حكى ابن قتيبة في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ له أنه أبو أيوب الراوي، وغلطه بعضهم في ذلك فقال‏.‏
إنما هو راوي الحديث‏.‏
وفي التغليط نظر، إذ لا مانع أن يبهم الراوي نفسه لغرض له، ولا يقال يبعد، لوصفه في رواية أبي هريرة التي بعد هذه بكونه أعرابيا، لأنا نقول‏:‏ لا مانع من تعدد القصة فيكون السائل في حديث أبي أيوب هو نفسه لقوله إن رجلا، والسائل في حديث أبي هريرة أعرابي آخر قد سمي فيما رواه البغوي وابن السكن والطبراني في الكبير أبو مسلم الكجي في السنن من طريق محمد بن جحادة وغيره عن المغيرة بن عبد الله اليشكري أن أباه حدثه قال ‏"‏ انطلقت إلى الكوفة فدخلت المسجد، فإذا رجل من قيس يقال له ابن المنتفق وهو يقول‏:‏ وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبته فلقيته بعرفات، فزاحمت عليه، فقيل لي إليك عنه، فقال‏.‏
دعوا الرجل، أرب ما له‏.‏
قال فزاحمت عليه حتى خلصت إليه فأخذت بخطام راحلته فما غير علي، قال شيئين أسألك عنهما‏:‏ ما ينجيني من النار، وما يدخلني الجنة‏؟‏ قال فنظر إلى السماء ثم أقبل علي بوجهه الكريم فقال‏:‏ لئن كنت أوجزت المسألة لقد أعظمت وطولت فاعقل علي، اعبد الله لا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة المكتوبة، وأد الزكاة المفروضة، وصم رمضان‏"‏‏.‏
وأخرجه البخاري في ‏"‏ التاريخ ‏"‏ من طريق يونس بن أبي إسحاق عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن أبيه قال ‏"‏ غدوت فإذا رجل يحدثهم‏"‏‏.‏
قال وقال جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن المغيرة بن عبد الله قال ‏"‏ سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ثم ذكر الاختلاف فيه عن الأعمش وأن بعضهم قال فيه عن المغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه والصواب المغيرة بن عبد الله اليشكري‏.‏
وزعم الصيرفي أن اسم ابن المنتفق هذا لقيط بن صبرة وافد بني المنتفق، فالله أعلم‏.‏
وقد يؤخذ من هذه الرواية أن السائل في حديث أبي هريرة هو السائل في حديث أبي أيوب لأن سياقه شبيه بالقصة التي ذكرها أبو هريرة لكن قوله في هذه الرواية ‏"‏ أرب ما له ‏"‏ في رواية أبي أيوب دون أبي هريرة، وكذا حديث أبي أيوب وقع عند مسلم من رواية عبد الله بن نمير عن عمرو بن عثمان بلفظ ‏"‏ أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر، فأخذ بخطام ناقته ثم قال‏:‏ يا رسول الله، أخبرني ‏"‏ فذكره‏.‏
وهذا شبيه بقصة سؤال ابن المنتفق‏.‏
وأيضا فأبو أيوب لا يقول عن نفسه ‏"‏ أن أعرابيا ‏"‏ والله أعلم‏.‏
وقد وقع نحو هذا السؤال لصخر بن القعقاع الباهلي، ففي حديث الطبراني أيضا من طريق قزعة بن سويد الباهلي ‏"‏ حدثني أبي حدثني خالي واسمه صخر بن القعقاع قال‏:‏ لقيت النبي صلى الله عليه وسلم بين عرفة ومزدلفة، فأخذت بخطام ناقته فقلت‏:‏ يا رسول الله ما يقربني من الجنة ويباعدني من النار ‏"‏ فذكر الحديث وإسناده حصن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ما له ما له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أرب ما له‏)‏ كذا في هذه الرواية لم يذكر فاعل قال ما له ما له‏.‏
وفي رواية بهز المعلقة هنا الموصولة في كتاب الأدب ‏"‏ قال القوم ما له ما له ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ هو استفهام والتكرار للتأكيد‏.‏
وقوله ‏"‏أرب ‏"‏ بفتح الهمزة والراء منونا أي حاجة، وهو مبتدأ وخبره محذوف، استفهم أولا ثم رجع إلى نفسه فقال ‏"‏ له أرب ‏"‏ انتهى، وهذا بناء على أن فاعل قال النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك لما بيناه، بل المستفهم الصحابة والمجيب النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وما زائدة كأنه قال‏:‏ له حاجة ما‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ المعنى له حاجة مهمة مفيدة جاءت به لأنه قد علم بالسؤال أن له حاجة‏.‏
وروي بكسر الراء وفتح الموحدة بلفظ الفعل الماضي، وظاهره الدعاء والمعنى التعجب من السائل‏.‏
وقال النضر بن شميل‏:‏ يقال أرب الرجل في الأمر إذا بلغ فيه جهده‏.‏
وقال الأصمعي‏:‏ أرب في الشيء صار ماهرا فيه فهو أريب، وكأنه تعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع حاجته‏.‏
ويؤيده قوله في رواية مسلم المشار إليها ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد وفق، ولقد هدي ‏"‏ وقال ابن قتيبة‏:‏ قوله ‏"‏ أرب ‏"‏ من الآراب وهي الأعضاء، أي سقطت أعضاؤه وأصيب بها كما يقال تربت يمينك وهو مما جاء بصيغة الدعاء ولا يراد حقيقته‏.‏
وقيل‏:‏ لما رأى الرجل يزاحمه دعا عليه، لكن دعاءه على المؤمن طهر له كما ثبت في الصحيح‏.‏
وروى بفتح أوله وكسر الراء والتنوين أي هو أرب أي حاذق فطن‏.‏
ولم أقف على صحة هذه الرواية‏.‏
وجزم الكرماني بأنها ليست محفوظة‏.‏
وحكى القاضي عن رواية لأبي ذر أرب بفتح الجميع وقال‏:‏ لا وجه له، قلت‏:‏ وقعت في الأدب من طريق الكشميهني وحده‏.‏
وقوله ‏"‏يدخلني الجنة ‏"‏ بضم اللام والجملة في موضع جر صفة لقوله ‏"‏ بعمل ‏"‏ ويجوز الجزم جوابا للأمر‏.‏
ورده بعض شراح ‏"‏ المصابيح ‏"‏ لأن قوله بعمل يصير غير موصوف مع أنه نكرة فلا يفيد‏.‏
وأجيب بأنه موصوف تقديرا لأن التنكير للتعظيم فأفاد ولأن جزاء الشرط محذوف والتقدير إن عملته يدخلني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتصل الرحم‏)‏ أي تواسي ذوي القرابة في الخيرات‏.‏
وقال النووي‏:‏ معناه أن تحسن إلى أقاربك ذوي رحمك بما تيسر على حسب حالك وحالهم من إنفاق أو سلام أو زيارة أو طاعة أو غير ذلك‏.‏
وخص هذه الخصلة من بين خلاله الخير نظرا إلى حال السائل، كأنه كان لا يصل رحمه فأمره به لأنه المهم بالنسبة إليه‏.‏
ويؤخذ منه تخصيص بعض الأعمال بالحض عليها بحسب حال المخاطب وافتقاره للتنبيه عليها أكثر مما سواها إما لمشقتها عليه وإما لتسهيله في أمرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخشى أن يكون محمد غير محفوظ، إنما هو عمرو‏)‏ وجزم في ‏"‏ التاريخ ‏"‏ بذلك، وكذا قال مسلم في شيوخ شعبة، والدارقطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ وآخرون‏:‏ المحفوظ عمرو بن عثمان‏.‏
وقال النووي‏:‏ اتفقوا على أنه وهم من شعبة، وأن الصواب عمرو والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَالَ تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي حَيَّانَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو زُرْعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة قد تقدم الكلام عليه في كون الأعرابي السائل فيه هل هو السائل في حديث أبي أيوب أو لا، والأعرابي بفتح الهمزة من سكن البادية كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى بن سعيد بن حيان عن أبي زرعة‏)‏ قال أبو علي‏:‏ وقع عند الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني هنا عن يحيى بن سعيد بن أبي حيان أو عن يحيى بن سعيد عن أبي حيان، وهو خطأ إنما هو يحيى بن سعيد بن حيان كما لغيره من الرواة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتقيم الصلاة المكتوية وتؤدي الزكاة المفروضة‏)‏ قيل‏.‏
فرق بين القيدين كراهية لتكرير اللفظ الواحد، وقيل‏:‏ عبر في الزكاة بالمفروضة للاحتراز عن صدقة التطوع فإنها زكاة لغوية، وقيل‏:‏ احترز من الزكاة المعجلة قبل الحول فإنها زكاة وليست مفروضة‏.‏
قوله فيه ‏(‏وتصوم رمضان‏)‏ لم يذكر الحج لأنه كان حينئذ حاجا ولعله ذكره له فاختصره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا‏)‏ زاد مسلم عن أبي بكر بن إسحاق عن عفان بهذا السند ‏"‏ شيئا أبدا، ولا أنقض منه ‏"‏ وباقي الحديث مثله‏.‏
وظاهر قوله‏:‏ ‏(‏من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا‏)‏ إما أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك فأخبر به، أو في الكلام حذف تقديره إن دام على فعل ذلك الذي أمر به‏.‏
ويؤيده قوله في حديث أبي أيوب عند مسلم أيضا ‏"‏ إن تمسك بما أمر به دخل الجنة ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ في هذا الحديث - وكذا حديث طلحة في قصة الأعرابي وغيرهما - دلالة على جواز ترك التطوعات، لكن من داوم على ترك السنن كان نقصا في دينه، فإن كان تركها تهاونا بها ورغبة عنها كان ذلك فسقا، يعني لورود الوعيد عليه حيث قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من رغب عن سنتي فليس مني ‏"‏ وقد كان صدر الصحابة ومن تبعهم يواظبون على السنن مواظبتهم على الفرائض، ولا يفرقون بينهما في اغتنام ثوابهما‏.‏
وإنما احتاج الفقهاء إلى التفرقة لما يترتب عليه من وجوب الإعادة وتركها ووجوب العقاب على الترك ونفيه، ولعل أصحاب هذه القصص كانوا حديثي عهد بالإسلام فاكتفى منهم بفعل ما وجب عليهم في تلك الحال لئلا يثقل ذلك عليهم فيملوا، حتى إذا انشرحت صدورهم للفهم عنه والحرص على تحصيل ثواب المندوبات سهلت عليهم انتهى‏.‏
وقد تقدم الكلام على شيء من هذا في شرح حديث طلحة في كتاب الإيمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسدد عن يحيى‏)‏ هو القطان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي حيان‏)‏ هو يحيى بن سعيد بن حيان المذكور في الإسناد الذي قبله‏.‏
وأفادت هذه الرواية تصريح أبي حيان بسماعه له من أبي زرعة، وبطل التردد وقع عند الجرجاني، لكن لم يذكر يحيى القطان في هذا الإسناد أبا هريرة كما هو في رواية أبي ذر وغيرها من الروايات المعتمدة، وثبت ذكره في بعض الروايات، وهو خطأ فقد ذكر الدارقطني في ‏"‏ التتبع ‏"‏ أن رواية القطان مرسلة كما تقدم ذلك في المقدمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ وَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا قَالَ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَقَدَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ وَقَالَ سُلَيْمَانُ وَأَبُو النُّعْمَانِ عَنْ حَمَّادٍ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس فقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أواخر كتاب الإيمان‏.‏
وحجاج شيخ البخاري هنا هو ابن منهال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال سليمان وأبو النعمان عن حماد‏)‏ يعني ابن زيد بالإسناد المذكور في طريق حجاج ‏(‏الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله‏)‏ أي وافقا حجاجا على سياقه إلا في إثبات الواو في قوله ‏"‏ وشهادة أن لا إله إلا الله ‏"‏ فحذفاها وهو أصوب، فأما سليمان فهو ابن حرب، وقد وصل المصنف حديثه هذا عنه في المغازي‏.‏
وأما أبو النعمان فهو محمد بن الفضل‏.‏
وقد وصل المصنف حديثه هذا عنه في الخمس‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة في قصة أبي بكر في قتال مانعي الزكاة، واحتجاجه في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن عصمة النفس والمال تتوقف على أداء الحق، وحق المال الزكاة‏"‏‏.‏
حديث أبي هريرة في قصة أبي بكر في قتال مانعي الزكاة فقد تقدم الكلام عليه في شرح حديث ابن عمر في باب قوله‏:‏ ‏(‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة‏)‏ ويأتي الكلام على بقية ما يختص به في كتاب أحكام المرتدين إن شاء الله‏.‏
قوله في هذه الرواية‏:‏ ‏(‏لما توفي رسوله الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر‏)‏ ‏"‏ كان ‏"‏ تامة بمعنى حصل والمراد به قام مقامه‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ اختلف في أول وقت فرض الزكاة، فذهب الأكثر إلى أنه وقع بعد الهجرة، فقيل كان في السنة الثانية قبل فرض رمضان أشار إليه النووي في باب السير من الروضة، وجزم ابن الأثير في التاريخ بأن ذلك كان في التاسعة، وفيه نظر فقد تقدم في حديث ضمام بن ثعلبة وفي حديث وفد عبد القيس وفي عدة أحاديث ذكر الزكاة، وكذا مخاطبة أبي سفيان مع هرقل وكانت في أول السابعة وقال فيهما ‏"‏ يأمرنا بالزكاة ‏"‏ لكن يمكن تأويل كل ذلك كما سيأتي في آخر الكلام‏.‏
وقوى بعضهم ما ذهب إليه ابن الأثير بما وقع في قصة ثعلبة بن حاطب المطولة ففيها ‏"‏ لا أنزلت آية الصدقة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عاملا فقال ما هذه إلا جزية أو أخت الجزية‏"‏‏.‏
والجزية إنما وجبت في التاسعة فتكون الزكاة في التاسعة، لكنه حديث ضعيف لا يحتج به‏.‏
وادعى ابن خزيمة في صحيحه أن فرضها كان قبل الهجرة، واحتج بما أخرجه من حديث أم سلمة في قصة هجرتهم إلى الحبشة وفيها أن جعفر بن أبي طالب قال للنجاشي في جملة ما أخبره به عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ‏"‏ انتهى، وفي استدلاله بذلك نظر، لأن الصلوات الخمس لم تكن فرضت بعد، ولا صيام رمضان، فيحتمل أن تكون مراجعة جعفر لم تكن في أول ما قدم على النجاشي، وإنما أخبره بذلك بعد مدة قد وقع فيها ما ذكر من قصة الصلاة والصيام، وبلغ ذلك جعفرا فقال ‏"‏ يأمرنا ‏"‏ بمعنى يأمر به أمته، وهو بعيد جدا، وأولى ما حمل عليه حديث أم سلمة هذا - إن سلم من قدح في إسناده - أن المراد بقوله ‏"‏ يأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ‏"‏ أي في الجملة، ولا يلزم من ذلك أن يكون المراد بالصلاة الصلوات الخمس ولا بالصيام صيام رمضان ولا بالزكاة هذه الزكاة المخصوصة ذات النصاب والحول والله أعلم‏.‏
ومما يدل على أن فرض الزكاة كان قبل التاسعة حديث أنس المتقدم في العلم في قصة ضمام بن ثعلبة وقوله ‏"‏ أنشدك الله‏.‏
الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ‏"‏ وكان قدوم ضمام سنة خمس كما تقدم‏.‏
وإنما الذي وقع في التاسعة بعث العمال لأخذ الصدقات، وذلك يستدعي تقدم فريضة الزكاة قبل ذلك‏.‏
ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة اتفاقهم على أن صيام رمضان إنما فرض بعد الهجرة، لأن الآية الدالة على فرضيته مدنية بلا خلاف، وثبت عند أحمد وابن خزيمة أيضا والنسائي وابن ماجه والحاكم من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال ‏"‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، ثم نزلت فريضة الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله ‏"‏ إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح إلا أبا عمار الراوي له عن قيس بن سعد وهو كوفي اسمه عريب بالمهملة المفتوحة ابن حميد وقد وثقه أحمد وابن معين، وهو دال على أن فرض صدقة الفطر كان قبل فرض الزكاة فيقتضي وقوعها بعد فرض رمضان وذلك بعد الهجرة وهو المطلوب‏.‏
ووقع في ‏"‏ تاريخ الإسلام ‏"‏‏:‏ في السنة الأولى فرضت الزكاة، وقد أخرج البيهقي في الدلائل حديث أم سلمة المذكور من طريق ‏"‏ المغازي لابن إسحاق ‏"‏ من رواية يونس بن بكير عنه وليس فيه ذكر الزكاة، وابن خزيمة أخرجه من حديث ابن إسحاق لكن من طريق سلمة بن الفضل عنه، وفي سلمة مقال‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:03 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n141&p1#TOP)باب الْبَيْعَةِ عَلَى إِيتَاءِ الزَّكَاةِ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب البيعة على إيتاء الزكاة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ هذه الترجمة أخص من التي قبلها، لتضمنها أن بيعة الإسلام لا تتم إلا بالتزام إيتاء الزكاة وأن مانعها ناقض لعهده مبطل لبيعته فهو أخص من الإيجاب لأن كل ما تضمنته بيعة النبي صلى الله عليه وسلم واجب وليس كل واجب تضمنته بيعته، وموضع التخصيص الاهتمام والاعتناء بالذكر حال البيعة‏.‏
قال‏:‏ وأتبع المصنف الترجمة بالآية معتضدا بحكمها لأنها تضمنت أنه لا يدخل في التوبة من الكفر وينال أخوة المؤمنين في الدين إلا من أقام الصلاة وآتى الزكاة انتهى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ

الشرح‏:‏
تقدم الكلام على حديث جرير مستوفى في آخر كتاب الإيمان‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n141&p1#TOP)باب إِثْمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إثم مانع الزكاة‏)‏ قال - الزين بن المنير‏:‏ هذه الترجمة أخص من التي قبلها لتضمن حديثها تعظيم إثم مانع الزكاة والتنصيص على عظيم عقوبته في الدار الآخر وتبري نبيه منه بقوله ‏"‏ لا أملك لك من الله شيئا ‏"‏ وذلك مؤذن بانقطاع رجائه، وإنما تتفاوت الواجبات بتفاوت المثوبات والعقوبات، فما شددت عقوبته كان إيجابه آكد مما جاء فيه مطلق العقوبة، وعبر المصنف بالإثم ليشمل من تركها جحدا أو بخلا والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله تعالى‏:‏ ‏(‏والذين يكنزون الذهب والفضة‏)‏ الآية‏)‏ فيه تلميح إلى تقوية قول من قال من الصحابة وغيرهم‏:‏ إن الآية عامة في حق الكفار والمؤمنين، خلافا لمن زعم أنها خاصة بالكفار، وسيأتي ذكر ذلك في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى، وذلك مأخوذ من قوله في حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب ‏"‏ أنا مالك، أنا كنزك ‏"‏ وقد وقع نحو ذلك أيضا في الحديث الأول عند النسائي والطبراني في ‏"‏ مسند الشاميين ‏"‏ من طريق شعيب أيضا في آخر الحديث، وأفرد البخاري الجملة المحذوفة فذكرها في تفسير براءة الإسناد باختصار‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ المراد بسبيل الله في الآية المعنى للأعم لا خصوص أحد السهام الثمانية التي هي مصارف الزكاة، وإلا لاختص بالصرف إليه بمقتضى هذه الآية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الْأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْتِي الْإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَقَالَ وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ قَالَ وَلَا يَأْتِي أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا يُعَارٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ وَلَا يَأْتِي بِبَعِيرٍ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏تأتي الإبل على صاحبها‏)‏ يعني يوم القيامة كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على خير ما كانت‏)‏ أي من العظم والسمن ومن الكثرة، لأنها تكون عنده على حالات مختلفة فتأتي على أكملها ليكون ذلك أنكى له لشدة ثقلها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا هو لم يعط فيها حقها‏)‏ أي لم يؤد زكائها‏.‏
وقد رواه مسلم من حديث أبي ذر بهذا اللفظ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تطؤه بأخفافها‏)‏ في رواية همام عن أبي هريرة في ترك الحيل ‏"‏ فتخبط وجهه بأخفافها ‏"‏ ولمسلم من طريق أبي صالح عنه ‏"‏ ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها منها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها، كلما مرت عليه أولاها ردت عليه أخراها، وفي يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي الله بين العباد، ويرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ‏"‏ وللمصنف من حديث أبي ذر ‏"‏ إلا أتي بها يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ كذا في أصل مسلم ‏"‏ كلما مرت عليه أولاها ردت عليه أخراها ‏"‏ قال عياض‏:‏ قالوا هو تغيير وتصحيف، وصوابه ما في الرواية التي بعده من طريق سهيل عن أبيه ‏"‏ كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها ‏"‏ وبهذا ينتظم الكلام، وكذا وقع عند مسلم من حديث أبي ذر أيضا وأقره النووي على هذا وحكاه القرطبي وأوضح وجه الرد بأنه إنما يرد الأول الذي قد مر قبل، وأما الآخر فلم يمر بعد فلا يقال فيه رد، ثم أجاب بأنه يحتمل أن المعنى أن أول الماشية إذا وصلت إلى آخرها تمشي عليه تلاحقت بها أخراها، ثم إذا أرادت الأولى الرجوع بدأت الأخرى بالرجوع فجاءت الأخرى أول حتى تنتهي إلى آخر الأولى‏.‏
وكذا وجهه الطيبي فقال‏:‏ إن المعنى أن أولاها إذا مرت على التتابع إلى أن تنتهي إلى الأخرى ثم ردت الأخرى من هذه الغاية وتبعها ما يليها إلى أن تنتهي أيضا إلى الأولى‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في الغنم تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها‏)‏ بكسر الطاء من تنطحه ويجوز الفتح‏.‏
زاد في رواية أبي صالح المذكورة ‏"‏ ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء، تنطحه بقرونها ‏"‏ وزاد فيه ذكر البقر أيضا وذكر في البقر والغنم ما ذكر في الإبل، وسيأتي ذكر البقر في حديث أبي ذر أيضا في باب مفرد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ومن حقها أن تحلب على الماء‏)‏ بحاء مهملة أي لمن يحضرها من المساكين، وإنما خص الحلب بموضع الماء ليكون أسهل على المحتاج من قصد المنازل وأرفق بالماشية‏.‏
وذكره الداودي بالجيم وفسره بالإحضار إلى المصدق‏.‏
وتعقبه ابن دحية وجزم بأنه تصحيف، ووقع عند أبي داود من طريق أبي عمر الغادني عن أبي هريرة ما يوهم أن هذه الجملة مرفوعة ولفظه ‏"‏ قلنا يا رسول الله ما حقها‏؟‏ قال‏:‏ إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله ‏"‏ وسيأتي في أواخر الشرب هذه القطعة وحدها مرفوعة من وجه آخر عن أبي هريرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يأتي أحدكم‏)‏ في رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب ‏"‏ ألا لا يأتين أحدكم ‏"‏ وهذا حديث آخر متعلق بالغلول من الغنائم، وقد أخرجه المصنف مفردا من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة، ويأتي الكلام عليه في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله في هذه الرواية ‏"‏ لها يعار ‏"‏ ْ بتحتانية مضمومة ثم مهملة‏:‏ صوت المعز‏.‏
وفي رواية المستملي والكشميهني هنا ‏"‏ ثغاء ‏"‏ بضم المثلثة ثم معجمة بغير راء، ورجحه ابن التين، وهو صياح الغنم‏.‏
وحكى ابن التين عن القزاز أنه رواه ‏"‏ تعار ‏"‏ بمثناة ومهملة ليس بشيء، وقوله ‏"‏رغاء ‏"‏ بضم الراء ومعجمة‏:‏ صوت الإبل، وفي الحديث ‏"‏ إن الله يحيي البهائم ليعاقب بها مانع الزكاة ‏"‏ وفي ذلك معاملة له بنقيض قصده، لأنه قصد منع حق الله منها وهو الارتفاق والانتفاع بما يمنعه منها، فكان ما قصد الانتفاع به أضر الأشياء عليه‏.‏
والحكمة في كونها تعاد كلها مع أن حق الله فيها إنما هو في بعضها لأن الحق في جميع المال غير متميز، ولأن المال لما لم تخرج زكاته غير مطهر، وفيه أن في المال حقا سوى الزكاة، وأجاب العلماء عنه بجوابين أحدهما أن هذا الوعيد كان قبل فرض الزكاة، ويؤيده ما سيأتي من حديث ابن عمر في الكنز، لكن يعكر عليه أن فرض الزكاة متقدم على إسلام أبي هريرة كما تقدم تقريره‏.‏
ثاني الأجوبة أن المراد بالحق القدر الزائد على الواجب ولا عقاب بتركه، وإنما ذكر استطرادا، لما ذكر حقها بين الكمال فيه وإن كان له أصل يزول الذم بفعله وهو الزكاة، ويحتمل أن يراد ما إذا كان هناك مضطر إلى شرب لبنها فيحمل الحديث على هذه الصورة‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ في المال حقان فرض عين وغيره، فالحلب من الحقوق التي هي من مكارم الأخلاق‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ زاد النسائي في آخر هذا الحديث قال ‏"‏ ويكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه صاحبه ويطلبه‏:‏ أنا كنزك، فلا يزال حتى يلقمه إصبعه‏"‏‏.‏
وهذه الزيادة قد أفرد البخاري بعضها كما قدمنا إلى قوله ‏"‏ أقرع ‏"‏ ولم يذكر بقيته، وكأنه استغنى عنه بطريق أبي صالح عن أبي هريرة وهو ثاني حديثي الباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ الْآيَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي صالح‏)‏ كذا رواه عبد الرحمن وتابعه زيد بن أسلم عن أبي صالح عند مسلم وساقه مطولا، وكذا رواه مالك عن عبد الله بن دينار، ورواه ابن حبان من طريق ابن عجلان عن القعقاع بن حلية عن أبي صالح، ولكنه وقفه على أبي هريرة، وخالفهم عبد العزيز بن أبي سلمة فرواه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أخرجه النسائي ورجحه، لكن قال ابن عبد البر‏:‏ رواية عبد العزيز خطأ بين، لأنه لو كان عند عبد الله بن دينار عن ابن عمر ما رواه عن أبي صالح أصلا انتهى‏.‏
وفي هذا التعليل نظر، وما المانع أن يكون له فيه شيخان‏؟‏ نعم الذي يجري على طريقة أهل الحديث أن رواية عبد العزيز شاذة لأنه سلك الجادة، ومن عدل عنها دل على مزيد حفظه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثل له‏)‏ أي صور، أو ضمن مثل معنى التصيير أي صير ماله على صورة شجاع، والمراد بالمال الناض كما أشرت إليه في تفسير براءة، ووقع في رواية زيد بن أسلم ‏"‏ ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهر ‏"‏ ولا تنافي بين الروايتين لاحتمال اجتماع الأمرين معا، فرواية ابن دينار توافق الآية التي ذكرها وهي ‏"‏ سيطوقون ‏"‏ ورواية زيد بن أسلم توافق قوله تعالى ‏(‏يوم يحمى عليها في نار جهنم‏)‏ الآية قال البيضاوي‏:‏ خص الجنب والجبين والظهر لأنه جمع المال، ولم يصرفه في حقه، لتحصيل الجاه والتنعم بالمطاعم والملابس، أو لأنه أغرض عن الفقير وولاه ظهره، أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة لاشتمالها على الأعضاء الرئيسة‏.‏
وقيل‏:‏ المراد بها الجهات الأربع التي هي مقدم البدن ومؤخره وجنباه، نسأل الله السلامة‏.‏
والمراد بالشجاع - وهو بضم المعجمة ثم جيم - الحية الذكر، وقيل الذي يقوم على ذنبه ويواثب الفارس، والأقرع الذي تقرع رأسه أي تمعط لكثرة سمه‏.‏
وفي ‏"‏ كتاب أبي عبيد‏"‏‏.‏
سمي أقرع لأن شعر رأسه يتمعط لجمعه السم فيه‏.‏
وتعقبه القزاز بأن الحية لا شعر برأسها، فلعله يذهب جلد رأسه‏.‏
وفي ‏"‏ تهذيب الأزهري ‏"‏‏:‏ سمي أقرع لأنه يقري السم ويجمعه في رأسه حتى تتمعط فروة رأسه، قال ذو الرمة‏:‏ قرى السم حتى انمار فروة رأسه عن العظم صل قاتل اللسع ما رده وقال القرطبي‏:‏ الأقرع من الحيات الذي ابيض رأسه من السم، ومن الناس الذي لا شعر برأسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏له زبيبتان‏)‏ تثنية زبيبة بفتح الزاي وموحدتين، وهما الزبدتان اللتان في الشدقين يقال تكلم حتى زبد شدقاه أي خرج الزبد منهما، وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه، وقيل نقطتان يكتنفان فاه، وقيل هما في حلقه بمنزلة زنمتي العنز، وقيل لحمتان على رأسه مثل القرنين، وقيل نابان يخرجان من فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يطوقه‏)‏ بضم أوله وفتح الواو الثقيلة، أي يصير له ذلك الثعبان طوقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يأخذ بلهزمتيه‏)‏ فاعل يأخذ هو الشجاع، والمأخوذ يد صاحب المال كما وقع مبينا في رواية همام عن أبي هريرة الآتية في ‏"‏ ترك الحيل ‏"‏ بلفظ ‏"‏ لا يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بلهزمتيه‏)‏ بكسر اللام وسكون الهاء بعدها زاي مكسورة، وقد فسر في الحديث بالشدقين، وفي الصحاح‏:‏ هما العظمان الفائتان في اللحيين تحت الأذنين‏.‏
وفي الجامع‏:‏ هما لحم الخدين الذي يتحرك إذا أكل الإنسان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يقول‏:‏ أنا مالك، أنا كنزك‏)‏ وفائدة هذا القول الحسرة والزيادة في التعذيب حيث لا ينفعه الندم، وفيه نوع من التهكم‏.‏
وزاد في ‏"‏ ترك الحيل ‏"‏ من طريق همام عن أبي هريرة ‏"‏ يفر منه صاحبه ويطلبه ‏"‏ وفي حديث ثوبان عند ابن حبان ‏"‏ يتبعه فيقول أنا كنزك الذي تركته بعدك، فلا يزال يتبعه حني يلقمه يده فيمضغها ثم يتبعه سائر جسده‏"‏‏.‏
ولمسلم في حديث جابر ‏"‏ يتبع صاحبه حيث ذهب وهو يفر منه، فإذا رأى أنه لا بد منه أدخل يده في فيه فجعل يقضمها كما يقضم الفحل‏"‏، وللطبراني في حديث ابن مسعود ‏"‏ ينقر رأسه ‏"‏ وظاهر الحديث أن الله يصير نفس المال بهذه الصفة‏.‏
وفي حديث جابر عند مسلم ‏"‏ إلا مثل له ‏"‏ كما هنا، قال القرطبي‏:‏ أي صور أو نصب وأقيم، من قولهم مثل قائما أي منتصبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم تلا ‏(‏ولا يحسبن الذين يبخلون‏)‏ الآية‏)‏ في حديث ابن مسعود عند الشافعي والحميدي ‏"‏ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر الآية، ونحوه في رواية الترمذي ‏"‏ قرأ مصداقه‏:‏ سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ‏"‏ وفي هذين الحديثين تقوية لقول من قال‏:‏ المراد بالتطويق في الآية الحقيقة، خلافا لمن قال إن معناه سيطوقون الإثم‏.‏
وفي تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم الآية دلالة على أنها نزلت في مانعي الزكاة، وهو قول أكثر أهل العلم بالتفسير، وقيل‏:‏ إنها نزلت في اليهود الذين كتموا صفة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقيل‏:‏ نزلت فيمن له قرابة لا يصلهم قاله مسروق‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:05 AM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n141&p1#TOP)باب مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما أدي زكاته فليس بكنز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق صدقة‏)‏ قال ابن بطال وغيره‏:‏ وجه استدلال البخاري بهذا الحديث للترجمة أن الكنز المنفي هو المتوعد عليه الموجب لصاحبه النار لا مطلق الكنز الذي هو أعم من ذلك، وإذا تقرر ذلك فحديث ‏"‏ لا صدقة فيما دون خمس أواق ‏"‏ مفهومه أن ما زاد على الخمس ففيه الصدقة، ومقتضاه أن كل مال أخرجت منه الصدقة فلا وعيد على صاحبه فلا يسمى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة كنزا‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ وجه التمسك به أن ما دون الخمس وهو الذي لا تجب فيه الزكاة قد عفي عن الحق فيه فليس بكنز قطعا، والله قد أثنى على فاعل الزكاة، ومن أثني عليه في واجب حق المال لم يلحقه ذم من جهة ما أثني عليه فيه وهو المال‏.‏
انتهى‏.‏
ويتلخص أن يقال‏:‏ ما لم تجب فيه الصدقة لا يسمى كنزا لأنه معفو عنه، فليكن ما أخرجت منه الزكاة كذلك لأنه عفي عنه بإخراج ما وجب عنه فلا يسمى كنزا‏.‏
ثم إن لفظ الترجمة لفظ حديث روي مرفوعا وموقوفا عن ابن عمر أخرجه مالك عن عبد الله بن دينار عنه موقوفا، وكذا أخرجه الشافعي عنه، ووصله البيهقي والطبراني من طريق الثوري عن عبد الله بن دينار وقال‏:‏ إنه ليس بمحفوظ‏.‏
وأخرجه البيهقي أيضا من رواية عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ كل ما أديت زكاته وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنز، وكل ما لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا على وجه الأرض ‏"‏ أورده مرفوعا ثم قال‏:‏ ليس بمحفوظ، والمشهور وقفه‏.‏
وهذا يؤيد ما تقدم من أن المراد بالكنز معناه الشرعي‏.‏
وفي الباب عن جابر أخرجه الحاكم بلفظ ‏"‏ إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره ‏"‏ ورجح أبو زرعة والبيهقي وغيرهما وقفه كما عند البزار‏.‏
وعن أبي هريرة أخرجه الترمذي بلفظ ‏"‏ إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك ‏"‏ وقال‏:‏ حسن غريب، وصححه الحاكم، وهو على شرط ابن حبان‏.‏
وعن أم سلمة عند الحاكم وصححه ابن القطان أيضا وأخرجه أبو داود‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ في سنده مقال‏.‏
وذكر شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏ أن سنده جيد‏.‏
وعن ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا بلفظ الترجمة، وأخرجه أبو داود مرفوعا بلفظ ‏"‏ أن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم ‏"‏ وفيه قصة‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ والجمهور على أن الكنز المذموم ما لم تؤد زكاته‏.‏
ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك ‏"‏ فذكر بعض ما تقدم من الطرق ثم قال‏:‏ ولم يخالف في ذلك إلا طائفة من أهل الزهد كأبي ذر، وسيأتي شرح ما ذهب إليه من ذلك في هذا الباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا فَوَيْلٌ لَهُ إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أحمد بن شبيب‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية أبي ذر ‏"‏ حدثنا أحمد ‏"‏ وقد وصله أبو داود في ‏"‏ كتاب الناسخ والمنسوخ ‏"‏ عن محمد بن يحيى وهو الذهلي، عن أحمد بن شبيب بإسناده‏.‏
ووقع لنا بعلو في جزء الذهلي وسياقه أتم مما في البخاري وزاد فيه سؤال الأعرابي ‏"‏ أترث العمة‏؟‏ قال ابن عمر‏:‏ لا أدري‏.‏
فلما أدبر قبل ابن عمر يديه ثم قال‏:‏ نعم ما قال أبو عبد الرحمن - يعني نفسه - سئل عما لا يدري فقال‏:‏ لا أدري‏.‏
وزاد في آخره - بعد قوله‏:‏ طهرة للأموال - ثم التفت إلي فقال‏:‏ ما أبالي لو كان لي مثل أحد ذهبا أعلم عدده أزكيه وأعمل فيه بطاعة الله تعالى ‏"‏ وهو عند ابن ماجه من طريق عقيل عن الزهري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من كنزها فلم يؤد زكاتها‏)‏ أفرد الضمير إما على سبيل تأويل الأموال، أو عودا إلى الفضة لأن الانتفاع بها أكثر أو كان وجودها في زمنهم أكثر من الذهب، أو على الاكتفاء ببيان حالها عن بيان حال الذهب، والحامل على ذلك رعاية لفظ القرآن حيث قال ‏(‏ينفقونها‏)‏ قال صاحب الكشاف‏:‏ أفرد ذهابا إلى المعنى دون اللفظ، لأن كل واحد منهما جملة وافية‏.‏
وقيل‏:‏ المعنى ولا ينفقونها، والذهب كذلك، وهو كقول الشاعر وإني وقيار بها لغريب أي وقيار كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏ إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة‏)‏ هذا مشعر بأن الوعيد على الاكتناز - وهو حبس ما فضل عن الحاجة عن المواساة به - كان في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة لما فتح الله الفتوح وقدرت نصب الزكاة، فعلى هذا المراد بنزول الزكاة بيان نصبها ومقاديرها لا إنزال أصلها‏.‏
والله أعلم‏.‏
وقال ابن عمر ‏"‏ لا أبالي لو كان لي مثل أحد ذهبا ‏"‏ كأنه يشير إلى قول أبي ذر الآتي آخر الباب‏.‏
والجمع بين كلام ابن عمر وحديث أبي ذر أن يحمل حديث أبي ذر على مال تحت يد الشخص لغيره فلا يجب أن يحبسه عنه، أو يكون له لكنه ممن يرجى فضله وتطلب عائدته كالإمام الأعظم فلا يجب أن يدخر عن المحتاجين من رعيته شيئا، ويحمل حديث ابن عمر على مال يملكه قد أدى زكاته فهو يحب أن يكون عنده ليصل به قرابته ويستغني به عن مسألة الناس، وكان أبو ذر يحمل الحديث على إطلاقه فلا يرى بادخار شيء أصلا‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ وردت عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز يذم فاعله، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك، وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة، وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابي حيث قال ‏"‏ هل علي غيرها‏؟‏ قال‏:‏ لا إلا أن تطوع ‏"‏ انتهى‏.‏
والظاهر أن ذلك كان في أول الأمر كما تقدم عن ابن عمر، وقد استدل له ابن بطال بقوله تعالى ‏(‏ويسألونك ماذا ينفقون‏؟‏ قل العفو‏)‏ أي ما فضل عن الكفاية، فكان ذلك واجبا في أول الأمر ثم نسخ‏.‏
والله أعلم‏.‏
وفي المسند من طريق يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال ‏"‏ كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الشدة ثم يخرج إلى قومه، ثم يرخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسمع الرخصة ويتعلق بالأمر الأول ‏"‏ ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث‏:‏ أحدها حديث أبي سعيد في تقدير نصب زكاة الورق وغيره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني يحيى بن أبي كثير‏)‏ تعقبه الدارقطني وأبو مسعود بأن عبد الوهاب بن نجدة خالف إسحاق بن يزيد شيخ البخاري فيه فقال ‏"‏ عن شعيب عن الأوزاعي حدثني يحيى بن سعيد وحماد ‏"‏ ورواه داود بن رشيد وهشام بن خالد جميعا عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى غير منسوب وقال‏:‏ ‏"‏ الوليد بن مسلم رواه عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن اليمان عن يحيى بن سعيد‏.‏
وقال الإسماعيلي‏:‏ هذا الحديث مشهور عن يحيى بن سعيد رواه عنه الخلق، وقد رواه داود بن رشيد عن شعيب فقال ‏"‏ عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد ‏"‏ انتهى‏.‏
وقد تابع إسحاق بن يزيد سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي عن شعيب بن إسحاق أخرجه أبو عوانة والإسماعيلي من طريقه، وذلك دال على أنه عند شعيب عن الأوزاعي على الوجهين، لكن دلت رواية الوليد بن مسلم على أن رواية الأوزاعي عن يحيى بن سعيد بغير واسطة موهومة أو مدلسة، ولذلك عدل عنها البخاري واقتصر على طريق يحيى بن أبي كثير‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه يحيى بن عمارة‏)‏ في رواية يحيى بن سعيد عن عمرو أنه سمع أباه، وسيأتي الكلام عليه مستوفى بعد بضعة وعشرين بابا‏.‏
ثانيها حديث أبي ذر مع معاوية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ سَمِعَ هُشَيْمًا أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلكَ هَذَا قَالَ كُنْتُ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ مُعَاوِيَةُ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُلْتُ نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَشْكُونِي فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ أَنْ اقْدَمْ الْمَدِينَةَ فَقَدِمْتُهَا فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لِي إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي سمع هشيما‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية أبي ذر عن مشايخه ‏"‏ حدثنا علي بن أبي هاشم ‏"‏ وهو المعروف بابن طبراخ بكسر المهملة وسكون الموحدة وآخره معجمة، ووقع في ‏"‏ أطراف المزي ‏"‏ عن علي بن عبد الله المديني وهو خطأ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد بن وهب‏)‏ هو التابعي الكبير الكوفي أحد المخضرمين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالربذة‏)‏ بفتح الراء والموحدة والمعجمة مكان معروف بين مكة والمدينة، نزل به أبو ذر في عهد عثمان ومات به، وقد ذكر في هذا الحديث سبب نزوله، وإنما سأله زيد بن وهب عن ذلك لأن مبغضي عثمان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر، وقد بين أبو ذر أن نزوله في ذلك المكان كان باختياره‏.‏
نعم أمره عثمان بالتنحي عن المدينة لدفع المفسدة التي خافها على غيره من مذهبه المذكور فاحتار الربذة، وقد كان يغدو إليها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أصحاب السنن من وجه آخر عنه، وفيه قصة له في التيمم‏.‏
وروينا في فوائد أبي الحسن بن جذلم بإسناده إلى عبد الله بن الصامت قال ‏"‏ دخلت مع أبي ذر على عثمان، فحسر عن رأسه فقال‏:‏ والله ما أنا منهم يعني الخوارج‏.‏
فقال‏.‏
إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة‏.‏
فقال‏:‏ لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي بالربذة‏.‏
قال‏:‏ نعم‏"‏‏.‏
ورواه أبو داود الطيالسي من هذا الوجه دون آخره وقال بعد قوله ما أنا منهم ‏"‏ ولا أدركهم، سيماهم التحليق، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ‏"‏ وفي ‏"‏ طبقات ابن سعد ‏"‏ من وجه آخر ‏"‏ أن ناسا من أهل الكوفة قالوا لأبي ذر وهو بالربذة‏:‏ إن هذا الرجل فعل بك وفعل، هل أنت ناصب لنا راية - يعني فنقاتله - فقال‏:‏ لا، لو أن عثمان سيرني من المشرق إلى المغرب لسمعت وأطعت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنت بالشام‏)‏ يعني بدمشق، ومعاوية إذ ذاك عامل عثمان عليها‏.‏
وقد بين السبب في سكناه الشام ما أخرجه أبو يعلى من طريق أخرى عن زيد بن وهب ‏"‏ حدثني أبو ذر قال‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا بلغ البناء - أي بالمدينة سلعا ترتحل إلى الشام‏.‏
فلما بلغ البناء سلعا قدمت الشام فسكنت بها ‏"‏ فذكر الحديث نحوه‏.‏
وعنده أيضا بإسناد فيه ضعف عن ابن عباس قال ‏"‏ استأذن أبو ذر على عثمان فقال‏.‏
إنه يؤذينا، فلما دخل قال له عثمان‏:‏ أنت الذي تزعم أنك خير من أبي بكر وعمر‏؟‏ قال‏.‏
لا، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إن أحبكم إلي وأقربكم مني من بقي على العهد الذي عاهدته عليه، وأنا باق على عهده‏"‏‏.‏
قال فأمر أن يلحق بالشام‏.‏
وكان يحدثهم ويقول‏:‏ لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم إلا ما ينفقه في سبيل الله أو يعده لغريم، فكتب معاوية إلى عثمان‏:‏ إن كان لك بالشام حاجة فابعث إلى أبي ذر‏.‏
فكتب إليه عثمان أن اقدم علي، فقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في والذين يكنزون الذهب والفضة‏)‏ سيأتي في تفسير براءة من طريق جرير عن حصين بلفظ ‏"‏ فقرأت والذين يكنزون الذهب والفضة ‏"‏ إلى آخر الآية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نزلت في أهل الكتاب‏)‏ في رواية جرير ‏"‏ ما هذه فينا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني‏)‏ في رواية الطبري‏.‏
أنهم كثروا عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام، قال فخشي عثمان على أهل المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن شئت تنحيت‏)‏ في رواية الطبري ‏"‏ فقال له تنح قربيا‏.‏
وقال‏:‏ والله لن أدع ما كنت أقوله ‏"‏ وكذا لابن مردويه من طريق ورقاء عن حصين بلفظ ‏"‏ والله لا أدع ما قلت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حبشيا‏)‏ في رواية ورقاء ‏"‏ عبدا حبشيا ‏"‏ ولأحمد وأبي يعلى من طريق أبي حرب بن أبي الأسود عن عمه عن أبي ذر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ كيف تصنع إذا أخرجت منه‏؟‏ أي المسجد النبوي، قال‏:‏ آتي الشام‏.‏
قال‏:‏ كيف تصنع إذا أخرجت منها‏؟‏ قال‏.‏
أعود إليه‏.‏
أي المسجد‏.‏
قال‏:‏ كيف تصنع إذا أخرجت منه‏؟‏ قال‏:‏ أضرب بسيفي‏.‏
قال‏:‏ أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدا، قال‏:‏ تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك‏"‏‏.‏
وعند أحمد أيضا من طريق شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد عن أبي ذر نحوه، والصحيح أن إنكار أبي ذر كان على السلاطين الذين يأخذون المال لأنفسهم ولا ينفقونه في وجهه‏.‏
وتعقبه النووي بالإبطال‏.‏
لأن السلاطين حينئذ كانوا مثل أبي بكر وعمر وعثمان، وهؤلاء لم يخونوا‏.‏
قلت‏.‏
لقوله محمل‏.‏
وهو أنه أراد من يفعل ذلك وإن لم يوجد حينئذ من يفعله‏.‏
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لاتفاق أبي ذر ومعاوية على أن الآية نزلت في أهل الكتاب‏.‏
وفيه ملاطفة الأئمة للعلماء، فإن معاوية لم يجسر على الإنكار عليه حتى كاتب من هو أعلى منه في أمره، وعثمان لم يحنق على أبي ذر مع كونه كان مخالفا له في تأويله‏.‏
وفيه التحذير من الشقاق والخروج على الأئمة، والترغيب في الطاعة لأولي الأمر وأمر الأفضل بطاعة المفضول خشية المفسدة، وجواز الاختلاف في الاجتهاد، والأخذ بالشدة في الأمر بالمعروف وإن أدى ذلك إلى فراق الوطن، وتقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة لأن في بقاء أبي ذر بالمدينة مصلحة كبيرة من بث علمه في طالب العلم، ومع ذلك فرجح عند عثمان دفع ما يتوقع من المفسدة من الأخذ بمذهبه الشديد في هذه المسألة، ولم يأمره بعد ذلك بالرجوع عنه لأن كلا منهما كان مجتهدا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ جَلَسْتُ ح و حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ بْنُ الشِّخِّيرِ أَنَّ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى مَلَإٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَجَاءَ رَجُلٌ خَشِنُ الشَّعَرِ وَالثِّيَابِ وَالْهَيْئَةِ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ بَشِّرْ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَزَلْزَلُ ثُمَّ وَلَّى فَجَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ وَتَبِعْتُهُ وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ فَقُلْتُ لَهُ لَا أُرَى الْقَوْمَ إِلَّا قَدْ كَرِهُوا الَّذِي قُلْتَ قَالَ إِنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا قَالَ لِي خَلِيلِي قَالَ قُلْتُ مَنْ خَلِيلُكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُبْصِرُ أُحُدًا قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ وَأَنَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ إِنَّمَا يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا لَا وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عياش‏)‏ هو ابن الوليد الرقام، وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى، والجريري بضم الجيم هو سعيد، وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير‏.‏
وأردف المصنف هذا الإسناد بالإسناد الذي بعده وإن كان أنزل منه لتصريح عبد الصمد وهو ابن عبد الوارث فيه بتحديث أبي العلاء للجريري، والأحنف لأبي العلاء‏.‏
وقد روى الأسود بن شيبان عن أبي العلاء يزيد المذكور عن أخيه مطرف عن أبي ذر طرفا من آخر هذا الحديث أيضا، وأخرجه أحمد، وليس ذلك بعلة لحديث الأحنف لأن حديث الأحنف أتم سياقا وأكثر فوائد، ولا مانع أن يكون ليزيد فيه شيخان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جلست إلى ملأ‏)‏ في رواية مسلم والإسماعيلي من طريق إسماعيل بن علية عن الجريري ‏"‏ قدمت المدينة، فبينما أنا في حلقة من قريش‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خشن الشعر إلخ‏)‏ كذا للأكثر بمعجمتين من الخشونة، وللقابسي بمهملتين من الحسن، والأول أصح‏.‏
ووقع في رواية مسلم ‏"‏ أخشن الثياب أخشن الجسد أخشن الوجه فقام عليهم ‏"‏ وليعقوب بن سفيان من طريق حميد بن هلال عن الأحنف ‏"‏ قدمت المدينة فدخلت مسجدها إذ دخل رجل آدم طوال أبيض الرأس واللحية يشبه بعضه بعضا فقالوا‏.‏
هذا أبو ذر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بشر الكانزين‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ بشر الكنازين‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏برضف‏)‏ بفتح الراء وسكون المعجمة بعدها فاء هي الحجارة المحماة واحدها رضفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نغض‏)‏ بضم النون وسكون المعجمة بعدها ضاد معجمة‏:‏ العظم الدقيق الذي على طرف الكتف أو على أعلى الكتف، قال الخطابي‏:‏ هو الشاخص منه، وأصل النغض الحركة فسمي ذلك الموضع نغضا لأنه يتحرك بحركة الإنسان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتزلزل‏)‏ أي يضطرب ويتحرك، في رواية الإسماعيلي ‏"‏ فيتجلجل ‏"‏ بجيمين، وزاد إسماعيل في هذه الرواية ‏"‏ فوضع القوم رءوسهم، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا‏.‏
قال‏:‏ فأدبر، فاتبعته حتى جلس إلى سارية‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنا لا أدري من هو‏)‏ زاد مسلم من طريق خليد العصري عن الأحنف ‏"‏ فقلت‏:‏ من هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ هذا أبو ذر، فقمت إليه فقلت‏:‏ ما شيء سمعتك تقوله‏؟‏ قال‏:‏ ما قلت إلا شيئا سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
وفي هذه الزيادة رد لقول من قال إنه موقوف على أبي ذر فلا يكون حجة على غيره‏.‏
ولأحمد من طريق يزيد الباهلي عن الأحنف ‏"‏ كنت بالمدينة، فإذا أنا برجل يفر منه الناس حين يرونه، قلت‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ أبو ذر‏.‏
قلت‏:‏ ما نفر الناس عنك‏؟‏ قال‏:‏ إني أنهاهم عن الكنوز التي كان ينهاهم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنهم لا يعقلون شيئا‏)‏ بين وجه ذلك في آخر الحديث حيث قال ‏"‏ إنما يجمعون الدنيا‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏لا أسألهم دنيا ‏"‏ في رواية إسماعيل المذكورة ‏"‏ فقلت‏:‏ ما لك ولإخوانك من قريش، لا تعتريهم ولا تصيب منهم‏؟‏ قال‏:‏ وربك لا أسألهم دنيا إلخ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت‏:‏ ومن خليلك‏؟‏ قال‏:‏ النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ فاعل قال هو أبو ذر والنبي صلى الله عليه وسلم خبر المبتدأ كأنه قال‏:‏ خليلي النبي صلى الله عليه وسلم وسقط بعد ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال فقط، وكأن بعض الرواة ظنها مكررة فحذفها ولا بد من إثباتها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يا أبا ذر أتبصر أحدا‏)‏ وهو حديث مستقل سيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الرقاق‏.‏
وعلى ما وقع في هذه الرواية من قوله ‏"‏ إلا ثلاثة دنانير ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏
وإنما أورده أبو ذر للأحنف لتقوية ما ذهب إليه من ذم اكتناز المال، وهو ظاهر في ذلك إلا أنه ليس على الوجوب، ومن ثم عقبه المصنف بالترجمة التي تليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن هؤلاء لا يعقلون‏)‏ هو من كلام أبي ذر كرره تأكيدا لكلامه ولربط ما بعده عليه‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:06 AM
*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n141&p1#TOP)باب إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي حَقِّهِ الشرح‏:‏
‏"‏ باب إنفاق المال في حقه‏"‏، وأورد فيه الحديث الدال على الترغيب في ذلك، وهو من أدل دليل على أن أحاديث الوعيد محمولة على من لا يؤدي الزكاة، وأما حديث ‏"‏ ما أحب أن لي أحدا ذهبا ‏"‏ فمحمول على الأولوية، لأن جمع المال وإن كان مباحا لكن الجامع مسؤول عنه، وفي المحاسبة خطر وإن كان الترك أسلم، وما ورد من الترغيب في تحصيله وإنفاقه في حقه فمحمول على من وثق بأنه يجمعه من الحلال الذي يأمن خطر المحاسبة عليه، فإنه إذا أنفقه حصل له ثواب ذلك النفع المتعدي، ولا يتأتى ذلك لمن لم يحصل شيئا كما تقدم شاهده في حديث ‏"‏ ذهب أهل الدثور بالأجور ‏"‏ والله أعلم‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث الباب مستوفى في أوائل كتاب العلم، قال الزين بن المنير‏:‏ في هذا الحديث حجة على جواز إنفاق جميع المال وبذله في الصحة والخروج عنه بالكلية في وجوه البر، ما لم يؤد إلى حرمان الوارث ونحو ذلك مما منع منه الشرع‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n141&p1#TOP)باب الرِّيَاءِ فِي الصَّدَقَةِ
لِقَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى إِلَى قَوْلِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَلْدًا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَابِلٌ مَطَرٌ شَدِيدٌ وَالطَّلُّ النَّدَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الرياء في الصدقة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ يحتمل أن يكون مراده إبطال الرياء للصدقة فيحمل على ما تمحض منها لحب المحمدة والثناء من الخلق بحيث لولا ذلك لم يتصدق بها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقوله تعالى‏:‏ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى - إلى قوله والله لا يهدي القوم الكافرين‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ وجه الاستدلال من الآية أن الله تعالى شبه مقارنة المن والأذى للصدقة أو اتباعها بإنفاق الكافر المرائي الذي لا يجد بين يديه شيئا منه، ومقارنة الرياء من المسلم لصدقته أقبح من مقارنة الإيذاء، وأولى أن يشبه بإنفاق الكافر المرائي في إبطال إنفاقه ا ه‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ اقتصر البخاري في هذه الترجمة على الآية، ومراده أن المشبه بالشيء يكون أخفى من المشبه به، لأن الخفي ربما شبه بالظاهر ليخرج من حيز الخفاء إلى الظهور‏.‏
ولما كان الإنفاق رياء من غير المؤمن ظاهرا في إبطال الصدقة شبه به الإبطال بالمن والأذى، أي حالة هؤلاء في الإبطال كحالة هؤلاء، هذا من حيث الجملة، ولا يبعد أن يراعى حال التفضيل أيضا لأن حال المان شبيه بحال المرائي، لأنه لما من ظهر أنه لم يقصد وجه الله، وحال المؤذي يشبه حال الفاقد للإيمان من المنافقين لأن من يعلم أن للمؤذي ناصرا ينصره لم يؤذه، فعلم بهذا أن حالة المرائي أشد من حالة المان والمؤذي انتهى‏.‏
ويتلخص أن يقال‏:‏ لما كان المشبه به أقوى من المشبه، وإبطال الصدقة بالمن والأذى قد شبه بإبطالها بالرياء فيها كان أمر الرياء أشد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقاله ابن عباس‏:‏ صلدا ليس عليه شيء‏)‏ وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هكذا في قوله‏:‏ ‏(‏فتركه صلدا‏)‏ أي ليس عليه شيء‏.‏
وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه الآية قال ‏"‏ هذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة يقول‏:‏ لا يقدرون على شيء مما كسبوا يومئذ كما ترك هذا المطر الصفا نقيا ليس عليه شيء‏"‏، ومن طريق أسباط عن السدي نحوه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n141&p1#TOP)باب لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ
لِقَوْلِهِ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تقبل صدقة من غلول‏)‏ كذا للأكثر على البناء للمجهول‏.‏
وفي رواية المستملي ‏"‏ لا يقبل الله ‏"‏ وهذا طرف من حديث أخرجه مسلم باللفظ الأول، وقد سبق باقيه في ترجمته في كتاب الطهارة‏.‏
وأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عن أبي كامل أحد مشايخ مسلم فيه بلفظ ‏"‏ لا يقيل الله صلاة إلا بطهور، ولا صدقة من غلول ‏"‏ ولأبي داود من حديث أبي المليح عن أبيه مرفوعا ‏"‏ لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور ‏"‏ وإسناده صحيح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يقبل إلا من كسب طيب‏)‏ هذا للمستملي وحده، وهو طرف من حديث أبي هريرة، الآتي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقوله‏:‏ معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى - إلى قوله حليم‏)‏ قال ابن المنير‏:‏ جرى المصنف على عادته في إيثار الخفي على الجلي، وذلك أن في الآية أن الصدقة لما تبعتها سيئة الأذى بطلت، والغلول أذى إن قارن الصدقة أبطلها بطريق الأولى، أو لأنه جعل المعصية اللاحقة للطاعة بعد تقررها تبطل الطاعة فكيف إذا كانت الصدقة بعين المعصية، لأن الغال في دفعه المال إلى الفقير غاصب متصرف في ملك الغير، فكيف تقع المعصية طاعة معتبرة وقد أبطلت المعصية الطاعة المحققة من أول أمرها‏؟‏ وتعقبه ابن رشيد بأنه ينبني على أن الأذى أعم من أن يكون من جهة المتصدق للمتصدق عليه أو إيذائه لغيره كما في الغلول فيكون من باب الأولى، وقد لا يسلم هذا في معنى الآية لبعده، فإن الظاهر أن المراد بالأذى إنما هو ما يكون من جهة المسؤول للسائل، فإنه عطف على المن وجمع معه بالواو‏.‏
والذي يظهر أن البخاري قصد أن المتصدق عليه إذا علم أن المتصدق به غلول أو غصب أو نحوه تأذى بذلك ولم يرض به، كما قال أبو بكر اللبن لما علم أنه من وجه غير طيب، وقد صدق على المتصدق أنه مؤذ له بتعرضه لكل ما لو علمه لم يقبله‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قول معروف‏)‏ فسره بالرد الجميل، وقوله‏:‏ ‏(‏ومغفرة‏)‏ أي عفو عن السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسؤول‏.‏
وقيل‏:‏ المراد عفو من الله بسبب الرد الجميل، وقيل عفو من جهة السائل أي معذرة منه للمسؤول لكونه رده ردا جميلا‏.‏
والثاني أظهر‏.‏
وظاهر الآية أن الصدقة تحبط بالمن والأذى بعد أن تقع سالمة، لكن يمكن أن يقال‏:‏ لعل قبولها موقوف على سلامتها من المن والأذى، فإن وقع ذلك عدم الشرط فعدم المشروط فعبر عن ذلك بالإبطال‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الأول دل قوله ‏"‏ لا تقبل صدقة من غلول ‏"‏ أن الغال لا تبرأ ذمته إلا برد الغلول إلى أصحابه بأن يتصدق به إذا جهلهم مثلا والسبب فيه أنه من حق الغانمين، فلو جهلت أعيانهم لم يكن له أن يتصرف فيه بالصدقة على غيرهم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n141&p1#TOP)باب الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ
لِقَوْلِهِ وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الشرح‏:‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هنا للمستملي والكشميهني وابن شبويه ‏"‏ باب الصدقة من كسب طيب ‏"‏ لقوله تعالى ‏(‏ويربي الصدقات - إلى قوله - ولا هم يحزنون‏)‏ وعلى هذا فتخلو الترجمة التي قبل هذا من الحديث، وتكون كالتي قبلها في الاقتصار على الآية، لكن تزيد عليها بالإشارة إلى لفظ الحديث الذي في الترجمة‏.‏
ومناسبة الحديث لهذه الترجمة ظاهرة ومناسبته للتي قبلها من جهة مفهوم المخالفة، لأنه دل بمنطوقه على أن الله لا يقبل إلا ما كان من كسب طيب، فمفهومه أن ما ليس بطيب لا يقبل، والغلول فرد من أفراد غير الطيب فلا يقبل‏.‏
والله أعلم‏.‏
ثم إن هذه الترجمة إن كان ‏"‏ باب ‏"‏ بغير تنوين فالجملة خبر المبتدأ، والتقدير هذا باب فضل الصدقة من كسب طيب، وإن كان منونا فما بعده مبتدأ والخبر محذوف تقديره الصدقة من كسب طيب مقبولة أو يكثر الله ثوابها‏.‏
ومعنى الكسب المكسوب، والمراد به ما هو أعم من تعاطي التكسب أو حصول المكسوب بغير تعاط كالميراث‏.‏
وكأنه ذكر الكسب لكونه الغالب في تحصيل المال، والمراد بالطيب الحلال لأنه صفة الكسب، قال القرطبي‏:‏ أصل الطيب المستلذ بالطبع، ثم أطلق على المطلق بالشرع وهو الحلال، وأما قول المصنف ‏"‏ لقوله تعالى‏:‏ ويربي الصدقات ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ الصدقة من كسب طيب ‏"‏ فقد اعترضه ابن التين وغيره بأن تكثير أجر الصدقة ليس علة لكون الصدقة من كسب طيب، بل الأمر على عكس ذلك، فإن الصدقة من الكسب الطيب سبب لتكثير الأجر‏.‏
قال ابن التين‏.‏
وكان الأبين أن يستدل بقوله تعالى ‏(‏أنفقوا من طيبات ما كسبتم‏)‏ وقال ابن بطال‏:‏ لما كانت الآية مشتملة على أن الربا يمحقه الله لأنه حرام دل ذلك على أن الصدقة التي تتقبل لا تكون من جنس الممحوق‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ لفظ ‏"‏ الصدقات ‏"‏ وإن كان أعم من أن يكون من الكسب الطيب ومن غيره، لكنه مقيد بالصدقات التي من الكسب الطيب بقرينة السياق نحو ‏(‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون‏)‏ ‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ وَقَالَ وَرْقَاءُ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَسُهَيْلٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعدل تمرة‏)‏ أي بقيمتها لأنه بالفتح المثل وبالكسر الحمل بكسر المهملة، هذا قول الجمهور‏.‏
وقال الفراء‏:‏ بالفتح المثل من غير جنسه وبالكسر من جنسه، وقيل بالفتح مثله في القيمة وبالكسر في النظر‏.‏
وأنكر البصريون هذه التفرقة‏.‏
وقال الكسائي‏:‏ هما بمعنى كما أن لفظ المثل لا يختلف‏.‏
وضبط في هذه الرواية للأكثر بالفتح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يقبل الله إلا الطيب‏)‏ في رواية سليمان بن بلال الآتي ذكرها ‏"‏ ولا يصعد إلى الله إلا الطيب ‏"‏ وهذه جملة معترضة بين الشرط والجزاء لتقرير ما قبله، زاد سهيل في روايته الآتي ذكرها ‏"‏ فيضعها في حقها ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ وإنما لا يقبل الله الصدقة بالحرام لأنه غير مملوك للمتصدق، وهو ممنوع من التصرف فيه، والمتصدق به متصرف فيه، فلو قبل منه لزم أن يكون الشيء مأمورا منهيا من وجه واحد وهو محال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتقبلها بيمينه‏)‏ في رواية سهيل ‏"‏ إلا أخذها بيمينه ‏"‏ وفي رواية مسلم بن أبي مريم الآتي ذكرها ‏"‏ فيقبضها ‏"‏ وفي حديث عائشة عند البزار ‏"‏ فيتلقاها الرحمن بيده‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلوه‏)‏ بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو وهو المهر لأنه يفلى أي مفطم، وقيل هو كل فطيم من ذات حافر، والجمع أفلاء كعدو وأعداء‏.‏
وقال أبو زيد‏:‏ إذا فتحت الفاء شددت الواو، وإذا كسرتها سكنت اللام كجرو‏.‏
وضرب به المثل لأنه يزيد زيادة بينة، ولأن الصدقة نتاج العمل وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيما فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال، وكذلك عمل ابن آدم - لا سيما الصدقة - فإن العبد إذا تصدق من كسب طيب لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين التمرة إلى الجبل‏.‏
ووقع في رواية القاسم عن أبي هريرة عند الترمذي ‏"‏ فلوه أو مهره‏"‏، ولعبد الرزاق من وجه آخر عن القاسم ‏"‏ مهره أو فصيله‏"‏‏.‏
وفي رواية له عند البزار ‏"‏ مهره أو رضيعه أو فصيله‏"‏، ولابن خزيمة من طريق سعيد بن يسار عن أبي هريرة ‏"‏ فلوه أو قال فصيله ‏"‏ وهذا يشعر بأن ‏"‏ أو ‏"‏ للشك‏.‏
قال المازري‏:‏ هذا الحديث وشبهه إنما عبر به على ما اعتادوا في خطابهم ليفهموا عنه فكنى عن قبول الصدقة باليمين وعن تضعيف أجرها بالتربية‏.‏
وقال عياض‏:‏ لما كان الشيء الذي يرتضى يتلقى باليمين ويؤخذ بها استعمل في مثل هذا واستعير للقبول لقول القائل ‏"‏ تلقاها عرابة باليمين ‏"‏ أي هو مؤهل للمجد والشرف وليس المراد بها الجارحة‏.‏
وقيل‏:‏ عبر باليمين عن جهة القبول، إذ الشمال بضده‏.‏
وقيل‏:‏ المراد يمين الذي تدفع إليه الصدقة وأضافها إلى الله تعالى إضافة ملك واختصاص لوضع هذه الصدقة في يمين الآخذ لله تعالى‏.‏
وقيل‏:‏ المراد سرعة القبول، وقيل حسنه‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ الكناية عن الرضا والقبول بالتلقي باليمين لتثبيت المعاني المعقولة من الأذهان وتحقيقها في النفوس تحقيق المحسوسات، أي لا يتشكك في القبول كما لا يتشكك من عاين التلقي للشيء بيمينه، لا أن التناول كالتناول المعهود ولا أن المتناول به جارحة‏.‏
وقال الترمذي في جامعه‏:‏ قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة نؤمن بهذه الأحاديث ولا نتوهم فيها تشبيها ولا نقول كيف، هكذا روي عن مالك وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم، وأنكرت الجهمية هذه الروايات انتهى‏.‏
وسيأتي الرد عليهم مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تكون مثل الجبل‏)‏ ولمسلم من طريق سعيد بن يسار عن أبي هريرة ‏"‏ حتى تكون أعظم من الجبل ‏"‏ ولابن جرير من وجه آخر عن القاسم ‏"‏ حتى يوافي بها يوم القيامة وهي أعظم من أحد ‏"‏ يعني التمرة‏.‏
وهي في رواية القاسم عند الترمذي بلفظ ‏"‏ حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد ‏"‏ قال‏:‏ وتصديق ذلك في كتاب الله ‏(‏يمحق الله الربي ويربي الصدقات‏)‏ وفي رواية ابن جرير التصريح بأن تلاوة الآية من كلام أبي هريرة‏.‏
وزاد عبد الرزاق في روايته من طريق القاسم أيضا ‏"‏ فتصدقوا‏"‏، والظاهر أن المراد بعظمها أن عينها تعظم لتثقل في الميزان، ويحتمل أن يكون ذلك معبرا به عن ثوابها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه سليمان‏)‏ هو ابن بلال ‏(‏عن ابن دينار‏)‏ أي عن أبي صالح عن أبي هريرة وهذه المتابعة ذكرها المصنف في التوحيد فقال‏:‏ وقال خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال فساق مثله، إلا أن فيه مخالفة في اللفظ يسيرة، وقد وصله أبو عوانة والجوزقي من طريق محمد بن معاذ بن يوسف عن خالد بن مخلد بهذا الإسناد‏.‏
ووقع في صحيح مسلم حدثنا أحمد بن عثمان حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان عن سهيل عن أبي صالح ولم يسق لفظه كله، وهذا إن كان أحمد بن عثمان حفظه فلسليمان فيه شيخان عبد الله بن دينار وسهيل عن أبي صالح، وقد غفل صاحب الأطراف فسوى بين روايتي الصحيحين في هذا وليس بجيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ورقاء‏)‏ هو ابن عمر ‏(‏عن ابن دينار عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة‏)‏ يعني أن ورقاء خالف عبد الرحمن وسليمان فجعل شيخ ابن دينار فيه سعيد بن يسار بدل أبي صالح، ولم أقف على رواية ورقاء هده موصولة، وقد أشار الداودي إلى أنها وهم لتوارد الرواة عن أبي صالح دون سعيد بن يسار، وليس ما قال بجيد لأنه محفوظ عن سعيد بن يسار من وجه آخر كما أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما‏.‏
نعم رواية ورقاء شاذة بالنسبة إلى مخالفة سليمان وعبد الرحمن والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقفت على رواية ورقاء موصولة وقد بينت ذلك في كتاب التوحيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورواه مسلم بن أبي مريم وزيد بن أسلم وسهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة‏)‏ أما رواية مسلم فرويناها موصولة في كتاب الزكاة ليوسف بن يعقوب القاضي قال حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا سعيد بن سلمة هو ابن أبي الحسام عنه به، وأما رواية زيد بن أسلم وسهيل فوصلهما مسلم، وقد قدمت ما في سياق الثلاثة من فائدة وزيادة‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:08 AM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n142&p1#TOP)باب الصَّدَقَةِ قَبْلَ الرَّدِّ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة قبل الرد‏)‏ قال الزين بن المنير ما ملخصه‏:‏ مقصوده بهذه الترجمة الحث على التحذير من التسويف بالصدقة، لما في المسارعة إليها من تحصيل النمو المذكور‏.‏
قيل لأن التسويف بها قد يكون ذريعة إلى عدم القابل لها إذ لا يتم مقصود الصدقة إلا بمصادفة المحتاج إليها، وقد أخبر الصادق أنه سيقع فقد الفقراء المحتاجين إلى الصدقة بأن يخرج الغني صدقته فلا يجد من يقبلها‏.‏
فإن قيل إن من أخرج صدقته مثاب على نيته ولو لم يجد من يقبلها، فالجواب أن الواجد يثاب ثواب المجازاة والفضل، والناوي يثاب ثواب الفضل فقط والأول أربح والله أعلم‏.‏
ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث في كل منها الإنذار بوقوع فقدان من يقبل الصدقة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَصَدَّقُوا فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا يَقُولُ الرَّجُلُ لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالْأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا
الشرح‏:‏
حارثة بن وهب هو الخزاعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإنه يأتي عليكم زمان‏)‏ سيأتي بعد سبعة أبواب - من وجه آخر - بلفظ ‏"‏ فسيأتي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقول الرجل‏)‏ أي الذي يريد المتصدق أن يعطيه إياها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأما اليوم فلا حاجة لي بها‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فيها‏"‏، والظاهر أن ذلك يقع في زمن كثرة المال وفيضه قرب الساعة كما قال ابن بطال، ومن ثم أورده المصنف في كتاب الفتن كما سيأتي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ لَا أَرَبَ لِي
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب، وقد ساقه في الفتن بالإسناد المذكور هنا مطولا، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏حتى يهم‏)‏ بفتح أوله وضم الهاء، و ‏(‏رب المال‏)‏ منصوب على المفعولية وفاعله قوله‏:‏ ‏(‏من يقبله‏)‏ يقال همه الشيء أحزنه‏.‏
ويروى بضم أوله يقال أهمه الأمر أقلقه‏.‏
وقال النووي في شرح مسلم‏:‏ ضبطوه بوجهين أشهرهما بضم أوله وكسر الهاء ورب المال مفعول والفاعل من يقبل أي يحزنه، والثاني بفتح أوله وضم الهاء ورب المال فاعل ومن مفعول أي يقصد‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا أرب لي‏)‏ زاد في الفتن ‏"‏ به ‏"‏ أي لا حاجة لي به لاستغنائي عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ الطَّائِيُّ قَالَ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَةَ وَالْآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا قَطْعُ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى تَخْرُجَ الْعِيرُ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ خَفِيرٍ وَأَمَّا الْعَيْلَةُ فَإِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى يَطُوفَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ لَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلَا تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ أَلَمْ أُوتِكَ مَالًا فَلَيَقُولَنَّ بَلَى ثُمَّ لَيَقُولَنَّ أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَلَيَقُولَنَّ بَلَى فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمْ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ
الشرح‏:‏
حديث عدي بن حاتم، وقد أورده المصنف بأتم من هذا السياق، ويأتي الكلام عليه مستوفى‏.‏
وشاهده هنا قوله فيه ‏(‏فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه‏)‏ وهو موافق لحديث أبي هريرة الذي قبله ومشعر بأن ذلك يكون في آخر الزمان‏.‏
وحديث أبي موسى الآتي بعده مشعر بذلك أيضا، وقد أشار عدي بن حاتم - كما سيأتي في علامات النبوة - إلى أن ذلك لم يقع في زمانه وكانت وفاته في خلافة معاوية بعد استقرار أمر الفتوح، فانتفى قول من زعم أن ذلك وقع في ذلك الزمان‏.‏
قال ابن التين‏:‏ إنما يقع ذلك بعد نزول عيسى حين تخرج الأرض بركاتها حتى تشبع الرمانة أهل البيت ولا يبقى في الأرض كافر‏.‏
ويأتي الكلام على اتقاء النار ولو بشق تمرة في الباب الذي يليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنْ الذَّهَبِ ثُمَّ لَا يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏من الذهب‏)‏ خصه بالذكر مبالغة في عدم من يقبل الصدقة، وكذا قوله يطوف ثم لا يجد من يقبلها وقوله‏:‏ ‏(‏ويرى الرجل إلخ‏)‏ تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب رفع العلم ‏"‏ من كتاب العلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n142&p1#TOP)باب اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ وَالْقَلِيلِ مِنْ الصَّدَقَةِ
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ وَإِلَى قَوْلِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، والقليل من الصدقة، ومثل الذين ينفقون أموالهم - إلى قوله - فيها من كل الثمرات‏)‏ قال الزين بن المنير وغيره‏:‏ جمع المصنف بين لفظ الخبر والآية لاشتمال ذلك كله على الحث على الصدقة قليلها وكثيرها، فإن قوله تعالى ‏(‏أموالهم‏)‏ يشمل قليل النفقة وكثيرها، ويشهد له قوله ‏"‏ لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس‏"‏، فإنه يتناول القليل والكثير، إذ لا قائل بحل القليل دون الكثير‏.‏
وقوله ‏"‏اتقوا النار ولو بشق تمرة ‏"‏ يتناول الكثير والقليل أيضا، والآية أيضا مشتملة على قليل الصدقة وغيرها من جهة التمثيل المذكور فيها بالطل والوابل، فشبهت الصدقة بالقليل بإصابة الطل والصدقة بالكثير بإصابة الوابل‏.‏
وأما ذكر القليل من الصدقة بعد ذكر شق التمرة فهو من عطف العام على الخاص، ولهذا أورد في الباب حديث أبي مسعود الذي كان سببا لنزول قوله تعالى ‏(‏والذين لا يجدون إلا جهدهم‏)‏ ‏.‏
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام‏:‏ تقدير الآية مثل تضعيف أجور الذين ينفقون كمثل تضعيف ثمار الجنة بالمطر، إن قليلا فقليل، وإن كثيرا فكثير‏.‏
وكأن البخاري أتبع الآية الأولى التي ضربت مثلا بالربوة بالآية الثانية التي تضمنت ضرب المثل لمن عمل عملا يفقده أحوج ما كان إليه للإشارة إلى اجتناب الرياء في الصدقة، ولأن قوله تعالى ‏(‏والله بما تعملون بصير‏)‏ يشعر بالوعيد بعد الوعد، فأوضحه بذكر الآية الثانية، وكأن هذا هو السر في اقتصاره على بعضها اختصارا‏.‏
ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ فَقَالُوا مُرَائِي وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فَقَالُوا إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا فَنَزَلَتْ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ الْآيَةَ
الشرح‏:‏
حديث أبي مسعود ورد من وجهين تاما ومختصرا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش، وأبو مسعود هو الأنصاري البدري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما نزلت آية الصدقة‏)‏ كأنه يشير إلى قوله تعالى ‏(‏خذ من أموالهم صدقة‏)‏ الآية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنا نحامل‏)‏ أي نحمل على ظهورنا بالأجرة، يقال حاملت بمعنى حملت كسافرت‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ يريد نتكلف الحمل بالأجرة لنكتسب ما نتصدق به، ويؤيده قوله في الرواية الثانية التي بعد هذه حيث قال ‏"‏ انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل ‏"‏ أي يطلب الحمل بالأجرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجاء رجل فتصدق بشيء كثير‏)‏ هو عبد الرحمن بن عوف كما سيأتي في التفسير، والشيء المذكور كان ثمانية آلاف أو أربعة آلاف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجاء رجل‏)‏ هو أبو عقيل بفتح العين كما سيأتي في التفسير، ونذكر هناك إن شاء الله تعالى الاختلاف في اسمه واسم أبيه ومن وقع له ذلك أيضا من الصحابة كأبي خيثمة، وأن الصاع إنما حصل لأبي عقيل لكونه أجر نفسه على النزح من البئر بالحبل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقالوا‏)‏ سمي من اللامزين في ‏"‏ مغازي الواقدي ‏"‏ معتب بن قشير وعبد الرحمن بن نبتل بنون ومثناة مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة ثم لام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يلمزون‏)‏ أي يعيبون، وشاهد الترجمة قوله‏:‏ ‏(‏والذين لا يجدون إلا جهدهم‏)‏ ‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ فَيُحَامِلُ فَيُصِيبُ الْمُدَّ وَإِنَّ لِبَعْضِهِمْ الْيَوْمَ لَمِائَةَ أَلْفٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سعيد بن يحيى‏)‏ أي ابن سعيد الأموي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيحامل‏)‏ بضم التحتانية واللام مضمومة بلفظ المضارع من المفاعلة‏.‏
ويروي بفتح المثناة وفتح اللام أيضا، ويؤيده قوله في رواية زائدة الآتية في التفسير ‏"‏ فيحتال أحدنا حتى يجيء بالمد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيصيب المد‏)‏ أي في مقابلة أجرته فيتصدق به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن لبعضهم اليوم لمائة ألف‏)‏ زاد في التفسير ‏"‏ كأنه يعرض بنفسه ‏"‏ وأشار بذلك إلى ما كانوا عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من قلة الشيء، وإلى ما صاروا إليه بعده من التوسع لكثرة الفتوح، ومع ذلك فكانوا في العهد الأول يتصدقون بما يجدون ولو جهدوا، والذين أشار إليهم آخرا بخلاف ذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع بخط مغلطاي في شرحه ‏"‏ وإن لبعضهم اليوم ثمانية آلاف ‏"‏ وهو تصحيف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ
الشرح‏:‏
عدي بن حاتم وهو بلفظ الترجمة، وهو طرف من حديثه المذكور في الباب الذي قبله، و ‏"‏ بشق ‏"‏ بكسر المعجمة نصفها أو جانبها، أي ولو كان الاتقاء بالتصدق بشق تمرة واحدة فإنه يفيد‏.‏
وفي الطبراني من حديث فضالة بن عبيد مرفوعا ‏"‏ اجعلوا بينكم وبين النار حجابا ولو بشق تمرة ‏"‏ ولأحمد من حديث ابن مسعود مرفوعا بإسناد صحيح ‏"‏ ليتق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة‏"‏، وله من حديث عائشة بإسناد حسن ‏"‏ يا عائشة، استتري من النار ولو بشق تمرة، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان‏"‏، ولأبي يعلى من حديث أبي بكر الصديق نحوه وأتم منه بلفظ ‏"‏ تقع من الجائع موقعها من الشبعان ‏"‏ وكأن الجامع بينهما في ذلك حلاوتها‏.‏
وفي الحديث الحث على الصدقة بما قل وما جل، وأن لا يحتقر ما يتصدق به، وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ
الشرح‏:‏
حديث عائشة، وسيأتي في الأدب من وجه آخر عن الزهري بسنده، وفيه التقييد بالإحسان ولفظه ‏"‏ من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
ومناسبته للترجمة من جهة أن الأم المذكورة لما قسمت التمرة بين ابنتيها صار لكل واحدة منهما شق تمرة، وقد دخلت في عموم خبر الصادق أنها ممن ستر من النار لأنها ممن ابتلي بشيء من البنات فأحسن‏.‏
ومناسبة فعل عائشة للترجمة من قوله ‏"‏ والقليل من الصدقة ‏"‏ وللآية من قوله‏:‏ ‏(‏والذين لا يجدون إلا جهدهم‏)‏ لقولها في الحديث ‏"‏ فلم تجد عندي غير تمرة ‏"‏ وفيه شدة حرص عائشة على الصدقة امتثالا لوصيته صلى الله عليه وسلم لها حيث قال ‏"‏ لا يرجع من عندك سائل ولو بشق تمرة ‏"‏ رواه البزار من حديث أبي هريرة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n142&p1#TOP)باب فَضْلِ صَدَقَةِ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعَ فِيهِ وَلَا خُلَّةَ إِلَى الظَّالِمُونَ وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِلَى آخِرِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل صدقة الشحيح الصحيح‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ أي الصدقة أفضل، وصدقة الشحيح الصحيح، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت‏)‏ الآية، ‏"‏ فعلى الأول المراد فضل من كان كذلك على غيره وهو واضح، وعلى الثاني كأنه تردد في إطلاق أفضلية من كان كذلك ‏"‏ فأورد الترجمة بصيغة الاستفهام‏.‏
قال الزين بن المنير ما ملخصه‏:‏ مناسبة الآية للترجمة أن معنى الآية التحذير من التسويف بالإنفاق استبعادا لحلول الأجل واشتغالا بطول الأمل، والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات الأمنية‏.‏
والمراد بالصحة في الحديث من لم يدخل في مرض مخوف فيتصدق عند انقطاع أمله من الحياة كما أشار إليه في آخره بقوله ‏"‏ ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم‏"‏، ولما كانت مجاهدة النفس على إخراج المال مع قيام مانع الشح دالا على صحة القصد وقوة الرغبة في القربة كان ذلك أفضل من غيره، وليس المراد أن نفس الشح هو السبب في هذه الأفضلية‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية غير أبي ذر تقديم آية المنافقين على آية البقرة‏.‏
وفي رواية أبي ذر بالعكس‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا قَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل‏)‏ لم أقف على تسميته، ويحتمل أن يكون أبا ذر، ففي مسند أحمد عنه أنه سأل أي الصدقة أفضل، لكن في الجواب ‏"‏ جهد من مقل أوسر إلى فقير ‏"‏ وكذا روى الطبراني من حديث أبي أمامة أن أبا ذر سأل فأجيب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أي الصدقة أعظم أجرا‏)‏ في الوصايا من وجه آخر عن عمارة بن القعقاع ‏"‏ أي الصدقة أفضل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن تصدق‏)‏ بتشديد الصاد وأصله تتصدق فأدغمت إحدى التاءين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنت صحيح شحيح‏)‏ في الوصايا ‏"‏ وأنت صحيح حريص ‏"‏ قال صاحب المنتهى‏:‏ الشح بخل مع حرص‏.‏
وقال صاحب المحكم‏:‏ الشح مثلث الشين والضم أعلى‏.‏
وقال صاحب الجامع‏:‏ كأن الفتح في المصدر والضم في الاسم‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ فيه أن المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه، وأن سخاوته بالمال في مرضه لا تمحو عنه سيمة البخل، فلذلك شرط صحة البدن في الشح بالمال لأنه في الحالتين يجد للمال وقعا في قلبه لما يأمله من البقاء فيحذر معه الفقر، وأحد الأمرين للموصي والثالث للوارث لأنه إذا شاء أبطله‏.‏
قال الكرماني‏:‏ ويحتمل أن يكون الثالث للموصي أيضا لخروجه عن الاستقلال بالتصرف فيما يشاء فلذلك نقص ثوابه عن حال الصحة‏.‏
قال ابن بطال وغيره‏:‏ لما كان الشح غالبا في الصحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر، بخلاف من يئس من الحياة ورأى مصير المال لغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتأمل‏)‏ بضم الميم أي تطمع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا بلغت‏)‏ أي الروح، والمراد قاربت بلوغه إذ لو بلغته حقيقة لم يصح شيء من تصرفاته‏.‏
ولم يجر للروح ذكر اغتناء بدلالة السياق‏.‏
والحلقوم مجرى النفس قاله أبو عبيدة، وقد تقدم في أواخر كتاب العلم، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n142&p1#TOP)باب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا قَالَ أَطْوَلُكُنَّ يَدًا فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا للأكثر وبه جزم الإسماعيلي، وسقط لأبي ذر، فعلى روايته هو من ترجمة فضل صدقة الصحيح، وعلى رواية غيره فهو بمنزلة الفصل منه وأورد فيه المصنف قصة سؤال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم منه أيتهن أسرع لحوقا به، وفيه قوله لهن ‏"‏ أطولكن يدا ‏"‏ الحديث‏.‏
ووجه تعلقه بما قبله أن هذا الحديث تضمن أن الإيثار والاستكثار من الصدقة في زمن القدرة على العمل سبب للحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك الغاية في الفضيلة، أشار إلى هذا الزين بن المنير قال ابن رشيد‏:‏ وجه المناسبة أنه تبين في الحديث أن المراد بطول اليد المقتضي للحاق به الطول، وذلك إنما يتأتى للصحيح لأنه إنما يحصل بالمداومة في حال الصحة وبذلك يتم المراد‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ لم أقف على تعيين السائلة منهن عن ذلك، إلا عند ابن حبان من طريق يحيى بن حماد عن أبي عوانة بهذا الإسناد ‏"‏ قالت فقلت ‏"‏ بالمثناة، وقد أخرجه النسائي من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ فقلن ‏"‏ بالنون فالله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسرع بك لحوقا‏)‏ منصوب على التمييز، وكذا قوله يدا، وأطولكن مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأخذوا قصبة يذرعونها‏)‏ أي يقدرونها بذراع كل واحدة منهن، وإنما ذكره بلفظ جمع المذكر بالنظر إلى لفظ الجمع لا بلفظ جماعة النساء، وقد قيل في قول الشاعر وإن شئت حرمت النساء سواكم أنه ذكره بلفظ جمع المذكر تعظيما‏.‏
وقوله ‏"‏أطولكن ‏"‏ يناسب ذلك، وإلا لقال طولاكن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكانت سودة‏)‏ زاد ابن سعد عن عفان عن أبي عوانة بهذا الإسناد ‏"‏ بنت زمعة بن قيس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أطولهن يدا‏)‏ في رواية عفان ‏"‏ ذراعا ‏"‏ وهي تعين أنهن فهمن من لفظ اليد الجارحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعلمنا بعد‏)‏ أي لما ماتت أول نسائه به لحوقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما‏)‏ بالفتح، والصدقة بالرفع، وطوله يدها بالنصب لأنه الخبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكانت أسرعنا‏)‏ كذا وقع في الصحيح بغير تعيين، ووقع في ‏"‏ التاريخ الصغير ‏"‏ للمصنف عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد ‏"‏ فكانت سودة أسرعنا إلخ ‏"‏ وكذا أخرجه البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ وابن حبان في صحيحه من طريق العباس الدوري عن موسى، وكذا في رواية عفان عند أحمد وابن سعد عنه ‏"‏ قال ابن سعد‏:‏ قال لنا محمد بن عمر - يعني الواقدي - هذا الحديث وهل في سودة، وإنما هو في زينب بنت جحش، فهي أول نسائه به لحوقا وتوفيت في خلافة عمر وبقيت سودة إلى أن توفيت في خلافة معاوية في شوال سنة أربع وخمسين ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ هذا الحديث سقط منه ذكر زينب لاتفاق أهل السير على أن زينب أول من مات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أن الصواب‏:‏ وكانت زينب أسرعنا إلخ، ولكن يعكر على هذا التأويل تلك الروايات المتقدمة المصرح فيها بأن الضمير لسودة‏.‏
وقرأت بخط الحافظ أبي علي الصدفي‏:‏ ظاهر هذا اللفظ أن سودة كانت أسرع وهو خلاف المعروف عند أهل العلم أن زينب أول من مات من الأزواج، ثم نقله عن مالك من روايته عن الواقدي، قال‏:‏ ويقويه رواية عائشة بنت طلحة‏.‏
وقال ابن الجوزي‏.‏
هذا الحديث غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه ولا أصحاب التعاليق ولا علم بفساد ذلك الخطابي فإنه فسره وقال‏:‏ لحوق سودة به من أعلام النبوة‏.‏
وكل ذلك وهم، وإنما هي زينب، فإنها كانت أطولهن يدا بالعطاء كما رواه مسلم من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة بلفظ ‏"‏ فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل وتتصدق ‏"‏ انتهى‏.‏
وتلقى مغلطاي كلام ابن الجوزي فجزم به ولم ينسبه له‏.‏
وقد جمع بعضهم بين الروايتين فقال الطيبي‏:‏ يمكن أن يقال فيما رواه البخاري المراد الحاضرات من أزواجه دون زينب، وكانت سودة أولهن موتا‏.‏
قلت‏:‏ وقد وقع نحوه في كلام مغلطاي، لكن يعكر على هذا أن في رواية يحيى بن حماد عند ابن حبان أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعن عنده لم تغادر منهن واحدة، ثم هو مع ذلك إنما يتأتى على أحد القولين في وفاة سودة، فقد روى البخاري في تاريخه بإسناد صحيح إلى سعيد بن هلال أنه قال‏:‏ ماتت سودة في خلافة عمر، وجزم الذهبي في ‏"‏ التاريخ الكبير ‏"‏ بأنها ماتت في آخر خلافة عمر‏.‏
وقال ابن سيد الناس‏:‏ أنه المشهور‏.‏
وهذا يخالف ما أطلقه الشيخ محيي الدين حيث قال‏:‏ أجمع أهل السير على أن زينب أول من مات من أزواجه‏.‏
وسبقه إلى نقل الاتفاق ابن بطال كما تقدم‏.‏
ويمكن الجواب بأن النقل مقيد بأهل السير، فلا يرد نقل قول من خالفهم من أهل النقل ممن لا يدخل في زمرة أهل السير‏.‏
وأما على قول الواقدي الذي تقدم فلا يصح‏.‏
وقد تقدم عن ابن بطال أن الضمير في قوله ‏"‏ فكانت ‏"‏ لزينب وذكرت ما يعكر عليه، لكن يمكن أن يكون تفسيره بسودة من بعض الرواة لكون غيرها لم يتقدم له ذكر، فلما لم يطلع على قصة زينب وكونها أول الأزواج لحوقا به جعل الضمائر كلها لسودة، وهذا عندي من أبي عوانة، فقد خالفه في ذلك ابن عيينة عن فراس كما قرأت بخط ابن رشيد أنه قرأه بخط أبي القاسم بن الورد، ولم أقف إلى الآن على رواية ابن عيينة هذه، لكن روى يونس بن بكير في ‏"‏ زيادات المغازي ‏"‏ والبيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ بإسناده عنه عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي التصريح بأن ذلك لزينب، لكن قصر زكريا في إسناده فلم يذكر مسروقا ولا عائشة، ولفظه ‏"‏ قلن النسوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أينا أسرع بك لحوقا‏؟‏ قال‏:‏ أطولكن يدا، فأخذن يتذارعن أيتهن أطول يدا، فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة ‏"‏ ويؤيده أيضا ما روى الحاكم في المناقب من مستدركه من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه‏:‏ أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا قالت عائشة‏:‏ فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش - وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا - فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة، وكانت زينب امرأة صناعة باليد، وكانت تدبغ وتخرز وتصدق في سبيل الله ‏"‏ قال الحاكم على شرط مسلم انتهى‏.‏
وهي رواية مفسرة مبينة مرجحة لرواية عائشة بنت طلحة في أمر زينب، قال ابن رشيد‏:‏ والدليل على أن عائشة لا تعني سودة قولها ‏"‏ فعلمنا بعد ‏"‏ إذ قد أخبرت عن سودة بالطول الحقيقي ولم تذكر سبب الرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلا الموت، فإذا طلب السامع سبب العدول لم يجد إلا الإضمار مع أنه يصلح أن يكون المعنى فعلمنا بعد أن المخبر عنها إنما هي الموصوفة بالصدقة لموتها قبل الباقيات، فينظر السامع ويبحث فلا يجد إلا زينب، فيتعين الحمل عليه، وهو من باب إضمار ما لا يصلح غيره كقوله تعالى ‏(‏حتى توارت بالحجاب‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ وجه الجمع أن قولها ‏"‏ فعلمنا بعد ‏"‏ يشعر إشعارا قويا أنهن حملن طول اليد على ظاهره، ثم علمن بعد ذلك خلافه وأنه كناية عن كثرة الصدقة، والذي علمنه آخرا خلاف ما اعتقدنه أولا، وقد انحصر الثاني في زينب للاتفاق على أنها أولهن موتا فتعين أن تكون هي المرادة‏.‏
وكذلك بقية الضمائر بعد قوله ‏"‏ فكانت ‏"‏ واستغنى عن تسميتها لشهرتها بذلك انتهى‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يقال إن في الحديث اختصارا أو اكتفاء بشهرة القصة لزينب، ويؤول الكلام بأن الضمير رجع إلى المرأة التي علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أول من يلحق به، وكانت كثيرة الصدقة‏.‏
قلت‏:‏ الأول هو المعتمد، وكأن هذا هو السر في كون البخاري حذف لفظ سودة من سياق الحديث لما أخرجه في الصحيح لعلمه بالوهم فيه، وأنه لما ساقه في التاريخ بإثبات ذكرها ذكر ما يرد عليه من طريق الشعبي أيضا عن عبد الرحمن بن أبزي قال ‏"‏ صليت مع عمر على أم المؤمنين زينب بنت جحش، وكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به ‏"‏ وقد تقدم الكلام على تاريخ وفاتها في كتاب الجنائز، وأنه سنة عشرين‏.‏
وروى ابن سعد من طريق برزة بنت رافع قالت ‏"‏ لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها، فتعجبت وسترته بثوب وأمرت بتفرقته، إلى أن كشف الثوب فوجدت تحته خمسة وثمانين درهما ثم قالت‏:‏ اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا، فماتت فكانت أول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به ‏"‏ وروى ابن أبي خيثمة من طريق القاسم بن معن قال‏:‏ كانت زينب أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به فهذه روايات يعضد بعضها بعضا ويحصل من مجموعها أن في رواية أبي عوانة وهما‏.‏
وقد ساقه يحيى بن حماد عنه مختصرا ولفظه ‏"‏ فأخذن قصبة يتذارعنها، فماتت سودة بنت زمعة وكانت كثيرة الصدقة فعلمنا أنه قال أطولكن بدا بالصدقة ‏"‏ هذا لفظه عند ابن حبان من طريق الحسن بن مدرك عنه، ولفظه عند النسائي عن أبي داود وهو الحراني عنه ‏"‏ فأخذن قصبة فجعلن يذرعنها فكانت سودة أسرعهن به لحوقا، وكانت أطولهن يدا، وكأن ذلك من كثرة الصدقة‏"‏‏.‏
وهذا السياق لا يحتمل التأويل، إلا أنه محمول على ما تقدم ذكره من دخول الوهم على الراوي في التسمية خاصة والله أعلم‏.‏
وفي الحديث علم من أعلام النبوة ظاهر، وفيه جواز إطلاق اللفظ المشترك بين الحقيقة والمجاز بغير قرينة وهو لفظ ‏"‏ أطولكن ‏"‏ إذا لم يكن محذور‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ لما كان السؤال عن آجال مقدرة لا تعلم إلا بالوحي أجابهن بلفظ غير صريح وأحالهن على ما لا يتبين إلا بآخر‏.‏
وساغ ذلك لكونه ليس من الأحكام التكليفية‏.‏
وفيه أن من حمل الكلام على ظاهره وحقيقته لم يلم وإن كان مراد المتكلم مجازه، لأن نسوة النبي صلى الله عليه وسلم حملن طول اليد على الحقيقة فلم ينكر عليهن‏.‏
وأما ما رواه الطبراني في الأوسط من طريق يزيد بن الأصم عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهن‏:‏ ليس ذلك أعني إنما أعني أصنعكن يدا، فهو ضعيف جدا، ولو كان ثابتا لم يحتجن بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذرع أيديهن كما تقدم في رواية عمرة عن عائشة‏.‏
وقال المهلب‏:‏ في الحديث دلالة على أن الحكم للمعاني لا للألفاظ لأن النسوة فهمن من طول اليد الجارحة، وإنما المراد بالطول كثرة الصدقة، وما قاله لا يمكن إطراده في جميع الأحوال‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n142&p1#TOP)باب صَدَقَةِ الْعَلَانِيَةِ
وَقَوْلِهِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صدقة العلانية‏)‏ ، وقوله عز وجل ‏(‏الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية - إلى قوله - ولا هم يحزنون‏)‏ ‏.‏
سقطت هذه الترجمة للمستملي وثبتت للباقين، وبه جزم الإسماعيلي، ولم يثبت فيها لمن ثبتها حديث، وكأنه أشار إلى أنه لم يصح فيها شيء على شرطه وقد اختلف في سبب نزول الآية المذكورة فعند عبد الرزاق بإسناد فيه ضعف إلى ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب كان عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحدا وبالنهار واحدا وفي السر واحدا وفي العلانية واحدا، وذكره الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس أيضا وزاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ أما إن ذلك لك‏.‏
وقيل نزلت في أصحاب الخيل الذين يربطونها في سبيل الله أخرجه ابن أبي حاتم من حديث أبي أمامة، وعن قتادة وغيره نزلت في قوم أنفقوا في سبيل الله من غير إسراف ولا تقتير ذكره الطبري وغيره‏.‏
وقال الماوردي‏:‏ يحتمل أن يكون في إباحة الارتفاق بالزروع والثمار لأنه يرتفق بها كل مار في ليل أو نهار في سر وعلانية وكانت أعم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n142&p1#TOP)باب صَدَقَةِ السِّرِّ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ وَقَوْلِهِ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ الْآيَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صدقة السر‏.‏
وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه‏.‏
وقوله تعالى ‏(‏إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم‏)‏ الآية وإذا تصدق على غني وهو لا يعلم‏)‏ ثم ساق حديث أبي هريرة في قصة الذي خرج بصدقته فوضعها في يد سارق ثم زانية ثم غني، كذا وقع في رواية أبي ذر، ووقع في رواية غيره ‏"‏ باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم ‏"‏ وكذا هو عند الإسماعيلي، ثم ساق الحديث‏.‏
ومناسبته ظاهرة، ويكون قد اقتصر في ترجمة صدقة السر على الحديث المعلق على الآية، وعلى ما في رواية أبي ذر فيحتاج إلى مناسبة بين ترجمة صدقة السر وحديث المتصدق، ووجهها أن الصدقة المذكورة وقعت بالليل لقوله في الحديث ‏"‏ فأصبحوا يتحدثون ‏"‏ بل وقع في صحيح مسلم التصريح بذلك لقوله فيه ‏"‏ لأتصدقن الليلة ‏"‏ كما سيأتي، فدل على أن صدقته كانت سرا إذ لو كانت بالجهر نهارا لما خفي عنه حال الغني لأنها في الغالب لا تخفى، بخلاف الزانية والسارق، ولذلك خص الغني بالترجمة دونهما‏.‏
وحديث أبي هريرة المعلق طرف من حديث سيأتي بعد باب بتمامه، وقد تقدم مع الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة ‏"‏ وهو أقوى الأدلة على أفضلية إخفاء الصدقة، وأما الآية فظاهرة في تفضيل صدقة السر أيضا، ولكن ذهب الجمهور إلى أنها نزلت في صدقة التطوع، ونقل الطبري وغيره الإجماع على أن الإعلان في صدقة الفرض أفضل من الإخفاء، وصدقة التطوع على العكس من ذلك‏.‏
وخالف يزيد بن أبي حبيب فقال‏:‏ إن الآية نزلت في الصدقة على اليهود والنصارى، قال‏:‏ فالمعنى إن تؤتوها أهل الكتابين ظاهرة فلكم فضل، وإن تؤتوها فقراءكم سرا فهو خير لكم‏.‏
قال‏:‏ وكان يأمر بإخفاء الصدقة مطلقا‏.‏
ونقل أبو إسحاق الزجاج أن إخفاء الزكاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفضل، فأما بعده فإن الظن يساء بمن أخفاها، فلهذا كان إظهار الزكاة المفروضة أفضل، قال ابن عطية‏:‏ ويشبه في زماننا أن يكون الإخفاء بصدقة الفرض أفضل، فقد كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء‏.‏
انتهى‏.‏
وأيضا فكان السلف يعطون زكاتهم للسعاة، وكان من أخفاها اتهم بعدم الإخراج، وأما اليوم فصار كل أحد يخرج زكاته بنفسه فصار إخفاؤها أفضل والله أعلم وقال الزين بن المنير‏:‏ لو قيل إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال لما كان بعيدا، فإذا كان الإمام مثلا جائزا ومال من وجبت عليه مخفيا فالإسرار أولى، وإن كان المتطوع ممن يقتدى به ويتبع وتنبعث الهمم على التطوع بالإنفاق وسلم قصده فالإظهار أولى‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:10 AM
3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n142&p1#TOP)باب إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم‏)‏ أي فصدقته مقبولة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الأعرج عن أبي هريرة‏)‏ في رواية مالك في ‏"‏ الغرائب للدارقطني ‏"‏ عن أبي الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز أخبره أنه سمع أبا هريرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال رجل‏)‏ لم أقف على اسمه، ووقع عند أحمد من طريق ابن لهيعة عن الأعرج في هذا الحديث أنه كان من بني إسرائيل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأتصدقن بصدقة‏)‏ في رواية أبي عوانة عن أبي أمية عن أبي اليمان بهذا الإسناد ‏"‏ لأتصدقن الليلة ‏"‏ وكرر كذلك في المواضع الثلاثة‏.‏
وكذا أخرجه أحمد من طريق ورقاء ومسلم من طريق موسى بن عقبة والدارقطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ كلهم عن أبي الزناد‏.‏
وقوله ‏"‏لأتصدقن ‏"‏ من باب الالتزام كالنذر مثلا، والقسم فيه مقدر كأنه قال‏:‏ والله لأتصدقن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فوضعها في يد سارق‏)‏ أي وهو لا يعلم أنه سارق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأصبحوا يتحدثون‏:‏ تصدق على سارق‏)‏ في رواية أبي أمية ‏"‏ تصدق الليلة على سارق ‏"‏ وفي رواية ابن لهيعة ‏"‏ تصدق الليلة على فلان السارق ‏"‏ ولم أر في شيء من الطرق تسمية أحد من الثلاثة المتصدق عليهم‏.‏
وقوله ‏"‏تصدق ‏"‏ بضم أوله على البناء للمفعول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال اللهم لك الحمد‏)‏ أي لا لي لأن صدقتي وقعت بيد من لا يستحقها فلك الحمد حيث كان ذلك بإرادتك لا بإرادتي، فإن إرادة الله كلها جميلة‏.‏
قال الطيبي‏:‏ لما عزم على أن يتصدق على مستحق فوضعها بيد زانية حمد الله على أنه لم يقدر أن يتصدق على من هو أسوأ حالا منها، أو أجرى الحمد مجرى التسبيح في استعماله عند مشاهدة ما يتعجب منه تعظيما لله، فلما تعجبوا من فعله تعجب هو أيضا فقال‏:‏ اللهم لك الحمد، على زانية، أي التي تصدقت عليها فهو متعلق بمحذوف انتهى‏.‏
ولا يخفى بعد هذا الوجه، وأما الذي قبله فأبعد منه‏.‏
والذي يظهر الأول وأنه سلم وفوض ورضي بقضاء الله فحمد الله على تلك الحال، لأنه المحمود على جميع الحال، لا يحمد على المكروه سواه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما لا يعجبه قال ‏"‏ اللهم لك الحمد على كل حال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأتي فقيل له‏)‏ في رواية الطبراني في ‏"‏ مسند الشاميين ‏"‏ عن أحمد بن عبد الوهاب عن أبي اليمان بهذا الإسناد ‏"‏ فساءه ذلك فأتى في منامه ‏"‏ وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عنه، وكذا الإسماعيلي من طريق علي بن عياش عن شعيب وفيه تعيين أحد الاحتمالات التي ذكرها ابن التين وغيره قال الكرماني‏:‏ قوله ‏"‏ أتي ‏"‏ أي أري في المنام أو سمع هاتفا ملكا أو غيره أو أخبره نبي أو أفتاه عالم‏.‏
وقال غيره‏:‏ أو أتاه ملك فكلمه، فقد كانت الملائكة تكلم بعضهم في بعض الأمور‏.‏
وقد ظهر بالنقل الصحيح أنها كلها لم تقع إلا النقل الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أما صدقتك على سارق‏)‏ زاد أبو أمية ‏"‏ فقد قبلت ‏"‏ وفي رواية موسى بن عقبة وابن لهيعة ‏"‏ أما صدقتك فقد قبلت ‏"‏ وفي رواية الطبراني ‏"‏ إن الله قد قبل صدقتك ‏"‏ وفي الحديث دلالة على أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجة من أهل الخير، ولهذا تعجبوا من الصدقة على الأصناف الثلاثة‏.‏
وفيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع‏.‏
واختلف الفقهاء في الإجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض، ولا دلالة في الحديث على الإجزاء ولا على المنع، ومن ثم أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم‏.‏
فإن قيل إن الخبر إنما تضمن قصة خاصة وقع الاطلاع فيها على قبول الصدقة برؤيا صادقة اتفاقية فمن أين يقع تعميم الحكم‏؟‏ فالجواب أن التنصيص في هذا الخير على رجاء الاستعفاف هو الدال على تعدية الحكم، فيقتضي ارتباط القبول بهذه الأسباب‏.‏
وقيه فضل صدقة السر، وفضل الإخلاص، واستحباب إعادة الصدقة إذا لم تقع الموقع، وأن الحكم للظاهر حتى يتبين سواه، وبركة التسليم والرضا، وذم التضجر بالقضاء كما قال بعض السلف‏.‏
لا تقطع الخدمة ولو ظهر لك عدم القبول‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n142&p1#TOP)باب إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا تصدق‏)‏ أي الشخص ‏(‏على ابنه وهو لا يشعر‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يذكر جواب الشرط اختصارا، وتقديره جاز، لأنه يصير لعدم شعوره كالأجنبي‏.‏
ومناسبة الترجمة للخبر من جهة أن يزيد أعطى من يتصدق عنه ولم يحجر عليه، وكان هو السبب في وقوع الصدقة في يد ولده قال‏:‏ وعبر في هذه الترجمة بنفي الشعور وفي التي قبلها بنفي العلم لأن المتصدق في السابقة بذل وسعه في طلب إعطاء الفقير فأخطأ اجتهاده فناسب أن ينفي عنه العلم، وأما هذا فباشر التصدق غيره فناسب أن ينفى عن صاحب الصدقة الشعور‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ حَدَّثَنَا أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ أَنَّ مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي وَخَطَبَ عَلَيَّ فَأَنْكَحَنِي وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ وَاللَّهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يوسف‏)‏ هو الفريابي، وأبو الجويرية بالجيم مصغرا اسمه حطان بكسر المهملة وكان سماعه عن معن ومعن أمير على غزاة بالروم في خلافة معاوية كما رواه أبو داود من طريق أبي الجويرية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنا وأبي وجدي‏)‏ اسم جده الأخنس بن حبيب السلمي كما جزم به ابن حبان وغير واحد، ووقع في الصحابة لمطين وتبعه البارودي والطبراني وابن منده وأبو نعيم أن اسم جد معن بن يزيد ثور فترجموا في كتبهم بثور وساقوا حديث الباب من طريق الجراح والد وكيع عن أبي الجويرية عن معن بن يزيد بن ثور السلمي أخرجه مطين عن سفيان بن وكيع عن أبيه عن جده، ورواه البارودي والطبراني عن مطين، ورواه ابن منده عن البارودي، وأبو نعيم عن الطبراني، وجمهور الرواة عن أبي الجويرية لم يسموا جد معن بل تفرد سفيان بن وكيع بذلك وهو ضعيف، وأظنه كان فيه عن معن بن يزيد أبي ثور السلمي فتصحفت أداة الكنية بابن، فإن معنا كان يكنى أبا ثور، فقد ذكر خليفة بن خياط في تاريخه أن معن بن يزيد وابنه ثورا قتلا يوم مرج راهط مع الضحاك بن قيس‏.‏
وجمع ابن حبان بين القولين بوجه آخر فقال في ‏"‏ الصحابة ‏"‏‏:‏ ثور السلمي جد معن بن يزيد بن الأخنس السلمي لأمه‏.‏
فإن كان ضبطه فقد زال الإشكال والله أعلم‏.‏
وروي عن يزيد بن أبي حبيب أن معن بن يزيد شهد بدرا هو وأبوه وجده ولم يتابع على ذلك‏.‏
فقد روى أحمد والطبراني من طريق صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن يزيد بن الأخنس السلمي أنه أسلم فأسلم معه جميع أهله إلا امرأة واحدة أبت أن تسلم فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ولا تمسكوا بعصم الكوافر‏)‏ فهذا دال على أن إسلامه كان متأخرا لأن الآية متأخرة الإنزال عن بدر قطعا‏.‏
وقد فرق البغوي وغيره في الصحابة بين يزيد بن الأخنس وبين يزيد والد معن، والجمهور على أنه هو‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وخطب علي فأنكحني‏)‏ أي طلب لي النكاح فأجيب، يقال خطب المرأة إلى وليها إذا أرادها الخاطب لنفسه، وعلى فلان إذا أرادها لغيره، والفاعل النبي صلى الله عليه وسلم لأن مقصود الراوي بيان أنواع علاقاته به من المبايعة وغيرها‏.‏
ولم أقف على اسم المخطوبة، ولو ورد أنها ولدت منه لضاهى بيت الصديق في الصحبة من جهة كونهم أربعة في نسق، وقد وقع ذلك لأسامة بن زيد بن حارثة فروى الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ أن حارثة قدم فأسلم، وذكر الواقدي في المغازي أن أسامة ولد له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تتبعت نظائر لذلك أكثرها فيه مقال ذكرتها في ‏"‏ النكت على علوم الحديث لابن الصلاح‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان أبي يزيد‏)‏ بالرفع على البدلية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فوضعها عند رجل‏)‏ لم أقف على اسمه، وفي السياق حذف تقديره وأذن له أن يتصدق بها على محتاج إليها إذنا مطلقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجئت فأخذتها‏)‏ أي من المأذون له في التصدق بها بإذنه لا بطريق الاعتداء، ووقع عند البيهقي من طريق أبي حمزة السكري عن أبي الجويرية في هذا الحديث ‏"‏ قلت ما كانت خصومتك‏؟‏ قال‏:‏ كان رجل يغشى المسجد فيتصدق على رجال يعرفهم، فظن أني بعض من يعرف ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأتيته‏)‏ الضمير لأبيه أي فأتيت أبي بالدنانير المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والله ما إياك أردت‏)‏ يعني لو أردت أنك تأخذها لناولتها لك ولم أوكل فيها، أو كأنه كان يرى أن الصدقة على الولد لا تجزئ، أو يرى أن الصدقة على الأجنبي أفضل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فخاصمته‏)‏ تفسير لقوله أولا ‏"‏ وخاصمت إليه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لك ما نويت‏)‏ أي إنك نويت أن تتصدق بها على من يحتاج إليها وابنك يحتاج إليها فوقعت الموقع، وإن كان لم يخطر ببالك أنه يأخذها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولك ما أخذت يا معن‏)‏ أي لأنك أخذتها محتاجا إليها‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ الظاهر أنه لم يرد بقوله ‏"‏ والله ما إياك أردت ‏"‏ أي إني أخرجتك بنيتي، وإنما أطلقت لمن تجزئ عني الصدقة عليه ولم تخطر أنت ببالي، فأمضى النبي صلى الله عليه وسلم الإطلاق لأنه فوض للوكيل بلفظ مطلق فنفذ فعله‏.‏
وفيه دليل على العمل بالمطلقات على إطلاقها وإن احتمل أن المطلق لو خطر بباله فرد من الأفراد لقيد اللفظ به والله أعلم‏.‏
واستدل به على جواز دفع الصدقة إلى كل أصل وفرع ولو كان ممن تلزمه نفقته، 0 ولا حجة فيه لأنها واقعة حال فاحتمل أن يكون معن كان مستقلا لا يلزم أباه يزيد نفقته، وسيأتي الكلام على هذه المسألة مبسوطا في ‏"‏ باب الزكاة على الزوج ‏"‏ بعد ثلاثين بابا إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيه جواز الافتخار بالمواهب الربانية والتحدث بنعم الله‏.‏
وفيه جواز التحاكم بين الأب والابن وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقا‏.‏
وجواز الاستخلاف في الصدقة ولا سيما صدقة التطوع لأن فيه نوع إسرار‏.‏
وفيه أن للتصدق أجر ما نواه سواء صادف المستحق أو لا‏.‏
وأن الأب لا رجوع له في الصدقة على ولده بخلاف الهبة‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n142&p1#TOP)باب الصَّدَقَةِ بِالْيَمِينِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة باليمين‏)‏ أي حكم، أو ‏"‏ باب ‏"‏ بالتنوين والتقدير أي فاضلة أو يرغب فيها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة ‏"‏ سبعة يظلهم الله في ظله ‏"‏ وفي قوله ‏"‏ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه مستوفى كما بينته قريبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَصَدَّقُوا فَسَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَيَقُولُ الرَّجُلُ لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالْأَمْسِ لقَبِلْتُهَا مِنْكَ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهَا
الشرح‏:‏
حديث حارثة بن وهب تقدم في ‏"‏ باب الصدقة قبل الرد ‏"‏ وفيه ‏"‏ يمشي الرجل بصدقته فيقول الرجل‏:‏ لو جئت بها أمس لقبلتها منك ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ مطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه اشترك مع الذي قبله في كون كل منهما حاملا لصدقته، لأنه إذا كان حاملا لها بنفسه كان أخفى لها، فكان في معنى ‏"‏ لا تعلم شماله ما تنفق يمينه‏"‏‏.‏
ويحمل المطلق في هذا على المقيد في هذا أي المناولة باليمين، قال‏:‏ ويقوي أن ذلك مقصده إتباعه بالترجمة التي بعدها حيث قال ‏"‏ من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه ‏"‏ وكأنه قصد في هذا من حملها بنفسه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n142&p1#TOP)باب مَنْ أَمَرَ خَادِمَهُ بِالصَّدَقَةِ وَلَمْ يُنَاوِلْ بِنَفْسِهِ
وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ فائدة قوله ‏"‏ ولم يناول نفسه ‏"‏ التنبيه على أن ذلك مما يغتفر، وأن قوله في الباب قبله ‏"‏ الصدقة باليمين ‏"‏ لا يلزم منه المنع من إعطائها بيد الغير وإن كانت المباشرة أولى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو موسى‏)‏ هو الأشعري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هو أحد المتصدقين‏)‏ ضبط في جميع روايات الصحيحين بفتح القاف على التثنية، قال القرطبي‏:‏ ويجوز الكسر على الجمع أي هو متصدق من المتصدقين‏.‏
وهذا التعليق طرف من حديث وصله بعد ستة أبواب بلفظ ‏"‏ الخازن ‏"‏ والخازن خادم المالك في الخزن وإن لم يكن خادمه حقيقة‏.‏
ثم أورد المصنف هنا حديث عائشة ‏"‏ إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها ‏"‏ الحديث‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ نبه بالترجمة على أن هذا الحديث مفسر بها، لأن كلا من الخازن والخادم والمرأة أمين ليس له أن يتصرف إلا بإذن المالك نصا أو عرفا إجمالا أو تفضيلا انتهى‏.‏
وسيأتي البحث في ذلك بعد سبعة أبواب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n142&p1#TOP)باب لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى
وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ أَوْ أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ أَمْوَالَ النَّاسِ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ فَيُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ بِهِ خَصَاصَةٌ كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَكَذَلِكَ آثَرَ الْأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى‏)‏ أورد في الباب حديث أبي هريرة بلفظ ‏"‏ خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ‏"‏ وهو مشعر بأن النفي في اللفظ الأول للكمال لا للحقيقة، فالحقيقة لا صدقة كاملة إلا عن ظهر غنى، وقد أورده أحمد من طريق أبي صالح بلفظ ‏"‏ إنما الصدقة ما كان عن ظهر غنى ‏"‏ وهو أقرب إلى لفظ الترجمة‏.‏
وأخرجه أيضا من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة بلفظ الترجمة قال ‏"‏ لا صدقة إلا عن ظهر غنى ‏"‏ الحديث‏.‏
وكذا ذكره المصنف تعليقا في الوصايا، وساقه مغلطا بإسناد له إلى أبي هريرة بلفظه، وليس هو باللفظ المذكور في الكتاب الذي ساقه منه، فلا يغتر به ولا بمن تبعه على ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن تصدق وهو محتاج إلى آخر الترجمة‏)‏ كأنه أراد تفسير الحديث المذكور بأن شرط المتصدق أن لا يكون محتاجا لنفسه أو لمن تلزمه نفقته‏.‏
ويلتحق بالتصدق سائر التبرعات‏.‏
وأما قوله ‏"‏ فهو رد عليه ‏"‏ فمقتضاه أن ذا الدين المستغرق لا يصح منه التبرع، لكن محل هذا عند الفقهاء إذا حجر عليه الحاكم بالفلس، وقد نقل فيه صاحب ‏"‏ المغني ‏"‏ وغيره الإجماع، فيحمل إطلاق المصنف عليه‏.‏
واستدل له المصنف بالأحاديث التي علقها‏.‏
وأما قوله ‏"‏ إلا أن يكون معروفا بالصبر ‏"‏ فهو من كلام المصنف، وكلام ابن التين يوهم أنه بقية الحديث فلا يغتر به، وكأن المصنف أراد أن يخص به عموم الحديث الأول‏.‏
والظاهر أنه يختص بالمحتاج، ويحتمل أن يكون عاما ويكون التقدير إلا أن يكون كل من المحتاج أو من تلزمه النفقة أو صاحب الدين معروفا بالصبر‏.‏
ويقوي الأول التمثيل الذي مثل به من فعل أبي بكر والأنصار، قال ابن بطال‏:‏ أجمعوا على أن المديان لا يجوز له أن يتصدق بماله ويترك قضاء الدين، فتعين حمل ذلك على المحتاج‏.‏
وحكى ابن رشيد عن بعضهم أنه يتصور في المديان فيما إذا عامله الغرماء على أن يأكل من المال فلو آثر بقوته وكان صبورا جاز له ذلك وإلا كان إيثاره سببا في أن يرجع لاحتياجه فيأكل فيتلف أموالهم فيمنع‏.‏
وإذا تقرر ذلك فقد اشتملت الترجمة على خمسة أحاديث معلقة، وفي الباب أربعة أحاديث موصولة‏.‏
فأما المعلقة فأولها قوله ‏"‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من أخذ أموال الناس ‏"‏ وهو طرف من حديث لأبي هريرة موصول عنده في الاستقراض‏.‏
ثانيها قوله ‏"‏ كفعل أبي بكر حين تصدق بماله ‏"‏ هذا مشهور في السير، وورد في حديث مرفوع أخرجه أبو داود وصححه الترمذي والحاكم من طريق زيد بن أسلم عن أبيه سمعت عمر يقول ‏"‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي فقلت‏:‏ اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، وأتى أبو بكر بكل ما عنده‏.‏
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك‏؟‏ قال‏:‏ أبقيت لهم الله ورسوله ‏"‏ الحديث تفرد به هشام بن سعد عن زيد، وهشام صدوق فيه مقال من جهة حفظه‏.‏
قال الطبري وغيره‏:‏ قال الجمهور من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله حيث لا دين عليه وكان صبورا على الإضاقة ولا عيال له أو له عيال يصبرون أيضا فهو جائز، فإن فقد شيء من هذه الشروط كره‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ هو مردود‏.‏
وروي عن عمر حيث رد على غيلان الثقفي قسمة ماله‏.‏
ويمكن أن يحتج له بقصة المدبر الآتي ذكره، فإنه صلى الله عليه وسلم باعه وأرسل ثمنه إلى الذي دبره لكونه كان محتاجا‏.‏
وقال آخرون‏:‏ يجوز من الثلث ويرد عليه الثلثان، وهو قول الأوزاعي ومكحول‏.‏
وعن مكحول أيضا يرد ما زاد على النصف‏.‏
قال الطبري‏:‏ والصواب عندنا الأول من حيث الجواز، والمختار من حيث الاستحباب أن يجعل ذلك من الثلث جمعا بين قصة أبي بكر وحديث كعب والله أعلم‏.‏
ثالثها قوله ‏"‏ وكذلك آثر الأنصار المهاجرين ‏"‏ هو مشهور أيضا في السير، وفيه أحاديث مرفوعة‏:‏ منها حديث أنس ‏"‏ قدم المهاجرون المدينة وليس بأيديهم شيء، فقاسمهم الأنصار‏"‏‏.‏
وسيأتي موصولا في الهبة‏.‏
وحديث أبي هريرة في قصة الأنصاري الذي آثر ضيفه بعشائه وعشاء أهله، وسيأتي موصولا في تفسير سورة الحشر‏.‏
رابعها قوله ‏"‏ ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ‏"‏ هو طرف من حديث المغيرة، وقد تقدم بتمامه في آخر صفة الصلاة‏.‏
خامسها قوله ‏"‏ وقال كعب ‏"‏ يعني ابن مالك إلخ، وهو طرف من حديثه الطويل في قصة توبته وسيأتي بتمامه في تفسير سورة التوبة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة ‏"‏ خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ‏"‏ فعبد الله المذكور في الإسناد هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد‏.‏
ومعنى الحديث أفضل الصدقة ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه أو لمن تلزمه نفقته‏.‏
قال الخطابي‏:‏ لفظ الظهر يرد في مثل هذا إشباعا للكلام، والمعنى أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية، ولذلك قال بعده وابدأ بمن تعول‏.‏
وقال البغوي‏:‏ المراد غني يستظهر به على النوائب التي تنوبه‏.‏
ونحوه قولهم ركب متن السلامة‏.‏
والتنكير في قوله ‏"‏ غنى ‏"‏ للتعظيم، هذا هو المعتمد في معنى الحديث‏.‏
وقيل‏:‏ المراد خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة، وقيل ‏"‏ عن ‏"‏ للسببية والظهر زائد، أي خير الصدقة ما كان سببها غنى في المتصدق‏.‏
وقال النووي‏:‏ مذهبنا أن التصدق بجميع المال مستحب لمن لا دين عليه ولا له عيال لا يصبرون، ويكون هو ممن يصبر على الإضاقة والفقر، فإن لم يجمع هذه الشروط فهو مكروه‏.‏
وقال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏‏:‏ يرد على تأويل الخطابي بالآيات والأحاديث الواردة في فضل المؤثرين على أنفسهم، ومنها حديث أبي ذر ‏"‏ فضل الصدقة جهد من مقل ‏"‏ والمختار أن معنى الحديث أفضل الصدقة ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال بحيث لا يصير المتصدق محتاجا بعد صدقته إلى أحد، فمعنى الغنى في هذا الحديث حصول ما تدفع به الحاجة الضرورية كالأكل عند الجوع المشوش الذي لا صبر عليه، وستر العورة، والحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الأذى، وما هذا سبيله فلا يجوز الإيثار به بل يحرم، وذلك أنه إذا آثر غيره به أدى إلى إهلاك نفسه أو الإضرار بها أو كشف عورته، فمراعاة حقه أولى على كل حال، فإذا سقطت هذه الواجبات صح الإيثار وكانت صدقته هي الأفضل لأجل ما يتحمل من مضض الفقر وشدة مشقته، فبهذا يندفع التعارض بين الأدلة إن شاء الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وابدأ بمن تعول‏)‏ فيه تقديم نفقة نفسه وعياله لأنها منحصرة فيه بخلاف نفقة غيرهم، وسيأتي شرحه في النفقات إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَعَنْ وُهَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا
الشرح‏:‏
حديث حكيم بن حزام ‏"‏ اليد العليا خير من اليد السفلى ‏"‏ الحديث، وشاهد الترجمة منه قوله فيه ‏"‏ وخير الصدقة عن ظهر غنى ‏"‏ وهشام المذكور في الإسناد هو ابن عروة بن الزبير، وقوله فيه ‏"‏ ومن يستعف يعفه الله ‏"‏ يأتي الكلام عليه في حديث أبي سعيد بعد أبواب‏.‏
ثالثها حديث أبي هريرة قال ‏"‏ بهذا ‏"‏ أي بحديث حكيم، أورده معطوفا على إسناد حديث حكيم بلفظ ‏"‏ وعن وهيب ‏"‏ والظاهر أنه حمله عن موسى بن إسماعيل عنه بالطريقين معا، وكأن هشاما حدث به وهيبا تارة عن أبيه عن حكيم وتارة عن أبيه عن أبي هريرة، أو حدثه به عنهما مجموعا ففرقه وهيب أو الراوي عنه‏.‏
وقد وصل حديث أبي هريرة من طريق وهيب الإسماعيلي قال ‏"‏ أخبرني ابن ياسين حدثنا محمد بن سفيان حدثنا حبان - هو ابن هلال - حدثنا وهيب حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة قال ‏"‏ مثل حديث حكيم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ وَالْمَسْأَلَةَ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى فَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر من وجهين في ذكر اليد العليا، وإنما أورده ليفسر به ما أجمل في حديث حكيم، قال ابن رشيد‏:‏ والذي يظهر أن حديث حكيم بن حزام لما اشتمل على شيئين‏:‏ حديث ‏"‏ اليد العليا ‏"‏ وحديث ‏"‏ لا صدقة إلا عن ظهر غنى ‏"‏ ذكر معه حديث ابن عمر المشتمل على الشيء الأول تكثيرا لطرقه‏.‏
ويحتمل أن يكون مناسبة حديث ‏"‏ اليد العليا ‏"‏ للترجمة من جهة أن إطلاق كون اليد العليا هي المنفقة، محله ما إذا كان الإنفاق لا يمنع منه بالشرع كالمديان المحجور عليه، فعمومه مخصوص بقوله ‏"‏ لا صدقة إلا عن ظهر غنى ‏"‏ والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يسق البخاري متن طريق حماد عن أيوب، وعطف عليه طريق مالك، فربما أوهم أنهما سواء، وليس كذلك لما سنذكره عن أبي داود‏.‏
وقال ابن عبد البر في ‏"‏ التمهيد ‏"‏‏:‏ لم تختلف الرواة عن مالك أي في سياقه، كذا قال وفيه نظر كما سيأتي‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ وقع تفسير اليد العليا والسفلى في حديث ابن عمر هذا، وهو نص يرفع الخلاف ويدفع تعسف من تعسف في تأويله ذلك انتهى‏.‏
لكن ادعى أبو العباس الداني في ‏"‏ أطراف الموطأ ‏"‏ أن التفسير المذكور مدرج في الحديث، ولم يذكر مستندا لذلك‏.‏
ثم وجدت في ‏"‏ كتاب العسكري في الصحابة ‏"‏ بإسناد له فيه انقطاع عن ابن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان ‏"‏ إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ اليد العليا خير من اليد السفلى، ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة، ولا العليا إلا المعطية ‏"‏ فهذا يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال ‏"‏ كنا نتحدث أن العليا هي المنفقة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وذكر الصدقة والتعفف والمسألة‏)‏ كذا للبخاري بالواو قبل المسألة‏.‏
وفي رواية مسلم عن قتيبة عن مالك ‏"‏ والتعفف عن المسألة ‏"‏ ولأبي داود ‏"‏ والتعفف منها ‏"‏ أي من أخذ الصدقة، والمعنى أنه كان يحض الغني على الصدقة والفقير على التعفف عن المسألة أو يحضه على التعفف ويذم المسألة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاليد العليا هي المنفقة‏)‏ قال أبو داود قال الأكثر عن حماد بن زيد‏:‏ المنفقة‏.‏
وقال واحد عنه‏:‏ المتعففة، وكذا قال عبد الوارث عن أيوب انتهى‏.‏
فأما الذي قال عن حماد المتعففة بالعين وفاءين فهو مسدد، كذلك رويناه عنه في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه، ومن طريقه أخرجه ابن عبد البر في ‏"‏ التمهيد‏"‏، وقد تابعه على ذلك أبو الربيع الزهراني كما رويناه في ‏"‏ كتاب الزكاة ليوسف بن يعقوب القاضي ‏"‏ حدثنا أبو الربيع‏.‏
وأما رواية عبد الوارث فلم أقف عليها موصولة‏.‏
وقد أخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق سليمان بن حرب عن حماد بلفظ ‏"‏ واليد العليا يد المعطي ‏"‏ وهذا يدل على أن من رواه عن نافع بلفظ ‏"‏ المتعففة ‏"‏ فقد صحف‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ ورواه موسى بن عقبة عن نافع فاختلف عليه أيضا، فقال حفص بن ميسرة عنه ‏"‏ المنفقة ‏"‏ كما قال مالك‏.‏
قلت‏:‏ وكذلك قال فضيل بن سليمان عنه أخرجه ابن حبان من طريقه قال‏:‏ ورواه إبراهيم بن طهمان عن موسى فقال ‏"‏ المنفقة ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ رواية مالك أولى وأشبه بالأصول‏.‏
ويؤيده حديث طارق المحاربي عند النسائي قال ‏"‏ قدمنا المدينة فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول‏:‏ يد المعطي العليا ‏"‏ انتهى‏.‏
ولابن أبي شيبة والبزار من طريق ثعلبة بن زهدم مثله، وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعا ‏"‏ يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطى، ويد المعطى أسفل الأيدي ‏"‏ وللطبراني من حديث عدي الجذامي مرفوعا مثله، ولأبي داود وابن خزيمة من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك عن أبيه مرفوعا ‏"‏ الأيدي ثلاثة‏:‏ فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى ‏"‏ ولأحمد والبزار من حديث عطية السعدي ‏"‏ اليد المعطية هي العليا، والسائلة هي السفلى ‏"‏ فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية وأن السفلى هي السائلة، وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور‏.‏
وقيل اليد السفلى الآخذة سواء كان بسؤال أم بغير سؤال، وهذا أباه قوم واستندوا إلى أن الصدقة تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه‏.‏
قال ابن العربي‏:‏ التحقيق أن السفلى يد السائل، وأما يد الآخذ فلا، لأن يد الله هي المعطية ويد الله هي الآخذة وكلتاهما عليا وكلتاهما يمين انتهى‏.‏
وفيه نظر لأن البحث إنما هو في أيدي الآدميين، وأما يد الله تعالى فباعتبار كونه مالك كل شيء نسبت يده إلى الإعطاء، وباعتبار قبوله للصدقة ورضاه بها نسبت يده إلى الأخذ ويده العليا على كل حال، وأما يد الآدمي فهي أربعة‏:‏ يد المعطي، وقد تضافرت الأخبار بأنها عليا‏.‏
ثانيها يد السائل، وقد تضافرت بأنها سفلى سواء أخذت أم لا، وهذا موافق لكيفية الإعطاء والأخذ غالبا وللمقابلة بين العلو والسفل المشتق منهما‏.‏
ثالثها يد المتعفف عن الأخذ ولو بعد أن تمد إليه يد المعطي مثلا، وهذه توصف بكونها عليا علوا معنويا‏.‏
رابعها يد الآخذ بغير سؤال، وهذه قد اختلف فيها فذهب جمع إلى أنها سفلى، وهذا بالنظر إلى الأمر المحسوس، وأما المعنوي فلا يطرد فقد تكون عليا في بعض الصور، وعليه يحمل كلام من أطلق كونها عليا‏.‏
قال ابن حبان‏:‏ اليد المتصدقة أفضل من السائلة لا الآخذة بغير سؤال، إذ محال أن تكون اليد التي أبيح لها استعمال فعل باستعماله، دون من فرض عليه إتيان شيء فأتى به أو تقرب إلى ربه متنفلا، فربما كان الآخذ لما أبيح له أفضل وأورع من الذي يعطي انتهى‏.‏
وعن الحسن البصري‏:‏ اليد العليا المعطية والسفلى المانعة ولم يوافق عليه‏.‏
وأطلق آخرون من المتصوفة أن اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقا، وقد حكى ابن قتيبة في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ ذلك عن قوم ثم قال‏:‏ وما أرى هؤلاء إلا قوما استطابوا السؤال فهم يحتجون للدناءة، ولو جاز هذا لكان المولى من فوق هو الذي كان رقيقا فأعتق والمولى من أسفل هو السيد الذي أعتقه انتهى‏.‏
وقرأت في ‏"‏ مطلع الفوائد ‏"‏ للعلامة جمال الدين بن نباتة في تأويل الحديث المذكور معنى آخر فقال‏:‏ اليد هنا هي النعمة، وكأن المعنى أن العطية الجزيلة خير من العطية القليلة‏.‏
قال‏:‏ وهذا حث على المكارم بأوجز لفظ، ويشهد له أحد التأويلين في قوله ‏"‏ ما أبقت غنى ‏"‏ أي ما حصل به للسائل غنى عن سؤاله كمن أراد أن يتصدق بألف فلو أعطاها لمائة إنسان لم يظهر عليهم الغنى، بخلاف ما لو أعطاها لرجل واحد‏.‏
قال‏:‏ وهو أولى من حمل اليد على الجارحة، لأن ذلك لا يستمر إذ فيمن يأخذ من هو خير عند الله ممن يعطي‏.‏
قلت‏:‏ التفاضل هنا يرجع إلى الإعطاء والأخذ، ولا يلزم منه أن يكون المعطي أفضل من الآخذ على الإطلاق‏.‏
وقد روى إسحاق في مسنده من طريق عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير ‏"‏ أن حكيم بن حزام قال‏:‏ يا رسول الله، ما اليد العليا‏؟‏ قال‏:‏ التي تعطي ولا تأخذ ‏"‏ فقوله ‏"‏ ولا تأخذ ‏"‏ صريح في أن الآخذة ليست بعليا والله أعلم‏.‏
وكل هذه التأويلات المتعسفة تضمحل عند الأحاديث المتقدمة المصرحة بالمراد، فأولى ما فسر الحديث بالحديث، ومحصل ما في الآثار المتقدمة أن أعلى الأيدي المنفقة، ثم المتعففة عن الآخذ، ثم الآخذة بغير سؤال‏.‏
وأسفل الأيدي السائلة والمانعة والله أعلم‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ وفي الحديث إباحة الكلام للخطيب بكل ما يصلح من موعظة وعلم وقربة‏.‏
وفيه الحث على الإنفاق في وجوه الطاعة‏.‏
وفيه تفضيل الغنى مع القيام بحقوقه على الفقر، لأن العطاء إنما يكون مع الغنى، وقد تقدم الخلاف في ذلك في حديث ‏"‏ ذهب أهل الدثور ‏"‏ في أواخر صفة الصلاة‏.‏
وفيه كراهة السؤال والتنفير عنه، ومحله إذا لم تدع إليه ضرورة من خوف هلاك ونحوه‏.‏
وقد روى الطبراني من حديث ابن عمر بإسناد فيه مقال مرفوعا ‏"‏ ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا ‏"‏ وسيأتي حديث حكيم مطولا في ‏"‏ باب الاستعفاف عن المسألة ‏"‏ وفيه بيان سببه إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:13 AM
*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب الْمَنَّانِ بِمَا أَعْطَى لِقَوْلِهِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى الْآيَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المنان بما أعطى، لقوله تعالى ‏(‏الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى‏)‏ الآية‏)‏ هذه الترجمة ثبتت في رواية الكشميهني وحده بغير حديث، وكأنه أشار إلى ما رواه مسلم من حديث أبي ذر مرفوعا ‏"‏ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة المنان الذي لا يعطي شيئا إلا من به ‏"‏ الحديث، ولما لم يكن على شرطه اقتصر على الإشارة إليه‏.‏
ومناسبة الآية للترجمة واضحة من جهة أن النفقة في سبيل الله لما كان المان بها مذموما كان ذم المعطي في غيرها من باب الأولى‏.‏
قال القرطبي‏:‏ المن غالبا يقع من البخيل والمعجب، فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها، والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه منعم بماله على المعطي وإن كان أفضل منه في نفس الأمر، وموجب ذلك كله الجهل ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه، ولو نظر مصيره لعلم أن المنة للآخذ لما يترتب له من الفوائد‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب مَنْ أَحَبَّ تَعْجِيلَ الصَّدَقَةِ مِنْ يَوْمِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها‏)‏ ذكر فيه حديث عقبة بن الحارث ‏"‏ صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العصر فأسرع، ثم دخل البيت ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به، فإن الآفات تعرض والموانع تمنع والموت لا يؤمن والتسويف غير محمود، زاد غيره‏:‏ وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب‏.‏
وقد تقدمت بقية فوائده في أواخر صفة الصلاة‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ ترجم المصنف بالاستحباب وكان يمكن أن يقول كراهة تبييت الصدقة لأن الكراهة صريحة في الخبر، واستحباب التعجيل مستنبط من قرائن سياق الخبر حيث أسرع في الدخول والقسمة، فجرى على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَأَسْرَعَ ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ فَقُلْتُ أَوْ قِيلَ لَهُ فَقَالَ كُنْتُ خَلَّفْتُ فِي الْبَيْتِ تِبْرًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُبَيِّتَهُ فَقَسَمْتُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أبيته‏)‏ أي أتركه حتى يدخل عليه الليل، يقال بات الرجل دخل في الليل، وبيته تركه حتى دخل الليل‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها‏)‏ قال الزين بن المنير يجتمع التحريض والشفاعة في أن كلا منهما إيصال الراحة للمحتاج، ويفترقان في أن التحريض معناه الترغيب بذكر ما في الصدقة من الأجر، والشفاعة فيها معنى السؤال والتقاضي للإجابة انتهى، ويفترقان بأن الشفاعة لا تكون إلا في خير، بخلاف التحريض، وبأنها قد تكون بغير تحريض‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَدِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ ثُمَّ مَالَ عَلَى النِّسَاءِ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُلْبَ وَالْخُرْصَ
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس في تحريض النساء على الصدقة، وقد تقدم مبسوطا في العيدين‏.‏
وقوله‏:‏ ‏"‏ عن عدي ‏"‏ هو ابن ثابت، وقوله ‏"‏القلب ‏"‏ بضم القاف وسكون اللام آخرها موحدة هو السوار وقيل هو مخصوص بما كان من عظم‏.‏
و ‏"‏ الخرص ‏"‏ بضم المعجمة وسكون الراء بعدها مهملة هي الحلقة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ
الشرح‏:‏
حديث أبي موسى ‏"‏ اشفعوا تؤجروا ‏"‏ قد أورد في ‏"‏ باب الشفاعة ‏"‏ من كتاب الأدب، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
وعبد الواحد في الإسناد هو ابن زياد، قال ابن بطال‏:‏ المعنى اشفعوا يحصل لكم الأجر مطلقا، سواء قضيت الحاجة أو لا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدَةَ وَقَالَ لَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ
الشرح‏:‏
حديث أسماء وهي بنت أبي بكر الصديق ‏"‏ لا توكي فيوكى عليك ‏"‏ كذا عنده بفتح الكاف ولم يذكر الفاعل‏.‏
وفي رواية له ‏"‏ لا تحصي فيحصي الله عليك ‏"‏ فأبرز الفاعل، وكلاهما بالنصب لكونه جواب النهي وبالفاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عبدة‏)‏ هو ابن سليمان، وهشام هو ابن عروة، وفاطمة هي بنت المنذر بن الزبير وهي زوج هشام، وأسماء جدتهما لأبويهما‏.‏
وقوله ‏"‏حدثنا عثمان عن عبدة ‏"‏ أي بإسناده المذكور، ويحتمل أن يكون الحديث كان عند عبدة عن هشام باللفظين فحدث به تارة هكذا وتارة هكذا، وقد رواه النسائي والإسماعيلي من طريق أبي معاوية عن هشام باللفظين معا، وسيأتي في الهبة عند المصنف من طريق ابن نمير عن هشام باللفظين، لكن بعين مهملة بدل الكاف، وهو بمعناه، يقال أوعيت المتاع في الوعاء أوعيه إذا جعلته فيه، ووعيت الشيء حفظته، وإسناد الوعي إلى الله مجاز عن الإمساك‏.‏
والإيكاء شد رأس الوعاء بالوكاء وهو الرباط الذي يربط به، والإحصاء معرفة قدر الشيء وزنا أو عددا، وهو من باب المقابلة، والمعنى النهي عن منع الصدقة خشية النفاد، فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة، لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب، ومن لا يحاسب عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء، ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب‏.‏
وقيل‏:‏ المراد بالإحصاء عد الشيء لأن يدخر ولا ينفق منه، وأحصاه الله قطع البركة عنه أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه في الآخرة‏.‏
وسيأتي ذكر سبب هذا الحديث في كتاب الهبة مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ قد تخفى مناسبة حديث أسماء لهذه الترجمة، وليس بخاف على الفطن ما فيه من معنى التحريض والشفاعة معا فإنه يصلح أن يقال في كل منهما، وهذه هي النكتة في ختم الباب به‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب الصَّدَقَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة فيما استطاع‏)‏ أورد فيه حديث أسماء المذكور من وجه آخر عنها من وجهين، وساقه هنا على لفظ حجاج بن محمد لخلو طريق أبي عاصم من التقييد بالاستطاعة، وسيأتي في الهبة بلفظ أبي عاصم وسياقه أتم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ
الشرح‏:‏
قوله ‏"‏ارضخي ‏"‏ بكسر الهمزة من الرضخ بمعجمتين وهو العطاء اليسير، فالمعنى أنفقي بغير إجحاف ما دمت قادرة مستطيعة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب الصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة تكفر الخطيئة‏)‏ أورد فيه حديث حذيفة ‏"‏ فتنة الرجل في أهله وولده تكفرها الصلاة والصدقة ‏"‏ الحديث، وقد تقدم في باب الصلاة، وسيأتي الكلام عليه مبسوطا في علامات النبوة إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من تصدق في الشرك ثم أسلم‏)‏ أي هل يعتد له بثواب ذلك أو لا‏؟‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يبت الحكم من أجل قوة الاختلاف فيه‏.‏
قلت‏:‏ وقد تقدم البحث في ذلك مستوفى في كتاب الإيمان في الكلام على حديث ‏"‏ إذا أسلم العبد فحسن إسلامه ‏"‏ وأنه لا مانع من أن الله يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه في الكفر تفضلا وإحسانا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أتحنث‏)‏ بالمثلثة أي أتقرب، والحنث في الأصل الإثم، وكأنه أراد ألقي عني الإثم‏.‏
ولما أخرج البخاري هذا الحديث في الأدب عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري قال في آخره‏:‏ ويقال أيضا عن أبي اليمان أتحنت يعني بالمثناة‏.‏
ونقل عن أبي إسحاق أن التحنت التبرر، قال‏:‏ وتابعه هشام بن عروة عن أبيه‏.‏
وحديث هشام أورده في العتق بلفظ ‏"‏ كنت أتحنت بها ‏"‏ يعني أتبرر بها‏.‏
قال عياض‏:‏ رواه جماعة من الرواة في البخاري بالمثلثة وبالمثناة، وبالمثلثة أصح رواية ومعنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من صدقة أو عتاقة أو صلة‏)‏ كذا هنا بلفظ ‏"‏ أو ‏"‏ وفي رواية شعيب المذكورة بالواو في الموضعين، وسقط لفظ ‏"‏ الصدقة ‏"‏ من رواية عبد الرزاق عن معمر‏.‏
وفي رواية هشام المذكورة أنه أعتق في الجاهلية مائتي رقبة، وحمل على مائتي بعير‏.‏
وزاد في آخره ‏"‏ فوالله لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسلمت على ما سلف من خير‏)‏ قال المازري‏:‏ ظاهره أن الخير الذي أسلفه كتب له، والتقدير أسلمت على قبول ما سلف لك من خير‏.‏
وقال الحربي‏:‏ معناه ما تقدم لك من الخير الذي عملته هو لك، كما تقول أسلمت على أن أحوز لنفسي ألف درهم، وأما من قال إن الكافر لا يثاب فحمل معنى الحديث على وجوه أخرى منها أن يكون المعنى أنك بفعلك ذلك اكتسبت طباعا جميلة فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام، وتكون تلك العادة قد مهدت لك معونة على فعل الخير، أو أنك اكتسبت بذلك ثناء جميلا فهو باق لك في الإسلام، أو أنك ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادئ عنوان الغايات، أو أنك بتلك الأفعال رزقت الرزق الواسع‏.‏
قال ابن الجوزي‏:‏ قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم ورى عن جوابه، فإنه سأل‏:‏ هل لي فيها من أجر‏؟‏ فقال‏:‏ أسلمت على ما سلف من خير‏.‏
والعتق فعل خير، كأنه أراد أنك فعلت الخير والخير يمدح فاعله ويجازى عليه في الدنيا، فقد روى مسلم من حديث أنس مرفوعا ‏"‏ أن الكافر يثاب في الدنيا بالرزق على ما يفعله من حسنة‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب أَجْرِ الْخَادِمِ إِذَا تَصَدَّقَ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد‏)‏ قال ابن العربي‏:‏ اختلف السلف فيما إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها، فمنهم من أجازه لكن في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له ولا يظهر به النقصان‏.‏
ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الإجمال، وهو اختيار البخاري، ولذلك قيد الترجمة بالأمر به‏.‏
ويحتمل أن يكون ذلك محمولا على العادة، وأما التقييد بغير الإفساد فمتفق عليه‏.‏
ومنهم من قال‏:‏ المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه، وليس ذلك بأن يفتئتوا على رب البيت بالإنفاق على الفقراء بغير إذن، ومنهم من فرق بين المرأة والخادم فقال‏:‏ المرأة لها حق في مال الزوج والنظر في بيتها فجاز لها أن تتصدق، بخلاف الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه فيشترط الإذن فيه‏.‏
وهو متعقب بأن المرأة إذا استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به، وإن تصدقت من غير حقها رجعت المسألة كما كانت والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِك
الشرح‏:‏
حديث عائشة وسيأتي في الباب الذي بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الْأَمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ وَرُبَّمَا قَالَ يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ
الشرح‏:‏
حديث أبي موسى، وقد قيد الخازن فيه بكونه مسلما فأخرج الكافر لأنه لا نية له، وبكونه أمينا فأخرج الخائن لأنه مأزور‏.‏
ورتب الأجر على إعطائه ما يؤمر به غير ناقص لكونه خائنا أيضا، وبكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية فيفقد الأجر وهي قيود لا بد منها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الذي ينفذ‏)‏ بفاء مكسورة مثقلة ومخففة‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:18 AM
باب أجر المرأة إِذَا تَصَدَّقَتْ أَوْ أَطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة‏)‏ قد تقدمت مباحثه في الذي قبله، ولم يقيده بالأمر كما قيد الذي قبله فقيل‏:‏ إنه فرق بين المراة والخادم بأن المرأة لها أن تتصرف في بيت زوجها بما ليس فيه إفساد للرضا بذلك في الغالب، بخلاف الخادم الخازن‏.‏
ويدل على ذلك ما رواه المصنف من حديث همام عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره ‏"‏ وسيأتي في البيوع وأورد فيه المصنف حديث عائشة المذكور من ثلاثة طرق تدور على أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق عنها‏:‏ أولها شعبة عن منصور والأعمش عنه ولم يسق لفظه بتمامه، ثانيها حفص بن غياث عن الأعمش وحده‏.‏
ثالثها جرير عن منصور وحده، ولفظ الأعمش ‏"‏ إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها ‏"‏ ولفظ منصور ‏"‏ إذا أنفقت من طعام بيتها ‏"‏ وقد أورده الإسماعيلي من حديث شعبة ولفظه ‏"‏ إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كتب لها أجر ولزوجها مثل ذلك وللخازن مثل ذلك لا ينقص كل واحد منهم من أجر صاحبه شيئا، للزوج بما اكتسب ولها بما أنفقت غير مفسدة ‏"‏ ولشعبة فيه إسناد آخر أورده الإسماعيلي أيضا من روايته عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عائشة ليس فيه مسروق وقد أخرجه الترمذي بالإسنادين وقال‏:‏ إن رواية منصور والأعمش بذكر مسروق فيه أصح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْنِي إِذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَطْعَمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا وَلَهُ مِثْلُهُ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَهُ بِمَا اكْتَسَبَ وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وله مثله‏)‏ أي مثل أجرها ‏(‏وللخازن مثل ذلك‏)‏ أي بالشروط المذكورة في حديث أبي موسى، وظاهره يقتضي تساويهم في الأجر، ويحتمل أن يكون المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة وإن كان أجر الكاسب أوفر، لكن التعبير في حديث أبي هريرة الذي ذكرته بقوله ‏"‏ فلها نصف أجره ‏"‏ يشعر بالتساوي، وقد سبق قبل بستة أبواب من طريق جرير أيضا وزاد في آخره ‏"‏ لا ينقص بعضهم أجر بعض ‏"‏ والمراد عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر، ويحتمل أن يراد مساواة بعضهم بعضا والله أعلم‏.‏
وفي الحديث فضل الأمانة، وسخاوة النفس، وطيب النفس في فعل الخير، والإعانة على فعل الخير‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَ مَالٍ خَلَفًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ ‏(‏فأما من أعطى واتقى‏)‏ الآية‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ أدخل هذه الترجمة بين أبواب الترغيب في الصدقة ليفهم أن المقصود الخاص بها الترغيب في الإنفاق في وجوه البر، وإن ذلك موعود عليه بالخلف في العاجل زيادة على الثواب الأجل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اللهم أعط منفق مال خلفا‏)‏ قال الكرماني‏:‏ هو معطوف على الآية وحذف أداة العطف كثير، وهو مذكور على سبيل البيان للحسنى، أي تيسير الحسنى له إعطاء الخلف‏.‏
قلت‏:‏ قد أخرج الطبري من طرق متعددة عن ابن عباس في هذه الآية قال‏:‏ أعطى مما عنده واتقى ربه وصدق بالخلف من الله تعالى‏.‏
ثم حكى عن غيره أقوالا أخرى قال‏:‏ وأشبهها بالصواب قول ابن عباس‏.‏
والذي يظهر لي أن البخاري أشار بذلك إلى سبب نزول الآية المذكورة، وهو بين فيما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق قتادة ‏"‏ حدثني خالد العصري عن أبي الدرداء مرفوعا ‏"‏ نحو حديث أبي هريرة المذكور في الباب، وزاد في آخره‏:‏ فأنزل الله في ذلك ‏(‏فأما من أعطى واتقى - إلى قوله - للعسرى‏)‏ وهو عند أحمد من هذا الوجه، لكن ليس فيه آخره‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏ منفق مال ‏"‏ بالإضافة ولبعضهم ‏"‏ منفقا مالا خلفا ‏"‏ ومالا مفعول منفق بدليل رواية الإضافة ولولاها احتمل أن يكون مفعول أعطى، والأول أولى من جهة أخرى وهي أن سياق الحديث للحض على إنفاق المال فناسب أن يكون مفعول منفق، وأما الخلف فإبهامه أولى ليتناول المال والثواب‏:‏ وغيرهما، وكم من متق مات قبل أن يقع له الخلف المالي فيكون خلفة الثواب المعد له في الآخرة، أو يدفع عنه من السوء ما يقابل ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل حدثني أخي‏)‏ هو أبو بكر بن أبي أويس، وسليمان هو ابن بلال، وأبو الحباب بضم المهملة وموحدتين الأولى خفيفة وسماه مسلم في روايته سعيد بن يسار وهو عم معاوية الراوي عنه، ومزرد بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء الثقيلة واسم أبي مزرد عبد الرحمن، وهذا الإسناد كله مدنيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما من يوم‏)‏ في حديث أبي الدرداء ‏"‏ ما من يوم طلعت فيه الشمس إلا وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعه خلق الله كلهم ‏"‏ إلا الثقلين‏:‏ يا أيها الناس، هلموا إلى ربكم، إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولا غربت شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان ‏"‏ فذكر مثل حديث أبي هريرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا ملكا‏)‏ في حديث أبي الدرداء ‏"‏ إلا وبجنبتيها ملكان ‏"‏ والجنبة بسكون النون الناحية، وقوله ‏"‏خلفا ‏"‏ أي عوضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أعط ممسكا تلفا‏)‏ التعبير بالعطية في هذه للمشاكلة، لأن التلف ليس بعطية‏.‏
وأفاد حديث أبي هريرة أن الكلام المذكور موزع بينهما، فنسب إليهما في حديث أبي الدرداء نسبة المجموع إلى المجموع، وتضمنت الآية الوعد بالتيسير لمن ينفق في وجوه البر، والوعيد بالتعسير لعكسه‏.‏
والتيسير المذكور أعم من أن يكون لأحوال الدنيا أو لأحوال الآخرة، وكذا دعاء الملك بالخلف يحتمل الأمرين، وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه أو تلف نفس صاحب المال، والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها‏.‏
قال النووي‏:‏ الإنفاق الممدوح ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ وهو يعم الواجبات والمندوبات، لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ولو أخرجه‏.‏
وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في قوله في حديث أبي موسى ‏"‏ طيبة بها نفسه ‏"‏ والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:22 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب مَثَلِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْبَخِيلِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مثل المتصدق والبخيل‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ قام التمثيل في خبر الباب مقام الدليل على تفضيل المتصدق على البخيل، فاكتفى المصنف بذلك عن أن يضمن الترجمة مقاصد الخبر على التفصيل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ و حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلَا يُنْفِقُ إِلَّا سَبَغَتْ أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلَا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلَّا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلَا تَتَّسِعُ تَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ فِي الْجُبَّتَيْنِ وَقَالَ حَنْظَلَةُ عَنْ طَاوُسٍ جُنَّتَانِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُنَّتَانِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى‏)‏ هو ابن إسماعيل التبوذكي، وابن طاوس اسمه عبد الله‏.‏
ولم يسق المتن من هذه الطريق الأولى هنا، وقد أورده في الجهاد عن موسى بهذا الإسناد فساقه بتمامه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن عبد الرحمن‏)‏ هو ابن هرمز الأعرج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثل البخيل والمنفق‏)‏ وقع عند مسلم من طريق سفيان عن أبي الزناد ‏"‏ مثل المنفق والمتصدق ‏"‏ قال عياض‏:‏ وهو وهم، ويمكن أن يكون حذف مقابله لدلالة السياق عليه‏.‏
قلت قد رواه الحميدي وأحمد وابن أبي عمر وغيرهم في مسانيدهم عن ابن عيينة فقالوا في روايتهم ‏"‏ مثل المنفق والبخيل ‏"‏ كما في رواية شعيب عن أبي الزناد وهو الصواب، ووقع في رواية الحسن بن مسلم عن طاوس ‏"‏ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق ‏"‏ أخرجها المصنف في اللباس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عليهما جبتان من حديد‏)‏ كذا في هذه الرواية بضم الجيم بعدها موحدة، ومن رواه فيها بالنون فقد صحف، وكذا رواية الحسن بن مسلم، ورواه حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن طاوس بالنون ورجحت لقوله ‏"‏ من حديد ‏"‏ والجنة في الأصل الحصن، وسميت بها الدرع لأنها تجن صاحبها أي تحصنه، والجبة بالموحدة ثوب مخصوص، ولا مانع من إطلاقه على الدرع‏.‏
واختلف في رواية الأعرج والأكثر على أنها بالموحدة أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من ثديهما‏)‏ بضم المثلثة جمع ثدي، و ‏(‏تراقيهم‏)‏ بمثناة وقاف جمع ترقوة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سبغت‏)‏ أي امتدت وغطت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو وفرت‏)‏ شك من الراوي، وهو بتخفيف الفاء من الوفور، ووقع في رواية الحسن بن مسلم ‏"‏ انبسطت ‏"‏ وفي رواية الأعرج ‏"‏ اتسعت عليه ‏"‏ وكلها متقاربة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تخفي بنانه‏)‏ أي تستر أصابعه‏.‏
وفي رواية الحميدي ‏"‏ حتى تجن ‏"‏ بكسر الجيم وتشديد النون وهي بمعنى تخفي، وذكرها الخطابي في شرحه للبخاري كرواية الحميدي، وبنانه بفتح الموحدة ونونين الأولى خفيفة‏:‏ الإصبع، ورواه بعضهم ‏"‏ ثيابه ‏"‏ بمثلثة وبعد الألف موحدة وهو تصحيف‏.‏
وقد وقع في رواية الحسن بن مسلم ‏"‏ حتى تغشي - بمعجمتين - أنامله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتعفو أثره‏)‏ بالنصب أي تستر أثره، يقال عفا الشيء وعفوته أنا لازم ومتعد، ويقال عفت الدار إذا غطاها التراب، والمعنى أن الصدقة تستر خطاياه كما يغطي الثوب الذي يجر على الأرض أثر صاحبه إذا مشى بمرور الذيل عليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لزقت‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ انقبضت ‏"‏ وفي رواية همام ‏"‏ غاصت كل حلقة مكانها ‏"‏ وفي رواية سفيان عند مسلم ‏"‏ قلصت ‏"‏ وكذا في رواية الحسن بن مسلم عند المصنف، والمفاد واحد لكن الأولى نظر فيها إلى صورة الضيق والأخيرة نظر فيها إلى سبب الضيق‏.‏
وزعم ابن التين أن فيه إشارة إلى أن البخيل يكوى بالنار يوم القيامة، قال الخطابي وغيره‏:‏ وهذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للبخيل والمتصدق، فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعا يستتر به من سلاح عدوه، فصبها على رأسه ليلبسها، والدروع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميها، فجعل المنفق كمن لبس درعا سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه، وهو معنى قوله ‏"‏ حتى تعفو أثره ‏"‏ أي تستر جميع بدنه‏.‏
وجعل البخيل كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه، كلما أراد لبسها اجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته، وهو معني قوله ‏"‏ قلصت ‏"‏ أي تضامنت واجتمعت، والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح لها صدره وطابت نفسه فتوسعت في الإنفاق، والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه فضاق صدره وانقبضت يداه ‏(‏ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون‏)‏ ‏.‏
وقال المهلب‏:‏ المراد أن الله يستر المنفق في الدنيا والآخرة، بخلاف البخيل فإنه يفضحه‏.‏
ومعنى تعفو أثره تمحو خطاياه‏.‏
وتعقبه عياض بأن الخبر جاء على التمثيل لا على الإخبار عن كائن‏.‏
قال‏:‏ وقيل هو تمثيل لنماء المال بالصدقة، والبخل بضده‏.‏
وقيل تمثيل لكثرة الجود والبخل، وأن المعطي إذا أعطى انبسطت يداه بالعطاء وتعود ذلك، وإذا أمسك صار ذلك عادة‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ قيد المشبه به بالحديد إعلاما بأن القبض والشدة من جبلة الإنسان، وأوقع المتصدق موقع السخي لكونه جعله في مقابلة البخيل إشعارا بأن السخاء هو ما أمر به الشارع وندب إليه من الإنفاق لا ما يتعاناه المسرفون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فهو يوسعها ولا تتسع‏)‏ ، وقع في رواية سفيان عند مسلم ‏"‏ قال أبو هريرة فهو يوسعها ولا تتسع ‏"‏ وهذا يوهم أن يكون مدرجا وليس كذلك، وقد وقع التصريح برفع هذه الجملة في طريق طاوس عن أبي هريرة‏:‏ ففي رواية ابن طاوس عند المصنف في الجهاد ‏"‏ فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ فيجتهد أن يوسعها ولا تتسع ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره‏.‏
وفي رواية الحسن بن مسلم عندهما ‏"‏ فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتسع ‏"‏ ووقع عند أحمد من طريق ابن إسحاق عن أبي الزناد في الحديث ‏"‏ وأما البخيل فإنها لا تزداد عليه إلا استحكاما ‏"‏ وهذا بالمعنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه الحسن بن مسلم عن طاوس‏)‏ وصله المصنف في اللباس من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال حنظلة عن طاوس‏)‏ ذكره في اللباس أيضا تعليقا بلفظ ‏"‏ وقال حنظلة سمعت طاوسا سمعت أبا هريرة ‏"‏ وقد وصله الإسماعيلي من طريق إسحاق الأزرق عن حنظلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث حدثني جعفر‏)‏ هو ابن ربيعة، وابن هرمز هو عبد الرحمن الأعرج، ولم تقع في رواية الليث موصولة إلى الآن، وقد رأيته عنه بإسناد آخر أخرجه ابن حبان من طريق عيسى ابن حماد عن الليث عن ابن عجلان عن أبي الزناد بسنده‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب صَدَقَةِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صدقة الكسب والتجارة، لقوله تعالى ‏(‏يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم‏)‏ الآية إلى قوله حميد‏)‏ هكذا أورد هذه الترجمة مقتصرا على الآية بغير حديث، وكأنه أشار إلى ما رواه شعبة عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية ‏(‏يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم‏)‏ قال‏:‏ من التجارة الحلال أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق آدم عنه، وأخرجه الطبري من طريق هشيم عن شعبة ولفظه ‏(‏من طيبات ما كسبتم‏)‏ قال‏:‏ من التجارة، ‏(‏ومما أخرجنا لكم من الأرض‏)‏ قال‏:‏ من الثمار‏.‏
ومن طريق أبي بكر الهذلي عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي قال في قوله‏:‏ ‏(‏وهما أخرجنا لكم من الأرض‏)‏ قال‏:‏ يعني من الحب والتمر كل شيء عليه زكاة‏.‏
قال الزين بن المنير لم يقيد الكسب في الترجمة بالطيب كما في الآية استغناء عن ذلك بما قدم في ترجمة ‏"‏ باب الصدقة من كسب طيب‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب على كل مسلم صدقة، فمن لم يجد فليعمل بالمعروف‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ نصب هذه الترجمة علما على الخبر مقتصرا على بعض ما فيه إيجازا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سعيد بن أبي بردة‏)‏ أي ابن أبي موسى الأشعري‏.‏
ووقع التصريح به عند أبي عوانة في صحيحه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على كل مسلم صدقة‏)‏ أي على سبيل الاستحباب المتأكد أو على ما هو أعم من ذلك، والعبارة صالحة للإيجاب والاستحباب كقوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏ على المسلم ست خصال ‏"‏ فذكر‏.‏
منها ما هو مستحب اتفاقا، وزاد أبو هريرة في حديثه تقييد ذلك بكل يوم كما سيأتي في الصلح من طريق همام عنه، ولمسلم من حديث أبي ذر مرفوعا ‏"‏ يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ‏"‏ والسلامى بضم المهملة وتخفيف اللام‏:‏ المفصل، وله في حديث عائشة ‏"‏ خلق الله كل إنسان من بني آدم على ستين وثلثمائة مفصل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد‏)‏ كأنهم فهموا من لفظ الصدقة العطية فسألوا عمن ليس عنده شيء، فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو أعم من ذلك ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف، وهل تلتحق هذه الصدقة بصدقة التطوع التي تحسب يوم القيامة من الفرض الذي أخل به‏؟‏ فيه نظر، الذي يظهر أنها غيرها لما تبين من حديث عائشة المذكور أنها شرعت بسبب عتق المفاصل حيث قال في آخر هذا الحديث ‏"‏ فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الملهوف‏)‏ أي المستغيث وهو أعم من أن يكون مظلوما أو عاجزا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليعمل بالمعروف‏)‏ في رواية المصنف في الأدب من وجه آخر عن شعبة ‏"‏ فليأمر بالخير أو بالمعروف ‏"‏ زاد أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة ‏"‏ وينهى عن المنكر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وليمسك‏)‏ في روايته في الأدب ‏"‏ قالوا‏:‏ فإن لم يفعل‏؟‏ قال‏:‏ فليمسك عن الشر ‏"‏ وكذا لمسلم من طريق أبي أسامة عن شعبة وهو أصح سياقا، فظاهر سياق الباب أن الأمر بالمعروف والإمساك عن الشر رتبة واحدة، وليس كذلك بل الإمساك هو الرتبة الأخيرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإنها‏)‏ كذا وقع هنا بضمير المؤنث، وهو باعتبار الخصلة من الخير وهو الإمساك، ووقع في رواية الأدب‏:‏ فإنه أي الإمساك له أي للممسك‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ إنما يحصل ذلك للممسك عن الشر إذا نوى بالإمساك القربة، بخلاف محض الترك، والإمساك أعم من أن يكون عن غيره فكأنه تصدق عليه بالسلامة منه، فإن كان شره لا يتعدى نفسه فقد تصدق على نفسه بأن منعها من الإثم، قال‏:‏ وليس ما تضمنه الخبر من قوله ‏"‏ فإن لم يجد ‏"‏ ترتيبا، وإنما هو للإيضاح لما يفعله من عجز عن خصلة من الخصال المذكورة فإنه يمكنه خصلة أخرى، فمن أمكنه أن يعمل بيده فيتصدق وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويمسك عن الشر فليفعل الجميع، ومقصود هذا الباب أن أعمال الخير تنزل منزلة الصدقات في الأجر ولا سيما في حق من لا يقدر عليها‏.‏
ويفهم منه أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل من الأعمال القاصرة، ومحصل ما ذكر في حديث الباب أنه لا بد من الشفقة على خلق الله، وهي إما بالمال أو غيره، والمال إما حاصل أو مكتسب، وغير المال إما فعل وهو الإغاثة وإما ترك وهو الإمساك انتهى‏.‏
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به‏:‏ ترتيب هذا الحديث أنه ندب إلى الصدقة، وعند العجز عنها ندب إلى ما يقرب منها أو يقوم مقامها وهو العمل والانتفاع، وعند العجز عن ذلك ندب إلى ما يقوم مقامه وهو الإغاثة، وعند عدم ذلك ندب إلى فعل المعروف أي من سوى ما تقدم كإماطة الأذى، وعند عدم ذلك ندب إلى الصلاة، فإن لم يطق فترك الشر وذلك آخر المراتب‏.‏
قال‏:‏ ومعنى الشر هنا ما منعه الشرع، ففيه تسلية للعاجز عن فعل المندوبات إذا كان عجزه عن ذلك من غير اختيار‏.‏
قلت‏:‏ وأشار بالصلاة إلى ما وقع في آخر حديث أبي ذر عند مسلم ‏"‏ ويجزئ عن ذلك كله ركعتا الضحى ‏"‏ وهو يؤيد ما قدمناه أن هذه الصدقة لا يكمل منها ما يختل من الفرض، لأن الزكاة لا تكمل الصلاة ولا العكس فدل على افتراق الصدقتين‏.‏
واستشكل الحديث مع تقدم ذكر الأمر بالمعروف وهو من فروض الكفاية فكيف تجزئ عنه صلاة الضحى وهي من التطوعات‏؟‏ وأجيب بحمل الأمر هنا على ما إذا حصل من غيره فسقط به الفرض، وكأن في كلامه هو زيادة في تأكيد ذلك فلو تركه أجزأت عنه صلاة الضحى، كذا قيل وفيه نظر، والذي يظهر أن المراد أن صلاة الضحى تقوم مقام الثلثمائة وستين حسنة التي يستحب للمرء أن يسعى في تحصيلها كل يوم ليعتق مفاصله التي هي بعددها، لا أن المراد أن صلاة الضحى تغني عن الأمر بالمعروف وما ذكر معه، وإنما كان كذلك لأن الصلاة عمل بجميع الجسد فتتحرك المفاصل كلها فيها بالعبادة، ويحتمل أن يكون ذلك لكون الركعتين تشتملان على ثلثمائة وستين ما بين قول وفعل إذا جعلت كل حرف من القراءة مثلا صدقة، وكأن صلاة الضحى خصت بالذكر لكونها أول تطوعات النهار بعد الفرض وراتبته، وقد أشار في حديث أبي ذر إلى أن صدقة السلامى نهارية لقوله ‏"‏ يصبح على كل سلامى من أحدكم ‏"‏ وفي حديث أبي هريرة ‏"‏ كل يوم تطلع فيه الشمس ‏"‏ وفي حديث عائشة ‏"‏ فيمسي وقد زحزح نفسه عن النار ‏"‏ وفي الحديث أن الأحكام تجري على الغالب، لأن في المسلمين من يأخذ الصدقة المأمور بصرفها، وقد قال ‏"‏ على كل مسلم صدقة ‏"‏ وفيه مراجعة العالم في تفسير المجمل وتخصيص العام‏.‏
وفيه فضل التكسب لما فيه من الإعانة، وتقديم النفس على الغير والمراد بالنفس ذات الشخص وما يلزمه‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:25 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَنْ أَعْطَى شَاةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قدر كم يعطي من الزكاة والصدقة، ومن أعطى شاة‏)‏ أورد فيه حديث أم عطية في إهدائها الشاة التي تصدق بها عليها‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ عطف الصدقة على الزكاة من عطف العام على الخاص، إذ لو اقتصر على الزكاة لأفهم أن غيرها بخلافها، وحذف مفعول يعطي اختصارا لكونهم ثمانية أصناف، وأشار بذلك إلى الرد على من كره أن يدفع إلى شخص واحد قدر النصاب، وهو محكي عن أبي حنيفة‏.‏
وقال محمد بن الحسن‏:‏ لا بأس به انتهى‏.‏
وقال غيره‏:‏ لفظ الصدقة يعم الفرض والنفل، والزكاة كذلك لكنها لا تطلق غالبا إلا على المفروض دون التطوع فهي أخص من الصدقة من هذا الوجه، ولفظ الصدقة من حيث الإطلاق على الفرض مرادف الزكاة لا من حيث الإطلاق على النفل، وقد تكرر في الأحاديث لفظ الصدقة على المفروضة ولكن الأغلب التفرقة‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ بِشَاةٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْهَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْتُ لَا إِلَّا مَا أَرْسَلَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ فَقَالَ هَاتِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعث إلى نسيبة الأنصارية‏)‏ هي أم عطية كذا وقع في رواية ابن السكن عن الفربري عن البخاري في آخر هذا الحديث، وكان السياق يقتضي أن يقول ‏"‏ بعث إلي ‏"‏ بلفظ ضمير المتكلم المجرور كما وقع عند مسلم من طريق ابن علية عن خالد، لكنه في هذا السياق وضع الظاهر موضع المضمر إما تجريدا وإما التفاتا، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في ‏"‏ باب إذا حولت الصدقة ‏"‏ في أواخر كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب زَكَاةِ الْوَرِقِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب زكاة الورق‏)‏ أي الفضة، يقال ‏"‏ ورق ‏"‏ بفتح الواو وبكسرها وبكسر الراء وسكونها، قال ابن المنير‏:‏ لما كانت الفضة هي المال الذي يكثر دورانه في أيدي الناس ويروج بكل مكان كان أولى بأن يقدم على ذكر تفاصيل الأموال الزكوية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن يحيى المازني‏)‏ في موطأ ابن وهب ‏"‏ عن مالك أن عمرو بن يحيى حدثه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ في مسند الحميدي عن سفيان ‏"‏ سألت عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني فحدثني عن أبيه ‏"‏ وفي رواية يحيى بن سعيد وهو الأنصاري التي ذكرها المصنف عقب هذا الإسناد التصريح بسماع عمرو وهو ابن يحيى المذكور له من أبيه، وهذا هو السر في إيراده للإسناد خاصة، وقد حكى ابن عبد البر عن بعض أهل العلم أن حديث الباب لم يأت إلا من حديث أبي سعيد الخدري، قال‏:‏ وهذا هو الأغلب، إلا أنني وجدته من رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، ومن طريق محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن جابر انتهى‏.‏
ورواية سهيل في ‏"‏ الأموال لأبي عبيد ‏"‏ ورواية مسلم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن جابر، وجاء أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وأبي رافع ومحمد بن عبد الله بن جحش أخرج أحاديث الأربعة الدارقطني، ومن حديث ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة وأبو عبيد أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خمس ذود‏)‏ بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خمس أواق‏)‏ زاد مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد ‏"‏ خمس أواق من الورق صدقة ‏"‏ وهو مطابق للفظ الترجمة، وكأن المصنف أراد أن يبين بالترجمة ما أبهم في لفظ الحديث اعتمادا على الطريق الأخرى‏.‏
و ‏"‏ أواق ‏"‏ بالتنوين وبإثبات التحتانية مشددا ومخففا جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد التحتانية، وحكى اللحياني ‏"‏ وقية ‏"‏ بحذف الألف وفتح الواو‏.‏
ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالاتفاق، والمراد بالدرهم الخالص من الفضة سواء كان مضروبا أو غير مضروب، قال عياض قال أبو عبيد‏:‏ إن الدرهم لم يكن معلوم القدر حتى جاء عبد الملك بن مروان فجمع العلماء فجعلوا كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، قال‏:‏ وهذا يلزم منه أن يكون صلى الله عليه وسلم أحال بنصاب الزكاة على أمر مجهول وهو مشكل، والصواب أن معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن شيء منها من ضرب الإسلام وكانت مختلفة في الوزن بالنسبة إلى العدد، فعشرة مثلا وزن عشرة وعشرة وزن ثمانية، فاتفق الرأي على أن تنقش بكتابة عربية ويصير وزنها وزنا واحدا‏.‏
وقال غيره‏:‏ لم يتغير المثقال في جاهلية ولا إسلام، وأما الدرهم فأجمعوا على أن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم، ولم يخالف في أن نصاب الزكاة مائتا درهم يبلغ مائة وأربعين مثقالا من الفضة الخالصة إلا ابن حبيب الأندلسي فإنه انفرد بقوله‏:‏ إن كل أهل بلد يتعاملون بدراهمهم‏.‏
وذكر ابن عبد البر اختلافا في الوزن بالنسبة إلى دراهم الأندلس وغيرها من دراهم البلاد، وكذا خرق المريسي الإجماع فاعتبر النصاب بالعدد لا الوزن، وانفرد السرخسي من الشافعية بحكاية وجه في المذهب أن الدراهم المغشوشة إذا بلغت قدرا لو ضم إليه قيمة الغش من نحاس مثلا لبلغ نصابا فإن الزكاة تجب فيه كما نقل عن أبي حنيفة، واستدل بهذا الحديث على عدم الوجوب فيما إذا نقص من النصاب ولو حبة واحدة، خلافا لمن سامح بنقص يسير كما نقل عن بعض المالكية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أوسق‏)‏ جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها كما حكاه صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏ وجمعه حينئذ أوساق كحمل وأحمال، وقد وقع كذلك في رواية لمسلم، وهو ستون صاعا بالاتفاق، ووقع في رواية ابن ماجه من طريق أبي البختري عن أبي سعيد نحو هذا الحديث وفيه ‏"‏ والوسق ستون صاعا‏"‏، وأخرجها أبو داود أيضا لكن قال ‏"‏ ستون مختوما ‏"‏ والدارقطني من حديث عائشة أيضا والوسق ستون صاعا، ولم يقع في الحديث بيان المكيل بالأوسق لكن في رواية مسلم ‏"‏ ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ‏"‏ ولفظ ‏"‏ دون ‏"‏ في المواضع الثلاثة بمعنى أقل لا أنه نفى عن غير الخمس الصدقة كما زعم بعض من لا يعتد بقوله‏.‏
واستدل بهذا الحديث على وجوب الزكاة في الأمور الثلاثة، واستدل به على أن الزروع لا زكاة فيها حتى تبلغ خمسة أوسق، وعن أبي حنيفة تجب في قليله وكثيره لقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏فيما سقت السماء العشر ‏"‏ وسيأتي البحث في ذلك في باب مفرد إن شاء الله تعالى‏.‏
ولم يتعرض الحديث للقدر الزائد على المحدود، وقد أجمعوا في الأوساق على أنه لا وقص فيها، وأما الفضة فقال الجمهور هو كذلك، وعن أبي حنيفة لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ النصاب وهو أربعون فجعل لها وقصا كالماشية، واحتج عليه الطبراني بالقياس على الثمار والحبوب، والجامع كون الذهب والفضة مستخرجين من الأرض بكلفة ومؤونة، وقد أجمعوا على ذلك في خمسة أوسق فما زاد‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ أجمع العلماء على اشتراط الحول في الماشية والنقد دون المعشرات‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n143&p1#TOP)باب الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ
وَقَالَ طَاوُسٌ قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا وَلَمْ يَخُصَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْ الْعُرُوضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب العرض في الزكاة‏)‏ أي جواز أخذ العرض، وهو بفتح المهملة وسكون الراء بعدها معجمة، والمراد به ما عدا النقدين‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم، لكن قاده إلى ذلك الدليل‏.‏
وقد أجاب الجمهور عن قصة معاذ وعن الأحاديث كما سيأتي عقب كل منها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال طاوس‏:‏ قال معاذ لأهل اليمن‏)‏ هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس، لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع، فلا يغتر بقول من قال ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا، إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده، وكأنه عضده عنده الأحاديث التي ذكرها في الباب‏.‏
وقد روينا أثر طاوس المذكور في ‏"‏ كتاب الخراج ليحيى بن آدم ‏"‏ من رواية ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة وعمرو بن دينار فرقهما كلاهما عن طاوس‏.‏
وقوله ‏"‏خميص ‏"‏ قال الداودي والجوهري وغيرهما‏:‏ ثوب خميس بسين مهملة هو ثوب طوله خمسة أذرع، وقيل سمي بذلك لأن أول من عمله الخميس ملك من ملوك اليمن‏.‏
وقال عياض‏:‏ ذكره البخاري بالصاد، وأما أبو عبيدة فذكره بالسين، قال أبو عبيدة‏:‏ كأن معاذا عنى الصفيق من الثياب‏.‏
وقال عياض‏:‏ قد يكون المراد ثوب خميص أي خميصة، لكن ذكره على إرادة الثوب‏.‏
وقوله ‏"‏لبيس ‏"‏ أي ملبوس فعيل بمعنى مفعول‏.‏
وقوله ‏"‏في الصدقة ‏"‏ يرد قول من قال إن ذلك كان في الخراج، وحكى البيهقي أن بعضهم قال فيه ‏"‏ من الجزية ‏"‏ بدل الصدقة، فإن ثبت ذلك سقط الاستدلال، لكن المشهور الأول، وقد رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس ‏"‏ أن معاذا كان يأخذ العروض في الصدقة ‏"‏ وأجاب الإسماعيلي باحتمال أن يكون المعنى ائتوني به آخذه منكم مكان الشعير والذرة الذي آخذه شراء بما آخذه فيكون بقبضه قد بلغ محله، ثم يأخذ مكانه ما يشتريه مما هو أوسع عندهم وأنفع للآخذ‏.‏
قال‏:‏ ويؤيده أنها لو كانت من الزكاة لم تكن مردودة على الصحابة، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها على فقرائهم‏.‏
وأجيب بأنه لا مانع من أنه كان يحمل الزكاة إلى الإمام ليتولى قسمتها‏.‏
وقد احتج به من يجيز نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وهي مسألة خلافية أيضا‏.‏
وقيل في الجواب عن قصة معاذ إنها اجتهاد منه فلا حجة فيها، وفيه نظر لأنه كان أعلم الناس بالحلال والحرام، وقد بين له النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن ما يصنع‏.‏
وقيل كانت تلك واقعة حال لا دلالة فيها لاحتمال أن يكون علم بأهل المدينة حاجة لذلك وقد قام الدليل على خلاف عمله ذلك‏.‏
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي‏:‏ كانوا يطلقون على الجزية اسم الصدقة فلعل هذا منها‏.‏
وتعقب بقوله ‏"‏ مكان الشعير والذرة ‏"‏ وما كانت الجزية حينئذ من أولئك من شعير ولا ذرة إلا من النقدين‏.‏
وقوله ‏"‏أهون عليكم ‏"‏ أراد معنى تسلط السهولة عليهم فلم يقل أهون لكم‏.‏
وقوله ‏"‏وخير لأصحاب محمد ‏"‏ أي أرفق بهم لأن مؤونة النقل ثقيلة فرأى الأخف في ذلك خيرا من الأثقل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقاله النبي صلى الله عليه وسلم وأما خالد‏)‏ هو طرف من حديث لأبي هريرة أوله ‏"‏ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة، فقيل منع ابن جميل ‏"‏ الحديث وسيأتي موصولا في ‏"‏ باب قول الله وفي الرقاب ‏"‏ مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدقن ولو من حليكن فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها، ولم يخص الذهب والفضة من العروض‏)‏ أما الحديث فطرف من حديث لابن عباس أخرجه المصنف بمعناه وقد تقدم في العيدين، وهو عند مسلم بلفظه من طريق عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وأوله ‏"‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها ‏"‏ والخرص بضم المعجمة وسكون الراء بعدها مهملة الحلقة التي تجعل في الأذن، وقد ذكره المصنف موصولا في آخر الباب لكن لفظه ‏"‏ فجعلت المرأة تلقي، وأشار أيوب إلى أذنه وحلقه ‏"‏ وقد وقع تفسير ذلك بما ذكره في الترجمة من قوله ‏"‏ تلقي خرصها وسخابها ‏"‏ لأن الخرص من الأذن والسخاب من الحلق، والسخاب بكسر المهملة بعدها معجمة وآخره موحدة القلادة‏.‏
وقوله ‏"‏فلم يستثن ‏"‏ وقوله ‏"‏ فلم يخص ‏"‏ كل من الكلامين للبخاري ذكرهما بيانا لكيفية الاستدلال على أداء العرض في الزكاة، وهو مصير منه إلى أن مصارف الصدقة الواجبة كمصارف صدقة التطوع بجامع ما فيهما من قصد القربة، والمصروف إليهم بجامع الفقر والاحتياج، إلا ما استثناه الدليل‏.‏
وأما من وجهه فقال‏:‏ لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة في ذلك اليوم وأمره على الوجوب صارت صدقة واجبة، ففيه نظر لأنه لو كان للإيجاب هنا لكان مقدرا وكانت المجازفة فيه وقبول ما تيسر غير جائز‏.‏
ويمكن أن يكون تمسك بقوله ‏"‏ تصدقن ‏"‏ فإنه مطلق يصلح لجميع أنواع الصدقات واجبها ونفلها وجميع أنواع المتصدق به عينا وعرضا، ويكون قوله ‏"‏ ولو من حليكن ‏"‏ للمبالغة أي ولو لم تجدن إلا ذلك‏.‏
وموضع الاستدلال منه للعرض قوله ‏"‏ وسخابها ‏"‏ لأنه قلادة تتخذ من مسك وقرنفل ونحوهما تجعل في العنق، والبخاري فيما عرف بالاستقراء من طريقته يتمسك بالمطلقات تمسك غيره بالعمومات‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ
الشرح‏:‏
ح حديث أنس أن أبا بكر كتب له، وسيأتي معظمه في ‏"‏ باب زكاة الغنم ‏"‏ وموضع الدلالة منه قبول ما هو أنفس مما يجب على المتصدق وإعطاؤه التفاوت من جنس غير الجنس الواجب، وكذا العكس، لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأنه لو كان كذلك لكان ينظر إلى ما بين الشيئين في القيمة، فكان العرض يزيد تارة وينقص أخرى لاختلاف ذلك في الأمكنة والأزمنة، فلما قدر الشارع التفاوت بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص كان ذلك هو الواجب في الأصل في مثل ذلك، ولولا تقدير الشارع بذلك لتعينت بنت المخاض مثلا ولم يجز أن تبدل بنت لبون مع التفاوت‏.‏
والله أعلم

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:29 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n144&p1#TOP)باب زَكَاةِ الْبَقَرِ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللَّهَ رَجُلٌ بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ وَيُقَالُ جُؤَارٌ تَجْأَرُونَ تَرْفَعُونَ أَصْوَاتَكُمْ كَمَا تَجْأَرُ الْبَقَرَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب زكاة البقر‏)‏ البقر اسم جنس يكون للمذكر والمؤنث، اشتق من بقرت الشيء إذا شققته لأنها تبقر الأرض بالحراثة‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ أخر زكاة البقر لأنها أقل النعم وجودا ونصبا، ولم يذكر في الباب شيئا مما يتعلق بنصابها لكون ذلك لم يقع على شرطه، فتقدير الترجمة إيجاب زكاة البقر، لأن جملة ما ذكره في الباب يدل على ذلك من جهة الوعيد على تركها، إذ لا يتوعد على ترك غير الواجب‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ وهذا الدليل يحتاج إلى مقدمة، وهو أنه ليس في البقر حق واجب سوى الزكاة، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الزكاة حيث قال ‏"‏ باب إثم مانع الزكاة ‏"‏ وذكر فيه حديث أبي هريرة لكن ليس فيه ذكر البقر، ومن ثم أورد في هذا الباب حديث أبي ذر، وأشار إلى أن ذكر البقر وقع أيضا في طريق أخرى في حديث أبي هريرة والله أعلم‏.‏
وزعم ابن بطال أن حديث معاذ المرفوع ‏"‏ إن في كل ثلاثين بقرة تبيعا وفي كل أربعين مسنة ‏"‏ متصل صحيح وأن مثله في كتاب الصدقات لأبي بكر وعمر، وفي كلامه نظر‏:‏ أما حديث معاذ فأخرجه أصحاب السنن وقال الترمذي حسن وأخرجه الحاكم في المستدرك، وفي الحكم بصحته نظر لأن مسروقا لم يلق معاذا وإنما حسنه الترمذي لشواهده، ففي الموطأ من طريق طاوس عن معاذ نحوه، وطاوس عن معاذ منقطع أيضا، وفي الباب عن علي عند أبي داود، وأما قوله إن مثله في كتاب الصدقة لأبي بكر فوهم منه لأن ذكر البقر لم يقع في شيء من طرق حديث أبي بكر، نعم هو في كتاب عمر والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حميد‏)‏ هو الساعدي، وهذا طرف من حديث أورده المصنف موصولا من طرق، وهذا القدر وقع عنده موصولا في كتاب ترك الحيل في أثناء الحديث المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأعرفن‏)‏ أي لأعرفنكم غدا هذه الحالة‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ لا أعرفن ‏"‏ بحرف النفي أي ما ينبغي أن تكونوا على هذه الحال فأعرفكم بها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما جاء الله رجل‏)‏ ما مصدرية أي مجيء رجل إلى الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لها خوار‏)‏ بضم المعجمة وتخفيف الواو‏:‏ صوت البقر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويقال جؤار‏)‏ هذا كلام البخاري، يريد بذلك أن هذا الحرف جاء بالخاء المعجمة وتخفيف الواو وبالجيم والواو المهموزة، ثم فسره فقال‏:‏ تجأرون ترفعون أصواتكم، وهذه عادة البخاري إذا مرت به لفظة غريبة توافق كلمة في القرآن نقل تفسير تلك الكلمة التي من القرآن، والتفسير المذكور رواه ابن أبي حاتم عن السدي، وروي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ‏"‏ يجأرون ‏"‏ قال‏:‏ يستغيثون‏.‏
وقال القزاز‏:‏ الخوار بالمعجمة والجؤار بالجيم بمعنى واحد في البقر‏.‏
وقال ابن سيده‏:‏ خار الرجل رفع صوته بتضرع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَوْ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ أَوْ كَمَا حَلَفَ مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا أُتِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ رَوَاهُ بُكَيْرٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن المعرور بن سويد‏)‏ هو بالعين المهملة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال انتهيت إليه‏)‏ هو مقول المعرور والضمير يعود على أبي ذر وهو الحالف، و قوله‏:‏ ‏(‏أو كما حلف‏)‏ يشير بذلك إلى أنه لم يضبط اللفظ الذي حلف به‏.‏
وقوله ‏"‏أعظم ‏"‏ بالنصب على الحال و ‏(‏أسمنه‏)‏ عطفه عليه‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏جازت‏)‏ أي مرت، و ‏(‏ردت‏)‏ أي أعيدت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يؤدي حقها‏)‏ في رواية مسلم من طريق وكيع وأبي معاوية كلاهما عن الأعمش لا يؤدي زكاتها، وهو أصرح في مقصود الترجمة‏.‏
وقد تقدم الكلام على بقية المتن في أوائل الزكاة، واستدل بقوله ‏"‏ يكون له إبل أو بقر ‏"‏ ففي مستواه زكاة البقر والإبل في النصاب، ولا دلالة فيه لأنه قرن معه الغنم وليس نصابها مثل نصاب الإبل اتفاقا‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج مسلم في أول هذا الحديث قصة فيها ‏"‏ هم الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا ‏"‏ وقد أفرد البخاري هذه القطعة فأخرجها في كتاب الأيمان والنذور بهذا الإسناد ولم يذكر هناك القدر الذي ذكره هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه بكير‏)‏ يعني ابن عبد الله بن الأشج، ومراد البخاري بذلك موافقة هذه الرواية لحديث أبي ذر في ذكر البقر لأن الحديثين مستويان في جميع ما وردا فيه، وقد أخرجه مسلم موصولا من طريق بكير بهذا الإسناد مطولا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n144&p1#TOP)باب الزَّكَاةِ عَلَى الْأَقَارِبِ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَالصَّدَقَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الزكاة على الأقارب‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ووجه استدلاله لذلك بأحاديث الباب أن صدقة التطوع على الأقارب لما لم ينقص أجرها بوقوعها موقع الصدقة والصلة معا كانت صدقة الواجب كذلك، لكن لا يلزم من جواز صدقة التطوع على من يلزم المرء نفقته أن تكون الصدقة الواجبة كذلك‏.‏
وقد اعترضه الإسماعيلي بأن الذي في الأحاديث التي ذكرها مطلق الصدقة لا الصدقة الواجبة فلا يتم استدلاله إلا إن أراد الاستدلال على أن الأقارب في الزكاة أحق بها إذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم صرف الصدقة المتطوع بها إلى الأقارب أفضل فلذلك حينئذ له وجه‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ قد يؤخذ ما اختاره المصنف من حديث أبي طلحة فيما فهمه من الآية، وذلك أن النفقة في قوله‏:‏ ‏(‏حتى تنفقوا‏)‏ أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا، فعمل بها أبو طلحة في فرد من أفراده، فيجوز أن يعمل بها في بقية مفرداته، ولا يعارضها قوله تعالى ‏(‏إنما الصدقات للفقراء‏)‏ الآية لأنها تدل على حصر الصدقة الواجبة في المذكورين‏.‏
وأما صنيع أبي طلحة فبدل على تقديم ذوي القربى إذا اتصفوا بصفة من صفات أهل الصدقة على غيرهم، وسيأتي ذكر من يستثنى من الأقارب في الصدقة الواجبة بعد بابين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم له أجران أجر القرابة وأجر الصدقة‏)‏ هذا طرف من حديث فيه قصة لامرأة ابن مسعود، وسيأتي موصولا بعد ثلاثة أبواب‏.‏
ثم ذكر المصنف في الباب حديثين‏:‏ حديث أنس في تصدق أبي طلحة بأرضه، وحديث أبي سعيد في قصة امرأة ابن مسعود وغير ذلك‏.‏
فأما حديث أنس فسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب الوقف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ قَالَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ تَابَعَهُ رَوْحٌ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ رَايِحٌ
الشرح‏:‏
قوله ‏"‏بيرحاء ‏"‏ بفتح الموحدة وسكون التحتانية وفتح الراء وبالمهملة والمد، وجاء في ضبطه أوجه كثيرة جمعها ابن الأثير في النهاية فقال‏:‏ يروى بفتح الباء وبكسرها وبفتح الراء وضمها وبالمد والقصر فهذه ثمان لغات‏.‏
وفي رواية حماد بن سلمة ‏"‏ بريحا ‏"‏ بفتح أوله وكسر الراء وتقديمها على التحتانية، وفي سنن أبي داود ‏"‏ باريحا ‏"‏ مثله لكن بزيادة ألف‏.‏
وقال الباجي‏:‏ أفصحها بفتح الباء وسكون الياء وفتح الراء مقصور، وكذا جزم به الصغاني وقال‏:‏ إنه فيعلى من البراح، قال‏:‏ ومن ذكره بكسر الموحدة وظن أنها بئر من آبار المدينة فقد صحف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه روح‏)‏ يعني عن مالك في قوله ‏"‏ رابح ‏"‏ بالموحدة وسيأتي من طريقه موصولا في البيوع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال يحيى بن يحيى وإسماعيل عن مالك زايح‏)‏ يعني بالتحتانية، أما رواية يحيى فستأتي موصولة في الوكالة وعزاها مغلطاي لتخريج الدارقطني فأبعد، وأما رواية إسماعيل وهو ابن أبي أويس فوصلها المصنف في التفسير، وقد وهم صاحب ‏"‏ المطالع ‏"‏ فقال‏:‏ رواية يحيى بن يحيى بالموحدة، وكأنه اشتبه عليه الأندلسي بالنيسابوري، فالذي عناه هو الأندلسي والذي عناه البخاري النيسابوري، قال الداني في أطرافه‏:‏ رواه يحيى بن يحيى الأندلسي بالموحدة وتابعه جماعة، ورواه يحيى بن يحيى النيسابوري بالمثناة وتابعه إسماعيل وابن وهب، ورواه القعنبي بالشك ا هـ‏.‏
ورواية القعنبي وصلها البخاري في الأشربة بالشك كما قال والرواية الأولى واضحة من الربح أي ذو ربح، وقيل هو فاعل بمعنى مفعول أي هو مال مربوح فيه، وأما الثانية فمعناها رائح عليه أجره، قال ابن بطال‏:‏ والمعنى أن مسافته قريبة وذلك أنفس الأموال، وقيل معناه يروح بالأجر ويغدو به واكتفى بالرواح عن الغدو‏.‏
وادعى الإسماعيلي أن من رواها بالتحتانية فقد صحف والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ تَصَدَّقُوا فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ جَاءَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ زَيْنَبُ فَقَالَ أَيُّ الزَّيَانِبِ فَقِيلَ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ نَعَمْ ائْذَنُوا لَهَا فَأُذِنَ لَهَا قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ
الشرح‏:‏
حديث أبي سعيد تقدم الكلام على صدره مستوفي في كتاب الحيض، وبقية ما فيه من قصة امرأة ابن مسعود يأتي الكلام عليه بعد بابين مستوفي إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله فيه ‏"‏ فقيل يا رسول الله هذه زينب ‏"‏ القائل هو بلال كما سيأتي، وقوله ‏"‏ائذنوا لها فأذن لها فقالت يا رسول الله إلخ ‏"‏ لم يبين أبو سعيد ممن سمع ذلك، فإن يكن حاضرا عند النبي صلى الله عليه وسلم حال المراجعة المذكورة فهو من مسنده وإلا فيحتمل أن يكون حمله عن زينب صاحبه القصة‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:32 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n144&p1#TOP)باب لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ليس على المسلم في فرسه صدقة‏)‏ وقال في الذي يليه ‏(‏ليس على المسلم في عبده صدقة‏)‏ ثم أورد حديث أبي هريرة بلفظ الترجمتين مجموعا من طريقين، لكن في الأولى بلفظ ‏"‏ غلامه ‏"‏ بدل عبده، قال ابن رشيد‏:‏ أراد بذلك الجنس في الفرس والعبد لا الفرد الواحد، إذ لا خلاف في ذلك في العبد المتصرف والفرس المعد للركوب، ولا خلاف أيضا أنها لا تؤخذ من الرقاب، وإنما قال بعض الكوفيين يؤخذ منها بالقيمة‏.‏
ولعل البخاري أشار إلى حديث علي مرفوعا ‏"‏ قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة ‏"‏ الحديث أخرجه أبو داود وغيره وإسناده حسن، والخلاف في ذلك عن أبي حنيفة إذا كانت الخيل ذكرانا وإناثا نظرا إلى النسل، فإذا انفردت فعنه روايتان، ثم عنده أن المالك يتخير بين أن يخرج عن كل فرس دينارا أو يقوم ويخرج ربع العشر، واستدل عليه بهذا الحديث‏.‏
وأجيب بحمل النفي فيه على الرقبة لا على القيمة، واستدل به من قال من أهل الظاهر بعدم وجوب الزكاة فيهما مطلقا ولو كانا للتجارة، وأجيبوا بأن زكاة التجارة ثابتة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n144&p1#TOP)باب لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ليس على المسلم في فرسه صدقة‏)‏ وقال في الذي يليه ‏(‏ليس على المسلم في عبده صدقة‏)‏ ثم أورد حديث أبي هريرة بلفظ الترجمتين مجموعا من طريقين، لكن في الأولى بلفظ ‏"‏ غلامه ‏"‏ بدل عبده، قال ابن رشيد‏:‏ أراد بذلك الجنس في الفرس والعبد لا الفرد الواحد، إذ لا خلاف في ذلك في العبد المتصرف والفرس المعد للركوب، ولا خلاف أيضا أنها لا تؤخذ من الرقاب، وإنما قال بعض الكوفيين يؤخذ منها بالقيمة‏.‏
ولعل البخاري أشار إلى حديث علي مرفوعا ‏"‏ قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة ‏"‏ الحديث أخرجه أبو داود وغيره وإسناده حسن، والخلاف في ذلك عن أبي حنيفة إذا كانت الخيل ذكرانا وإناثا نظرا إلى النسل، فإذا انفردت فعنه روايتان، ثم عنده أن المالك يتخير بين أن يخرج عن كل فرس دينارا أو يقوم ويخرج ربع العشر، واستدل عليه بهذا الحديث‏.‏
وأجيب بحمل النفي فيه على الرقبة لا على القيمة، واستدل به من قال من أهل الظاهر بعدم وجوب الزكاة فيهما مطلقا ولو كانا للتجارة، وأجيبوا بأن زكاة التجارة ثابتة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n144&p1#TOP)باب الصَّدَقَةِ عَلَى الْيَتَامَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة على اليتامى‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ عبر بالصدقة دون الزكاة لتردد الخبر بين صدقه الفرض والتطوع، لكون ذكر اليتيم جاء متوسطا بين المسكين وابن السبيل وهما من مصارف الزكاة‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ لما قال ‏"‏ باب ليس على المسلم في فرسه صدقة ‏"‏ علم أنه يريد الواجبة إذ لا خلاف في التطوع، فلما قال ‏"‏ الصدقة على اليتامى ‏"‏ أحال على معهود‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ مَا شَأْنُكَ تُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُكَلِّمُكَ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ قَالَ فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ أَيْنَ السَّائِلُ وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ فَقَالَ إِنَّهُ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ وَرَتَعَتْ وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الـدستوائي ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير، وسيأتي الكلام على المتن مستوفي في الرقاق‏.‏
وقوله في هذه الطريق‏:‏ ‏(‏أن مما أخاف‏)‏ في رواية الحموي ‏"‏ إني مما أخاف ‏"‏ و قوله‏:‏ ‏(‏فرأينا أنه ينزل عليه‏)‏ في رواية الكشمهيني ‏"‏ فأرينا ‏"‏ بتقديم الهمزة‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏إلا آكلة الخضر‏)‏ في رواية الكشمهيني ‏"‏ الخضراء ‏"‏ بزيادة ألف، و قوله‏:‏ ‏(‏أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ شك من يحيى‏.‏
وسيأتي في الجهاد من طريق فليح عن هلال بلفظ ‏"‏ فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين وابن السبيل‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n144&p1#TOP)باب الزَّكَاةِ عَلَى الزَّوْجِ وَالْأَيْتَامِ فِي الْحَجْرِ
قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، قاله أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يشير إلى حديثه السابق موصولا في ‏"‏ باب الزكاة على الأقارب ‏"‏ وستذكر ما فيه في هذا الحديث‏.‏
قال ابن رشيد‏.‏
أعاد الأيتام في هذه الترجمة لعموم الأولى وخصوص الثانية، ومحمل الحديثين في وجه الاستدلال بهما على العموم لأن الإعطاء أعم من كونه واجبا أو مندوبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ ح فَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بِمِثْلِهِ سَوَاءً قَالَتْ كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا قَالَ فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حَجْرِي مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى الْبَابِ حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْنَا سَلْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي وَقُلْنَا لَا تُخْبِرْ بِنَا فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ مَنْ هُمَا قَالَ زَيْنَبُ قَالَ أَيُّ الزَّيَانِبِ قَالَ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ لَهَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن الحارث‏)‏ هو ابن أبي ضرار بكسر المعجمة الخزاعي ثم المصطلقي أخو جويرية بنت الحارث روج النبي صلى الله عليه وسلم له صحبة، وروى هنا عن صحابية، ففي الإسناد تابعي عن تابعي الأعمش عن شقيق، وصحابي عن صحابي عمرو عن زينب وهي بنت معاوية - ويقال بنت عبد الله بن معاوية - ابن عتاب الثقفية ويقال لها أيضا رائطة، وقع ذلك في ‏"‏ صحيح ابن حبان ‏"‏ في نحو هذه القصة، ويقال هما ثنتان عند الأكثر وممن جزم به ابن سعد‏.‏
وقال الكلاباذي رائطة هي المعروفة بزينب، وبهذا جزم الطحاوي فقال رائطة هي زينب لا يعلم أن لعبد الله امرأة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرها، ووقع عند الترمذي عن هناد عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن الحارث بن المصطلق عن ابن أخي زينب امرأة عبد الله عن امرأة عبد الله فزاد في الإسناد رجلا، والموصوف بكونه ابن أخي زينب هو عمرو بن الحارث نفسه، وكان أباه كان أخا زينب لأمها لأنها ثقفية وهو خزاعي‏.‏
ووقع عند الترمذي أيضا من طريق شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن عمرو بن الحارث ابن أخي زينب امرأة عبد الله عن زينب، فجعله عبد الله بن عمرو، هكذا جزم به المزي وعقد لعبد الله بن عمرو في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ ترجمة لم يزد فيها على ما في هذا الحديث، ولم أقف على ذلك في الترمذي بل وقفت على عدة نسخ منه ليس فيها إلا عمرو بن الحارث، وقد حكى ابن القطان الخلاف فيه على أبي معاوية وشعبة، وخالف الترمذي في ترجيح رواية شعبة في قوله ‏"‏ عن عمرو بن الحارث عن ابن أخي زينب ‏"‏ لانفراد أبي معاوية بذلك‏.‏
قال ابن القطان‏:‏ لا يضره الانفراد لأنه حافظ، وقد وافقه حفص بن غياث في رواية عنه وقد زاد في الإسناد رجلا، لكن يلزم من ذلك أن يتوقف في صحة الإسناد لأن ابن أخي زينب حينئذ لا يعرف حاله‏.‏
وقد حكى الترمذي في ‏"‏ العلل المفردات ‏"‏ أنه سأل البخاري عنه فحكم على رواية أبي معاوية بالوهم وأن الصواب رواية الجماعة عن الأعمش عن شقيق عن عمرو بن الحارث ابن أخي زينب‏.‏
قلت‏:‏ ووافقه منصور عن شقيق أخرجه أحمد، فإن كان محفوظا فلعل أبا وائل حمله عن الأب والابن، وإلا فالمحفوظ عن عمرو بن الحارث، وقد أخرجه النسائي من طريق شعبة على الصواب فقال ‏"‏ عمرو بن الحارث‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال فذكرته لإبراهيم‏)‏ القائل هو الأعمش، وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي، وأبو عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود، ففي هذه الطريق ثلاثة من التابعين، ورجال الطريقين كلهم كوفيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنت في المسجد فرأيت إلخ‏)‏ في هذا زيادة على ما في حديث أبي سعيد المتقدم، وبيان السبب في سؤالها ذلك‏.‏
ولم أقف على تسمية الأيتام الذين كانوا في حجرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فوجدت امرأة من الأنصار‏)‏ في رواية الطيالسي المذكورة ‏"‏ فإذا امرأة من الأنصار يقال لها زينب ‏"‏ وكذا أخرجه النسائي من طريق أبي معاوية عن الأعمش، وزاد من وجه آخر عن علقمة عن عبد الله قال ‏"‏ انطلقت امرأة عبد الله يعني ابن مسعود وامرأة أبي مسعود يعني عقبه بن عمرو الأنصاري‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ لم يذكر ابن سعد لأبي مسعود امرأة أنصارية سوى هزيلة بنت ثابت بن ثعلبة الخزرجية فلعل لها اسمين، أو وهم من سماها زينب انتقالا من اسم امرأة عبد الله إلى اسمها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأيتام لي في حجري‏)‏ في رواية النسائي المذكورة ‏"‏ على أزواجنا وأيتام في حجورنا ‏"‏ وفي رواية الطيالسي المذكورة أنهم بنو أخيها وبنو أختها‏.‏
وللنسائي من طريق علقمة ‏"‏ لإحداهما فضل مال وفي حجرها بنو أخ لها أيتام، وللأخرى فضل مال وزوج خفيف ذات اليد ‏"‏ وهذا القول كناية عن الفقر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولها أجران‏:‏ أجر القرابة وأجر الصدقة‏)‏ أي أجر صلة الرحم وأجر منفعة الصدقة، وهذا ظاهره أنها لم تشافهه بالسؤال ولا شافهها بالجواب، وحديث أبي سعيد السابق ببابين يدل على أنها شافهته وشافهها لقولها فيه ‏"‏ يا نبي الله إنك أمرت ‏"‏ وقوله فيه ‏"‏ صدق زوجك ‏"‏ فيحتمل أن يكونا قصتين، ويحتمل في الجمع بينهما أن يقال تحمل هذه المراجعة على المجاز، وإنما كانت على لسان بلال والله أعلم‏.‏
واستدل بهذا الحديث على جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها، وهو قول الشافعي والثوري وصاحبي أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وعن أحمد كذا أطلق بعضهم ورواية المنع عنه مقيدة بالوارث وعبارة الجوزقي‏:‏ ولا لمن تلزمه مؤونته، فشرحه ابن قدامة بما قيدته قال‏:‏ والأظهر الجواز مطلقا إلا للأبوين والولد، وحملوا الصدقة في الحديث على الواجبة لقولها ‏"‏ أتجزئ عني ‏"‏ وبه جزم المازري، وتعقبه عياض بأن قوله ‏"‏ ولو من حليكن ‏"‏ وكون صدقتها كانت من صناعتها يدلان على التطوع، وبه جزم النووي وتأولوا لقوله ‏"‏ أتجزئ عني ‏"‏ أي في الوقاية من النار كأنها خافت أن صدقتها على زوجها لا تحصل لها المقصود‏.‏
وما أشار إليه من الصناعة احتج به الطحاوي لقول أبي حنيفة، فأخرج من طريق رائطة امرأة ابن مسعود أنها كانت امرأة صنعاء اليدين فكانت تنفق عليه وعلى ولده، قال‏:‏ فهذا يدل على أنها صدقة تطوع، وأما الحلي فإنما يحتج به على من لا يوجب فيه الزكاة، وأما من يوجب فلا‏.‏
وقد روى الثوري عن حماد عن إبراهيم عن علقمة قال‏:‏ قال ابن مسعود لامرأته في حليها ‏"‏ إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة ‏"‏ فكيف يحتج على الطحاوي بما لا يقول به، لكن تمسك الطحاوي بقولها في حديث أبي سعيد السابق ‏"‏ وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به ‏"‏ لأن الحلي ولو قيل بوجوب الزكاة فيه إلا أنها لا تجب في جميعه، كذا قال وهو متعقب، لأنها وإن لم تجب في عينه فقد تجب فيه بمعنى أنه قدر النصاب الذي وجب عليها إخراجه، واحتجوا أيضا بأن ظاهر قوله في حديث أبي سعيد المذكور ‏"‏ زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم ‏"‏ دال على أنها صدقة تطوع، لأن الولد لا يعطى من الزكاة الواجبة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره، وفي هذا الاحتجاج نظر لأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة من يلزم المعطي نفقته والأم لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه‏.‏
وقال ابن التيمي‏:‏ قوله ‏"‏ وولدك ‏"‏ محمول على أن الإضافة للتربية لا للولادة فكأنه ولده من غيرها‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ اعتل من منعها من إعطائها زكاتها لزوجها بأنها تعود إليها في النفقة فكأنها ما خرجت عنها، وجوابه أن احتمال رجوع الصدقة إليها واقع في التطوع أيضا، ويؤيد المذهب الأول أن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم، فلما ذكرت الصدقة ولم يستفصلها عن تطوع ولا واجب فكأنه قال‏:‏ تجزئ عنك فرضا كان أو تطوعا‏.‏
وأما ولدها فليس في الحديث تصريح بأنها تعطي ولدها من زكاتها، بل معناه أنها إذا أعطت زوجها فأنفقه على ولدها كانوا أحق من الأجانب، فالإجزاء يقع بالإعطاء للزوج والوصول إلى الولد بعد بلوغ الزكاة محلها‏.‏
والذي يظهر لي أنهما قضيتان‏:‏ إحداهما في سؤالها عن تصدقها بحليها على زوجها وولده، والأخرى في سؤالها عن النفقة والله أعلم‏.‏
وفي الحديث الحث على الصدقة على الأقارب، وهو محمول في الواجبة على من لا يلزم المعطي نفقته منهم، واختلف في علة المنع فقيل لأن أخذهم لها يصيرهم أغنياء فيسقط بذلك نفقتهم عن المعطي، أو لأنهم أغنياء بإنفاقه عليهم، والزكاة لا تصرف لغني، وعن الحسن وطاوس لا يعطي قرابته من الزكاة شيئا وهو رواية عن مالك‏.‏
وقال ابن المنذر‏:‏ أجمعوا على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن الزكاة، وأما إعطاؤها للزوج فاختلف فيه كما سبق‏.‏
وفيه الحث على صلة الرحم وجواز تبرع المرأة بمالها بغير إذن زوجها‏.‏
وفيه عظة النساء، وترغيب ولي الأمر في أفعال الخير للرجال والنساء، والتحدث مع النساء الأجانب عند أمن الفتنة، والتخويف من المؤاخذة بالذنوب وما يتوقع بسببها من العذاب‏.‏
وفيه فتيا العالم مع وجود من هو أعلم منه، وطلب الترقي في تحمل العلم‏.‏
قال القرطبي‏:‏ ليس إخبار بلال باسم المرأتين بعد أن استكتمتاه بإذاعة سر ولا كشف أمانة لوجهين‏:‏ أحدهما أنهما لم تلزماه بذلك وإنما علم أنهما رأتا أن لا ضرورة تحوج إلى كتمانهما‏.‏
ثانيهما أنه أخبر بذلك جوابا لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم لكون إجابته أوجب من التمسك بما أمرتاه به من الكتمان، وهذا كله بناء على أنه التزم لهما بذلك‏.‏
ويحتمل أن تكونا سألتاه، ولا يجب إسعاف كل سائل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِيَ أَجْرٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى بَنِي أَبِي سَلَمَةَ إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ فَقَالَ أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ فَلَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدة‏)‏ هو ابن سليمان، وهشام هو ابن عروة‏.‏
وفي الإسناد تابعي عن تابعي‏:‏ هشام عن أبيه، وصحابية عن صحابية‏:‏ زينب عن أمها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على بني أبي سلمة‏)‏ أي ابن عبد الأسد، وكان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم فتزوجها النبي ولها من أبي سلمة عمرو ومحمد وزينب ودرة، وليس في حديث أم سلمة تصريح بأن الذي كانت تنفقه عليهم من الزكاة، فكان القدر المشترك من الحديث حصول الإنفاق على الأيتام والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلك أجر ما أنفقت عليهم‏)‏ رواه الأكثر بالإضافة على أن تكون ‏"‏ ما ‏"‏ موصولة، وجوز أبو جعفر الغرناطي نزيل حلب تنوين ‏"‏ أجر ‏"‏ على أن تكون ‏"‏ ما ‏"‏ ظرفية، ذكر ذلك لنا عنه الشيخ برهان الدين المحدث بحلب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n144&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَيُعْطِي فِي الْحَجِّ وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنْ الزَّكَاةِ جَازَ وَيُعْطِي فِي الْمُجَاهِدِينَ وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ تَلَا إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ الْآيَةَ فِي أَيِّهَا أَعْطَيْتَ أَجْزَأَتْ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ خَالِدًا احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي لَاسٍ حَمَلَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ اقتطع البخاري هذه الآية من التفسير للاحتياج إليها في بيان مصاريف الزكاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن ابن عباس يعتق من زكاة ماله ويعطي في الحج‏)‏ وصله أبو عبيد في ‏"‏ كتاب الأموال ‏"‏ من طريق حسان بن أبي الأشرس عن مجاهد عنه أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج وأن يعتق منه الرقبة أخرجه عن أبي معاوية عن الأعمش عنه‏.‏
وأخرج عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال ‏"‏ أعتق من زكاة مالك‏"‏، وتابع أبا معاوية عبدة بن سليمان رويناه في ‏"‏ فوائد يحيى بن معين ‏"‏ رواية أبي بكر بن علي المروزي عنه عن عبدة عن الأعمش عن ابن أبي الأشرس ولفظه ‏"‏ كان يخرج زكاته ثم يقول جهزوا منها إلى الحج ‏"‏ وقال الميموني‏:‏ قلت لأبي عبد الله يشتري الرجل من زكاة ماله الرقاب فيعتق ويجعل في ابن السبيل‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ابن عباس يقول ذلك ولا أعلم شيئا يدفعه‏.‏
وقال الخلال‏:‏ أخبرنا أحمد بن هاشم قال قال أحمد‏:‏ كنت أرى أن يعتق من الزكاة، ثم كففت عن ذلك لأني لم أره يصح‏.‏
قال حرب‏:‏ فاحتج عليه بحديث ابن عباس، فقال‏:‏ هو مضطرب انتهى‏.‏
وإنما وصفه بالاضطراب للاختلاف في إسناده على الأعمش كما ترى، ولهذا لم يجزم به البخاري‏.‏
وقد اختلف السلف في تفسير قوله تعالى ‏(‏وفي الرقاب‏)‏ فقيل‏:‏ المراد شراء الرقبة لتعتق، وهو رواية ابن القاسم عن مالك واختيار أبي عبيد وأبي ثور وقول إسحاق وإليه مال البخاري وابن المنذر‏.‏
وقال أبو عبيد‏:‏ أعلى ما جاء فيه قول ابن عباس وهو أولى بالاتباع وأعلم بالتأويل‏.‏
وروى ابن وهب عن مالك أنها في المكاتب وهو قول الشافعي والليث والكوفيين وأكثر أهل العلم، ورجحه الطبري‏.‏
وفيه قول ثالث أن سهم الرقاب يجعل نصفين‏:‏ نصف لكل مكاتب يدعي الإسلام، ونصف يشتري بها رقاب ممن صلى وصام، أخرجه ابن أبي حاتم وأبو عبيد في الأموال بإسناد صحيح عن الزهري أنه كتب ذلك لعمر بن عبد العزيز، واحتج للأول بأنها لو اختصت بالمكاتب لدخل في حكم الغارمين لأنه غارم، وبأن شراء الرقيق ليعتق أولى من إعانة المكاتب لأنه قد يعان ولا يعتق، ولأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم والزكاة لا تصرف للعبد، ولأن الشراء يتيسر في كل وقت بخلاف الكتابة، ولأن ولاءه يرجع للسيد فيأخذ المال والولاء بخلاف ذلك فإن عتقه يتنجز ويصير ولاؤه للمسلمين، وهذا الأخير على طريقة مالك في ذلك‏.‏
وقال أحمد وإسحاق‏:‏ يرد ولاؤه في شراء الرقاب للعتق أيضا‏.‏
وعن مالك‏:‏ الولاء للمعتق تمسكا بالعموم‏.‏
وقال عبيد الله العنبري‏:‏ يجعل في بيت المال‏.‏
وأما سبيل الله فالأكثر على أنه يختص بالغازي غنيا كان أو فقيرا إلا أن أبا حنيفة قال‏:‏ يختص بالغازي المحتاج‏.‏
وعن أحمد وإسحاق الحج من سبيل الله، وقد تقدم أثر ابن عباس‏.‏
وقال ابن عمر ‏"‏ أما أن الحج من سبيل الله ‏"‏ أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح عنه‏.‏
وقال ابن المنذر‏:‏ إن ثبت حديث أبي لاس - يعني الآتي في هذا الباب - قلت بذلك‏.‏
وتعقب بأنه يحتمل أنهم كانوا فقراء وحملوا عليها خاصة‏.‏
ولم يتملكوها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن إلخ‏)‏ هذا صحيح عنه أخرج أوله ابن أبي شيبة من طريقه وهو مصير منه إلى القول بالمسألتين معا الإعتاق من الزكاة والصرف منها في الحج، إلا أن تنصيصه على شراء الأب لم يوافقه عليه الباقون لأنه يعتق عليه ولا يصير ولاؤه للمسلمين فيستعيد المنفعة ويوفر ما كان يخرجه من خالص ماله لدفع عار استرقاق أبيه‏.‏
وقوله‏:‏ ‏"‏ في أيها أعطيت جزت ‏"‏ كذا في الأصل بغير همز أي قضت، وفيه مصير منه إلى أن اللام في قوله‏:‏ ‏"‏ للفقراء ‏"‏ لبيان المصرف لا للتمليك، فلو صرف الزكاة في صنف واحد كفى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خالدا إلخ‏)‏ سيأتي موصولا في هذا الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن أبي لاس‏)‏ بسين مهملة، خزاعي اختلف في اسمه فقيل زياد، وقيل عبد الله بن عنمة بمهملة ونون مفتوحتين، وقيل غير ذلك‏.‏
له صحبة وحديثان هذا أحدهما‏.‏
وقد وصله أحمد وابن خزيمة والحاكم وغيرهم من طريقه، ولفظ أحمد ‏"‏ على إبل من إبل الصدقة ضعاف للحج، فقلنا يا رسول الله ما نرى أن تحمل هذه‏.‏
فقال‏:‏ إنما يحمل الله ‏"‏ الحديث ورجاله ثقات، إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ هِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ حُدِّثْتُ عَنِ الْأَعْرَجِ بِمِثْلِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الأعرج‏)‏ في رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب مما حدثه عبد الرحمن الأعرج مما ذكر أنه سمع أبا هريرة يقول قال قال عمر فذكره، صرح بالتحديث في الإسناد وزاد فيه عمر، والمحفوظ أنه من مسند أبي هريرة وإنما جرى لعمر فيه ذكر فقط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة‏)‏ في رواية مسلم من طريق ورقاء عن أبي الزناد ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ساعيا على الصدقة ‏"‏ وهو مشعر بأنها صدقة الفرض، لأن صدقة التطوع لا يبعث عليها السعاة‏.‏
وقال ابن القصار المالكي‏:‏ الأليق أنها صدقة التطوع لأنه لا يظن بهؤلاء الصحابة أنهم منعوا الفرض‏.‏
وتعقب بأنهم ما منعوه كلهم جحدا ولا عنادا، أما ابن جميل فقد قيل‏:‏ إنه كان منافقا ثم تاب بعد ذلك، كذا حكاه المهلب، وجزم القاضي حسين في تعليقه أن فيه نزلت ‏(‏ومنهم من عاهد الله‏)‏ الآية انتهى‏.‏
والمشهور أنها نزلت في ثعلبة، وأما خالد فكان متأولا بإجزاء ما حبسه عن الزكاة، وكذلك العباس لاعتقاده ما سيأتي التصريح به، ولهذا عذر النبي صلى الله عليه وسلم خالدا والعباس ولم يعذر ابن جميل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقيل منع ابن جميل‏)‏ قائل ذلك عمر كما سيأتي في حديث ابن عباس في الكلام على قصة العباس، ووقع في رواية ابن أبي الزناد عند أبي عبيد ‏"‏ فقال بعض من يلمز ‏"‏ أي يعيب‏.‏
وابن جميل لم أقف على اسمه في كتب الحديث، لكن وقع في تعليق القاضي الحسين المروزي الشافعي وتبعه الروياني أن اسمه عبد الله، ووقع في شرح الشيخ سراج الدين بن الملقن أن ابن بزيزة سماه حميدا، ولم أر ذلك في كتاب ابن بزيزة‏.‏
ووقع في رواية ابن جريج أبو جهم بن حذيفة بدل ابن جميل، وهو خطأ لإطباق الجميع على ابن جميل، وقول الأكثر أنه كان أنصاريا، وأما أبو جهم ابن حذيفة فهو قرشي فافترقا، وذكر بعض المتأخرين أن أبا عبيد البكري ذكر في شرح الأمثال له أنه أبو جهم بن جميل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والعباس‏)‏ زاد ابن أبي الزناد عن أبيه عند أبي عبيد ‏"‏ أن يعطوا الصدقة ‏"‏ قال فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذب عن اثنين العباس وخالد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما ينقم‏)‏ بكسر القاف أي ما ينكر أو يكره، وقوله ‏"‏فأغناه الله ورسوله ‏"‏ إنما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه لأنه كان سببا لدخوله في الإسلام فأصبح غنيا بعد فقره بما أفاء الله على رسوله وأباح لأمته من الغنائم، وهذا السياق من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم لأنه إذا لم يكن له عذر إلا ما ذكر من أن الله أغناه فلا عذر له، وفيه التعريض بكفران النعم وتقريع بسوء الصنيع في مقابلة الإحسان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏احتبس‏)‏ أي حبس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأعتده‏)‏ بضم المثناة جمع عتد بفتحتين، ووقع في رواية مسلم ‏"‏ أعتاده ‏"‏ وهو جمعه أيضا، قبل هو ما يعده الرجل من الدواب والسلاح، وقيل الخيل خاصة، يقال فرس عتيد أي صلب أو معد للركوب أو سريع الوثوب أقوال، وقيل إن لبعض رواة البخاري ‏"‏ وأعبده ‏"‏ بالموحدة جمع عبد حكاه عياض، والأول هو المشهور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فهي عليه صدقة ومثلها معها‏)‏ كذا في رواية شعيب، ولم يقل ورقاء ولا موسى بن عقبة ‏"‏ صدقة ‏"‏ فعلى الرواية الأولى يكون صلى الله عليه وسلم ألزمه بتضعيف صدقته ليكون أرفع لقدره وأنبه لذكره وأنفى للذم عنه، فالمعنى فهو صدقة ثابتة عليه سيصدق بها ويضيف إليها مثلها كرما، ودلت رواية مسلم على أنه صلى الله عليه وسلم التزم بإخراج ذلك عنه لقوله ‏"‏ فهي علي ‏"‏ وفيه تنبيه على سبب ذلك وهو قوله ‏"‏ إن العم صنو الأب ‏"‏ تفضيلا له وتشريفا، ويحتمل أن يكون تحمل عنه بها فيستفاد منه أن الزكاة تتعلق بالذمة كما هو أحد قولي الشافعي، وجمع بعضهم بين رواية ‏"‏ علي ‏"‏ ورواية ‏"‏ عليه ‏"‏ بأن الأصل رواية ‏"‏ علي ‏"‏ ورواية ‏"‏ عليه ‏"‏ مثلها إلا أن فيها زيادة هاه السكت حكاه ابن الجوزي عن ابن ناصر، وقيل معنى قوله ‏"‏ علي ‏"‏ أي هي عندي قرض لأنني استسلفت منه صدقة عامين، وقد ورد ذلك صريحا فيما أخرجه الترمذي وغيره من حديث علي وفي إسناده مقال، وفي الدارقطني من طريق موسى بن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ إنا كنا احتجنا فتعجلنا من العباس صدقة ماله سنتين ‏"‏ وهذا مرسل، وروى الدارقطني أيضا موصولا بذكر طلحة فيه وإسناد المرسل أصح، وفي الدارقطني أيضا من حديث ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر ساعيا، فأتى العباس فأغلظ له، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن العباس قد أسلفنا زكاة ماله العام، والعام المقبل ‏"‏ وفي إسناده ضعف، وأخرجه أيضا هو والطبراني من حديث أبي رافع نحو هذا وإسناده ضعيف أيضا، ومن حديث ابن مسعود ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقته سنتين ‏"‏ وفي إسناده محمد بن ذكوان وهو ضعيف، ولو ثبت لكان رافعا للإشكال ولرجح به سياق رواية مسلم على بقية الروايات، وفيه رد لقول من قال‏:‏ إن قصة التعجيل إنما وردت في وقت غير الوقت الذي بعث فيه عمر لأخذ الصدقة، وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق والله أعلم‏.‏
وقيل‏:‏ المعنى استسلف منه قدر صدقة عامين؛ فأمر أن يقاص به من ذلك، واستبعد ذلك بأنه لو كان وقع لكان صلى الله عليه وسلم أعلم عمر بأنه لا يطالب العباس، وليس ببعيد‏.‏
ومعنى ‏"‏ عليه ‏"‏ على التأويل الأول أي لازمة ‏"‏ له ‏"‏ وليس معناه أنه يقبضها لأن الصدقة عليه حرام لكونه من بني هاشم، ومنهم من حمل رواية الباب على ظاهرها فقال‏:‏ كان ذلك قبل تحريم الصدقة على بني هاشم، ويؤيده رواية موسى بن عقبة عن أبي الزناد عند ابن خزيمة بلفظ ‏"‏ فهي له ‏"‏ بدل ‏"‏ عليه ‏"‏ وقال الببيهقي‏:‏ اللام هنا بمعنى على لتتفق الروايات، وهذا أولى لأن المخرج واحد، وإليه مال ابن حبان‏.‏
وقيل‏:‏ معناها فهي له أي القدر الذي كان يراد منه أن يخرجه لأنني التزمت عنه بإخراجه، وقيل إنه أخرها عنه ذلك العام إلى عام قابل فيكون عليه صدقة عامين قاله أبو عبيد، وقيل إنه كان استدان حين فادى عقيلا وغيره فصار من جملة الغارمين فساغ له أخذ الزكاة بهذا الاعتبار‏.‏
وأبعد الأقوال كلها قول من قال‏:‏ كان هذا في الوقت الذي كان فيه التأديب بالمال، فألزم العباس بامتناعه من أداء الزكاة بأن يؤدي ضعف ما وجب عليه لعظمة قدره وجلالته كما في قوله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏يضاعف لها العذاب ضعفين‏)‏ الآية، وقد تقدم بعضه في أول الكلام، واستدل بقصة خالد على جواز إخراج مال الزكاة في شراء السلاح وغيره من آلات الحرب والإعانة بها في سبيل الله، بناء على أنه عليه الصلاة والسلام أجاز لخالد أن يحاسب نفسه بما حبسه فيما يجب عليه كما سبق، وهي طريقة البخاري‏.‏
وأجاب الجمهور بأجوبة‏:‏ أحدها أن المعنى أنه صلى الله عليه وسلم لم يقبل أخبار من أخبره بمنع خالد حملا على أنه لم يصرح بالمنع، وإنما نقلوه عنه بناء على ما فهموه، ويكون قوله ‏"‏ تظلمونه ‏"‏ أي بنسبتكم إياه إلى المنع وهو لا يمنع، وكيف يمنع الفرض وقد تطوع بتحبيس سلاحه وخيله‏؟‏ ثانيها أنهم ظنوا أنها للتجارة فطالبو بزكاة قيمتها فأعلمهم عليه الصلاة والسلام بأنه لا زكاة عليه فيما حبس، وهذا يحتاج لنقل خاص فيكون فيه حجة لمن أسقط الزكاة عن الأموال المحبسة، ولمن أوجبها في عروض التجارة‏.‏
ثالثها أنه كان نوى بإخراجها عن ملكه الزكاة عن ماله لأن أحد الأصناف سبيل الله وهم المجاهدون، وهذا يقوله من يجير إخراج القيم في الزكاة كالحنفية ومن يجز التعجيل كالشافعية، وقد تقدم استدلال البخاري به على إخراج العروض في الزكاة‏.‏
واستدل بقصة خالد على مشروعية تحبيس الحيوان والسلاح، وأن الوقف يجوز بقاؤه تحت يد محتبسه، وعلى جواز إخراج العروض في الزكاة وقد سبق ما فيه، وعلى صرف الزكاة إلى صنف واحد من الثمانية‏.‏
وتعقب ابن دقيق العيد جميع ذلك بأن القصة واقعة عين‏.‏
محتملة لما ذكر ولغيره، فلا ينهض الاستدلال بها على شيء مما ذكر، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون تحبيس خالد إرصادا وعدم تصرف، ولا يبعد أن يطلق على ذلك التحبيس فلا يتعين الاستدلال بذلك لما ذكر‏.‏
وفي الحديث بعث الإمام العمال لجباية الزكاة، وتنبيه الغافل على ما أنعم الله به من نعمة الغنى بعد الفقر ليقوم بحق الله عليه، والعتب على من منع الواجب، وجواز ذكره في غيبته بذلك، وتحمل الإمام عن بعض رعيته ما يجب عليه، والاعتذار عن بعض الرعية بما يسوغ الاعتذار به‏.‏
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-05-2013, 12:36 AM
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n144&p1#TOP)باب الِاسْتِعْفَافِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستعفاف عن المسألة‏)‏ أي في شيء من غير المصالح الدينية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن ناسا من الأنصار‏)‏ لم يتعين لي أسماؤهم، إلا أن النسائي روى من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه ما يدل على أن أبا سعيد راوي هذا الحديث خوطب بشيء من ذلك ولفظه ففي حديثه ‏"‏ سرحتني أمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني لأسأله من حاجة شديدة، فأتيته وقعدت، فاستقبلني فقال‏:‏ من استغنى أغناه الله ‏"‏ الحديث وزاد فيه ‏"‏ ومن سأل وله أوقية فقد ألحف‏.‏
فقلت‏:‏ ناقتي خير من أوقية، فرجعت ولم أسأله ‏"‏ وعند الطبراني من حديث حكيم بن حزام أنه ممن خوطب ببعض ذلك، ولكنه ليس أنصاريا إلا بالمعنى الأعم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى نفد‏)‏ بكسر الفاء أي فرغ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلن أدخره عنكم‏)‏ أي أحبسه وأخبؤه وأمنعكم إياه منفردا به عنكم، وفيه ما كان عليه من السخاء وإنفاذ أمر الله، وفيه إعطاء السائل مرتين، والاعتذار إلى السائل، والحض على التعفف‏.‏
وفيه جواز السؤال للحاجة وإن كان الأولى تركه والصبر حتى يأتيه رزقه بغير مسألة، وقوله ‏"‏ومن يستعفف ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يستعف‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة والزبير بن العوام بمعناه‏.‏
وفي رواية الزبير زيادة ‏"‏ فيبيعها فيكف الله بها وجهه ‏"‏ وذلك مراد في حديث أبي هريرة وحذف لدلالة السياق عليه‏.‏
وفي رواية أبي هريرة ‏"‏ يأتي رجلا ‏"‏ وفي حديث الزبير ‏"‏ يسأل الناس ‏"‏ والمعنى واحد‏.‏
وزاد في أول حديث أبي هريرة قوله ‏"‏ والذي نفسي بيده ‏"‏ ففيه القسم على الشيء المقطوع بصدقه لتأكيده في نفس السامع، وفيه الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك، ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال ومن ذل الرد إذا لم يعط ولما يدخل على المسؤول من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل، وأما قوله ‏"‏ خير له ‏"‏ فليست بمعنى أفعل التفضيل إذ لا خير في السؤال مع القدرة على الاكتساب، والأصح عند الشافعية أن سؤال من هذا حاله حرام، ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل وتسميته الذي يعطاه خيرا وهو في الحقيقة شر، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة والزبير بن العوام بمعناه‏.‏
وفي رواية الزبير زيادة ‏"‏ فيبيعها فيكف الله بها وجهه ‏"‏ وذلك مراد في حديث أبي هريرة وحذف لدلالة السياق عليه‏.‏
وفي رواية أبي هريرة ‏"‏ يأتي رجلا ‏"‏ وفي حديث الزبير ‏"‏ يسأل الناس ‏"‏ والمعنى واحد‏.‏
وزاد في أول حديث أبي هريرة قوله ‏"‏ والذي نفسي بيده ‏"‏ ففيه القسم على الشيء المقطوع بصدقه لتأكيده في نفس السامع، وفيه الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك، ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال ومن ذل الرد إذا لم يعط ولما يدخل على المسؤول من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل، وأما قوله ‏"‏ خير له ‏"‏ فليست بمعنى أفعل التفضيل إذ لا خير في السؤال مع القدرة على الاكتساب، والأصح عند الشافعية أن سؤال من هذا حاله حرام، ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل وتسميته الذي يعطاه خيرا وهو في الحقيقة شر، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
و حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى قَالَ حَكِيمٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى الْعَطَاءِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن هذا المال خضرة‏)‏ أنث الخبر لأن المراد الدنيا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خضرة حلوة‏)‏ شبهه بالرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء المستلذة فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده بالنسبة إلى اليابس، والحلو مرغوب فيه على انفراده بالنسبة للحامض، فالإعجاب بهما إذا اجتمعا أشد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بسخاوة نفس‏)‏ أي بغير شره ولا إلحاح أي من أخذه بغير سؤال، وهذا بالنسبة إلى الأخذ، ويحتمل أن يكون بالنسبة إلى المعطي أي بسخاوة نفس المعطي أي انشراحه بما يعطيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كالذي يأكل ولا يشبع‏)‏ أي الذي يسمى جوعه كذابا لأنه من علة به وسقم، فكلما أكل ازداد سقما ولم يجد شبعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اليد العليا‏)‏ تقدم الكلام عليه مستوفي في ‏"‏ باب لا صدقة إلا عن ظهر غني‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا أرزأ‏)‏ بفتح الهمزة وإسكان الراء وفتح الزاي بعدها همزة أي لا أنقص ماله بالطلب منه‏.‏
وفي رواية لإسحاق ‏"‏ قلت فوالله لا تكون يدي بعدك تحت يد من أيدي العرب ‏"‏ وإنما امتنع حكيم من أخذ العطاء مع أنه حقه لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا فيعتاد الأخذ فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده ففطمها عن ذلك وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، وإنما أشهد عليه عمر لأنه أراد أن لا ينسبه أحد لم يعرف باطن الأمر إلى منع حكيم من حقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى توفي‏)‏ زاد إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق عمر بن عبد الله بن عروة مرسلا أنه ما أخذ من أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا معاوية ديوانا ولا غيره حتى مات لعشر سنين مع إمارة معاوية‏.‏
قال ابن أبي جمرة‏:‏ في حديث حكيم فوائد، منها أنه قد يقع الزهد مع الأخذ، فإن سخاوة النفس هو زهدها، تقول سخت بكذا أي جادت وسخت عن كذا أي لم تلتفت إليه‏.‏
ومنها أن الأخذ مع سخاوة النفس يحصل أجر الزهد والبركة في الرزق، فتبين أن الزهد يحصل خيري الدنيا والآخرة‏.‏
وفيه ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة، لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير فبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى، وضرب لهم المثل بما يعهدون، فالأكل إنما يأكل ليشبع فإذا أكل ولم يشبع كان عناء في حقه بغير فائدة، وكذلك المال ليست الفائدة في عينه وإنما هي لما يتحصل به من المنافع، فإذا كثر عند المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم‏.‏
وفيه أنه ينبغي للإمام أن لا يبين للطالب ما في مسألته من المفسدة إلا بعد قضاء حاجته لتقع موعظته له الموقع، لئلا يتخيل أن ذلك سبب لمنعه من حاجته‏.‏
وفيه جواز تكرار السؤال ثلاثا، وجواز المنع في الرابعة والله أعلم، وفي الحديث أيضا أن سؤال الأعلى ليس بعار، وأن رد السائل بعد ثلاث ليس بمكروه، وأن الإجمال في الطلب مقرون بالبركة‏.‏
وقد زاد إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق معمر عن الزهري في آخره ‏"‏ فمات حين مات وإنه لمن أكثر قريش مالا‏"‏‏.‏
وفيه أيضا سبب ذلك وهو ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى حكيم بن حزام دون ما أعطى أصحابه فقال حكيم‏:‏ يا رسول الله ما كنت أظن أن تقصر بي دون أحد من الناس، فزاده، ثم استزده حتى رضي ‏"‏ فذكر نحو الحديث‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n144&p1#TOP)باب مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة ولا إشراف نفس‏.‏
وفي أموالهم حق للسائل والمحروم‏)‏ في رواية المستملي تقديم الآية، وسقطت للأكثر، ومطابقتها لحديث الباب من جهة دلالتها على مدح من يعطي السائل وغير السائل، وإذا كان المعطي ممدوحا فعطيته مقبولة وآخذها غير ملوم‏.‏
وقد اختلف أهل العلم بالتفسير في المراد بالمحروم‏:‏ فروى الطبري من طريق ابن شهاب أنه المتعفف الذي لا يسأل‏.‏
وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن شهاب أنه بلغه، فذكر مثله، وأخرجه الطبري عن قتادة مثله‏.‏
وأخرج فيه أقوالا أخر، وعلى التفسير المذكور تنطبق الترجمة‏.‏
والأشراف بالمعجمة التعرض للشيء والحرص عليه، من قولهم أشرف على كذا إذا تطاول له، وقيل للمكان المرتفع شرف لذلك‏.‏
وتقدير جواب الشرط فليقبل، أي من أعطاه الله مع انتفاء القيدين المذكورين فليقبل‏.‏
وإنما حذفه للعلم به‏.‏
وأوردها بلفظ العموم وإن كان الخبر ورد في الإعطاء من بيت المال لأن الصدقة للفقير في معنى العطاء للغني إذا انتفى الشرطان‏.‏
قال أبو داود سألت أحمد عن إشراف النفس فقال‏:‏ بالقلب‏.‏
وقال يعقوب بن محمد سألت أحمد عنه فقال‏:‏ هو أن يقول مع نفسه يبعث إلي فلان بكذا‏.‏
وقال الأثرم يضيق عليه أن يرده إذا كان كذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي فَقَالَ خُذْهُ إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني‏)‏ زاد في رواية شعيب عن الزهري الآتية في الأحكام ‏"‏ حتى أعطاني مرة مالا فقلت‏:‏ أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال‏:‏ خذه فتموله وتصدق به ‏"‏ وذكر شعيب فيه عن الزهري إسنادا آخر قال‏:‏ أخبرني السائب بن يزيد أن حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر في خلافته فذكر قصة فيها هذا الحديث‏.‏
والسائب فمن فوقه صحابة؛ ففيه أربعة من الصحابة في نسق‏.‏
وقد أخرجه مسلم من رواية عمرو بن الحارث عن الزهري بالإسنادين، لكن قال فيه ‏"‏ عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر ‏"‏ فذكره، جعله من مسند ابن عمر‏.‏
وأخرجه مسلم أيضا من وجه آخر عن ابن السعدي عن عمر، لكن قال فيه ابن الساعدي وزاد فيه ‏"‏ أن عطية النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بسبب العمالة ‏"‏ ولهذا قال الطحاوي‏:‏ ليس معنى هذا الحديث في الصدقات، وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام، وليست هي من جهة الفقر ولكن من الحقوق، فلما قال عمر أعطه من هو أفقر إليه مني لم يرض بذلك لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر قال‏:‏ ويؤيده قوله في رواية شعيب ‏"‏ خذه فتموله ‏"‏ فدل ذلك على أنه ليس من الصدقات‏.‏
وقال الطبري‏:‏ اختلفوا في قوله فخذه بعد إجماعهم على أنه أمر ندب، فقيل هو ندب لكل من أعطي عطية أبى قبولها كائنا من كان، وهذا هو الراجح يعني بالشرطين المتقدمين‏.‏
وقيل هو مخصوص بالسلطان، ويؤيده حديث سمرة في السنن ‏"‏ إلا أن يسأل ذا سلطان ‏"‏ وكان بعضهم يقول‏:‏ يحرم قبول العطية من السلطان، وبعضهم يقول يكره، وهو محمول على ما إذا كانت العطية من السلطان الجائر، والكراهة محمولة على الورع وهو المشهور من تصرف السلف والله أعلم‏.‏
والتحقيق في المسألة أن من علم كون ماله حلالا فلا ترد عطيته، ومن علم كون ماله حراما فتحرم عطيته، ومن شك فيه فالاحتياط رده وهو الورع، ومن أباحه أخذ بالأصل‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ واحتج من رخص فيه بأن الله تعالى قال في اليهود ‏(‏سماعون للكذب أكالون للسحت‏)‏ وقد رهن الشارع درعه عند يهودي مع علمه بذلك، وكذلك أخذ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير والمعاملات الفاسدة‏.‏
وفي حديث الباب أن للإمام أن يعطي بعض رعيته إذا رأى لذلك وجها وإن كان غيره أحوج إليه منه، وأن رد عطية الإمام ليس من الأدب ولا سيما من الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى ‏(‏وما آتاكم الرسول فخذوه‏)‏ الآية‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n144&p1#TOP)باب مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من سأل الناس تكثرا‏)‏ أي فهو مذموم، قال ابن رشيد‏:‏ حديث المغيرة في النهي عن كثرة السؤال الذي أورده في الباب الذي يليه أصرح في مقصود الترجمة من حديث الباب، وإنما آثره عليه لأن من عادته أن يترجم بالأخفى، أو لاحتمال أن يكون المراد بالسؤال في حديث المغيرة النهي عن المسائل المشكلة كالأغلوطات، أو السؤال عما لا يغني، أو عما لم يقع مما يكره وقوعه، قال‏:‏ وأشار مع ذلك إلى حديث ليس على شرطه، وهو ما أخرجه الترمذي من طريق حبشي ابن جنادة في أثناء حديث مرفوع وفيه ‏"‏ ومن سأل الناس ليثري ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة، فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر ‏"‏ انتهى‏.‏
وفي صحيح مسلم من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة ما هو مطابق للفظ الترجمة، فاحتمال كونه أشار إليه أولى ولفظه ‏"‏ من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا ‏"‏ الحديث، والمعنى أنه يسأل ليجمع الكثير من غير احتياج إليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ وَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ثُمَّ بِمُوسَى ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ وَقَالَ مُعَلًّى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن أبي جعفر‏)‏ في رواية أبي صالح الآتية ‏"‏ حدثنا عبيد الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مزعة لحم‏)‏ مزعة بضم الميم وحكي كسرها وسكون الزاي بعدها مهملة أي قطعة‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ ضبطه بعضهم بفتح الميم والزاي، والذي أحفظه عن المحدثين الضم، قال الخطابي‏:‏ يحتمل أن يكون المراد أنه يأتي ساقطا لا قدر له ولا جاه، أو يعذب في وجهه حتى يسقط لحمه لمشاكلة العقوبة في مواضع الجناية من الأعضاء لكونه أذل وجهه بالسؤال، أو أنه يبعث ووجهه عظم كله فيكون ذلك شعاره الذي يعرف به انتهى‏.‏
والأول صرف للحديث عن ظاهره، وقد يؤيده ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث مسعود بن عمرو مرفوعا ‏"‏ لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه فلا يكون له عند الله وجه ‏"‏ وقال ابن أبي جمرة‏:‏ معناه أنه ليس في وجهه من الحسن شيء، لأن حسن الوجه هو بما فيه من اللحم‏.‏
ومال المهلب إلى حمله على ظاهره، وإلى أن السر فيه أن الشمس تدنو يوم القيامة، فإذا جاء لا لحم بوجهه كانت أذية الشمس له أكثر من غيره، قال‏:‏ والمراد به من سأل تكثرا وهو غني لا تحل له الصدقة، وأما من سأل وهو مضطر فذلك مباح له فلا يعاقب عليه انتهى‏.‏
وبهذا تظهر مناسبة إيراد هذا الطرف من حديث الشفاعة عقب هذا الحديث، قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ لفظ الحديث دال على ذم تكثير السؤال، والترجمة لمن سأل تكثرا، والفرق بينهما ظاهر، لكن لما كان المتوعد عليه على ما تشهد به القواعد هو السائل عن غني وأن سؤال ذي الحاجة مباح نزل البخاري الحديث على من يسأل ليكثر ماله‏.‏
‏(‏بآدم ثم بموسى‏)‏ هذا فيه اختصار، وسيأتي في الرقاق في حديث الشفاعة الطويل ذكر من يقصدونه بين آدم وموسى وبين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكذا الكلام على بقية ما في حديث الشفاعة مما يحتاج إلى الشرح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزاد عبد الله بن صالح‏)‏ كذا عند أبي ذر، وسقط قوله ‏"‏ ابن صالح ‏"‏ من رواية الأكثر، ولهذا جزم خلف وأبو نعيم بأنه ابن صالح، وقد رويناه في ‏"‏ الإيمان ‏"‏ لابن منده من طريق أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير وعبد الله بن صالح جميعا عن الليث، وساقه بلفظ ‏"‏ عبد الله بن صالح ‏"‏ وقد رواه موصولا من طريق عبد الله بن صالح وحده البزار عن محمد بن إسحاق الصغاني والطبراني في الأوسط عن مطلب بن شعيب وابن منده في ‏"‏ كتاب الإيمان ‏"‏ من طريق يحيى بن عثمان ثلاثتهم عن عبد الله بن صالح فذكره وزاد بعد قوله ‏"‏ استغاثوا بآدم‏:‏ فيقول لست بصاحب ذلك ‏"‏ وتابع عبد الله بن صالح على هذه الزيادة عبد الله بن عبد الحكم عن الليث أخرجه ابن منده أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بحلقة الباب‏)‏ أي باب الجنة، أو هو مجاز عن القرب إلى الله تعالى، والمقام المحمود هو الشفاعة العظمى التي اختص بها وهي إراحة أهل الموقف من أهوال القضاء بينهم والفراغ من حسابهم، والمراد بأهل الجمع أهل الحشر لأنه يوم يجمع فيه الناس كلهم‏.‏
وسيأتي بقية الكلام على المقام المحمود في تفسير سورة سبحان إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال معلى‏)‏ بضم الميم وفتح المهملة وتشديد اللام المفتوحة، وهو ابن أسد، وقد وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه عنه، ومن طريق البيهقي، وآخر حديثه ‏"‏ مزعة لحم ‏"‏ وفيه قصة لحمزة بن عبد الله بن عمر مع أبيه في ذلك، ولهذا قيده المصنف بقوله ‏"‏ في المسألة ‏"‏ أي في الشق الأول من الحديث دون الزيادة، ورويناه أيضا في ‏"‏ معجم أبي سعيد بن الأعرابي ‏"‏ قال حدثنا حمدان بن علي عن معلى بن أسد به، وفي هذا الحديث أن هذا الوعيد يختص بمن أكثر السؤال لا من ندر ذلك منه، ويؤخذ منه جواز سؤال غير المسلم لأن لفظ ‏"‏ الناس ‏"‏ يعم قاله ابن أبي جمرة، وحكي عن بعض الصالحين أنه كان إذا احتاج سأل ذميا لئلا يعاقب المسلم بسببه لو رده‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n144&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا
وَكَمْ الْغِنَى وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل ‏(‏لا يسألون الناس إلحافا‏)‏ وكم الغني‏؟‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا يجد غني يغنيه ‏"‏ لقول الله عز وجل ‏(‏للفقراء الذين أحصروا‏)‏ الآية‏)‏ هذه اللام التي في قوله ‏"‏ لقول الله ‏"‏ لام التعليل لأنه أورد الآية تفسيرا لقوله في الترجمة ‏"‏ وكم الغني ‏"‏ وكأنه يقول‏:‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولا يجد غني يغنيه ‏"‏ مبين لقدر الغني لأن الله تعالى جعل الصدقة للفقراء الموصوفين بهذه الصفة، أي من كان كذلك فليس بغني ومن كان بخلافها فهو غني، فحاصله أن شرط السؤال عدم وجدان الغني لوصف الله الفقراء بقوله‏:‏ ‏(‏لا يستطيعون ضربا في الأرض‏)‏ إذ من استطاع ضربا فيها فهو واجد لنوع من الغنى، والمراد بالذين أحصروا الذين حصرهم الجهاد أي منعهم الاشتغال به من الضرب في الأرض - أي التجارة - لاشتغالهم به عن التكسب، قال ابن علية‏:‏ كل محيط يحصر بفتح أوله وضم الصاد، والأعذار المانعة تحصر بضم المثناة وكثر الصاد أي تجعل المرء كالمحاط به، وللفقراء يتعلق بمحذوف تقديره الإنفاق المقدم ذكره لهؤلاء انتهى‏.‏
وأما قول المصنف في الترجمة ‏"‏ وكم الغني ‏"‏ فلم يذكر فيه حديثا صريحا فيحتمل أنه أشار إلى أنه لم يرد فيه شيء على شرطه، ويحتمل أن يستفاد المراد من قوله في حديث أبي هريرة ‏"‏ الذي لا يجد غني يغنيه ‏"‏ فإن معناه لا يجد شيئا يقع موقعا من حاجته، فمن وجد ذلك كان غنيا‏.‏
وقد ورد فيه ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعا ‏"‏ من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش‏.‏
قيل يا رسول الله وما يغنيه‏؟‏ قال‏:‏ خمسون درهما أوقيمتها من الذهب ‏"‏ وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف وقد تكلم فيه شعبة من أحل هذا الحديث، وحدث به سفيان الثوري عن حكيم فقيل له‏:‏ إن شعبة لا يحدث عنه، قال‏:‏ لقد حدثني به زبيد أبو عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد يعني شيخ حكيم أخرجه الترمذي أيضا، ونص أحمد في ‏"‏ علل الخلال ‏"‏ وغيرها على أن رواية زبيد موقوفة، وقد تقدم حديث أبي سعيد قريبا من عند النسائي في ‏"‏ باب الاستعفاف ‏"‏ وفيه ‏"‏ من سأل وله أوقية فقد ألحف ‏"‏ وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ ‏"‏ فهو ملحف ‏"‏ وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند النسائي بلفظ ‏"‏ فهو الملحف ‏"‏ وعن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد له صحبة في أثناء حديث مرفوع قال فيه ‏"‏ من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا ‏"‏ أخرجه أبو داود، وعن سهل ابن الحنظلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار‏.‏
فقالوا‏:‏ يا رسول الله وما يغنيه‏؟‏ قال قدر ما يغديه ويعشيه ‏"‏ أخرجه أبو داود أيضا وصححه ابن حبان، قال الترمذي في حديث ابن مسعود‏:‏ والعمل على هذا عند بعض أصحابنا كالثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق‏.‏
قال‏:‏ ووسع قوم في ذلك فقالوا‏:‏ إذا كان عنده خمسون درهما أو أكثر وهو محتاج فله أن يأخذ من الزكاة، وهو قول الشافعي وغيره من أهل العلم انتهى وقال الشافعي‏:‏ قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مـع ضعفه في نفسه وكثرة عياله‏.‏
وفي المسألة مذاهب أخرى‏:‏ أحدها قول أبي حنيفة‏:‏ إن الغني من ملك نصابا فيحرم عليه أخذ الزكاة، واحتج بحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن وقول النبي صلى الله عليه وسلم له ‏"‏ تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ‏"‏ فوصف من تؤخذ الزكاة منه بالغنى وقد قال‏:‏ ‏"‏ لا تحل الصدقة لغني‏"‏‏.‏
ثانيها أن حده ‏"‏ من وجد ما يغديه ويعشيه ‏"‏ على ظاهر حديث سهل ابن الحنظلية حكاه الخطابي عن بعضهم، ومنهم من قال‏:‏ وجهه من لا يجد غداء ولا عشاء على دائم الأوقات‏.‏
ثالثها أن حده أربعون درهما، وهو قول أبي عبيد بن سلام على ظاهر حديث أبي سعيد، وهو الظاهر من تصرف البخاري لأنه أتبع ذلك قوله‏:‏ ‏(‏لا يسألون الناس إلحافا‏)‏ وقد تضمن الحديث المذكور أن من سأل وعنده هذا القدر فقد سأل إلحافا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الْأُكْلَةَ وَالْأُكْلَتَانِ وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِي أَوْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة في ذكر المسكين أورده من طريقين، والمسكين مفعيل من السكون قاله القرطبي قال فكأنه من قلة المال سكنت حركاته ولذا قال تعالى ‏(‏أو مسكينا ذا متربة‏)‏ أي لاصق بالتراب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الأكلة والأكلتان‏)‏ بالضم فيهما، ويؤيده ما في رواية الأعرج الآتية آخر الباب ‏"‏ اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ الذي يطوف على الناس ‏"‏ قال أهل اللغة الأكلة بالضم اللقمة وبالفتح المرة من الغداء والعشاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس له غنى‏)‏ زاد في رواية الأعرج غنى يغنيه، وهذه صفة زائدة على اليسار المنفي، إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغني به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر، وكأن المعنى نفي اليسار المفيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار، وهذا كقوله تعالى ‏(‏لا يسألون الناس إلحافا‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويستحيي‏)‏ زاد في رواية الأعرج ‏"‏ ولا يفطن به ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس ‏"‏ وهو بنصب يتصدق ويسأل، وموضع الترجمة منه قوله ‏"‏ ليس له غنى ‏"‏ وقد أورده المصنف في التفسير من طريق أخرى عن أبي هريرة يظهر تعلقها بهذه الترجمة أكثر من هذه الطريق، ولفظه هناك ‏"‏ إنما المسكين الذي يتعفف، اقرؤوا إن شئتم يعني قوله‏:‏ لا يسألون الناس إلحافا ‏"‏ كذا وقع فيه بزيادة يعني، وقد أخرجه مسلم وأحمد من هذا الوجه بدونها، وكذلك وقع فيه بزيادة ابن أبي حاتم في تفسيره‏.‏
وفي الحديث أن المسكنة إنما تحمد مع العفة عن السؤال والصبر على الحاجة، وفيه استحباب الحياء في كل الأحوال، وحسن الإرشاد لوضع الصدقة، وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح، وفيه دلالة لمن يقول‏:‏ إن الفقير أسوأ حالا من المسكين، وأن المسكين الذي له شيء لكنه لا يكفيه، والفقير الذي لا شيء له كما تقدم توجيهه، ويؤيده قوله تعالى ‏(‏أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر‏)‏ فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة يعملون فيها، وهذا قول الشافعي وجمهور أهل الحديث والفقه، وعكس آخرون فقالوا‏:‏ المسكين أسوأ حالا من الفقير‏.‏
وقال آخرون‏:‏ هما سواء، وهذا قول ابن القاسم وأصحاب مالك، وقيل الفقير الذي يسأل والمسكين الذي لا يسأل حكاه ابن بطال، وظاهره أيضا أن المسكين من اتصف بالتعفف وعدم الإلحاف في السؤال، ولكن قال ابن بطال‏:‏ معناه المسكين الكامل وليس المراد نفي أصل المسكنة عن الطواف، بل هي كقوله ‏"‏ أتدرون من المفلس ‏"‏ الحديث، وقوله تعالى ‏(‏ليس البر‏)‏ الآية، وكذا قرره القرطبي وغير واحد‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ ابْنِ أَشْوَعَ عَنْ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنْ اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ
الشرح‏:‏
حديث المغيرة وابن أشوع بالشين المعجمة وزاد أحمد في رواية الكشميهني ابن الأشوع، وهو سعيد بن عمرو بن الأشوع نسب لجده وكاتب المغيرة هو وراد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإضاعة الأموال‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ المال ‏"‏ وموضع الترجمة منه قوله ‏"‏ وكثرة السؤال ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ فهم منه البخاري سؤال الناس، ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المشكلات، أو عما لا حاجة للسائل به، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ذروني ما تركتكم ‏"‏ قلت‏:‏ وحمله على المعنى الأعم أولى ويستقيم مراد البخاري مع ذلك‏.‏
وقد مضى بعض شرحه في كتاب الصلاة، ويأتي في كتاب الأدب وفي الرقاق مستوفي إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ قَالَ فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ رَجُلًا لَمْ يُعْطِهِ وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ أَوْ مُسْلِمًا قَالَ فَسَكَتُّ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ أَوْ مُسْلِمًا قَالَ فَسَكَتُّ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ أَوْ مُسْلِمًا يَعْنِي فَقَالَ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ وَعَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ بِهَذَا فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَجَمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وَكَتِفِي ثُمَّ قَالَ أَقْبِلْ أَيْ سَعْدُ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ فَكُبْكِبُوا قُلِبُوا فَكُبُّوا مُكِبًّا أَكَبَّ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَلَى أَحَدٍ فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ قُلْتَ كَبَّهُ اللَّهُ لِوَجْهِهِ وَكَبَبْتُهُ أَنَا
الشرح‏:‏
حديث سعد بن أبي وقاص أورده بإسنادين، وموضع الترجمة منه قوله في الرواية الثانية ‏"‏ فجمع بين عنقي وكتفي ثم قال‏:‏ أقبل أي سعد ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه مستوفي في كتاب الإيمان، وأنه أمر بالإقبال أو بالقبول، ووقع عند مسلم ‏"‏ إقبالا أي سعد ‏"‏ على أنه مصدر أي أتقابلني قبالا بهذه المعارضة‏؟‏ وسياقه يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كره منه إلحاحه عليه في المسألة، ويحتمل أن يكون من جهة أن المشفوع له ترك السؤال فمدح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن أبيه عن صالح‏)‏ هو معطوف على الإسناد الأول، وكذا أخرجه مسلم عن الحسن الحلواني عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكبكبوا إلخ‏)‏ تقدمت الإشارة إليه في الإيمان، وجرى المصنف على عادته في إيراد تفسر اللفظة الغريبة إذا وافق ما في الحديث ما في القرآن‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏غير واقع‏)‏ أي لازما و ‏(‏إذا وقع‏)‏ أي إذا كان متعديا، والغرض أن هذه الكلمة من النوادر حيث كان الثلاثي متعديا والمزيد فيه لازما عكس القاعدة التصريفية، قيل ويجوز أن يكون ألف أكب للصيرورة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة الدال على ذم السؤال ومدح الاكتساب، وقد تقدم الكلام عليه مستوفي في ‏"‏ باب الاستعفاف عن المسألة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ أَحْسِبُهُ قَالَ إِلَى الْجَبَلِ فَيَحْتَطِبَ فَيَبِيعَ فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَكْبَرُ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ قَدْ أَدْرَكَ ابْنَ عُمَرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏صالح بن كيسان‏)‏ يعني المذكور في الإسنادين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أكبر من الزهري‏)‏ يعني في السن، ومثل هذا جاء عن أحمد وابن معين‏.‏
وقال علي بن المديني‏:‏ كان أسن من الزهري، فإن مولده سنة خمسين وقيل بعدها ومات سنة ثلاث وعشرين ومائة وقيل سنه أربع، وأما صالح بن كيسان فمات سنة أربعين ومائة وقيل قبلها‏.‏
وذكر الحاكم في مقدار عمره سنا تعقبوه عليه‏.‏
وقوله ‏"‏أدرك ابن عمر ‏"‏ يعني أدرك السماع منه، وأما الزهري فمختلف في لقيه له والصحيح أنه لم يلقه وإنما يروي عن ابنه سالم عنه، والحديثان اللذان وقع في رواية معمر عنه أنه سمعهما عن ابن عمر ثبت ذكر سالم بينهما في رواية غيره والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-12-2013, 07:22 PM
باب مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة ولا إشراف نفس‏.‏

وفي أموالهم حق للسائل والمحروم‏)‏ في رواية المستملي تقديم الآية، وسقطت للأكثر، ومطابقتها لحديث الباب من جهة دلالتها على مدح من يعطي السائل وغير السائل، وإذا كان المعطي ممدوحا فعطيته مقبولة وآخذها غير ملوم‏.‏

وقد اختلف أهل العلم بالتفسير في المراد بالمحروم‏:‏ فروى الطبري من طريق ابن شهاب أنه المتعفف الذي لا يسأل‏.‏

وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن شهاب أنه بلغه، فذكر مثله، وأخرجه الطبري عن قتادة مثله‏.‏

وأخرج فيه أقوالا أخر، وعلى التفسير المذكور تنطبق الترجمة‏.‏

والأشراف بالمعجمة التعرض للشيء والحرص عليه، من قولهم أشرف على كذا إذا تطاول له، وقيل للمكان المرتفع شرف لذلك‏.‏

وتقدير جواب الشرط فليقبل، أي من أعطاه الله مع انتفاء القيدين المذكورين فليقبل‏.‏

وإنما حذفه للعلم به‏.‏

وأوردها بلفظ العموم وإن كان الخبر ورد في الإعطاء من بيت المال لأن الصدقة للفقير في معنى العطاء للغني إذا انتفى الشرطان‏.‏

قال أبو داود سألت أحمد عن إشراف النفس فقال‏:‏ بالقلب‏.‏

وقال يعقوب بن محمد سألت أحمد عنه فقال‏:‏ هو أن يقول مع نفسه يبعث إلي فلان بكذا‏.‏

وقال الأثرم يضيق عليه أن يرده إذا كان كذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي فَقَالَ خُذْهُ إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني‏)‏ زاد في رواية شعيب عن الزهري الآتية في الأحكام ‏"‏ حتى أعطاني مرة مالا فقلت‏:‏ أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال‏:‏ خذه فتموله وتصدق به ‏"‏ وذكر شعيب فيه عن الزهري إسنادا آخر قال‏:‏ أخبرني السائب بن يزيد أن حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر في خلافته فذكر قصة فيها هذا الحديث‏.‏

والسائب فمن فوقه صحابة؛ ففيه أربعة من الصحابة في نسق‏.‏

وقد أخرجه مسلم من رواية عمرو بن الحارث عن الزهري بالإسنادين، لكن قال فيه ‏"‏ عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر ‏"‏ فذكره، جعله من مسند ابن عمر‏.‏

وأخرجه مسلم أيضا من وجه آخر عن ابن السعدي عن عمر، لكن قال فيه ابن الساعدي وزاد فيه ‏"‏ أن عطية النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بسبب العمالة ‏"‏ ولهذا قال الطحاوي‏:‏ ليس معنى هذا الحديث في الصدقات، وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام، وليست هي من جهة الفقر ولكن من الحقوق، فلما قال عمر أعطه من هو أفقر إليه مني لم يرض بذلك لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر قال‏:‏ ويؤيده قوله في رواية شعيب ‏"‏ خذه فتموله ‏"‏ فدل ذلك على أنه ليس من الصدقات‏.‏

وقال الطبري‏:‏ اختلفوا في قوله فخذه بعد إجماعهم على أنه أمر ندب، فقيل هو ندب لكل من أعطي عطية أبى قبولها كائنا من كان، وهذا هو الراجح يعني بالشرطين المتقدمين‏.‏

وقيل هو مخصوص بالسلطان، ويؤيده حديث سمرة في السنن ‏"‏ إلا أن يسأل ذا سلطان ‏"‏ وكان بعضهم يقول‏:‏ يحرم قبول العطية من السلطان، وبعضهم يقول يكره، وهو محمول على ما إذا كانت العطية من السلطان الجائر، والكراهة محمولة على الورع وهو المشهور من تصرف السلف والله أعلم‏.‏

والتحقيق في المسألة أن من علم كون ماله حلالا فلا ترد عطيته، ومن علم كون ماله حراما فتحرم عطيته، ومن شك فيه فالاحتياط رده وهو الورع، ومن أباحه أخذ بالأصل‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ واحتج من رخص فيه بأن الله تعالى قال في اليهود ‏(‏سماعون للكذب أكالون للسحت‏)‏ وقد رهن الشارع درعه عند يهودي مع علمه بذلك، وكذلك أخذ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير والمعاملات الفاسدة‏.‏

وفي حديث الباب أن للإمام أن يعطي بعض رعيته إذا رأى لذلك وجها وإن كان غيره أحوج إليه منه، وأن رد عطية الإمام ليس من الأدب ولا سيما من الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى ‏(‏وما آتاكم الرسول فخذوه‏)‏ الآية‏.‏

*3*باب مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من سأل الناس تكثرا‏)‏ أي فهو مذموم، قال ابن رشيد‏:‏ حديث المغيرة في النهي عن كثرة السؤال الذي أورده في الباب الذي يليه أصرح في مقصود الترجمة من حديث الباب، وإنما آثره عليه لأن من عادته أن يترجم بالأخفى، أو لاحتمال أن يكون المراد بالسؤال في حديث المغيرة النهي عن المسائل المشكلة كالأغلوطات، أو السؤال عما لا يغني، أو عما لم يقع مما يكره وقوعه، قال‏:‏ وأشار مع ذلك إلى حديث ليس على شرطه، وهو ما أخرجه الترمذي من طريق حبشي ابن جنادة في أثناء حديث مرفوع وفيه ‏"‏ ومن سأل الناس ليثري ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة، فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر ‏"‏ انتهى‏.‏

وفي صحيح مسلم من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة ما هو مطابق للفظ الترجمة، فاحتمال كونه أشار إليه أولى ولفظه ‏"‏ من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا ‏"‏ الحديث، والمعنى أنه يسأل ليجمع الكثير من غير احتياج إليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ وَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ثُمَّ بِمُوسَى ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ وَقَالَ مُعَلًّى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن أبي جعفر‏)‏ في رواية أبي صالح الآتية ‏"‏ حدثنا عبيد الله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مزعة لحم‏)‏ مزعة بضم الميم وحكي كسرها وسكون الزاي بعدها مهملة أي قطعة‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ ضبطه بعضهم بفتح الميم والزاي، والذي أحفظه عن المحدثين الضم، قال الخطابي‏:‏ يحتمل أن يكون المراد أنه يأتي ساقطا لا قدر له ولا جاه، أو يعذب في وجهه حتى يسقط لحمه لمشاكلة العقوبة في مواضع الجناية من الأعضاء لكونه أذل وجهه بالسؤال، أو أنه يبعث ووجهه عظم كله فيكون ذلك شعاره الذي يعرف به انتهى‏.‏

والأول صرف للحديث عن ظاهره، وقد يؤيده ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث مسعود بن عمرو مرفوعا ‏"‏ لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه فلا يكون له عند الله وجه ‏"‏ وقال ابن أبي جمرة‏:‏ معناه أنه ليس في وجهه من الحسن شيء، لأن حسن الوجه هو بما فيه من اللحم‏.‏

ومال المهلب إلى حمله على ظاهره، وإلى أن السر فيه أن الشمس تدنو يوم القيامة، فإذا جاء لا لحم بوجهه كانت أذية الشمس له أكثر من غيره، قال‏:‏ والمراد به من سأل تكثرا وهو غني لا تحل له الصدقة، وأما من سأل وهو مضطر فذلك مباح له فلا يعاقب عليه انتهى‏.‏

وبهذا تظهر مناسبة إيراد هذا الطرف من حديث الشفاعة عقب هذا الحديث، قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ لفظ الحديث دال على ذم تكثير السؤال، والترجمة لمن سأل تكثرا، والفرق بينهما ظاهر، لكن لما كان المتوعد عليه على ما تشهد به القواعد هو السائل عن غني وأن سؤال ذي الحاجة مباح نزل البخاري الحديث على من يسأل ليكثر ماله‏.‏

‏(‏بآدم ثم بموسى‏)‏ هذا فيه اختصار، وسيأتي في الرقاق في حديث الشفاعة الطويل ذكر من يقصدونه بين آدم وموسى وبين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكذا الكلام على بقية ما في حديث الشفاعة مما يحتاج إلى الشرح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد عبد الله بن صالح‏)‏ كذا عند أبي ذر، وسقط قوله ‏"‏ ابن صالح ‏"‏ من رواية الأكثر، ولهذا جزم خلف وأبو نعيم بأنه ابن صالح، وقد رويناه في ‏"‏ الإيمان ‏"‏ لابن منده من طريق أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير وعبد الله بن صالح جميعا عن الليث، وساقه بلفظ ‏"‏ عبد الله بن صالح ‏"‏ وقد رواه موصولا من طريق عبد الله بن صالح وحده البزار عن محمد بن إسحاق الصغاني والطبراني في الأوسط عن مطلب بن شعيب وابن منده في ‏"‏ كتاب الإيمان ‏"‏ من طريق يحيى بن عثمان ثلاثتهم عن عبد الله بن صالح فذكره وزاد بعد قوله ‏"‏ استغاثوا بآدم‏:‏ فيقول لست بصاحب ذلك ‏"‏ وتابع عبد الله بن صالح على هذه الزيادة عبد الله بن عبد الحكم عن الليث أخرجه ابن منده أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بحلقة الباب‏)‏ أي باب الجنة، أو هو مجاز عن القرب إلى الله تعالى، والمقام المحمود هو الشفاعة العظمى التي اختص بها وهي إراحة أهل الموقف من أهوال القضاء بينهم والفراغ من حسابهم، والمراد بأهل الجمع أهل الحشر لأنه يوم يجمع فيه الناس كلهم‏.‏

وسيأتي بقية الكلام على المقام المحمود في تفسير سورة سبحان إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال معلى‏)‏ بضم الميم وفتح المهملة وتشديد اللام المفتوحة، وهو ابن أسد، وقد وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه عنه، ومن طريق البيهقي، وآخر حديثه ‏"‏ مزعة لحم ‏"‏ وفيه قصة لحمزة بن عبد الله بن عمر مع أبيه في ذلك، ولهذا قيده المصنف بقوله ‏"‏ في المسألة ‏"‏ أي في الشق الأول من الحديث دون الزيادة، ورويناه أيضا في ‏"‏ معجم أبي سعيد بن الأعرابي ‏"‏ قال حدثنا حمدان بن علي عن معلى بن أسد به، وفي هذا الحديث أن هذا الوعيد يختص بمن أكثر السؤال لا من ندر ذلك منه، ويؤخذ منه جواز سؤال غير المسلم لأن لفظ ‏"‏ الناس ‏"‏ يعم قاله ابن أبي جمرة، وحكي عن بعض الصالحين أنه كان إذا احتاج سأل ذميا لئلا يعاقب المسلم بسببه لو رده‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا

وَكَمْ الْغِنَى وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل ‏(‏لا يسألون الناس إلحافا‏)‏ وكم الغني‏؟‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا يجد غني يغنيه ‏"‏ لقول الله عز وجل ‏(‏للفقراء الذين أحصروا‏)‏ الآية‏)‏ هذه اللام التي في قوله ‏"‏ لقول الله ‏"‏ لام التعليل لأنه أورد الآية تفسيرا لقوله في الترجمة ‏"‏ وكم الغني ‏"‏ وكأنه يقول‏:‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولا يجد غني يغنيه ‏"‏ مبين لقدر الغني لأن الله تعالى جعل الصدقة للفقراء الموصوفين بهذه الصفة، أي من كان كذلك فليس بغني ومن كان بخلافها فهو غني، فحاصله أن شرط السؤال عدم وجدان الغني لوصف الله الفقراء بقوله‏:‏ ‏(‏لا يستطيعون ضربا في الأرض‏)‏ إذ من استطاع ضربا فيها فهو واجد لنوع من الغنى، والمراد بالذين أحصروا الذين حصرهم الجهاد أي منعهم الاشتغال به من الضرب في الأرض - أي التجارة - لاشتغالهم به عن التكسب، قال ابن علية‏:‏ كل محيط يحصر بفتح أوله وضم الصاد، والأعذار المانعة تحصر بضم المثناة وكثر الصاد أي تجعل المرء كالمحاط به، وللفقراء يتعلق بمحذوف تقديره الإنفاق المقدم ذكره لهؤلاء انتهى‏.‏

وأما قول المصنف في الترجمة ‏"‏ وكم الغني ‏"‏ فلم يذكر فيه حديثا صريحا فيحتمل أنه أشار إلى أنه لم يرد فيه شيء على شرطه، ويحتمل أن يستفاد المراد من قوله في حديث أبي هريرة ‏"‏ الذي لا يجد غني يغنيه ‏"‏ فإن معناه لا يجد شيئا يقع موقعا من حاجته، فمن وجد ذلك كان غنيا‏.‏

وقد ورد فيه ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعا ‏"‏ من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش‏.‏

قيل يا رسول الله وما يغنيه‏؟‏ قال‏:‏ خمسون درهما أوقيمتها من الذهب ‏"‏ وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف وقد تكلم فيه شعبة من أحل هذا الحديث، وحدث به سفيان الثوري عن حكيم فقيل له‏:‏ إن شعبة لا يحدث عنه، قال‏:‏ لقد حدثني به زبيد أبو عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد يعني شيخ حكيم أخرجه الترمذي أيضا، ونص أحمد في ‏"‏ علل الخلال ‏"‏ وغيرها على أن رواية زبيد موقوفة، وقد تقدم حديث أبي سعيد قريبا من عند النسائي في ‏"‏ باب الاستعفاف ‏"‏ وفيه ‏"‏ من سأل وله أوقية فقد ألحف ‏"‏ وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ ‏"‏ فهو ملحف ‏"‏ وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند النسائي بلفظ ‏"‏ فهو الملحف ‏"‏ وعن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد له صحبة في أثناء حديث مرفوع قال فيه ‏"‏ من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا ‏"‏ أخرجه أبو داود، وعن سهل ابن الحنظلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار‏.‏

فقالوا‏:‏ يا رسول الله وما يغنيه‏؟‏ قال قدر ما يغديه ويعشيه ‏"‏ أخرجه أبو داود أيضا وصححه ابن حبان، قال الترمذي في حديث ابن مسعود‏:‏ والعمل على هذا عند بعض أصحابنا كالثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق‏.‏

قال‏:‏ ووسع قوم في ذلك فقالوا‏:‏ إذا كان عنده خمسون درهما أو أكثر وهو محتاج فله أن يأخذ من الزكاة، وهو قول الشافعي وغيره من أهل العلم انتهى وقال الشافعي‏:‏ قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مـع ضعفه في نفسه وكثرة عياله‏.‏

وفي المسألة مذاهب أخرى‏:‏ أحدها قول أبي حنيفة‏:‏ إن الغني من ملك نصابا فيحرم عليه أخذ الزكاة، واحتج بحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن وقول النبي صلى الله عليه وسلم له ‏"‏ تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ‏"‏ فوصف من تؤخذ الزكاة منه بالغنى وقد قال‏:‏ ‏"‏ لا تحل الصدقة لغني‏"‏‏.‏

ثانيها أن حده ‏"‏ من وجد ما يغديه ويعشيه ‏"‏ على ظاهر حديث سهل ابن الحنظلية حكاه الخطابي عن بعضهم، ومنهم من قال‏:‏ وجهه من لا يجد غداء ولا عشاء على دائم الأوقات‏.‏

ثالثها أن حده أربعون درهما، وهو قول أبي عبيد بن سلام على ظاهر حديث أبي سعيد، وهو الظاهر من تصرف البخاري لأنه أتبع ذلك قوله‏:‏ ‏(‏لا يسألون الناس إلحافا‏)‏ وقد تضمن الحديث المذكور أن من سأل وعنده هذا القدر فقد سأل إلحافا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الْأُكْلَةَ وَالْأُكْلَتَانِ وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِي أَوْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في ذكر المسكين أورده من طريقين، والمسكين مفعيل من السكون قاله القرطبي قال فكأنه من قلة المال سكنت حركاته ولذا قال تعالى ‏(‏أو مسكينا ذا متربة‏)‏ أي لاصق بالتراب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأكلة والأكلتان‏)‏ بالضم فيهما، ويؤيده ما في رواية الأعرج الآتية آخر الباب ‏"‏ اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ الذي يطوف على الناس ‏"‏ قال أهل اللغة الأكلة بالضم اللقمة وبالفتح المرة من الغداء والعشاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس له غنى‏)‏ زاد في رواية الأعرج غنى يغنيه، وهذه صفة زائدة على اليسار المنفي، إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغني به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر، وكأن المعنى نفي اليسار المفيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار، وهذا كقوله تعالى ‏(‏لا يسألون الناس إلحافا‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويستحيي‏)‏ زاد في رواية الأعرج ‏"‏ ولا يفطن به ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس ‏"‏ وهو بنصب يتصدق ويسأل، وموضع الترجمة منه قوله ‏"‏ ليس له غنى ‏"‏ وقد أورده المصنف في التفسير من طريق أخرى عن أبي هريرة يظهر تعلقها بهذه الترجمة أكثر من هذه الطريق، ولفظه هناك ‏"‏ إنما المسكين الذي يتعفف، اقرؤوا إن شئتم يعني قوله‏:‏ لا يسألون الناس إلحافا ‏"‏ كذا وقع فيه بزيادة يعني، وقد أخرجه مسلم وأحمد من هذا الوجه بدونها، وكذلك وقع فيه بزيادة ابن أبي حاتم في تفسيره‏.‏

وفي الحديث أن المسكنة إنما تحمد مع العفة عن السؤال والصبر على الحاجة، وفيه استحباب الحياء في كل الأحوال، وحسن الإرشاد لوضع الصدقة، وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح، وفيه دلالة لمن يقول‏:‏ إن الفقير أسوأ حالا من المسكين، وأن المسكين الذي له شيء لكنه لا يكفيه، والفقير الذي لا شيء له كما تقدم توجيهه، ويؤيده قوله تعالى ‏(‏أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر‏)‏ فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة يعملون فيها، وهذا قول الشافعي وجمهور أهل الحديث والفقه، وعكس آخرون فقالوا‏:‏ المسكين أسوأ حالا من الفقير‏.‏

وقال آخرون‏:‏ هما سواء، وهذا قول ابن القاسم وأصحاب مالك، وقيل الفقير الذي يسأل والمسكين الذي لا يسأل حكاه ابن بطال، وظاهره أيضا أن المسكين من اتصف بالتعفف وعدم الإلحاف في السؤال، ولكن قال ابن بطال‏:‏ معناه المسكين الكامل وليس المراد نفي أصل المسكنة عن الطواف، بل هي كقوله ‏"‏ أتدرون من المفلس ‏"‏ الحديث، وقوله تعالى ‏(‏ليس البر‏)‏ الآية، وكذا قرره القرطبي وغير واحد‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ ابْنِ أَشْوَعَ عَنْ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنْ اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ

الشرح‏:‏

حديث المغيرة وابن أشوع بالشين المعجمة وزاد أحمد في رواية الكشميهني ابن الأشوع، وهو سعيد بن عمرو بن الأشوع نسب لجده وكاتب المغيرة هو وراد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإضاعة الأموال‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ المال ‏"‏ وموضع الترجمة منه قوله ‏"‏ وكثرة السؤال ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ فهم منه البخاري سؤال الناس، ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المشكلات، أو عما لا حاجة للسائل به، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ذروني ما تركتكم ‏"‏ قلت‏:‏ وحمله على المعنى الأعم أولى ويستقيم مراد البخاري مع ذلك‏.‏

وقد مضى بعض شرحه في كتاب الصلاة، ويأتي في كتاب الأدب وفي الرقاق مستوفي إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ قَالَ فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ رَجُلًا لَمْ يُعْطِهِ وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ أَوْ مُسْلِمًا قَالَ فَسَكَتُّ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ أَوْ مُسْلِمًا قَالَ فَسَكَتُّ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ أَوْ مُسْلِمًا يَعْنِي فَقَالَ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ وَعَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ بِهَذَا فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَجَمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وَكَتِفِي ثُمَّ قَالَ أَقْبِلْ أَيْ سَعْدُ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ فَكُبْكِبُوا قُلِبُوا فَكُبُّوا مُكِبًّا أَكَبَّ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَلَى أَحَدٍ فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ قُلْتَ كَبَّهُ اللَّهُ لِوَجْهِهِ وَكَبَبْتُهُ أَنَا

الشرح‏:‏

حديث سعد بن أبي وقاص أورده بإسنادين، وموضع الترجمة منه قوله في الرواية الثانية ‏"‏ فجمع بين عنقي وكتفي ثم قال‏:‏ أقبل أي سعد ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه مستوفي في كتاب الإيمان، وأنه أمر بالإقبال أو بالقبول، ووقع عند مسلم ‏"‏ إقبالا أي سعد ‏"‏ على أنه مصدر أي أتقابلني قبالا بهذه المعارضة‏؟‏ وسياقه يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كره منه إلحاحه عليه في المسألة، ويحتمل أن يكون من جهة أن المشفوع له ترك السؤال فمدح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن أبيه عن صالح‏)‏ هو معطوف على الإسناد الأول، وكذا أخرجه مسلم عن الحسن الحلواني عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكبكبوا إلخ‏)‏ تقدمت الإشارة إليه في الإيمان، وجرى المصنف على عادته في إيراد تفسر اللفظة الغريبة إذا وافق ما في الحديث ما في القرآن‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏غير واقع‏)‏ أي لازما و ‏(‏إذا وقع‏)‏ أي إذا كان متعديا، والغرض أن هذه الكلمة من النوادر حيث كان الثلاثي متعديا والمزيد فيه لازما عكس القاعدة التصريفية، قيل ويجوز أن يكون ألف أكب للصيرورة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة الدال على ذم السؤال ومدح الاكتساب، وقد تقدم الكلام عليه مستوفي في ‏"‏ باب الاستعفاف عن المسألة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ أَحْسِبُهُ قَالَ إِلَى الْجَبَلِ فَيَحْتَطِبَ فَيَبِيعَ فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَكْبَرُ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ قَدْ أَدْرَكَ ابْنَ عُمَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏صالح بن كيسان‏)‏ يعني المذكور في الإسنادين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أكبر من الزهري‏)‏ يعني في السن، ومثل هذا جاء عن أحمد وابن معين‏.‏

وقال علي بن المديني‏:‏ كان أسن من الزهري، فإن مولده سنة خمسين وقيل بعدها ومات سنة ثلاث وعشرين ومائة وقيل سنه أربع، وأما صالح بن كيسان فمات سنة أربعين ومائة وقيل قبلها‏.‏

وذكر الحاكم في مقدار عمره سنا تعقبوه عليه‏.‏

وقوله ‏"‏أدرك ابن عمر ‏"‏ يعني أدرك السماع منه، وأما الزهري فمختلف في لقيه له والصحيح أنه لم يلقه وإنما يروي عن ابنه سالم عنه، والحديثان اللذان وقع في رواية معمر عنه أنه سمعهما عن ابن عمر ثبت ذكر سالم بينهما في رواية غيره والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-12-2013, 07:43 PM
*3*باب خَرْصِ الثَّمَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب خرص التمر‏)‏ أي مشروعيته، والخرص بفتح المعجمة وحكي كسرها وبسكون الراء بعدها مهملة هو حزر ما على النخل من الرطب تمرا، حكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن تفسيره أن الثمار إذا أدركت من الرطب والعنب مما تجب فيه الزكاة بعث السلطان خارصا ينظر فيقول‏:‏ يخرج من هذا كذا وكذا زبيبا وكذا وكذا تمرا فيحصيه وينظر مبلغ العشر فيثبته عليهم ويخلي بينهم وبين الثمار، فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر انتهى‏.‏

وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها والبيع من زهوها وإيثار الأهل والجيران والفقراء، لأن في منعهم منها تضييقا لا يخفى‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ أنكر أصحاب الرأي الخرص‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنما كان يفعل تخويفا للمزارعين لئلا يخونوا إلا ليلزم به الحكم لأنه تخمين وغرور، أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار‏.‏

وتعقبه الخطابي بأن تحريم الربا والميسر متقدم، والخرص عمل به في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم أبو بكر وعمر فمن بعدهم، ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبي، قال‏:‏ وأما قولهم إنه تخمين وغرور فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير‏.‏

وحكى أبو عبيد عن قوم منهم أن الخرص كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يوفق من الصواب ما لا يوفق له غيره، وتعقبه بأنه لا يلزم من كون غيره لا يسدد لما كان يسدد له سواء أن تثبت بذلك الخصوصية ولو كان المرء لا يجب عليه الاتباع إلا فيما يعلم أنه يسدد فيه كتسديد الأنبياء لسقط الاتباع، وترد هذه الحجة أيضا بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم الخراص في زمانه والله أعلم، واعتل الطحاوي بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة فتتلفها فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذا بدلا مما لم يسلم له، وأجيب بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص، قال ابن المنذر‏:‏ أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ فلا ضمان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ الْقُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ اخْرُصُوا وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ لَهَا أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُومَنَّ أَحَدٌ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ فَعَقَلْنَاهَا وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّءٍ وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ فَلَمَّا أَتَى وَادِيَ الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ قَالَتْ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيَتَعَجَّلْ فَلَمَّا قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كَلِمَةً مَعْنَاهَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ هَذِهِ طَابَةُ فَلَمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الْأَنْصَارِ قَالُوا بَلَى قَالَ دُورُ بَنِي النَّجَّارِ ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ أَوْ دُورُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ يَعْنِي خَيْرًا وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي عَمْرٌو ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَهُوَ حَدِيقَةٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ لَمْ يُقَلْ حَدِيقَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن يحيى‏)‏ هو المازني، ولمسلم من وجه آخر عن وهيب حدثنا عمرو بن يحيى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عباس الساعدي‏)‏ هو ابن سهل بن سعد، ووقع في رواية أبي داود عن سهل بن بكار شيخ البخاري فيه عن العباس الساعدي يعني ابن سهل بن مسعد‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن وهيب حدثنا عمرو بن يحيى حدثنا عباس بن سهل الساعدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غزوة تبوك‏)‏ سيأتي شرحها في المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما جاء وادي القرى‏)‏ هي مدينة قديمة بين المدينة والشام سيأتي ذكرها في البيوع، وأغرب ابن قرقول فقال‏:‏ إنها من أعمال المدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا امرأة في حديقة لها‏)‏ استدل به على جواز الابتداء بالنكرة لكن بشرط الإفادة، قال ابن مالك‏:‏ لا يمتنع الابتداء بالنكرة المحضة على الإطلاق، بل إذا لم تحصل فائدة، فلو اقترن بالنكرة المحضة قرينة يتحصل بها الفائدة جاز الابتداء بها نحو انطلقت فإذا سبع في الطريق إلخ‏.‏

ووقع في رواية سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عند مسلم ‏"‏ فآتينا على حديقة امرأة ‏"‏ ولم أقف على اسمها في شيء من الطرق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اخرصوا‏)‏ بضم الراء، زاد سليمان ‏"‏ فخرصنا ‏"‏ ولم أقف على أسماء من خرص منهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخرص‏)‏ في رواية سليمان ‏"‏ وخرصها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحصي‏)‏ أي احفظي عدد كيلها‏.‏

وفي رواية سليمان ‏"‏ أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله تعالى ‏"‏ وأصل الإحصاء العدد بالحصى لأنهم كانوا لا يحسنون الكتابة فكانوا يضبطون العدد بالحصى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ستهب الليلة‏)‏ زاد سليمان ‏"‏ عليكم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا يقومن أحد‏)‏ في رواية سليمان ‏"‏ فلا يقم فيها أحد منكم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليعقله‏)‏ أي يشده بالعقال وهو الحبل‏.‏

وفي رواية سليمان ‏"‏ فليشد عقاله ‏"‏ وفي رواية ابن إسحاق في المغازي عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عباس بن سهل ‏"‏ ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام رجل فألقته بجبل طيء‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بجبلي طي ‏"‏ وفي رواية الإسماعيلي من طريق عفان عن وهيب ‏"‏ ولم يقم فيها أحد غير رجلين ألقتهما بجبل طي ‏"‏ وفيه نظر بينته رواية ابن إسحاق ولفظه ‏"‏ ففعل الناس ما أمرهم إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج آخر في طلب بعير له، فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبل طي، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا ومعه صاحب له‏.‏

ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي، وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من تبوك ‏"‏ والمراد بجبلي طي المكان الذي كانت القبيلة المذكورة تنزله، واسم الجبلين المذكورين ‏"‏ أجأ ‏"‏ بهمزة وجيم مفتوحتين بعدهما همزة بوزن قمر وقد لا تهمز فيكون بوزن عصا و ‏"‏ سلمى ‏"‏ وهما مشهوران، ويقال إنهما سميا باسم رجل وامرأة من العماليق‏.‏

ولم أقف على اسم الرجلين المذكورين وأظن ترك ذكرهما وقع عمدا، فقد وقع في آخر حديث ابن إسحاق أن عبد الله بن أبي بكر حدثه أن العباس بن سهل سمى الرجلين ولكنه استكتمني إياهما قال‏:‏ وأبى عبد الله أن يسميهما لنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأهدى ملك أيلة‏)‏ بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام مفتوحة بلدة قديمة بساحل البحر تقدم ذكرها في ‏"‏ باب الجمعة في القرى والمدن‏"‏، ووقع في رواية سليمان عند مسلم ‏"‏ وجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء ‏"‏ وفي مغازي ابن إسحاق ‏"‏ ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يوحنا بن روبة صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية ‏"‏ وكذا رواه إبراهيم الحربي في الهدايا من حديث علي، فاستفيد من ذلك اسمه واسم أبيه، فلعل العلماء اسم أمه، ويوحنا بضم التحتانية وفتح المهملة وتشديد النون، وروبة بضم الراء وسكون الواو بعدها موحدة، واسم البغلة المذكورة دلدل هكذا جزم به النووي، ونقل عن العلماء أنه لا يعرف له بغلة سواها، وتعقب بأن الحاكم أخرج في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ عن ابن عباس ‏"‏ أن كسرى أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه ‏"‏ الحديث، وهذه غير دلدل‏.‏

ويقال إن النجاشي أهدى له بغلة، وأن صاحب دومة الجندل أهدى له بغلة، وأن دلدل إنما أهداها له المقوقس‏.‏

وذكر السهيلي أن التي كانت تحته يوم حنين تسمى فضة وكانت شهباء، ووقع عند مسلم في هذه البغلة أن فروة أهداها له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكتب له ببحرهم‏)‏ أي ببلدهم، أو المراد بأهل بحرهم لأنهم كانوا سكانا بساحل البحر أي أنه أقره عليهم بما التزموه من الجزية، وفي بعض الروايات ‏"‏ ببحرتهم ‏"‏ أي بلدتهم، وقيل البحرة الأرض‏.‏

وذكر ابن إسحاق الكتاب، وهو بعد البسملة‏:‏ ‏"‏ هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليوحنا بن روبة وأهل أيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر، لهم ذمة الله ومحمد النبي ‏"‏ وساق بقية الكتاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كم جاء حديقتك‏)‏ أي تمر حديقتك‏.‏

وفي رواية مسلم ‏"‏ فسأل المرأة عن حديقتها كما بلغ ثمرها ‏"‏ وقوله ‏"‏ عشرة ‏"‏ بالنصب على نزع الخافض أو على الحال، وقوله ‏"‏خرص ‏"‏ بالنصب أيضا إما بدلا وإما بيانا، ويجوز الرفع فيهما وتقديره الحاصل عشرة أوسق وهو خرص رسول الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما قال ابن بكار كلمة معناها أشرف على المدينة‏)‏ ابن بكار هو سهل شيخ البخاري، فكأن البخاري شك في هذه اللفظة فقال هذا، وقد رواه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ عن فاروق عن أبي مسلم وغيره عن سهل فذكرها بهذا اللفظ سواء، وسيأتي الكلام على بقية الحديث وما يتعلق بالمدينة في فضل المدينة، وما يتعلق بالأنصار في مناقب الأنصار، فإنه ساق ذلك هناك أتم مما هنا‏.‏

وقوله ‏"‏طابة ‏"‏ هو من أسماء المدينة كطيبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سليمان بن بلال حدثني عمرو‏)‏ يعني ابن يحيى بالإسناد المذكور، وهذه الطريق موصولة في فضائل الأنصار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سليمان‏)‏ هو ابن بلال المذكور، وسعد بن سعيد هو الأنصاري أخو يحيى بن سعيد، وعباس هو ابن سهل بن سعد، وهي موصولة في ‏"‏ فوائد علي بن خزيمة ‏"‏ قال ‏"‏ حدثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان أي ابن بلال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال ‏"‏ فذكره وأوله ‏"‏ أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دنا من المدينة أخذ طريق غراب لأنها أقرب إلى المدينة وترك الأخرى ‏"‏ فساق الحديث ولم يذكر أوله، واستفيد منه بيان قوله ‏"‏ إني متعجل إلى المدينة، فمن أحب فليتعجل معي ‏"‏ أي إني سالك الطريق القريبة فمن أراد فليأت معي يعني ممن له اقتدار على ذلك دون بقية الجيش‏.‏

وظهر أن عمارة بن غزية خالف عمرو بن يحيى في إسناد الحديث فقال عمرو ‏"‏ عن عباس عن أبي حميد ‏"‏ وقال عمارة ‏"‏ عن عباس عن أبيه‏"‏‏.‏

فيحتمل أن يسلك طريق الجمع بأن يكون عباس أخذ القدر المذكور وهو ‏"‏ أحد جبل يحبنا ونحبه ‏"‏ عن أبيه وعن أبي حميد معا، أو حمل الحديث عنهما معا، أو كله عن أبي حميد ومعظمه عن أبيه وكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، ولذلك كان لا يجمعهما‏.‏

وقد وقع في رواية ابن إسحاق المذكورة ‏"‏ عباس بن سهل بن سعد أو عباس عن سهل ‏"‏ فتردد فيه هل هو مرسل أو رواه عن أبيه فيوافق قول عمارة، لكن سياق عمرو بن يحيى أتم من سياق غيره، والله أعلم‏.‏

وفي هذا الحديث مشروعية الخرص، وقد تقدم ذكر الخلاف فيه أول الباب، واختلف القائلون به هل هو وأجب أو مستحب، فحكى الصيمري من الشافعية وجها بوجوبه‏.‏

وقال الجمهور هو مستحب إلا إن تعلق به حق لمحجور مثلا أو كان شركاؤه غير مؤتمنين فيجب لحفظ مال الغير، واختلف أيضا هل يختص بالنخل أو يلحق به العنب أو يعم كل ما ينتفع به رطبا وجافا‏؟‏ وبالأول قال شريح القاضي وبعض أهل الظاهر، والثاني قول الجمهور، وإلى الثالث نحا البخاري‏.‏

وهل يمضي قول الخارص أو يرجع إلى ما آل إليه الحال بعد الجفاف‏؟‏ الأول قول مالك وطائفة، والثاني قول الشافعي ومن تبعه‏.‏

وهل يكفي خارص واحد عارف ثقة أو لا بد من اثنين‏؟‏ وهما قولان للشافعي، والجمهور على الأول‏.‏

واختلف أيضا هل هو اعتبار أو تضمين‏؟‏ وهما قولان للشافعي أظهرهما الثاني، وفائدته جواز التصرف في جميع الثمرة ولو أتلف المالك الثمرة بعد الخرص أخذت منه الزكاة بحساب ما خرص‏.‏

وفيه أشياء من أعلام النبوة كالإخبار عن الريح وما ذكر في تلك القصة، وفيه تدريب الاتباع وتعليمهم، وأخذ الحذر مما يتوقع الخوف منه‏.‏

وفضل المدينة والأنصار، ومشروعية المفاضلة بين الفضلاء بالإجمال والتعيين، ومشروعية الهدية والمكافأة عليها‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ في السنن وصحيح ابن حبان من حديث سهل ابن أبي حثمة مرفوعا ‏"‏ إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع‏"‏‏.‏

وقال بظاهره الليث وأحمد وإسحاق وغيرهم، وفهم منه أبو عبيد في ‏"‏ كتاب الأموال ‏"‏ أنه القدر الذي يأكلونه بحسب احتياجهم إليه فقال‏:‏ يترك قدر احتياجهم‏.‏

وقال مالك وسفيان‏:‏ لا يترك لهم شيء، وهو المشهور عن الشافعي، قال ابن العربي‏:‏ والمتحصل من صحيح النظر أن يعمل بالحديث وهو قدر المؤونة، ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب مما يؤكل رطبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبيد‏)‏ هو القاسم بن سلام الإمام المشهور صاحب ‏"‏ الغريب ‏"‏ وكلامه هذا في غريب الحديث له‏.‏

وقال صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏‏:‏ هو من الرياض كل أرض استدارت، وقيل كل أرض ذات شجر مثمر ونخل، وقيل كل حفرة تكون في الوادي يحتبس فيها الماء، فإذا لم يكن فيه ماء فهو حديقة، ويقال الحديقة أعمق من الغدير والحديقة القطعة من الزرع يعني أنه من المشترك‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-12-2013, 07:46 PM
‏.‏

*3*باب الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَبِالْمَاءِ الْجَارِي

وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْعَسَلِ شَيْئًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب العشر فيما يسقى من ماء السماء والماء الجاري‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ عدل من لفظ العيون الواقع في الخبر إلى الماء الجاري ليجريه مجرى التفسير للمقصود من ماء العيون وأنه الماء الذي يجري بنفسه من غير نضح وليبين أن الذي يجري بنفسه من نهر أو غدير حكمه حكم ما يجري من العيون انتهى، وكأنه أشار إلى ما في بعض طرقه، فعند أبي داود ‏"‏ فيما سقت السماء والأنهار والعيون ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم ير عمر بن عبد العزيز في العسل شيئا‏)‏ أي زكاة، وصله مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال‏:‏ جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى أن لا تأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بإسناد صحيح إلى نافع مولى ابن عمر قال ‏"‏ بعثني عمر بن عبد العزيز على اليمن فأردت أن آخذ من العسل العشر، فقال مغيرة بن حكيم الصنعاني‏:‏ ليس فيه شيء، فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز فقال‏:‏ صدق، هو عدل رضا، ليس فيه شيء ‏"‏ وجاء عن عمر بن عبد العزيز ما يخالفه أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن كتاب إبراهيم بن ميسرة قال‏:‏ ‏"‏ ذكر لي بعض من لا أتهم من أهلي أنه تذاكر هو وعروة بن محمد السعدي فزعم عروة أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن صدقة العسل، فزعم عروة أنه كتب إليه‏:‏ إنا قد وجدنا بيان صدقة العسل بأرض الطائف فخذ منه العشر انتهى ‏"‏ وهذا إسناد ضعيف لجهالة الواسطة، والأول أثبت، وكأن البخاري أشار إلى تضعيف ما روي ‏"‏ أن في العسل العشر ‏"‏ وهو ما أخرجه عبد الرزاق بسنده عن أبي هريرة قال ‏"‏ كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أن يؤخذ من العسل العشر ‏"‏ وفي إسناده عبد الله بن محرر وهو بمهملات وزن محمد قال البخاري في تاريخه‏:‏ عبد الله متروك، ولا يصح في زكاه العسل شيء‏.‏

قال الترمذي‏:‏ لا يصح في هذا الباب شيء‏.‏

قال الشافعي في القديم‏:‏ حديث أن في العسل العشر ضعيف، وفي أن لا يؤخذ منه العشر ضعيف، إلا عن عمر بن عبد العزيز انتهى‏.‏

وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق طاوس ‏"‏ أن معاذا لما أتى اليمن قال‏:‏ لم أؤمر فيهما بشيء ‏"‏ يعني العسل وأوقاص البقر، وهذا منقطع، وأما ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ‏"‏ جاء هلال أحد بني متعان - أي بضم الميم وسكون المثناة بعدها مهملة - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له وكان سأله أن يحمي له واديا فحماه له، فلما ولي عمر كتب إلى عامله‏:‏ إن أدى إليك عشور نحله فاحم له سلبه وإلا فلا ‏"‏ وإسناده صحيح إلى عمرو وترجمة عمرو قوية على المختار لكن حيث لا تعارض، وقد ورد ما يدل على أن هلالا أعطى ذلك تطوعا، فعند عبد الرزاق عن صالح بن دينار ‏"‏ أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد ينهاه أن يأخذ من العسل صدقة إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذها فجمع عثمان أهل العسل فشهدوا أن هلال بن سعد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعسل فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ صدقة فأمر برفعها ولم يذكر عشورا ‏"‏ لكن الإسناد الأول أقوى، إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ ليس في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه، وهو قول الجمهور وعن أبي حنيفة وأحمد وإسحاق يحب العشر فيما أخذ من غير أرض الخراج‏.‏

وما نقله عن الجمهور مقابله قول الترمذي بعد أن أخرج حديث ابن عمر فيه، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم‏.‏

وقال بعض أهل العلم‏:‏ ليس في العسل شيء، وأشار شيخنا في شرحه إلى أن الذي نقله ابن المنذر أقوى، قال ابن المنير‏:‏ مناسبة أثر عمر في العسل للترجمة من جهة أن الحديث يدل على أن لا عشر فيه لأنه خص العشر أو نصفه بما يسقى، فأفهم أن ما لا يسقى لا يعشر، زاد ابن رشيد فإن قيل المفهوم إنما ينفي العشر أو نصفه لا مطلق الزكاة، فالجواب أن الناس قائلان‏:‏ مثبت للعشر وناف للزكاة أصلا فتم المراد، قال‏:‏ ووجه إدخاله العسل أيضا للتنبيه على الخلاف فيه وأنه لا يرى فيه زكاة وإن كانت النحل تتغذى مما يسقى من السماء لكن المتولد بالمباشرة كالزرع ليس كالمتولد بواسطة حيوان كاللبن فإنه متولد عن الرعي ولا زكاة فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ هَذَا تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الْأَوَّلِ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَفِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَبَيَّنَ فِي هَذَا وَوَقَّتَ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ كَمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ وَقَالَ بِلَالٌ قَدْ صَلَّى فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلَالٍ وَتُرِكَ قَوْلُ الْفَضْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عثريا‏)‏ بفتح المهملة والمثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية، وحكي عن ابن الأعرابي تشديد المثلثة ورده ثعلب وحكى ابن عديس في المثلث فيه ضم أوله وإسكان ثانيه قال الخطابي‏:‏ هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي، زاد ابن قدامة عن القاضي أبي يعلى‏:‏ وهو المستنقع في بركة ونحوها يصب إليه من ماء المطر في سواق تشق له قال‏:‏ واشتقاقه من العاثور وهي الساقية التي يجري فيها الماء لأن الماشي يعثر فيها‏.‏

قال ومنه الذي يشرب من الأنهار بغير مؤونة، أو يشرب بعروقه كأن يغرس في أرض يكون الماء قريبا من وجهها فيصل إليه عروق الشجر فيستغني عن السقي، وهذا التفسير أولى من إطلاق أبي عبيد أن العثري ما سقته السماء، لأن سياق الحديث يدل على المغايرة، وكذا قول من فسر العثري بأنه الذي لا حمل له لأنه لا زكاة فيه، قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم في هذه التفرقة التي ذكرناها خلافا قوله‏:‏ ‏(‏بالنضح‏)‏ بفتح النون وسكون المعجمة بعدها مهملة أي بالسانية، وهي رواية مسلم والمراد بها الإبل التي يستقى عليها، وذكر الإبل كالمثال وإلا فالبقر وغيرها كذلك في الحكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ هذا تفسير الأول إلخ‏)‏ هكذا وقع في رواية أبي ذر هذا الكلام عقب حديث ابن عمر في العثري، ووقع في رواية غيره عقب حديث أبي سعيد المذكور في الباب الذي بعده، وهو الذي وقع عند الإسماعيلي أيضا، وجزم أبو علي الصدفي بأن ذكره عقب حديث ابن عمر من قبل بعض نساخ الكتاب انتهى ولم يقف الصغاني على اختلاف الروايات فجزم بأنه وقع هنا في جميعها قال وحقه أن يذكر في الباب الذي يليه، قلت‏:‏ ولذكره عقب كل من الحديثين وجه، لكن تعبيره بالأول يرجح كونه بعد حديث أبي سعيد لأنه هو المفسر الذي قبله وهو حديث ابن عمر، فحديث ابن عمر بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب وفي إيجاب الزكاة في كل ما يسقى بمؤونة وبغير مؤونة، ولكنه عند الجمهور مختص بالمعنى الذي سيق لأجله وهو التمييز بين ما يجب فيه العشر أو نصف العشر بخلاف حديث أبي سعيد فإنه مساق لبيان جنس المخرج منه وقدره فأخذ به الجمهور عملا بالدليلين كما سيأتي بسط القول فيه بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد جزم الإسماعيلي بأن كلام البخاري وقع عقب حديث أبي سعيد ودل حديث الباب على التفرقة في القدر المخرج الذي يسقى بنضح أو بغير نضح، فإن وجد ما يسقى بهما فظاهره أنه يجب فيه ثلاثة أرباع العشر إذا تساوى ذلك وهو قول أهل العلم، قال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافا، وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعا للأكثر نص عليه أحمد، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، والثاني يؤخذ بالقسط، ويحتمل أن يقال إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه، وعن ابن القاسم صاحب مالك العبرة بما تم به الزرع وانتهى ولو كان أقل قاله ابن التين عن حكاية أبي محمد بن أبي زيد عنه والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال النسائي عقب تخريج هذا الحديث‏:‏ رواه نافع عن ابن عمر عن عمر، قال وسالم أجل من نافع وقول نافع أولى بالصواب‏.‏

وقوله بعده ‏(‏هذا تفسير الأول لأنه لم يوقت في الأول‏)‏ أي لم يذكر حدا للنصاب، و قوله‏:‏ ‏(‏وبين في هذا‏)‏ يعني في حديث أبي سعيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والزيادة مقبولة‏)‏ أي من الحافظ، والثبت بتحريك الموحدة الثبات والحجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والمفسر يقضي على المبهم‏)‏ ‏:‏ أي الخاص يقضي على العام لأن ‏"‏ فيما سقت ‏"‏ عام يشمل النصاب ودونه، و ‏"‏ ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ‏"‏ خاص بقدر النصاب وأجاب بعض الحنفية بأن محل ذلك ما إذا كان البيان وفق المبين لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه، أما إذا انتفى شيء من أفراد العام مثلا فيمكن التمسك به كحديث أبي سعيد هذا فإنه دل على النصاب فيما يقبل التوسيق، وسكت عما لا يقبل التوسيق فيمكن التمسك بعموم قوله فيما سقت السماء العشر أي مما لا يمكن التوسيق فيه عملا بالدليلين، وأجاب الجمهور بما روي مرفوعا ‏"‏ لا زكاة في الخضراوات ‏"‏ رواه الدارقطني من طريق علي وطلحة ومعاذ مرفوعا وقال الترمذي لا يصح فيه شيء إلا مرسل موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو دال على أن الزكاة إنما هي فيما يكال مما يدخر للاقتيات في حال الاختيار‏.‏

وهذا قول مالك والشافعي‏.‏

وعن أحمد يخرج من جميع ذلك ولو كان لا يقتات وهو قول محمد وأبي يوسف وحكى ابن المنذر الإجماع على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض، إلا أن أبا حنيفة قال تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلا الحطب والقصب والحشيش والشجر الذي ليس له ثمر انتهى‏.‏

وحكى عياض عن داود أن كل ما يدخل فيه الكيل يراعى فيه النصاب، وما لا يدخل فيه الكيل ففي قليله وكثيره الزكاة، وهو نوع من الجمع بين الحديثين المذكورين والله أعلم‏.‏

وقال ابن العربي أقوى المذاهب وأحوطها للمساكين قول أبي حنيفة، وهو التمسك بالعموم قال‏:‏ وقد زعم الجويني أن الحديث إنما جاء لتفصيل ما تقل مما تكثر مؤونته، قال ابن العربي‏:‏ لا مانع أن يكون الحديث يقتضي الوجهين والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كما روى إلخ‏)‏ أي كما أن المثبت مقدم على النافي في حديثي الفضل وبلال، وحديث الفضل أخرجه أحمد وغيره، وحديث بلال سيأتي موصولا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ اختلف في هذا النصاب هل هو تحديد أو تقريب‏؟‏ وبالأول جزم أحمد، وهو أصح الوجهين للشافعية، إلا إن كان نقصا يسيرا جدا مما لا ينضبط فلا يضر قاله ابن دقيق العيد، وصحح النووي في شرح مسلم أنه تقريب، واتفقوا على وجوب الزكاة فيما زاد على الخمسة أوسق بحسابه ولا وقص فيها‏.‏

*3*باب لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة‏)‏ أورد فيه حديث أبي سعيد وقد تقدم ذكره في ‏"‏ باب زكاة الورق ‏"‏ وذكر فيه قدر الوسق وقوله هنا ‏"‏ ليس فيما أقل ‏"‏ ما زائدة وأقل في موضع جر بقي وقد ذكره بعده بلفظ وليس في أقل‏.‏

*3*باب أَخْذِ صَدَقَةِ التَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ وَهَلْ يُتْرَكُ الصَّبِيُّ فَيَمَسُّ تَمْرَ الصَّدَقَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل، وهل يترك الصبي فيمن تمر الصدقة‏)‏ الصرام بكسر المهملة الجداد والقطاف وزنا ومعنى وقد اشتمل هذا الباب على ترجمتين أما الأولى فلها تعلق بقوله تعالى ‏(‏وآتوا حقه يوم حصاده‏)‏ واختلفوا في المراد بالحق فيها فقال ابن عباس‏:‏ هي الواجبة، وأخرجه ابن جرير عن أنس‏.‏

وقال ابن عمر‏:‏ هو شيء سوى الزكاة أخرجه ابن مردويه وبه قال عطاء وغيره، وحديث الباب يشعر بأنه غير الزكاة، وكأنه المراد بما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاد عمرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين ‏"‏ وقد تقدم ذكره في ‏"‏ باب القسمة وتعليق القنو في المسجد ‏"‏ من كتاب الصلاة‏.‏

وأما الترجمة الثانية فربطها بالترك إشارة منه إلى أن الصبا وإن كان مانعا من توجيه الخطاب إلى الصبي فليس مانعا من توجيه الخطاب إلى الولي بتأديبه وتعليمه‏.‏

وأوردها بلفظ الاستفهام لاحتمال أن يكون النهي خاصا بمن لا يحل له تناول الصدقة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ فَيَجِيءُ هَذَا بِتَمْرِهِ وَهَذَا مِنْ تَمْرِهِ حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْمًا مِنْ تَمْرٍ فَجَعَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَلْعَبَانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمْرَةً فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ فَقَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كوم‏)‏ بفتح الكاف وسكون الواو معروف، وأصله القطعة العظيمة من الشيء، والمراد به هنا ما اجتمع من التمر كالعرمة، ويروى ‏"‏ كوما ‏"‏ بالنصب أي حتى يصير التمر عنده كوما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخذ أحدهما‏)‏ سيأتي بعد بابين من رواية شعبة عن محمد بن زياد بلفظ ‏"‏ فأخذ الحسن بن علي ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏فجعله‏)‏ أي المأخوذ‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فجعلها ‏"‏ أي التمرة وسيأتي بقية الكلام عليه قريبا، قال الإسماعيلي قوله ‏"‏ عند صرام النخل ‏"‏ أي بعد أن يصير تمرا لأن النخل قد يصرم وهو رطب فيتمر في المربد ولكن ذلك لا يتطاول فحسن أن ينسب إلى الصرام كما في قوله تعالى ‏(‏وآتوا حقه يوم حصاده‏)‏ فإن المراد بعد أن يداس وينقى‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب مَنْ بَاعَ ثِمَارَهُ أَوْ نَخْلَهُ أَوْ أَرْضَهُ أَوْ زَرْعَهُ وَقَدْ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ الصَّدَقَةُ فَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ

أَوْ بَاعَ ثِمَارَهُ وَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَلَمْ يَحْظُرْ الْبَيْعَ بَعْدَ الصَّلَاحِ عَلَى أَحَدٍ وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ لَمْ تَجِبْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من باع ثماره أو أرضه أو نخله أو زرعه وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره، أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة إلخ‏)‏ ظاهر سياق هذه الترجمة أن المصنف يرى جوازه بيع الثمرة بعد بدو الصلاح ولو وجبت فيها الزكاة بالخرص مثلا لعموم قوله ‏"‏ حتى يبدو صلاحها ‏"‏ وهو أحد قولي العلماء، والثاني لا يجوز بيعها بعد الخرص لتعلق حق المساكين بها، وهو أحد قولي الشافعي، وقائل هذا حمل الحديث على الجواز بعد الصلاح وقبل الخرص جمعا بين الحديثين‏.‏

وأما قوله ‏"‏ العشر أو الصدقة ‏"‏ فمن العام بعد الخاص، وفيه إشارة إلى الرد على من جعل في الثمار العشر مطلقا من غير اعتبار نصاب، ولم يرد أن الصدقة تسقط بالبيع‏.‏

وأما قوله ‏"‏ فأدى الزكاة من غيره ‏"‏ فلأنه إذا باع بعد وجوب الزكاة فقد فعل أمرا جائزا كما تقدم فتعلقت الزكاة بذمته فله أن يعطيها من غيره أو يخرج قيمتها على رأي من يجيزه وهو اختيار البخاري كما سبق‏.‏

وأما قوله ‏"‏ ولم يخص من وجبت عليه الزكاة ممن لم تجب ‏"‏ فيتوقف على مقدمة أخرى وهي أن الحق يتعلق بالصلاح، وظاهر القرآن يقتضي أن وجوب الإيتاء إنما هو يوم الحصاد على رأي من جعلها في الزكاة، إلا أن يقال إنما تعرضت الآية لبيان زمن الإيتاء لا لبيان زمان الوجوب، والظاهر أن المصنف اعتمد في تصحيح هذه المقدمة استعمال الخرص عند الصلاح لتعلق حق المساكين، فطواها بتقديمه حكم الخرص فيما سبق أشار إلى ذلك ابن رشيد‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ أراد البخاري الرد على أحد قولي الشافعي بفساد البيع كما تقدم‏.‏

وقال أبو حنيفة المشتري بالخيار ويؤخذ العشر منه ويرجع هو على البائع، وعن مالك العشر على البائع إلا أن يشترطه على المشتري وهو قول الليث، وعن أحمد الصدقة على البائع مطلقا وهو قول الثوري والأوزاعي والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الثمرة‏)‏ أسنده في الباب بمعناه، وأما هذا اللفظ فمذكور عنده في موضعين من كتاب البيع من حديث ابن عمر، وسيأتي الكلام هناك على حديثه وعلى حديث أنس أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاحِهَا قَالَ حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏"‏وكان إذا سئل عن صلاحها قال حتى تذهب عاهته ‏"‏ أي الثمر وفي رواية الكشميهني عاهتها وهو مقول ابن عمر بينه مسلم في روايته من طريق محمد بن جعفر عن شعبة ولفظه ‏"‏ فقيل لابن عمر ما صلاحه‏؟‏ قال تذهب عاهته‏"‏‏.‏

*3*باب هَلْ يَشْتَرِي الرَّجُلُ صَدَقَتَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ غَيْرُهُ

لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَهَى الْمُتَصَدِّقَ خَاصَّةً عَنْ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَنْهَ غَيْرَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يشتري الرجل صدقته‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ أورد الترجمة بالاستفهام لأن تنزيل حديث الباب على سببه يضعف معه تعميم المنع لاحتمال تخصيصه بالشراء بدون القيمة لقوله ‏"‏ وظننت أنه يبيعه برخص ‏"‏ وكذا إطلاق الشارع العود عليه بمعنى أنه في معنى رجوع بعضها إليه بغير عوض، قال‏:‏ وقصد بهذه الترجمة التنبيه على أن الذي تضمنته الترجمة التي قبلها من جواز بيع الثمرة قبل إخراج الزكاة ليس من جنس شراء الرجل صدقته، والفرق بينهما دقيق وقال ابن المنذر ليس لأحد أن يتصدق ثم يشتريها للنهي الثابت، ويلزم من ذلك فساد البيع إلا إن ثبت الإجماع على جوازه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا بأس أن يشتري صدقة غيره‏)‏ قد استدل له بما ذكر، ومراده قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ‏"‏ لا تعد ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ العائد في صدقته ‏"‏ ولو كان المراد تعميم المنع لقال لا تشتروا الصدقة مثلا، وسيأتي لذلك مزيد بيان في ‏"‏ باب إذا حولت الصدقة‏"‏‏.‏

ثم أورد المصنف حديث عمر في تصدقه بالفرس واستئذانه في شرائه بعد ذلك من طريقين فسياق الأولى يقتضي أنه من حديث ابن عمر والثانية أنه من مسند عمر، ورجح الدارقطني الأولى، لكن حيث جاء من طريق سالم وغيره من الرواة عن ابن عمر فهو من مسنده، وأما رواية أسلم مولى عمر فهي عن عمر نفسه والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْمَرَهُ فَقَالَ لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ فَبِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَتْرُكُ أَنْ يَبْتَاعَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِهِ إِلَّا جَعَلَهُ صَدَقَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏تصدق بفرس‏)‏ أي حمل عليه رجلا في سبيل الله كما في الطريق الثانية والمعنى أنه ملكه له، ولذلك ساغ له بيعه ومنهم من قال كان عمر قد حبسه، وإنما ساغ للرجل بيعه لأنه حصل فيه هزال عجز لأجله عن اللحاق بالخيل وضعف عن ذلك وانتهى إلى حالة عدم الانتفاع به، وأجاز ذلك ابن القاسم، ويدل على أنه حمل تمليك قوله ‏"‏ ولا تعد في صدقتك ‏"‏ ولو كان حبسا لعلله به‏.‏

قوله في الطريق الأولى ‏"‏ ولهذا كان ابن عمر لا يترك أن يبتاع شيئا تصدق به إلا جعله صدقة ‏"‏ كذا في رواية أبي ذر، وعلى حرف لا تضبيب ولا أدري ما وجهه‏.‏

وبإثبات النفي يتم المعنى أي كان إذا اتفق له أن يشتري شيئا مما تصدق به لا يتركه في ملكه حتى يتصدق به، وكأنه فهم أن النهي عن شراء الصدقة إنما هو لمن أراد أن يتملكها لا لمن يردها صدقة‏.‏

وفي الحديث كراهة الرجوع في الصدقة وفضل الحمل في سبيل الله والإعانة على الغزو بكل شيء، وأن الحمل في سبيل الله تمليك وأن للمحمول بيعه والانتفاع بثمنه‏.‏

وسيأتي تكميل الكلام على هذا الحديث في أبواب الهبة إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَشْتَرِي وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ

الشرح‏:‏

قوله فيها ‏"‏ فأضاعه الـذي كان عنده ‏"‏ أي بترك القيام عليه بالخدمة والعلف ونحوهما‏.‏

وقال في الأولى ‏"‏ فوجده يباع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن أعطاكه بدرهم‏)‏ هو مبالغة في رخصه وهو الحامل له على شرائه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تعد‏)‏ في رواية أحمد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم ‏"‏ ولا تعودن ‏"‏ وسمي شراءه برخص عودا في الصدقة من حيث أن الغرض منها ثواب الآخرة، فإذا اشتراها برخص فكأنه اختار عرض الدنيا على الآخرة، مع أن العادة تقتضي بيع مثل ذلك برخص لغير المتصدق فكيف بالمتصدق فيصير راجعا في ذلك المقدار الذي سومح فيه‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ أفاد ابن سعد في الطبقات أن اسم هذا الفرس الورد وأنه كان لتميم الداري فأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه لعمر، ولم أقف على اسم الرجل الذي حمله عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كالعائد في قيئه‏)‏ استدل به على تحريم ذلك لأن القيء حرام قال القرطبي‏:‏ وهذا هو الظاهر من سياق الحديث، ويحتمل أن يكون التشبيه للتنفير خاصة لكون القيء مما يستقذر وهو قول الأكثر، ويلتحق بالصدقة الكفارة والنذر وغيرهما من القربات‏.‏

وأما إذا ورثه فلا كراهة‏.‏

وأبعد من قال يتصدق به‏.‏

*3*باب مَا يُذْكَرُ فِي الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يذكر من الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وآله‏)‏ لم يعين الحكم لشهرة الاختلاف فيه‏.‏

والنظر فيه في ثلاثة مواضع‏:‏ أولها المراد بالآل هنا بنو هاشم وبنو المطلب على الأرجح من أقوال العلماء وسيأتي دليله في أبواب الخمس في آخر الجهاد قال الشافعي أشركهم النبي صلى الله عليه وسلم في سهم ذوي القربى ولم يعط أحدا من قبائل قريش غيرهم، وتلك العطية عوض عوضوه بدلا عما حرموه من الصدقة‏.‏

وعن أبي حنيفة ومالك بنو هاشم فقط، وعن أحمد في بني المطلب روايتان، وعن المالكية فيما بين هاشم وغالب بن فهر قولان، فعن أصبغ منهم هم بنو قصي وعن غيره بنو غالب بن فهر‏.‏

ثانيها كان يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفرض والتطوع كما نقل فيه غير واحد منهم الخطابي الإجماع لكن حكى غير واحد عن الشافعي في التطوع قولا وكذا في رواية عن أحمد ولفظه في رواية الميموني ‏"‏ لا يحل للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته صدقة الفطر وزكاة الأموال والصدقة يصرفها الرجل على محتاج يريد بها وجه الله فأما غير ذلك فلا أليس يقال كل معروف صدقة، قال ابن قدامة ليس ما نقل عنه من ذلك بواضح الدلالة وإنما أراد أن ما ليس من صدقة الأموال كالقرض والهدية وفعل المعروف كان غير محرم‏.‏

قال الماوردي يحرم عليه كل ما كان من الأموال متقوما‏.‏

وقال غيره لا تحرم عليه الصدقة العامة كمياه الآبار وكالمساجد، وسيأتي دليل تحريم الصدقة مطلقا في اللقطة، واختلف هل كان تحريم الصدقة من خصائصه دون الأنبياء أو كلهم سواء في ذلك‏.‏

ثالثها هل يلتحق به آله في ذلك أم لا‏؟‏ قال ابن قدامة لا نعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة كذا قال، وقد نقل الطبري الجواز أيضا عن أبي حنيفة وقيل عنه يجوز لهم إذا حرموا سهم ذوي القربى حكاه الطحاوي ونقله بعض المالكية عن الأبهري منهم، وهو وجه لبعض الشافعية، وعن أبي يوسف يحل من بعضهم لبعض لا من غيرهم، وعند المالكية في ذلك أربعة أقوال مشهورة‏:‏ الجواز المنع جواز التطوع دون الفرض عكسه، وأدلة المنع ظاهرة من حديث الباب ومن غيره ولقوله تعالى ‏(‏قل ما أسألكم عليه من أجر‏)‏ ولو أحلها لآله لأوشك أن يطعنوا فيه، ولقوله‏:‏ ‏(‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‏)‏ وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الصدقة أوساخ الناس ‏"‏ كما رواه مسلم، ويؤخذ من هذا جواز التطوع دون الفرض وهو قول أكثر الحنفية والمصحح عند الشافعية والحنابلة، وأما عكسه فقالوا أن الواجب حق لازم لا يلحق بأخذه ذلة بخلاف التطوع، ووجه التفرقة بين بني هاشم وغيرهم أن موجب المنع رفع يد الأدنى على الأعلى، فأما الأعلى على مثله فلا، ولم أر لمن أجاز مطلقا دليلا إلا ما تقدم عن أبي حنيفة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِخْ كِخْ لِيَطْرَحَهَا ثُمَّ قَالَ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبا هريرة قال أخذ الحسن‏)‏ في رواية معمر عن محمد بن زياد أنه سمع أبا هريرة قال ‏"‏ كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم تمرا من تمر الصدقة والحسن في حجره ‏"‏ أخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجعلها في فيه‏)‏ زاد أبو مسلم الكجي من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد ‏"‏ فلم يفطن له النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام ولعابه يسيل، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم شدقه ‏"‏ وفي رواية معمر ‏"‏ فلما فرغ حمله على عاتقه فسال لعابه فرفع رأسه فإذا تمرة في فيه ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏كخ‏)‏ بفتح الكاف وكسرها وسكون المعجمة مثقلا ومخففا وبكسر الخاء منونة وغير منونة فيخرج من ذلك ست لغات، والثانية توكيد للأولى، وهي كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يستقذر، قيل عربية وقيل أعجمية، وزعم الداودي أنها معربة، وقد أوردها البخاري في ‏"‏ باب من تكلم بالفارسية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليطرحها‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ ارم بها ‏"‏ وفي رواية حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عند أحمد‏:‏ ‏"‏ فنظر إليه فإذا هو يلوك تمرة فحرك خده وقال ألقها يا بني ألقها يا بني ‏"‏ ويجمع بين هذا وبين قوله ‏"‏ كخ كخ ‏"‏ بأنه كلمه أولا بهذا فلما تمادى قال له كخ كخ إشارة إلى استقذار ذلك له، ويحتمل العكس بأن يكون كلمه أولا بذلك فلما تمادى نزعها من فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنا لا نأكل الصدقة‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ إنا لا تحل لنا الصدقة ‏"‏ وفي رواية معمر ‏"‏ إن الصدقة لا تحل لآل محمد ‏"‏ وكذا عند أحمد والطحاوي من حديث الحسن بن علي نفسه قال ‏"‏ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر علي جرين من تمر الصدقة فأخذت منه تمرة فألقيتها في في فأخذها بلعابها فقال‏:‏ إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ‏"‏ وإسناده قوي‏.‏

وللطبراني والطحاوي من حديث أبي ليلى الأنصاري نحوه وفي الحديث دفع الصدقات إلى الإمام، والانتفاع بالمسجد في الأمور العامة، وجواز إدخال الأطفال المساجد وتأديبهم بما ينفعهم ومنعهم مما يضرهم ومن تناول المحرمات وإن كانوا غير مكلفين ليتدربوا بذلك‏.‏

واستنبط بعضهم منه منع ولي الصغيرة إذا اعتدت من الزينة، وفيه الإعلام بسبب النهي ومخاطبة من لا يميز لقصد إسماع من يميز لأن الحسن إذ ذاك كان طفلا، وأما قوله ‏"‏ أما شعرت ‏"‏ وفي رواية البخاري في الجهاد ‏"‏ أما تعرف ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ أما علمت ‏"‏ فهو شيء يقال عند الأمر الواضح وإن لم يكن المخاطب بذلك عالما أي كيف خفي عليك هذا مع ظهوره، وهو أبلغ في الزجر من قوله لا تفعل، وقد تقدم ذكر بعض فوائده قبل بابين‏.‏

*3*باب الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَالِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ لم يترجم لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا لموالي النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يثبت عنده فيه شيء، وقد نقل ابن بطال أنهن - أي الأزواج - لا يدخلن في ذلك باتفاق الفقهاء، وفيه نظر فقد ذكر ابن قدامة أن الخلال أخرج من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت ‏"‏ إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ‏"‏ قال وهذا يدل على تحريمها‏.‏

قلت‏:‏ وإسناده إلى عائشة حسن، أخرجه ابن أبي شيبة أيضا، وهذا لا يقدح فيما نقله ابن بطال، وروى أصحاب السنن وصحة الترمذي وابن حبان وغيره عن أبي رافع مرفوعا ‏"‏ إنا لا تحل لنا الصدقة، وأن موالي القوم من أنفسهم ‏"‏ وبه قال أحمد وأبو حنيفة وبعض المالكية كابن الماجشون، وهو الصحيح عند الشافعية‏.‏

وقال الجمهور يجوز لهم لأنهم ليسوا منهم حقيقة، ولذلك لم يعوضوا بخمس الخمس، ومنشأ الخلاف قوله ‏"‏ منهم ‏"‏ أو ‏"‏ من أنفسهم ‏"‏ هل يتناول المساواة في حكم تحريم الصدقة أو لا، وحجة الجمهور أنه لا يتناول جميع الأحكام فلا دليل فيه على تحريم الصدقة، لكنه ورد على سبب الصدقة، وقد اتفقوا على أنه لا يخرج السبب، وإن اختلفوا‏:‏ هل يخص به أو لا‏؟‏ ويمكن أن يستدل لهم بحديث الباب لأنه يدل على جوازها لموالي الأزواج، وقد تقدم أن الأزواج ليسوا في ذلك من جملة الآل فمواليهم أحرى بذلك، قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ إنما أورد البخاري هذه الترجمة ليحقق أن الأزواج لا يدخل مواليهن في الخلاف ولا يحرم عليهن الصدقة قولا واحدا لئلا يظن الظان أنه لما قال بعض الناس بدخول الأزواج في الآل أنه يطرد في مواليهن، فبين أنه لا يطرد‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الإسماعيلي‏:‏ هذه الترجمة مستغنى عنها، فإن تسمية المولى لغير فائدة، وإنما هو لسوق الحديث على وجهه فقط‏.‏

كذا قال وقد علمت ما فيها من الفائدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا قَالُوا إِنَّهَا مَيْتَةٌ قَالَ إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في الانتفاع بجلد الشاة لقوله فيه ‏"‏ أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة ‏"‏ سيأتي الكلام عليه مستوفى في الذبائح إن شاء الله تعالى، ولم أقف على اسم هذه المولاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ وَأَرَادَ مَوَالِيهَا أَنْ يَشْتَرِطُوا وَلَاءَهَا فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ قَالَتْ وَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ فَقُلْتُ هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة بريرة وفيه قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به عليها ‏"‏ هو لها صدقة ولنا هدية ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه مستوفى في العتق إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-12-2013, 07:48 PM
باب فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ

وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ الرِّكَازُ دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمُسُ وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ بِرِكَازٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ الْمَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً وَقَالَ الْحَسَنُ مَا كَانَ مِنْ رِكَازٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ وَجَدْتَ اللُّقَطَةَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَعَرِّفْهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْعَدُوِّ فَفِيهَا الْخُمُسُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمَعْدِنُ رِكَازٌ مِثْلُ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَرْكَزَ الْمَعْدِنُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ قِيلَ لَهُ قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ أَرْكَزْتَ ثُمَّ نَاقَضَ وَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ فَلَا يُؤَدِّيَ الْخُمُسَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب في الركاز الخمس‏)‏ الركاز بكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي المال المدفون مأخوذ من الركز بفتح الراء يقال ركزه يركزه ركزا إذا دفنه فهو مركوز، وهذا متفق عليه، واختلف في المعدن كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مالك وابن إدريس‏:‏ الركاز دفن الجاهلية إلخ‏)‏ أما قول مالك فرواه أبو عبيد في ‏"‏ كتاب الأموال ‏"‏ حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير عن مالك قال‏:‏ المعدن بمنزلة الزرع، تؤخذ منه الزكاة كما تؤخذ من الزرع حتى يحصد، قال‏:‏ وهذا ليس بركاز إنما الركاز دفن الجاهلية الذي يؤخذ من غير أن يطلب بمال ولا يتكلف له كثير عمل انتهى‏.‏

وهكذا هو في سماعنا من ‏"‏ الموطأ ‏"‏ رواية يحيى بن بكير، لكن قال فيه ‏"‏ عن مالك عن بعض أهل العلم ‏"‏ وأما قوله ‏"‏ في قليله وكثيره الخمس ‏"‏ فنقله ابن المنذر عنه كذلك وفيه عند أصحابه عنه اختلاف، وقوله ‏"‏دفن الجاهلية ‏"‏ بكسر الدال وسكون الفاء الشيء المدفون كذبح بمعنى مذبوح، وأما بالفتح فهو المصدر ولا يراد هنا‏.‏

وأما ابن إدريس فقال ابن التين قال أبو ذر‏:‏ يقال أن ابن إدريس هو الشافعي، ويقال عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي وهو أشبه، كذا قال، وقد جزم أبو زيد المروزي أحد الرواة عن الفربري بأنه الشافعي، وتابعه البيهقي وجمهور الأئمة، ويؤيده أن ذلك وجد في عبارة الشافعي دون الأودي، فروى البيهقي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ من طريق الربيع قال قال الشافعي‏:‏ والركاز الذي فيه الخمس دفن الجاهلية ما وجد في غير ملك لأحد، وأما قوله ‏"‏ في قليله وكثيره الخمس ‏"‏ فهو قوله في القديم كما نقله ابن المنذر واختاره، وأما الجديد فقال‏:‏ لا يجب فيه الخمس حتى يبلغ نصاب الزكاة، والأول قول الجمهور كما نقله ابن المنذر أيضا وهو مقتضى ظاهر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المعدن جبار وفي الركاز الخمس‏)‏ أي فغاير بينهما، وهذا وصله في آخر الباب من حديث أبي هريرة، ويأتي الكلام عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن من كل مائتين خمسة‏)‏ وصله أبو عبيد في ‏"‏ كتاب الأموال ‏"‏ من طريق الثوري عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم نحوه، وروى البيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن عمر بن عبد العزيز جعل المعدن بمنزلة الركاز يؤخذ منه الخمس، ثم عقب بكتاب آخر فجعل فيه الزكاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏:‏ ما كان من ركاز في أرض الحرب ففيه الخمس، وما كان في أرض السلم ففيه الزكاة‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق عاصم الأحول عنه بلفظ ‏"‏ إذا وجد الكنز في أرض العدو ففيه الخمس، وإذا وجد في أرض العرب ففيه الزكاة ‏"‏ قال ابن المنذر‏:‏ ولا أعلم أحدا فرق هذه التفرقة غير الحسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن وجدت اللقطة في أرض العدو فعرفها وإن كانت من العدو ففيها الخمس‏)‏ لم أقف عليه موصولا وهو بمعنى ما تقدم عنه قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعض الناس‏:‏ المعدن ركاز إلخ‏)‏ قال ابن التين‏:‏ المراد ببعض الناس أبو حنيفة‏.‏

قلت‏:‏ وهذا أول موضع ذكره فيه البخاري بهذه الصيغة، ويحتمل أن يريد به أبا حنيفة وغيره من الكوفيين ممن قال بذلك، قال ابن بطال‏:‏ ذهب أبو حنيفة والثوري وغيرهما إلى أن المعدن كالركاز، واحتج لهم بقول العرب‏:‏ أركز الرجل إذا أصاب ركازا، وهي قطع من الذهب تخرج من المعادن‏.‏

والحجة للجمهور تفرقة النبي صلى الله عليه وسلم بين المعدن والركاز بواو العطف فصح أنه غيره، قال وما ألزم به البخاري القائل المذكور قد يقال لمن وهب له الشيء أو ربح ربحا كثيرا أو كثر ثمره‏:‏ أركزت حجة بالغة، لأنه لا يلزم من الاشتراك في الأسماء الاشتراك في المعنى، إلا إن أوجب ذلك من يجب التسليم له، وقد أجمعوا على أن المال الموهوب لا يجب فيه الخمس، وإن كان يقال له أركز فكذلك المعدن‏.‏

وأما قوله ‏"‏ ثم ناقض ‏"‏ إلى آخر كلامه فليس كما قال، وإنما أجاز له أبو حنيفة أن يكتمه إذا كان محتاجا، بمعنى أنه يتأول أن له حقا في بيت المال ونصيبا في الفيء فأجاز له أن يأخذ الخمس لنفسه عوضا عن ذلك لا أنه أسقط الخمس عن المعدن ا هـ‏.‏

وقد نقل الطحاوي المسألة التي ذكرها ابن بطال ونقل أيضا أنه لو وجد في داره معدنا فليس عليه شيء، وبهذا يتجه اعتراض البخاري‏.‏

والفرق بين المعدن والركاز في الوجوب وعدمه أن المعدن يحتاج إلى عمل ومئونة ومعالجة لاستخراجه بخلاف الركاز، وقد جرت عادة الشرع أن ما غلظت مؤونته خفف عنه في قدر الزكاة وما خفت زيد فيه‏.‏

وقيل إنما جعل في الركاز الخمس لأنه مال كافر فنزل من وجده منزلة الغنائم فكان له أربعة أخماسه‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏ كأن الركاز مأخوذ من أركزته في الأرض إذا غرزته فيها، وأما المعدن فإنه ينبت في الأرض بغير وضع واضع‏.‏

هذه حقيقتهما، فإذا افترقا في أصلهما فكذلك في حكمهما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏العجماء جبار‏)‏ في رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة ‏"‏ العجماء عقلها جبار ‏"‏ وسيأتي في الديات مع الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وسميت البهيمة عجماء لأنها لا تتكلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والمعدن جبار‏)‏ أي هدر، وليس المراد أنه لا زكاة فيه، إنما المعنى أن من استأجر رجلا للعمل في معدن مثلا فهلك فهو هدر ولا شيء على من استأجره، وسيأتي بسطه في الديات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الركاز الخمس‏)‏ قد تقدم ذكر الاختلاف في الركاز، وأن الجمهور ذهبوا إلى أنه المال المدفون، لكن حصره الشافعية فيما يوجد في الموات، بخلاف ما إذا وجده في طريق مسلوك أو مسجد فهو لقطة، وإذا وجده في أرض مملوكة فإن كان المالك الذي وجده فهو له، وإن كان غيره فإن ادعاه المالك فهو له وإلا فهو لمن تلقاه عنه إلى أن ينتهي الحال إلى من أحيا تلك الأرض، قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العبد‏:‏ من قال من الفقهاء بأن في الركاز الخمس إما مطلقا أو في أكثر الصور فهو أقرب إلى الحديث، وخصه الشافعي أيضا بالذهب والفضة‏.‏

وقال الجمهور‏:‏ لا يختص، واختاره ابن المنذر‏.‏

واختلفوا في مصرفه فقال مالك وأبو حنيفة والجمهور‏:‏ مصرفه مصرف خمس الفيء، وهو اختيار المزني‏.‏

وقال الشافعي في أصح قوليه‏:‏ مصرفه مصرف الزكاة‏.‏

وعن أحمد روايتان‏.‏

وينبني على ذلك ما إذا وجده ذمي فعند الجمهور يخرج منه الخمس وعند الشافعي لا يؤخذ منه شيء، واتفقوا على أنه لا يشترط فيه الحول بل يجب إخراج الخمس في الحال‏.‏

وأغرب ابن العربي في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏ فحكى عن الشافعي الاشتراط، ولا يعرف ذلك في شيء من كتبه ولا من كتب أصحابه‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَمُحَاسَبَةِ الْمُصَدِّقِينَ مَعَ الْإِمَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى ‏(‏والعاملين عليها‏)‏ ومحاسبة المصدقين مع الإمام‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ اتفق العلماء على أن العاملين عليها السعاة المتولون لقبض الصدقة‏.‏

وقال المهلب‏:‏ حديث الباب أصل في محاسبة المؤتمن، وأن المحاسبة تصحيح أمانته‏.‏

وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ يحتمل أن يكون العامل المذكور صرف شيئا من الزكاة في مصارفه فحوسب على الحاصل والمصروف‏.‏

قلت‏:‏ والذي يظهر من مجموع الطرق أن سبب مطالبته بالمحاسبة ما وجد معه من جنس مال الصدقة وادعى أنه أهدي إليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ

الشرح‏:‏

حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية وفيه ‏"‏ فلما جاء حاسبه ‏"‏ سيأتي الكلام عليه حيث ذكره المصنف مستوفى في الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

وابن اللتبية المذكور اسمه عبد الله فيما ذكر ابن سعد وغيره، ولم أعرف اسم أمه‏.‏

وقوله ‏"‏على صدقات بني سليم ‏"‏ أفاد العسكري بأنه بعث على صدقات بني ذبيان، فلعله كان على القبيلتين‏.‏

واللتبية بضم اللام وسكون المثناة بعدها موحدة من بني لتب حي من الأزد قاله ابن دريد، قيل إنها كانت أمه فعرف بها، وقيل اللتبية بفتح اللام والمثناة‏.‏

*3*باب اسْتِعْمَالِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَأَلْبَانِهَا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ غرض المصنف في هذا الباب إثبات وضع الصدقة في صنف واحد خلافا لمن قال يجب استيعاب الأصناف الثمانية، وفيما قال نظر لاحتمال أن يكون ما أباح لهم من الانتفاع إلا بما هو قدر حصتهم‏.‏

على أنه ليس في الخبر أيضا أنه ملكهم رقابها، وإنما فيه أنه أباح لهم شرب ألبان الإبل للتداوي، فاستنبط منه البخاري جواز استعمالها في بقية المنافع إذ لا فرق، وأما تمليك رقابها فلم يقع، وتقدير الترجمة استعمال إبل الصدقة وشرب ألبانها، فاكتفى عن التصريح بالشرب لوضوحه، فغاية ما يفهم من حديث الباب أن للإمام أن يخص بمنفعة مال الزكاة - دون الرقبة - صنفا دون صنف بحسب الاحتياج، على أنه ليس في الخبر أيضا تصريح بأنه لم يصرف من ذلك شيئا لغير العرنيين، فليست الدلالة منه لذلك بظاهرة أصلا بخلاف ما ادعى ابن بطال أنه حجة قاطعة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ تَابَعَهُ أَبُو قِلَابَةَ وَحُمَيْدٌ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أبو قلابة وحميد وثابت عن أنس‏)‏ أما متابعة أبي قلابة فتقدمت في الطهارة، وأما متابعة حميد فوصلها مسلم والنسائي وابن خزيمة، وأما متابعة ثابت فوصلها المصنف في الطب‏.‏

وقد سبق الكلام على الحديث مستوفى في كتاب الطهارة‏.‏

*3*باب وَسْمِ الْإِمَامِ إِبِلَ الصَّدَقَةِ بِيَدِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده‏)‏ ذكر فيه طرفا من حديث أنس في قصة عبد الله بن أبي طلحة، وفيه مقصود الباب‏.‏

وسيأتي في الذبائح من وجه آخر عن أنس أنه رآه يسم غنما في آذانها، ويأتي هناك النهي عن الوسم في الوجه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ غَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ

الشرح‏:‏

قوله في الإسناد ‏(‏حدثنا الوليد‏)‏ هو ابن مسلم، وأبو عمرو هو الأوزاعي كما ثبت في رواية غير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي يده الميسم‏)‏ بوزن مفعل مكسور الأول وأصله موسم لأن فاءه واو لكنها لما سكنت وكسر ما قبلها قلبت ياء، وهي الحديدة التي يوسم بها أي يعلم، وهو نظير الخاتم‏.‏

والحكمة فيه تمييزها، وليردها من أخذها ومن التقطها، وليعرفها صاحبها فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلا لئلا يعود في صدقته‏.‏

ولم أقف على تصريح بما كان مكتوبا على ميسم النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن ابن الصباغ من الشافعية نقل إجماع الصحابة على أنه يكتب في ميسم الزكاة ‏"‏ زكاة ‏"‏ أو ‏"‏ صدقة‏"‏‏.‏

وفي حديث الباب حجة على من كره الوسم من الحنفية بالميسم لدخوله في عموم النهي عن المثلة، وقد ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنه مخصوص من العموم المذكور للحاجة كالختان للآدمي، قال المهلب وغيره‏:‏ في هذا الحديث أن للإمام أن يتخذ ميسما وليس للناس أن يتخذوا نظيره، وهو كالخاتم، وفيه اعتناء الإمام بأموال الصدقة وتوليها بنفسه، ويلتحق به جميع أمور المسلمين‏.‏

وفيه جواز إيلام الحيوان للحاجة‏.‏

وفيه قصد أهل الفضل لتحنيك المولود لأجل البركة‏.‏

وفيه جواز تأخير القسمة لأنها لو عجلت لاستغني عن الوسم‏.‏

وفيه مباشرة أعمال المهنة وترك الاستنابة فيها للرغبة في زيادة الأجر ونفي الكبر‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب فَرْضِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

وَرَأَى أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَرِيضَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فرض صدقة الفطر‏)‏ كذا للمستملي، واقتصر الباقون على ‏"‏ باب ‏"‏ وما بعده، ولأبي نعيم ‏"‏ كتاب ‏"‏ بدل باب، وأضيفت الصدقة للفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان‏.‏

وقال ابن قتيبة‏:‏ المراد بصدقة الفطر صدقة النفوس، مأخوذة من الفطرة التي هي أصل الخلقة‏.‏

والأول أظهر‏.‏

ويؤيده قوله في بعض طرق الحديث كما سيأتي ‏"‏ زكاة الفطر من رمضان‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورأى أبو العالية وعطاء وابن سيرين صدقة الفطر فريضة‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء، ووصله ابن أبي شيبة من طريق عاصم الأحول عن الآخرين‏.‏

وإنما اقتصر البخاري على ذكر هؤلاء الثلاثة لكونهم صرحوا بفرضيتها، وإلا فقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك، لكن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرض على قاعدتهم في التفرقة‏.‏

وفي نقل الإجماع مع ذلك نظر لأن إبراهيم بن علية وأبا بكر بن كيسان الأصم قالا إن وجوبها نسخ، واستدل لهما بما روى النسائي وغيره عن قيس بن سعد بن عبادة قال ‏"‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله ‏"‏ وتعقب بأن في إسناده راويا مجهولا، وعلى تقدير الصحة فلا دليل فيه على النسخ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول، لأن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر‏.‏

ونقل المالكية عن أشهب أنها سنة مؤكدة، وهو قول بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية، وأولوا قوله ‏"‏ فرض ‏"‏ في الحديث بمعنى قدر، قال ابن دقيق العيد‏:‏ هو أصله في اللغة، لكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب فالحمل عليه أولى انتهى‏.‏

ويؤيده تسميتها زكاة، وقوله في الحديث ‏"‏ على كل حر وعبد ‏"‏ والتصريح بالأمر بها في حديث قيس بن سعد وغيره، ولدخولها في عموم قوله تعالى ‏(‏وآتوا الزكاة‏)‏ فبين صلى الله عليه وسلم تفاصيل ذلك ومن جملتها زكاة الفطر‏.‏

وقال الله تعالى ‏(‏قد أفلح من تزكى‏)‏ وثبت أنها نزلت في زكاة الفطر، وثبت في الصحيحين إثبات حقيقة الفلاح لمن اقتصر على الواجبات، قيل وفيه نظر لأن في الآية ‏(‏وذكر اسم ربه فصلى‏)‏ فيلزم وجوب صلاة العيد، ويجاب بأنه خرج بدليل عموم ‏"‏ هن خمس لا يبدل القول لدي‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن جهضم‏)‏ بالجيم والضاد المعجمة وزن جعفر، وعمر بن نافع هو مولى ابن عمر ثقة ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في النهي عن القزع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زكاة الفطر‏)‏ زاد مسلم من رواية مالك عن نافع ‏"‏ من رمضان ‏"‏ واستدل به على أن وقت وجوبها غروب الشمس ليلة الفطر لأنه وقت الفطر من رمضان، وقيل وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد لأن الليل ليس محلا للصوم، وإنما يتبين الفطر الحقيقي بالأكل بعد طلوع الفجر، والأول قول الثوري وأحمد وإسحاق والشافعي في الجديد وإحدى الروايتين عن مالك، والثاني قول أبي حنيفة والليث والشافعي في القديم والرواية الثانية عن مالك، ويقويه قوله في حديث الباب ‏"‏ وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ‏"‏ قال المازري‏:‏ قيل إن الخلاف ينبني على أن قوله ‏"‏ الفطر من رمضان ‏"‏ الفطر المعتاد في سائر الشهر فيكون الوجوب بالغروب، أو الفطر الطارئ بعد فيكون بطلوع الفجر‏.‏

وقال ابن دقيق العيد الاستدلال بذلك لهذا الحكم ضعيف لأن الإضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب بل تقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان، وأما وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر، وسيأتي شيء من ذلك في ‏"‏ باب الصدقة قبل العيد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صاعا من تمر أو صاعا من شعير‏)‏ انتصب ‏"‏ صاعا ‏"‏ على التمييز أو أنه مفعول ثان، ولم تختلف الطرق عن ابن عمر في الاقتصار على هذين الشيئين إلا ما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق عبد العزيز بن أبي داود عن نافع فزاد فيه السلت والزبيب، فأما السلت فهو بضم المهملة وسكون اللام بعدها مثناة‏:‏ نوع من الشعير، وأما الزبيب فسيأتي ذكره في حديث أبي سعيد، وأما حديث ابن عمر فقد حكم مسلم في كتاب التمييز على عبد العزيز فيه بالوهم، وسنذكر البحث في ذلك في الكلام على حديث أبي سعيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على العبد والحر‏)‏ ظاهره إخراج العبد عن نفسه ولم يقل به إلا داود فقال‏:‏ يجب على السيد أن يمكن العبد من الاكتساب لها كما يجب عليه أن يمكنه من الصلاة، وخالفه أصحابه والناس واحتجوا بحديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏

وفي رواية له ‏"‏ ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة الفطر في الرقيق ‏"‏ وقد تقدم من عند البخاري قريبا بغير الاستثناء، ومقتضاه أنها على السيد، وهل تجب عليه ابتداء أو تجب على العبد ثم يتحملها السيد‏؟‏ وجهان للشافعية، وإلى الثاني نحا البخاري كما سيأتي في الترجمة التي تلي هذه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والذكر والأنثى‏)‏ ظاهره وجوبها على المرأة سواء كان لها زوج أم لا وبه قال الثوري وأبو حنيفة وابن المنذر‏.‏

وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق تجب على زوجها إلحاقا بالنفقة، وفيه نظر لأنهم قالوا إن أعسر وكانت الزوجة أمة وجبت فطرتها على السيد بخلاف النفقة فافترقا، واتفقوا على أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن نفقتها تلزمه، وإنما احتج الشافعي بما رواه من طريق محمد بن علي الباقر مرسلا نحو حديث ابن عمر وزاد فيه ‏"‏ ممن تمونون ‏"‏ وأخرجه البيهقي من هذا الوجه فزاد في إسناده ذكر علي وهو منقطع أيضا‏.‏

وأخرجه من حديث ابن عمر وإسناده ضعيف أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والصغير والكبير‏)‏ ظاهره وجوبها على الصغير، لكن المخاطب عنه وليه فوجوبها على هذا في مال الصغير وإلا فعلى من تلزمه نفقته وهذا قول الجمهور‏.‏

وقال محمد بن الحسن‏:‏ هي على الأب مطلقا فإن لم يكن له أب فلا شيء عليه، وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري لا تجب إلا على من صام، واستدل لهما بحديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ‏"‏ أخرجه أبو داود‏.‏

وأجيب بأن ذكر التطهير خرج على الغالب كما أنها تجب على من لم يذنب كمتحقق الصلاح أو من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة، ونقل ابن المنذر الإجماع على أنها لا تجب على الجنين قال‏:‏ وكان أحمد يستحبه ولا يوجبه، ونقل بعض الحنابلة رواية عنه بالإيجاب، وبه قال ابن حزم لكن قيده بمائة وعشرين يوما من يوم حمل أمه به، وتعقب بأن الحمل غير محقق وبأنه لا يسمى صغيرا لغة ولا عرفا، واستدل بقوله في حديث ابن عباس ‏"‏ طهرة للصائم ‏"‏ على أنها تجب على الفقير كما تجب على الغني، وقد ورد ذلك صريحا في حديث أبي هريرة عند أحمد وفي حديث ثعلبة بن أبي صعير عند الدارقطني، وعن الحنفية لا تجب إلا على من ملك نصابا، ومقتضاه أنها لا تجب على الفقير على قاعدتهم في الفرق بين الغني والفقير واستدل لهم بحديث أبي هريرة المتقدم ‏"‏ لا صدقة إلا عن ظهر غنى ‏"‏ واشترط الشافعي ومن تبعه أن يكون ذلك فاضلا عن قوت يومه ومن تلزمه نفقته‏.‏

وقال ابن بزيزة‏:‏ لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها لأنها زكاة بدنية لا مالية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من المسلمين‏)‏ فيه رد على من زعم أن مالكا تفرد بها، وسيأتي بسط ذلك في الأبواب التي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأمر بها إلخ‏)‏ استدل بها على كراهة تأخيرها عن ذلك، وحمله ابن حزم على التحريم، وسيأتي البحث في ذلك بعد أبواب‏.‏

*3*باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين‏)‏ ظاهره أنه يرى أنها تجب على العبد وإن كان سيده يتحملها عنه، ويؤيده عطف الصغير عليه فإنها تجب علبه وإن كان الذي يخرجها غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من المسلمين‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ لم تختلف الرواة عن مالك في هذه الزيادة، إلا أن قتيبة بن سعيد رواه عن مالك بدونها، وأطلق أبو قلابة الرقاشي ومحمد بن وضاح وابن الصلاح ومن تبعه أن مالكا تفرد بها دون أصحاب نافع، وهو متعقب برواية عمر بن نافع المذكورة في الباب الذي قبله، وكذا أخرجه مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع بهذه الزيادة‏.‏

وقال أبو عوانة في صحيحه‏:‏ لم يقل فيه ‏"‏ من المسلمين ‏"‏ غير مالك والضحاك ورواية عمر بن نافع ترد عليه أيضا‏.‏

وقال أبو داود بعد أن أخرجه من طريق مالك وعمر بن نافع‏:‏ رواه عبد الله العمري عن نافع فقال ‏"‏ على كل مسلم ‏"‏ ورواه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع فقال فيه ‏"‏ من المسلمين‏"‏، والمشهور عن عبيد الله ليس فيه ‏"‏ من المسلمين ‏"‏ انتهى‏.‏

وقد أخرجه الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من طريق سعيد بن عبد الرحمن المذكورة‏.‏

وأخرج الدارقطني وابن الجارود طريق عبد الله العمري؛ وقال الترمذي في ‏"‏ الجامع ‏"‏ بعد رواية مالك‏:‏ رواه غير واحد عن نافع ولم يذكر فيه من المسلمين‏.‏

وقال في ‏"‏ العلل ‏"‏ التي في آخر الجامع‏:‏ روى أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع ولم يذكر فيه من المسلمين، وروى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه انتهى‏.‏

وهذه العبارة أولى من عبارته الأولى، ولكن لا يدري من عنى بذلك‏.‏

وقال النووي في شرح مسلم‏:‏ رواه ثقتان غير مالك عمر بن نافع والضحاك انتهى‏.‏

وقد وقع لنا من رواية جماعة غيرهما منهم كثير بن فرقد عند الطحاوي والدارقطني والحاكم ويونس بن يزيد عند الطحاوي والمعلى بن إسماعيل عند ابن حبان في صحيحه وابن أبي ليلى عند الدارقطني أخرجه من طريق عبد الرزاق عن الثوري عن ابن أبي ليلى وعبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع، وهذه الطريق ترد على أبي داود في إشارته إلى أن سعيد بن عبد الرحمن تفرد بها عن عبيد الله بن عمر، لكن يحتمل أن يكون بعض رواته حمل لفظ ابن أبي ليلى على لفظ عبيد الله، وقد اختلف فيه على أيوب أيضا كما اختلف على عبيد الله بن عمر‏:‏ فذكر ابن عبد البر أن أحمد بن خالد ذكر عن بعض شيوخه عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب عن حماد عن أيوب فذكر فيه ‏"‏ من المسلمين ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ وهو خطأ والمحفوظ فيه عن أيوب ليس فيه من المسلمين انتهى‏.‏

وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عبد الله بن شوذب عن أيوب وقال فيه أيضا ‏"‏ من المسلمين‏"‏‏.‏

وذكر شيخنا سراج الدين بن الملقن في شرحه تبعا لمغلطاي أن البيهقي أخرجه من طريق أيوب بن موسى وموسى بن عقبة ويحيى بن سعيد ثلاثتهم عن نافع وفيه الزيادة، وقد تتبعت تصانيف البيهقي فلم أجد فيها هذه الزيادة من رواية أحد من هؤلاء الثلاثة‏.‏

وفي الجملة ليس فيمن روى هذه الزيادة أحد مثل مالك، لأنه لم يتفق على أيوب وعبيد الله في زيادتها، وليس في الباقين مثل يونس، لكن في الراوي عنه وهو يحيى بن أيوب مقال‏.‏

واستدل بهذه الزيادة على اشتراط الإسلام في وجوب زكاة الفطر ومقتضاه أنها لا تجب على الكافر عن نفسه وهو أمر متفق عليه، وهل يخرجها عن غيره كمستولدته المسلمة مثلا‏؟‏ نقل ابن المنذر فيه الإجماع على عدم الوجوب، لكن فيه وجه للشافعية ورواية عن أحمد‏.‏

وهل يخرجها المسلم عن عبده الكافر‏؟‏ قال الجمهور‏:‏ لا، خلافا لعطاء والنخعي والثوري والحنفية وإسحاق، واستدلوا بعموم قوله ‏"‏ ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر ‏"‏ وقد تقدم‏.‏

وأجاب الآخرون بأن الخاص يقضي على العام، فعموم قوله ‏"‏ في عبده ‏"‏ مخصوص بقوله ‏"‏ من المسلمين ‏"‏ وقال الطحاوي قوله من المسلمين صفة للمخرجين لا للمخرج عنهم، وظاهر الحديث يأباه لأن فيه العبد وكذا الصغير في رواية عمر بن نافع وهما ممن يخرج عنه، فدل على أن صفة الإسلام لا تختص بالمخرجين، ويؤيده رواية الضحاك عند مسلم بلفظ ‏"‏ على كل نفس من المسلمين حر أو عبد ‏"‏ الحديث وقال القرطبي‏:‏ ظاهر الحديث أنه قصد بيان مقدار الصدقة ومن تجب عليه ولم يقصد فيه بيان من يخرجها عن نفسه ممن يخرجها عن غيره بل شمل الجميع‏.‏

ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي فإنه دال على أنهم كانوا يخرجون عن أنفسهم وعن غيرهم لقوله فيه ‏"‏ عن كل صغير وكبير ‏"‏ لكن لا بد من أن يكون بين المخرج وبين الغير ملابسة كما بين الصغير ووليه والعبد وسيده والمرأة وزوجها‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ قوله من المسلمين حال من العبد وما عطف عليه، وتنزيلها على المعاني المذكورة أنها جاءت مزدوجة على التضاد للاستيعاب لا للتخصيص، فيكون المعنى فرض على جميع الناس من المسلمين، وأما كونها فيم وجبت وعلى من وجبت‏؟‏ فيعلم من نصوص أخرى انتهى‏.‏

ونقل ابن المنذر أن بعضهم احتج بما أخرجه من حديث ابن إسحاق ‏"‏ حدثني نافع أن ابن عمر كان يخرج عن أهل بيته حرهم وعبدهم صغيرهم وكبيرهم مسلمهم وكافرهم من الرقيق ‏"‏ قال‏:‏ وابن عمر راوي الحديث، وقد كان يخرج عن عبده الكافر، وهو أعرف بمراد الحديث‏.‏

وتعقب بأنه لو صح حمل على أنه كان يخرج عنهم تطوعا ولا مانع منه واستدل بعموم قوله من المسلمين على تناولها لأهل البادية خلافا للزهري وربيعة والليث في قولهم إن زكاة الفطر تختص بالحاضرة، وسنذكر بقية ما يتعلق بزكاة الفطر عن العبيد في أواخر أبواب صدقة الفطر إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صدقة الفطر صاع من شعير‏)‏ أورد فيه حديث أبي سعيد مختصرا من رواية سفيان وهو الثوري، وسيأتي بعد بابين من وجه آخر عنه تاما، وقد أخرجه ابن خزيمة عن الزعفراني عن قبيصة شيخ البخاري فيه تاما وقوله فيه ‏"‏ كنا نطعم الصدقة ‏"‏ اللام للعهد عن صدقة الفطر‏.‏

*3*باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صدقة الفطر صاع من طعام‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ صاعا ‏"‏ بالنصب، ووجه الرفع ظاهر على أنه الخبر، وأما النصب فبتقدير فعل الإخراج، أي باب إخراج صدقة الفطر صاعا من طعام، أو على أنه خبر كان الذي حذف أو ذكر على سبيل الحكاية مما في لفظ الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏صاعا من طعام أو صاعا من شعير‏)‏ ظاهره أن الطعام غير الشعير وما ذكر معه، وسيأتي البحث فيه بعد باب‏.‏

*3*باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صدقة الفطر صاعا من تمر‏)‏ كذا وقع عند أبي ذر بالنصب كرواية الجماعة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الليث عن نافع‏)‏ لم أره إلا بالعنعنة، وسماع الليث من نافع صحيح، ولكن أخرجه الطحاوي والدارقطني والحاكم وغيرهم من طريق يحيى بن بكير عن الليث عن كثير بن فرقد عن نافع وزاد فيه ‏"‏ من المسلمين ‏"‏ كما تقدم، فإن كان محفوظا احتمل أن يكون الليث سمعه من نافع بدون هذه الزيادة ومن كثير بن فرقد عنه بها، وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق أبي الوليد عن الليث عن نافع في أول هذا الحديث ‏"‏ أن ابن عمر كان يقول‏:‏ لا تجب في مال صدقة حتى يحول الحول عليه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر‏)‏ استدل به على الوجوب‏.‏

وفيه نظر لأنه يتعلق بالمقدار لا بأصل الإخراج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله فجعل الناس عدله‏)‏ بكسر المهملة أي نطيره، وقد تقدم القول على هذه المادة في ‏"‏ باب الصدقة من كسب طيب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مدين من حنطة‏)‏ أي نصف صاع، وأشار ابن عمر بقوله ‏"‏ الناس ‏"‏ إلى معاوية ومن تبعه، وقد وقع ذلك صريحا في حديث أيوب عن نافع أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان بن عيينة حدثنا أيوب ولفظه ‏"‏ صدقة الفطر صاع من شعير أو صاع من تمر، قال ابن عمر‏:‏ فلما كان معاوية عدل الناس نصف صاع بر بصاع من شعير ‏"‏ وهكذا أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من وجه آخر عن سفيان، وهو المعتمد وهو موافق لقول أبي سعيد الآتي بعده وهو أصرح منه، أما ما وقع عند أبي داود من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع قال فيه ‏"‏ فلما كان عمر كثرت الحنطة، فجعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء ‏"‏ فقد حكم مسلم في كتاب التمييز على عبد العزيز فيه بالوهم وأوضح الرد عليه‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ قول ابن عيينة عندي أولى‏.‏

وزعم الطحاوي أن الذي عدل عن ذلك عمر ثم عثمان وغيرهما فأخرج عن يسار بن نمير أن عمر قال له ‏"‏ إني أحلف لا أعطي قوما ثم يبدو لي فأفعل، فإذا رأيتني فعلت ذلك فأطعم عني عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير ‏"‏ ومن طريق أبي الأشعث قال‏:‏ خطبنا عثمان فقال ‏"‏ أدوا زكاة الفطر مدين من حنطة ‏"‏ وسيأتي بقية الكلام على ذلك في الباب الذي بعده‏.‏

*3*باب صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صاع من زبيب‏)‏ أي إجزائه، وكأن البخاري أراد بتفريق هذه التراجم الإشارة إلى ترجيح التخيير في هذه الأنواع، إلا أنه لم يذكر الأقط وهو ثابت في حديث أبي سعيد، وكأنه لا يراه مجزئا في حال وجدان غيره كقول أحمد، وحملوا الحديث على أن من كان يخرجه كان قوته إذ ذاك أو لم يقدر على غيره، وظاهر الحديث يخالفه، وعند الشافعية فيه خلاف، وزعم الماوردي أنه يختص بأهل البادية وأما الحاضرة فلا يجزئ عنهم بلا خلاف، وتعقبه النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ وقال‏:‏ قطع الجمهور بأن الخلاف في الجميع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَكِيمٍ الْعَدَنِيَّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ حَدَّثَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتْ السَّمْرَاءُ قَالَ أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ تقدم في رواية مالك بلفظ ‏"‏ أنه سمع أبا سعيد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا نعطيها‏)‏ أي زكاة الفطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في زمان النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هذا حكمه الرفع لإضافته إلى زمنه صلى الله عليه وسلم ففيه إشعار باطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره له ولا سيما في هذه الصورة التي كانت توضع عنده وتجمع بأمره وهو الآمر بقبضها وتفرقتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صاعا من طعام أو صاعا من تمر‏)‏ هذا يقتضي المغايرة بين الطعام وبين ما ذكر بعده، وقد حكى الخطابي أن المراد بالطعام هنا الحنطة وأنه اسم خاص به قال‏:‏ ويدل على ذلك ذكر الشعير وغيره من الأقوات والحنطة أعلاها فلولا أنه أرادها بذلك لكان ذكرها عند التفصيل كغيرها من الأقوات ولا سيما حيث عطفت عليها بحرف ‏"‏ أو ‏"‏ الفاصلة‏.‏

وقال هو وغيره‏:‏ وقد كانت لفظة ‏"‏ الطعام ‏"‏ تستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح، وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه، لأن ما غلب استعمال اللفظ فيه كان خطوره عند الإطلاق أقرب انتهى‏.‏

وقد رد ذلك ابن المنذر وقال‏:‏ ظن بعض أصحابنا أن قوله في حديث أبي سعيد ‏"‏ صاعا من طعام ‏"‏ حجة لمن قال صاعا من حنطة، وهذا غلط منه، وذلك أن أبا سعيد أجمل الطعام ثم فسره، ثم أورد طريق حفص بن ميسرة المذكورة في الباب الذي يلي هذا وهي ظاهرة فيما قال ولفظه ‏"‏ كنا نخرج صاعا من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر ‏"‏ وأخرج الطحاوي نحوه من طريق أخرى عن عياض وقال فيه ‏"‏ ولا يخرج غيره ‏"‏ قال وفي قوله ‏"‏ فلما جاء معاوية وجاءت السمراء ‏"‏ دليل على أنها لم تكن قوتا لهم قبل هذا، فدل على أنها لم تكن كثيرة ولا قوتا فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجودا‏؟‏ انتهى كلامه‏.‏

وأخرج ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم عن عياض بن عبد الله قال‏:‏ قال أبو سعيد وذكروا عنده صدقة رمضان فقال ‏"‏ لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ صاع تمر أو صاع حنطة أو صاع شعير أو صاع أقط، فقال له رجل من القوم‏:‏ أو مدين من قمح، فقال‏:‏ لا تلك قيمة معاوية مطوية لا أقبلها ولا أعمل بها ‏"‏ قال ابن خزيمة ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم، وقوله ‏"‏فقال رجل إلخ ‏"‏ دال على أن ذكر الحنطة في أول القصة خطأ إذ لو كان أبو سعيد أخبر أنهم كانوا يخرجون منها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا لما كان الرجل يقول له‏:‏ أو مدين من قمح، وقد أشار أبو داود إلى رواية ابن إسحاق هذه وقال‏:‏ إن ذكر الحنطة فيه غير محفوظ، وذكر أن معاوية بن هشام روى في هذا الحديث عن سفيان ‏"‏ نصف صاع من بر ‏"‏ وهو وهم وإن ابن عيينة حدث به عن ابن عجلان عن عياض فزاد فيه ‏"‏ أو صاعا من دقيق ‏"‏ وأنهم أنكروا عليه فتركه، قال أبو داود‏:‏ وذكر الدقيق وهم من ابن عيينة‏.‏

وأخرج ابن خزيمة أيضا من طريق فضيل ابن غزوان عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ لم تكن الصدقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التمر والزبيب والشعير ولم تكن الحنطة ‏"‏ ولمسلم من وجه آخر عن عياض عن أبي سعيد ‏"‏ كنا نخرج من ثلاثة أصناف‏:‏ صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من شعير ‏"‏ وكأنه سكت عن الزبيب في هذه الرواية لقلته بالنسبة إلى الثلاثة المذكورة‏.‏

وهذه الطرق كلها تدل على أن المراد بالطعام في حديث أبي سعيد غير الحنطة، فيحتمل أن تكون الذرة فإنه المعروف عند أهل الحجاز الآن وهي قوت غالب لهم‏.‏

وقد روى الجوزقي من طريق ابن عجلان عن عياض في حديث أبي سعيد ‏"‏ صاعا من تمر، صاعا من سلت أو ذرة ‏"‏ وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يكون قوله ‏"‏ صاعا من شعير إلخ ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ صاعا من طعام ‏"‏ من باب عطف الخاص على العام، لكن محل العطف أن يكون الخاص أشرف، وليس الأمر هنا كذلك‏.‏

وقال ابن المنذر أيضا‏:‏ لا نعلم في القمح خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه، ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه، فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير، وهم الأئمة، فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم‏.‏

ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة أنهم رأوا أن في زكاة الفطر نصف صاع من قمح انتهى‏.‏

وهذا مصير منه إلى اختيار ما ذهب إليه الحنفية، لكن حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك، وكذلك ابن عمر، فلا إجماع في المسألة خلافا للطحاوي‏.‏

وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان، فلا فرق بين الحنطة وغيرها‏.‏

هذه حجة الشافعي ومن تبعه، وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد بناء منه على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية، وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن، لكن يلزم على قولهم أن تعتبر القيمة في كل زمان فيختلف الحال ولا ينضبط، وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع من حنطة، ويدل على أنهم لحظوا ذلك ما روى جعفر الفريابي في ‏"‏ كتاب صدقة الفطر ‏"‏ أن ابن عباس لما كان أمير البصرة أمرهم بإخراج زكاة الفطر وبين لهم أنها صاع من تمر، إلى أن قال‏:‏ أو نصف صاع من بر‏.‏

قال‏:‏ فلما جاء علي ورأى رخص أسعارهم قال‏:‏ اجعلوها صاعا من كل، فدل على أنه كان ينظر إلى القيمة في ذلك، ونظر أبو سعيد إلى الكيل كما سيأتي‏.‏

ومن عجيب تأويله قوله‏:‏ أن أبا سعيد ما كان يعرف القمح في الفطرة، وإن الخبر الذي جاء فيه أنه كان يخرج صاعا أنه كان يخرج النصف الثاني تطوعا، وأن قوله في حديث ابن عمر ‏"‏ فجعل الناس عدله مدين من حنطة ‏"‏ أن المراد بالناس الصحابة، فيكون إجماعا‏.‏

وكذا قوله في حديث سعيد عند أبي داود ‏"‏ فأخذ الناس بذلك ‏"‏ وأما قول الطحاوي‏:‏ إن أبا سعيد كان يخرج النصف الآخر تطوعا فلا يخفى تكلفه‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما جاء معاوية‏)‏ زاد مسلم في روايته ‏"‏ فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر ‏"‏ وزاد ابن خزيمة ‏"‏ وهو يومئذ خليفة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجاءت السمراء‏)‏ أي القمح الشامي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعدل مدين‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر ‏"‏ وزاد ‏"‏ قال أبو سعيد‏:‏ أما أنا لا أزال أخرجه أبدا ما عشت ‏"‏ وله من طريق ابن عجلان عن عياض ‏"‏ فأنكر ذلك أبو سعيد وقال‏:‏ لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولأبي داود من هذا الوجه ‏"‏ لا أخرج أبدا إلا صاعا ‏"‏ وللدارقطني وابن خزيمة والحاكم ‏"‏ فقال له رجل مدين من قمح، فقال‏:‏ لا، تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها ‏"‏ وقد تقدم ذكر هذه الرواية وما فيها‏.‏

ولابن خزيمة ‏"‏ وكان ذلك أول ما ذكر الناس المدين ‏"‏ وهذا يدل على وهن ما تقدم عن عمر وعثمان إلا أن يحمل على أنه كان لم يطلع على ذلك من قصتهما، قال النووي‏:‏ تمسك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة، وفيه نظر، لأنه فعل صحابي قد خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفي حديث أبي سعيد ما كان عليه من شدة الاتباع والتمسك بالآثار وترك للعدول إلى الاجتهاد مع وجود النص، وفي صنيع معاوية وموافقة الناس له دلالة على جواز الاجتهاد وهو محمود‏.‏

لكنه مع وجود النص فاسد الاعتبار‏.‏

*3*باب الصَّدَقَةِ قَبْلَ الْعِيدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة قبل العيد‏)‏ قال ابن التين‏:‏ أي قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، وبعد صلاة الفجر‏.‏

وقال ابن عيينة في تفسيره‏:‏ عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال‏:‏ يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته، فإن الله يقول ‏(‏قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى‏)‏ ‏.‏

ولابن خزيمة من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال‏:‏ نزلت في زكاة الفطر ‏"‏ ثم أخرج المصنف في الباب حديث ابن عمر، وقد تقدم مطولا في الباب الأول‏.‏

وحديث أبي سعيد وقد تقدمت الإشارة إليه في الباب الذي قبله‏.‏

وقوله في الإسناد ‏"‏ حدثنا أبو عمر ‏"‏ هو حفص بن ميسرة، وزيد هو ابن أسلم‏.‏

ودل حديث ابن عمر على أن المراد بقوله ‏"‏ يوم الفطر ‏"‏ أي أوله، وهو ما بين صلاة الصبح إلى صلاة العيد‏.‏

وحمل الشافعي التقييد بقبل صلاة العيد على الاستحباب لصدق اليوم على جميع النهار، وقد رواه أبو معشر عن نافع عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ كان يأمرنا أن نخرجها قبل أن نصلي، فإذا انصرف قسمه بينهم وقال‏:‏ أغنوهم عن الطلب ‏"‏ أخرجه سعيد بن منصور، ولكن أبو معشر ضعيف‏.‏

ووهم ابن العربي في عزو هذه الزيادة لمسلم، وسيأتي بقية حكم هذه المسألة في الباب الذي يليه‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-12-2013, 07:53 PM
باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الْمَمْلُوكِينَ لِلتِّجَارَةِ يُزَكَّى فِي التِّجَارَةِ وَيُزَكَّى فِي الْفِطْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صدقة الفطر على الحر والمملوك‏)‏ قيل‏:‏ هذه الترجمة تكرار لما تقدم من قوله ‏"‏ باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين ‏"‏ وأجاب ابن رشيد باحتمالين‏:‏ أحدهما أن يكون أراد تقوية معارضة العموم في قوله ‏"‏ والمملوك ‏"‏ لمفهوم قوله ‏"‏ من المسلمين ‏"‏ أو أراد أن زكاة العبد من حيث هو مال لا من حيث هو نفس، وعلى كل تقدير فيستوي في ذلك مسلمهم وكافرهم‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏ غرضه من الأولى أن الصدقة لا تخرج عن كافر، ولهذا قيدها بقوله ‏"‏ من المسلمين‏"‏، وغرضه من هذه تمييز من تجب عليه أو عنه بعد وجود الشرط المذكور ولذلك استغنى عن ذكره فيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الزهري إلخ‏)‏ وصله ابن المنذر في كتابه الكبير ولم أقف على إسناده، وذكر بعضه أبو عبيد في ‏"‏ كتاب الأموال ‏"‏ قال ‏"‏ حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن يونس عن ابن شهاب قال‏:‏ ليس على المملوك زكاة ولا يزكي عنه سيده إلا زكاة الفطر ‏"‏ وما نقله المصنف عن الزهري هو قول الجمهور‏.‏

وقال النخعي والثوري والحنفية‏:‏ لا يلزم السيد زكاة الفطر عن عبيد التجارة لأن عليه فيهم الزكاة، ولا تجب في مال واحد زكاتان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ أَوْ قَالَ رَمَضَانَ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُعْطِي التَّمْرَ فَأَعْوَزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ التَّمْرِ فَأَعْطَى شَعِيرًا فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى إِنْ كَانَ لِيُعْطِي عَنْ بَنِيَّ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان ابن عمر يعطي التمر‏)‏ في رواية مالك في الموطأ عن نافع ‏"‏ كان ابن عمر لا يخرج إلا التمر في زكاة الفطر، إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرا ‏"‏ ولابن خزيمة من طريق عبد الوارث عن أيوب ‏"‏ كان ابن عمر إذا أعطى أعطى التمر إلا عاما واحدا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأعوز‏)‏ بالمهملة والزاي أي احتاج، يقال أعوزني الشيء إذا احتجت إليه فلم أقدر عليه‏.‏

وفيه دلالة على أن التمر أفضل ما يخرج في صدقة الفطر، وقد روى جعفر الفريابي من طريق أبي مجلز قال ‏"‏ قلت لابن عمر‏:‏ قد أوسع الله، والبر أفضل من التمر؛ أفلا تعطي البر‏؟‏ قال‏:‏ لا أعطي إلا كما كان يعطي أصحابي ‏"‏ ويستنبط من ذلك أنهم كانوا يخرجون من أعلى الأصناف التي يقتات بها لأن التمر أعلى من غيره مما ذكر في حديث أبي سعيد وإن كان ابن عمر فهم منه خصوصية التمر بذلك والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى إن كان يعطي عن بني‏)‏ زاد في نسخة الصغاني ‏"‏ قال أبو عبد الله‏:‏ يعني بني نافع‏.‏

قال الكرماني‏:‏ روي بفتح أن وكسرها، وشرط المفتوحة قد وشرط المكسورة اللام فإما أن يحمل على الحذف أو تكون أن مصدرية وكان زائدة‏.‏

وقول نافع هذا هو شاهد الترجمة، ووجه الدلالة منه أن ابن عمر راوي الحديث فهو أعلم بالمراد منه من غيره، وأولاد نافع إن كان رزقهم وهو بعد في الرق إشكال، وإن كان رزقهم بعد أن أعتق فلعل ذلك كان من ابن عمر على سبيل التبرع، أو كان يرى وجوبها على جميع من يمونه ولو لم تكن نفقته واجبة عليه‏.‏

وقد روى البيهقي من طريق موسى بن عقبة عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يؤدي زكاة الفطر عن كل مملوك له في أرضه وغير أرضه، وعن كل إنسان يعوله من صغير وكبير، وعن رقيق امرأته، وكان له مكاتب فكان لا يؤدي عنه ‏"‏ وروى ابن المنذر من طريق ابن إسحاق قال ‏"‏ حدثني نافع أن ابن عمر كان يخرج صدقة الفطر عن أهل بيته كلهم حرهم وعبدهم صغيرهم وكبيرهم مسلمهم وكافرهم من الرقيق ‏"‏ وهذا يقوي بحث ابن رشيد المتقدم، وقد حمله ابن المنذر على أنه كان يعطي عن الكافر منهم تطوعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر يعطيها للذين يقبلونها‏)‏ أي الذي ينصبه الإمام لقبضها، به جزم ابن بطال‏.‏

وقال ابن التيمي‏:‏ معناه من قال أنا فقير‏.‏

والأول أظهر‏.‏

ويؤيده ما وقع في نسخة الصغاني عقب الحديث ‏"‏ قال أبو عبد الله هو المصنف‏:‏ كانوا يعطون للجمع لا للفقراء‏"‏‏.‏

وقد وقع في رواية ابن خزيمة من طريق عبد الوارث عن أيوب ‏"‏ قلت متى كان ابن عمر يعطي‏؟‏ قال‏:‏ إذا قعد العامل‏.‏

قلت متى يقعد العامل‏؟‏ قال قبل الفطر بيوم أو يومين‏"‏‏.‏

ولمالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي يجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة ‏"‏ وأخرجه الشافعي عنه وقال‏:‏ هذا حسن، وأنا أستحبه - يعني تعجيلها قبل يوم الفطر - انتهى‏.‏

ويدل على ذلك أيضا ما أخرجه البخاري في الوكالة وغيرها عن أبي هريرة قال ‏"‏ وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان ‏"‏ الحديث‏.‏

وفيه أنه أمسك الشيطان ثلاث ليال وهو يأخذ من التمر، فدل على أنهم كانوا يعجلونها‏.‏

وعكسه الجوزقي فاستدل به على جواز تأخيرها عن يوم الفطر وهو محتمل للأمرين‏.‏

*3*باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صدقة الفطر على الصغير والكبير‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر من طريق يحيى وهو القطان عن عبيد الله وهو ابن عمر العمري عن نافع عنه، وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الزكاة من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث واثنين وسبعين حديثا، الموصول منها مائة حديث وتسعة عشر حديثا، والبقية متابعة ومعلقة، المكرر منها فيه وفيما مضى مائة حديث سواء، والخالص اثنان وسبعون حديثا، وافقه مسلم على تخريجها سوى سبعة عشر حديثا وهي حديث أبي ذر مع عثمان ومعاوية، وحديث ابن عمر في ذم الذي يكنز، وحديث أبي هريرة ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال‏"‏، وحديث عدي بن حاتم ‏"‏ جاء رجلان أحدهما يشكو العيلة‏"‏، وحديث عائشة ‏"‏ أينا أسرع لحوقا بك‏"‏، وحديث معن بن يزيد في الصدقة على الولد، وحديث أبي بكر الصديق في إيثاره بماله، وحديث أبي هريرة ‏"‏ خير الصدقة عن ظهر غنى‏"‏، وحديث أنس عن أبي بكر في الزكاة، وحديث ابن عمر ‏"‏ لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع‏"‏، وحديث أبي سعيد في قصة زينب امرأة ابن مسعود، وحديث أبي لاس في ركوب إبل الصدقة، وحديث الزبير ‏"‏ لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب‏"‏، وحديث سهل بن سعد ‏"‏ أحد جبل يحبنا ونحبه‏"‏، وحديث ابن عمر ‏"‏ فيما سقت السماء العشر‏"‏، وحديث الفضل بن عباس في الصلاة في الكعبة، وحديث أبي هريرة في قصة الرجل من بني إسرائيل‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين عشرون أثرا منها أثر عمر في قوله لحكيم بن حزام لما أبى أن يأخذ حقه من الفيء‏.‏

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:27 AM
*2*كتاب الحج
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D8%A D%D9%8E%D8%AC%D9%91%D9%90/i9&d341&c&p1#TOP)باب وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ
وَقَوْلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب وجوب الحج وفضله، وقول الله تعالى‏:‏ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين‏)‏ كذا لأبي ذر، وسقط لغيره البسملة وباب، ولبعضهم قوله ‏"‏ وقول الله‏"‏‏.‏
وفي رواية الأصيلي ‏"‏ كتاب المناسك‏"‏‏.‏
وقدم المصنف الحج على الصيام لمناسبة لطيفة تقدم ذكرها في المقدمة‏.‏
ورتبه على مقاصد متناسبة‏:‏ فبدأ بما يتعلق بالمواقيت، ثم بدخول مكة وما معها ثم بصفة الحج، ثم بأحكام العمرة، ثم بمحرمات الإحرام، ثم بفضل المدينة‏.‏
ومناسبة هذا الترتيب غير خفية على الفطن‏.‏
وأصل الحج في اللغة القصد‏.‏
وقال الخليل‏:‏ كثرة القصد إلى معظم‏.‏
وفي الشرع القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة‏.‏
وهو بفتح المهملة وبكسرها لغتان، نقل الطبري أن الكسر لغة أهل نجد والفتح لغيرهم، ونقل عن حسين الجعفي أن الفتح الاسم والكسر المصدر، وعن غيره عكسه‏.‏
ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة‏.‏
وأجمعوا على أنه لا يتكرر إلا لعارض كالنذر‏.‏
واختلف هل هو على الفور أو التراخي‏؟‏ وهو مشهور‏.‏
وفي وقت ابتداء فرضه فقيل‏:‏ قبل الهجرة وهو شاذ، وقيل بعدها‏.‏
ثم اختلف في سنته فالجمهور على أنها سنة ست لأنها نزل فيها قوله تعالى ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض، ويؤيده قراءة علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ ‏"‏ وأقيموا ‏"‏ أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عنهم، وقيل المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع، وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك‏.‏
وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج، وكان قدومه على ما ذكر الواقدي سنة خمس، وهذا يدل - إن ثبت - على تقدمه على سنة خمس أو وقوعه فيها، وسيأتي مزيد بسط في الكلام على هذه المسألة في أول الكلام على العمرة‏.‏
وأما فضله فمشهور ولا سيما في الوعيد على تركه في الآية، وسيأتي في باب مفرد‏.‏
ولكن لم يورد المصنف في الباب غير حديث الخثعمية، وشاهد الترجمة منه خفي، وكأنه أراد إثبات فضله من جهة تأكيد الأمر به بحيث أن العاجز عن الحركة إليه يلزمه أن يستنيب غيره ولا يعذر بترك ذلك، وسيأتي الكلام على حديث الخثعمية والاختلاف في إسناده على الزهري في أواخر محرمات الإحرام‏.‏
والمراد منه هنا تفسير الاستطاعة المذكورة في الآية، وأنها لا تختص بالزاد والراحلة يل تتعلق بالمال والبدن، لأنها لو اختصت للزم المعضوب أن يشد على الراحلة ولو شق عليه، قال ابن المنذر‏:‏ لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة، والآية الكريمة عامة ليست مجملة فلا تفتقر إلى بيان، وكأنه كلف كل مستطيع قدر بمال أو ببدن، وسيأتي بيان الاختلاف في ذلك في الكلام على الحديث المذكور إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏تقسيم‏)‏ ‏:‏ الناس قسمان، من يجب عليه الحج ومن لا يجب، الثاني العبد وغير المكلف وغير المستطيع‏.‏
ومن لا يجب عليه إما أن يجزئه المأتي به أو لا، الثاني العبد وغير المكلف‏.‏
والمستطيع إما أن تصح مباشرته منه أو لا، الثاني غير المميز‏.‏
ومن لا تصح مباشرته إما أن يباشر عنه غيره أو لا، الثاني الكافر‏.‏
فتبين أنه لا يشترط لصحة الحج إلا الإسلام‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D8%A D%D9%8E%D8%AC%D9%91%D9%90/i9&d341&c&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ فِجَاجًا الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق‏)‏ قيل إن المصنف أراد أن الراحلة ليست شرطا للوجوب‏.‏
وقال ابن القصار‏:‏ في الآية دليل قاطع لمالك أن الراحلة ليست من شرط السبيل، فإن المخالف يزعم أن الحج لا يجب على الراجل وهو خلاف الآية انتهى وفيه نظر، وقد روى الطبري من طريق عمر بن ذر قال‏:‏ قال مجاهد كانوا لا يركبون فأنزل الله ‏(‏يأتوك رجالا وعلى كل ضامر‏)‏ فأمرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب والمتجر‏.‏
وروى ابن أبي حاتم من طريق محمد بن كعب عن ابن عباس ‏"‏ ما فاتني شيء أشد علي أن لا أكون حججت ماشيا لأن الله يقول ‏(‏يأتوك رجالا وعلى كل ضامر‏)‏ فبدأ بالرجال قبل الركبان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجاجا الطرق الواسعة‏)‏ قال يحيى الفراء في ‏"‏ المعاني ‏"‏ في سورة نوح‏:‏ قوله فجاجا واحدها فج وهي الطرق الواسعة‏.‏
واعترضه الإسماعيلي فقال‏:‏ يقال الفج الطريق بين الجبلين، فإذا لم يكن كذلك لم يسم الطريق فحا، كذا قال وهو قول بعض أهل اللغة، وجزم أبو عبيد ثم الأزهري بأن الفج الطريق الواسع، وقد نقل صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏ أن الفج الطريق الواسع في جبل أو في قبل جبل، وهو أوسع من الشعب، وروى ابن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏فجاجا‏)‏ يقول طرقا مختلفة‏.‏
ومن طريق شعبة عن قتادة قال‏:‏ طرقا وأعلاما‏.‏
وقال أبو عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏ فج عميق أي بعيد القعر، وهذا تفسير العميق يقال بئر عميقة القعر أي بعيدة القعر‏.‏
ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته، وحديث جابر نحوه، وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب، وغرضه منه الرد على من زعم أن الحج ماشيا أفضل لتقديمه في الذكر على الراكب فبين أنه لو كان أفضل لفعله النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أنه لم يحرم حتى استوت به راحلته، ذكر ذلك ابن المنير في الحاشية‏.‏
وقال غيره‏:‏ مناسبة الحديث للآية أن ذا الحليفة فج عميق والركوب مناسب لقوله وعلى كل ضامر‏.‏
وقال الإسماعيلي‏:‏ ليس في الحديثين شيء مما ترجم الباب به، ورد بأن فيهما الإشارة إلى أن الركوب أفضل فيؤخذ منه جواز المشي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ سَمِعَ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ إِهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه أنس وابن عباس‏)‏ أي إهلاله بعدما استوت به راحلته، وسيأتي حديث أنس موصولا في ‏"‏ باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح ‏"‏ وحديث ابن عباس قبله في ‏"‏ باب ما يلبس المحرم من الثياب ‏"‏ في أثناء حديث‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ اختلف في الركوب والمشي للحجاج أيهما أفضل‏؟‏ فقال الجمهور‏:‏ الركوب أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولكونه أعون على الدعاء والابتهال ولما فيه من المنفعة‏.‏
وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ المشي أفضل لما فيه من التعب‏.‏
ويحتمل أن يقال‏:‏ يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فالله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أحمد بن عيسى شيخ المصنف في حديث ابن عمر وقع هكذا في رواية أبي ذر ووافقه أبو علي الشبوي وأهمله الباقون، وإبراهيم شيخه في حديث جابر وقع مهملا للأكثر وفي رواية أبي ذر حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي وهو الحافظ المعروف بالفراء الصغير‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:27 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D8%A D%D9%8E%D8%AC%D9%91%D9%90/i9&d341&c&p1#TOP)باب الْحَجِّ عَلَى الرَّحْلِ وَقَالَ أَبَانُ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مَعَهَا أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمَرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَحَمَلَهَا عَلَى قَتَبٍ وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شُدُّوا الرِّحَالَ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ أَحَدُ الْجِهَادَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الحج على الرحل‏)‏ بفتح الراء وسكون المهملة وهو للبعير كالسرج للفرس أشار بهذا إلى أن التقشف أفضل من الترفه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبان‏)‏ هو ابن يزيد العطار والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق‏.‏
وهذه الطريق وصلها أبو نعيم في المستخرج من طريق حرمي بن حفص عن أبان بن يزيد العطار به، وسمعناه بعلو في ‏"‏ فوائد أبي العباس بن نجيح ‏"‏ ولم يخرج البخاري لمالك بن دينار وهو الزاهد المشهور البصري غير هذا الحديث الواحد المعلق والغرض منه قوله فيه ‏"‏ وحملها على قتب ‏"‏ وهو بفتح القاف والمثناة بعدها موحدة رحل صغير على قدر السنام وقد ذكره في آخر الباب موصولا بلفظ ‏"‏ فأحقبها ‏"‏ أي أردفها على الحقيبة وهي الزنار الذي يجعل في مؤخر القتب، فقوله في رواية أبان ‏"‏ على قتب ‏"‏ أي حملها على مؤخر قتب، والحاصل أنه أردفها وكان هو على قتب فإن القصة واحدة‏.‏
وسيأتي بسط القول في اعتمار عائشة من التنعيم في أبواب العمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر شدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين‏)‏ وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي عن عابس بن ربيعة وهو بموحدة ومهملة أنه سمع عمر يقول وهو يخطب ‏"‏ إذا وضعتم السروج فشدوا الرحال إلى الحج والعمرة فإنه أحد الجهادين ‏"‏ ومعناه إذا فرغتم من الغزو فحجوا واعتمروا، وتسمية الحج جهادا إما من باب التغليب أو على الحقيقة، والمراد جهاد النفس لما فيه من إدخال المشقة على البدن والمال، وسيأتي في ثاني أحاديث الباب الذي بعده ما يؤيده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ حَجَّ أَنَسٌ عَلَى رَحْلٍ وَلَمْ يَكُنْ شَحِيحًا وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ عَلَى رَحْلٍ وَكَانَتْ زَامِلَتَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن أبي بكر‏)‏ هو المقدمي كذا وقع في رواية أبي ذر، ولغيره ‏"‏ وقال محمد بن أبي بكر ‏"‏ وقد وصله الإسماعيلي قال ‏"‏ حدثنا أبو يعلى والحسن بن سفيان وغيرهما قالوا‏:‏ حدثنا محمد بن أبي بكر به‏"‏‏.‏
وعزرة بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها راء تأنيث عزر وهو المنع ومنه قوله تعالى ‏(‏ويعزروه‏)‏ ، ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون‏.‏
وقد أنكره علي بن المديني لما سئل عنه فقال‏:‏ ليس هذا من حديث يزيد بن زريع والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكانت زاملته‏)‏ أي الراحلة التي ركبها، وهي وإن لم يجر لها ذكر لكن دل عليها ذكر الرحل، والزاملة البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع، من الزمل وهو الحمل، والمراد أنه لم تكن معه زاملة تحمل طعامه ومتاعه بل كان ذلك محمولا معه على راحلته وكانت هي الراحلة والزاملة‏.‏
وروى سعيد بن منصور من طريق هشام بن عروة قال ‏"‏ كان الناس يحجون وتحتهم أزودتهم، وكان أول من حج على رحل وليس تحته شيء عثمان بن عفان ‏"‏ وقوله فيه ‏"‏ ولم يكن شحيحا ‏"‏ إشارة إلى أنه فعل ذلك تواضعا واتباعا لا عن قلة وبخل‏.‏
وقد روى ابن ماجه هذا الحديث بلفظ آخر لكن إسناده ضعيف فذكر بعد قوله ‏"‏ على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم - ثم قال‏:‏ اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ فَقَالَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ اذْهَبْ بِأُخْتِكَ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ فَاعْتَمَرَتْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمرو‏)‏ هو ابن علي الفلاس‏.‏
وأبو عاصم هو النبيل شيخ البخاري، وروى عنه هنا بواسطة، ونابل والد أيمن بنون وموحدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأحقبها على ناقة‏)‏ في رواية الكشميهني ناقته، وسيأتي الكلام عليه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D8%A D%D9%8E%D8%AC%D9%91%D9%90/i9&d341&c&p1#TOP)باب فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل الحج المبرور‏)‏ قال ابن خالويه‏:‏ المبرور المقبول‏.‏
وقال غيره‏:‏ الذي لا يخالطه شيء من الإثم، ورجحه النووي‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى، وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل والله أعلم‏.‏
وقد تقدم في ذلك أقوال أخر مع مباحث الحديث الأول في ‏"‏ باب من قال إن الإيمان هو العمل ‏"‏ من كتاب الإيمان، منها أنه يظهر بآخره فإن رجع خيرا مما كان عرف أنه مبرور‏.‏
ولأحمد والحاكم من حديث جابر ‏"‏ قالوا يا رسول الله ما بر الحج‏؟‏ قال إطعام الطعام وإفشاء السلام ‏"‏ وفي إسناده ضعف، فلو ثبت لكان هو المتعين دون غيره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ قَالَ لَا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الرحمن بن المبارك‏)‏ هو العيشي بالتحتانية والشين المعجمة بصري وليس أخا لعبد الله بن المبارك المروزي الفقيه المشهور، وشيخه خالد هو ابن عبد الله الواسطي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نرى الجهاد أفضل العمل‏)‏ وهو بفتح النون أي نعتقد ونعلم، وذلك لكثرة ما يسمع من فضائله في الكتاب والسنة‏.‏
وقد رواه جرير عن صهيب عند النسائي بلفظ ‏"‏ فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من الجهاد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لكن أفضل الجهاد‏)‏ اختلف في ضبط ‏"‏ لكن ‏"‏ فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة، قال القابسي‏:‏ وهو الذي تميل إليه نفسي‏.‏
وفي رواية الحموي لكن بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك، والأول أكثر فائدة لأنه يشتمل على إثبات فضل الحج وعلى جواب سؤالها عن الجهاد، وسماه جهادا لما فيه من مجاهدة النفس، وسيأتي بقية الكلام في أواخر كتاب الحج في ‏"‏ باب حج النساء ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

والمحتاج إليه هنا كونه جعل الحج أفضل الجهاد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبا حازم‏)‏ هو سلمان، وأما أبو حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد فلم يسمع من أبي هريرة، وسيار أبو الحكم الراوي عنه بتقديم المهملة وتشديد التحتانية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من حج لله‏)‏ في رواية منصور عن أبي حازم الآتية قبيل جزاء الصيد ‏"‏ من حج هذا البيت ‏"‏ ولمسلم من طريق جريح عن منصور ‏"‏ من أتى هذا البيت ‏"‏ وهو يشمل الحج والعمرة‏.‏
وقد أخرجه الدارقطني من طريق الأعمش عن أبي حازم بلفظ ‏"‏ من حج أو اعتمر ‏"‏ لكن في الإسناد إلى الأعمش ضعف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم يرفث‏)‏ الرفث الجماع، ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول‏.‏
وقال الأزهري‏:‏ الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة، وكان ابن عمر يخصه بما خوطب به النساء‏.‏
وقال عياض‏:‏ هذا من قول الله تعالى ‏(‏فلا رفث ولا فسوق‏)‏ والجمهور على أن المراد به في الآية الجماع انتهى‏.‏
والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك، وإليه نحا القرطبي، وهو المراد بقوله في الصيام ‏"‏ فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ فاء الرفث مثلثة في الماضي والمضارع والأفصح الفتح في الماضي والضم في المستقبل والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يفسق‏)‏ أي لم يأت بسيئة ولا معصية، وأغرب ابن الأعرابي فقال‏:‏ إن لفظ الفسق لم يسمع في الجاهلية ولا في أشعارهم وإنما هو إسلامي، وتعقب بأنه كثر استعماله في القرآن وحكايته عمن قبل الإسلام‏.‏
وقال غيره‏:‏ أصله انفسقت الرطبة إذا خرجت فسمي الخارج عن الطاعة فاسقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رجع كيوم ولدته أمه‏)‏ أي بغير ذنب، وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات، وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك، وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري، قال الطيبي‏:‏ الفاء في قوله ‏"‏ فلم يرفث ‏"‏ معطوف على الشرط، وجوابه رجع أي صار، والجار والمجرور خبر له، ويجوز أن يكون حالا أي صار مشابها لنفسه في البراءة عن الذنوب في يوم ولدته أمه ا هـ‏.‏
وقد وقع في رواية الدارقطني المذكورة ‏"‏ رجع كهيئته يوم ولدته أمه‏"‏‏.‏
وذكر لنا بعض الناس أن الطيبي أفاد أن الحديث إنما لم يذكر فيه الجدال كما ذكر في الآية على طريق الاكتفاء بذكر البعض وترك ما دل عليه ما ذكر، ويحتمل أن يقال إن ذلك يختلف بالقصد لأن وجوده لا يؤثر في ترك مغفرة ذنوب الحاج إذا كان المراد به المجادلة في أحكام الحج فيما يظهر من الأدلة، أو المجادلة بطريق التعميم فلا يؤثر أيضا فإن الفاحش منها داخل في عموم الرفث والحسن منها ظاهر في عدم التأثير، والمستوي الطرفين لا يؤثر أيضا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%92%D8%A D%D9%8E%D8%AC%D9%91%D9%90/i9&d341&c&p1#TOP)باب فَرْضِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فرض مواقيت الحج والعمرة‏)‏ المواقيت جمع ميقات كمواعيد وميعاد، ومعنى ‏"‏ فرض ‏"‏ قدر أو أوجب، وهو ظاهر نص المصنف وأنه لا يجيز الإحرام بالحج والعمرة من قبل الميقات، ويزيد ذلك وضوحا ما سيأتي بعد قليل حيث قال ‏"‏ ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة ‏"‏ وقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على الجواز، وفيه نظر فقد نقل عن إسحاق وداود وغيرهما عدم الجواز وهو ظاهر جواب ابن عمر، ويؤيده القياس على الميقات الزماني فقد أجمعوا على أنه لا يجوز التقدم عليه، وفرق الجمهور بين الزماني والمكاني فلم يجيزوا التقدم على الزماني وأجازوا في المكاني، وذهب طائفة كالحنفية وبعض الشافعية إلى ترجيح التقدم‏.‏
وقال مالك يكره، وسيأتي شيء من ذلك في ترجمة ‏"‏ الحج أشهر معلومات ‏"‏ في قوله ‏"‏ وكره عثمان أن يحرم من خراسان‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَهُ فُسْطَاطٌ وَسُرَادِقٌ فَسَأَلْتُهُ مِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ أَعْتَمِرَ قَالَ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زهير‏)‏ هو ابن معاوية الجعفي، ورجال هذا الإسناد سوى ابن عمر كوفيون، وجبير والد زيد بالجيم والموحدة مصغر ليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وفي الرواة زيد بن جبيرة بفتح الجيم وزيادة هاء في آخره لم يخرج له البخاري شيئا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وله فسطاط وسرادق‏)‏ الفسطاط معروف وهي الخيمة، وأصله عمود الخباء الذي يقوم عليه، وقيل لا يقال لها ذلك إلا إذا كانت من قطن، وهو أيضا مما يغطى به صحن الدار من الشمس وغيرها، وكل ما أحاط بشيء فهو سرادق ومنه ‏(‏أحاط بهم سرادقها‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فسألته‏)‏ فيه التفات لأنه قال أولا إنه أتى ابن عمر فكان السياق يقتضي أن يقول فسأله، لكن وقع عند الإسماعيلي ‏"‏ قال فدخلت عليه فسألته‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرضها‏)‏ أي قدرها وعينها، ويحتمل أن يكون المراد أوجبها وبه يتم مراد المصنف، ويؤيده قرينة قول السائل ‏"‏ من أين يجوز لي ‏"‏ وسيأتي الكلام على الحديث بعد باب‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:28 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى‏)‏ قال مقاتل بن حيان ‏"‏ لما نزلت قام رجل فقال‏:‏ يا رسول الله ما نجد زادا، فقال‏:‏ تزود ما تكف به وجهك عن الناس، وخير ما تزودتم التقوى ‏"‏ أخرجه ابن أبي حاتم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن بشر‏)‏ بكسر الموحدة وبالمعجمة وهو البلخي، ولم يخرج للجريري الذي أخرج له مسلم وهو من طبقته، وجعلهما ابن طاهر وأبو علي الجياني رجلا واحدا والصواب التفرقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون‏)‏ زاد ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس ‏"‏ يقولون نحج بيت الله أفلا يطعمنا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا قدموا المدينة‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ مكة ‏"‏ وهو أصوب، وكذا أخرجه أبو نعيم من طريق محمد بن عبد الله المخرمي عن شبابة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه ابن عيينة عن عمرو‏)‏ يعني ابن دينار ‏(‏عن عكرمة مرسلا‏)‏ يعني لم يذكر فيه ابن عباس، وهكذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة، وكذا أخرجه الطبري عن عمرو بن علي وابن أبي حاتم عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري كلاهما عن ابن عيينة مرسلا، قال ابن أبي حاتم‏:‏ وهو أصح من رواية ورقاء‏.‏
قلت‏:‏ وقد اختلف فيه على ابن عيينة فأخرجه النسائي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه موصولا بذكر ابن عباس فيه، لكن حكى الإسماعيلي عن ابن صاعد أن سعيدا حدثهم به في كتاب المناسك موصولا، قال وحدثنا به في حديث عمرو بن دينار فلم يجاوز به عكرمة انتهى‏.‏
والمحفوظ عن ابن عيينة ليس فيه ابن عباس، لكن لم ينفرد شبابة بوصله، فقد أخرجه الحاكم في تاريخه من طريق الفرات بن خالد عن سفيان الثوري عن ورقاء موصولا، وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس كما سبق، قال المهلب‏:‏ في هذا الحديث من الفقه أن ترك السؤال من التقوى، ويؤيده أن الله مدح من لم يسأل الناس إلحافا فإن قوله‏:‏ ‏(‏فإن خير الزاد التقوى‏)‏ أي تزودوا واتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم والإثم في ذلك، قال‏:‏ وفيه أن التوكل لا يكون مع السؤال وإنما التوكل المحمود أن لا يستعين بأحد في شيء، وقيل هو قطع النظر عن الأسباب بعد تهيئة الأسباب، كما قال عليه السلام ‏"‏ اعقلها وتوكل‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مهل أهل مكة للحج والعمرة‏)‏ المهل بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام موضع الإهلال، وأصله رفع الصوت لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام، ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعا، قال ابن الجوزي‏:‏ وإنما يقول بفتح الميم من لا يعرف‏.‏
وقال أبو البقاء العكبري‏:‏ هو مصدر بمعنى الإهلال كالمدخل والمخرج بمعنى الإدخال والإخراج، وأشار المصنف بالترجمة إلى حديث ابن عمر فإنه سيأتي بلفظ ‏"‏ مهل‏"‏، وأما حديث الباب فذكره بلفظ ‏"‏ وقت ‏"‏ أي حدد، وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به ثم اتسع فيه فأطلق على المكان أيضا، قال ابن الأثير‏:‏ التوقيت والتأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة يقال‏:‏ وقت الشيء بالتشديد يوقته ووقت بالتخفيف يوقته إذا بين مدته، ثم اتسع فيه فقيل للموضع ميقات‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ قيل إن التوقيت في اللغة التحديد والتعيين، فعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت، وقوله هنا ‏"‏ وقت ‏"‏ يحتمل أن يريد به التحديد أي حد هذه المواضع للإحرام، ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر‏.‏
وقال عياض‏:‏ وقت أي حدد، وقد يكون بمعنى أوجب‏.‏
ومنه قوله تعالى ‏(‏إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا‏)‏ انتهى‏.‏
ويؤيده الرواية الماضية بلفظ ‏"‏ فرض‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة‏)‏ أي مدينته عليه الصلاة والسلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذا الحليفة‏)‏ بالمهملة والفاء مصغرا مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله ابن حزم‏.‏
وقال غيره‏:‏ بينهما عشر مراحل‏.‏
وقال النووي‏:‏ بينها وبين المدينة ستة أميال، ووهم من قال بينهما ميل واحد وهو ابن الصباغ‏.‏
وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وبها بئر يقال لها بئر علي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الجحفة‏)‏ بضم الجيم وسكون المهملة، وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة، وفي قول النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ ثلاث مراحل نظر، وسيأتي في حديث ابن عمر أنها مهيعة بوزن علقمة وقيل بوزن لطيفة، وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها، قال ابن الكلبي‏:‏ كان العماليق يسكنون يثرب، فوقع بينهم وبين بني عبيل - بفتح المهملة وكسر الموحدة وهم إخوة عاد - حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سبل فاجتحفهم أي استأصلهم فسميت الجحفة‏.‏
ووقع في حديث عائشة عند النسائي ‏"‏ ولأهل الشام ومصر الجحفة ‏"‏ والمكان الذي يحرم منه المصريون الآن رابغ بوزن فاعل براء وموحدة وغين معجمة قريب من الجحفة، واختصت الجحفة بالحمى فلا ينزلها أحد إلا حم كما سيأتي في فضائل المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولأهل نجد قرن المنازل‏)‏ أما نجد فهو كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد منها هنا التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق‏.‏
والمنازل بلفظ جمع المنزل، والمركب الإضافي هو اسم المكان، ويقال له قرن أيضا بلا إضافة، وهو بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون، وضبطه صاحب ‏"‏ الصحاح ‏"‏ بفتح الراء وغلطوه، وبالغ النووي فحكى الاتفاق على تخطئته في ذلك، لكن حكى عياض تعليق القابسي أن من قاله بالإسكان أراد الجبل ومن قاله بالفتح أراد الطريق، والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان‏.‏
وحكى الروياني عن بعض قدماء الشافعية أن المكان الذي يقال له قرن موضعان‏:‏ أحدهما في هبوط وهو الذي يقال له قرن المنازل، والآخر في صعود وهو الذي يقال له قرن الثعالب والمعروف الأول‏.‏
وفي ‏"‏ أخبار مكة ‏"‏ للفاكهي أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع، وقيل له قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب، فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت، وقد وقع ذكره في حديث عائشة في إتيان النبي صلى الله عليه وسلم الطائف يدعوهم إلى الإسلام وردهم عليه قال ‏"‏ فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ‏"‏ الحديث ذكره ابن إسحاق في السيرة النبوية، ووقع في مرسل عطاء عند الشافعي ‏"‏ ولأهل نجد قرن، ولمن سلك نجدا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل‏"‏‏.‏
ووقع في عبارة القاضي حسين في سياقه لحديث ابن عباس هذا ‏"‏ ولأهل نجد اليمن ونجد الحجاز قرن ‏"‏ وهذا لا يوجد في شيء من طرق حديث ابن عباس، وإنما يوجد ذلك من مرسل عطاء، وهو المعتمد فإن لأهل اليمن إذا قصدوا مكة طريقين‏:‏ إحداهما طريق أهل الجبال وهم يصلون إلى قرن أو يحاذونه فهو ميقاتهم كما هو ميقات أهل المشرق، والأخرى طريق أهل تهامة فيمرون بيلملم أو يحاذونه وهو ميقاتهم لا يشاركهم فيه إلا من أتى عليه من غيرهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولأهل اليمن يلملم‏)‏ بفتح التحتانية واللام وسكون الميم وبعدها لام مفتوحة ثم ميم مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلا ويقال لها ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها، وحكى ابن السيد فيه يرمرم براءين بدل اللامين‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ أبعد المواقيت من مكة ذو الحليفة ميقات أهل المدينة، فقيل الحكمة في ذلك أن تعظم أجور أهل المدينة، وقيل رفقا بأهل الآفاق لأن أهل المدينة أقرب الآفاق إلى مكة أي ممن له ميقات معين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من لهم‏)‏ أي المواقيت المذكورة لأهل البلاد المذكورة‏.‏
ووقع في رواية أخرى كما يأتي في ‏"‏ باب دخول مكة بغير إحرام ‏"‏ بلفظ ‏"‏ هن لهن ‏"‏ أي المواقيت للجماعات المذكورة أو لأهلهن على حذف المضاف والأول هو الأصل، ووقع في ‏"‏ باب مهل أهل اليمن ‏"‏ بلفظ ‏"‏ هن لأهلهن ‏"‏ كما شرحته‏.‏
وقوله هن ضمير جماعة المؤنث وأصله لمن يعقل، وقد استعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون العشرة، وقوله ‏"‏ولمن أتى عليهن ‏"‏ أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة، ويدخل في ذلك من دخل بلدا ذات ميقات ومن لم يدخل، فالذي لا يدخل لا إشكال فيه إذا لم يكن له ميقات معين، والذي يدخل فيه خلاف كالشامي إذا أراد الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي، فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور، وأطلق النووي الاتفاق ونفي الخلاف في شرحيه لمسلم والمهذب في هذه المسألة فلعله أراد في مذهب الشافعي وإلا فالمعروف عند المالكية أن للشامي مثلا إذا جاوز ذا الحليفة بغير إحرام إلى ميقاته الأصلي وهو الجحفة جاز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه وبه قال الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية، قال ابن دقيق العيد‏:‏ قوله ‏"‏ ولأهل الشام الجحفة ‏"‏ يشمل من مر من أهل الشام بذي الحليفة ومن لم يمر، وقوله ‏"‏ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ‏"‏ يشمل الشامي إذا مر بذي الحليفة وغيره، فهنا عمومان قد تعارضا انتهى ملخصا‏.‏
ويحصل الانفكاك عنه بأن قوله ‏"‏ هن لهن ‏"‏ مفسر لقوله مثلا وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، وأن المراد بأهل المدينة ساكنوها ومن سلك طريق سفرهم فمر على ميقاتهم، ويؤيده عراقي خرج من المدينة فليس له مجاوزة ميقات المدينة غير محرم، ويترجح بهذا قول الجمهور وينتفي التعارض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ممن أراد الحج والعمرة‏)‏ فيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام، وسيأتي في ترجمة مفردة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن كان دون ذلك‏)‏ أي بين الميقات ومكة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فمن حيث أنشأ‏)‏ أي فميقاته من حيث أنشأ الإحرام إذ السفر من مكانه إلى مكة وهذا متفق عليه إلا ما روي عن مجاهد أنه قال‏:‏ ميقات هؤلاء نفس مكة، واستدل به ابن حزم على أن من ليس له ميقات فميقاته من حيث شاء ولا دلالة فيه لأنه يختص بمن كان دون الميقات أي إلى جهة مكة كما تقدم، ويؤخذ منه أن من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه محرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات لقوله ‏"‏ فمن حيث أنشأ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى أهل مكة‏)‏ يجوز فيه الرفع والكسر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من مكة‏)‏ أي لا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه بل يحرمون من مكة كالآفاقي الذي بين الميقات ومكة فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات ليحرم منه، وهذا خاص بالحاج، واختلف في أفضل الأماكن التي يحرم منها كما سيأتي في ترجمة مفردة‏.‏

وأما المعتمر فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل كما سيأتي بيانه في أبواب العمرة‏.‏
قال المحب الطبري‏:‏ لا أعلم أحدا جعل مكة ميقاتا للعمرة، فتعين حمله على القارن، واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة‏.‏
وقال ابن الماجشون‏:‏ يجب عليه الخروج إلى أدنى الحل، ووجهه أن العمرة إنما تندرج في الحج فيما محله واحد كالطواف والسعي عند من يقول بذلك، وأما الإحرام فمحله فيهما مختلف، وجواب هذا الإشكال أن المقصود من الخروج إلى الحل في حق المعتمر أن يرد على البيت الحرام من الحل فيصح كونه وافدا عليه، وهذا يحصل للقارن لخروجه إلى عرفة وهي من الحل ورجوعه إلى البيت لطواف الإفاضة فحصل المقصود بذلك أيضا‏.‏
واختلف فيمن جاوز الميقات مريدا للنسك فلم يحرم، فقال الجمهور‏:‏ يأثم ويلزمه دم، فأما لزوم الدم فبدليل غير هذا، وأما الإثم فلترك الواجب‏.‏
وقد تقدم الحديث من طريق ابن عمر بلفظ ‏"‏ فرضها ‏"‏ وسيأتي بلفظ ‏"‏ يهل ‏"‏ وهو خبر بمعنى الأمر والأمر لا يرد بلفظ الخبر إلا إذا أريد تأكيده، وتأكيد الأمر للوجوب، وسبق في العلم بلفظ ‏"‏ من أين تأمرنا أن نهل ‏"‏ ولمسلم من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر ‏"‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة‏"‏‏.‏
وذهب عطاء والنخعي إلى عدم الوجوب، ومقابله قول سعيد بن جبير لا يصح حجه وبه قال ابن حزم‏.‏
وقال الجمهور‏:‏ لو رجع إلى الميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم، قال أبو حنيفة بشرط أن يعود ملبيا، ومالك بشرط أن لا يبعد، وأحمد لا يسقط بشيء‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الأفضل في كل ميقات أن يحرم من طرفه الأبعد من مكة، فلو أحرم من طرفه الأقرب جاز‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا يُهِلُّوا قَبْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ميقات أهل المدينة، ولا يهلون قبل ذي الحليفة‏)‏ قد تقدمت الإشارة إلى هذا في ‏"‏ باب فرض المواقيت ‏"‏ واستنبط المصنف من إيراد الخبر بصيغة الخبر مع إرادة الأمر تعين ذلك، وأيضا فلم ينقل عن أحد ممن حج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم قبل ذي الحليفة، ولولا تعين الميقات لبادروا إليه لأنه يكون أشق فيكون أكثر أجرا، وقد تقدم شرح المتن في الذي قبله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّأْمِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله‏)‏ هو ابن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبلغني إلخ‏)‏ سيأتي من رواية ابنه سالم عنه بعد باب بلفظ ‏"‏ زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولم أسمعه ‏"‏ وتقدم في العلم من وجه آخر بلفظ ‏"‏ لم أفقه هذه من النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وهو يشعر بأن الذي بلغ ابن عمر ذلك جماعة، وقد ثبت ذلك من حديث ابن عباس كما في الباب قبله، ومن حديث جابر عند مسلم، ومن حديث عائشة عند النسائي، ومن حديث الحارث بن عمرو السهمي عند أحمد وأبي داود والنسائي‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:30 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب مُهَلِّ أَهْلِ الشَّأْمِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مهل أهل الشام‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس وقد تقدم قبل باب، وحماد المذكور في الإسناد هو ابن زيد‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب مُهَلِّ أَهْلِ نَجْدٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مهل أهل نجد‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر من طريقين إلى الزهري، فعلي شيخه في الإسناد الأول هو ابن المديني، وأحمد في الثاني هو ابن عيسى كما ثبت في رواية أبي ذر، وقد تقدم الكلام عليه قريبا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب مُهَلِّ مَنْ كَانَ دُونَ الْمَوَاقِيتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مهل من كان دون المواقيت‏)‏ أي دونها إلى مكة أورد فيه حديث ابن عباس من وجه آخر، وحماد هو ابن زيد، وعمرو هو ابن دينار‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب مُهَلِّ أَهْلِ الْيَمَنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مهل أهل اليمن‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس وقد سبق ما فيه‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ حكى الأثرم عن أحمد أنه سئل في أي سنة وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت‏؟‏ فقال‏:‏ عام حج انتهى‏.‏
وقد سبق حديث ابن عمر في العلم بلفظ ‏"‏ أن رجلا قام في المسجد فقال‏:‏ يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل ‏"‏‏؟‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب ذَاتُ عِرْقٍ لِأهْلِ الْعِرَاقِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ذات عرق لأهل العراق‏)‏ هي بكسر العين وسكون الراء بعدها قاف، سمي بذلك لأن فيه عرقا وهو الجبل الصغير، وهي أرض سبخة تنبت الطرفاء، بينها وبين مكة مرحلتان، والمسافة اثنان وأربعون ميلا وهو الحد الفاصل بين نجد وتهامة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا قَالَ فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما فتح هذان المصران‏)‏ كذا للأكثر بضم ‏"‏ فتح ‏"‏ على البناء لما لم يسم فاعله‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ لما فتح هذين المصرين ‏"‏ بفتح الفاء والتاء على حذف الفاعل والتقدير لما فتح الله، وكذا ثبت في رواية أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وبه جزم عياض، وأما ابن مالك فقال‏:‏ تنازع ‏"‏ فتح ‏"‏ و ‏"‏ أتوا ‏"‏ وهو على إعمال الثاني وإسناد الأول إلى ضمير عمر، ووقع عند الإسماعيلي من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله مختصرا، وزاد في الإسناد عن عمر أنه حد لأهل العراق ذات عرق، والمصران تثنية مصر والمراد بهما الكوفة والبصرة وهما سرتا العراق، والمراد بفتحهما غلبة المسلمين على مكان أرضهما، وإلا فهما من تمصير المسلمين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو جور‏)‏ بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راء أي ميل، والجور الميل عن القصد ومنه قوله تعالى ومنها جائر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فانظروا حذوها‏)‏ أي اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا، وظاهره أن عمر حد لهم ذات عرق باجتهاد منه، وقد روى الشافعي من طريق أبي الشعثاء قال ‏"‏ لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق شيئا فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق ‏"‏ وروى أحمد عن هشيم عن يحيى بن سعيد وغيره عن نافع عن ابن عمر فذكر حديث المواقيت وزاد فيه ‏"‏ قال ابن عمر فآثر الناس ذات عرق على قرن ‏"‏ وله عن سفيان عن صدقة عن ابن عمر فذكر حديث المواقيت ‏"‏ قال فقال له قائل‏:‏ فأين العراق‏؟‏ فقال ابن عمر‏:‏ لم يكن يومئذ عراق ‏"‏ وسيأتي في الاعتصام من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال ‏"‏ لم يكن عراق يومئذ ‏"‏ ووقع في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ للدارقطني من طريق عبد الرزاق عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق قرنا ‏"‏ قال عبد الرزاق قال لي بعضهم إن مالكا محاه من كتابه‏.‏
قال الدارقطني‏:‏ تفرد به عبد الرزاق‏.‏
قلت‏:‏ والإسناد إليه ثقات أثبات، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عنه وهو غريب جدا، وحديث الباب يرده‏.‏
وروى الشافعي من طريق طاوس قال ‏"‏ لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق، ولم يكن حينئذ أهل المشرق ‏"‏ وقال في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حد ذات عرق، وإنما أجمع عليه الناس‏.‏
وهذا كله يدل على أن ميقات ذات عرق ليس منصوصا، وبه قطع الغزالي والرافعي في ‏"‏ شرح المسند ‏"‏ والنووي في ‏"‏ شرح مسلم ‏"‏ وكذا وقع في ‏"‏ المدونة ‏"‏ لمالك، وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في ‏"‏ الشرح الصغير ‏"‏ والنووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ أنه منصوص، وقد وقع ذلك في حديث جابر عند مسلم إلا أنه مشكوك في رفعه أخرجه من طريق ابن جريج ‏"‏ أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يسأل عن المهل فقال‏:‏ سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره، وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه بلفظ ‏"‏ فقال سمعت أحسبه يريد النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير فلم يشكا في رفعه‏.‏
ووقع في حديث عائشة وفي حديث الحارث بن عمرو السهمي كلاهما عند أحمد وأبي داود والنسائي، وهذا يدل على أن للحديث أصلا، فلعل من قال إنه غير منصوص لم يبلغه أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق لا يخلو عن مقال، ولهذا قال ابن خزيمة‏:‏ رويت في ذات عرق أخبار لا يثبت شيء منها عند أهل الحديث‏.‏
وقال ابن المنذر‏:‏ لم نجد في ذات عرق حديثا ثابتا انتهى‏.‏
لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا‏.‏
وأما إعلال من أعله بأن العراق لم تكن فتحت يومئذ فقال ابن عبد البر‏:‏ هي غفلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح، لكنه علم أنها ستفتح، فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق انتهى‏.‏
وبهذا أجاب الماوردي وآخرون، لكن يظهر لي أن مراد من قال لم يكن العراق يومئذ أي لم يكن في تلك الجهة ناس مسلمون، والسبب في قول ابن عمر ذلك أنه روى الحديث بلفظ ‏"‏ أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل ‏"‏‏؟‏ فأجابه‏.‏
وكل جهة عينها في حديث ابن عمر كان من قبلها ناس مسلمون بخلاف المشرق والله أعلم‏.‏
وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق فقد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة منها أن ذات عرق ميقات الوجوب، والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق‏.‏
ومنها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن، والآخر ميقات لأهل البصرة، وقع ذلك في حديث لأنس عند الطبراني وإسناده ضعيف‏.‏
ومنها أن ذات عرق كانت أولا في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد، ويتعين الإحرام من العقيق ولم يقل به أحد، وإنما قالوا يستحب احتياطا، وحكى ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه كان يحرم من الربذة وهو قول القاسم بن عبد الرحمن وخصيف الجزري، قال ابن المنذر‏:‏ وهو أشبه في النظر إن كانت ذات عرق غير منصوصة، وذلك أنها تحاذي ذا الحليفة، وذات عرق بعدها، والحكم فيمن ليس له ميقات أن يحرم من أول ميقات يحاذيه، لكن لما سن عمر ذات عرق وتبعه عليه الصحابة واستمر عليه العمل كان أولى بالاتباع‏.‏
واستدل به على أن من ليس له ميقات أن عليه أن يحرم إذا حاذى ميقاتا من هذه المواقيت الخمسة، ولا شك أنها محيطة بالحرم، فذو الحليفة شامية ويلملم يمانية فهي مقابلها وإن كانت إحداهما أقرب إلى مكة من الأخرى، وقرن شرقية والجحفة غربية فهي مقابلها وإن كانت إحداهما كذلك، وذات عرق تحاذي قرنا، فعلى هذا فلا تخلو بقعة من بقاع الأرض من أن تحاذي ميقاتا من هذه المواقيت، فبطل قول من قال من ليس له ميقات ولا يحاذي ميقاتا هل يحرم من مقدار أبعد من المواقيت أو أقربها‏؟‏ ثم حكى فيه خلافا، والفرض أن هذه الصورة لا تتحقق لما قلته إلا أن يكون قائله فرضه فيمن لم يطلع على المحاذاة كمن يجهلها، وقد نقل النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ أنه يلزمه أن يحرم على مرحلتين اعتبارا بقول عمر هذا في توقيته ذات عرق، وتعقب بأن عمر إنما حدها لأنها تحاذي قرنا، وهذه الصورة إنما هي حيث يجهل المحاذاة، فلعل القائل بالمرحلتين أخذ بالأقل لأن ما زاد عليه مشكوك فيه، لكن مقتضى الأخذ بالاحتياط أن يعتبر الأكثر الأبعد، ويحتمل أن يفرق بين من عن يمين الكعبة وبين من عن شمالها لأن المواقيت التي عن يمينها أقرب من التي عن شمالها فيقدر لليمين الأقرب وللشمال الأبعد والله أعلم‏.‏
ثم إن مشروعية المحاذاة مختصة بمن ليس له أمامه ميقات معين، فأما من له ميقات معين كالمصري مثلا يمر ببدر وهي تحاذي ذا الحليفة فليس عليه أن يحرم منها بل له التأخير حتى يأتي الجحفة والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ العقيق المذكور هنا واد يتدفق ماؤه في غوري تهامة، وهو غير العقيق المذكور بعد بابين كما سيأتي بيانه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَصَلَّى بِهَا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا في الأصول بغير ترجمة، وهو بمنزلة الفصل من الأبواب التي قبله، ومناسبته لها من جهة دلالة حديثه على استحباب صلاة ركعتين عند إرادة الإحرام من الميقات، وقد ترجم عليه بعض الشارحين ‏"‏ نزول البطحاء والصلاة بذي الحليفة ‏"‏ وحكى القطب أنه في بعض النسخ قال‏:‏ وسقط في نسخة سماعنا لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ وفي شرح ابن بطال ‏"‏ الصلاة بذي الحليفة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أناخ‏)‏ بالنون والخاء المعجمة أي أبرك بعيره، والمراد أنه نزل بها‏.‏
والبطحاء قد بين أنها التي بذي الحليفة‏.‏
وقوله ‏"‏فصلى بها ‏"‏ يحتمل أن يكون للإحرام ويحتمل أن يكون للفريضة، وسيأتي من حديث أنس ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم صلى العصر بذي الحليفة ركعتين ‏"‏ ثم أن هذا النزول يحتمل أن يكون في الذهاب وهو الظاهر من تصرف المصنف، ويحتمل أن يكون في الرجوع ويؤيده حديث ابن عمر الذي بعده بلفظ ‏"‏ وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات حتى أصبح ‏"‏ ويمكن الجمع بأنه كان يفعل الأمرين ذهابا وإيابا والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرِيقِ الشَّجَرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة‏)‏ قال عياض‏:‏ هو موضع معروف على طريق من أراد الذهاب إلى مكة من المدينة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى ذي الحليفة فيبيت بها، وإذا رجع بات بها أيضا ودخل على طريق المعرس بفتح الراء المثقلة وبالمهملتين وهو مكان معروف أيضا، وكل من الشجرة والمعرس على ستة أميال من المدينة لكن المعرس أقرب، وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد بيان في ذلك‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كما يفعل في العيد يذهب من طريق ويرجع من أخرى، وقد تقدم القول في حكمة ذلك مبسوطا، وقد قال بعضهم‏:‏ أن نزوله هناك لم يكن قصدا وإنما كان اتفاقا حكاه إسماعيل القاضي في أحكامه عن محمد بن الحسن وتعقبه، والصحيح أنه كان قصدا لئلا يدخل المدينة ليلا، ويدل عليه قوله ‏"‏ وبات حتى يصبح ‏"‏ ولمعنى فيه وهو التبرك به كما سيأتي في الباب الذي بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مسْجِدِ الشَّجَرَةِ وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ
الشرح‏:‏
تقدمت الإشارة إلى شيء من الحديث في أواخر أبواب المساجد، وسياقه هناك أبسط من هذا‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:32 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقِيقُ وَادٍ مُبَارَكٌ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم العقيق واد مبارك‏)‏ أورد فيه حديث عمر في ذلك، وليس هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما حكاه عن الآتي الذي أتاه‏.‏
لكن روى أبو أحمد بن عدي من طريق يعقوب بن إبراهيم الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا ‏"‏ تخيموا بالعقيق فإنه مبارك ‏"‏ فكأنه أشار إلى هذا‏.‏
وقوله ‏"‏تخيموا بالخاء المعجمة والتحتانية أمر بالتخيم والمراد به النزول هناك‏.‏
وذكر ابن الجوزي في ‏"‏ الموضوعات ‏"‏ عن حمزة الأصبهاني أنه ذكر في ‏"‏ كتاب التصحيف ‏"‏ أن الرواية بالتحتانية تصحيف وأن الصواب بالمثناة الفوقانية، ولما قاله اتجاه لأنه وقع في معظم الطرق ما يدل على أنه من الخاتم، وهو من طريق يعقوب بن الوليد عن هشام بلفظه، ووقع في حديث عمر تختموا بالعقيق فإن جبريل أتاني به من الجنة الحديث وأسانيده ضعيفة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ التِّنِّيسِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ إِنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏آت من ربي‏)‏ هو جبريل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال صل في هذا الوادي المبارك‏)‏ يعني وادي العقيق، وهو بقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال‏.‏
روى الزبير بن بكار في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ أن تبعا لما رجع من المدينة انحدر في مكان فقال‏:‏ هذا عقيق الأرض، فسمي العقيق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقل عمرة في حجة‏)‏ برفع عمرة للأكثر وبنصبها لأبي ذر على حكاية اللفظ أي قل جعلتها عمرة، وهذا دال على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا، وسيأتي بيان ذلك بعد أبواب‏.‏
وأبعد من قال معناه عمرة مدرجة في حجة أي أن عمل العمرة يدخل في عمل الحج فيجزي لها طواف واحد‏.‏
وقال من معناه أنه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجه‏.‏
وهذا أبعد من الذي قبله، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك‏.‏
نعم يحتمل أن يكون أمر أن يقول ذلك لأصحابه ليعلمهم مشروعية القران، وهو كقوله ‏"‏ دخلت العمرة في الحج ‏"‏ قاله الطبري‏.‏
واعترضه ابن المنير في الحاشية فقال‏:‏ ليس نظيره، لأن قوله ‏"‏ دخلت إلخ ‏"‏ تأسيس قاعدة، وقوله ‏"‏عمرة في حجة ‏"‏ بالتنكير يستدعي الوحدة وهو إشارة إلى الفعل الواقع من القران إذ ذاك‏.‏
قلت‏:‏ ويؤيده ما يأتي في كتاب الاعتصام بلفظ ‏"‏ عمرة وحجة ‏"‏ بواو العطف وسيأتي بيان ذلك بعد أبواب‏.‏
وفي الحديث فضل العقيق كفضل المدينة وفضل الصلاة فيه، وفيه استحباب نزول الحاج في منزلة قريبة من البلد ومبيتهم بها ليجتمع إليهم من تأخر عنهم ممن أراد مرافقتهم، وليستدرك حاجته من نسيها مثلا فيرجع إليها من قريب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رُئِيَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي قِيلَ لَهُ إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ يَتَوَخَّى بِالْمُنَاخِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُنِيخُ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله في حديث ابن عمر ‏(‏أنه أري‏)‏ بضم الهمزة أي في المنام‏.‏
وفي رواية كريمة ‏"‏ رئي ‏"‏ بتقديم الراء أي رآه غيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو معرس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ في معرس ‏"‏ بالتنوين، وقوله ‏"‏ببطن الوادي ‏"‏ تبين من حديث ابن عمر الذي قبله أنه وادي العقيق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقد أناخ بنا سالم‏)‏ هو مقول موسى بن عقبة الراوي عنه، وقوله ‏"‏يتوخى ‏"‏ بالخاء المعجمة أي يقصد، و ‏"‏ المناخ ‏"‏ بضم الميم المبرك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو أسفل‏)‏ بالنصب ويجوز الرفع، والمراد بالمسجد الذي كان هنا في ذلك الزمان‏.‏
وقوله ‏"‏بينه ‏"‏ أي بين المعرس‏.‏
وفي رواية الحموي ‏"‏ بينهم ‏"‏ أي بين النازلين وبين الطريق، وقوله ‏"‏وسط من ذلك ‏"‏ بفتح المهملة أي متوسط بين بطن الوادي وبين الطريق، وعند أبي ذر ‏"‏ وسطا من ذلك ‏"‏ بالنصب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب غَسْلِ الْخَلُوقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الثِّيَابِ
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرِنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ قَالَ فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً فَجَاءَهُ الْوَحْيُ فَأَشَارَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى يَعْلَى فَجَاءَ يَعْلَى وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ وَهُوَ يَغِطُّ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنْ الْعُمْرَةِ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَالَ اغْسِلْ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَانْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَرَادَ الْإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ نَعَمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب‏)‏ الخلوق بفتح الخاء المعجمة نوع من الطيب مركب فيه زعفران‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عاصم‏)‏ هو من شيوخ البخاري ولم أره عنه إلا بصيغة التعليق، وبذلك جزم الإسماعيلي فقال‏:‏ ذكره عن أبي عاصم بلا خبر، وأبو نعيم فقال‏:‏ ذكر بلا رواية، وحكى الكرماني أنه وقع في بعض النسخ ‏"‏ حدثنا محمد حدثنا أبو عاصم ‏"‏ ومحمد هو ابن معمر أو ابن بشار ويحتمل أن يكون البخاري، ولم يقع في المتن ذكر الخلوق وإنما أشار به إلى ما ورد في بعض طرقه وهو في أبواب العمرة بلفظ ‏"‏ وعليه أثر الخلوق‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن يعلى‏)‏ هو ابن أمية التميمي وهو المعروف بابن منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتانية وهي أمه وقيل جدته، وهو والد صفوان الذي روى عنه، وليست رواية صفوان عنه لهذا الحديث بواضحة لأنه قال فيها ‏"‏ إن يعلى قال لعمر ‏"‏ ولم يقل أن يعلى أخبره أنه قال لعمر، فإن يكن صفوان حضر مراجعتهما وإلا فهو منقطع، لكن سيأتي في أبواب العمرة من وجه آخر ‏"‏ عن صفوان بن يعلى عن أبيه ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل‏)‏ سيأتي بعد أبواب بلفظ ‏"‏ جاء أعرابي ‏"‏ ولم أقف على اسمه لكن ذكر ابن فتحون في ‏"‏ الذيل ‏"‏ عن ‏"‏ تفسير الطرطوشي ‏"‏ أن اسمه عطاء ابن منية، قال ابن فتحون‏:‏ إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى ابن منية راوي الخبر، ويجوز أن يكون خطأ اسم الراوي فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى ابن منية عن أبيه، ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدا، ووقع في شرح شيخنا سراج الدين بن الملقن ما نصه‏:‏ هذا الرجل يجوز أن يكون عمرو بن سواد إذ في كتاب ‏"‏ الشفاء ‏"‏ للقاضي عياض عنه قال ‏"‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق فقال ورس ورس حط حط وغشيني بقضيب بيده في بطني فأوجعني ‏"‏ الحديث، فقال شيخنا‏:‏ لكن عمرو هذا لا يدرك ذا فإنه صاحب ابن وهب انتهى كلامه‏.‏
وهو معترض من وجهين‏:‏ أما أولا فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر صاحبها بها، وأما ثانيا ففي الاستدراك غفلة عظيمة لأن من يقول ‏"‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا يتخيل فيه أنه صاحب ابن وهب صاحب مالك، بل إن ثبت فهو آخر وافق اسمه اسمه واسم أبيه اسم أبيه، والفرض أنه لم يثبت لأنه انقلب على شيخنا إنما الذي في ‏"‏ الشفاء ‏"‏ سواد بن عمرو وقيل سوادة بن عمرو، أخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في مصنفه والبغوي في ‏"‏ معجم الصحابة‏"‏، وروى الطحاوي من طريق أبي حفص بن عمرو عن يعلى أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو متخلق فقال ألك امرأة‏؟‏ قال لا، قال اذهب فاغسله‏.‏
فقد يتوهم من لا خبرة له أن يعلى بن أمية هو صاحب القصة، وليس كذلك فإن راوي هذا الحديث يعلى بن مرة الثقفي، وهي قصة أخرى غير قصة صاحب الإحرام‏.‏
نعم روى الطحاوي في موضع آخر أن يعلى بن أمية صاحب القصة قال ‏"‏ حدثنا سليمان بن شعيب حدثنا عبد الرحمن هو ابن زياد الوضاحي حدثنا شعبة عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا يقال له يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعها ‏"‏ قال قتادة قلت لعطاء إنما كنا نرى أن نشقها، فقال عطاء‏:‏ إن الله لا يحب الفساد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قد أظل به‏)‏ بضم أوله وكسر الظاء المعجمة أي جعل عليه كالظلة‏.‏
ووقع عند الطبراني في الأوسط وابن أبي حاتم أن الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ ويستفاد منه أن المأمور به وهو الإتمام يستدعي وجوب اجتناب ما يقع في العمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يغط‏)‏ بفتح أوله وكسر المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي ينفخ، والغطيط صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى، وسبب ذلك شدة ثقل الوحي، وكان سبب إدخال يعلى رأسه عليه في تلك الحال أنه كان يحب لو رآه في حالة نزول الوحي كما سيأتي في أبواب العمرة من وجه آخر عنه، وكان يقول ذلك لعمر فقال له عمر حينئذ‏:‏ تعال فانظر، وكأنه علم أن ذلك لا يشق على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سري‏)‏ بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف عنه شيئا بعد شيء قوله‏:‏ ‏(‏اغسل الطيب الذي بك‏)‏ هو أعم من أن يكون بثوبه أو ببدنه، وسيأتي البحث فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ كما تصنع ‏"‏ وسيأتي في أبواب العمرة بلفظ ‏"‏ كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ‏"‏ ولمسلم من طريق قيس بن سعد عن عطاء ‏"‏ وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك ‏"‏ وهو دال على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك، قال ابن العربي‏:‏ كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا، وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية قوله ‏"‏ اصنع ‏"‏ معناه اترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم، فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل‏.‏
قال وأما قول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائلة على العمرة كالوقوف وما بعده‏.‏
وقال النووي كما قال ابن بطال وزاد‏:‏ ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج‏.‏
وقال الباجي‏:‏ المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق، لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية‏.‏
كذا قال ولا وجه لهذا الحصر، بل الذي تبين من طريق أخرى أن المأمور به الغسل والنزع، وذلك أن عند مسلم والنسائي من طريق سفيان عن عمرو بن دينار وعن عطاء في هذا الحديث فقال ‏"‏ ما كنت صانعا في حجك‏؟‏ قال أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق‏.‏
فقال ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لعطاء‏)‏ القائل هو ابن جريج، وهو دال على أنه فهم من السياق أن قوله ‏"‏ ثلاث مرات ‏"‏ من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، لكن يحتمل أن يكون من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظة ‏"‏ اغسله ‏"‏ مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثة لتفهم عنه نبه عليه عياض، قال الإسماعيلي‏:‏ ليس في حديث الباب أن الخلوق كان على الثوب كما في الترجمة، وإنما فيه أن الرجل كان متضمخا‏.‏
وقوله له ‏"‏ اغسل الطيب الذي بك ‏"‏ يوضح أن الطيب لم يكن في ثوبه وإنما كان على بدنه ولو كان على الجبة لكان في نزعها كفاية من جهة الإحرام ا هـ‏.‏
والجواب أن البخاري على عادته يشير إلى ما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده، وسيأتي في حرمات الإحرام من وجه آخر بلفظ ‏"‏ عليه قميص فيه أثر صفرة ‏"‏ والخلوق في العادة إنما يكون في الثوب‏.‏
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن قتادة عن عطاء بلفظ ‏"‏ رأى رجلا عليه حبة عليها أثر خلوق ‏"‏ ولمسلم من طريق رباح بن أبي معروف عن عطاء مثله‏.‏
وقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم أخبرنا عبد الملك ومنصور وغيرهما عن عطاء عن يعلى بن أمية، أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله إني أحرمت وعلي جبتي هذه وعلى جبته ردغ من خلوق ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فقال اخلع هذه الجبة واغسل هذا الزعفران ‏"‏ واستدل بحديث يعلى على منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن، وهو قول مالك ومحمد بن الحسن‏.‏
وأجاب الجمهور بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة كما ثبت في هذا الحديث، وهي في سنة ثمان بلا خلاف‏.‏
وقد ثبت عن عائشة أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها عند إحرامها كما سيأتي في الذي بعده وكان ذلك في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر، وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب، فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران‏.‏
وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم، وفي حديث ابن عمر الآتي قريبا ‏"‏ ولا يلبس - أي المحرم - من الثياب شيئا مسه زعفران ‏"‏ وفي حديث ابن عباس الآتي أيضا ‏"‏ ولم ينه إلا عن الثياب المزعفرة ‏"‏ وسيأتي مزيد في ذلك الباب الذي بعده، واستدل به على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه‏.‏
وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه، وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية ‏"‏ يجب مطلقا ‏"‏ وعلى أن المحرم إذا صار عليه المخيط نزعه ولا يلزمه تمزيقه ولا شقه خلافا للنخعي والشعبي حيث قالا‏:‏ لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما، وعن علي نحوه، وكذا عن الحسن وأبي قلابة، وقد وقع عند أبي داود بلفظ ‏"‏ اخلع عنك الجبة فخلعها من قبل رأسه ‏"‏ وعلى أن المفتي والحاكم إذا لم يعرف الحكم يمسك حتى يتبين له، وعلى أن بعض الأحكام ثبت بالوحي وإن لم يكن مما يتلى، لكن وقع عند الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ أن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره الوحي‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:33 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَمَا يَلْبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَشَمُّ الْمُحْرِمُ الرَّيْحَانَ وَيَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ وَيَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَقَالَ عَطَاءٌ يَتَخَتَّمُ وَيَلْبَسُ الْهِمْيَانَ وَطَافَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ حَزَمَ عَلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِالتُّبَّانِ بَأْسًا لِلَّذِينَ يَرْحَلُونَ هَوْدَجَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن‏)‏ أراد بهذه الترجمة أن يبين أن الأمر بغسل الخلوق الذي في الحديث قبله إنما هو بالنسبة إلى الثياب، لأن المحرم لا يلبس شيئا مسه الزعفران كما سيأتي في الباب الذي بعده، وأما الطيب فلا يمنع استدامته على البدن، وأضاف إلى التطيب المقتصر عليه في حديث الباب الرجل والأدهان لجامع ما بينهما من الترفه فكأنه يقول يلحق بالتطيب سائر الترفهات فلا يحرم على المحرم، كذا قال ابن المنير، والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما سيأتي بعد أربعة أبواب من طريق كريب عن ابن عباس قال ‏"‏ انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وادهن ‏"‏ الحديث، وقوله ‏"‏ترجل ‏"‏ أي سرح شعره، وكأنه يؤخذ من قوله في حديث عائشة ‏"‏ طيبته في مفرقه ‏"‏ لأن فيه نوع ترجيل، وسيأتي من وجه آخر بزيادة ‏"‏ وفي أصول شعره‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس إلخ‏)‏ أما شم الريحان فقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا للمحرم بشم الريحان ‏"‏ وروينا في ‏"‏ المعجم الأوسط ‏"‏ مثله عن عثمان‏.‏
وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر خلافه، واختلف في الريحان فقال إسحاق‏:‏ يباح، وتوقف أحمد‏.‏
وقال الشافعي يحرم، وكرهه مالك والحنفية‏.‏
ومنشأ الخلاف أن كل ما يتخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف، وأما غيره فلا‏.‏
وأما النظر في المرآة فقال الثوري في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه ‏"‏ عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ لا بأس أن ينظر في المرآة وهو محرم ‏"‏ وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن إدريس عن هشام به، ونقل كراهته عن القاسم بن محمد‏.‏
وأما التداوي فقال أبو بكر بن أبي شيبة ‏"‏ حدثنا أبو خالد الأحمر وعباد بن العوام عن أشعث عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقول‏:‏ يتداوى المحرم بما يأكل ‏"‏ وقال أيضا ‏"‏ حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الضحاك عن ابن عباس إذا شققت يد المحرم أو رجلاه فليدهنهما بالزيت أو بالسمن ‏"‏ ووقع في الأصل ‏"‏ يتداوى بما يأكل الزيت والسمن ‏"‏ وهما بالجر في روايتنا وصحح عليه ابن مالك عطفا على ما الموصولة فإنها مجرورة بالباء ووقع في غيرها بالنصب، وليس المعنى عليه لأن الذي يأكل هو الآكل لا المأكول، لكن يجوز على الاتساع‏.‏
وفي هذا الأثر رد على مجاهد في قوله إن تداوى بالسمن أو الزيت فعليه دم أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ قوله ‏"‏ يشم ‏"‏ بفتح الشين المعجمة على الأشهر وحكي ضمها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء يتختم ويلبس الهميان‏)‏ هو بكسر الهاء معرب، يشبه تكة السراويل يجعل فيها النفقة ويشد في الوسط‏.‏
وقد روى الدارقطني من طريق الثوري عن ابن إسحاق عن عطاء قال‏:‏ لا بأس بالخاتم للمحرم‏.‏
وأخرج أيضا من طريق شريك عن أبي إسحاق عن عطاء - وربما ذكره عن سعيد بن جبير - عن ابن عباس قال‏:‏ لا بأس بالهميان والخاتم للمحرم والأول أصح‏.‏
وأخرجه الطبراني وابن عدي في الكامل من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا وإسناده ضعيف‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ أجاز ذلك فقهاء الأمصار، وأجازوا عقده إذا لم يمكن إدخال بعضه في بعض، ولم ينقل عن أحد كراهته إلا عن ابن عمر، وعنه جوازه‏.‏
ومنع إسحاق عقده وقيل إنه تفرد بذلك، وليس كذلك فقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ لا بأس بالهميان للمحرم، ولكن لا يعقد عليه السير ولكن يلفه لفا‏.‏
قال ابن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين عن إسماعيل بن عبد الملك قال رأيت على سعيد بن جبير خاتما وهو محرم وعلى عطاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وطاف ابن عمر وهو محرم وقد حزم على بطنه بثوب‏)‏ وصله الشافعي من طريق طاوس قال‏.‏
رأيت ابن عمر يسعى وقد حزم على بطنه بثوب‏.‏
وروي من وجه آخر عن نافع أن ابن عمر لم يكن عقد الثوب عليه وإنما غرز طرفه على إزاره‏.‏
وروى ابن أبي شيبة من طريق مسلم بن جندب سمعت ابن عمر يقول لا تعقد علي شيئا وأنت محرم‏.‏
قال ابن التين‏:‏ هو محمول على أنه شده على بطنه فيكون كالهميان ولم يشده فوق المئزر وإلا فمالك يرى على من فعل ذلك الفدية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم تر عائشة بالتبان بأسا للذين يرحلون هودجها‏)‏ وقع في نسخة الصغاني بعد قوله بأسا‏:‏ قال أبو عبد الله يعني الذين إلخ‏.‏
التبان بضم المثناة وتشديد الموحدة سراويل قصير بغير أكمام، والهودج بفتح الهاء وبالجيم معروف، ويرحلون بفتح أوله وسكون الراء وفتح الحاء المهملة قال الجوهري‏:‏ رحلت البعير أرحله بفتح أوله رحلا إذا شددت على ظهره الرحل، قال الأعشى‏:‏ ‏"‏ رحلت أميمة غدوة أجمالها‏"‏، وسيأتي في التفسير استشهاد البخاري بقول الشاعر‏:‏ ‏"‏ إذا ما قمت أرحلها بليل‏"‏، وعلى هذا فوهم من ضبطه هنا بتشديد الحاء المهملة وكسرها‏.‏
وقد وصل أثر عائشة سعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها حجت ومعها غلمان لها وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء فأمرتهم أن يتخذوا التبابين فيلبسونها وهم محرمون‏.‏
وأخرجه من وجه آخر مختصرا بلفظ ‏"‏ يشدون هودجها ‏"‏ وفي هذا رد على ابن التين في قوله‏:‏ أرادت النساء لأنهن يلبسن المخيط بخلاف الرجال، وكأن هذا رأي رأته عائشة وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ قَالَ مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنِي الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر، والإسناد إلى ابن عمر كوفيون وكذا إلى عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يدهن بالزيت‏)‏ أي عند الإحرام بشرط أن لا يكون مطيبا، كمأ أخرجه الترمذي من وجه آخر عنه مرفوعا، والموقوف عنه أخرجه ابن أبي شيبة وهو أصح، ويؤيده ما تقدم في كتاب الغسل من طريق محمد بن المنتشر أن ابن عمر قال ‏"‏ لأن أطلي بقطران أحب إلي من أن أتطيب ثم أصبح محرما ‏"‏ وفيه إنكار عائشة عليه، وكان ابن عمر يتبع في ذلك أباه فإنه كان يكره استدامة الطيب بعد الإحرام كما سيأتي، وكانت عائشة تنكر عليه ذلك‏.‏
وقد روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر أن عائشة كانت تقول ‏"‏ لا بأس بأن يمس الطيب عند الإحرام ‏"‏ قال فدعوت رجلا وأنا جالس بجنب ابن عمر فأرسلته إليها وقد علمت قولها ولكن أحببت أن يسمعه أبي، فجاءني رسولي فقال إن عائشة تقول لا بأس بالطيب عند الإحرام فأصب ما بدا لك‏.‏
قال فسكت ابن عمر‏.‏
وكذا كان سالم بن عبد الله بن عمر يخالف أباه وجده في ذلك لحديث عائشة، قال ابن عيينة ‏"‏ أخبرنا عمرو بن دينار عن سالم أنه ذكر قول عمر في الطيب ثم قال‏:‏ قالت عائشة ‏"‏ فذكر الحديث، قال سالم‏:‏ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكرته لإبراهيم‏)‏ هو مقول منصور، وإبراهيم هو النخعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال ما تصنع بقوله‏)‏ يشير إلى ما بينته وإن كان لم يتقدم إلا ذكر الفعل، ويؤخذ منه أن المفزع في النوازل إلى السنن وأنه مستغنى بها عن آراء الرجال وفيها المقنع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كأني أنظر‏)‏ أرادت بذلك قوة تحققها لذلك بحيث أنها لشدة استحضارها له كأنها ناظرة إليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبيص‏)‏ بالموحدة المكسورة وآخره صاد مهملة هو البريق، وقد تقدم في الغسل قول الإسماعيلي‏:‏ إن الوبيص زيادة على البريق، وأن المراد به التلألؤ، وأنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في مفارق‏)‏ جمع مفرق وهو المكان الذي يفترق فيه الشعر في وسط الرأس، قيل ذكرته بصيغة الجمع تعميما لجوانب الرأس التي يفرق فيها الشعر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لإحرامه‏)‏ أي لأجل إحرامه، وللنسائي ‏"‏ حين أراد أن يحرم ‏"‏ ولمسلم نحوه كما سيأتي قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولحله‏)‏ أي بعد أن يرمي ويحلق‏.‏
واستدل بقولها ‏"‏ كنت أطيب ‏"‏ على أن كان لا تقتضي التكرار لأنها لم يقع منها ذلك إلا مرة واحدة، وقد صرحت في رواية عروة عنها بأن ذلك كان في حجة الوداع كما سيأتي في كتاب اللباس، كذا استدل به النووي في ‏"‏ شرح مسلم ‏"‏ وتعقب بأن المدعي تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام، ولا مانع من أن يتكرر التطيب لأجل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه‏.‏
وقال النووي في موضع آخر‏:‏ المختار أنها لا تقتضي تكرارا ولا استمرارا، وكذا قال الفخر في ‏"‏ المحصول‏"‏، وجزم ابن الحاجب بأنها تقتضيه قال ولهذا استفدنا من قولهم ‏"‏ كان حاتم يقري الضيف ‏"‏ أن ذلك كان يتكرر منه‏.‏
وقال جماعة من المحققين إنها تقتضي التكرار ظهورا، وقد تقع قرينة تدل على عدمه، لكن يستفاد من سياقه لذلك المبالغة في إثبات ذلك، والمعني أنها كانت تكرر فعل التطيب لو تكرر منه فعل الإحرام لما اطلعت عليه من استحبابه لذلك، على أن هذه اللفظة لم تتفق الرواة عنها عليها، فسيأتي للبخاري من طريق سفيان ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم شيخ مالك فيه هنا بلفظ ‏"‏ طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وسائر الطرق ليس فيها صيغة ‏"‏ كان ‏"‏ والله أعلم‏.‏
واستدل به على استحباب التطيب عند إرادة الإحرام، وجواز استدامته بعد الإحرام، وأنه لا يضر بقاء لونه ورائحته، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وهو قول الجمهور، وعن مالك يحرم ولكن لا فدية‏.‏
وفي رواية عنه تجب‏.‏
وقال محمد بن الحسن‏:‏ يكره أن يتطيب قبل الإحرام بما يبقى عينه بعده‏.‏
وتجب المالكية بأمور‏:‏ منها أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بعد أن تطيب لقوله في رواية ابن المنتشر المتقدمة في الغسل ‏"‏ ثم طاف بنسائه ثم أصبح محرما ‏"‏ فإن المراد بالطواف الجماع، وكان من عادته أن يغتسل عند كل واحدة، ومن ضرورة ذلك أن لا يبقى للطيب أثر، ويرده قوله في الرواية الماضية أيضا ‏"‏ ثم أصبح محرما ينضح طيبا ‏"‏ فهو ظاهر في أن نضح الطيب - وهو ظهور رائحته - كان في حال إحرامه، ودعوى بعضهم أن فيه تقديما وتأخيرا والتقدير طاف على نسائه ينضح طيبا ثم أصبح محرما خلاف الظاهر، ويرده قوله في رواية الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عند مسلم ‏"‏ كان إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد، ثم أراه في رأسه ولحيته بعد ذلك ‏"‏ وللنسائي وابن حبان ‏"‏ رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث وهو محرم ‏"‏ وقال بعضهم‏:‏ إن الوبيص كان بقايا الدهن المطيب الذي تطيب به فزال وبقي أثره من غير رائحة، ويرده قول عائشة ينضح طيبا‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ بقي أثره لا عينه، قال ابن العربي ليس في شيء من طرق حديث عائشة أن عينه بقيت انتهى‏.‏
وقد روى أبو داود وابن أبي شيبة من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت ‏"‏ كنا نضمخ وجوهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا‏"‏‏.‏
فهذا صريح في بقاء عين الطيب، ولا يقال إن ذلك خاص بالنساء لأنهم أجمعوا على أن الرجال والنساء سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ كان ذلك طيبا لا رائحة له تمسكا برواية الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة ‏"‏ بطيب لا يشبه طيبكم ‏"‏ قال بعض رواته‏:‏ يعني لا بقاء له أخرجه النسائي‏.‏
ويرد هذا التأويل ما في الذي قبله‏.‏
ولمسلم من رواية منصور بن زاذان عن عبد الرحمن بن القاسم ‏"‏ بطيب فيه مسك ‏"‏ وله من طريق الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم ‏"‏ كأني أنظر إلى وبيص المسك ‏"‏ وللشيخين من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ‏"‏ بأطيب ما أجد‏"‏‏.‏
وللطحاوي والدارقطني من طريق نافع عن ابن عمر عن عائشة ‏"‏ بالغالية الجيدة ‏"‏ هذا يدل على أن قولها بطيب لا يشبه طيبكم أي أطيب منه، لا كما فهمه القائل يعني ليس له بقاء‏.‏
وادعى بعضهم أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم قال المهلب وأبو الحسن القصار وأبو الفرج من المالكية، قال بعضهم‏:‏ لأن الطيب من دواعي النكاح فنهى الناس عنه وكان هو أملك الناس لإربه ففعله، ورجحه ابن العربي بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح، وقد ثبت عنه أنه قال ‏"‏ حبب إلي النساء والطيب ‏"‏ أخرجه النسائي من حديث أنس، وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس‏.‏
وقال المهلب‏:‏ إنما خص بذلك لمباشرته الملائكة لأجل الوحي، وتعقب بأنه فرع ثبوت الخصوصية وكيف بها، ويردها حديث عائشة بنت طلحة المتقدم‏.‏
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عائشة قالت ‏"‏ طيبت أبي بالمسك لإحرامه حين أحرم ‏"‏ وبقولها ‏"‏ طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين ‏"‏ أخرجه الشيخان من طريق عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عنها، وسيأتي من طريق سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ‏"‏ وأشارت بيديها ‏"‏ واعتذر بعض المالكية بأن عمل أهل المدينة على خلافه، وتعقب بما رواه النسائي من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن سليمان بن عبد الملك لما حج جمع ناسا من أهل العلم - منهم القاسم بن محمد وخارجة بن زيد وسالم وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث - فسألهم عن التطيب قبل الإفاضة، فكلهم أمر به‏.‏
فهؤلاء فقهاء أهل المدينة من التابعين قد اتفقوا على ذلك، فكيف يدعى مع ذلك العمل على خلافه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولحله قبل أن يطوف بالبيت‏)‏ أي لأجل إحلاله من إحرامه قبل أن يطوف طواف الإفاضة، وسيأتي في اللباس من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ‏"‏ قبل أن يفيض ‏"‏ وللنسائي من هذا الوجه ‏"‏ وحين يريد أن يزور البيت ‏"‏ ولمسلم نحوه من طريق عمرة عن عائشة، وللنسائي من طريق ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة ‏"‏ ولحله بعدما يرمي جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت ‏"‏ واستدل به على حل الطيب وغيره من محرمات الإحرام بعد رمي جمرة العقبة، ويستمر امتناع الجماع ومتعلقاته على الطواف بالبيت، وهو دال على أن للحج تحللين فمن قال أن الحلق نسك كما هو قول الجمهور وهو الصحيح عند الشافعية يوقف استعمال الطيب وغيره من المحرمات المذكورة عليه، ويؤخذ ذلك من كونه صلى الله عليه وسلم في حجته رمى ثم حلق ثم طاف، فلولا أن الطيب بعد الرمي والحلق لما اقتصرت على الطواف في قولها ‏"‏ قبل أن يطوف بالبيت ‏"‏ قال النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ ظاهر كلام ابن المنذر وغيره أنه لم يقل بأن الحلق ليس بنسك إلا الشافعي، وهو في رواية عن أحمد، وحكي عن أبي يوسف، واستدل به على جواز استدامة الطيب بعد الإحرام، وخالف الحنفية فأوجبوا فيه الفدية قياسا على اللبس، وتعقب بأن استدامة اللبس لبس واستدامة الطيب ليس بطيب، ويظهر ذلك بما لو حلف‏.‏
وقد تقدم التعقب على من زعم أن المراد بريق الدهن أو أثر الطيب الذي لا رائحة له بما فيه كفاية‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:35 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب مَنْ أَهَلَّ مُلَبِّدًا الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أهل ملبدا‏)‏ أي أحرم وقد لبد شعر رأسه، أي جعل فيه شيئا نحو الصمغ ليجتمع شعره لئلا يتشعث في الإحرام أو يقع فيه القمل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا
الشرح‏:‏
حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في ذلك وهو مطابق للترجمة، وقوله ‏"‏سمعته يهل ملبدا ‏"‏ أي سمعته يهل في حال كونه ملبدا، ولأبي داود والحاكم من طريق نافع عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام لبد رأسه بالعسل، قال ابن عبد السلام يحتمل أنه بفتح المهملتين، ويحتمل أنه بكسر المعجمة وسكون المهملة، وهو ما يغسل به الرأس من خطمي أو غيره‏.‏
قلت ضبطناه في روايتنا في سنن أبي داود بالمهملتين‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب الْإِهْلَالِ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة‏)‏ أي لمن حج من المدينة‏.‏
أورد فيه حديث سالم أيضا عن أبيه في ذلك من وجهين، وساقه بلفظ مالك‏.‏
وأما لفظ سفيان فأخرجه الحميدي في مسنده بلفظ ‏"‏ هذه البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد مسجد ذي الحليفة ‏"‏ وأخرجه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن موسى بن عقبة بلفظ ‏"‏ كان ابن عمر إذا قيل له الإحرام من البيداء قال‏:‏ البيداء التي تكذبون فيها إلخ، إلا أنه قال‏:‏ من عند الشجرة حين قام به بعيره ‏"‏ وسيأتي للمصنف بعد أبواب ترجمة ‏"‏ من أهل حين استوت به راحلته ‏"‏ وأخرج فيه من طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة ‏"‏ وكان ابن عمر ينكر على رواية ابن عباس الآتية بعد بابين بلفظ ‏"‏ ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل ‏"‏ وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير ‏"‏ قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إهلاله - فذكر الحديث وفيه - فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب من مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منها فسمع منه قوم فحفظوه، ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل، وأدرك ذلك منه قوم لم يشهدوه في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا إنما أهل حين استقلت به راحلته، ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل، وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل أحد ما سمع، وإنما كان إهلاله في مصلاه وايم الله، ثم أهل ثانيا وثالثا ‏"‏ وأخرجه الحاكم من وجه آخر من طريق عطاء عن ابن عباس نحوه دون القصة، فعلى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء، وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ البيداء هذه فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي، قاله أبو عبيد البكري وغيره‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب مَا لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما لا يلبس المحرم من الثياب‏)‏ المراد بالمحرم من أحرم بحج أو عمرة أو قرن، وحكى ابن دقيق العيد أن ابن عبد السلام كان يستشكل معرفة حقيقة الإحرام يعني على مذهب الشافعي ويرد على من يقول إنه النية، لأن النية شرط في الحج الذي الإحرام ركنه، وشرط الشيء غيره، ويعترض على من يقول إنه التلبية بأنها ليست ركنا وكأنه يحوم على تعيين فعل تتعلق به النية في الابتداء انتهى‏.‏
والذي يظهر أنه مجموع الصفة الحاصلة من تجرد وتلبية ونحو ذلك، وسيأتي في آخر ‏"‏ باب التلبية ‏"‏ ما يتعلق بشيء من هذا الغرض‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا قال يا رسول الله‏)‏ لم أقف على اسمه في شيء من الطرق، وسيأتي في ‏"‏ باب ما ينهى من الطيب للمحرم ‏"‏ ومن طريق الليث عن نافع بلفظ ‏"‏ ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام ‏"‏ وعند النسائي من طريق عمر بن نافع عن أبيه ‏"‏ ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا ‏"‏ وهو مشعر بأن السؤال عن ذلك كان قبل الإحرام‏.‏
وقد حكى الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري أن في رواية ابن جريج والليث عن نافع أن ذلك كان في المسجد، ولم أر ذلك في شيء من الطرق عنهما‏.‏
نعم أخرج البيهقي من طريق حماد بن زيد عن أيوب، ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء عن عبد الله بن عون، كلاهما عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بذلك المكان ‏"‏ وأشار نافع إلى مقدم المسجد فذكر الحديث، وظهر أن ذلك كان بالمدينة، ووقع في حديث ابن عباس الآتي في أواخر الحج أنه صلى الله عليه وسلم خطب بذلك في عرفات فيحمل على التعدد، ويؤيده أن حديث ابن عمر أجاب به السائل‏.‏
وحديث ابن عباس ابتدأ به في الخطبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما يلبس المحرم من الثياب‏؟‏ قال‏:‏ لا يلبس القمص إلخ‏)‏ قال النووي قال العلماء هذا الجواب من بديع الكلام وجزله لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح به، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال‏:‏ لا يلبس كذا أي ويلبس ما سواه انتهى‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ سئل عما يلبس فأجاب بما لا يلبس ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز، وإنما عدل عن الجواب لأنه أخصر وأحصر، وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإحرام المحتاج لبيانه، إذ الجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب فكان الأليق السؤال عما لا يلبس‏.‏
وقال غيره‏:‏ هذا يشبه أسلوب الحكيم، ويقرب منه قوله تعالى ‏(‏يسألونك ماذا ينفقون، قل ما أنفقتم من خير فللوالدين‏)‏ الآية، فعدل عن جنس المنفق وهو المسئول عنه إلى ذكر المنفق عليه لأنه أهم‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل منه المقصود كيف كان ولو بتغيير أو زيادة ولا تشترط المطابقة انتهى‏.‏
وهذا كله بناء على سياق هذه الرواية وهي المشهورة عن نافع، وقد رواه أبو عوانة من طريق ابن جريج عن نافع بلفظ ‏"‏ ما يترك المحرم ‏"‏ وهي شاذة والاختلاف فيها على ابن جريج لا على نافع، ورواه سالم عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ أن رجلا قال‏:‏ ما يجتنب المحرم من الثياب ‏"‏ أخرجه أحمد وابن خزيمة وأبو عوانة في صحيحيهما من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عنه، وأخرجه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري فقال مرة ‏"‏ ما يترك ‏"‏ ومرة ‏"‏ ما يلبس‏"‏، وأخرجه المصنف في أواخر الحج من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري بلفظ نافع، فالاختلاف فيه على الزهري يشعر بأن بعضهم رواه بالمعنى فاستقامت رواية نافع لعدم الاختلاف فيها، واتجه البحث المتقدم‏.‏
وطعن بعضهم في قول من قال من الشراح أن هذا من أسلوب الحكيم بأنه كان يمكن الجواب بما يحصر أنواع ما لا يلبس كأن يقال ما ليس بمخيط ولا على قدر البدن كالقميص أو بعضه كالسراويل أو الخف ولا يستر الرأس أصلا ولا يلبس ما مسه طيب كالورس والزعفران، ولعل المراد من الجواب المذكور ذكر المهم وهو ما يحرم لبسه ويوجب الفدية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏المحرم‏)‏ أجمعوا على أن المراد به هنا الرجل، ولا يلتحق به المرأة في ذلك قال ابن المنذر‏:‏ أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ما ذكر، وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس، ويؤيده قوله في آخر حديث الليث الآتي في آخر الحج ‏"‏ لا تنتقب المرأة ‏"‏ كما سيأتي البحث فيه، وقوله ‏"‏لا تلبس ‏"‏ بالرفع على الخبر وهو في معنى النهي، وروي بالجزم على أنه نهي، قال عياض‏:‏ أجمع المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم، وأنه نبه بالقميص والسراويل على كل مخيط، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطى الرأس به مخيطا أو غيره، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل انتهى‏.‏
وخص ابن دقيق العيد الإجماع الثاني بأهل القياس وهو واضح، والمراد بتحريم المخيط ما يلبس على الموضع الذي جعل له ولو في بعض البدن فأما لو ارتدى بالقميص مثلا فلا بأس‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ ذكر العمامة والبرنس معا ليدل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر، قال‏:‏ ومن النادر المكتل يحمله على رأسه‏.‏
قلت‏:‏ إن أراد أنه يجعله على رأسه كلابس القبع صح ما قال، وإلا فمجرد وضعه على رأسه على هيئة الحامل لحاجته لا يضر على مذهبه‏.‏
ومما لا يضر أيضا الانغماس في الماء فإنه لا يسمى لابسا، وكذا ستر الرأس باليد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا أحد‏)‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ يستفاد منه جواز استعمال أحد في الإثبات خلافا لمن خصه بضرورة الشعر، قال‏:‏ والذي يظهر لي بالاستقراء أنه لا يستعمل في الإثبات إلا إن كان يعقبه نفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يجد نعلين‏)‏ زاد معمر في روايته عن الزهري عن سالم في هذا الموضع زيادة حسنة تفيد ارتباط ذكر النعلين بما سبق وهي قوله ‏"‏ وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين، فإن لم يجد نعلين فليلبس الخفين ‏"‏ واستدل بقوله ‏"‏ فإن لم يجد ‏"‏ على أن واجد النعلين لا يلبس الخفين المقطوعين وهو قول الجمهور، وعن بعض الشافعية جوازه وكذا عند الحنفية‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ إن صارا كالنعلين جاز وإلا متى سترا من ظاهر الرجل شيئا لم يجز إلا للفاقد، والمراد بعدم الوجدان أن لا يقدر على تحصيله إما لفقده أو ترك بذل المالك له وعجزه عن الثمن إن وجد من يبيعه أو الأجرة، ولو بيع بغبن لم يلزمه شراؤه أو وهب له لم يجب قبوله إلا إن أعير له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليلبس‏)‏ ظاهر الأمر للوجوب، لكنه لما شرع للتسهيل لم يناسب التثقيل وإنما هو للرخصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وليقطعهما أسفل من الكعبين‏)‏ في رواية ابن أبي ذئب الماضية في آخر كتاب العلم ‏"‏ حتى يكونا تحت الكعبين ‏"‏ والمراد كشف الكعبين في الإحرام وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، ومؤيده ما روى ابن أبي شيبة عن جرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال إذا اضطر المحرم إلى الخفين خرق ظهورهما وترك فيهما قدر ما يستمسك رجلاه‏.‏
وقال محمد بن الحسن ومن تبعه من الحنفية‏:‏ الكعب هنا هو العظم الذي في وسط القدم عند معقد الشراك، وقيل إن ذلك لا يعرف عند أهل اللغة، وقيل إنه لا يثبت عن محمد إن السبب في نقله عنه أن هشام بن عبيد الله الرازي سمعه يقول في مسألة المحرم إذا لم يجد النعلين حيث يقطع خفيه فأشار محمد بيده إلى موضع القطع، ونقله هشام إلى غسل الرجلين في الطهارة، وبهذا يتعقب على من نقل عن أبي حنيفة كابن بطال أنه قال‏:‏ إن الكعب هو الشاخص في ظهر القدم، فإنه لا يلزم من نقل ذلك عن محمد بن الحسن - على تقدير صحته عنه - أن يكون قول أبي حنيفة‏.‏
ونقل عن الأصمعي وهو قول الإمامية أن الكعب عظم مستدير تحت عظم الساق حيث مفصل الساق والقدم، وجمهور أهل اللغة على أن في كل قدم كعبين، وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد النعلين، وعن الحنفية تجب، وتعقب بأنها لو وجبت لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وقت الحاجة‏.‏
واستدل به على اشتراط القطع، خلافا للمشهور عن أحمد فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع لإطلاق حديث ابن عباس الآتي في أواخر الحج بلفظ ‏"‏ ومن لم يحد نعلين فليلبس خفين ‏"‏ وتعقب بأنه موافق على قاعدة حمل المطلق على المقيد فينبغي أن يقول بها هنا، وأجاب الحنابلة بأشياء‏:‏ منها دعوى النسخ في حديث ابن عمر، فقد روى الدارقطني من طريق عمرو بن دينار أنه روى عن ابن عمر حديثه وعن جابر بن زيد عن ابن عباس حديثه وقال‏:‏ انظروا أي الحديثين قبل، ثم حكى الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري أنه قال‏:‏ حديث ابن عمر قبل لأنه كان بالمدينة قبل الإحرام، وحديث ابن عباس بعرفات‏.‏
وأجاب الشافعي عن هذا في ‏"‏ الأم ‏"‏ فقال‏:‏ كلاهما صادق حافظ، وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون عزبت عنه أو شك أو قالها فلم يقلها عنه بعض رواته انتهى‏.‏
وسلك بعضهم الترجيح بين الحديثين، قال ابن الجوزي‏:‏ حديث ابن عمر اختلف في وقفه ورفعه، وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه انتهى‏.‏
وهو تعليل مردود بل لم يختلف على ابن عمر في رفع الأمر بالقطع إلا في رواية شاذة، على أنه اختلف في حديث ابن عباس أيضا فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا، وهو يرتاب أحد من المحدثين أن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس لأن حديث ابن عمر جاء بإسناد وصف بكونه أصح الأسانيد، واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم، بخلاف حديث ابن عباس فلم يأت مرفوعا إلا من رواية جابر بن زيد عنه حتى قال الأصيلي‏:‏ إنه شيخ بصري لا يعرف كذا قال، وهو معروف موصوف بالفقه عند الأئمة‏.‏
واستدل بعضهم بالقياس على السراويل كما سيأتي البحث فيه في حديث ابن عباس إن شاء الله تعالى، وأجيب بأن القياس مع وجود النص فاسد الاعتبار‏.‏
واحتج بعضهم بقول عطاء‏:‏ إن القطع فساد والله لا يحب الفساد، وأجيب بأن الفساد إنما يكون فيما نهى الشرع عنه لا فيما أذن فيه‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ يحمل الأمر بالقطع على الإباحة لا على الاشتراط عملا بالحديثين، ولا يخفى تكلفه‏.‏
قال العلماء‏:‏ والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب البعد عن الترفه، والاتصاف بصفة الخاشع، وليتذكر بالتجرد القدوم على ربه فيكون أقرب إلى مراقبته وامتناعه من ارتكاب المحظورات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس‏)‏ قيل عدل عن طريقة ما تقدم ذكره إشارة إلى اشتراك الرجال والنساء في ذلك وفيه نظر، بل الظاهر أن نكتة العدول أن الذي يخالطه الزعفران والورس لا يجوز لبسه سواء كان مما يلبسه المحرم أو لا يلبسه‏.‏
والورس بفتح الواو وسكون الراء بعدها مهملة نبت أصفر طيب الريح يصبغ به، قال ابن العربي‏:‏ ليس الورس بطيب، ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملاءمة الشم، فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب‏.‏
واستدل بقوله ‏"‏ مسه ‏"‏ على تحريم ما صبغ كله أو بعضه ولو خفيت رائحته‏.‏
قال مالك في الموطأ‏:‏ إنما يكره لبس المصبغات لأنها تنفض‏.‏
وقال الشافعية‏:‏ إذا صار الثوب بحيث لو أصابه الماء لم تفح له رائحة لم يمنع‏.‏
والحجة فيه حديث ابن عباس الآتي في الباب الذي تقدم بلفظ ‏"‏ ولم ينه عن شيء من الثياب إلا المزعفرة التي تردع الجلد ‏"‏ وأما المغسول فقال الجمهور‏:‏ إذا ذهبت الرائحة جاز خلافا لمالك، واستدل لهم بما روى أبو معاوية عن عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث ‏"‏ إلا أن يكون غسيلا ‏"‏ أخرجه يحيي بن عبد الحميد الحماني في مسنده عنه، وروى الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران أن يحيي بن معين أنكره على الحماني، فقال له عبد الرحمن بن صالح الأزدي‏:‏ قد كتبته عن أبي معاوية‏.‏
وقام في الحال فأخرج له أصله فكتبه عنه يحيي بن معين انتهى‏.‏
وهي زيادة شاذة لأن أبا معاوية وإن كان متقنا لكن في حديثه عن غير الأعمش مقال، قال أحمد‏:‏ أبو معاوية مضطرب الحديث في عبيد الله ولم يجيء بهذه الزيادة غيره‏.‏
قلت‏:‏ والحماني ضعيف وعبد الرحمن الذي تابعه فيه مقال، واستدل به المهلب على منع استدامة الطيب وفيه نظر، واستنبط من منع لبس الثوب المزعفر منع أكل الطعام الذي فيه الزعفران وهذا قول الشافعية، وعن المالكية خلاف‏.‏
وقال الحنفية لا يحرم لأن المراد اللبس والتطيب والآكل لا يعد متطيبا‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ زاد الثوري في روايته عن أيوب عن نافع في هذا الحديث ‏"‏ ولا القباء ‏"‏ أخرجه عبد الرزاق عنه، ورواه الطبراني من وجه آخر عن الثوري، وأخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع أيضا‏.‏
والقباء بالقاف والموحدة معروف، ويطلق على كل ثوب مفرج، ومنع لبسه على المحرم متفق عليه، إلا أن أبا حنيفة قال‏:‏ يشترط أن يدخل يديه في كميه لا إذا ألقاه على كتفيه، ووافقه أبو ثور والخرقي من الحنابلة‏.‏
وحكى الماوردي نظيره إن كان كمه ضيقا، فإن كان واسعا فلا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n148&p1#TOP)باب الرُّكُوبِ وَالِارْتِدَافِ فِي الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الركوب والارتداف في الحج‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس في إردافه صلى الله عليه وسلم أسامة ثم الفضل، وسيأتي الكلام عليه في ‏"‏ باب التلبية والتكبير غداة النحر ‏"‏ والقصة وإن كانت وردت في حالة الدفع من عرفات إلى منى لكن يلحق بها ما تضمنته الترجمة في جميع حالات الحج، قال ابن المنير‏:‏ والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قصد بإردافه من ذكر ليحدث عنه بما يتفق له في تلك الحال من التشريع‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:35 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n149&p1#TOP)باب مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ وَالْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ وَلَبِسَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَقَالَتْ لَا تَلَثَّمْ وَلَا تَتَبَرْقَعْ وَلَا تَلْبَسْ ثَوْبًا بِوَرْسٍ وَلَا زَعْفَرَانٍ وَقَالَ جَابِرٌ لَا أَرَى الْمُعَصْفَرَ طِيبًا وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ بَأْسًا بِالْحُلِيِّ وَالثَّوْبِ الْأَسْوَدِ وَالْمُوَرَّدِ وَالْخُفِّ لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ أَنْ يُبْدِلَ ثِيَابَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر‏)‏ هذه الترجمة مغايرة للسابقة التي قبلها من حيث أن تلك معقودة لما لا يلبس من أجناس الثياب، وهذه لما يلبس من أنواعها‏.‏
والأزر بضم الهمزة والزاي جمع إزار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولبست عائشة الثياب المعصفرة وهي محرمة‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال ‏"‏ كانت عائشة تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة ‏"‏ إسناده صحيح‏.‏
وأخرجه البيهقي من طريق ابن أبي مليكة ‏"‏ أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر الخفيف وهي محرمة ‏"‏ وأجاز الجمهور لبس المعصفر للمحرم‏.‏
وعن أبي حنيفة العصفر طيب وفيه الفدية، واحتج بأن عمر كان ينهي عن الثياب المصبغة، وتعقبه ابن المنذر بأن عمر كره ذلك لئلا يقتدي به الجاهل فيظن جواز لبس المورس والمزعفر، ثم ساق له قصة مع طلحة فيها بيان ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت‏)‏ أي عائشة ‏(‏لا تلثم‏)‏ بمثناة واحدة وتشديد المثلثة وهو على حذف إحدى التاءين‏.‏
وفي رواية أبي ذر تلتثم بسكون اللام وزيادة مثناة بعدها أي لا تغطي شفتها بثوب، وقد وصله البيهقي، وسقط من رواية الحموي من الأصل‏.‏
وقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها على وجهها ‏"‏ وفي ‏"‏ مصنف ابن أبي شيبة ‏"‏ عن عبد الأعلى عن هشام عن الحسن وعطاء قالا ‏"‏ لا تلبس المحرمة القفازين والسراويل ولا تبرقع ولا تلثم، وتلبس ما شاءت من الثياب إلا ثوبا ينفض عليها ورسا أو زعفرانا ‏"‏ وهذا يشبه ما ذكر في الأصل عن عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال جابر‏)‏ أي ابن عبد الله الصحابي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا أرى المعصفر طيبا‏)‏ أي تطيبا‏.‏
وصله الشافعي ومسدد بلفظ ‏"‏ لا تلبس المرأة ثياب الطيب ولا أرى المعصفر طيبا ‏"‏ وقد تقدم الخلاف في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم تر عائشة بأسا بالحلي والثوب الأسود والمورد والخف للمرأة‏)‏ وصله البيهقي من طريق ابن باباه المكي ‏"‏ أن امرأة سألت عائشة‏:‏ ما تلبس المرأة في إحرامها‏؟‏ قالت عائشة تلبس من خزها وبزها وأصباغها وحليها ‏"‏ وأما المورد والمراد ما صبغ على لون الورد فسيأتي موصولا في ‏"‏ باب طواف النساء ‏"‏ في آخر حديث عطاء عن عائشة، وأما الخف فوصله ابن أبي شيبة عن ابن عمر والقاسم بن محمد والحسن وغيرهم‏.‏
وقال ابن المنذر‏:‏ أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلا خفيفا تستر به عن نظر الرجال‏:‏، ولا تخمره إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر قالت ‏"‏ كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر ‏"‏ تعني جدتها قال‏:‏ ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدلا كما جاء عن عائشة قالت ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بنا ركب سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات فإذا جاوزنا رفعناه ‏"‏ انتهى‏.‏
وهذا الحديث أخرجه هو من طريق مجاهد عنها وفي إسناده ضعف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم‏)‏ أي النخعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا بأس أن يبدل ثيابه‏)‏ وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة كلاهما عن هشيم عن مغيرة وعبد الملك ويونس، أما مغيرة فعن إبراهيم، وأما عبد الملك فعن عطاء، وأما يونس فعن الحسن قالوا ‏"‏ يغير المحرم ثيابه ما شاء ‏"‏ لفظ سعيد‏.‏
وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ أنهم لم يروا بأسا أن يبدل المحرم ثيابه ‏"‏ قال سعيد ‏"‏ وحدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال‏:‏ كان أصحابنا إذا أتوا بئر ميمون اغتسلوا ولبسوا أحسن ثيابهم فدخلوا فيها مكة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ تُلْبَسُ إِلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَقَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ بُدْنِهِ لِأَنَّهُ قَلَّدَهَا ثُمَّ نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْحَجُونِ وَهُوَ مُهِلٌّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَقْرَبْ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُءُوسِهِمْ ثُمَّ يَحِلُّوا وَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِيَ لَهُ حَلَالٌ وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ

الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا فضيل‏)‏ هو بالتصغير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ترجل‏)‏ أي سرح شعره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وادهن‏)‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والشيرج وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوى رأسه ولحيته، وأجمعوا أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه، ففرقوا بين الطيب والزيت في هذا، فقياس كون المحرم ممنوعا من استعمال الطيب في رأسه أن يباح له استعمال الزيت في رأسه، وقد تقدمت الإشارة إلى الخلاف في ذلك قبل بأبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏التي تردع‏)‏ بالمهملة أي تلطخ يقال ردع إذا التطخ، والردع أثر الطيب، وردع به الطيب إذا لزق بجلده، قال ابن بطال وقد روي بالمعجمة من قولهم أردغت الأرض إذا كثرت مناقع المياه فيها، والردغ بالغين المعجمة الطين انتهى‏.‏
ولم أر في شيء من الطرق ضبط هذه اللفظة بالغين المعجمة ولا تعرض لها عياض ولا ابن قرقول والله أعلم ووقع في الأصل تردع على الجلد قال ابن الجوزي‏:‏ الصواب حذف ‏"‏ على ‏"‏ كذا قال، وإثباتها موجه أيضا كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأصبح بذي الحليفة‏)‏ أي وصل إليها نهارا ثم بات بها كما سيأتي صريحا في الباب الذي بعده من حديث أنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى استوى على البيداء أهل‏)‏ تقدم نقل الخلاف في ذلك وطريق الجمع بين المختلف فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وذلك لخمس بقين من ذي القعدة‏)‏ أخرج مسلم مثله من حديث عائشة، واحتج به ابن حزم في كتاب ‏"‏ حجة الوداع ‏"‏ له على أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم الخميس، قال‏:‏ لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس بلا شك لأن الوقفة كانت يوم الجمعة بلا خلاف، وظاهر قول ابن عباس ‏"‏ لخمس ‏"‏ يقتضي أن يكون خروجه من المدينة يوم الجمعة بناء على ترك عد يوم الخروج، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا كما سيأتي قريبا من حديث أنس، فتبين أنه لم يكن يوم الجمعة فتعين أنه يوم الخميس‏.‏
وتعقبه ابن القيم بأن المتعين أن يكون يوم السبت بناء على عد يوم الخروج أو على ترك عده ويكون ذو القعدة تسعا وعشرين يوما انتهى‏.‏
ويؤيده ما رواه ابن سعد والحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ أن خروجه من المدينة كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة، وفيه رد على من منع إطلاق القول في التاريخ لئلا يكون الشهر ناقصا فلا يصح الكلام فيقول مثلا لخمس إن بقين بزيادة أداة الشرط، وحجة المجيز أن الإطلاق يكون على الغالب ومقتضى قوله أنه دخل مكة لأربع خلون من ذي الحجة أن يكون دخلها صبح يوم الأحد وبه صرح الواقدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والطيب والثياب‏)‏ أي كذلك، وقوله ‏"‏الحجون ‏"‏ بفتح المهملة بعدها جيم مضمومة هو الجبل المطل على المسجد بأعلى مكة على يمين المصعد وهناك مقبرة أهل مكة‏.‏
وسيأتي بقية شرح ما اشتمل عليه حديث ابن عباس هذا مفرقا في الأبواب‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n149&p1#TOP)باب مَنْ بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ
قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح‏)‏ يعني إذا كان حجه من المدينة، والمراد من هذه الترجمة مشروعية المبيت بالقرب من البلد التي يسافر منها ليكون أمكن من التوصل إلى مهماته التي ينساها مثلا، قال ابن بطال‏:‏ ليس ذلك من سنن الحج، إنما هو من جهة الرفق ليلحق به من تأخر عنه، قال ابن المنير‏:‏ لعله أراد أن يدفع توهم من يتوهم أن الإقامة بالميقات وتأخير الإحرام شبيه بمن تعداه بغير إحرام فبين أن ذلك غير لازم حتى ينفصل عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قاله ابن عمر‏)‏ يشير إلى حديثه المتقدم في ‏"‏ باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني ابن المنكدر‏)‏ كذا رواه الحفاظ من أصحاب ابن جريج عنه، وخالفهم عيسى بن يونس فقال ‏"‏ عن ابن جريج عن الزهري عن أنس ‏"‏ وهي رواية شاذة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبذي الحليفة ركعتين‏)‏ فيه مشروعية قصر الصلاة لمن خرج من بيوت البلد وبات خارجا عنها ولو لم يستمر سفره، واحتج به أهل الظاهر في قصر الصلاة في السفر القصير، ولا حجة فيه لأنه كابتداء سفر لا المنتهى، وقد تقدم البحث في ذلك في أبواب قصر الصلاة، وتقدم الخلاف في ابتداء إهلاله قريبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَصَلَّى الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ وَأَحْسِبُهُ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ
الشرح‏:‏
قوله في الرواية الثانية ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأحسبه‏)‏ الشك فيه من أبي قلابة، وقد تقدم في طريق ابن المنكدر التي قبلها بغير شك، وسيأتي بعد بابين من طريق أخرى عن أيوب بأتم من هذا السياق‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:37 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n149&p1#TOP)باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْإِهْلَالِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع الصوت بالإهلال‏)‏ قال الطبري‏:‏ الإهلال هنا رفع الصوت بالتلبية وكل رافع صوته بشيء فهو مهل به، وأما أهل القوم الهلال فأرى أنه من هذا لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم عند رؤيته انتهى‏.‏
وسيأتي اختيار البخاري خلاف ذلك بعد أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسمعتهم يصرخون بهما جميعا‏)‏ أي بالحج والعمرة، ومراد أنس بذلك من نوى منهم القران، ويحتمل أن يكون على سبيل التوزيع، أي بعضهم بالحج وبعضهم بالعمرة قاله الكرماني‏.‏
ويشكل عليه قوله في الطريق الأخرى ‏"‏ يقول لبيك بحجة وعمرة معا ‏"‏ وسيأتي إنكار ابن عمر على أنس ذلك، سيأتي ما فيه في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ وفيه حجة للجمهور في استحباب رفع الأصوات بالتلبية، وقد روى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم من طريق خلاد بن السائب عن أبيه مرفوعا ‏"‏ جاءني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي يرفعون أصواتهم بالإهلال ‏"‏ ورجاله ثقات، إلا أنه اختلف على التابعي في صحابيه‏.‏
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال ‏"‏ كنت مع ابن عمر فلبى حتى أسمع ما بين الجبلين ‏"‏ وأخرج أيضا بإسناد صحيح من طريق المطلب بن عبد الله قال ‏"‏ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم ‏"‏ واختلف الرواة عن مالك فقال ابن القاسم عنه‏:‏ لا يرفع صوته بالتلبية إلا في المسجد الحرام ومسجد منى‏.‏
وقال في الموطأ‏:‏ لا يرفع صوته بالتلبية في مسجد الجماعات، ولم يستثن شيئا‏.‏
ووجه الاستثناء أن المسجد الحرام جعل للحاج والمعتمر وغيرهما وكان الملبي إنما يقصد إليه فكان ذلك وجه الخصوصية، وكذلك مسجد منى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n149&p1#TOP)باب التَّلْبِيَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التلبية‏)‏ هي مصدر لبى أي قال‏:‏ لبيك، ولا يكون عامله إلا مضمرا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لبيك‏)‏ هو لفظ مثنى عند سيبويه ومن تبعه‏.‏
وقال يونس‏:‏ هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدي وعلي‏.‏
ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر‏.‏
وعن الفراء‏:‏ هو منصوب على المصدر، وأصله لبا لك فثني على التأكيد أي إلبابا بعد إلباب، وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير أو المبالغة، ومعناه إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة‏.‏
قال ابن الأنباري‏:‏ ومثله حنانيك أي تحننا بعد تحنن‏.‏
وقيل‏:‏ معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك، مأخوذ من قولهم داري تلك دارك أي تواجهها‏.‏
وقيل‏:‏ معناه محبتي لك مأخوذ من قولهم امرأة لبة أي محبة‏.‏
وقيل إخلاصي لك من قولهم حب لباب أي خالص‏.‏
وقيل أنا مقيم على طاعتك من قولهم لب الرجل بالمكان إذا أقام‏.‏
وقيل قربا منك من الإلباب وهو القرب‏.‏
وقيل خاضعا لك‏.‏
والأول أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعاء الله إياه في حج بيته، ولهذا من دعي فقال لبيك فقد استجاب‏.‏
وقال ابن عبد البر قال جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج انتهى‏.‏
وهذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد والأسانيد إليهم قوية، وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عنه قال‏:‏ ‏"‏ لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج، قال‏:‏ رب وما يبلغ صوتي‏؟‏ قال‏:‏ أذن وعلي البلاغ‏.‏
قال فنادى إبراهيم‏:‏ يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فسمعه من بين السماء والأرض، أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون‏"‏، ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه ‏"‏ فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال، وأرحام النساء‏.‏
وأول من أجابه أهل اليمن، فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ ‏"‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الحمد‏)‏ روي بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل، والكسر أجود عند الجمهور‏.‏
وقال ثعلب لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال، ومن فتح قال معناه لبيك لهذا السبب‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ لهج العامة بالفتح وحكاه الزمخشري عن الشافعي، قال ابن عبد البر‏:‏ المعنى عندي واحد لأن من فتح أراد لبيك لأن الحمد لك على كل حال، وتعقب بأن التقييد ليس في الحمد وإنما هو في التلبية‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ الكسر أجود لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة، وأن الحمد والنعمة لله على كل حال، والفتح يدل على التعليل فكأنه يقول‏:‏ أجبتك لهذا السبب والأول أعم فهو أكثر فائدة‏.‏
ولما حكى الرافعي الوجهين من غير ترجيح رجح النووي الكسر، وهذا خلاف ما نقله الزمخشري أن الشافعي اختار الفتح وأن أبا حنيفة اختار الكسر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والنعمة لك‏)‏ المشهور فيه النصب، قال عياض‏:‏ ويجوز الرفع على الابتداء ويكون الخير محذوفا والتقدير أن الحمد لك والنعمة مستقرة لك، قاله ابن الأنباري‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك لأن الحمد متعلق النعمة، ولهذا يقال الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال‏:‏ لا حمد إلا لك لأنه لا نعمة إلا لك، وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله صاحب الملك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والملك‏)‏ بالنصب أيضا على المشهور ويجوز الرفع، وتقديره والملك كذلك‏.‏
ووقع عند مسلم من رواية موسى بن عقبة عن نافع وغيره عن ابن عمر ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال‏:‏ لبيك ‏"‏ الحديث‏.‏
وللمصنف في اللباس من طريق الزهري عن سالم عن أبيه ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا يقول‏:‏ لبيك اللهم لبيك ‏"‏ الحديث‏.‏
وقال في آخره ‏"‏ لا يزيد على هذه الكلمات ‏"‏ زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ قال ابن عمر‏:‏ كان عمر يهل بهذا ويزيد لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل ‏"‏ وهذا القدر في رواية مالك أيضا عنه عن نافع عن ابن عمر أنه كان يزيد فيها فذكر نحوه، فعرف أن ابن عمر اقتدى في ذلك بأبيه‏.‏
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال ‏"‏ كانت تلبية عمر ‏"‏ فذكر مثل المرفوع وزاد ‏"‏ لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النعماء والفضل الحسن ‏"‏ واستدل به على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، قال الطحاوي بعد أن أخرجه من حديث ابن عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معد يكرب‏:‏ أجمع المسلمون جميعا على هذه التلبية، غير أن قوما قالوا‏:‏ لا بأس أن يزيد فيها من الذكر لله ما أحب، وهو قول محمد والثوري والأوزاعي، واحتجوا بحديث أبي هريرة يعني الذي أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم قال ‏"‏ كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق لبيك ‏"‏ وبزيادة ابن عمر المذكورة، وخالفهم آخرون فقالوا لا ينبغي أن يزاد على ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كما في حديث عمرو بن معد يكرب ثم فعله هو ولم يقل لبوا بما شئتم مما هو من جنس هذا بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة فكذا لا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئا مما علمه‏.‏
ثم أخرج حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمع رجلا يقول‏:‏ لبيك ذا المعارج‏؟‏ فقال إنه لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال فهذا سعد قد كره الزيادة في التلبية وبه نأخذ انتهى‏.‏
ويدل على الجواز ما وقع عند النسائي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود قال ‏"‏ كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره ففيه دلالة على أنه قد كان يلبي بغير ذلك، وما تقدم عن عمر وابن عمر، وروى سعيد بن منصور من طريق الأسود بن يزيد أنه كان يقول ‏"‏ لبيك غفار الذنوب ‏"‏ وفي حديث جابر الطويل في صفة الحج ‏"‏ حتى استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك إلخ ‏"‏ قال ‏"‏ وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد عليهم شيئا منه، ولزم تلبيته ‏"‏ وأخرجه أبو داود من الوجه الذي أخرجه منه مسلم قال ‏"‏ والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا ‏"‏ وفي رواية البيهقي ‏"‏ ذا المعارج وذا الفواضل ‏"‏ وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها وأنه لا بأس بالزيادة لكونه لم يردها عليهم وأقرهم عليها، وهو قول الجمهور وبه صرح أشهب، وحكى ابن عبد البر عن مالك الكراهة قال‏:‏ وهو أحد قولي الشافعي‏.‏
وقال الشيخ أبو حامد‏:‏ حكى أهل العراق عن الشافعي يعني في القديم أنه كره الزيادة على المرفوع، وغلطوا بل لا يكره ولا يستحب‏.‏
وحكى الترمذي عن الشافعي قال‏.‏
فإن زاد في التلبية شيئا من تعظيم الله فلا بأس، وأحب إلي أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن ابن عمر حفظ التلبية عنه ثم زاد من قبله زيادة‏.‏
ونصب البيهقي الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي فقال‏:‏ الاقتصار على المرفوع أحب، ولا ضيق أن يزيد عليها‏.‏
قال وقال أبو حنيفة إن زاد فحسن‏.‏
وحكي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ عن الشافعي قال‏:‏ ولا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر وغيره من تعظيم الله ودعائه، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك انتهى‏.‏
وهذا أعدل الوجوه، فيفرد ما جاء مرفوعا، وإذا اختار قول ما جاء موقوفا أو أنشأه هو من قبل نفسه مما يليق قاله على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع‏.‏
وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد فإنه قال فيه ‏"‏ ثم ليتخير من المسألة والثناء ما شاء ‏"‏ أي بعد أن يفرغ من المرفوع كما تقدم ذلك في موضعه‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ لم يتعرض المصنف لحكم التلبية، وفيها مذاهب أربعة يمكن توصيلها إلى عشرة‏:‏ الأول أنها سنة من السنن لا يجب بتركها شيء، وهو قول الشافعي وأحمد‏.‏
ثانيها واجبة ويجب بتركها دم، حكاه الماوردي عن ابن أبي هريرة من الشافعية وقال إنه وجد للشافعي نصا يدل عليه، وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية والخطابي عن مالك وأبي حنيفة، وأغرب النووي فحكى عن مالك أنها سنة ويجب بتركها دم، ولا يعرف ذلك عندهم إلا أن ابن الجلاب قال‏:‏ التلبية في الحج مسنونة غير مفروضة‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ يريد أنها ليست من أركان الحج وإلا فهي واجبة ولذلك يجب بتركها الدم ولو لم تكن واجبة لم يجب، وحكى ابن العربي أنه يجب عندهم بترك تكرارها دم وهذا قدر زائد على أصل الوجوب‏.‏
ثالثها واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج كالتوجه على الطريق وبهذا صدر ابن شاس من المالكية كلامه في ‏"‏ الجواهر ‏"‏ له، وحكى صاحب ‏"‏ الهداية ‏"‏ من الحنفية مثله لكن زاد القول الذي يقوم مقام التلبية من الذكر كما في مذهبهم من أنه لا يجب لفظ معين‏.‏
وقال ابن المنذر قال أصحاب الرأي‏:‏ إن كبر أو هلل أو سبح ينوي بذلك الإحرام فهو محرم‏.‏
رابعها أنها ركن في الإحرام لا ينعقد بدونها حكاه ابن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة وابن حبيب من المالكية والزبيري من الشافعية وأهل الظاهر قالوا‏:‏ هي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة، ويقويه ما تقدم من بحث ابن عبد السلام عن حقيقة الإحرام وهو قول عطاء أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه قال‏:‏ التلبية فرض الحج، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وطاوس وعكرمة، وحكى النووي عن داود أنه لا بد من رفع الصوت بها وهذا قدر زائد على أصل كونها ركنا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنِّي لَأَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ وَقَالَ شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ سَمِعْتُ خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي عطية‏)‏ هو مالك بن عامر وسيأتي الخلاف في اسمه في تفسير سورة البقرة، ورجال هذا الإسناد إلى عائشة كوفيون إلا شيخ البخاري، وأردف المصنف حديث ابن عمر بحديث عائشة لما فيه من الدلالة على أنه كان يديم ذلك، وقد تقدم أن في حديث جابر عند مسلم التصريح بالمداومة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أبو معاوية‏)‏ يعني تابع سفيان وهو الثوري عن الأعمش وروايته وصلها مسدد في مسنده عنه وكذلك أخرجها الجوزقي من طريق عبد الله بن هشام عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال شعبة إلخ‏)‏ وصله أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة ولفظه مثل لفظ سفيان إلا أنه زاد فيه ‏"‏ ثم سمعتها تلبي وليس فيه قوله لا شريك لك ‏"‏ وهذا أخرجه أحمد عن غندر عن شعبة، وسليمان شيخ شعبة فيه هو الأعمش والطريقان جميعا محفوظان، وهو محمول على أن للأعمش فيه شيخين، ورجح أبو حاتم في ‏"‏ العلل ‏"‏ رواية الثوري ومن تبعه على رواية شعبة فقال إنها وهم، وخيثمة هو ابن عبد الرحمن الجعفي وأفادت هذه الطريق بيان سماع أبي عطية له من عائشة‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:38 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n149&p1#TOP)باب التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ قَبْلَ الْإِهْلَالِ عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال‏)‏ سقط من رواية المستملي لفظ التحميد، والمراد بالإهلال هنا التلبية، وقوله ‏"‏عند الركوب ‏"‏ أي بعد الاستواء على الدابة لا حال وضع الرجل مثلا في الركاب، وهذا الحكم - وهو استحباب التسبيح وما ذكر معه قبل الإهلال - قل من تعرض لذكره مع ثبوته، وقيل أراد المصنف الرد على من زعم أنه يكتفي بالتسبيح وغيره عن التلبية، ووجه ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أتى بالتسبيح وغيره ثم لم يكتف به حتى لبى‏.‏
ثم أورد المصنف حديث أنس وهو مشتمل على أحكام، فتقدم منها ما يتعلق بقصر الصلاة وبالإحرام وسيأتي ما يتعلق بالقران قريبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ قَالَ وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا وَذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب‏)‏ ظاهره أن إهلاله كان بعد صلاة الصبح، لكن عند مسلم من طريق أبي حسان عن ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج ‏"‏ وللنسائي من طريق الحسن عن أنس ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالبيداء ثم ركب ‏"‏ ويجمع بينهما بأنه صلاها آخر ذي الحليفة وأول البيداء والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أهل بحج وعمرة‏)‏ يأتي الكلام عليه في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى كان يوم التروية‏)‏ بضم يوم لأن كان تامة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بدنات بيده قياما، وذبح بالمدينة كبشين أملحين‏.‏
قال أبو عبد الله‏)‏ و المصنف ‏(‏قال بعضهم‏:‏ هذا عن أيوب عن رجل عن أنس‏)‏ هكذا وقع عند الكشميهني، والبعض المبهم هنا ليس هو إسماعيل بن علية كما زعم بعضهم فقد أخرجه المصنف عن مسدد عنه في ‏"‏ باب نحر البدن قائمة ‏"‏ بدون هذه الزيادة، ويحتمل أن يكون حماد بن سلمة، فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أيوب لكن صرح بذكر أبي قلابة، ووهيب أيضا ثقة حجة فقد جعله من رواية أيوب عن أبي قلابة عن أنس فعرف أنه المبهم، وقد تابعه عبد الوهاب الثقفي على حديث ذبح الكبشين الأملحين عن أيوب عن أبي قلابة كما سيأتي في الأضاحي إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n149&p1#TOP)بَاب مَنْ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أهل حين استوت به راحلته قائمة‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر مختصرا وقد تقدم الكلام عليه قريبا، ورواية صالح بن كيسان عن نافع من الأقران، وقد سمع ابن جريج من نافع كثيرا وروى هذا عنه بواسطة، وهو دال على قلة تدليسه والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n149&p1#TOP)باب الْإِهْلَالِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ
وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا صَلَّى بِالْغَدَاةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ ثُمَّ رَكِبَ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الْحَرَمَ ثُمَّ يُمْسِكُ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ اغْتَسَلَ وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ فِي الْغَسْلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإهلال مستقبل القبلة‏)‏ زاد المستملي ‏"‏ الغداة بذي الحليفة ‏"‏ وسيأتي شرحه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو معمر‏)‏ هو عبد الله بن عمرو لا إسماعيل القطيعي‏.‏
وقد وصله أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق عباس الدوري عن أبي معمر وقال‏:‏ ذكره البخاري بلا رواية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا صلى بالغداة‏)‏ أي صلى الصبح بوقت الغداة، وللكشميهني ‏"‏ إذا صلى الغداة ‏"‏ أي الصبح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرحلت‏)‏ بتخفيف الحاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏استقبل القبلة قائما‏)‏ أي مستويا على ناقته، أو وصفه بالقيام لقيام ناقته، وقد وقع في الرواية الثانية بلفظ ‏"‏ فإذا استوت به راحلته قائمة ‏"‏ وفهم الداودي من قوله ‏"‏ استقبل القبلة قائما ‏"‏ أي في الصلاة فقال‏:‏ في السياق تقديم وتأخير، فكأنه قال‏:‏ أمر براحلته فرحلت ثم استقبل القبلة قائما، أي فصلى صلاة الإحرام ثم ركب حكاه ابن التين قال‏:‏ وإن كان ما في الأصل محفوظا فلعله لقرب إهلاله من الصلاة انتهى‏.‏
ولا حاجة إلى دعوى التقديم والتأخير بل صلاة الإحرام لم تذكر هنا والاستقبال إنما وقع بعد الركوب، وقد رواه ابن ماجه وأبو عوانة في صحيحه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ ‏"‏ كان إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته قائما أهل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يمسك‏)‏ الظاهر أنه أراد يمسك عن التلبية، وكأنه أراد بالحرم المسجد، والمراد بالإمساك عن التلبية التشاغل بغيرها من الطواف وغيره لا تركها أصلا، وسيأتي نقل الخلاف في ذلك وأن ابن عمر كان لا يلبي في طوافه كما رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عطاء قال ‏"‏ كان ابن عمر يدع التلبية إذا دخل الحرم، ويراجعها بعدما يقضي طوافه بين الصفا والمروة‏"‏‏.‏
وأخرج نحوه من طريق القاسم بن محمد عن ابن عمر‏.‏
قال الكرماني‏:‏ ويحتمل أن يكون مراده بالحرم منى يعني فيوافق الجمهور في استمرار التلبية حتى يرمي جمرة العقبة، لكن يشكل عليه قوله في رواية إسماعيل بن علية ‏"‏ إذا دخل أدنى الحرم ‏"‏ والأولى أن المراد بالحرم ظاهره لقوله بعد ذلك ‏"‏ حتى إذا جاء ذا طوى ‏"‏ فجعل غاية الإمساك الوصول إلى ذي طوى، والظاهر أيضا أن المراد بالإمساك ترك تكرار التلبية ومواظبتها ورفع الصوت بها الذي يفعل في أول الإحرام لا ترك التلبية رأسا والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذا طوى‏)‏ بضم الطاء وبفتحها وقيدها الأصيلي بكسرها‏:‏ واد معروف بقرب مكة ويعرف اليوم ببئر الزاهر، وهو مقصور منون وقد لا ينون، ونقل الكرماني أن في بعض الروايات ‏"‏ حتى إذا حاذى طوى ‏"‏ بحاء مهملة بغير همز وفتح الذال قال‏:‏ والأول هو الصحيح لأن اسم الموضع ذو طوى لا طوى فقط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزعم‏)‏ هو من إطلاق الزعم على القول الصحيح، وسيأتي من رواية ابن علية عن أيوب بلفظ ‏"‏ ويحدث‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه إسماعيل‏)‏ هو ابن علية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أيوب في الغسل‏)‏ أي وغيره لكن من غير مقصود الترجمة لأن هذه المتابعة وصلها المصنف كما سيأتي بعد أبواب ‏"‏ عن يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية به ‏"‏ ولم يقتصر فيه على الغسل بل ذكره كله إلا القصة الأولى وأوله ‏"‏ كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ‏"‏ والباقي مثله، ولهذه النكتة أورد المصنف طريق فليح عن نافع المقتصرة على القصة الأولى بزيادة ذكر الدهن الذي ليست له رائحة طيبة، ولم يقع في رواية فليح التصريح باستقبال القبلة لكنه من لازم الموجه إلى مكة في ذلك الموضع أن يستقبل القبلة، وقد صرح بالاستقبال في الرواية الأولى وهما حديث واحد، إنما احتاج إلى رواية فليح للنكتة التي بينتها والله أعلم‏.‏
وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإسماعيلي عليه في إيراده حديث فليح وأنه ليس فيه للاستقبال ذكر، قال المهلب‏:‏ استقبال القبلة بالتلبية هو المناسب، لأنها إجابة لدعوة إبراهيم، ولأن المجيب لا يصلح له أن يولي المجاب ظهره بل يستقبله، قال‏:‏ وإنما كان ابن عمر يدهن ليمنع بذلك القمل عن شعره، ويجتنب ما له رائحة طيبة صيانة للإحرام‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n149&p1#TOP)باب التَّلْبِيَةِ إِذَا انْحَدَرَ فِي الْوَادِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التلبية إذا انحدر في الوادي‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس ‏"‏ أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحدر إلى الوادي يلبي ‏"‏ وفيه قصة وسيأتي بها الإسناد بأتم من هذا السياق في كتاب اللباس‏.‏
وقوله ‏"‏أما موسى كأني أنظر إليه ‏"‏ قال المهلب‏:‏ هذا وهم من بعض رواته لأنه لم يأت أثر ولا خبر أن موسى حي وأنه سيحج، إنما أتى ذلك عن عيسى فاشتبه على الراوي، ويدل عليه قوله في الحديث الآخر ‏"‏ ليهلن ابن مريم بفج الروحاء ‏"‏ انتهى، وهو تغليط للثقات بمجرد التوهم، فسيأتي في اللباس بالإسناد المذكور بزيادة ذكر إبراهيم فيه أفيقال إن الراوي غلط فزاده‏؟‏ وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية عن ابن عباس بلفظ ‏"‏ كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية واضعا إصبعيه في أذنيه مارا بهذا الوادي وله جؤار إلى الله بالتلبية، قاله لما مر بوادي الأزرق ‏"‏ واستفيد منه تسمية الوادي، وهو خلف أمج بينه وبين مكة ميل واحد، وأمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم قرية ذات مزارع هناك، وفي هذا الحديث أيضا ذكر يونس، أفيقال إن الراوي الآخر غلط فزاد يونس‏؟‏ وقد اختلف أهل التحقيق في معني قوله ‏"‏ كأني أنظر ‏"‏ على أوجه‏:‏ الأول هو على الحقيقة والأنبياء أحياء عند ربهم يرزقون فلا مانع أن يحجوا في هذا الحال كما ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى قائما في قبره يصلي، قال القرطبي‏:‏ حببت إليهم العبادة فهم يتعبدون بما يجدونه من دواعي أنفسهم لا بما يلزمون به، كما يلهم أهل الجنة الذكر‏.‏
ويؤيده أن عمل الآخرة ذكر ودعاء لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏دعواهم فيها سبحانك اللهم‏)‏ الآية، لكن تمام هذا التوجيه أن يقال إن المنظور إليه هي أرواحهم، فلعلها مثلت له صلى الله عليه وسلم في الدنيا كما مثلت له ليلة الإسراء، وأما أجسادهم فهي في القبور، قال ابن المنير وغيره‏:‏ يجعل الله لروحه مثالا فيرى في اليقظة كما يرى في النوم‏.‏
ثانيها كأنه مثلت له أحوالهم التي كانت في الحياة الدنيا كيف تعبدوا وكيف حجوا وكيف لبوا، ولهذا قال‏:‏ ‏"‏ كأني‏"‏‏.‏
ثالثها كأنه أخبر بالوحي عن ذلك فلشدة قطعه به قال‏:‏ ‏"‏ كأني أنظر إليه‏"‏‏.‏
رابعها كأنها رؤية منام تقدمت له فأخبر عنها لما حج عندما تذكر ذلك، ورؤيا الأنبياء وحي، وهذا هو المعتمد عندي لما سيأتي في أحاديث الأنبياء من التصريح بنحو ذلك في أحاديث أخر، وكون ذلك كان في المنام والذي قبله أيضا ليس ببعيد والله أعلم‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ توهيم المهلب للراوي وهم منه، وإلا فأي فرق بين موسى وعيسى لأنه لم يثبت أن عيسى منذ رفع نزل إلى الأرض إنما ثبت أنه سينزل‏.‏
قلت أراد المهلب بأن عيسى لما ثبت أنه سينزل كان كالمحقق فقال ‏"‏ كأني أنظر إليه ‏"‏ ولهذا استدل المهلب بحديث أبي هريرة الذي فيه ‏"‏ ليهلن ابن مريم بالحج ‏"‏ والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ أَنَّهُ قَالَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ أَسْمَعْهُ وَلَكِنَّهُ قَالَ أَمَّا مُوسَى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذْ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذ انحدر‏)‏ كذا في الأصول وحكى عياض أن بعض العلماء أنكر إثبات الألف وغلط رواته قال‏:‏ وهو غلط منه إذ لا فرق بين إذا وإذ هنا لأنه وصفه حالة انحداره فيما مضى‏.‏
وفي الحديث أن التلبية في بطون الأودية من سنن المرسلين، وأنها تتأكد عند الهبوط كما تتأكد عند الصعود‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ لم يصرح أحد ممن روي هذا الحديث عن ابن عون بذكر النبي صلى الله عليه وسلم قاله الإسماعيلي، ولا شك أنه مراد لأن ذلك لا يقوله ابن عباس من قبل نفسه ولا عن غير النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n149&p1#TOP)باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ
أَهَلَّ تَكَلَّمَ بِهِ وَاسْتَهْلَلْنَا وَأَهْلَلْنَا الْهِلَالَ كُلُّهُ مِنْ الظُّهُورِ وَاسْتَهَلَّ الْمَطَرُ خَرَجَ مِنْ السَّحَابِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَهُوَ مِنْ اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كيف تهل الحائض والنفساء‏)‏ أي كيف تحرم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أهل تكلم به إلخ‏)‏ هكذا في رواية المستملي والكشميهني‏.‏
وليس هذا مخالفا لما قدمناه من أن أصل الإهلال رفع الصوت لأن رفع الصوت يقع بذكر الشيء عند ظهوره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما أهل لغير الله به وهو من استهلال الصبي‏)‏ أي أنه من رفع الصوت بذلك فاستهل الصبي أي رفع صوته بالصياح إذا خرج من بطن أمه، وأهل به لغير الله أي رفع الصوت به عند الذبح للأصنام، ومنه استهلال المطر والدمع وهو صوت وقعه بالأرض ومن لازم ذلك الظهور غالبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ قَالَتْ فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأهللنا بعمرة‏)‏ قال عياض‏:‏ اختلفت الروايات في إحرام عائشة اختلافا كثيرا‏.‏
قلت‏:‏ وسيأتي بسط القول فيه بعد بابين في ‏"‏ باب التمتع والقران‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال انقضي رأسك‏)‏ هو بالقاف وبالمعجمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وامتشطي وأهلي بالحج‏)‏ وهو شاهد الترجمة‏.‏
وقد سبق في كتاب الحيض بلفظ ‏"‏ وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ‏"‏ وسيأتي بقية الكلام عليه بعد هذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم طافوا طوافا آخر‏)‏ كذا للكشميهني والجرجاني، ولغيرهما ‏"‏ طوافا واحدا ‏"‏ والأول هو الصواب قاله عياض، قال الخطابي‏:‏ استشكل بعض أهل العلم أمره لها بنقض رأسها ثم بالامتشاط، وكان الشافعي يتأوله على أنه أمرها أن تدع العمرة وتدخل عليها الحج فتصير قارنة، قال‏:‏ وهذا لا يشاكل القصة‏.‏
وقيل إن مذهبها أن المعتمر إذا دخل مكة استباح ما يستبيحه الحاج إذا رمى الجمرة، قال‏:‏ وهذا لا يعلم وجهه‏.‏
وقيل كانت مضطرة إلى ذلك‏.‏
قال‏:‏ ويحتمل أن يكون نقض رأسها كان لأجل الغسل لتهل بالحج لا سيما إن كانت ملبدة فتحتاج إلى نقض الضفر، وأما الامتشاط فلعل المراد به تسريحها شعرها بأصابعها برفق حتى لا يسقط منه شيء ثم تضفره كما كان‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:39 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n149&p1#TOP)باب مَنْ أَهَلَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فجاز الإحرام على الإبهام، لكن لا يلزم منه جواز تعليقه إلا على فعل من يتحقق أنه يعرفه كما وقع في حديثي الباب، وأما مطلق الإحرام على الإبهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم لما شاء لكونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك وهذا قول الجمهور، وعن المالكية لا يصح الإحرام على الإبهام وهو قول الكوفيين، قال ابن المنير‏:‏ وكأنه مذهب البخاري لأنه أشار بالترجمة إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن لأن عليا وأبا موسى لم يكن عندهما أصل يرجعان إليه في كيفية الإحرام فأحالاه على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الآن فقد استقرت الأحكام وعرفت مراتب الإحرام فلا يصح ذلك والله أعلم‏.‏
وكأنه أخذ الإشارة من تقييده بزمن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قاله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يشير إلى ما أخرجه موصولا في ‏"‏ باب بعث علي إلى اليمن ‏"‏ من كتاب المغازي من طريق بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر فذكر فيه حديثا ‏"‏ فقدم علينا علي بن أبي طالب من اليمن حاجا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بـم أهللت فإن معنا أهلك، قال أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث، إنما قال له ‏"‏ فإن معنا أهلك ‏"‏ لأن فاطمة كانت قد تمتعت بالعمرة وأحلت كما بينه مسلم من حديث جابر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ وَذَكَرَ قَوْلَ سُرَاقَةَ وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ قَالَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزاد محمد بن بكر عن ابن جريج‏)‏ يعني عن عطاء عن جابر، ثبت هذا التعليق في رواية أبي ذر وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار وأبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء كلاهما عن محمد بن بكر به، وسيأتي معلقا أيضا في المغازي من هذا الوجه مقرونا بطريق مكي بن إبراهيم أيضا هناك أتم، والمذكور في كل من الموضعين قطعة من الحديث، وأورد بقيته بهذين السندين معلقا وموصولا في كتاب الاعتصام، والمراد بقوله في طريق مكي ‏"‏ وذكر قول سراقة ‏"‏ أي سؤاله ‏"‏ أعمرتنا لعامنا هذا أو للأبد قال بل للأبد ‏"‏ وسيأتي موصولا في أبواب العمرة من وجه آخر عن عطاء عن جابر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وامكث حراما كما أنت‏)‏ في حديث ابن عمر المشار إليه قال ‏"‏ فأمسك فإن معنا هديا‏"‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ الْهُذَلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ الْأَصْفَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ بِمَا أَهْلَلْتَ قَالَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الصمد‏)‏ هو ابن عبد الوارث بن سعيد، ومروان الأصفر يقال اسم أبيه خاقان وهو أبو خلف البصري، وروي أيضا عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما من الصحابة، وليس له في البخاري عن أنس سوى هذا الحديث وهو من أفراد الصحيح قال الترمذي حسن غريب‏.‏
وقال الدارقطني في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ لا أعلم رواه عن سليم بن حيان غير عبد الصمد بن عبد الوارث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قدم علي من اليمن‏)‏ سيأتي في المغازي ذكر سبب بعث علي إلى اليمن وأن ذلك قبل حجة الوداع وبيان ذلك من حديث البراء بن عازب ومن حديث بريدة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمٍ بِالْيَمَنِ فَجِئْتُ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ بِمَا أَهْلَلْتَ قُلْتُ أَهْلَلْتُ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ قُلْتُ لَا فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْتُ فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي فَقَدِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ قَالَ اللَّهُ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن طارق بن شهاب‏)‏ في رواية أيوب بن عائذ الآتية في المغازي عن قيس بن مسلم ‏"‏ سمعت طارق بن شهاب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ هو الأشعري‏.‏
وفي رواية أيوب المذكورة ‏"‏ حدثني أبو موسى‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومي باليمن‏)‏ سيأتي تحرير وقت ذلك وسببه في كتاب المغازي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو بالبطحاء‏)‏ زاد في رواية شعبة عن قيس الآتية في ‏"‏ باب متى يحل المعتمر ‏"‏ منيخ أي نازل بها وذلك في ابتداء قدومه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بم أهللت‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ فقال أحججت‏؟‏ قلت نعم قال بم أهللت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت أهللت‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال أحسنت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمرني فطفت‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ طف بالبيت وبالصفا والمروة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأتيت امرأة من قومي‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ امرأة من قيس ‏"‏ والمبادر إلى الذهن من هذا الإطلاق أنها من قيس عيلان وليس بينهم وبين الأشعريين نسبة لكن في رواية أيوب بن عائذ امرأة من نساء بني قيس وظهر لي من ذلك أن المراد بقيس قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري وأن المرأة زوج بعض إخوته، وكان لأبي موسى من الإخوة أبو رهم وأبو بردة قيل ومحمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو غسلت رأسي‏)‏ كذا فيه بالشك، وأخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بلفظ ‏"‏ وغسلت رأسي ‏"‏ بواو العطف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقدم عمر‏)‏ ظاهر سياقه أن قدوم عمر كان في تلك الحجة وليس كذلك بل البخاري اختصره، وقد أخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي أيضا بعد قوله ‏"‏ وغسلت رأسي‏:‏ فكنت أفتي الناس بذاك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر، فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال‏:‏ إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك ‏"‏ فذكر القصة وفيه ‏"‏ فلما قدم قلت يا أمير المؤمنين ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك ‏"‏‏؟‏ فذكر جوابه‏.‏
وقد اختصره المصنف أيضا من طريق شعبة لكنه أبين من هذا ولفظه ‏"‏ فكنت أفتي به حتى كانت خلافة عمر فقال‏:‏ إن أخذنا ‏"‏ الحديث، ولمسلم أيضا من طريق إبراهيم بن أبي موسى الأشعري عن أبيه أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل رويدك ببعض فتياك الحديث‏.‏
وفي هذه الرواية تبيين عمر العلة التي لأجلها كره التمتع وهي قوله‏:‏ ‏"‏ قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن - أي بالنساء - ثم يروحوا في الحج تقطر رءوسهم ‏"‏ انتهى، وكان من رأي عمر عدم الترفه للحج بكل طريق، فكره لهم قرب عهدهم بالنساء لئلا يستمر الميل إلى ذلك بخلاف من بعد عهده به، ومن يفطم ينفطم‏.‏
وقد أخرج مسلم من حديث جابر أن عمر قال‏:‏ ‏"‏ افصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم‏"‏‏.‏
وفي رواية ‏"‏ إن الله يحل لرسوله ما شاء، فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن نأخذ بكتاب الله إلخ‏)‏ محصل جواب عمر في منعه الناس من التحلل بالعمرة أن كتاب الله دال على منع التحلل لأمره بالإتمام فيقتضي استمرار الإحرام إلى فراغ الحج، وأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا دالة على ذلك لأنه لم يحل حتى بلغ الهدي محله، لكن الجواب عن ذلك ما أجاب به هو صلى الله عليه وسلم حيث قال ‏"‏ ولولا أن معي الهدي لأحللت ‏"‏ فدل على جواز الإحلال لمن لم يكن معه هدي، وتبين من مجموع ما جاء عن عمر في ذلك أنه منع منه سدا للذريعة‏.‏
وقال المازري‏:‏ قيل إن المتعة التي نهى عنها عمر فسخ الحج إلى العمرة، وقيل العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه، وعلى الثاني إنما نهى عنها ترغيبا في الإفراد الذي هو أفضل لا أنه يعتقد بطلانها وتحريمها‏.‏
وقال عياض‏:‏ الظاهر أنه نهى عن الفسخ ولهذا كان يضرب الناس عليها كما رواه مسلم بناء على معتقده أن الفسخ كان خاصا بتلك السنة، قال النووي‏:‏ والمختار أنه نهى عن المتعة المعروفة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه وهو على التنزيه للترغيب في الإفراد كما يظهر من كلامه، ثم انعقد الإجماع على جواز التمتع من غير كراهة ونفي الاختلاف في الأفضل كما سيأتي في الباب الذي بعده، ويمكن أن يتمسك من يقول بأنه إنما نهي عن الفسخ بقوله في الحديث الذي أشرنا إليه قريبا من مسلم ‏"‏ أن الله يحل لرسوله ما شاء ‏"‏ والله أعلم‏.‏
وفي قصة أبي موسى وعلي دلالة على جواز تعليق الإحرام بإحرام الغير مع اختلاف آخر الحديثين في التحلل، وذلك أن أبا موسى لم يكن منه هدي فصار له حكم النبي صلى الله عليه وسلم، لو لم يكن معه هدي وقد قال ‏"‏ لولا الهدي لأحللت ‏"‏ أي وفسخت الحج إلى العمرة كما فعله أصحابه بأمره كما سيأتي، وأما علي فكان معه هدي فلذلك أمر بالبقاء على إحرامه وصار مثله قارنا‏.‏
قال النووي‏:‏ هذا هو الصواب، وقد تأوله الخطابي وعياض بتأويلين غير مرضيين انتهى‏.‏
فأما تأويل الخطابي فإنه قال‏:‏ فعل أبي موسى يخالف فعل علي، وكأنه أراد بقوله أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم أي كما يبينه لي ويعينه لي من أنواع ما يحرم به فأمره أن يحل بعمل عمرة لأنه لم يكن معه هدي، وأما تأويل عياض فقال‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ فكنت أفتي الناس بالمتعة ‏"‏ أي بفسخ الحج إلى العمرة، والحامل لهما على ذلك اعتقادهما أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا مع قوله ‏"‏ لولا أن معي الهدي لأحللت ‏"‏ أي فسخت الحج وجعلته عمرة فلهذا أمر أبا موسى بالتحلل لأنه لم يكن معه هدي، بخلاف علي‏.‏
قال عياض‏:‏ وجمهور الأئمة على أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بالصحابة انتهى‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ ظاهر كلام عمر التفريق بين ما دل عليه الكتاب ودلت عليه السنة، وهذا التأويل يقتضي أنهما يرجعان إلى معنى واحد، ثم أجاب بأنه لعله أراد إبطال وهم من توهم أنه خالف السنة حيث منع من الفسخ فبين أن الكتاب والسنة متوافقان على الأمر بالإتمام وأن الفسخ كان خاصا بتلك السنة لإبطال اعتقاد الجاهلية أن العمرة لا تصح في أشهر الحج انتهى‏.‏
وأما إذا قلنا كان قارنا على ما هو الصحيح المختار فالمعتمد ما ذكر النووي والله أعلم‏.‏
وسيأتي بيان اختلاف الصحابة في كيفية التمتع في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏
واستدل به على جواز الإحرام المبهم وأن المحرم به يصرفه لما شاء وهو قول الشافعي وأصحاب الحديث، ومحل ذلك ما إذا كان الوقت قابلا بناء على أن الحج لا ينعقد في غير أشهره كما سيأتي في الباب الذي يليه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n149&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
وَقَوْلِهِ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَرِهَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى الحج أشهر معلومات إلى قوله في الحج، وقوله يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج‏)‏ قال العلماء‏:‏ تقدير قوله‏:‏ ‏(‏الحج أشهر معلومات‏)‏ أي الحج حج أشهر معلومات أو أشهر الحج أو وقت الحج أشهر معلومات فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه‏.‏

وقال الواحدي‏:‏ يمكن حمله على غير إضمار وهو أن الأشهر جعلت نفس الحج اتساعا لكون الحج يقع فيها كقولهم ليل نائم‏.‏
وقال الشيخ أبو إسحاق في ‏"‏ المهذب ‏"‏‏:‏ المراد وقت إحرام الحج لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر فدل على أن المراد وقت الإحرام به، وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال، لكن اختلفوا هل هي ثلاثة بكمالها وهو قول مالك ونقل عن ‏"‏ الإملاء ‏"‏ للشافعي، أو شهران وبعض الثالث وهو قول الباقين، ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون‏:‏ عشر ليال من ذي الحجة، وهل يدخل يوم النحر أو لا‏؟‏ قال أبو حنيفة وأحمد‏:‏ نعم‏.‏
وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه‏:‏ لا‏.‏
وقال بعض أتباعه‏:‏ تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ‏.‏
واختلف العلماء أيضا في اعتبار هذه الأشهر هل هو على الشرط أو الاستحباب‏؟‏ فقال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين‏:‏ هو شرط فلا يصح الإحرام بالحج إلا فيها، وهو قول الشافعي، وسيأتي استدلال ابن عباس لذلك في هذا الباب، واستدل بعضهم بالقياس على الوقوف وبالقياس على إحرام الصلاة وليس بواضح لأن الصحيح عند الشافعية أن من أحرم بالحج في غير أشهره انقلب عمرة تجزئه عن عمرة الفرض، وأما الصلاة فلو أحرم قبل الوقت انقلب بشرط أن يكون ظانا دخول الوقت لا عالما فاختلفا من وجهين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ أشهر الحج إلخ‏)‏ وصله الطبري والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه قال ‏"‏ الحج أشهر معلومات، شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ‏"‏ وروى البيهقي من طريق عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله والإسنادان صحيحان، وأما ما رواه مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال ‏"‏ من اعتمر في أشهر الحج - شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة - قبل الحج فقد استمتع ‏"‏ فلعله تجوز في إطلاق ذي الحجة جمعا بين الروايتين والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس إلخ‏)‏ وصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحاكم عن مقسم عنه قال ‏"‏ لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج ‏"‏ ورواه ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس قال ‏"‏ لا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكره عثمان رضي الله عنه أن يحرم من خراسان أو كرمان‏)‏ وصله سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم حدثنا يونس بن عبيد أخبرنا الحسن هو البصري أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان، فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه‏"‏‏.‏
وقال عبد الرزاق ‏"‏ أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال‏:‏ أحرم عبد الله بن عامر من خراسان، فقدم على عثمان فلامه وقال‏:‏ غزوت وهان عليك نسكك ‏"‏ وروى أحمد بن سيار في ‏"‏ تاريخ مرو ‏"‏ من طريق داود بن أبي هند قال ‏"‏ لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال‏:‏ لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرما، فأحرم من نيسابور، فلما قدم على عثمان لامه على ما صنع‏"‏‏.‏
وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضا‏.‏
وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق محمد بن إسحاق أن ذلك كان في السنة التي قتل فيها عثمان، ومناسبة هذا الأثر للذي قبله أن بين خراسان ومكة أكثر من مسافة أشهر الحج، فيستلزم أن يكون أحرم في غير أشهر الحج فكره ذلك عثمان، وإلا فظاهره يتعلق بكراهة الإحرام قبل الميقات فيكون من متعلق الميقات المكاني لا الزماني‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَيَالِي الْحَجِّ وَحُرُمِ الْحَجِّ فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ قَالَتْ فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلَا قَالَتْ فَالْآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَتْ فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ وَكَانَ مَعَهُمْ الْهَدْيُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهُ قُلْتُ سَمِعْتُ قَوْلَكَ لِأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ قَالَ وَمَا شَأْنُكِ قُلْتُ لَا أُصَلِّي قَالَ فَلَا يَضِيرُكِ إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا قَالَتْ فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ قَالَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الْآخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي قَالَتْ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ وَفَرَغْتُ مِنْ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَقَالَ هَلْ فَرَغْتُمْ فَقُلْتُ نَعَمْ فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ فَارْتَحَلَ النَّاسُ فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ ضَيْرِ مِنْ ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا وَيُقَالُ ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا
الشرح‏:‏
حديث عائشة في قصة عمرتها، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الباب الذي بعده، وشاهد الترجمة منه قولها ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج وليالي الحج وحرم الحج ‏"‏ فإن هذا كله يدل على أن ذلك كان مشهورا عندهم معلوما، وقوله فيه ‏"‏ وحرم الحج ‏"‏ بضم الحاء المهملة والراء أي أزمنته وأمكنته وحالاته، وروي بفتح الراء وهو جمع حرمة أي ممنوعات الحج، وقوله ‏"‏يا هنتاه ‏"‏ بفتح الهاء والنون - وقد تسكن النون - بعدها مثناة وآخرها هاء ساكنة كناية عن شيء لا يكره باسمه تقول في النداء للمذكر يا هن وقد تزاد الهاء في آخره للسكت فتقول يا هنه، وأن تشبع الحركة في النون فتقول يا هناه وتزاد في جميع ذلك للمؤنث مثناة‏.‏
وقال بعضهم الألف والهاء في آخره كهما في الندبة، وقوله ‏"‏قلت لا أصلي ‏"‏ كناية عن أنها حاضت، قال ابن المنير‏:‏ كنت عن الحيض بالحكم الخاص به أدبا منها، وقد ظهر أثر ذلك في بناتها المؤمنات فكلهن يكنين عن الحيض بحرمان الصلاة أو غير ذلك‏.‏
وقوله ‏"‏فلا يضرك ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فلا يضيرك ‏"‏ بكسر الضاد وتخفف التحتانية من الضير، وقوله ‏"‏النفر الثاني ‏"‏ هو رابع أيام منى، وقوله ‏"‏فإني انظر كما ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أنتظركما ‏"‏ بزيادة مثناة، وقوله ‏"‏حتى إذا فرغت ‏"‏ أي من الاعتمار وفرغت من الطواف وحذف الأول للعلم به‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:40 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n150&p1#TOP)باب التَّمَتُّعِ وَالْإِقْرَانِ وَالْإِفْرَادِ بِالْحَجِّ وَفَسْخِ الْحَجِّ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التمتع والقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي‏)‏ أما التمتع فالمعروف أنه الاعتمار في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والإهلال بالحج في تلك السنة قال الله تعالى ‏(‏فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي‏)‏ ويطلق التمتع في عرف السلف على القران أيضا، قال ابن عبد البر‏:‏ لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى ‏(‏فمن تمتع بالعمرة إلى الحج‏)‏ أنه الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج، قال‏:‏ ومن التمتع أيضا القران لأنه تمتع بسقوط سفر للنسك الآخر من بلده، ومن التمتع فسخ الحج أيضا إلى العمرة انتهى‏.‏
وأما القران فوقع في رواية أبي ذر ‏"‏ الإقران ‏"‏ بالألف وهو خطأ من حيث اللغة كما قاله عياض وغيره، وصورته الإهلال بالحج والعمرة معا، وهذا لا خلاف في جوازه‏.‏
أو الإهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه وهذا مختلف فيه‏.‏
وأما الإفراد فالإهلال بالحج وحده في أشهره عند الجميع وفي غير أشهره أيضا عند من يجيزه، والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء‏.‏
وأما فسخ الحج فالإحرام بالحج ثم يتحلل منه بعمل عمرة فيصير متمتعا وفي جوازه اختلاف آخر، وظاهر تصرف المصنف إجازته، فإن تقدير الترجمة باب مشروعية التمتع إلخ، ويحتمل أن يكون التقدير باب حكم التمتع إلخ فلا يكون فيه دلالة على أنه يجيزه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نُرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ قَالَ وَمَا طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ قُلْتُ لَا قَالَ فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ ثُمَّ مَوْعِدُكِ كَذَا وَكَذَا قَالَتْ صَفِيَّةُ مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَهُمْ قَالَ عَقْرَى حَلْقَى أَوَ مَا طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ قُلْتُ بَلَى قَالَ لَا بَأْسَ انْفِرِي قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ تقدم في الباب قبله بيان الوقت الذي خرجوا فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا نرى إلا أنه الحج‏)‏ ، ولأبي الأسود عن عروة عنها كما سيأتي ‏"‏ مهلين بالحج ‏"‏ ولمسلم من طريق القاسم عنها ‏"‏ لا نذكر إلا الحج ‏"‏ وله من هذا الوجه ‏"‏ لبينا بالحج ‏"‏ وظاهره أن عائشة من غيرها من الصحابة كانوا أولا محرمين بالحج، لكن في رواية عروة عنها هنا ‏"‏ فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج ‏"‏ فيحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام وجوز لهم الاعتمار في أشهر الحج وسيأتي في ‏"‏ باب الاعتمار بعد الحج ‏"‏ من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها ‏"‏ فقال‏:‏ من أحب أن يهل بعمرة فليهل، ومن أحب أن يهل بحج فليهل ‏"‏ ولأحمد من طريق ابن شهاب عن عروة ‏"‏ فقال‏.‏
من شاء فليهل بعمرة، ومن شاء فليهل بحج ‏"‏ ولهذه النكتة أورد المصنف في الباب حديث ابن عباس ‏"‏ كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ‏"‏ فأشار إلى الجمع بين ما اختلف عن عائشة في ذلك، وأما عائشة نفسها فسيأتي في أبواب العمرة وفي حجة الوداع من المغازي من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها في أثناء هذا الحديث قالت ‏"‏ وكنت ممن أهل بعمرة ‏"‏ وسبق في كتاب الحيض من طريق ابن شهاب نحوه عن عروة، زاد أحمد من وجه آخر عن الزهري ‏"‏ ولم أسق هديا ‏"‏ فادعى إسماعيل القاضي وغيره أن هذا غلط من عروة وأن الصواب رواية الأسود والقاسم وعروة عنها أنها أهلت بالحج مفردا وتعقب بأن قول عروة عنها إنها أهلت بعمرة صريح، وأما قول الأسود وغيره عنها ‏"‏ لا نرى إلا الحج ‏"‏ فليس صريحا في إهلالها بحج مفرد فالجمع بينهما ما تقدم من غير تغليط عروة وهو أعلم الناس بحديثها، وقد وافقه جابر بن عبد الله الصحابي كما أخرجه مسلم عنه، وكذا رواه طاوس ومجاهد عن عائشة ويحتمل في الجمع أيضا أن يقال‏:‏ أهلت عائشة بالحج مفردا كما فعل غيرها من الصحابة، وعلى هذا ينزل حديث الأسود ومن تبعه ‏"‏ ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفسخوا الحج إلى العمرة ففعلت عائشة ما صنعوا فصارت متمتعة ‏"‏ وعلى هذا يتنزل حديث عروة ‏"‏ ثم لما دخلت مكة وهي حائض فلم تقدر على الطواف لأجل الحيض أمرها أن تحرم بالحج ‏"‏ على ما سيأتي من الاختلاف في ذلك والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما قدمنا تطوفنا بالبيت‏)‏ أي غيرها لقولها بعده ‏"‏ فلم أطف ‏"‏ فإنه تبين به أن قولها ‏"‏ تطوفنا ‏"‏ من العام الذي أريد به الخاص‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل‏)‏ أي من الحج بعمل العمرة، وهذا هو فسخ الحج المترجم به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونساؤه لم يسقن‏)‏ أي الهدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأحللن‏)‏ أي وهي منهن لكن منعها من التحلل كونها حاضت ليلة دخولهم مكة، وقد مضى في الباب قبله بيان ذلك وأنها بكت وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ‏"‏ كوني في حجك ‏"‏ فظاهره أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تجعل عمرتها حجا ولهذا قالت ‏"‏ يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج ‏"‏ فأعمرها لأجل ذلك من التنعيم‏.‏
وقال مالك ليس العمل على حديث عروة قديما ولا حديثا، قال ابن عبد البر‏:‏ يريد ليس عليه العمل في رفض العمرة وجعلها حجا بخلاف جعل الحج عمرة فإنه وقع للصحابة‏.‏
واختلف في جوازه من بعدهم لكن أجاب جماعة من العلماء عن ذلك باحتمال أن يكون معني قوله ‏"‏ ارفضي عمرتك ‏"‏ أي اتركي التحلل منها وأدخلي عليها الحج فتصير قارنة، ويؤيده قوله في رواية لمسلم ‏"‏ وأمسكي عن العمرة ‏"‏ أي عن أعمالها، وإنما قالت عائشة ‏"‏ وأرجع بحج ‏"‏ لاعتقادها أن إفراد العمرة بالعمل أفضل كما وقع لغيرها من أمهات المؤمنين، واستبعد هذا التأويل لقولها في رواية عطاء عنها ‏"‏ وأرجع أنا بحجة ليس معها عمرة ‏"‏ أخرجه أحمد، وهذا يقوي قول الكوفيين إن عائشة تركت العمرة وحجت مفردة، وتمسكوا في ذلك بقولها في الرواية المتقدمة ‏"‏ دعي عمرتك ‏"‏ في رواية ‏"‏ ارفضي عمرتك ‏"‏ ونحو ذلك‏.‏
واستدلوا به على أن للمرأة إذا أهلت بالعمرة متمتعة فحاضت قبل أن تطوف أن تترك العمرة وتهل بالحج مفردا كما فعلت عائشة، لكن في رواية عطاء عنها ضعف، والرافع للإشكال في ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر ‏"‏ أن عائشة أهلت بعمرة، حتى إذا كانت بسرف حاضت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أهلي بالحج، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وسعت فقال‏:‏ قد حللت من حجك وعمرتك، قالت يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، قال فأعمرها من التنعيم ‏"‏ ولمسلم من طريق طاوس عنها ‏"‏ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم طوافك يسعك لحجك وعمرتك ‏"‏ فهذا صريح في أنها كانت قارنة لقوله ‏"‏ قد حللت من حجك وعمرتك ‏"‏ وإنما أعمرها من التنعيم تطييبا لقلبها لكونها لم تطف بالبيت لما دخلت معتمرة‏.‏
وقد وقع في رواية لمسلم ‏"‏ وكان النبي صلى الله عليه وسلم رجلا سهلا إذا هويت الشيء تابعها عليه ‏"‏ وسيأتي الكلام على قصة صفية في أواخر الحج وعلى ما في قصة اعتمار عائشة من الفوائد في أبواب العمرة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأرجع أنا بحجة‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وأرجع لي بحجة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة لم يحلوا حتى كان يوم النحر‏)‏ كذا فيه هنا، وسيأتي في حجة الوداع بلفظ ‏"‏ فلم يحلوا ‏"‏ بزيادة فاء وهو الوجه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ قَالَ مَا كُنْتُ لِأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الحكم‏)‏ هو ابن عتيبة بالمثناة والموحدة مصغرا الفقيه الكوفي، وعلي بن الحسين هو زين العابدين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شهدت عثمان وعليا‏)‏ سيأتي في آخر الباب من طريق سعيد بن المسيب أن ذلك كان بعسفان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما‏)‏ أي بين الحج والعمرة ‏(‏فلما رأى علي‏)‏ في رواية سعيد بن المسيب ‏"‏ فقال علي ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ إلا أن تنهى ‏"‏ بحرف الاستثناء، زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ فقال عثمان دعنا عنك‏.‏
قال‏:‏ إني لا أستطيع أن أدعك ‏"‏ وقوله ‏"‏ وأن يجمع بينهما ‏"‏ يحتمل أن تكون الواو عاطفة فيكون نهي عن التمتع والقران معا، ويحتمل أن يكون عطفا تفسيريا وهو على ما تقدم أن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعا، ووجهه أن القارن يتمتع بترك النصب بالسفر مرتين فيكون المراد أن يجمع بينهما قرانا أو إيقاعا لهما في سنة واحدة بتقديم العمرة على الحج، وقد رواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب بلفظ ‏"‏ نهى عثمان عن التمتع ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ فلبى علي وأصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان، فقال له علي‏:‏ ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع‏؟‏ قال‏:‏ بلى ‏"‏ وله من وجه آخر ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا ‏"‏ زاد مسلم من طريق عبد الله بن شقيق عن عثمان قال ‏"‏ أجل، ولكنا كنا خائفين ‏"‏ قال النووي‏:‏ لعله أشار إلى عمرة القضية سنة سبع، لكن لم يكن في تلك السنة حقيقة تمتع إنما كان عمرة وحدها‏.‏
قلت‏:‏ هي رواية شاذة، فقد روى الحديث مروان بن الحكم وسعيد بن المسيب وهما أعلم من عبد الله بن شقيق فلم يقولا ذلك، والتمتع إنما كان في حجة الوداع وقد قال ابن مسعود كما ثبت عنه في الصحيحين ‏"‏ كنا آمن ما يكون الناس ‏"‏ وقال القرطبي‏:‏ قوله ‏"‏ خائفين ‏"‏ أي من أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من تمتع، كذا قال؛ وهو جمع حسن ولكن لا يخفى بعده‏.‏
ويحتمل أن يكون عثمان أشار إلى أن الأصل في اختياره صلى الله عليه وسلم فسخ إلى العمرة في حجة الوداع دفع اعتقاد قريش منع العمرة في أشهر الحج، وكان ابتداء ذلك بالحديبية لأن إحرامهم بالعمرة كان في ذي القعدة وهو من أشهر الحج، وهناك يصح إطلاق كونهم خائفين، أي من وقوع القتال بينهم وبين المشركين، وكان المشركون صدوهم عن الوصول إلى البيت فتحللوا من عمرتهم، وكانت أول عمرة وقعت في أشهر الحج، ثم جاءت عمرة القضية في ذي القعدة أيضا، ثم أراد صلى الله عليه وسلم تأكيد ذلك بالمبالغة فيه حتى أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما كنت لأدع إلخ‏)‏ زاد النسائي والإسماعيلي ‏"‏ فقال عثمان‏:‏ تراني أنهى الناس وأنت تفعله‏؟‏ فقال‏:‏ ما كنت أدع‏"‏‏.‏
وفي قصة عثمان وعلي من الفوائد إشاعة العالم ما عنده من العلم وإظهاره، ومناظرة ولاة الأمور وغيرهم في تحقيقه لمن قوي على ذلك لقصد مناصحة المسلمين، والبيان بالفعل مع القول، وجواز الاستنباط من النص لأن عثمان لم يخف عليه أن التمتع والقران جائزان، وإنما نهى عنهما ليعمل فالأفضل كما وقع لعمر، لكن خشي علي أن يحمل غيره النهي على التحريم فأشاع جواز ذلك، وكل منهما مجتهد مأجور‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ذكر ابن الحاجب حديث عثمان في التمتع دليلا لمسألة اتفاق أهل العصر الثاني بعد اختلاف أهل العصر الأول فقال‏:‏ وفي الصحيح أن عثمان كان نهى عن المتعة، قال البغوي‏:‏ ثم صار إجماعا‏.‏
وتعقب بأن نهي عثمان عن المتعة إن كان المراد به الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج فلم يستقر الإجماع عليه لأن الحنفية يخالفون فيه‏.‏
وإن كان المراد به فسخ الحج إلى العمرة فكذلك لأن الحنابلة يخالفون فيه، ثم وراء ذلك أن رواية النسائي السابقة مشعرة بأن عثمان رجع عن النهي فلا يصح التمسك به، ولفظ البغوي بعد أن ساق حديث عثمان في ‏"‏ شرح السنة ‏"‏‏:‏ هذا خلاف علي وأكثر الصحابة على الجواز، واتفقت عليه الأئمة بعد فحمله على أن عثمان نهى عن التمتع المعهود، والظاهر أن عثمان ما كان يبطله إنما كان يرى أن الإفراد أفضل منه، وإذا كان ذلك فلم تتفق الأئمة على ذلك فإن الخلاف في أي الأمور الثلاثة أفضل باق والله أعلم‏.‏
وفيه أن المجتهد لا يلزم مجتهدا آخر بتقليده لعدم إنكار عثمان على علي ذلك مع كون عثمان الإمام إذ ذاك والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ إِذَا بَرَا الدَّبَرْ وَعَفَا الْأَثَرْ وَانْسَلَخَ صَفَرْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ قَالَ حِلٌّ كُلُّهُ
الشرح‏:‏
عن ابن عباس قال ‏(‏كانوا يرون أن العمرة‏)‏ بفتح أوله أي يعتقدون، والمراد أهل الجاهلية‏.‏
ولابن حبان من طريق أخرى عن ابن عباس قال ‏"‏ والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك، فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون ‏"‏ فذكر نحوه فعرف بهذا تعيين القائلين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أفجر الفجور‏)‏ هذا من تحكماتهم الباطلة المأخوذة عن غير أصل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويجعلون المحرم صفر‏)‏ كذا هو في جميع الأصول من الصحيحين، قال النووي‏:‏ كان ينبغي أن يكتب بالألف، ولكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبا لأنه مصروف بلا خلاف، يعني والمشهور عن اللغة الربيعية كتابة المنصوب بغير ألف فلا يلزم من كتابته بغير ألف أن لا يصرف فيقرأ بالألف‏.‏
وسبقه عياض إلى نفي الخلاف فيه لكن في ‏"‏ المحكم ‏"‏ كان أبو عبيدة لا يصرفه فقيل له‏:‏ إنه لا يمتنع الصرف حتى يجتمع علتان فما هما‏؟‏ قال‏:‏ المعرفة والساعة‏.‏
وفسره المطرزي بأن مراده بالساعة أن الأزمنة ساعات والساعة مؤنثة انتهى‏.‏
وحديث ابن عباس هذا حجة قوية لأبي عبيدة، ونقل بعضهم أن في صحيح مسلم ‏"‏ صفرا ‏"‏ بالألف‏.‏
وأما جعلهم ذلك فقال النووي‏:‏ قال العلماء المراد الإخبار عن النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية فكانوا يسمون المحرم صفرا ويحلونه ويؤخرون تحريم المحرم إلى نفس صفر لئلا تتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة فيضيق عليهم فيها ما اعتادوه من المقاتلة والغارة بعضهم على بعض، فضللهم الله في ذلك فقال ‏(‏إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا‏)‏ الآية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويقولون إذا برأ الدبر‏)‏ بفتح المهملة والموحدة أي ما كان يحصل بظهور الإبل من الحمل عليها ومشقة السفر فإنه كان يبرأ بعد انصرافهم من الحج، و قوله‏:‏ ‏(‏وعفا الأثر‏)‏ أي اندرس أثر الإبل وغيرها في سيرها، ويحتمل أثر الدبر المذكور‏.‏
وفي سنن أبي داود و ‏"‏ عفا الوبر ‏"‏ أي كثر وبر الإبل الذي حلق بالرحال، وهذه الألفاظ تقرأ ساكنة الراء لإرادة السجع، ووجه تعلق جواز الاعتمار بانسلاخ صفر - مع كونه ليس من أشهر الحج وكذلك المحرم - أنهم لما جعلوا المحرم صفرا ولا يستقرون ببلادهم في الغالب ويبرأ دبر إبلهم إلا عند انسلاخه ألحقوه بأشهر الحج على طريق التبعية وجعلوا أول أشهر الاعتمار شهر المحرم الذي هو في الأصل صفر، العمرة عندهم في غير أشهر الحج، وأما تسمية الشهر صفرا فقال رؤبة أصلها أنهم كانوا يغيرون فيه بعضهم على بعض فيتركون منازلهم صفرا أي خالية من المتاع، وقيل لإصفار أماكنهم من أهلها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قدم النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا في الأصول من رواية موسى بن إسماعيل عن وهيب، وقد أخرجه المصنف في ‏"‏ أيام الجاهلية ‏"‏ عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب بلفظ ‏"‏ فقدم ‏"‏ بزيادة فاء وهو الوجه، وكذا أخرجه مسلم من طريق بهز بن أسد والإسماعيلي من طريق إبراهيم بن الحجاج كلاهما عن وهيب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صبيحة رابعة‏)‏ أي يوم الأحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مهلين بالحج‏)‏ في رواية إبراهيم بن الحجاج ‏"‏ وهم يلبون بالحج ‏"‏ وهي مفسرة لقوله مهلين، واحتج به من قال كان حج النبي صلى الله عليه وسلم مفردا، وأجاب من قال كان قارنا بأنه لا يلزم من إهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم‏)‏ أي لما كانوا يعتقدونه أولا‏.‏
وفي رواية إبراهيم بن الحجاج ‏"‏ فكبر ذلك عندهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أي الحل‏)‏ كأنهم كانوا يعرفون أن للحج تحللين فأرادوا بيان ذلك فبين لهم أنهم يتحللون الحل كله، لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد، ووقع في رواية الطحاوي ‏"‏ أي الحل نحل‏؟‏ قال‏:‏ الحل كله‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ بِالْحِلِّ
الشرح‏:‏
حديث أبي موسى ‏"‏ قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني بالحل ‏"‏ هكذا أورده مختصرا‏.‏
وقد تقدم تاما مشروحا قبل بباب‏.‏
ووقع للكشميهني ‏"‏ فأمره بالحل ‏"‏ على الالتفات‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ
الشرح‏:‏
حديث حفصة ‏"‏ أنها قالت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة ‏"‏ الحديث، لم يقع في رواية مسلم قوله ‏"‏ بعمرة ‏"‏ وذكر ابن عبد البر أن أصحاب مالك ذكرها بعضهم وحذفها بعضهم، واستشكل كيف حلوا بعمرة مع قولها ولم تحل من عمرتك، والجواب أن المراد قولها بعمرة أي إن إحرامهم بعمرة كان سببا لسرعة حلهم، واستدل به على أن من ساق الهدي لا يتحلل من عمل العمرة حتى يحل بالحج ويفرغ منه، لأنه جعل العلة في بقائه على إحرامه كونه أهدى، وكذا وقع في حديث جابر سابع أحاديث الباب، وأخبر أنه لا يحل حتى ينحر الهدي وهو قول أبي حنيفة وأحمد ومن وافقهما، ويؤيده قوله في حديث عائشة أول حديث الباب ‏"‏ فأمر من لم يكن ساق الهدي أن يحل ‏"‏ والأحاديث بذلك متضافرة وأجاب بعض المالكية والشافعية عن ذلك بأن السبب في عدم تحلله من العمرة كونه أدخلها على الحج، وهو مشكل عليه لأنه يقول إن حجه كان مفردا‏.‏
وقال بعض العلماء‏.‏
ليس لمن قال كان مفردا عن هذا الحديث انفصال، لأنه إن قال به استشكل عليه كونه علل عدم التحلل بسوق الهدي لأن عدم التحلل لا يمتنع على من كان قارنا عنده، وجنح الأصيلي وغيره إلى توهيم مالك في قوله ‏"‏ ولم تحل أنت من عمرتك ‏"‏ وأنه لم يقله أحد في حديث حفصة غيره، وتعقبه ابن عبد البر - على تقدير تسليم انفراده - بأنها زيادة حافظ فيجب قبولها، على أنه لم ينفرد، فقد تابعه أيوب وعبيد الله بن عمر وهما مع ذلك حفاظ أصحاب نافع انتهى‏.‏
ورواية عبيد الله بن عمر عند مسلم، وقد أخرجه مسلم من رواية ابن جريج والبخاري من رواية موسى بن عقبة والبيهقي من رواية شعيب بن أبي حمزة ثلاثتهم عن نافع بدونها، ووقع في رواية عبيد الله بن عمر عند الشيخين ‏"‏ فلا أحل حتى أحل من الحج ‏"‏ ولا تنافي هذه رواية مالك لأن القارن لا يحل من العمرة ولا من الحج حتى ينحر، فلا حجة فيه لمن تمسك بأنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا كما سيأتي، لأن قول حفصة ‏"‏ ولم تحل من عمرتك ‏"‏ وقوله هو ‏"‏ حتى أحل من الحج ‏"‏ ظاهر في أنه كان قارنا‏.‏
وأجاب من قال كان مفردا عن قوله ‏"‏ ولم تحل من عمرتك ‏"‏ بأجوبة‏:‏ أحدها قاله الشافعي معناه ولم تحل أنت من إحرامك الذي ابتدأته معهم بنية واحدة، بدليل قوله ‏"‏ لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ‏"‏ وقيل معناه ولم تحل من حجك بعمرة كما أمرت أصحابك، قالوا وقد تأتي ‏"‏ من ‏"‏ بمعنى الباء كقوله عز وجل ‏(‏يحفظونه من أمر الله‏)‏ أي بأمر الله، والتقدير ولم تحل أنت بعمرة من إحرامك، وقيل ظنت أنه فسخ حجه بعمرة كما فعل أصحابه بأمره فقالت لم لم تحل أنت أيضا من عمرتك‏؟‏ ولا يخفى ما في بعض هذه التأويلات من التعسف‏.‏
والذي تجتمع به الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا بمعنى أنه أدخل العمرة على الحج بعد أن أهل به مفردا، لا أنه أول ما أهل أحرم بالحج والعمرة معا، وقد تقدم حديث عمر مرفوعا ‏"‏ وقل عمرة في حجة ‏"‏ وحديث أنس ‏"‏ ثم أهل بحج وعمرة ‏"‏ ولمسلم من حديث عمران بن حصين ‏"‏ جمع بين حج وعمرة ‏"‏ ولأبي داود والنسائي من حديث البراء مرفوعا ‏"‏ أني سقت الهدي وقرنت ‏"‏ وللنسائي من حديث علي مثله، ولأحمد من حديث سراقة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن في حجة الوداع ‏"‏ وله من حديث أبي طلحة ‏"‏ جمع بين الحج والعمرة ‏"‏ وللدارقطني من حديث أبي سعيد وأبي قتادة والبزار من حديث ابن أبي أوفى ثلاثتهم مرفوعا مثله، وأجاب البيهقي عن هذه الأحاديث وغيرها نصرة لمن قال أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا فنقل عن سليمان بن حرب أن رواية أبي قلابة أنس ‏"‏ أنه سمعهم يصرخون بهما جميعا ‏"‏ أثبت من رواية من روي عنه أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة، ثم تعقبه بأن قتادة وغيره من الحفاظ رووه عن أنس كذلك، فالاختلاف فيه على أنس نفسه، قال فلعله سمع النبي صلى الله عليه وسلم يعلم غيره كيف يهل بالقران فظن أنه أهل عن نفسه وأجاب عن حديث حفصة بما نقل عن الشافعي أن معنى قولها ‏"‏ ولم تحل أنت من عمرتك ‏"‏ أي من إحرامك كما تقدم، وعن حديث عمر بأن جماعة رووه بلفظ ‏"‏ صلى في هذا الوادي وقال عمرة في حجة ‏"‏ قال‏:‏ وهؤلاء أكثر عددا ممن رواه ‏"‏ وقل عمرة في حجة ‏"‏ فيكون إذنا في القران لا أمرا للنبي صلى الله عليه وسلم في حال نفسه، وعن حديث عمران بأن المراد بذلك إذنه لأصحابه في القران بدليل روايته الأخرى ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم أعمر بعض أهله في العشر ‏"‏ وروايته الأخرى ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم تمتع ‏"‏ فإن مراده بكل ذلك إذنه في ذلك، وعن حديث البراء بأنه ساقه في قصة علي وقد رواها أنس يعني كما تقدم في هذا الباب وجابر كما أخرجه مسلم وليس فيها لفظ ‏"‏ وقرنت ‏"‏ وأخرج حديث مجاهد عن عائشة قالت ‏"‏ لقد علم ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتمر ثلاثا سوى التي قرنها في حجته ‏"‏ أخرجه أبو داود‏.‏
وقال البيهقي تفرد أبو إسحاق عن مجاهد بهذا، وقد رواه منصور عن مجاهد بلفء ‏"‏ فقالت ما اعتمر في رجب قط ‏"‏ وقال هذا هو المحفوظ يعني كما سيأتي في أبواب العمرة، ثم أشار إلى أنه اختلف فيه على أبي إسحاق فرواه زهير بن معاوية عنه هكذا وقال زكريا عن أبي إسحاق عن البراء، ثم روى حديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم حج حجتين قبل أن يهاجر وحجة قرن منها عمرة ‏"‏ يعني بعدما هاجر، وحكي عن البخاري أنه أعله لأنه من رواية زيد بن الحباب عن الثوري عن جعفر عن أبيه عنه، وزيد ربما يهم في الشيء، والمحفوظ عن الثوري مرسل، والمعروف عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالحج خالصا، ثم روى حديث ابن عباس نحو حديث مجاهد عن عائشة وأعله بداود العطار وقال إنه تفرد بوصله عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه ابن عيينة عن عمرو فأرسله ولم يذكر ابن عباس، ثم روى حديث الصبي بن معبد أنه أهل بالحج والعمرة معا فأنكر عليه، فقال له عمر ‏"‏ هديت لسنة نبيك ‏"‏ الحديث وهو في السنن وفيه قصة، وأجاب عنه بأنه يدل على جواز القران لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا، ولا يخفى ما في هذه الأجوبة من التعسف‏.‏
وقال النووي‏:‏ الصواب الذي نعتقده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا، ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في تلك السنة بعد الحج، ولا شك أن القران أفضل من الإفراد الذي لا يعتمر في سننه عندنا، ولم ينقل أحد أن الحج وحده أفصل من القران، كذا قال والخلاف ثابت قديما وحديثا، أما قديما فالثابت عن عمر أنه قال ‏"‏ إن أتم لحجكم وعمرتكم أن تنشئوا لكل منهما سفرا ‏"‏ وعن ابن مسعود نحوه أخرجه ابن أبي شيبة وغيره، وأما حديثا فقد صرح القاضي حسين والمتولي بترجيح الإفراد ولو لم يعتمر في تلك السنة‏.‏
وقال صاحب الهداية من الحنفية‏:‏ الخلاف بيننا وبين الشافعي مبني على أن القارن يطوف طوافا واحدا وسعيا واحدا فبهذا قال إن الإفراد أفضل، ونحن عندنا أن القارن يطوف طوافين وسعيين فهو أفضل لكونه أكثر عملا‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ اختلفت الرواية فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم به محرما، والجواب عن ذلك بأن كل راو أضاف إليه ما أمر به اتساعا، ثم رجح بأنه كان أفرد الحج، وهذا هو المشهور عند المالكية والشافعية، وقد بسط الشافعي القول فيه في ‏"‏ اختلاف الحديث ‏"‏ وغيره ورجح أنه صلى الله عليه وسلم أحرم إحراما مطلقا ينتظر ما يؤمر به فنزل عليه الحكم بذلك وهو على الصفا، ورجحوا الإفراد أيضا بأن الخلفاء الراشدين واظبوا عليه ولا يظن بهم المواظبة على ترك الأفضل، وبأنه لم ينقل عن أحد منهم أنه كره الإفراد، وقد نقل عنهم كراهية التمتع والجمع بينهما حتى فعله علي لبيان الجواز، وبأن الإفراد لا يجب فيه دم بالإجماع بخلاف التمتع والقران انتهى‏.‏
وهذا ينبني على أن دم القران دم جبران وقد منعه من رجح القران وقال إنه دم فضل وثواب كالأضحية، ولو كان دم نقص لما قام الصيام مقامه، ولأنه يؤكل منه ودم النقص لا يؤكل منه كدم الجزاء قاله الطحاوي‏.‏
وقال عياض نحو ما قال الخطابي وزاد‏:‏ وأما إحرامه هو فقد تضافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا، وأما رواية من روى متمتعا فمعناه أمر به لأنه صرح بقوله ‏"‏ ولولا أن معي الهدي لأحللت ‏"‏ فصح أنه لم يتحلل‏.‏
وأما رواية من روى القران فهو إخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي وقيل له ‏"‏ قل عمرة في حجة ‏"‏ انتهى‏.‏
وهذا الجمع هو المعتمد، وقد سيق إليه قديما ابن المنذر وبينه ابن حزم في ‏"‏ حجة الوداع ‏"‏ بيانا شافيا ومهده المحب الطبري تمهيدا بالغا يطول ذكره، ومحصله أن كل من روي عنه الإفراد حمل على ما أهل به في أول الحال، وكل من روي عنه التمتع أراد ما أمر به أصحابه، وكل من روي عنه القران أراد ما استقر عليه أمره، ويترجح رواية من روى القران بأمور‏:‏ منها أن معه زيادة علم على من روى الإفراد وغيره، وبأن من روى الإفراد والتمتع اختلف عليه في ذلك‏:‏ فأشهر من روي عنه الإفراد عائشة وقد ثبت عنها أنه اعتمر مع حجته كما تقدم، وابن عمر وقد ثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالعمرة ثم أهل بالحج كما سيأتي في أبواب الهدي، وثبت أنه جمع بين حج وعمرة ثم حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وسيأتي أيضا، وجابر وقد تقدم قوله إنه اعتمر مع حجته أيضا‏.‏
وروى القران عنه جماعة من الصحابة لم يختلف عليهم فيه، وبأنه لم يقع في شيء من الروايات النقل عنه من لفظه أنه قال أفردت ولا تمتعت، بل صح عنه أنه قال ‏"‏ قرنت ‏"‏ وصح عنه أنه قال ‏"‏ لولا أن معي الهدي لأحللت ‏"‏ وأيضا فإن من روي عنه القران لا يحتمل حديثه التأويل إلا بتعسف بخلاف من روى الإفراد فإنه محمول على أول الحال وينتفي التعارض، ويؤيده أن من جاء عنه الإفراد جاء عنه صورة القران كما تقدم، ومن روي عنه التمتع فإنه محمول على الاقتصار على سفر واحد للنسكين، ويؤيده أن من جاء عنه التمتع لما وصفه بصورة القران لأنهم اتفقوا على أنه لم يحل من عمرته حتى أتم عمل جميع الحج وهذه إحدى صور القران، وأيضا فإن رواية القران جاءت عن بضعة عشر صحابيا بأسانيد جياد بخلاف روايتي الإفراد والتمتع وهذا يقتضي رفع الشك عن ذلك والمصير إلى أنه كان قارنا، ومقتضى ذلك أن يكون القران أفضل من الإفراد ومن التمتع وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين وبه قال الثوري وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه واختاره من الشافعية المزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي ومن المتأخرين تقي الدين السبكي وبحث مع النووي في اختياره أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا وأن الإفراد مع ذلك أفضل مستندا إلى أنه صلى الله عليه وسلم اختار الإفراد أولا ثم أدخل عليه العمرة لبيان جواز الاعتمار في أشهر الحج لكونهم كانوا يعتقدونه من أفجر الفجور كما في ثالث أحاديث الباب، وملخص ما يتعقب به كلامه أن البيان قد سبق منه صلى الله عليه وسلم في عمره الثلاث فإنه أحرم بكل منها في ذي القعدة عمرة الحديبية التي صد عن البيت فيها وعمرة القضية التي بعدها وعمرة الجعرانة، ولو كان أراد باعتماره عمرة حجته بيان الجواز فقط مع أن الأفضل خلافه لاكتفى في ذلك بأمره أصحابه أن يفسخوا حجهم إلى العمرة‏.‏
وذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن التمتع أفضل لكونه صلى الله عليه وسلم تمناه فقال ‏"‏ لولا أني سقت الهدي لأحللت ‏"‏ ولا يتمنى إلا الأفضل، وهو قول أحمد بن حنبل في المشهور عنه، وأجيب بأنه إنما تمناه تطييبا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته وإلا فالأفضل ما اختاره الله له واستمر عليه‏.‏
وقال ابن قدامة يترجح التمتع بأن الذي يفرد إن اعتمر بعدها فهي عمرة مختلف في إجزائها عن حجة الإسلام بخلاف عمرة التمتع فهي مجزئة بلا خلاف فيترجح التمتع على الإفراد ويليه القران‏.‏
وقال من رجح القران‏.‏
هو أشق من التمتع وعمرته مجزئة بلا خلاف فيكون أفضل منهما، وحكى عياض عن بعض العلماء أن الصور الثلاث في الفضل سواء وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه، وعن أبي يوسف القران والتمتع في الفضل سواء وهما أفضل من الإفراد، وعن أحمد‏:‏ من ساق الهدي فالقران أفضل له ليوافق فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر به أصحابه، زاد بعض أتباعه ومن أراد أن ينشئ لعمرته من بلده سفرا فالإفراد أفضل له قال‏:‏ وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة، فمن قال الإفراد أفضل فعلى هذا يتنزل لأن أعمال سفرين للنسكين أكثر مشقة فيكون أعظم أجرا ولتجزئ عنه عمرته من غير نقص ولا اختلاف ومن العلماء من جمع بين الأحاديث على نمط آخر مع موافقته على أنه كان قارنا كالطحاوي وابن حبان وغيرهما فقيل أهل أولا بعمرة ثم لم يحلل منها إلى أن أدخل عليها الحج يوم التروية، ومستند هذا القائل حديث ابن عمر الآتي في أبواب الهدي بلفظ ‏"‏ فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة ثم أهل بالحج‏.‏
وهذا لا ينافي إنكار ابن عمر على أنس كونه نقل أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج والعمرة كما سيأتي في حجة الوداع من المغازي لاحتمال أن يكون من إنكاره كونه نقل أنه أهل بهما معا وإنما المعروف عنده أنه أدخل أحد النسكين على الآخر لكن جزمه بأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالعمرة مخالف لما عليه أكثر الأحاديث فهو مرجوح، وقيل أهل أولا بالحج مفردا ثم استمر على ذلك إلى أن أمر أصحابه بأن يفسخوا حجهم فيجعلوه عمرة وفسخ معهم، ومنعه من التحلل من عمرته المذكورة ما ذكره في حديث الباب وغيره من سوق الهدي فاستمر معتمرا إلى أن أدخل عليها الحج حتى تحلل منهما جميعا، وهذا يستلزم أنه أحرم بالحج أولا وآخرا، وهو محتمل لكن الجمع الأول أولى‏.‏
وقيل إنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفردا واستمر عليه إلى أن تحلل منه بمنى ولم يعتمر في تلك السنة وهو مقتضى من رجح أنه كان مفردا‏.‏
والذي يظهر لي أن من أنكر القران من الصحابة نفى أن يكون أهل بهما في أول الحال، ولا ينفي أن يكون أهل بالحج مفردا ثم أدخل عليه العمرة فيجتمع القولان كما تقدم والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم تحلل‏)‏ بكسر اللام الأولى أي لم تحل، وإظهار التضعيف لغة معروفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لبدت‏)‏ بتشديد الموحدة أي شعر رأسي، وقد تقدم بيان التلبيد، وهو أن يجعل فيه شيء ليلتصق به، ويؤخذ منه استحباب ذلك للمحرم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا أحل حتى أنحر‏)‏ يأتي الكلام عليه في الحديث السابع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَالَ تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَأَمَرَنِي فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا يَقُولُ لِي حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي أَقِمْ عِنْدِي فَأَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي قَالَ شُعْبَةُ فَقُلْتُ لِمَ فَقَالَ لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبو جمرة‏)‏ بالجيم والراء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تمتعت فنهاني ناس‏)‏ لم أقف على أسمائهم، وكان ذلك في زمن ابن الزبير وكان ينهى عن المتعة كما رواه مسلم من حديث أبي الزبير عنه وعن جابر، ونفل ابن أبي حاتم عن ابن الزبير أنه كان لا يرى التمتع إلا للمحصر، ووافقه علقمة وإبراهيم‏.‏
وقال الجمهور لا اختصاص لذلك للحصر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمرني‏)‏ أي أن أستمر على عمرتي، ولأحمد ومسلم من طريق غندر عن شعبة ‏"‏ فأتيت ابن عباس فسألته عن ذلك فأمرني بها، ثم انطلقت إلى البيت فنمت فأتاني آت في منامي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعمرة متقبلة‏)‏ في رواية النضر عن شعبة كما سيأتي في أبواب الهدي ‏"‏ متعة متقبلة ‏"‏ وهو خبر مبتدأ محذوف أي هذه عمرة متقبلة، وقد تقدم تفسير المبرور في أوائل الحج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال سنة أبي القاسم‏)‏ هو خبر مبتدأ محذوف أي هذه سنة، ويجوز فيه النصب أي وافقت سنة أبي القاسم أو على الاختصاص‏.‏
وفي رواية النضر ‏"‏ فقال‏:‏ الله أكبر، سنة أبي القاسم ‏"‏ وزاد فيه زيادة يأتي الكلام عليها هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال لي‏)‏ أي ابن عباس ‏(‏أقم عندي وأجعل لك سهما من مالي‏)‏ أي نصيبا‏.‏
‏(‏قال شعبة فقلت‏)‏ يعني لأبي جمرة ‏(‏ولم‏)‏ ‏؟‏ أي استفهمه عن سبب ذلك ‏(‏فقال للرؤيا‏)‏ أي لأجل الرؤيا المذكورة‏.‏
ويؤخذ منه إكرام من أخبر المرء بما يسره، وفرح العالم بموافقته الحق، والاستئناس بالرؤيا لموافقة الدليل الشرعي، وعرض الرؤيا على العالم، والتكبير عند المسرة، والعمل بالأدلة الظاهرة، والتنبيه على اختلاف أهل العلم ليعمل بالراجح منه الموافق للدليل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ قَالَ قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ لِي أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ تَصِيرُ الْآنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ فَقَالَ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ لَهُمْ أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً فَقَالُوا كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ فَقَالَ افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ فَلَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَفَعَلُوا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ أَبُو شِهَابٍ لَيْسَ لَهُ مُسْنَدٌ إِلَّا هَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو شهاب‏)‏ هو الأكبر واسمه موسى بن نافع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حجك مكيا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ حجتك مكية ‏"‏ يعني قليلة الثواب لقلة مشقتها‏.‏
وقال ابن بطال معناه أنك تنشئ حجك من مكة كما ينشئ أهل مكة منها فيفوتك فضل الإحرام من الميقات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فدخلت على عطاء‏)‏ أي ابن أبي رباح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوم ساق البدن معه‏)‏ بضم الموحدة وإسكان الدال جمع بدنة وذلك في حجة الوداع، وقد رواه مسلم عن ابن نمير عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ عام ساق الهدي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال لهم أحلوا من إحرامكم إلخ‏)‏ أي اجعلوا حجكم عمرة وتحللوا منها بالطواف والسعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقصروا‏)‏ إنما أمرهم بذلك لأنهم يهلون بعد قليل بالحج فأخر الحلق لأن بين دخولهم وبين يوم التروية أربعة أيام فقط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏واجعلوا التي قدمتم بها متعة‏)‏ أي اجعلوا الحجة المفردة التي أهللتم بها عمرة تتحللوا منها فتصيروا متمتعين، فأطلق على العمرة متعة مجازا والعلاقة بينهما ظاهرة‏.‏
ووقع في رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عند مسلم ‏"‏ فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة ‏"‏ ونحوه في رواية الباقر عن جابر في الخبر الطويل عند مسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال افعلوا ما أمرتكم، فلولا أني سقت الهدي إلخ‏)‏ فيه ما كان عليه عليه السلام من تطييب قلوب أصحابه وتلطفه بهم وحلمه عنهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل مني حرام‏)‏ بكسر حاء يحل أي شيء حرام، والمعنى لا يحل مني ما حرم علي، ووقع في رواية مسلم ‏"‏ لا يحل مني حراما ‏"‏ بالنصب على المفعولية وعلى هذا فيقرأ يحل بضم أوله والفاعل محذوف تقديره لا يحل طول المكث ونحو ذلك مني شيئا حراما حتى يبلغ الهدي محله، أي إذا نحر يوم منى‏.‏
واستدل به على أن من اعتمر فساق هديا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر، وقد تقدم حديث حفصة نحوه، ويأتي حديث عائشة من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عنها بلفظ ‏"‏ من أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل حتى ينحر ‏"‏ وتأول ذلك المالكية والشافعية على أن معناه ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهل بالحج ولا يحل حتى ينحر هديه، ولا يخفى ما فيه‏.‏
قلت‏:‏ فإنه خلاف ظاهر الأحاديث المذكورة وبالله التوفيق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قاله أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبو شهاب ليس له حديث مسند إلا هذا‏)‏ أي لم يرو حديثا مرفوعا إلا هذا الحديث، قال مغلطاي‏:‏ كأنه يقول من كان هكذا لا يجعل حديثه أصلا من أصل العلم‏.‏
قلت‏:‏ إذا كان موصوفا بصفة من يصحح حديثه لم يضره ذلك مع أنه قد توبع عليه‏.‏
ثم كلام مغلطاي محمول على ظاهر الإطلاق، وقد أجاب غيره بأنه مقيد بالرواية عن عطاء فإن حديثه هذا طرف من حديث جابر الطويل الذي انفرد مسلم بسياقه من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر، وفي هذا الطرف زيادة بيان لصفة التحلل من العمرة ليس في الحديث الطويل حيث قال فيه ‏"‏ أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم أقيموا حلالا إلى يوم التروية وأهلوا بالحج ‏"‏ ويستفاد منه جواز جواب المفتي لمن سأله عن حكم خاص بأن يذكر له قصة مسندة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتمل على جواب سؤاله ويكون ما اشتملت عليه من الفوائد الزائدة على ذلك زيادة خير، وينبغي أن يكون محل ذلك لائقا بحال السائل‏.‏
ثم ذكر المصنف حديث اختلاف عثمان وعلي في التمتع وقد تقدم من وجه آخر وهو ثاني أحاديث هذا الباب، فاشتملت أحاديث الباب على ما ترجم به، فحديث عائشة من طريق يؤخذ منه الفسخ والإفراد، وحديث علي من طريقه يؤخذ منه التمتع والقران، وحديث ابن عباس يؤخذ منه الفسخ، وكذا حديث أبي موسى وجابر، وحديث حفصة يؤخذ منه أن من تمتع بالعمرة إلى الحج لا يحل من عمرته إن كان ساق الهدي، وكذا حديث جابر، وحديث ابن عباس الثاني يؤخذ منه مشروعية التمتع وكذا حديث جابر أيضا‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:41 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n150&p1#TOP)باب مَنْ لَبَّى بِالْحَجِّ وَسَمَّاهُ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لبى بالحج وسماه‏)‏ أورد فيه حديث جابر مختصرا من طريق مجاهد عنه وهو بين فيما ترجم له، ويؤخذ منه فسخ الحج إلى العمرة‏.‏
وقد ذهب الجمهور إلى أنه منسوخ، وذهب ابن عباس إلى أنه محكم وبه قال أحمد وطائفة يسيرة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n150&p1#TOP)باب التَّمَتُّعِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا في رواية أبي ذر، وسقط لغيره ‏"‏ على عهد إلخ ‏"‏ ولبعضهم ‏"‏ باب ‏"‏ بغير ترجمة، وكذا ذكره الإسماعيلي، والأول أولى‏.‏
وفي الترجمة إشارة إلى الخلاف في ذلك وإن كان الأمر استقر بعد على الجواز‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ عِمْرَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني مطرف‏)‏ هو ابن عبد الله بن الشخير، ورجال الإسناد كلهم بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمران‏)‏ هو ابن حصين الخزاعي، ولمسلم من طريق شعبة عن قتادة عن مطرف ‏"‏ بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال‏:‏ إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونزل القرآن‏)‏ أي بجوازه يشير إلى قوله تعالى ‏(‏فمن تمتع بالعمرة إلى الحج‏)‏ الآية‏.‏
ورواه مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن همام بلفظ ‏"‏ ولم ينزل فيه القرآن ‏"‏ أي بمنعه، وتوضحه رواية مسلم الأخرى من طريق شعبة وسعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة بلفظ ‏"‏ ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله ‏"‏ وزاد من طريق شعبة عن حميد بن هلال عن مطرف ‏"‏ ولم ينزل فيه القرآن بحرمة ‏"‏ وله من طريق أبي العلاء عن مطرف ‏"‏ فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم تنه عنه حتى مضى لوجهه ‏"‏ وللإسماعيلي من طريق عفان عن همام ‏"‏ تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن ولم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينسخها شيء ‏"‏ وقد أخرجه المصنف في تفسير البقرة من طريق أبي رجاء العطاردي عن عمران بلفظ ‏"‏ أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن بحرمة فلم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال رجل برأيه ما شاء‏)‏ وفي رواية أبي العلاء ‏"‏ ارتأى كل امرئ بعدما شاء أن يرتئي ‏"‏ قائل ذلك هو عمران بن حصين، ووهم من زعم أنه مطرف الراوي عنه لثبوت ذلك في رواية أبي رجاء عن عمران كما ذكرته قبل، وحكى الحميدي أنه وقع البخاري في رواية أبي رجاء عن عمران قال البخاري يقال إنه عمر، أي الرجل الذي عناه عمران بن حصين، ولم أر هذا في شيء من الطرق التي اتصلت لنا من البخاري، لكن نقله الإسماعيلي عن البخاري كذلك فهو عمدة الحميدي في ذلك، وبهذا جزم القرطبي والنووي وغيرهما، وكأن البخاري أشار بذلك إلى رواية الجريري عن مطرف فقال في آخره ‏"‏ ارتأى رجل برأيه ما شاء ‏"‏ يعني عمر، كذا في الأصل أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم عن وكيع عن الثوري عنه‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يريد عمر أو عثمان، وأغرب الكرماني فقال‏:‏ ظاهر سياق كتاب البخاري أن المراد به عثمان، وكأنه لقرب عهده بقصة عثمان مع علي جزم بذلك، وذلك غير لازم فقد سبقت قصة عمر مع أبي موسى في ذلك، ووقعت لمعاوية أيضا مع سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم قصة في ذلك، والأولى أن يفسر بعمر فإنه أول من نهى عنها وكأن من بعده كان تابعا له في ذلك، وفي مسلم أيضا أن ابن الزبير كان ينهى عنها وابن عباس يأمر بها، فسألوا جابرا فأشار إلى أن أول من نهى عنها عمر، ثم في حديث عمران هذا ما يعكر على عياض وغيره في جزمهم أن المتعة التي نهى عنها عمر وعثمان هي فسخ الحج إلى العمرة لا العمرة التي يحج بعدها، فإن في بعض طرقه عند مسلم التصريح بكونها متعة الحج‏.‏
وفي رواية له أيضا ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمر بعض أهله في العشر ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ جمع بين حج وعمرة ‏"‏ ومراده التمتع المذكور وهو الجمع بينهما في عام واحد كما سيأتي صريحا في الباب بعده في حديث ابن عباس، وقد تقدم البحث فيه في حديث أبي موسى‏.‏
وفيه من الفوائد أيضا جواز نسخ القرآن بالقرآن ولا خلاف فيه، وجواز نسخه بالسنة وفيه اختلاف شهير، ووجه الدلالة منه قوله ‏"‏ ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فإن مفهومه أنه لو نهى عنها لامتنعت ويستلزم رفع الحكم ومقتضاه جواز النسخ، وقد يؤخذ منه أن الإجماع لا ينسخ به لكونه حصر وجوه المنع في نزول آية أو نهي من النبي صلى الله عليه وسلم وفيه وقوع الاجتهاد في الأحكام بين الصحابة، وإنكار بعض المجتهدين على بعض بالنص‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n150&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْبَرَّاءُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ وَقَالَ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ فَإِذَا فَرَغْنَا مِنْ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى أَمْصَارِكُمْ الشَّاةُ تَجْزِي فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَسَنَّهُ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ اللَّهُ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابهِ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي وَالْجِدَالُ الْمِرَاءُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام‏)‏ أي تفسير قوله، وذلك في الآية إشارة إلى التمتع لأنه سبق فيها ‏(‏فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي‏)‏ إلى أن قال ‏(‏ذلك‏)‏ ‏.‏
واختلف السلف في المراد بحاضري المسجد فقال نافع والأعرج‏:‏ هم أهل مكة بعينها وهو قول مالك واختاره الطحاوي ورجحه‏.‏
وقال طاوس وطائفة‏:‏ هم أهل الحرم وهو الظاهر‏.‏
وقال مكحول‏:‏ من كان منزله دون المواقيت وهو قول الشافعي في القديم‏.‏
وقال في الجديد‏:‏ من كان من مكة على دون مسافة القصر، ووافقه أحمد‏.‏
وقال مالك‏:‏ أهل مكة ومن حولها سوى أهل المناهل كعسفان وسوى أهل منى وعرفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو كامل‏)‏ وصله الإسماعيلي قال ‏"‏ حدثنا القاسم المطرز حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو كامل ‏"‏ فذكره بطوله لكنه قال ‏"‏ عثمان بن سعد ‏"‏ بدل عثمان بن غياث وكلاهما بصري وله رواية عن عكرمة، لكن عثمان بن غياث ثقة وعثمان بن سعد ضعيف، وقد أشار الإسماعيلي إلى أن شيخه القاسم وهم في قوله عثمان بن سعد، ويؤيده أن أبا مسعود الدمشقي ذكر في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ أنه وجده من رواية مسلم بن الحجاج عن أبي كامل كما ساقه البخاري قال‏:‏ فأظن البخاري أخذه عن مسلم لأنني لم أجده إلا من رواية مسلم، كذا قال وتعقب باحتمال أن يكون البخاري أخذه عن أحمد بن سنان فإنه أحد مشايخه، ويحتمل أيضا أن يكون أخذه عن أبي كامل نفسه فإنه أدركه وهو من الطبقة الوسطى من شيوخه ولم نجد له ذكرا في كتابه غير هذا الموضع‏.‏
وأبو معشر البراء اسمه يوسف بن يزيد والبراء بالتشديد نسبة له إلى بري السهام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما قدمنا مكة‏)‏ أي قربها لأن ذلك كان بسرف كما تقدم عن عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة‏)‏ الخطاب بذلك لمن كان أهل بالحج مفردا كما تقدم واضحا عن عائشة أنهم كانوا ثلاث فرق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏طفنا‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ فطفنا ‏"‏ بزيادة فاء وهو الوجه، ووجه الأول بالحمل على الاستئناف أو هو جواب لما وقال جملة حالية وقد مقدرة فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونسكنا المناسك‏)‏ أي من الوقوف والمبيت وغير ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأتينا النساء‏)‏ المراد به غير المتكلم لأن ابن عباس لم يكن إذ ذاك بالغا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عشية التروية‏)‏ أي بعد الظهر ثامن ذي الحجة، وفيه حجة على من استحب تقديمه على يوم التروية كما نقل عن الحنفية، وعن الشافعية يختص استحباب يوم التروية بعد الزوال بمن ساق الهدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقد تم حجنا‏)‏ للكشميهني ‏"‏ وقد ‏"‏ بالواو‏.‏
ومن هنا إلى آخر الحديث موقوف على ابن عباس، ومن هنا إلى أوله مرفوع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصيام ثلاثة أيام في الحج‏)‏ سيأتي عن ابن عمر وعائشة موقوفا أن آخرها يوم عرفة فإن لم يفعل صام أيام مني أي الثلاثة التي بعد يوم النحر وهي أيام التشريق، وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي في القديم، ثم رجع عنه وأخذ بعموم النهي عن صيام أيام التشريق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم‏)‏ كذا أورده ابن عباس، وهو تفسير منه للرجوع في قوله تعالى ‏(‏إذا رجعتم‏)‏ ويوافقه حديث ابن عمر الأتي في ‏"‏ باب من ساق البدن معه ‏"‏ من طريق عقيل عن الزهري عن سالم عن ابن عمر مرفوعا ‏"‏ قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل ‏"‏ إلى أن قال ‏"‏ فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ‏"‏ وهذا قول الجمهور، وعن الشافعي معناه الرجوع إلى مكة، وعبر عنه مرة بالفراغ من أعمال الحج، ومعنى الرجوع التوجه من مكة فيصومها في الطريق إن شاء وبه قال إسحاق بن راهويه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الشاة تجزي‏)‏ أي عن الهدي، وهي جملة حالية وقعت بدون واو وسيأتي في أبواب الهدي بيان ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين الحج والعمرة‏)‏ بيان للمراد بقوله ‏"‏ فجمعوا النسكين ‏"‏ وهو بإسكان السين قال الجوهري النسك بالإسكان العبادة وبالضم الذبيحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن الله أنزله‏)‏ أي الجمع بين الحج والعمرة وأخذ بقوله‏:‏ ‏(‏فمن تمتع بالعمرة إلى الحج‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسنه نبيه‏)‏ أي شرعه حيث أمر أصحابه به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏غير أهل مكة‏)‏ بنصب غير ويجوز كسره، وذلك إشارة إلى التمتع، وهذا مبني على مذهبه بأن أهل مكة لا متعة لهم وهو قول الحنفية، وعند غيرهم أن الإشارة إلى حكم التمتع وهو الفدية فلا يجب على أهل مكة بالتمتع دم إذا أحرموا من الحل بالعمرة، وأجاب الكرماني بجواب ليس طائلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏التي ذكر الله‏)‏ أي بعد آية التمتع حيث قال ‏(‏الحج أشهر معلومات‏)‏ وقد تقدم نقل الخلاف في ذي الحجة هل هو بكماله أو بعضه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فمن تمتع في هذه الأشهر‏)‏ ليس لهذا القيد مفهوم لأن الذي يعتمر في غير أشهر الحج لا يسمى متمتعا ولا دم عليه وكذلك المكي عند الجمهور، وخالفه فيه أبو حنيفة كما تقدم والله أعلم‏.‏
ويدخل في عموم قوله ‏"‏ فمن تمتع ‏"‏ من أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ثم حج منها وبه قال الحسن البصري، وهو مبني على أن التمتع إيقاع العمرة في أشهر الحج فقط، والذي ذهب إليه الجمهور أن التمتع أن يجمع الشخص الواحد بينهما في سفر واحد في أشهر الحج في عام واحد وأن يقدم العمرة وأن لا يكون مكيا، فمتى اختل شرط من هذه الشروط لم يكن متمتعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والجدال المراء‏)‏ روى ابن أبي نسيبة من طريق مقسم عن ابن عباس قال ‏"‏ ولا جدال في الحج‏:‏ تماري صاحبك حتى تغضبه ‏"‏ وكذا أخرجه عن ابن عمر مثله، ومن طريق عكرمة وإبراهيم النخعي وعطاء بن يسار وغيرهم نحو قول ابن عباس‏.‏
وأخرج من طريق عبد العزيز بن رفيع عن مجاهد قال‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ ولا جدال في الحج ‏"‏ قال‏:‏ قد استقام أمر الحج‏.‏
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ قد صار الحج في ذي الحجة لا شهر ينسأ ولا شك في الحج، لأن أهل الجاهلية كانوا يحجون في غير ذي الحجة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n150&p1#TOP)باب الِاغْتِسَالِ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاغتسال عند دخول مكة‏)‏ قال ابن المنذر‏:‏ الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء وليس في تركه عندهم فدية‏.‏
وقال أكثرهم يجزئ منه الوضوء‏.‏
وفي ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام، وظاهره أن غسله لدخول مكة كان لجسده دون رأسه‏.‏
وقال الشافعية إن عجز عن الغسل تيمم‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة وإنما ذكروه للطواف، والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طِوًى ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يبيت بذي طوى‏)‏ بضم الطاء وبفتحها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويغتسل‏)‏ أي به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان يفعل ذلك‏)‏ يحتمل أن الإشارة به إلى الفعـل الأخير وهو الغسل وهو مقصود الترجمة، ويحتمل أنها إلى الجميع وهو الأظهر، فسيأتي في الباب الذي يليه ذكر المبيت فقط مرفوعا من رواية أخرى عن ابن عمر، تقدم الحديث بأتم من هذا في ‏"‏ باب الإهلال مستقبل القبلة‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n150&p1#TOP)باب دُخُولِ مَكَّةَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا
بَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طِوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْعَلُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب دخول مكة نهارا أو ليلا‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر في المبيت بذي طوى حتى يصبح، وهو ظاهر في الدخول نهارا، وقد أخرجه مسلم من طريق أيوب عن نافع بلفظ ‏"‏ كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا ‏"‏ وأما الدخول ليلا فلم يقع منه صلى الله عليه وسلم إلا في عمرة الجعرانة فإنه صلى الله عليه وسلم أحرم من الجعرانة ودخل مكة ليلا فقضى أمر العمرة ثم رجع ليلا فأصبح بالجعرانة كبائت كما رواه أصحاب السنن الثلاثة من حديث محرش الكعبي، وترجم عليه النسائي ‏"‏ دخول مكة ليلا ‏"‏ وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي قال‏:‏ كانوا يستحبون أن يدخلوا مكة نهارا ويخرجوا منها ليلا‏.‏
وأخرج عن عطاء‏:‏ إن شئتم فادخلوا ليلا، إنكم لستم كرسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه كان إماما فأحب أن يدخلها نهارا ليراه الناس انتهى، وقضية هذا أن من كان إماما يقتدى به استحب له أن يدخلها نهارا‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n150&p1#TOP)باب مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ مَكَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أين يدخل مكة‏)‏ أورد فيه حديث مالك عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى ‏"‏ أخرجه عن إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى عنه، وليس هو في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ ولا رأيته في ‏"‏ غرائب مالك للدارقطني ‏"‏ ولم أقف عليه إلا من رواية معن بن عيسى، وقد تابع إبراهيم بن المنذر عليه عبد الله بن جعفر البرمكي، وقد عز على الإسماعيلي استخراجه فأخرجه عن ابن ناجية عن البخاري مثله وزاد في آخره ‏"‏ يعني ثنيتي مكة ‏"‏ وهذه الزيادة قد أخرجها أيضا أبو داود حيث أخرج الحديث عن عبد الله بن جعفر البرمكي عن معن بن عيسى مثله، وقد ذكره المصنف في الباب الذي بعده من طريق أخرى عن نافع وسياقه أبين من سياق مالك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n150&p1#TOP)بَاب مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ كَانَ يُقَالُ هُوَ مُسَدَّدٌ كَاسْمِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ لَوْ أَنَّ مُسَدَّدًا أَتَيْتُهُ فِي بَيْتِهِ فَحَدَّثْتُهُ لَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ وَمَا أُبَالِي كُتُبِي كَانَتْ عِنْدِي أَوْ عِنْدَ مُسَدَّدٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏من كداء‏)‏ بفتح الكاف والمد قال أبو عبيد‏.‏
لا يصرف‏.‏
وهذه الثنية هي التي ينزل منها إلى المعلى مقبرة أهل مكة، وهي التي يقال لها الحجون بفتح المهملة وضم الجيم، وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي، ثم سهل في عصرنا هذا منها سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع، ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة، وكل عقبة في جبل أو طريق عال فيه تسمى ثنية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الثنية السفلى‏)‏ ذكر في ثاني حديثي الباب ‏"‏ وخرج من كدا ‏"‏ وهو بضم الكاف مقصور وهي عند باب شبيكة بقرب شعب الشاميين من ناحية قعيقعان، وكان بناء هذا الباب عليها في القرن السابع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ وَخَرَجَ مِنْ كُدًا مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أعلى مكة‏)‏ كذا رواه أبو أسامة فقلبه، والصواب ما رواه عمرو وحاتم عن هشام‏:‏ ‏"‏ دخل من كداء من أعلى مكة ‏"‏ ثم ظهر لي أن الوهم فيه ممن دون أبي أسامة، فقد رواه أحمد عن أبي أسامة على الصواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ أَعْلَى مَكَّةَ قَالَ هِشَامٌ وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ عَلَى كِلْتَيْهِمَا مِنْ كَدَاءٍ وَكُدًا وَأَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ وَكَانَتْ أَقْرَبَهُمَا إِلَى مَنْزِلِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال هشام‏)‏ هو ابن عروة بالإسناد المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان عروة يدخل من كلتيهما‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ على ‏"‏ بدل من‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأكثر ما يدخل من كدا‏)‏ بالضم والقصر للجميع وكذا في رواية حاتم ووهيب وهي الطريقة الرابعة لحديث عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكانت أقربهما إلى منزله‏)‏ فيه اعتذار هشام لأبيه لكونه روى الحديث وخالفه لأنه رأى أن ذلك ليس بحتم لازم وكان ربما فعله وكثيرا ما يفعل غيره بقصد التيسير، قال عياض والقرطبي وغيرهما‏:‏ اختلف في ضبط كداء وكدا فالأكثر على أن العليا بالفتح والمد والسفلى بالضم والقصر وقيل بالعكس‏.‏
قال النووي‏:‏ وهو غلط‏.‏
قالوا‏:‏ واختلف في المعني الذي لأجله خالف صلى الله عليه وسلم بين طريقيه فقيل‏:‏ ليتبرك به كل من في طريقه، فذكر شيئا مما تقدم في العيد وقد استوعبت ما قيل فيه هناك، وبعضه لا يتأتى اعتباره هنا والله أعلم‏.‏
وقيل‏:‏ الحكمة في ذلك المناسبة بجهة العلو عند الدخول لما فيه من تعظيم المكان وعكسه الإشارة إلى فراقه، وقيل‏:‏ لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل منها، وقيل‏:‏ لأنه صلى الله عليه وسلم خرج منها متخفيا في الهجرة فأراد أن يدخلها ظاهرا عاليا، وقيل‏:‏ لأن من جاء من تلك الجهة كان مستقبلا للبيت، ويحتمل أن يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك، والسبب في ذلك قول أبي سفيان بن حرب للعباس‏:‏ لا أسلم حتى أرى الخيل تطلع من كداء، فقلت ما هذا‏؟‏ قال شيء طلع بقلبي وإن الله لا يطلع الخيل هناك أبدا، قال العباس‏:‏ فذكرت أبا سفيان بذلك لما دخل وللبيهقي من حديث ابن عمر قال ‏"‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر‏:‏ كيف قال حسان‏؟‏ فأنشده‏:‏ عدمت بنيتي إن لم تروها تثير النقع مطلعها كداء فتبسم وقال‏:‏ ادخلوها من حيث قال حسان‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ حكى الحميدي عن أبي العباس العذري أن بمكة موضعا ثالثا يقال لها كدي وهو بالضم والتصغير يخرج منه إلى جهة اليمن، قال المحب الطبري‏:‏ حققه العذري عن أهل المعرفة بمكة، قال‏:‏ وقد بني عليها باب مكة الذي يدخل منه أهل اليمن‏.‏
‏(‏تنبيهات‏)‏ ‏:‏ أولها محمود في الطريق الثانية من حديث عائشة هو ابن غيلان، وعمرو في الطريق الثالثة هو ابن الحارث، وأحمد في أول الإسناد لم أره منسوبا في شيء من الروايات، وقد تقدم في أوائل الحج أحمد عن ابن وهب وأنه أحمد بن عيسى فيشبه أن يكون هو المذكور هنا، وحاتم في الطريق الثالثة هو ابن إسماعيل‏.‏
‏(‏التنبيه الثاني‏)‏ ‏:‏ اختلف على هشام بن عروة في وصل هذا الحديث وإرساله، وأورد البخاري الوجهين مشيرا إلى أن رواية الإرسال لا تقدح في رواية الوصل لأن الذي وصله حافظ وهو ابن عيينة وقد تابعه ثقتان، ولعله إنما أورد الطريقين المرسلين ليستظهر بهما على وهم أبي أسامة الذي أشرت إليه أولا‏.‏
‏(‏الثالث‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية المستملي وحده في آخر الباب ‏"‏ قال أبو عبد الله‏:‏ كداء وكدا موضعان ‏"‏ والمراد بأبي عبد الله المصنف، وهذا تفسير غير مفيد فمعلوم أنهما موضعان بمجرد السياق، وقد يسر الله بنقل ما فيها من ضبط وتعيين جهة كل منهما‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:44 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n151&p1#TOP)باب فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل مكة وبنيانها وقوله تعالى ‏(‏وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا‏)‏ فساق الآيات إلى قوله التواب الرحيم‏)‏ كذا في رواية كريمة، وساق الباقون بعض الآية الأولى، ولأبي ذر كلها ثم قال‏:‏ إلى قوله التواب الرحيم‏.‏
ثم ساق المصنف في الباب حديث جابر في بناء الكعبة، وحديث عائشة في ذلك من أربعة طرق، وليس في الآيات ولا الحديث ذكر لبنيان مكة لكن بنيان الكعبة كان سبب بنيان مكة وعمارتها فاكتفى به‏.‏
واختلف في أول من بنى الكعبة كما سيأتي في أحاديث الأنبياء في الكلام على حديث أبي ذر أي مسجد وضع في الأرض أول، وكذا قصة بناء إبراهيم وإسماعيل لها يأتي في أحاديث الأنبياء، ويقتصر هنا على قصة بناء قريش لها وعلى قصة بناء ابن الزبير وما غيره الحجاج بعده لتعلق ذلك بحديثي الباب‏.‏
والبيت اسم غالب للكعبة كالنجم للثريا، وقوله تعالى ‏(‏مثابة‏)‏ أي مرجعا للحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يعودون إليه، روى عبد بن حميد بإسناد جيد عن مجاهد قال ‏"‏ يحجون ثم يعودون ‏"‏ وهو مصدر وصف به الموضع، وقوله‏:‏ ‏(‏وأمنا‏)‏ أي موضع أمن وهو كقوله‏:‏ ‏(‏أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا‏)‏ والمراد ترك القتال فيه كما سيأتي شرحه في الكلام على حديث الباب الذي بعده‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‏)‏ أي وقلنا اتخذوا منه موضع صلاة، ويجوز أن يكون معطوفا على اذكروا نعمتي أو على معنى مثابة أي ثوبوا إليه واتخذوا، والأمر فيه للاستحباب بالاتفاق‏.‏
وقرأ نافـع وابن عامر ‏(‏واتخذوا‏)‏ بلفظ الماضي عطفا على ‏(‏جعلنا‏)‏ أو على تقدير إذ أي إذ جعلنا وإذ اتخذوا، ومقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه على الأصح، وسيأتي شرحه في قصة إبراهيم من أحاديث الأنبياء، وعن عطاء مقام إبراهيم عرفة وغيرها من المناسك لأنه قام فيها ودعا‏.‏
وعن النخعي الحرم كله‏.‏
وكذا رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في أوائل كتاب الصلاة‏.‏
‏(‏والركع السجود‏)‏ استدل به على جواز صلاة الفرض والنفل داخل البيت، وخالف مالك في الفرض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اجعل هذا بلدا آمنا‏)‏ يأتي الكلام عليه في حديث ‏"‏ إن إبراهيم حرم مكة ‏"‏ وأنه لا يعارض حديث ‏"‏ أن الله حرم هذا البلد يوم خلق السموات والأرض ‏"‏ لأن معني الأول أن إبراهيم أعلم الناس بذلك، والثاني ما سبق من تقدير الله‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏من آمن‏)‏ بدل من أهله أي وارزق المؤمنين من أهله خاصة ‏(‏ومن كفر‏)‏ عطف على من آمن قيل قاس إبراهيم الرزق على الإمامة فعرف الفرق بينهما وإن الرزق قد يكون استدراجا وإلزاما للحجة، وسيأتي الكلام على القواعد في تفسير البقرة وأنها الأساس، وظاهره أنه كان مؤسسا قبل إبراهيم، ويحتمل أن يكون المراد بالرفع نقلها من مكانها إلى مكان البيت كما سيأتي عند نقل الاختلاف في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله ‏(‏ربنا تقبل منا‏)‏ أي يقولان ربنا تقبل منا، قد أظهره ابن مسعود في قراءته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأرنا مناسكنا‏)‏ قال عبد بن حميد‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون حدثنا سليمان التيمي عن أبي مجلز قال لما فرغ إبراهيم من البيت أتاه جبريل فأراه الطواف بالبيت سبعا قال وأحسبه وبين الصفا والمروة، ثم أتى به عرفة فقال‏:‏ أعرفت‏؟‏ قال نعم، قال‏:‏ فمن ثم سميت عرفات‏.‏
ثم أتى به جمعا فقال‏:‏ هاهنا يجمع الناس الصلاة‏.‏
ثم أتى به منى فعرض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حصيات فقال ارمه بها وكبر مع كل حصاة‏.‏
قوله‏.‏
‏(‏وتب علينا‏)‏ قيل طلبا الثبات على الإيمان لأنهما معصومان، وقيل أراد أن يعرف الناس أن ذلك الموقف مكان التوبة، وقيل المعني وتب على من اتبعنا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا بُنِيَتْ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارَةَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ أَرِنِي إِزَارِي فَشَدَّهُ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الله بن محمد‏)‏ هو الجعفي، وهذا أحد الأحاديث التي أخرجها البخاري عن شيخه أبي عاصم النبيل بواسطة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما بنيت الكعبة‏)‏ هذا من مرسل الصحابي لأن جابرا لم يدرك هذه القصة، فيحتمل أن يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن حضرها من الصحابة، وقد روى الطبراني وأبو نعيم في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير قال ‏"‏ سألت جابرا هل يقوم الرجل عريانا‏؟‏ فقال‏:‏ أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما انهدمت الكعبة نقل كل بطن من قريش وأن النبي صلى الله عليه وسلم نقل مع العباس، وكانوا يضعون ثيابهم على العواتق يتقوون بها - أي على حمل الحجارة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ فاعتقلت رجلي فخررت وسقط ثوبي فقلت للعباس‏:‏ هلم ثوبي، فلست أتعرى بعدها إلا إلى الغسل ‏"‏ لكن ابن لهيعة ضعيف، وقد تابعه عبد العزيز بن سليمان عن أبي الزبير ذكره أبو نعيم فإن كان محفوظا وإلا فقد حضره من الصحابة العباس كما في حديث الباب، فلعل جابرا حمله عنه‏.‏
وروى الطبراني أيضا، والبيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريق عمرو بن أبي قيس، والطبري في التهذيب من طريق هارون بن المغيرة، وأبو نعيم في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ من طريق قيس بن الربيع، وفي ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريق شعيب بن خالد كلهم عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس حدثني أبي العباس بن عبد المطلب قال ‏"‏ لما بنت قريش الكعبة انفردت رجلين رجلين ينقلون الحجارة، فكنت أنا وابن أخي، جعلنا نأخذ أزرنا فنضعها على مناكبنا ونجعل عليها الحجارة، فإذا دنونا من الناس لبسنا أزرنا، فبينما هو أمامي إذ صرع فسعيت وهو شاخص ببصره إلى السماء قال فقلت لابن أخي‏:‏ ما شأنك‏؟‏ قال‏:‏ نهيت أن أمشي عريانا قال فكتمته حتى أظهر الله نبوته ‏"‏ تابعه الحكم بن أبان عن عكرمة أخرجه أبو نعيم أيضا، وروى ذلك أيضا عن طريق النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس ليس فيه العباس وقال في آخره ‏"‏ فكان أول شيء رأى من النبوة ‏"‏ والنضر ضعيف، وقد خبط في إسناده وفي متنه، فإنه جعل القصة في معالجة زمزم بأمر أبي طالب وهو غلام، وكذا روى ابن إسحاق في ‏"‏ السيرة ‏"‏ عن أبيه عمن حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ إني لمع غلمان هم أسناني قد جعلنا أزرنا على أعناقنا لحجارة ننقلها إذ لكمني لاكم لكمة شديدة ثم قال‏:‏ اشدد عليك إزارك ‏"‏ فكأن هذه قصة أخرى، واغتر بذلك الأزرقي فحكى قولا ‏"‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم لما بنيت الكعبة كان غلاما ‏"‏ ولعل عمدته في ذلك ما سيأتي عن معمر عن الزهري، ولحديث معمر شاهد من حديث أبي الطفيل أخرجه عبد الرزاق ومن طريقه الحاكم والطبراني قال ‏"‏ كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم ليس فيها مدر، وكانت قدر ما يقتحمها العناق، وكانت ثيابها توضع عليها تسدل سدلا، وكانت ذات ركنين كهيئة هذه الحلقة‏:‏ صلى الله عليه وسلم2، فأقبلت سفينة من الروم، حتى إذا كانوا قريبا من جدة انكسرت، فخرجت قريش لتأخذ خشبها فوجدوا الرومي الذي فيها نجارا فقدموا به بالخشب ليبنوا به البيت، فكانوا كلما أرادوا القرب منه لهدمه بدت لهم حية فاتحة فاها، فبعث الله طيرا أعظم من النسر فغرز مخالبه فيها فألقاها نحو أجياد، فهدمت قريش الكعبة وبنوها بحجارة الوادي، فرفعوها في السماء عشرين ذراعا‏.‏
فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضعها على عاتقه فبدت عورته من صغرها، فنودي‏:‏ يا محمد خمر عورتك، فلم ير عريانا بعد ذلك، وكان بين ذلك وبين المبعث خمس سنين ‏"‏ قال معمر‏:‏ وأما الزهري فقال ‏"‏ لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحلم أجمرت امرأة الكعبة فطارت شرارة من مجمرها في ثياب الكعبة فاحترقت، فتشاورت قريش في هدمها وهابوه، فقال الوليد‏:‏ إن الله لا يهلك من يريد الإصلاح، فارتقى على ظاهر البيت ومعه العباس فقال اللهم لا نريد إلا الإصلاح، ثم هدم‏.‏
فلما رأوه سالما تابعوه ‏"‏ قال عبد الرزاق وأخبرنا ابن جريج قال‏:‏ قال مجاهد ‏"‏ كان ذلك قبل المبعث بخمس عشرة سنة ‏"‏ وكذا رواه ابن عبد البر من طريق محمد بن جبير بن مطعم بإسناد له، وبه جزم موسى بن عقبة في مغازيه والأول أشهر، وبه جزم ابن إسحاق‏.‏
ويمكن الجمع بينهما بأن يكون الحريق تقدم وقته على الشروع في البناء، وذكر ابن إسحاق ‏"‏ أن السيل كان يأتي فيصيب الكعبة فيتساقط من بنائها، وكان رضما فوق القامة، فأرادت قريش رفعها وتسقيفها، وذلك أن نفرا سرقوا كنز الكعبة ‏"‏ فذكر القصة مطولا في بنائهم الكعبة وفي اختلافهم فيمن يضع الحجر الأسود حتى رضوا بأول داخل، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحكموه في ذلك فوضعه بيده‏.‏
قال ‏"‏وكانت الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر ذراعا ‏"‏ ووقع عند الطبراني من طريق أخرى عن ابن خثيم عن أبي الطفيل أن اسم النجار المذكور باقوم، وللفاكهي من طريق ابن جريج مثله، قال ‏"‏ وكان يتجر إلى بندر وراء ساحل عدن، فانكسرت سفينته بالشعيبة، فقال لقريش‏:‏ إن أجريتم عيري مع عيركم إلى الشام أعطيتكم الخشب، ففعلوا ‏"‏ وروى سفيان بن عيينة في جامعه عن عمرو بن دينار أنه سمع عبيد بن عمير يقول ‏"‏ اسم الذي بنى الكعبة لقريش باقوم، وكان روميا ‏"‏ وقال الأزرقي ‏"‏ كان طولها سبعة وعشرين ذراعا، فاقتصرت قريش منها على ثمانية عشر، ونقصوا من عرضها أذرعا أدخلوها في الحجر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فخر إلى الأرض‏)‏ في رواية زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار الماضية في ‏"‏ باب كراهية التعري ‏"‏ من أوائل الصلاة ‏"‏ فجعله على منكبه فسقط مغشيا عليه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فطمحت عيناه‏)‏ بفتح المهملة والميم أي ارتفعتا، والمعنى أنه صار ينظر إلى فوق‏.‏
وفي رواية عبد الرزاق عن ابن جريج في أوائل السيرة النبوية ‏"‏ ثم أفاق فقال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرني إزاري‏)‏ أي أعطني، وحكى ابن التين كسر الراء وسكونها وقد قرئ بهما‏.‏
وفي رواية عبد الرزاق الآتية ‏"‏ إزاري إزاري ‏"‏ بالتكرير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فشده عليه‏)‏ زاد زكريا بن إسحاق ‏"‏ فما رئي بعد ذلك عريانا ‏"‏ وقد تقدم شاهدها من حديث أبي الطفيل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سالم بن عبد الله‏)‏ أي ابن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر‏)‏ أي الصديق، ووقع في رواية مسلم ‏"‏ أبي بكر بن أبي قحافة ‏"‏ وعبد الله هذا هو أخو القاسم بن محمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبر عبد الله بن عمر‏)‏ بنصب عبد الله على المفعولية، وظاهره أن سالما كان حاضرا لذلك فيكون من روايته عن عبد الله بن محمد، وقد صرح بذلك أبو أويس عن ابن شهاب، لكنه سماه عبد الرحمن بن محمد فوهم أخرجه أحمد، وأغرب إبراهيم بن طهمان فرواه عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أخرجه الدارقطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ والمحفوظ الأول‏.‏
وقد رواه معمر عن ابن شهاب عن سالم لكنه اختصره، وأخرجه مسلم من طريق نافع عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر عن عائشة فتابع سالما فيه وزاد في المتن ‏"‏ ولأنفقت كنز الكعبة ‏"‏ ولم أر هذه الزيادة إلا من هذا الوجه، ومن طريق أخرى أخرجها أبو عوانة من طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن الزبير عن عائشة وسيأتي البحث فيها في ‏"‏ باب كسوة الكعبة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قومك‏)‏ أي قريش‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اقتصروا عن قواعد إبراهيم‏)‏ سيأتي بيان ذلك في الطريق التي تلي هذه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لولا حدثان‏)‏ بكسر المهملة وسكون الدال بعدها مثلثة بمعني الحدوث، أي قرب عهدهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لفعلت‏)‏ أي لرددتها على قواعد إبراهيم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال عبد الله‏)‏ أي ابن عمر بالإسناد المذكور، وقد رواه معمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه بهذه القصة مجردة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لئن كانت‏)‏ ليس هذا شكا من ابن عمر في صدق عائشة، لكن يقع في كلام العرب كثيرا صورة التشكيك والمراد التقرير واليقين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما أرى‏)‏ بضم الهمزة أي أظن، وهي رواية معمر، وزاد في آخر الحديث ‏"‏ ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك ‏"‏ ونحوه في رواية أبى أويس المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏استلام‏)‏ افتعال من السلام، والمراد هنا لمس الركن بالقبلة أو اليد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يليان‏)‏ أي يقربان من ‏(‏الحجر‏)‏ بكسر المهملة وسكون الجيم وهو معروف على صفة نصف الدائرة وقدرها تسع وثلاثون ذراعا، والقدر الذي أخرج من الكعبة سيأتي قريبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ قَالَ إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ قُلْتُ فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قَالَ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الأشعث‏)‏ هو ابن أبي الشعثاء المحاربي، وقد تقدم في العلم من وجه آخر عن الأسود بزيادة نبهنا على ما فيها هناك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الجدر‏)‏ بفتح الجيم وسكون المهملة كذا للأكثر وكذا هو في مسند مسدد شيخ البخاري فيه‏.‏
وفي رواية المستملي ‏"‏ الجدار ‏"‏ قال الخليل‏:‏ الجدر لغة في الجدار انتهى‏.‏
ووهم من ضبطه بضمها لأن المراد الحجر، ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن أبي الأحوص شيخ مسدد فيه ‏"‏ الجدر أو الحجر ‏"‏ بالشك، ولأبي عوانة من طريق شيبان عن الأشعث ‏"‏ الحجر ‏"‏ بغير شك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أمن البيت هو‏؟‏ قال نعم‏)‏ هذا ظاهره أن الحجر كله من البيت، وكذا قوله في الطريق الثانية ‏(‏أن أدخل الجدر في البيت‏)‏ وبذلك كان يفتي ابن عباس كما رواه عبد الرزاق عن أبيه عن مرثد بن شرحبيل قال ‏"‏ سمعت ابن عباس يقول‏:‏ لو وليت من البيت ما ولي ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت، فلم يطاف به إن لم يكن من البيت ‏"‏‏؟‏ وروى الترمذي والنسائي من طريق علقمة عن أمه عن عائشة قالت ‏"‏ كنت أحب أن أصلي في البيت، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر فقال‏:‏ صلي فيه فإنما هو قطعة من البيت، ولكن قومك استقصروه حتى بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت ‏"‏ ونحوه لأبي داود من طريق صفية بنت شيبة عن عائشة، ولأبي عوانة من طريق قتادة عن عروة عن عائشة، ولأحمد من طريق سعيد بن جبير عن عائشة وفيه ‏"‏ أنها أرسلت إلى شيبة الحجبي ليفتح لها البيت بالليل فقال‏:‏ ما فتحناه في جاهلية ولا إسلام بليل ‏"‏ وهذه الروايات كلها مطلقة، وقد جاءت روايات أصح منها مقيدة، منها لمسلم من طريق أبي قزعة عن الحارث بن عبد الله عن عائشة في حديث الباب ‏"‏ حتى أزيد فيه من الحجر‏"‏، وله من وجه آخر عن الحارث عنها ‏"‏ فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه، فأراها قريبا من سبعة أذرع ‏"‏ وله من طريق سعيد بن ميناء عن عبد الله بن الزبير عن عائشة في هذا الحديث ‏"‏ وزدت فيها من الحجر ستة أذرع ‏"‏ وسيـأتي في آخـر الـطريق الـرابعـة قـول يـزيـد بن رومـان الذي رواه عن عروة أنه أراه لجرير بن حازم فحزره ستة أذرع أو نحوها، ولسفيان بن عيينة في جامعه عن داود بن شابور عن مجاهد ‏"‏ أن ابن الزبير زاد فيها ستة أذرع مما يلي الحجر ‏"‏ وله عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن الزبير ‏"‏ ستة أذرع وشبر ‏"‏ وهكذا ذكر الشافعي عن عدد لقيهم من أهل العلم من قريش كما أخرجه البيهقي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ عنه، وهذه الروايات كلها تجتمع على أنها فوق الستة ودون السبعة، وأما رواية عطاء عند مسلم عن عائشة مرفوعا ‏"‏ لكنت أدخل فيها من الحجر خمسة أذرع ‏"‏ فهي شاذة، والرواية السابقة أرجح لما فيها من الزيادة عن الثقات الحفاظ، ثم ظهر لي لرواية عطاء وجه وهو أنه أريد بها ما عدا الفرجة التي بين الركن والحجر فتجتمع مع الروايات الأخرى، فإن الذي عدا الفرجة أربعة أذرع وشيء، ولهذا وقع عند الفاكهي من حديث أبي عمرو بن عدي بن الحمراء ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة في هذه القصة‏:‏ ولأدخلت فيها من الحجر أربعه أذرع ‏"‏ فيحمل هذا على إلغاء الكسر، ورواية عطاء على جبره، ويجمع بين الروايات كلها بذلك ولم أر من سبقني إلى ذلك، وسأذكر ثمرة هذا البحث في آخر الكلام على هذا الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ألم تري‏)‏ أي ألم تعرفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قصرت بهم النفقة‏)‏ بتشديد الصاد أي النفقة الطيبة التي أخرجوها لذلك كما جزم به الأزرقي وغيره، ويوضحه ما ذكر ابن إسحاق في ‏"‏ السيرة ‏"‏ عن عبد الله بن أبي نجيح أنه أخبر عن عبد الله بن صفوان بن أمية ‏"‏ أن أبا وهب بن عابد بن عمران بن مخزوم - وهو جد جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي - قال لقريش‏:‏ لا تدخلوا فيه من كسبكم إلا الطيب، ولا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس ‏"‏ وروى سفيان بن عيينة في جامعه ‏"‏ عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه أنه شهد عمر بن الخطاب أرسل إلى شيخ من بني زهرة أدرك ذلك فسأله عمر عن بناء الكعبة فقال أن قريشا تقربت لبناء الكعبة - أي بالنفقة الطيبة - فعجزت فتركوا بعض البيت في الحجر، فقال عمر صدقت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليدخلوا‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ يدخلوا ‏"‏ بغير لام زاد مسلم من طريق الحارث بن عبد الله عن عائشة ‏"‏ فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حديث عهدهم‏)‏ بتنوين حديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بجاهلية‏)‏ في رواية الكشميهني بالجاهلية، وقد تقدم في العلم من طريق الأسود ‏"‏ حديث عهد بكفر ‏"‏ ولأبي عوانة من طريق قتادة عن عروة عن عائشة ‏"‏ حديث عهد بشرك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأخاف أن تنكر قلوبهم‏)‏ في رواية شيبان عن أشعث ‏"‏ تنفر ‏"‏ بالفاء بدل الكاف، ونقل ابن بطال عن بعض علمائهم أن النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أدخل الجدر‏)‏ كذا وقع هنا، وهو مؤول بمعني المصدر أي أخاف إنكار قلوبهم إدخال الحجر، وجواب لولا محذوف، وقد رواه مسلم عن سعيد بن منصور عن أبي الأحوص بلفظ ‏"‏ فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل ‏"‏ فأثبت جواب لولا، وكذا أثبته الإسماعيلي من طريق شيبان عن أشعث ولفظه ‏"‏ لنظرت فأدخلته‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا حَدَاثَةُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ ثُمَّ لَبَنَيْتُهُ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّ قُرَيْشًا اسْتَقْصَرَتْ بِنَاءَهُ وَجَعَلْتُ لَهُ خَلْفًا قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ خَلْفًا يَعْنِي بَابًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عائشة‏)‏ كذا رواه مسلم من طريق أبي معاوية والنسائي من طريق عبدة بن سليمان، وأبو عوانة من طريق علي بن مسهر، وأحمد عن عبد الله بن نمير كلهم عن هشام، وخالفهم القاسم بن معن فرواه عن هشام عن أبيه عن أخيه عبد الله بن الزبير عن عائشة أخرجه أبو عوانة، ورواية الجماعة أرجح، فإن رواية عروة عن عائشة لهذا الحديث مشهورة من غير هذا الوجه، فسيأتي في الطريق الرابعة من طريق يزيد بن رومان عنه وكذا لأبي عوانة من طريق قتادة وأبي النضر كلاهما عن عروة عن عائشة بغير واسطة، ويحتمل أن يكون عروة حمل عن أخيه عن عائشة منه شيئا زائدا على روايته عنها كما وقع للأسود بن يزيد مع ابن الزبير فيما تقدم شرحه في كتاب العلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجعلت له خلفا‏)‏ بفتح المعجمة وسكون اللام بعدها فاء، وقد فسره في الرواية المعلقة، وضبطه الحربي في ‏"‏ الغريب ‏"‏ بكسر الخاء المعجمة قال‏:‏ والخالفة عمود في مؤخر البيت، والصواب الأول، وبينه قوله في الرواية الرابعة ‏"‏ وجعلت لها بابين‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ قوله ‏"‏ وجعلت ‏"‏ بسكون اللام وضم التاء عطفا على قوله ‏"‏ لبنيته ‏"‏ وضبطها القابسي بفتح اللام وسكون المثناة عطفا على استقصرت وهو وهم، فإن قريشا لم تجعل له بابا من خلف، وإنما هم النبي صلى الله عليه وسلم بجعله، فلا يغتر بمن حفظ هذه الكلمة بفتح ثم سكون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو معاوية حدثنا هشام‏)‏ يعني ابن عروة بسنده هذا ‏(‏خلفا يعني بابا‏)‏ ، والتفسير المذكور من قول هشام بينه أبو عوانة من طريق علي بن مسهر عن هشام قال‏:‏ الخلف الباب‏.‏
وطريق أبي معاوية وصلها مسلم والنسائي، ولم يقع في روايتهما التفسير المذكور‏.‏
وأخرجه ابن خزيمة عن أبي كريب عن أبي أسامة وأدرج التفسير ولفظه ‏"‏ وجعلت لها خلفا ‏"‏ يعني بابا آخر من خلف يقابل الباب المقدم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا يَا عَائِشَةُ لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى هَدْمِهِ قَالَ يَزِيدُ وَشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنْ الْحِجْرِ وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الْإِبِلِ قَالَ جَرِيرٌ فَقُلْتُ لَهُ أَيْنَ مَوْضِعُهُ قَالَ أُرِيكَهُ الْآنَ فَدَخَلْتُ مَعَهُ الْحِجْرَ فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ فَقَالَ هَا هُنَا قَالَ جَرِيرٌ فَحَزَرْتُ مِنْ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يزيد‏)‏ هو ابن هارون كما جزم به أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عروة‏)‏ كذا رواه الحفاظ من أصحاب يزيد بن هارون عنه فأخرجه أحمد بن حنبل وأحمد بن سنان وأحمد بن منيع في مسانيدهم عنه هكذا، والنسائي عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام، والإسماعيلي من طريق هارون الجمال والزعفراني كلهم عن يزيد بن هارون، وخالفهم الحارث بن أبي أسامة فرواه عن يزيد بن هارون فقال ‏"‏ عن عبد الله بن الزبير ‏"‏ بدل عروة بن الزبير، وبكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي الأزهر عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه، قال الإسماعيلي‏:‏ إن كان أبو الأزهر ضبطه فكأن يزيد بن رومان سمعه من الأخوين‏.‏
قلت‏:‏ قد تابعه محمد بن مشكان كما أخرجه الجوزقي عن الدغولي عنه عن وهب بن جرير، ويزيد قد حمله عن الأخوين، لكن رواية الجماعة أوضح فهي أصح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حديث عهد‏)‏ كذا لجميع الرواة بالإضافة‏.‏
وقال المطرزي‏:‏ لا يجوز حذف الواو في مثل هذا والصواب ‏"‏ حديثو عهد ‏"‏ والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه‏)‏ زاد وهب بن جرير في روايته ‏"‏ وبنائه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال يزيد‏)‏ هو ابن رومان بالإسناد المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وشهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه - إلى قوله - كأسنمة الإبل‏)‏ هكذا ذكره يزيد بن رومان مختصرا، وقد ذكره مسلم وغيره واضحا فروى مسلم من طريق عطاء بن أبي رباح قال ‏"‏ لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاه أهل الشام فكان من أمره ما كان ‏"‏ وللفاكهي في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ من طريق أبي أويس عن يزيد بن رومان وغيره ‏"‏ قالوا لما أحرق أهل الشام الكعبة ورموها بالمنجنيق وهت الكعبة ‏"‏ ولابن سعد في الطبقات من طريق أبي الحارث بن زمعة قال ‏"‏ ارتحل الحصين بن نمير يعني الأمير الذي كان يقاتل ابن الزبير من قبل يزيد بن معاوية - لما أتاهم موت يزيد بن معاوية في ربيع الآخر سنة أربع وستين قال‏:‏ فأمر ابن الزبير بالخصاص التي كانت حول الكعبة فهدمت، فإذا الكعبة تنفض - أي تتحرك - متوهنة ترتج من أعلاها إلى أسفلها فيها أمثال جيوب النساء من حجارة المنجنيق ‏"‏ وللفاكهي من طريق عثمان بن ساج ‏"‏ بلغني أنه لما قدم جيش الحصين بن نمير أحرق بعض أهل الشام على باب بني جمح، وفي المسجد يومئذ خيام فمشى الحريق حتى أخذ في البيت فظن الفريقان أنهم هالكون، وضعف بناء البيت حتى أن الطير ليقع عليه فتتناثر حجارته ‏"‏ ولعبد الرزاق عن أبيه عن مرثد بن شرحبيل أنه حضر ذلك قال ‏"‏ كانت الكعبة قد وهت من حريق أهل الشام قال فهدمها ابن الزبير، فتركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد أن يحزبهم على أهل الشام، فلما صدر الناس قال‏:‏ أشيروا علي في الكعبة ‏"‏ الحديث، ولابن سعد من طريق ابن أبي مليكة قال ‏"‏ لم يبن ابن الزبير الكعبة حتى حج الناس سنة أربع وستين، ثم بناها حين استقبل سنة خمس وستين ‏"‏ وحكي عن الواقدي أنه رد ذلك وقال‏.‏
الأثبت عندي أنه ابتدأ بناءها بعد رحيل الجيش بسبعين يوما، وجزم الأزرقي بأن ذلك كان في نصف جمادى الآخرة سنة أربع وستين‏.‏
قلت ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون ابتداء البناء في ذلك الوقت وامتد أمده إلى الموسم ليراه أهل الآفاق ليشنع بذلك على بني أمية‏.‏
ويؤيده أن في تاريخ المسبحي أن الفراغ من بناء الكعبة كان في سنة خمس وستين، وزاد المحب الطبري أنه كان في شهر رجب والله أعلم‏.‏
وأن لم يكن هذا الجمع مقبولا فالذي في الصحيح مقدم على غيره‏.‏
وذكر مسلم في رواية عطاء إشارة ابن عباس عليه بأن لا يفعل، وقول ابن الزبير لو أن أحدكم احترق بيته بناه حتى يجدده، وأنه استخار الله ثلاثا ثم عزم على أن ينقضها، قال فتحاماه الناس حتى صعد رجل فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض، وجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه‏.‏
وقال ابن عيينة في جامعه عن داود بن شابور عن مجاهد قال ‏"‏ خرجنا إلى منى فأقمنا بها ثلاثا ننتظر العذاب، وارتقى ابن الزبير على جدار الكعبة هو بنفسه فهدم ‏"‏ وفي رواية أبي أويس المذكورة ‏"‏ ثم عزل ما كان يصلح أن يعاد في البيت فبنوا به فنظروا إلى ما كان لا يصلح منها أن يبني به فأمر به أن يحفر له في جوف الكعبة فيدفن، واتبعوا قواعد إبراهيم من نحو الحجر فلم يصيبوا شيئا حتى شق على ابن الزبير، ثم أدركوها بعدما أمعنوا، فنزل عبد الله بن الزبير فكشفوا له عن قواعد إبراهيم وهي صخر أمثال الخلف من الإبل، فأنفضوا له أي حركوا تلك القواعد بالعتل فنفضت قواعد البيت ورأوه بنيانا مربوطا بعضه ببعض، فحمد الله وكبره، ثم أحضر الناس فأمر بوجوههم وأشرافهم حتى شاهدوا ما شاهدوه ورأوا بنيانا متصلا فأشهدهم على ذلك ‏"‏ وفي رواية عطاء ‏"‏ وكان طول الكعبة ثمان عشرة ذراعا فزاد ابن الزبير في طولها عشرة أذرع ‏"‏ وقد تقدم من وجه آخر أنه كان طولها عشرين ذراعا، فلعل راويه جبر الكسر، وجزم الأزرقي بأن الزيادة تسعة أذرع فلعل عطاء جبر الكسر أيضا‏.‏
وروى عبد الرزاق من طريق ابن سابط عن زيد ‏"‏ أنهم كشفوا عن القواعد فإذا الحجر مثل الخلفة والحجارة مشبكة بعضها ببعض ‏"‏ وللفاكهي من وجه آخر عن عطاء قال‏:‏ ‏"‏ كنت في الأمناء الذين جمعوا على حفره، فحفروا قامة ونصفا، فهجموا على حجارة لها عروق تتصل بزرد عرق المروة، فضربوه فارتجت قواعد البيت فكبر الناس، فبنى عليه ‏"‏ وفي رواية مرثد عند عبد الرزاق ‏"‏ فكشف عن ربض في الحجر آخذ بعضه ببعض فتركه مكشوفا ثمانية أيام ليشهدوا عليه، فرأيت ذلك الربض مثل خلف الإبل‏:‏ وجه حجر ووجه حجران، ورأيت الرجل يأخذ العتلة فيضرب بها من ناحية الركن فيهتز الركن الآخر ‏"‏ قال مسلم في رواية عطاء ‏"‏ وجعل له بابين أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه ‏"‏ وفي رواية الأسود التي في العلم ‏"‏ ففعله عبد الله بن الزبير ‏"‏ وفي رواية إسماعيل بن جعفر عند الإسماعيلي ‏"‏ فنقضه عبد الله بن الزبير فجعل له بابين في الأرض ‏"‏ ونحوه للترمذي من طريق شعبة عن أبي إسحاق، وللفاكهي من طريق أبي أويس عن موسى بن ميسرة ‏"‏ أنه دخل الكعبة بعدما بناها ابن الزبير، فكان الناس لا يزدحمون فيها يدخلون من باب ويخرجون من آخر‏"‏‏.‏
‏(‏فصل‏)‏ لم يذكر المصنف رحمه الله قصة تغيير الحجاج لما صنعه ابن الزبير، وقد ذكرها مسلم في رواية عطاء قال ‏"‏ فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره أن ابن الزبير قد وضعه على أس نظر العدول من أهل مكة إليه، فكتب إليه عبد الملك‏:‏ إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاد في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه وسد بابه الذي فتحه‏.‏
فنقضه وأعاده إلى بنائه ‏"‏ وللفاكهي من طريق أبي أويس عن هشام بن عروة ‏"‏ فبادر - يعني الحجاج - فهدمها وبنى شقها الذي يلي الحجر، ورفع بابها، وسد الباب الغربي‏.‏
قال أبو أويس‏:‏ فأخبرني غير واحد من أهل العلم أن عبد الملك ندم على إذنه للحجاج في هدمها، ولعن الحجاج ‏"‏ ولابن عيينة عن داود بن سابور عن مجاهد ‏"‏ فرد الذي كان ابن الزبير أدخل فيها من الحجر، قال فقال عبد الملك‏:‏ وددنا أنا تركنا أبا خبيب وما تولى من ذلك ‏"‏ وقد أخرج قصة ندم عبد الملك على ذلك مسلم من وجه آخر، فعنده من طريق الوليد بن عطاء ‏"‏ أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وفد على عبد الملك في خلافته فقال‏:‏ ما أظن أبا خبيب - يعني ابن الزبير - سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمع منها، فقال الحارث‏:‏ بلى أنا سمعته منها ‏"‏ زاد عبد الرزاق عن ابن جريج فيه ‏"‏ وكان الحارث مصدقا لا يكذب‏.‏
فقال عبد الملك‏:‏ أنت سمعتها تقول ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فنكت ساعة بعصاه وقال‏:‏ وددت أني تركته وما تحمل ‏"‏ وأخرجها أيضا من طريق أبي قزعة قال ‏"‏ بينما عبد الملك يطوف بالبيت إذ قال‏:‏ قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين - فذكر الحديث - فقال له الحارث‏:‏ لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث بهذا، فقال‏:‏ لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على بناء ابن الزبير‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ جميع الروايات التي جمعتها هذه القصة متفقة على أن ابن الزبير جعل الباب بالأرض، ومقتضاه أن يكون الباب الذي زاده على سمته، وقد ذكر الأزرقي أن جملة ما غيره الحجاج الجدار الذي من جهة الحجر والباب المسدود الذي في الجانب الغربي عن يمين الركن اليماني وما تحته عتبة الباب الأصلي وهو أربعة أذرع وشبر، وهذا موافق لما في الروايات المذكورة، لكن المشاهد الآن في ظهر الكعبة باب مسدود يقابل الباب الأصلي وهو في الارتفاع مثله، ومقتضاه أن يكون الباب الذي كان على عهد ابن الزبير لم يكن لاصقا بالأرض، فيحتمل أن يكون لاصقا كما صرحت به الروايات لكن الحجاج لما غيره رفعه ورفع الباب الذي يقابله أيضا ثم بدا له فسد الباب المجدد، لكن لم أر النقل بذلك صريحا‏.‏
وذكر الفاكهي في ‏"‏ أخبار مكة ‏"‏ أنه شاهد هذا الباب المسدود من داخل الكعبة في سنة ثلاث وستين ومائتين فإذا هو مقابل باب الكعبة وهو بقدره في الطول والعرض، وإذا في أعلاه كلاليب ثلاثة كما في الباب الموجود سواء‏.‏
فالله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحزرت‏)‏ بتقديم الزاي على الراء أي قدرت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ستة أذرع أو نحوها‏)‏ قد ورد ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الطريق الثانية وأنها أرجح الروايات، وأن الجمع بين المختلف منها ممكن كما تقدم، وهو أولى من دعوى الاضطراب والطعن في الروايات المقيدة لأجل الاضطراب كما جنح إليه ابن الصلاح وتبعه النووي، لأن شرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه بحيث يتعذر الترجيح أو الجمع، ولم يتعذر ذلك هنا، فيتعين حمل المطلق على المقيد كما هي قاعدة مذهبهما، ويؤيده أن الأحاديث المطلقة والمقيدة متواردة على سبب واحد وهو أن قريشا قصروا على بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأن ابن الزبير أعاده على بناء إبراهيم، وأن الحجاج أعاده على بناء قريش، ولم تأت رواية قط صريحة أن جميع الحجر من بناء إبراهيم في البيت، قال المحب الطبري في ‏"‏ شرح التنبيه ‏"‏ له‏:‏ والأصح أن القدر الذي في الحجر من البيت قدر سبعة أذرع، والرواية التي جاء فيها أن الحجر من البيت مطلقة فيحمل المطلق على المقيد، فإن إطلاق اسم الكل على البعض سائغ مجازا، وإنما قال النووي ذلك نصرة لما رجحه من أن جميع الحجر من البيت، وعمدته في ذلك أن الشافعي نص على إيجاب الطواف خارج الحجر، ونقل ابن عبد البر الاتفاق عليه، ونقل غيره أنه لا يعرف في الأحاديث المرفوعة ولا عن أحد من الصحابة ومن بعدهم أنه طاف من داخل الحجر وكان عملا مستمرا، ومقتضاه أن يكون جميع الحجر من البيت، وهذا متعقب فإنه لا يلزم من إيجاب الطواف من ورائه أن يكون كله من البيت، فقد نص الشافعي أيضا كما ذكره البيهقي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ أن الذي في الحجر من البيت نحو من ستة أذرع، ونقله عن عدة من أهل العلم من قريش لقيهم كما تقدم، فعلى هذا فلعله رأى إيجاب الطواف من وراء الحجر احتياطا، وأما العمل فلا حجة فيه على الإيجاب، فلعل النبي صلى الله عليه وسلم من بعده فعلوه استحبابا للراحة من تسور الحجر لا سيما والرجال والنساء يطوفون جميعا فلا يؤمن من المرأة التكشف، فلعلهم أرادوا حسم هذه المادة، وأما ما نقله المهلب عن ابن أبي زيد أن حائط الحجر لم يكن مبنيا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى كان عمر فبناه ووسعه قطعا للشك، وأن الطواف قبل ذلك كان حول البيت، ففيه نظر‏.‏
وقد أشار المهلب إلى أن عمدته في ذلك ما سيأتي في ‏"‏ باب بنيان الكعبة ‏"‏ في أوائل السيرة النبوية بلفظ ‏"‏ لم يكن حول البيت حائط، كانوا يصلون حول البيت حتى كان عمر فبنى حوله حائطا جدره قصيرة، فبناه ابن الزبير ‏"‏ انتهى‏.‏
وهذا إنما هو في حائط المسجد لا في الحجر، فدخل الوهم على قائله من هنا‏.‏
ولم يزل الحجر موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح به كثير من الأحاديث الصحيحة، نعم في الحكم بفساد طواف من دخل الحجر وخلى بينه وبين البيت سبعة أذرع نظر، وقد قال بصحته جماعة من الشافعية كإمام الحرمين ومن المالكية كـأبي الحسن اللخمي، وذكر الأزرقي أن عرض ما بين الميزاب ومنتهى الحجر سبعة عشر ذراعا وثلث ذراع منها عرض جدار الحجر ذراعان وثلث وفي بطن الحجر خمسة عشر ذراعا، فعلى هذا فنصف الحجر ليس من البيت فلا يفسد طواف من طاف دونه والله أعلم‏.‏
وأما قول المهلب إن الفضاء لا يسمى بيتا وإنما البيت البنيان لأن شخصا لو حلف لا يدخل بيتا فانهدم ذلك البيت فلا يحنث بدخوله فليس بواضح، فإن المشروع من الطواف ما شرع للخليل بالاتفاق، فعلينا أن نطوف حيث طاف ولا يسقط ذلك بانهدام حرم البيت لأن العبادات لا يسقط المقدور عليه منها بفوات المعجوز عنه، فحرمة البقعة ثابتة ولو فقد الجدار، وأما اليمين فمتعلقة بالعرف، ويؤيده ما قلناه أنه لو انهدم مسجد فنقلت حجارته إلى موضع آخر بقيت حرمة المسجد بالبقعة التي كان بها ولا حرمة لتلك الحجارة المنقولة إلى غير مسجد، فدل على أن البقعة أصل للجدار بخلاف العكس، أشار إلى ذلك ابن المنير في الحاشية‏.‏
وفي حديث بناء الكعبة من الفوائد غير ما تقدم ما ترجم عليه المصنف في العلم وهو ‏"‏ ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر عنه فهم بعض الناس ‏"‏ والمراد بالاختيار في عبارته المستحب، وفيه اجتناب ولي الأمر ما يتسرع الناس إلى إنكاره وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا، وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب‏.‏
وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة، وأنهما إذا تعارضا بدئ بدفع المفسدة، وأن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب عمل المصلحة، وحديث الرجل مع أهله في الأمور العامة، وحرص الصحابة على امتثال أوامر النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ حكى ابن عبد البر وتبعه عياض وغيره عن الرشيد أو المهدي أو المنصور أنه أراد أن يعيد الكعبة على ما فعله ابن الزبير، فناشده مالك في ذلك وقال‏:‏ أخشى أن يصير ملعبة للملوك، فتركه‏.‏
قلت‏:‏ وهذا بعينه خشية جدهم الأعلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فأشار على ابن الزبير لما أراد أن يهدم الكعبة ويجدد بناءها بأن يرم ما وهي منها ولا يتعرض لها بزيادة ولا نقص‏.‏
وقال له ‏"‏ لا آمن أن يجيء من بعدك أمير فيغير الذي صنعت ‏"‏ أخرجه الفاكهي من طريق عطاء عنه، وذكر الأزرقي أن سليمان بن عبد الملك هم بنقض ما فعله الحجاج، ثم ترك ذلك لما ظهر له أنه فعله بأمر أبيه عبد الملك، ولم أقف في شيء من التواريخ على أن أحدا من الخلفاء ولا من دونهم غير من الكعبة شيئا مما صنعه الحجاج إلى الآن إلا في الميزاب والباب وعتبته، وكذا وقع الترميم في جدارها غير مرة وفي سقفها وفي مسلم سطحها، وجدد فيها الرخام فذكر الأزرقي عن ابن جريج ‏"‏ أن أول من فرشها بالرخام الوليد بن عبد الملك ‏"‏ ووقع في جدارها الشامي ترميم في شهور سنة سبعين ومائتين، ثم في شهور سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، ثم في شهور سنة تسع عشرة وستمائة، ثم في سنة ثمانين وستمائة، ثم في سنة أربع عشرة وثمانمائة، وقد ترادفت الأخبار الآن في وقتنا هذا في سنة اثنتين وعشرين أن جهة الميزاب فيها ما يحتاج إلى ترميم فاهتم بذلك سلطان الإسلام الملك المؤيد وأرجو من الله تعالى أن يسهل له ذلك، ثم حججت سنة أربع وعشرين وتأملت المكان الذي قيل عنه فلم أجده في تلك البشاعة، وقد رمم ما تشعث من الحرم في أثناء سنة خمس وعشرين إلى أن نقض سقفها في سنة سبع وعشرين على يدي بعض الجند فجدد لها سقفا ورخم السطح، فلما كان في سنة ثلاث وأربعين صار المطر إذا نزل ينزل إلى داخل الكعبة أشد مما كان أولا، فأداه رأيه الفاسد إلى نقض السقف مرة أخرى وسد ما كان في السطح من الطاقات التي كان يدخل‏:‏ منها الضوء إلى الكعبة، ولزم من ذلك امتهان الكعبة، بل صار العمال يصعدون فيها بغير أدب، فغار بعض المجاورين فكتب إلى القاهرة يشكو ذلك‏.‏
فبلغ السلطان الظاهر فأنكر أن يكون أمر بذلك، وجهز بعض الجند لكشف ذلك فتعصب للأول بعض من جاور واجتمع الباقون رغبة ورهبة فكتبوا محضرا بأنه ما فعل شيئا إلا عن ملأ منهم، وأن كل ما فعله مصلحة، فسكن غضب السلطان وغطى عنه الأمر‏.‏
وقد جاء عن عياش بن أبي ربيعة المخزومي وهو بالتحتانية قبل الألف وبعدها معجمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ إن هذه الأمة لا تزال بخير ما عظموا هذه الحرمة - يعني الكعبة - حق تعظيمها، فإذا ضيعوا ذلك هلكوا ‏"‏ أخرجه أحمد وابن ماجه وعمر بن شبة في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ وسنده حسن، فنسأل الله تعالى الأمن من الفتن بحلمه وكرمه، ومما يتعجب منه أنه لم يتفق الاحتياج في الكعبة إلى الإصلاح إلا فيما صنعه الحجاج إما من الجدار الذي بناه في الجهة الشامية وإما في السلم الذي جدده للسطح والعتبة، وما عدا ذلك مما وقع فإنما هو لزيادة محضة كالرخام أو لتحسين كالباب والميزاب، وكذا ما حكاه الفاكهي عن الحسن بن مكرم عن عبد الله بن بكر السهمي عن أبيه قال ‏"‏ جاورت بمكة فعابت - أي بالعين المهملة وبالباء الموحدة - أسطوانة من أساطين البيت فأخرجت وجيء بأخرى ليدخلوها مكانها فطالت عن الموضع، وأدركهم الليل والكعبة لا تفتح ليلا فتركوها ليعودوا من غد ليصلحوها فجاءوا من غد فأصابوها أقدم من قدح ‏"‏ أي بكسر القاف وهو السهم، وهذا إسناد قوي رجاله ثقات، وبكر هو ابن حبيب من كبار أتباع التابعين، وكأن القصة كانت في أوائل دولة بني العباس، وكانت الأسطوانة من خشب‏.‏
والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:45 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n151&p1#TOP)باب فَضْلِ الْحَرَمِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل الحرم‏)‏ أي المكي الذي سيأتي ذكر حدوده في ‏"‏ باب لا يعضد شجر الحرم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقوله تعالى ‏(‏إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها‏)‏ الآية‏)‏ وجه تعلقها بالترجمة من جهة إضافة الربوبية إلى البلدة فإنه على سبيل التشريف لها، وهي أصل الحرم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو لم نمكن لهم حرما آمنا الآية‏)‏ روى النسائي في التفسير ‏"‏ أن الحارث بن مر بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن نتبع الهدي معك نتخطف من أرضنا، فأنزل الله عز وجل ردا عليه ‏(‏أو لم نمكن لهم حرما آمنا‏)‏ الآية ‏"‏ أي إن الله جعلهم في بلد أمين وهم منه في أمان في حال كفرهم فكيف لا يكون أمنا لهم بعد أن أسلموا وتابعوا الحق‏.‏
وأورد المصنف في الباب حديث ابن عباس ‏"‏ أن هذا البلد حرمه الله ‏"‏ أخرجه مختصرا، وسيأتي بأتم من هذا السياق في ‏"‏ باب لا يحل القتال بمكة ‏"‏ ويأتي الكلام عليه مستوفى قريبا هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n151&p1#TOP)باب تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا
وَأَنَّ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ الْبَادِي الطَّارِي مَعْكُوفًا مَحْبُوسًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها، وأن الناس في المسجد الحرام سواء خاصة، لقوله تعالى ‏(‏إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء‏)‏ الآية‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف حديث علقمة بن نضلة قال ‏"‏ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاج سكن ‏"‏ أخرجه ابن ماجه وفي إسناده انقطاع وإرسال‏.‏
وقال بظاهره ابن عمر ومجاهد وعطاء، قال عبد الرزاق عن ابن جريج‏:‏ كان عطاء ينهي عن الكراء في الحرم، فأخبرني أن عمر نهى أن تبوب دور مكة لأنها ينزل الحاج في عرصاتها، فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو واعتذر عن ذلك لعمر‏.‏
وروى الطحاوي من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد أنه قال‏:‏ مكة مباح، لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها‏.‏
وروى عبد الرزاق من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر‏:‏ لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها‏.‏
وبه قال الثوري وأبو حنيفة، وخالفه صاحبه أبو يوسف، واختلف عن محمد، وبالجواز قال الجمهور واختاره الطحاوي‏.‏
ويجاب عن حديث علقمة على تقدير صحته بحمله على ما سيجمع به ما اختلف عن عمر في ذلك‏.‏
واحتج الشافعي بحديث أسامة الذي أورده البخاري في هذا الباب، قال الشافعي‏:‏ فأضاف الملك إليه وإلى من ابتاعها منه وبقوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ‏"‏ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ‏"‏ فأضاف الدار إليه‏.‏
واحتج ابن خزيمة بقوله تعالى ‏(‏للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم‏)‏ فنسب الله الديار إليهم كما نسب الأموال إليهم، ولو كانت الديار ليست بملك لهم لما كانوا مظلومين في الإخراج من دور ليست بملك لهم، قال‏:‏ ولو كانت الدور التي باعها عقيل لا تملك لكان جعفر وعلي أولى بها إذ كانا مسلمين دونه‏.‏
وسيأتي في البيوع أثر عمر أنه اشترى دارا للسجن بمكة‏.‏
ولا يعارض ما جاء عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان ينهي أن تغلق دور مكة في زمن الحاج أخرجه عبد بن حميد‏.‏
وقال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد إن عمر قال‏:‏ يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا، لينزل البادي حيث شاء، وقد تقدم من وجه آخر عن عمر، فيجمع بينهما بكرامة الكراء رفقا بالوفود، ولا يلزم من ذلك منع البيع والشراء، وإلى هذا جنح الإمام أحمد وآخرون‏.‏
واختلف عن مالك في ذلك، قال القاضي إسماعيل‏:‏ ظاهر القرآن يدل على أن المراد به المسجد الذي يكون فيه النسك والصلاة لا سائر دور مكة‏.‏
وقال الأبهري‏:‏ لم يختلف قول مالك وأصحابه في أن مكة فتحت عنوة، واختلفوا هل من بها على أهلها لعظم حرمتها أو أقرت للمسلمين‏؟‏ ومن ثم جاء الاختلاف في بيع دورها والكراء، والراجح عند من قال إنها فتحت عنوة أن النبي صلى الله عليه وسلم من بها على أهلها فخالفت حكم غيرها من البلاد في ذلك ذكره السهيلي وغيره، وليس الاختلاف في ذلك ناشئا عن هذه المسألة فقد اختلف أهل التأويل في المراد بقوله هنا ‏"‏ المسجد الحرام ‏"‏ هل هو الحرم كله أو مكان الصلاة فقط، واختلفوا أيضا هل المراد بقوله ‏"‏ سواء ‏"‏ في إلا من والاحترام أو فيما هو أعم من ذلك وبواسطة ذلك نشأ الاختلاف المذكور أيضا، قال ابن خزيمة‏:‏ لو كان المراد بقوله تعالى ‏(‏سواء العاكف فيه والباد‏)‏ جميع الحرم وأن اسم المسجد الحرام واقع على جميع الحرم لما جاز حفر بئر ولا قبر ولا التغوط ولا البول ولا إلقاء الجيف والنتن‏.‏
قال‏:‏ ولا نعلم عالما منع من ذلك ولا كره لحائض ولا لجنب دخول الحرم ولا الجماع فيه، ولو كان كذلك لجاز الاعتكاف في دور مكة وحوانيتها ولا يقول بذلك أحد والله أعلم‏.‏
قلت‏:‏ والقول بأن المراد بالمسجد الحرام الحرم كله ورد عن ابن عباس وعطاء ومجاهد، أخرجه ابن أبي حاتم وغيره عنهم، والأسانيد بذلك كلها إليهم ضعيفة، وسنذكر في ‏"‏ باب فتح مكة ‏"‏ من المغازي الراجح من الخلاف في فتحها صلحا أو عنوة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏البادي الطاري‏)‏ هو تفسير منه بالمعني، وهو مقتضى ما جاء عن ابن عباس وغيره كما رواه عبد بن حميد وغيره‏.‏
وقال الإسماعيلي‏:‏ البادي الذي يكون في البدو، وكذا من كان ظاهر البلد فهو باد، ومعنى الآية أن المقيم والطارئ سيان‏.‏
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ‏(‏سواء العاكف فيه والباد‏)‏ قال‏:‏ سواء فيه أهل مكة وغيرهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏معكوفا محبوسا‏)‏ كذا وقع هنا، وليست هذه الكلمة في الآية المذكورة وإنما هي في آية الفتح، ولكن مناسبة ذكرها هنا قوله في هذه الآية ‏(‏العاكف‏)‏ والتفسير المذكور قاله أبو عبيدة في المجاز، والمراد بالعاكف المقيم‏.‏
وروى الطحاوي من طريق سفيان عن أبي حصين قال‏:‏ أردت أن أعتكف وأنا بمكة، فسألت سعيد بن جبير فقال‏:‏ أنت عاكف، ثم قرأ هذه الآية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ فَقَالَ وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَيْئًا لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ الْآيَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان‏)‏ في رواية مسلم عن حرملة وغيره عن ابن وهب ‏"‏ أن علي بن الحسين أخبره أن عمرو بن عثمان أخبره‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أين تنزل، في دارك‏)‏ حذف أداة الاستفهام من قوله ‏"‏ في دارك ‏"‏ بدليل رواية ابن خزيمة والطحاوي عن يونس عن عبد الأعلى عن ابن وهب بلفظ ‏"‏ أتنزل في دارك ‏"‏ وكذا أخرجه الجوزقي من وجه آخر عن أصبغ شيخ البخاري فيه، وللمصنف في المغازي من طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري ‏"‏ أين تنزل غدا ‏"‏ فكأنه استفهمه أولا عن مكان نزوله ثم ظن أنه ينزل في داره فاستفهمه عن ذلك، وظاهر هذه القصة أن ذلك كان حين أراد دخول مكة، ويزيده وضوحا رواية زمعة بن صالح عن الزهري بلفظ ‏"‏ لما كان يوم الفتح قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة قيل‏:‏ أين تنزل أفي بيوتكم ‏"‏ الحديث، وروى علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن حسين قال ‏"‏ قيل للنبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة‏:‏ أين تنزل‏؟‏ قال‏:‏ وهل ترك لنا عقيل من طل ‏"‏ قال علي بن المديني‏:‏ ما أشك أن محمد بن علي بن الحسين أخذ هذا الحديث عن أبيه، لكن في حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك حين أراد أن ينفر من منى، فيحمل على تعدد القصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهل ترك عقيل‏)‏ في رواية مسلم وغيره ‏"‏ وهل ترك لنا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من رباع أو دور‏)‏ الرباع جمع ربع بفتح الراء وسكون الموحدة وهو المنزل المشتمل على أبيات وقيل هو الدار فعلى هذا فقوله ‏"‏ أو دور ‏"‏ إما للتأكيد أو من شك الراوي‏.‏
وفي رواية محمد بن أبي حفصة ‏"‏ من منزل ‏"‏ وأخرج هذا الحديث الفاكهي من طريق محمد بن أبي حفصة وقال في آخره‏:‏ ويقال إن الدار التي أشار إليها كانت دار هاشم بن عبد مناف، ثم صارت لعبد المطلب ابنه فقسمها بين ولده حين عمر، فمن ثم صار للنبي صلى الله عليه وسلم حق أبيه عبد الله وفيها ولد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان عقيل إلخ‏)‏ محصل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استولى عقيل وطالب على الدار كلها باعتبار ما ورثاه من أبيهما لكونهما كانا لم يسلما، وباعتبار ترك النبي صلى الله عليه وسلم لحقه منها بالهجرة، وفقد طالب ببدر فباع عقيل الدار كلها‏.‏
وحكى الفاكهي أن الدار لم تزل بأولاد عقيل إلى أن باعوها لمحمد بن يوسف أحي الحجاج بمائة ألف دينار وزاد في روايته من طريق محمد بن أبي حفصة ‏"‏ فكان علي بن الحسين يقول من أجل ذلك‏:‏ تركنا نصيبنا من الشعب ‏"‏ أي حصة جدهم علي من أبيه أبي طالب‏.‏
وقال الداودي وغيره‏:‏ كان من هاجر من المؤمنين باع قريبه الكافر داره، وأمضى النبي صلى الله عليه وسلم تصرفات الجاهلية تأليفا لقلوب من أسلم منهم، وسيأتي في الجهاد مزيد بسط في هذه المسألة إن شاء الله تعالى‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ وعندي أن تلك الدار إن كانت قائمة على ملك عقيل فإنما لم ينزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها دور هجروها في الله تعالى فلم يرجعوا فيما تركوه‏.‏
وتعقب بأن سياق الحديث يقتضي أن عقيلا باعها، ومفهومه أنه لو تركها لنزلها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكان عمر‏)‏ في رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب عند الإسماعيلي ‏"‏ فمن أجل ذلك كان عمر يقول ‏"‏ وهذا القدر الموقوف على عمر قد ثبت مرفوعا بهذا الإسناد وهو عند المصنف في المغازي من طريق محمد بن أبي حفصة ومعمر عن الزهري وأخرجه مفردا في الفرائض من طريق ابن جريج عنه، وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
ويختلج في خاطري أن القائل ‏"‏ وكان عمر إلخ ‏"‏ هو ابن شهاب فيكون منقطعا عن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب وكانوا يتأولون إلخ‏)‏ أي كانوا يفسرون قوله تعالى ‏(‏بعضهم أولياء بعض‏)‏ بولاية الميراث أي يتولى بعضهم بعضا في الميراث وغيره‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n151&p1#TOP)باب نُزُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة‏)‏ أي موضع نزوله، ووقع هنا في نسخة الصغاني ‏"‏ قال أبو عبد الله‏:‏ نسبت الدور إلى عقيل وتورث الدور وتباع وتشتري‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ والمحل اللائق بهذه الزيادة الباب الذي قبله لما تقدم تقريره والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين أراد قدوم مكة‏)‏ بين في الرواية التي بعدها أن ذلك كان حين رجوعه من منى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن شاء الله تعالى‏)‏ هو على سبيل التبرك والامتثال للآية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ يَعْنِي ذَلِكَ الْمُحَصَّبَ وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ سَلَامَةُ عَنْ عُقَيْلٍ وَيَحْيَى بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ وَقَالَا بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَشْبَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ في رواية مسلم عن زهير بن حرب عن الوليد بن مسلم بسنده ‏"‏ حدثني أبو سلمة حدثنا أبو هريرة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يعني بذلك المحصب‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ يعني ذلك ‏"‏ والأول أصح، ويختلج في خاطري أن جميع ما بعد قوله يعني المحصب إلى آخر الحديث من قول الزهري أدرج في الخبر، فقد رواه شعيب كما في هذا الباب وإبراهيم بن سعد كما سيأتي في السيرة ويونس كما سيأتي في التوحيد كلهم عن ابن شهاب مقتصرين على الموصول منه إلى قوله ‏"‏ على الكفر ‏"‏ ومن ثم لم يذكر مسلم في روايته شيئا من ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وذلك أن قريشا وكنانة‏)‏ فيه إشعار بأن في كنانة من ليس قرشيا إذ العطف يقتضي المغايرة فترجح القول بأن قريشا من ولد فهر بن مالك على القول بأنهم ولد كـنانة‏.‏
نعم لم يعقب النضر غير مالك ولا مالك غير فهر فقريش ولد النضر بن كنانة وأما كنانة فأعقب من غير النضر فلهذا وقعت المغايرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني المطلب‏)‏ كذا وقع عنده بالشك، ووقع عند البيهقي من طريق أخرى عن الوليد ‏"‏ وبني المطلب ‏"‏ بغير شك فكأن الوهم منه فسيأتي على الصواب ويأتي شرحه في أواخر الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم‏)‏ في رواية محمد بن مصعب عن الأوزاعي عند أحمد ‏"‏ أن لا يناكحوهم ولا يخالطوهم ‏"‏ وفي رواية داود بن رشيد عن الوليد عند الإسماعيلي ‏"‏ وأن لا يكون بينهم وبينهم شيء ‏"‏ وهي أعم، وهذا هو المراد بقوله في الحديث ‏"‏ على الكفر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يسلموا‏)‏ بضم أوله وإسكان المهملة وكسر اللام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال سلامة عن عقيل‏)‏ وصله ابن خزيمة في صحيحه من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويحيى بن الضحاك عن الأوزاعي‏)‏ وقع في رواية أبي ذر وكريمة ‏"‏ ويحيى عن الضحاك ‏"‏ وهو وهم، وهو يحيى بن عبد الله بن الضحاك نسب لجده البابلتي بموحدتين وبعد اللام المضمومة مثناة مشددة نزيل حران وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، ويقال إنه لم يسمع من الأوزاعي، ويقال إن الأوزاعي كان زوج أمه، وطريقه هذه وصلها أبو عوانة في صحيحه والخطيب في ‏"‏ المدرج ‏"‏ وقد تابعه على الجزم بقوله ‏"‏ بني هاشم وبني المطلب ‏"‏ محمد بن مصعب عن الأوزاعي أخرجه أحمد وأبو عوانة أيضا، وسيأتي شرح هذه القصة في السيرة النبوية إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n151&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا
وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ الْآيَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني - إلى قوله - لعلهم يشكرون‏)‏ لم يذكر في هذه الترجمة حديثا، وكأنه أشار إلى حديث ابن عباس في قصة إسكان إبراهيم لهاجر وابنها في مكان مكة، وسيأتي مبسوطا في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى‏.‏
ووقع في شرح ابن بطال ضم هذا الباب إلى الذي بعده فقال بعد قوله يشكرون ‏"‏ وقول الله جعل الله الكعبة البيت الحرام إلخ ‏"‏ ثم قال فيه أبو هريرة فذكر أحاديث الباب الثاني‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n151&p1#TOP)باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ
ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس - إلى قوله - عليم‏)‏ كأنه يشير إلى أن المراد بقوله ‏"‏ قياما ‏"‏ أي قواما وأنها ما دامت موجودة فالدين قائم، ولهذه النكتة أورد في الباب قصة هدم الكعبة في آخر الزمان، وقد روى ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية فقال‏:‏ لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة‏.‏
وعن عطاء قال‏:‏ قياما للناس لو تركوه عاما لم ينظروا أن يهلكوا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة ‏"‏ يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ
الشرح‏:‏
حديث عائشة في صيام عاشوراء قبل نزول فرض رمضان، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد في آخر كتاب الصيام، والمقصود منه هنا قوله في هذه الطريق ‏"‏ وكان يوما تستر فيه الكعبة ‏"‏ فإنه يفيد أن الجاهلية كانوا يعظمون الكعبة قديما بالستور ويقومون بها، وعرف بهذا جواب الإسماعيلي في قوله‏:‏ ليس في الحديث مما ترجم به شيء سوى بيان اسم الكعبة المذكورة في الآية، ويستفاد من الحديث أيضا معرفة الوقت الذي كانت الكعبة تكسى فيه من كل سنة وهو يوم عاشوراء، وكذا ذكر الواقدي بإسناده عن أبي جعفر الباقر أن الأمر استمر على ذلك في زمانهم، وقد تغير ذلك بعد فصارت تكسى في يوم النحر، وصاروا يعمدون إليه في ذي القعدة فيعلقون كسوته إلى نحو نصفه، ثم صاروا يقطعونها فيصير البيت كهيئة المحرم، فإذا حل الناس يوم النحر كسوه الكسوة الجديدة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الإسماعيلي جمع البخاري بين رواية عقيل وابن أبي حفصة في المتن، وليس في رواية عقيل ذكر الستر، ثم ساقه بدونه من طريق عقيل‏.‏
وهو كما قال، وعادة البخاري التجوز في مثل هذا‏.‏
وقد رواه الفاكهي من طريق ابن أبي حفصة فصرح بسماع الزهري له من عروة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تَابَعَهُ أَبَانُ وَعِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ سَمِعَ قَتَادَةُ عَبْدَ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ أَبَا سَعِيدٍ
الشرح‏:‏
حديث أبي سعيد الخدري في حج البيت بعد يأجوج ومأجوج، أورده موصولا من طريق إبراهيم - وهو ابن طهمان، عن الحجاج بن الحجاج وهو الباهلي البصري عن قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عنه وقال بعده‏:‏ سمع قتادة عبد الله بن أبي عتبة وعبد الله سمع أبا سعيد الخدري، وغرضه بهذا أنه لم يقع فيه تدليس‏.‏
وهل أراد بهذا أن كلا منهما سمع هذا الحديث بخصوصه أو في الجملة‏؟‏ فيه احتمال‏.‏
وقد وجدته من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة مصرحا بسماع قتادة من عبد الله بن أبي عتبة في حديث ‏"‏ كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ‏"‏ وهو عند أحمد، وعند أبي عوانة في مستخرجه من وجه آخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليحجن‏)‏ بضم أوله وفتح المهملة والجيم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أبان وعمران عن قتادة‏)‏ أي على لفظ المتن، فأما متابعة أبان - وهو ابن يزيد العطار - فوصلها الإمام أحمد عن عفان وسويد بن عمرو الكلبي وعبد الصمد بن عبد الوارث ثلاثتهم عن أبان فذكر مثله، وأما متابعة عمران وهو القطان فوصلها أحمد أيضا عن سليمان بن داود وهو الطيالسي عنه، وكذا أخرجه ابن خزيمة وأبو يعلى من طريق الطيالسي، وقد تابع هؤلاء سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أخرجه عبد بن حميد عن روح بن عبادة عنه ولفظه ‏"‏ إن الناس ليحجون ويعتمرون ويغرسون النخل بعد خروج يأجوج ومأجوج‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال عبد الرحمن‏)‏ يعني ابن مهدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن شعبة‏)‏ يعني عن قتادة بهذا السند‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت‏)‏ وصله الحاكم من طريق أحمد بن حنبل عنه قال البخاري‏:‏ والأول أكثر، أي لاتفاق من تقدم ذكره على هذا اللفظ وانفراد شعبة بما يخالفهم، وإنما قال ذلك لأن ظاهرهما التعارض، لأن المفهوم من الأول أن البيت يحج بعد أشراط الساعة، ومن الثاني أنه لا يحج بعدها، ولكن يمكن الجمع بين الحديثين، فإنه لا يلزم من حج الناس بعد خروج يأجوج ومأجوج أن يمتنع الحج في وقت ما عند قرب ظهور الساعة، ويظهر والله أعلم أن المراد بقوله ‏"‏ ليحجن البيت ‏"‏ أي مكان البيت لما سيأتي بعد باب أن الحبشة إذا خربوه لم يعمر بعد ذلك‏.

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:48 AM
باب كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كسوة الكعبة‏)‏ أي حكمها في التصرف فيها ونحو ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ جِئْتُ إِلَى شَيْبَةَ ح و حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الْكُرْسِيِّ فِي الْكَعْبَةِ فَقَالَ لَقَدْ جَلَسَ هَذَا الْمَجْلِسَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا قَسَمْتُهُ قُلْتُ إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلَا قَالَ هُمَا الْمَرْءَانِ أَقْتَدِي بِهِمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري في الطريقين، وإنما قدم الأولى مع نزولها لتصريح سفيان بالتحديث فيها، وأما ابن عيينة فلم يسمعه من واصل بل رواه عن الثوري عنه أخرجه ابن خزيمة من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جلست مع شيبة‏)‏ هو ابن عثمان بن طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الله بن عبد الدار بن قصي العبدري الحجبي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة نسبة إلى حجب الكعبة يكنى أبا عثمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على الكرسي‏)‏ في رواية عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الشيباني عند ابن ماجه والطبراني بهذا السند ‏"‏ بعث معي رجل بدراهم هدية إلى البيت، فدخلت البيت وشيبة جالس على كرسي، فناولته إياها فقال‏:‏ لك هذه‏؟‏ فقلت‏:‏ لا ولو كانت لي لم آتك بها، قال أما إن قلت ذلك فقد جلس عمر بن الخطاب مجلسك الذي أنت فيه ‏"‏ فذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيها‏)‏ أي الكعبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صفراء ولا بيضاء‏)‏ أي ذهبا ولا فضة، قال القرطبي‏:‏ غلط‏:‏ من ظن أن المراد بذلك حلية الكعبة، وإنما أراد الكنز الذي بها، وهو ما كان يهدي إليها فيدخر ما يزيد عن الحاجة، وأما الحلي فمحبسة عليها كالقناديل فلا يجوز صرفها في غيرها‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ كانوا في الجاهلية يهدون إلى الكعبة المال تعظيما لها فيجتمع فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا قسمته‏)‏ أي المال‏.‏
وفي رواية عمر بن شبة في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ عن قبيصة شيخ البخاري فيه ‏"‏ إلا قسمتها ‏"‏ وفي رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند المصنف في الاعتصام ‏"‏ إلا قسمتها بين المسلمين ‏"‏ وعند الإسماعيلي من هذا الوجه ‏"‏ لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين ‏"‏ ومثله في رواية المحاربي المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت إن صاحبيك لم يفعلا‏)‏ في رواية ابن مهدي المذكورة ‏"‏ قلت ما أنت بفاعل‏.‏
قال لم‏؟‏ قلت‏:‏ لم يفعله صاحباك ‏"‏ وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه وكذا المحاربي ‏"‏ قال ولم ذاك‏؟‏ قلت‏:‏ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه وأبو بكر وهما أحوج منك إلى المال فلم يحركاه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هما المرءان‏)‏ تثنية مرء بفتح الميم ويجوز ضمها والراء ساكنة على كل حال بعدها همزة أي الرجلان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقتدي بهما‏)‏ في رواية عمر بن شبة تكرير قوله ‏"‏ المرءان أقتدي بهما ‏"‏ وفي رواية ابن مهدي في الاعتصام ‏"‏ يقتدي بهما ‏"‏ على البناء للمجهول‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي والمحاربي ‏"‏ فقام كما هو وخرج‏"‏‏.‏
ودار نحو هذه القصة بين عمر أيضا وأبي بن كعب أخرجه عبد الرزاق وعمر بن شبة من طريق الحسن ‏"‏ أن عمر أراد أن يأخذ كنز الكعبة فينفقه في سبيل الله فقال له أبي بن كعب‏:‏ قد سبقك صاحباك، فلو كان فضلا لفعلاه ‏"‏ لفظ عمر بن شبة‏.‏
وفي رواية عبد الرزاق ‏"‏ فقال له أبي بن كعب‏:‏ والله ما ذاك لك، قال‏:‏ ولم‏؟‏ قال‏:‏ أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ أراد عمر لكثرته إنفاقه في منافع المسلمين، ثم لما ذكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض له أمسك، وإنما تركا ذلك والله أعلم لأن ما جعل في الكعبة وسبل لها يجري مجرى الأوقاف فلا يجوز تغييره عن وجهه، وفي ذلك تعظيم الإسلام وترهيب العدو‏.‏
قلت‏:‏ أما التعليل الأول فليس بظاهر من الحديث بل يحتمل أن يكون تركه صلى الله عليه وسلم لذلك رعاية لقلوب قريش كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، ويؤيده ما وقع عند مسلم في بعض طرق حديث عائشة في بناء الكعبة ‏"‏ لأنفقت كنز الكعبة ‏"‏ ولفظه ‏"‏ لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض ‏"‏ الحديث، فهذا التعليل هو المعتمد‏.‏
وحكى الفاكهي في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم وجد فيها يوم الفتح ستين أوقية، فقيل له‏:‏ لو استعنت بها على حربك فلم يحركه، وعلى هذا فإنفاقه جائز كما جاز لابن الزبير بناؤها على قواعد إبراهيم لزوال سبب الامتناع، ولولا قوله في الحديث ‏"‏ في سبيل الله ‏"‏ لأمكن أن يحمل الإنفاق على ما يتعلق بها فيرجع إلى أن حكمه حكم التحبيس، ويمكن أن يحمل قوله في سبيل الله على ذلك لأن عمارة الكعبة يصدق عليه أنه في سبيل الله، واستدل التقي السبكي بحديث الباب على جواز تعليق قناديل الذهب والفضة في الكعبة ومسجد المدينة فقال‏:‏ هذا الحديث عمدة في مال الكعبة وهو ما يهدى إليها أو ينذر لها، قال‏:‏ وأما قول الرافعي لا يجوز تحلية الكعبة بالذهب والفضة ولا تعليق قناديلها فيها حكى الوجهين في ذلك‏:‏ أحدهما الجواز تعظيما كما في المصحف، والآخر المنع إذ لم ينقل من فعل السلف، فهذا مشكل لأن للكعبة من التعظيم ما ليس لبقية المساجد بدليل تجويز سترها بالحرير والديباج، وفي جواز ستر المساجد بذلك خلاف‏.‏
ثم تمسك للجواز بما وقع في أيام الوليد بن عبد الملك من تذهيبه سقوف المسجد النبوي قال‏:‏ ولم ينكر ذلك عمر بن عبد العزيز ولا أزاله في خلافته‏.‏
ثم استدل للجواز بأن تحريم استعمال الذهب والفضة إنما هو فيما يتعلق بالأواني المعدة للأكل والشرب ونحوهما قال‏:‏ وليس في تحلية المساجد بالقناديل الذهب شيء من ذلك، وقد قال الغزالي‏:‏ من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن فإنه لم يثبت في الذهب إلا تحريمه على الأمة فيما ينسب للذهب وهذا بخلافه فيبقى على أصل الحل ما لم ينه إلى الإسراف انتهى‏.‏
وتعقب بأن تجويز ستر الكعبة بالديباج قام الإجماع عليه، وأما التحلية بالذهب والفضة فلم ينقل عن فعل من يقتدي به، والوليد لا حجة في فعله، وترك عمر بن عبد العزيز النكير أو الإزالة يحتمل عدة معان فلعله كان لا يقدر على الإنكار خوفا من سطوة الوليد، ولعله لم يزلها لأنه لا يتحصل منها شيء، ولا سيما إن كان الوليد جعل في الكعبة صفائح فلعله رأى أن تركها أولى لأنها صارت في حكم المال الموقوف فكأنه أحفظ لها من غيره، وربما أدى قلعه إلى إزعاج بناء الكعبة فتركـه، ومع هذه الاحتمالات لا يصلح الاستدلال بذلك للجواز‏.‏
وقوله إن الحرام من الذهب إنما هو استعماله في الأكل والشرب إلخ هو متعقب بأن استعمال كل شيء بحسبه، واستعمال قناديل الذهب هو تعليقها للزينة، وأما استعمالها للإيقاد فممكن على بعد، وتمسكه بما قاله الغزالي يشكل عليه بأن الغزالي قيده بما لم ينته إلى الإسراف، والقنديل الواحد من الذهب يكتب تحلية عدة مصاحف، وقد أنكر السبكي على الرافعي تمسكه في المنع بكون ذلك لم ينقل عن السلف، وجوابه أن الرافعي تمسك بذلك مضموما إلى شيء آخر وهو أنه قد صح النهي عن استعمال الحرير والذهب فلما استعمل السلف الحرير في الكعبة دون الذهب - مع عنايتهم بها وتعظيمها - دل على أنه بقي عندهم على عموم النهي، وقد نقل الشيخ الموفق الإجماع على تحريم استعمال أواني الذهب، والقناديل من الأواني بلا شك، واستعمال كل شيء بحسبه والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الإسماعيلي ليس في حديث الباب لكسوة الكعبة ذكر، يعني فلا يطابق الترجمة‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ معني الترجمة صحيح، ووجهها أنه معلوم أن الملوك في كل زمان كانوا يتفاخرون بكسوة الكعبة برفيع الثياب المنسوجة بالذهب وغيره كما يتفاخرون بتسبيل الأموال لها، فأراد البخاري أن عمر لما رأى قسمة الذهب والفضة صوابا كان حكم الكسوة حكم المال تجوز قسمتها، بل ما فضل من كسوتها أولى بالقسمة‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ يحتمل أن يكون مقصوده التنبيه على أ ن كسوة الكعبة مشروع، والحجة فيه أنها لم تزل تقصد بالمال يوضع فيها على معنى الزينة إعظاما لها فالكسوة من هذا القبيل، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون أراد ما في بعض طرق الحديث كعادته ويكون هناك طريق موافقة للترجمة إما لخلل شرطها وإما لتبحر الناظر في ذلك، وإذا تقرر ذلك فيحتمل أن يكون أخذه من قول عمر‏:‏ لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة، فالمال يطلق على كل شيء فيدخل فيه الكسوة، وقد ثبت في الحديث ‏"‏ ليس لك من مالك إلا ما لبست فأبليت ‏"‏ قال‏:‏ ويحتمل أيضا - فذكر نحو ما قال ابن بطال وزاد - فأراد التنبيه على أنه موضع اجتهاد، وإن رأي عمر جواز التصرف في المصالح‏.‏
وأما الترك الذي احتج به عليه شيبة فليس صريحا في المنع، والذي يظهر جواز قسمة الكسوة العتيقة، إذ في بقائها تعريض لإتلافها ولا جمال في كسوة عتيقة مطوية، قال‏:‏ ويؤخذ من رأي عمر أن صرف المال في المصالح آكد من صرفه في كسوة الكعبة، لكن الكسوة في هذه الأزمنة أهم‏.‏
قال‏:‏ واستدلال ابن بطال بالترك على إيجاب بقاء الأحباس لا يتم إلا إن كان القصد بمال الكعبة إقامتها وحفظ أصولها إذا احتيج إلى ذلك، ويحتمل أن يكون القصد منه منفعة أهل الكعبة وسدنتها أو إرصاده لمصالح الحرم أو لأعم من ذلك، وعلى كل تقدير فهو تحبيس لا نظير له فلا يقاس عليه انتهى‏.‏
ولم أر في شيء من طريق حديث شيبة هذا ما يتعلق بالكسوة، إلا أن الفاكهي روى في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ من طريق علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة رضي الله عنها قالت ‏"‏ دخل علي شيبة الحجبي فقال‏:‏ يا أم المؤمنين، إن ثياب الكعبة تجتمع عندنا فتكثر، فننزعها ونحفر بئرا فنعمقها وندفنها لكي لا تلبسها الحائض والجنب، قالت‏:‏ بئسما صنعت، ولكن بعها فاجعل ثمنها في سبيل الله وفي المساكين، فإنها إذا نزعت عنها لم يضر من لبسها من حائض أو جنب، فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن فتباع له فيضعها حيث أمرته ‏"‏ وأخرجه البيهقي من هذا الوجه، لكن في إسناده راو ضعيف، وإسناد الفاكهي سالم منه‏.‏
وأخرج الفاكهي أيضا من طريق ابن خيثم ‏"‏ حدثني رجل من بني شيبة قال‏:‏ رأيت شيبة بن عثمان يقسم ما سقط من كسوة الكعبة على المساكين ‏"‏ وأخرج من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه ‏"‏ أن عمر كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج ‏"‏ فلعل البخاري أشار إلى شيء من ذلك‏.‏
‏(‏فصل‏)‏ في معرفة بدء كسوة البيت‏:‏ روى الفاكهي من طريق عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه أنه سمعه يقول ‏"‏ زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سب أسعد، وكان أول من كسا البيت الوصائل ‏"‏ ورواه الواقدي عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عنه، ومن وجه آخر عن عمر موقوفا، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال‏:‏ بلغنا أن تبعا أول من كسا الكعبة الوصائل فسترت بها‏.‏
قال‏:‏ وزعم بعض علمائنا أن أول من كسا الكعبة إسماعيل عليه السلام‏.‏
وحكى الزبير بن بكار عن بعض علمائهم أن عدنان أول من وضع أنصاب الحرم، وأول من كسا الكعبة، أو كسيت في زمنه‏.‏
وحكى البلاذري أن أول من كساها الأنطاع عدنان بن أد‏.‏
وروى الواقدي أيضا عن إبراهيم بن أبي ربيعة قال‏:‏ كسي البيت في الجاهلية الأنطاع، ثم كساه رسول الله صلى الله عليه وسلم لثياب اليمانية، ثم كساه عمر وعثمان القباطي، ثم كساه الحجاج الديباج‏.‏
وروى الفاكهي بإسناد حسن عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ لما كان عام الفتح أتت امرأة تجمر الكعبة فاحترقت ثيابها وكانت كسوة المشركين، فكساها المسلمون بعد ذلك‏.‏
وقال أبو بكر بن أبي شيبة‏:‏ حدثنا وكيع عن حسن هو ابن صالح عن ليث هو ابن أبي سليم قال‏:‏ كانت كسوة الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم المسوح والأنطاع‏.‏
ليث ضعيف، والحديث معضل‏.‏
وقال أبو بكر أيضا حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عجوز من أهل مكة قالت‏:‏ أصيب ابن عفان وأنا بنت أربع عشرة سنة، قالت‏:‏ ولقد رأيت البيت وما عليه كسوة إلا ما يكسوه الناس الكساء الأحمر يطرح عليه والثوب الأبيض‏.‏
وقال ابن إسحاق‏:‏ بلغني أن البيت لم يكس في عهد أبي بكر ولا عمر، يعني لم يجدد له كسوة‏.‏
وروى الفاكهي بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكسو بدنه القباطي والحبرات يوم يقلدها، فإذا كان يوم النحر نزعها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان فناطها على الكعبة‏.‏
زاد في رواية صحيحة أيضا‏.‏
فلما كست الأمراء الكعبة جللها القباطي، ثم تصدق بها‏.‏
وهذا يدل على أن الأمر كان مطلقا للناس‏.‏
ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه قالت‏:‏ سألت عائشة أنكسو الكعبة‏؟‏ قالت‏:‏ الأمراء يكفونكم‏.‏
وروى عبد الرزاق عن الأسلمي هو إبراهيم بن أبي يحيى عن هشام بن عروة أن أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير، وإبراهيم ضعيف‏.‏
وتابعه محمد بن الحسن بن زبالة وهو ضعيف أيضا أخرجه الزبير عنه عن هشام، وروى الواقدي عن إسحاق بن عبد الله عن أبي جعفر الباقر قال‏:‏ كساها يزيد بن معاوية الديباج، وإسحاق بن أبي فروة ضعيف‏.‏
وقال عبد الرزاق عن ابن جريج‏:‏ أخبرت أن عمر كان يكسوها القباطي، وأخبرني غير واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم كساها القباطي والحبرات وأبو بكر وعمر وعثمان، وأول من كساها الديباج عبد الملك بن مروان، وأن من أدرك ذلك من الفقهاء قالوا أصاب ما نعلم لها من كسوة أوفق منه‏.‏
وروى أبو عروبة في ‏"‏ الأوائل ‏"‏ له عن الحسن قال‏:‏ أول من لبس الكعبة القباطي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وروى الفاكهي في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ من طريق مسعر عن جسرة قال‏:‏ أصاب خالد بن جعفر بن كلاب لطيمة في الجاهلية فيها نمط من ديباج، فأرسل به إلى الكعبة فنيط عليها، فعلى هذا هو أول من كسا الكعبة الديباج‏.‏
وروى الدارقطني في المؤتلف أن أول من كسا الكعبة الديباج نتيلة بنت جناب والدة العباس بن عبد المطلب كانت أضلت العباس صغيرا فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة الديباج‏.‏
وذكر الزبير بن بكار أنها أضلت ابنها ضرار بن عبد المطلب شقيق العباس فنذرت أن وجدته أن تكسو البيت فرده عليها رجل من جذام فكست الكعبة ثيابا بيضا‏.‏
وهذا محمول على تعدد القصة‏.‏
وحكى الأزرقي أن معاوية كساها الديباج والقباطي والحبرات، فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء والقباطي في آخر رمضان، فحصلنا في أول من كساها مطلقا على ثلاثة أقوال‏:‏ إسماعيل وعدنان وتبع وهو أسعد المذكور في الرواية الأولى، ولا تعارض بين ما روي عنه أنه كساها الأنطاع والوصائل لأن الأزرقي حكى في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ أن تبعا أري في المنام أن يكسو الكعبة فكساها الأنطاع، ثم أري أن يكسوها فكساها الوصائل وهي ثياب حبرة من عصب اليمن، ثم كساها الناس بعده في الجاهلية‏.‏
ويجمع بين الأقوال الثلاثة إن كانت ثابتة بأن إسماعيل أول من كساها مطلقا، وأما تبع فأول من كساها ما ذكر، وأما عدنان فلعله أول من كساها بعد إسماعيل، وسيأتي في أوائل غزوة الفتح ما يشعر أنها كانت تكسى في رمضان، وحصلنا في أول من كساها الديباج على ستة أقوال‏:‏ خالد أو نتيلة أو معاوية أو يزيد أو ابن الزبير أو الحجاج، ويجمع بينها بأن كسوة خالد ونتيلة لم تشملها كلها وإنما كان فيما كساها شيء من الديباج، وأما معاوية فلعله كساها في آخر خلافته فصادف ذلك خلافة ابنه يزيد، وأما ابن الزبير فكأنه كساها ذلك بعد تجديد عمارتها فأوليته بذلك الاعتبار، لكن لم يداوم على كسوتها الديباج، فلما كساها الحجاج بأمر عبد الملك استمر ذلك فكأنه أول من داوم على كسوتها الديباج في كل سنة‏.‏
وقول ابن جريج أول من كساها ذلك عبد الملك يوافق القول الأخير، فإن الحجاج إنما كساها بأمر عبد الملك‏.‏
وقول ابن إسحاق أن أبا بكر وعمر لم يكسيا الكعبة فيه نظر، لما تقدم عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن عمر كان ينزعها كل سنة، لكن يعارض ذلك ما حكاه الفاكهي عن بعض المكيين أن شيبة بن عثمان استأذن معاوية في تجريد الكعبة فأذن له فكان أول من جردها من الخلفاء، وكانت كسوتها قبل ذلك تطرح عليها شيئا فوق شيء‏.‏
وقد تقدم سؤال شيبة لعائشة أنها تجتمع عندهم فتكثر‏.‏
وذكر الأزرقي أن أول من ظاهر الكعبة بين كسوتين عثمان بن عفان‏.‏
وذكر الفاكهي أن أول من كساها الديباج الأبيض المأمون بن الرشيد واستمر بعده‏.‏
وكسيت في أيام الفاطميين الديباج الأبيض‏.‏
وكساها محمد بن سبكتكين ديباجا أصفر، وكساها الناصر العباسي ديباجا أخضر، ثم كساها ديباجا أسود فاستمر إلى الآن‏.‏
ولم تزل الملوك يتداولون كسوتها إلى أن وقف عليها الصالح إسماعيل بن الناصر في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة قرية من نواحي القاهرة يقال لها بيسوس كأن اشترى الثلثين منها من وكيل بيت المال ثم وقفها كلها على هذه الجهة فاستمر، ولم تزل تكسى من هذا الوقف إلى سلطنة الملك المؤيد شيخ سلطان العصر فكساها من عنده سنة لضعف وقفها، ثم فوض أمرها إلى بعض أمنائه وهو القاضي زين الدين عبد الباسط - بسط الله له في رزقه وعمره - فبالغ في تحسينها بحيث يعجز الواصف عن صفة حسنها جزاه الله على ذلك أفضل المجازاة‏.‏
وحاول ملك الشرق شاه روخ في سلطنة الأشرف برسباي أن يأذن له في كسوة الكعبة فامتنع، فعاد راسله أن يأذن له أن يكسوها من داخلها فقط فأبى، فعاد راسله أن يرسل الكسوة إليه ويرسلها إلى الكعبة ويكسوها ولو يوما واحدا، واعتذر بأنه نذر أن يكسوها ويريد الوفاء بنذره، فاستفتى أهل العصر فتوقفت عن الجواب وأشرت إلى أنه إن خشي منه الفتنة فيجاب دفعا للضرر، وتسرع جماعة إلى عدم الجواز ولم يستندوا إلى طائل، بل إلى موافقة هوى السلطان، ومات الأشرف على ذلك‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:48 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب هَدْمِ الْكَعْبَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَيُخْسَفُ بِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هدم الكعبة‏)‏ أي في آخر الزمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ قالت ‏"‏ بحذف الواو، وهذا طرف من حديث وصله المصنف في أوائل البيوع من طريق نافع بن حبير عنها بلفظ ‏"‏ يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه هناك، ومناسبته لهذه الترجمة من جهة أن فيه إشارة إلى أن غزو الكعبة سيقع، فمرة يهلكهم الله قبل الوصول إليها وأخرى يمكنهم، والظاهر أن غزو الذين يخربونه متأخر عن الأولين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَخْنَسِ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عبيد الله بن الأخنس‏)‏ بمعجمة ونون ثم مهملة وزن الأحمر، وعبيد الله بالتصغير كوفي يكنى أبا مالك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كأني به‏)‏ كذا في جميع الروايات عن ابن عباس في هذا الحديث، والذي يظهر أن قي الحديث شيئا حذف، ويحتمل أن يكون هو ما وقع في حديث علي عند أبي عبيد في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ من طريق أبي العالية عن علي قال‏:‏ ‏"‏ استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأني برجل من الحبشة أصلع - أو قال أصمع - حمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم ‏"‏ ورواه الفاكهي من هذا الوجه ولفظه ‏"‏ أصعل ‏"‏ بدل أصلع وقال ‏"‏ قائما عليها يهدمها بمسحاته ‏"‏ ورواه يحيى الحماني في مسنده من وجه آخر عن علي مرفوعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كأني به أسود أفحج‏)‏ بوزن أفعل بفاء ثم حاء ثم جيم، والفحج تباعد ما بين الساقين، قال الطيبي وفي إعرابه أوجه‏:‏ قيل هو حال من خبر كان وهو باعتبار المعنى الذي أشبه الفعل، وقيل هما حالان من خبر كان وذو الحال إما المستقر المرفوع أو المجرور والثاني أشبه أو هما بدلان من الضمير المجرور، وعلى كل حال يلزم إضمار قبل الذكر، وهو مبهم يفسره ما بعده كقولك رأيته رجلا، وقيل هما منصوبان على التمييز‏.‏
وقوله ‏"‏حجرا حجرا ‏"‏ حال كقولك بوبته بابا بابا، وقوله في حديث علي ‏"‏ أصلع أو أصعل أو أصمع ‏"‏ الأصلع من ذهب شعر مقدم رأسه، والأصعل الصغير الرأس، والأصمع الصغير الأذنين‏.‏
وقوله ‏"‏حمش الساقين ‏"‏ بحاء مهملة وميم ساكنة ثم معجمة أي دقيق الساقين، وهو موافق لقوله في رواية أبي هريرة ‏"‏ ذو السويقتين ‏"‏ كما سيأتي في الحديث الذي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقلعها حجرا حجرا‏)‏ زاد الإسماعيلي والفاكهي في آخره ‏"‏ يعني الكعبة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شهاب‏)‏ كذا رواه الليث عن يونس، وتابعه عبد الله بن وهب عن يونس عند أبي نعيم في المستخرج، وخالفهما ابن المبارك فرواه عن يونس عن الزهري فقال عن سحيم مولى بني زهرة عن أبي هريرة رواه الفاكهي من طريق نعيم بن حماد عن ابن المبارك، فإن كان محفوظا فيكون للزهري فيه شيخان عن أبي هريرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذو السويقتين‏)‏ تثنية سويقة وهي تصغير ساق أي له ساقان دقيقان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من الحبشة‏)‏ أي رجل من الحبشة، ووقع هذا الحديث عند أحمد من طريق سعيد بن سمعان عن أبي هريرة بأتم من هذا السياق ولفظه ‏"‏ يبايع للرجل بين الركن والمقام، ولن يستحل هذا البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تجيء الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا، وهم الذين يستخرجون كنزه ‏"‏ ولأبي قرة في ‏"‏ السنن ‏"‏ من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة ‏"‏ ونحوه لأبي داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وزاد أحمد والطبراني من طريق مجاهد عنه ‏"‏ فيسلبها حليتها ويجردها من كسوتها، كأني أنظر إليه أصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته أو بمعوله‏"‏‏.‏
وللفاكهي من طريق مجاهد نحوه وزاد ‏"‏ قال مجاهد‏:‏ فلما هدم ابن الزبير الكعبة جئت أنظر إليه هل أرى الصفة التي قال عبد الله بن عمرو فلم أرها ‏"‏ قيل‏:‏ هذا الحديث يخالف قوله تعالى ‏(‏أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا‏)‏ ولأن الله حبس عن مكة الفيل ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة ولم تكن إذ ذاك قبلة، فكيف يسلط عليها الحبشة بعد أن صارت قبلة للمسلمين‏؟‏ وأجيب بأن ذلك محمول على أنه يقع في آخر الزمان قرب قيام الساعة حيث لا يبقى في الأرض أحد يقول الله الله كما ثبت في صحيح مسلم ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله ‏"‏ ولهذا وقع في رواية سعيد بن سمعان ‏"‏ لا يعمر بعده أبدا ‏"‏ وقد وقع قبل ذلك فيه من القتال وغزو أهل الشام له في زمن يزيد بن معاوية ثم من بعده في وقائع كثيرة من أعظمها وقعة القرامطة بعد الثلاثمائة فقتلوا من المسلمين في المطاف من لا يحصى كثرة وقلعوا الحجر الأسود فحولوه إلى بلادهم ثم أعادوه بعد مدة طويلة، ثم غزي مرارا بعد ذلك، كل ذلك لا يعارض قوله تعالى ‏(‏أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا‏)‏ لأن ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين فهو مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ولن يستحل هذا البيت إلا أهله‏"‏، فوقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من علامات نبوته، وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ذكر في الحجر الأسود‏)‏ أورد فيه حديث عمر في تقبيل الحجر وقوله ‏"‏ لا تضر ولا تنفع ‏"‏ وكأنه لم يثبت عنده فيه على شرطه شيء غير ذلك، وقد وردت فيه أحاديث‏:‏ منها حديث عند الله بن عمرو بن العاص مرفوعا ‏"‏ إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما، ولولا ذلك لأضاءا ما بين المشرق والمغرب ‏"‏ أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان وفي إسناده رجاء أبو يحيى وهو ضعيف قال الترمذي‏:‏ حديث غريب، ويروى عن عبد الله بن عمرو موقوفا‏.‏
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه وقفه أشبه والذي رفعه ليس بقوي‏.‏
ومنها حديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم ‏"‏ أخرجه الترمذي وصححه، وفيه عطاء بن السائب وهو صدوق لكنه اختلط، وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه، لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوى بها، وقد رواه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن عطاء مختصرا ولفظه ‏"‏ الحجر الأسود من الجنة ‏"‏ وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط، وفي صحيح ابن خزيمة أيضا عن ابن عباس مرفوعا ‏"‏ أن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق ‏"‏ وصححه أيضا ابن حبان والحاكم، وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم أيضا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ فَقَالَ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ هو ابن يزيد النخعي، وقد رواه سفيان وهو الثوري بإسناد آخر عن إبراهيم وهو ابن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة عن عمر أخرجه مسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني أعلم أنك حجر‏)‏ في رواية أسلم الآتية بعد باب عن عمر أنه قال ‏"‏ أما والله إني لأعلم أنك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا تضر ولا تنفع‏)‏ أي إلا بإذن الله، وقد روى الحاكم من حديث أبي سعيد أن عمر لما قال هذا قال له علي بن أبي طالب إنه يضر وينفع، وذكر أن الله لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر، قال‏:‏ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد ‏"‏ وفي إسناده أبو هارون العبدي وهو ضعيف جدا، وقد روى النسائي من وجه آخر ما يشعر بأن عمر رفع قوله ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه من طريق طاوس عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ رأيت عمر قبل الحجر ثلاثا ثم قال‏:‏ إنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك ‏"‏ ثم قال ‏"‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك ‏"‏ قال الطبري‏:‏ إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان‏.‏
وقال المهلب‏:‏ حديث عمر هذا يرد على من قال إن الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده، ومعاذ الله أن يكون لله جارحة، وإنما شرع تقبيله اختيارا ليعلم بالمشاهدة طاعة من يطيع، وذلك شبيه بقصة إبليس حيث أمر بالسجود لآدم‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ معنى أنه يمين الله في الأرض أن من صافحه في الأرض كان له عند الله عهد، وجرت العادة بأن العهد يعقده الملك بالمصافحة لمن يريد موالاته والاختصاص به فخاطبهم بما يعهدونه‏.‏
وقال المحب الطبري‏:‏ معناه أن كل ملك إذا قدم عليه الوافد قبل يمينه فلما كان الحاج أول ما يقدم يسن له تقبيله نزل منزلة يمين الملك ولله المثل الأعلى‏.‏
وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة فيه، وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته، وفيه بيان السنن بالقول والفعل، وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاده أن يبادر إلى بيان الأمر ويوضح ذلك، وسيأتي بقية الكلام على التقبيل والاستلام بعد تسعة أبواب‏.‏
قال شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏‏:‏ فيه كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله، وأما قول الشافعي ومهما قبل من البيت فحسن فلم يرد به الاستحباب لأن المباح من جملة الحسن عند الأصوليين‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ اعترض بعض الملحدين على الحديث الماضي فقال‏:‏ كيف سودته خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد‏؟‏ وأجيب بما قال ابن قتيبة‏:‏ لو شاء الله لكان ذلك، وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبغ، ولا ينصبغ على العكس من البياض‏.‏
وقال المحب الطبري‏:‏ في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة، فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد‏.‏
قال‏:‏ وروي عن ابن عباس إنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة، فإن ثبت فهذا هو الجواب‏.‏
قلت‏:‏ أخرجه الحميدي في فضائل مكة بإسناد ضعيف والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب إِغْلَاقِ الْبَيْتِ وَيُصَلِّي فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إغلاق البيت، ويصلي في أي نواحي البيت شاء‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر عن بلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة بين العمودين، وتعقب بأنه يغاير الترجمة من جهة أنها تدل على التخيير، والفعل المذكور يدل على التعيين‏.‏
وأجيب بأنه حمل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموضع بعينه على سبيل الاتفاق لا على سبيل القصد لزيادة فضل في ذلك المكان على غيره، ويحتمل أن يكون مراده أن ذلك الفعل ليس حتما وإن كانت الصلاة في تلك البقعة التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من غيرها، ويؤيده ما سيأتي في الباب الذي يليه من تصريح ابن عمر بنص الترجمة مع كونه كان يقصد المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه لفضله، وكأن المصنف أشار بهذه الترجمة إلى الحكمة في إغلاق الباب حينئذ، وهو أولى من دعوى ابن بطال الحكمة فيه لئلا يظن الناس أن ذلك سنة، وهو مع ضعفه منتقض بأنه لو أراد إخفاء ذلك ما اطلع عليه بلال ومن كان معه، وإثبات الحكم بذلك يكفي فيه فعل الواحد وقد تقدم بسط هذا في ‏"‏ باب الغلق للكعبة ‏"‏ من كتاب الصلاة، وظاهر الترجمة أنه يشترط للصلاة في جميع الجوانب إغلاق الباب ليصير مستقبلا في حال الصلاة غير الفضاء، والمحكي عن الحنفية الجواز مطلقا، وعن الشافعية وجه مثله لكن يشترط أن يكون للباب عتبة بأي قدر كانت، ووجه يشترط أن يكون قدر قامة المصلي، ووجه يشترط أن يكون قدر مؤخر الرجل وهو المصحح عندهم، وفي الصلاة فوق ظهر الكعبة نظير هذا الخلاف والله أعلم‏.‏
وأما قول بعض الشارحين إن قوله ‏"‏ ويصلي في أي نواحي البيت شاء ‏"‏ يعكر على الشافعية فيما إذا كان البيت مفتوحا ففيه نظر لأنه جعله حيث يغلق الباب، وبعد الغلق لا توقف عندهم في الصحة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ فَلَقِيتُ بِلَالًا فَسَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت‏)‏ كان ذلك في عام الفتح كما وقع مبينا من رواية يونس بن يزيد عن نافع عند المصنف في كتاب الجهاد بزيادة فوائد ولفظه ‏"‏ أقبل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته ‏"‏ وفي رواية فليح عن نافع الآتية في المغازي ‏"‏ وهو مردف أسامة - يعني ابن زيد - على القصواء، ثم اتفقا ومعه بلال وعثمان بن طلحة حتى أناخ في المسجد ‏"‏ وفي رواية فليح ‏"‏ عند البيت‏.‏
وقال لعثمان ائتنا بالمفتاح، فجاءه بالمفتاح ففتح له الباب فدخل ‏"‏ ولمسلم وعبد الرزاق من رواية أيوب عن نافع ‏"‏ ثم دعا عثمان بن طلحة بالمفتاح فذهب إلى أمه فأبت أن تعطيه، فقال‏:‏ والله لتعطينه أو لأخرجن هذا السيف من صلبي، فلما رأت ذلك أعطته، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الباب ‏"‏ فظهر من رواية فليح أن فاعل فتح هو عثمان المذكور، لكن روى الفاكهي - من طريق ضعيفة - عن ابن عمر قال ‏"‏ كان بنو أبي طلحة يزعمون أنه لا يستطيع أحد فتح الكعبة غيرهم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها بيده ‏"‏ وعثمان المذكور هو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزيز بن عبد الدار بن قصي بن كلاب، ويقال له الحجبي بفتح المهملة والجيم، ولآل بيته الحجبة لحجبهم الكعبة، ويعرفون الآن بالشيبيين نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عم عثمان هذا لا ولده، وله أيضا صحبة ورواية، واسم أم عثمان المذكورة سلافة بضم المهملة والتخفيف والفاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان‏)‏ زاد مسلم من طريق أخرى ‏"‏ ولم يدخلها معهم أحد ‏"‏ ووقع عند النسائي من طريق ابن عون عن نافع ‏"‏ ومعه الفضل بن عباس وأسامة وبلال وعثمان ‏"‏ زاد الفضل، ولأحمد من حديث ابن عباس ‏"‏ حدثني أخي الفضل - وكان معه حين دخلها - أنه لم يصل في الكعبة ‏"‏ وسيأتي البحث فيه بعد بابين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأغلقوا عليهم‏)‏ زاد في رواية حسان بن عطية عن نافع عند أبي عوانة ‏"‏ من داخل ‏"‏ وزاد يونس ‏"‏ فمكث نهارا طويلا ‏"‏ وفي رواية فليح ‏"‏ زمانا ‏"‏ بدل نهارا‏.‏
وفي رواية جويرية عن نافع التي مضت في أوائل الصلاة ‏"‏ فأطال ‏"‏ ولمسلم من رواية ابن عون عن نافع ‏"‏ فمكث فيها مليا ‏"‏ وله من رواية عبيد الله عن نافع ‏"‏ فأجافوا عليهم الباب طويلا ‏"‏ ومن رواية أيوب عن نافع ‏"‏ فمكث فيها ساعة ‏"‏ وللنسائي من طريق ابن أبي مليكة ‏"‏ فوجدت شيئا فذهبت ثم جئت سريعا فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم خارجا منها ‏"‏ ووقع في الموطأ بلفظ ‏"‏ فأغلقاها عليه ‏"‏ والضمير لعثمان وبلال، ولمسلم من طريق ابن عون عن نافع ‏"‏ فأجاف عليهم عثمان الباب‏"‏، والجمع بينهما أن عثمان هو المباشر لذلك لأنه من وظيفته، ولعل بلالا ساعده في ذلك‏.‏
ورواية الجمع يدخل فيها الآمر بذلك والراضي به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما فتحوا كنت أول من ولج‏)‏ في رواية فليح ‏"‏ ثم خرج فابتدر الناس الدخول فسبقتهم ‏"‏ وفي رواية أيوب ‏"‏ وكنت رجلا شابا قويا فبادرت الناس فبدرتهم ‏"‏ وفي رواية جويرية ‏"‏ كنت أول الناس ولج على أثره ‏"‏ وفي رواية ابن عون ‏"‏ فرقيت الدرجة فدخلت البيت ‏"‏ وفي رواية مجاهد الماضية في أوائل الصلاة عن ابن عمر ‏"‏ وأجد بلالا قائما بين البابين ‏"‏ وأفاد الأزرقي في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ أن خالد بن الوليد كان على الباب يذب عنه الناس، وكأنه جاء بعدما دخل النبي صلى الله عليه وسلم وأغلق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلقيت بلالا فسألته‏)‏ زاد في رواية مالك عن نافع الماضية في أوائل الصلاة ‏"‏ ما صنع ‏"‏‏؟‏ وفي رواية جويرية ويونس وجمهور أصحاب نافع ‏"‏ فسألت بلالا أين صلى ‏"‏‏؟‏ اختصروا أول السؤال، وثبت في رواية سالم هذه حيث قال ‏"‏ هل صلى فيه‏؟‏ قال نعم ‏"‏ وكذا في رواية مجاهد وابن أبي مليكة عن ابن عمر ‏"‏ فقلت‏:‏ أصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة‏؟‏ قال نعم ‏"‏ فظهر أنه استثبت أولا هل صلى أو لا، ثم سأل عن موضع صلاته من البيت‏.‏
ووقع في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم ‏"‏ فأخبرني بلال أو عثمان بن طلحة ‏"‏ على الشك، والمحفوظ أنه سأل بلالا كما في رواية الجمهور‏:‏ ووقع عند أبي عوانة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن ابن عمر أنه سأل بلالا وأسامة بن زيد حين خرجا ‏"‏ أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه‏؟‏ فقالا على جهته ‏"‏ وكذا أخرجه البزار نحوه، ولأحمد والطبراني من طريق أبي الشعثاء عن ابن عمر قال ‏"‏ أخبرني أسامة أنه صلى فيه هاهنا ‏"‏ ولمسلم والطبراني من وجه آخر ‏"‏ فقلت أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ‏"‏ فإن كان محفوظا حمل على أنه ابتدأ بلالا بالسؤال كما تقدم تفصيله، ثم أراد زيادة الاستثبات في مكان الصلاة فسأل عثمان أيضا وأسامة، ويؤيد ذلك قوله في رواية ابن عون عند مسلم ‏"‏ ونسيت أن أسألهم كم صلى ‏"‏ بصيغة الجمع، وهذا أولى من جزم عياض بوهم الرواية التي أشرنا إليها من عند مسلم، وكأنه لم يقف على بقية الروايات، ولا يعارض قصته مع قصة أسامة ما أخرجه مسلم أيضا من حديث ابن عباس أن أسامة بن زيد أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه، ولكنه كبر في نواحيه‏.‏
فإنه يمكن الجمع بينهما بأن أسامة حيث أثبتها اعتمد في ذلك على غيره، وحيث نفاها أراد ما في علمه لكونه لم يره صلى الله عليه وسلم حين صلى‏.‏
وسيأتي مزيد بسط فيه بعد بابين في الكلام على حديث ابن عباس إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين العمودين اليمانيين‏)‏ في رواية جويرية ‏"‏ بين العمودين المقدمين ‏"‏ وفي رواية مالك عن نافع ‏"‏ جعل عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره ‏"‏ وفي رواية عنه ‏"‏ عمودين عن يمينه ‏"‏ وقد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في ‏"‏ باب الصلاة بين السواري ‏"‏ بما يغني عن إعادته، لكن نذكر هنا ما لم يتقدم ذكره؛ فوقع في رواية فليح الآتية في المغازي ‏"‏ بين ذينك العمودين المقدمين، وكان البيت على ستة أعمدة سطرين، صلى بين العمودين من السطر المقدم وجعل باب البيت خلف ظهره ‏"‏ وقال في آخر روايته ‏"‏ وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء ‏"‏ وكل هذا إخبار عما كان عليه البيت قبل أن يهدم ويبني في زمن ابن الزبير، فأما الآن فقد بين موسى بن عقبة في روايته عن نافع كما في الباب الذي يليه أن بين موقفه صلى الله عليه وسلم وبين الجدار الذي استقبله قريبا من ثلاثة أذرع، وجزم برفع هذه الزيادة مالك عن نافع فيما أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن مهدي والدارقطني في ‏"‏ الغرائب ‏"‏ من طريقه وطريق عبد الله بن وهب وغيرهما عنه ولفظه ‏"‏ وصلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع ‏"‏ وكذا أخرجها أبو عوانة من طريق هشام بن سعد عن نافع، وهذا فيه الجزم بثلاثة أذرع، لكن رواه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك بلفظ ‏"‏ نحو من ثلاثة أذرع ‏"‏ وهي موافقة لرواية موسى بن عقبة‏.‏
وفي ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ للأزرقي والفاكهي من وجه آخر أن معاوية سأل ابن عمر ‏"‏ أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقال‏:‏ اجعل بينك وبين الجدار ذراعين أو ثلاثة ‏"‏ فعلى هذا ينبغي لمن أراد الاتباع في ذلك أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فإنه تقع قدماه في مكان قدميه صلى الله عليه وسلم إن كانت ثلاثة أذرع سواء، وتقع ركبتاه أو يداه ووجهه إن كان أقل من ثلاثة والله أعلم‏.‏
وأما مقدار صلاته حينئذ فقد تقدم البحث فيه في أوائل الصلاة، وأشرت إلى الجمع بين رواية مجاهد عن ابن عمر أنه صلى ركعتين وبين رواية من روى عن نافع أن ابن عمر قال نسيت أن أسأله كم صلى، وإلى الرد على‏.‏
من زعم أن رواية مجاهد غلط بما فيه مقنع بحمد الله تعالى‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد‏:‏ رواية الصاحب عن الصاحب، وسؤال المفضول مع وجود الأفضل والاكتفاء به، والحجة بخبر الواحد، ولا يقال هو أيضا خبر واجد فكيف يحتج للشيء بنفسه‏؟‏ لأنا نقول‏:‏ هو فرد ينضم إلى نظائر مثله يوجب العلم بذلك، وفيه اختصاص السابق بالبقعة الفاضلة، وفيه السؤال عن العلم والحرص فيه، وفضيلة ابن عمر لشدة حرصه على تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ليعمل بها، وفيه أن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المشاهد الفاضلة ويحضره من هو دونه فيطلع على ما لم يطلع عليه، لأن أبا بكر وعمر وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومن ذكر معه لم يشاركوهم في ذلك، واستدل به المصنف فيما مضى على أن الصلاة إلى المقام غير واجبة، وعلى جواز الصلاة بين السواري في غير الجماعة، وعلى مشروعية الأبواب والغلق للمساجد، وفيه أن السترة إنما تشرع حيث يخشى المرور فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بين العمودين ولم يصل إلى أحدهما، والذي يظهر أنه ترك ذلك للاكتفاء بالقرب من الجدار كما تقدم أنه كان بين مصلاه والجدار نحو ثلاثة أذرع، وبذلك ترجم له النسائي على أن حد الدنو من السترة أن لا يكون بينهما أكثر من ثلاثة أذرع، ويستفاد منه أن قول العلماء تحية المسجد الحرام الطواف مخصوص بغير داخل الكعبة لكونه صلى الله عليه وسلم جاء فأناخ عند البيت فدخله فصلى فيه ركعتين فكانت تلك الصلاة إما لكون الكعبة كالمسجد المستقل أو هو تحية المسجد العام والله أعلم‏.‏
وفيه استحباب دخول الكعبة، وقد روى ابن خزيمة والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ من دخل البيت دخل في حسنة وخرج مغفورا له ‏"‏ قال البيهقي تفرد به عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف، ومحل استحبابه ما لم يؤذ أحدا بدخوله‏.‏
وروى ابن أبي شيبة من قول ابن عباس‏:‏ أن دخول البيت ليس من الحج في شيء، وحكى القرطبي عن بعض العلماء أن دخول البيت من مناسك الحج، ورده بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دخله عام الفتح ولم يكن حينئذ محرما، وأما ما رواه أبو داود والترمذي وصححه هو وابن خزيمة والحاكم عن عائشة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو قرير العين ثم رجع وهو كئيب فقال‏:‏ دخلت الكعبة فأخاف أن أكون شققت على أمتي ‏"‏ فقد يتمسك به لصاحب هذا القول المحكي لكون عائشة لم تكن معه في الفتح ولا في عمرته، بل سيأتي بعد بابين أنه لم يدخل في الكعبة في عمرته، فتعين أن القصة كـانت في حجته وهو المطلوب، وبذلك جزم البيهقي، وإنما لم يدخل في عمرته لما كان في البيت من الأصنام والصور كما سيأتي، وكان إذ ذاك لا يتمكن من إزالتها، بخلاف عام الفتح‏.‏
ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه فليس في السياق ما يمنع ذلك، وسيأتي النقل عن جماعة من أهل العلم أنه لم يدخل الكعبة في حجته‏.‏
وفيه استحباب الصلاة في الكعبة وهو ظاهر في النفل، ويلتحق به الفرض إذ لا فرق بينهما في مسألة الاستقبال للمقيم وهو قول الجمهور، وعن ابن عباس لا تصـح الصلاة داخلها مطلقا، وعلله بأنه يلزم من ذلك استدبار بعضها وقد ورد الأمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها‏.‏
وقال به بعض المالكية والظاهرية والطبري‏.‏
وقال المازري‏:‏ المشهور في المذهب منع صلاة الفرض داخلها ووجوب الإعادة، وعن ابن عبد الحكم الإجزاء، وصححه ابن عبد البر وابن العربي‏.‏
وعن ابن حبيب يعيد أبدا، وعن أصبغ إن كان متعمدا، وأطلق الترمذي عن مالك جواز النوافل، وقيده بعض أصحابه بغير الرواتب وما تسرع فيه الجماعة، وفي ‏"‏ شرح العمدة ‏"‏ لابن دقيق العيد‏:‏ كره مالك الفرض أو منعه فكأنه أشار إلى اختلاف النقل عنه في ذلك، ويلتحق بهذه المسألة الصلاة في الحجر‏.‏
ويأتي فيها الخلاف السابق في أول الباب في الصلاة إلى جهة الباب، نعم إذا استدبر الكعبة واستقبل الحجر لم يصح على القول بأن تلك الجهة منه ليست من الكعبة، ومن المشكل ما نقله النووي في ‏"‏ زوائد الروضة ‏"‏ عن الأصحاب أن صلاة الفرض داخل الكعبة - إن لم يرج جماعة - أفضل منها خارجها، ووجه الإشكال أن الصلاة خارجها متفق على صحتها بين العلماء بخلاف داخلها، فكيف يكون المختلف في صحته أفضل من المتفق‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:50 AM
باب الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في الكعبة‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر في ذلك من طريق عبد الله بن المبارك عن موسى بن عقبة عن نافع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ الْوَجْهِ حِينَ يَدْخُلُ وَيَجْعَلُ الْبَابَ قِبَلَ الظَّهْرِ يَمْشِي حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ فَيُصَلِّي يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِلَالٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَأْسٌ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قبل‏)‏ بكسر القاف وفتح الموحدة أي مقابل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتوخى‏)‏ بتشديد الخاء المعجمة أي يقصد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وليس على أحد بأس إلخ‏)‏ الظاهر أنه من كلام ابن عمر مع احتمال أن يكون من كلام غيره، وقد تقدم الحديث المرفوع في كتاب الصلاة في ‏"‏ باب الصلاة بين السواري‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب مَنْ لَمْ يَدْخُلْ الْكَعْبَةَ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَحُجُّ كَثِيرًا وَلَا يَدْخُلُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يدخل الكعبة‏)‏ كأنه أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من زعم أن دخولها من مناسك الحج، وقد تقدم البحث فيه قبل بباب، واقتصر المصنف على الاحتجاج بفعل ابن عمر لأنه أشهر من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم دخول الكعبة فلو كان دخولها عنده من المناسك لما أخل به مع كثرة اتباعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر إلخ‏)‏ وصله سفيان الثوري في جامعه من رواية عبد الله بن الوليد العدلي عنه عن حنظلة عن طاوس قال ‏"‏ كان ابن عمر يحج كثيرا ولا يدخل البيت ‏"‏ وأخرجه الفاكهي في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ من هذا الوجه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ قَالَ لَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏خالد بن عبد الله‏)‏ هو الطحان البصري، وهذا الإسناد نصفه بصري ونصفه كوفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اعتمر‏)‏ أي في سنة سبع عام القضية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة‏)‏ ‏؟‏ الهمزة للاستفهام، أي في تلك العمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لا‏)‏ قال النووي‏:‏ قال العلماء سبب ترك دخوله ما كان في البيت من الأصنام والصور، ولم يكن المشركون يتركونه ليغيرها، فلما كان في الفتح أمر بإزالة الصور ثم دخلها، يعني كما في حديث ابن عباس الذي بعده انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون دخول البيت لم يقع في الشرط، فلو أراد دخوله لمنعوه كما منعوه من الإقامة بمكة زيادة على الثلاث فلم يقصد دخوله لئلا يمنعوه‏.‏
وفي ‏"‏ السيرة ‏"‏ عن علي أنه دخلها قبل الهجرة فأزال شيئا من الأصنام، وفي ‏"‏ الطبقات ‏"‏ عن عثمان بن طلحة نحو ذلك، فإن ثبت ذلك لم يشكل على الوجه الأول لأن ذلك الدخول كان لإزالة شيء من المنكرات لا لقصد العبادة، والإزالة في الهدنة كانت غير ممكنة بخلاف يوم الفتح‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ استدل المحب الطبري به على أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة في حجته وفي فتح مكة، ولا دلالة فيه على ذلك لأنه لا يلزم من نفي كونه دخلها في عمرته أنه دخلها في جميع أسفاره‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب مَنْ كَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْكَعْبَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من كبر في نواحي الكعبة‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كبر في البيت ولم يصل فيه ‏"‏ وصححه المصنف واحتج به مع كونه يرى تقديم حديث بلال في إثباته الصلاة فيه عليه، ولا معارضة في ذلك بالنسبة إلى الترجمة لأن ابن عباس أثبت التكبير ولم يتعرض له بلال، وبلال أثبت الصلاة ونفاها ابن عباس فاحتج المصنف بزيادة ابن عباس، وقد يقدم إثبات بلال على نفي غيره لأمرين‏:‏ أحدهما أنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وإنما أسند نفيه تارة لأسامة وتارة لأخيه الفضل مع أنه لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة، وقد روى أحمد من طريق ابن عباس عن أخيه الفضل نفي الصلاة فيها فيحتمل أن يكون تلقاه عن أسامة فإنه كان معه كما تقدم، وقد مضى في كتاب الصلاة أن ابن عباس روي عنه نفي الصلاة فيها عند مسلم، وقد وقع إثبات صلاته فيها عن أسامة من رواية ابن عمر عن أسامة عند أحمد وغيره فتعارضت الرواية في ذلك عنه، فتترجح رواية بلال من جهة أنه مثبت وغيره ناف ومن جهة أنه لم يختلف عليه في الإثبات واختلف على من نفى‏.‏
وقال النووي وغيره‏:‏ يجمع بين إثبات بلال ونفي أسامة بأنهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فاشتغل أسامة بالدعاء في ناحية والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه منه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله، ولأن بإغلاق الباب تكون الظلمة مع احتمال أن يحجبه عنه بعض الأعمدة فنفاها عملا بظنه‏.‏
وقال المحب الطبري‏:‏ يحتمل أن يكون أسامة غاب عنه بعد دخوله لحاجة فلم يشهد صلاته انتهى‏.‏
ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى ابن عباس عن أسامة قال ‏"‏ دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة فرأى صورا فدعا بدلو من ماء فأتيته به فضرب به الصور ‏"‏ فهذا الإسناد جيد، قال القرطبي‏:‏ فلعله استصحب النفي لسرعة عوده انتهى‏.‏
وهو مفرع على أن هذه القصة وقعت عام الفتح، فإن لم يكن فقد روى عمر بن شبة في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ من طريق علي بن بذيمة - وهو تابعي وأبوه بفتح الموحدة ثم معجمة وزن عظيمة - قال ‏"‏ دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة ودخل معه بلال، وجلس أسامة على الباب، فلما خرج وجد أسامة قد احتبى فأخذ بحبوته فحلها ‏"‏ الحديث، فلعله احتبى فاستراح فنعس فلم يشاهد صلاته، فلما سئل عنها نفاها مستصحبا للنفي لقصر زمن احتبائه، وفي كل ذلك إنما نفي رؤيته لا ما في نفس الأمر، ومنهم من جمع بين الحديثين بغير ترجيح أحدهما على الآخر وذلك من أوجه‏:‏ أحدها حمل الصلاة المثبتة على اللغوية والمنفية على الشرعية، وهذه طريقة من يكره الصلاة داخل الكعبة فرضا ونفلا، وقد تقدم البحث فيه، ويرد هذا الحمل ما تقدم في بعض طرقه من تعيين قدر الصلاة، فظهر أن المراد بها الشرعية لا مجرد الدعاء‏.‏
ثانيها قال القرطبي‏:‏ يمكن حمل الإثبات على التطوع والنفي على الفرض، وهذه طريقة المشهور من مذهب مالك، وقد تقدم البحث فيها‏.‏
ثالثها قال المهلب شارح البخاري‏:‏ يحتمل أن يكون دخول البيت وقع مرتين، صلى في إحداهما ولم يصل في الأخرى‏.‏
وقال ابن حبان‏:‏ الأشبه عندي في الجمع أن يجعل الخبران في وقتين فيقال‏:‏ لما دخل الكعبة في الفتح صلى فيها على ما رواه ابن عمر عن بلال، ويجعل نفي ابن عباس الصلاة في الكعبة في حجته التي حج فيها لأن ابن عباس نفاها وأسنده إلى أسامة، وابن عمر أثبتها وأسند إثباته إلى بلال وإلى أسامة أيضا، فإذا حمل الخبر على ما وصفنا بطل التعارض، وهذا جمع حسن، لكن تعقبه النووي بأنه لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم دخل في يوم الفتح لا في حجة الوداع، ويشهد له ما روى الأزرقي في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ عن سفيان عن غير واحد من أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح ثم حج فلم يدخلها، وإذا كان الأمر كذلك فلا يمتنع أن يكون دخلها عام الفتح مرتين ويكون المراد بالواحدة التي في خبر ابن عيينة وحدة السفر لا الدخول، وقد وقع عند الدارقطني من طريق ضعيفة ما يشهد لهذا الجمع والله أعلم‏.‏
ويؤيد الجمع الأول ما أخرجه عمر بن شبة في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ من طريق حماد عن أبي حمزة عن ابن عباس قال‏:‏ قلت له كيف أصلي في الكعبة‏؟‏ قال‏:‏ كما تصلي في الجنازة، تسبح وتكبر ولا تركع ولا تسجد، ثم عند أركان البيت سبح وكبر وتضرع واستغفر ولا تركع ولا تسجد، وسنده صحيح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفيه الآلهة‏)‏ أي الأصنام، وأطلق عليها الآلهة باعتبار ما كانوا يزعمون، وفي جواز إطلاق ذلك وقفة، والذي يظهر كراهته، وكانت تماثيل على صور شتى فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول البيت وهي فيه لأنه لا يقر على باطل، ولأنه لا يحب فراق الملائكة وهي لا تدخل ما فيه صورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الأزلام‏)‏ سيأتي شرحها مبينا حيث ذكرها المصنف في تفسير المائدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أم والله‏)‏ كذا للأكثر ولبعضهم ‏"‏ أما ‏"‏ بإثبات الألف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقد علموا‏)‏ قيل وجه ذلك أنهم كانوا يعلمون اسم أول من أحدث الاستقسام بها، وهو عمرو بن لحي، وكانت نسبتهم إلى إبراهيم وولده الاستقسام بها افتراء عليهما لتقدمهما على عمرو‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الرَّمَلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كيف كان بدء الرمل‏)‏ أي ابتداء مشروعيته، وهو بفتح الراء والميم هو الإسراع‏.‏
وقال ابن دريد‏:‏ هو شبيه بالهرولة، وأصله أن يحرك الماشي منكبيه في مشيه، وذكر حديث ابن عباس في قصة الرمل في عمرة القضية، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في المغازي، وعلى ما يتعلق بحكم الرمل بعد باب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن يرملوا‏)‏ بضم الميم وهو في موضع مفعول يأمرهم تقول أمرته كذا وأمرته بكذا‏.‏
و ‏(‏الأشواط‏)‏ بفتح الهمزة بعدها معجمة جمع شوط بفتح الشين وهو الجري مرة إلى الغاية، والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة، و ‏(‏الإبقاء‏)‏ بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف الرفق والشفقة، وهو بالرفع على أنه فاعل ‏"‏ لم يمنعه ‏"‏ ويجوز النصب‏.‏
وفي الحديث جواز تسمية الطوفة شوطا، ونقل عن مجاهد والشافعي كراهته، ويؤخذ منه جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار إرهابا لهم، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم‏.‏
وفيه جواز المعاريض بالفعل كما يجوز بالقول، وربما كانت بالفعل أولى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ وَيَرْمُلُ ثَلَاثًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثا‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر في ذلك، وهو مطابق للترجمة من غير مزيد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يخب‏)‏ بفتح أوله وضم الخاء المعجمة بعدها موحدة أي يسرع في مشيه، والخبب بفتح المعجمة والموحدة بعدها موحدة أخرى‏:‏ العدو السريع، يقال خبت الدابة إذا أسرعت وراوحت بين قدميها، وهذا يشعر بترادف الرمل والخبب عند هذا القائل‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏أول‏)‏ منصوب على الظرف، و قوله‏:‏ ‏(‏من السبع‏)‏ بفتح أوله أي السبع طوفات، وظاهره أن الرمل يستوعب الطوفة، فهو مغاير لحديث ابن عباس الذي قبله لأنه صريح في عدم الاستيعاب، وسيأتي القول فيه في الباب الذي بعده في الكلام على حديث عمر إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب الرَّمَلِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الرمل في الحج والعمرة‏)‏ أي في بعض الطواف، والقصد إثبات بقاء مشروعيته، وهو الذي عليه الجمهور‏.‏
وقال ابن عباس‏:‏ ليس هو بسنة، من شاء رمل ومن شاء لم يرمل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ تَابَعَهُ اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد هو ابن سلام‏)‏ كذا لأبي ذر، وللباقين سوى ابن السكن غير منسوب، وأما أبو نعيم فقال بعد أن أخرج الحديث من طريق محمد بن عبد الله بن نمير عن شريح أخرجه البخاري عن محمد ويقال هو ابن نمير، ورجح أبو علي الجياني أنه محمد بن رافع لكونه روى في موضع آخر عنه عن شريح ويحتمل أن يكون ابن يحيى الذهلي وهو قول الحاكم، والصواب أنه ابن سلام كما نسبه أبو ذر وجزم بذلك أبو علي بن السكن في روايته، على أن شريحا شيخ محمد فيه قد أخرج عنه البخاري بغير واسطة في الجمعة وغيرها فيحتمل أن يكون محمد هو البخاري نفسه والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سعى‏)‏ أي أسرع المشي في الطوفات الثلاث الأول، و قوله‏:‏ ‏(‏في الحج والعمرة‏)‏ أي حجة الوداع وعمرة القضية لأن الحديبية لم يمكن فيها من الطواف، والجعرانة لم يكن ابن عمر معه فيها ولهذا أنكرها، والتي مع حجته اندرجت أفعالها في الحج، فلم يبق إلا عمرة القضية‏.‏
نعم عند الحاكم من حديث أبي سعيد ‏"‏ رمل رسول الله في حجته وعمره كلها وأبو بكر وعمر والخلفاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه الليث قال حدثني كثير إلخ‏)‏ وصلها النسائي من طريق شعيب بن الليث عن أبيه والبيهقي من طريق يحيي بن بكير عن الليث قال حدثني فذكره بلفظ ‏"‏ إن عبد الله بن عمر كان يخب في طوافه حين يقدم في حج أو عمرة ثلاثا ويمشي أربعا، قال‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِلرُّكْنِ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَالَ فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للركن‏)‏ أي للأسود، وظاهره أنه خاطبه بذلك، وإنما فعل ذلك ليسمع الحاضرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال‏)‏ أي بعد استلامه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما لنا وللرمل‏)‏ في رواية بعضهم ‏"‏ والرمل ‏"‏ بغير لام، وهو بالنصب على الأفصح، وزاد أبو داود من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم ‏"‏ فيم الرمل والكشف عن المناكب ‏"‏ الحديث، والمراد به الاضطباع، وهي هيئة تعين على إسراع المشي بأن يدخل رداءه تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على منكبه الأيسر فيبدي منكبه الأيمن ويستر الأيسر، وهو مستحب عند الجمهور سوى مالك قاله ابن المنذر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما كنا راءينا‏)‏ بوزن فاعلنا من الرؤية، أي أريناهم بذلك أنا أقوياء قاله عياض‏.‏
وقال ابن مالك‏:‏ من الرياء أي أظهرنا له القوة ونحن ضعفاء، ولهذا روي رايينا بياءين حملا له على الرياء وإن كان أصله الرئاء بهمزتين، ومحصله أن عمر كان هم بترك الرمل في الطواف لأنه عرف سببه وقد انقضى فهم أن يتركه لفقد سببه، ثم رجع عن ذلك لاحتمال أن تكون له حكمة ما اطلع عليها فرأى أن الاتباع أولى من طريق المعنى، وأيضا إن فاعل ذلك إذا فعله تذكر السبب الباعث على ذلك فيتذكر نعمة الله على إعزاز الإسلام وأهله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا نحب أن نتركه‏)‏ زاد يعقوب بن سفيان عن سعيد شيخ البخاري فيه في آخره ‏"‏ ثم رمل ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي من طريقه، ويؤيده أنهم اقتصروا عند مراءاة المشركين على الإسراع إذا مروا من جهة الركنين الشاميين لأن المشركين كانوا بإزاء تلك الناحية، فإذا مروا بين الركنين اليمانيين مشوا على هيئتهم كما هو بين قي حديث ابن عباس، ولما رملوا في حجة الوداع أسرعوا في جميع كل طوفة فكانت سنة مستقلة، ولهذه النكتة سأل عبيد الله بن عمر نافعا كما في الحديث الذي بعده عن مشي عبد الله بن عمر بين الركنين اليمانيين فأعلمه أنه إنما كان يفعله ليكون أسهل عليه في استلام الركن، أي كان يرفق بنفسه ليتمكن من استلام الركن عند الازدحام‏.‏
وهذا الذي قاله نافع إن كان استند فيه إلى فهمه فلا يدفع احتمال أن يكون ابن عمر فعل ذلك اتباعا للصفة الأولى من الرمل لما عرف من مذهبه في الاتباع‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ لا يشرع تدارك الرمل، فلو تركه في الثلاث لما يقضه في الأربع، لأن هيئتها السكينة فلا تغير، ويختص بالرجال فلا رمل على النساء، ويختص بطواف يعقبه سعي على المشهور، ولا فرق في استحبابه بين ماش وراكب، ولا دم بتركه عند الجمهور‏.‏
واختلف عند المالكية‏.‏
وقال الطبري‏:‏ قد ثبت أن الشارع رمل ولا مشرك يومئذ بمكة يعني في حجة الوداع، فعلم أنه من مناسك الحج إلا أن تاركه ليس تاركا لعمل بل لهيئة مخصوصة فكان كرفع الصوت بالتلبية فمن لبى خافضا صوته لم يكن تاركا للتلبية بل لصفتها ولا شيء عليه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الإسماعيلي بعد أن خرج الحديث الثالث مقتصرا على المرفوع منه وزاد فيه ‏"‏ قال نافع ورأيت عبد الله - يعني ابن عمر - يزاحم على الحجر حتى يدمى ‏"‏ قال الإسماعيلي‏:‏ ليس هذا الحديث من هدا الباب في شيء يعني باب الرمل، وأجيب بأن القدر المتعلق بهذه الترجمة منه ثابت عند البخاري، ووجهه أن معني قوله ‏"‏ كان ابن عمر يمشي بين الركنين ‏"‏ أي دون غيرهما، وكان يرمل، ومن ثم سأل الراوي نافعا عن السبب في كونه كان يمشي في بعض دون بعض والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه آخر‏)‏ ‏:‏ استشكل قول عمر ‏"‏ راءينا ‏"‏ مع أن الرياء بالعمل مذموم، والجواب أن صورته وإن كانت صورة الرياء لكنها ليست مذمومة، لأن المذموم أن يظهر العمل ليقال إنه عامل ولا يعمله بغيبة إذا لم يره أحد، وأما الذي وقع في هذه القصة فإنما هو من قبيل المخادعة في الحرب، لأنهم أوهموا المشركين أنهم أقوياء لئلا يطمعوا فيهم، وثبت أن الحرب خدعة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب اسْتِلَامِ الرُّكْنِ بِالْمِحْجَنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب استلام الركن بالمحجن‏)‏ بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون، هو عصا محنية الرأس، والحجن الاعوجاج، وبذلك سمي الحجون، والاستلام افتعال من السلام بالفتح أي التحية قاله الأزهري، وقيل من السلام بالكسر أي الحجارة والمعنى أنه يومئ بعصاه إلى الركن يصيبه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ تَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ كذا قال يونس وخالفه الليث وأسامة بن زيد وزمعة بن صالح فرووه عن الزهري قال ‏"‏ بلغني عن ابن عباس ‏"‏ ولهذه النكتة استظهر البخاري بطريق ابن أخي الزهري فقال ‏"‏ تابعه الدراوردي عن ابن أخي الزهري وهذه المتابعة أخرجها الإسماعيلي عن الحسين بن سفيان عن محمد بن عباد عن عبد العزيز الدراوردي فذكره ولم يقل ‏"‏ في حجة الوداع ‏"‏ ولا ‏"‏ على بعير ‏"‏ وسيأتي البحث في مسألة الطواف راكبا بعد خمسة عشر بابا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يستلم الركن بمحجن‏)‏ زاد مسلم من حديث أبي الطفيل ‏"‏ ويقبل المحجن ‏"‏ وله من حديث ابن عمر أنه ‏"‏ استلم الحجر بيده ثم قبله ‏"‏ ورفع ذلك، ولسعيد بن المنصور من طريق عطاء قال ‏"‏ رأيت أبا سعيد وأبا هريرة وابن عمر وجابرا إذا استلموا الحجر قبلوا أيديهم‏.‏
قيل‏:‏ وابن عباس‏؟‏ قال‏:‏ وابن عباس، أحسبه قال كثيرا ‏"‏ وبهذا قال الجمهور أن السنة أن يستلم الركن ويقبل يده فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده وقبل ذلك الشيء فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك، وعن مالك في رواية لا يقبل يده، وكذا قال القاسم‏.‏
وفي رواية عند المالكية يضع يده على فمه من غير تقبيل‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب مَنْ لَمْ يَسْتَلِمْ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قَالَ وَمَنْ يَتَّقِي شَيْئًا مِنْ الْبَيْتِ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ هَذَانِ الرُّكْنَانِ فَقَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْتَلِمُهُنَّ كُلَّهُنَّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين‏)‏ أي دون الركنين الشاميين، واليماني بتخفيف الياء على المشهور لأن الألف عوض عن ياء النسب فلو شددت لكان جمعا بين العوض والمعوض، وجوز سيبويه التشديد وقال إن الألف زائدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج‏)‏ لم أره من طريق محمد بن بكر، وقد أخرجه الجوزقي من طريق عثمان بن الهيثم به، و ‏"‏ من ‏"‏ في قوله ‏"‏ ومن يتقي ‏"‏ استفهامية على سبيل الإنكار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان معاوية يستلم الأركان‏)‏ وصله أحمد والترمذي والحاكم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل قال ‏"‏ كنت مع ابن عباس ومعاوية فكان معاوية لا يمر بركن إلا استلمه، فقال ابن عباس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الحجر واليماني، فقال معاوية‏:‏ ليس شيء من البيت مهجورا ‏"‏ وأخرج مسلم المرفوع فقط من وجه آخر عن ابن عباس، وروى أحمد أيضا من طريق شعبة عن قتادة عن أبي الطفيل قال ‏"‏ حج معاوية وابن عباس، فجعل ابن عباس يستلم الأركان كلها، فقال معاوية‏:‏ إنما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الركنين اليمانيين، فقال ابن عباس‏:‏ ليس من أركانه شيء مهجور ‏"‏ قال عبد الله بن أحمد في العلل سألت أبي عنه فقال‏:‏ قلبه شعبة، وقد كان شعبة يقول‏:‏ الناس يخالفونني في هذا، ولكنني سمعته من قتادة هكذا انتهى‏.‏
وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة على الصواب أخرجه أحمد أيضا، وكذا أخرجه من طريق مجاهد عن ابن عباس نحو، وروى الشافعي من طريق محمد بن كعب القرظي ‏"‏ إن ابن عباس كان يمسح الركن اليماني والحجر، وكان ابن الزبير يمسح الأركان كلها ويقول‏:‏ ليس شيء من البيت مهجورا، فيقول ابن عباس ‏(‏لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‏)‏ ، ولفظ رواية مجاهد المذكورة عن ابن عباس أنه ‏"‏ طاف مع معاوية، فقال معاوية‏:‏ ليس شيء من البيت مهجورا، فقال له ابن عباس ‏(‏لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‏)‏ فقال معاوية‏:‏ صدقت ‏"‏ وبهذا يتبين ضعف من حمله على التعدد، وأن اجتهاد كل منهما تغير إلى ما أنكره على الآخر، وإنما قلت ذلك لأن مخرج الحديثين واحد وهو قتادة عن أبي الطفيل؛ وقد جزم أحمد بأن شعبة قلبه فسقط التجويز العقلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنه‏)‏ الهاء للشأن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يستلم هذان الركنان‏)‏ كذا للأكثر على البناء للمجهول، وللحموي والمستملي ‏"‏ لا نستلم هذين الركنين ‏"‏ بفتح النون ونصب هذين الركنين على المفعولية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير أنه رأى أباه يستلم الأركان كلها وقال ‏"‏ إنه ليس شيء منه مهجورا ‏"‏ وأخرج الشافعي نحوه عنه من وجه آخر كما تقدم، وفي ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن هشام بن عروة بن الزبير أن أباه ‏"‏ كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها‏"‏، وأخرجه سعيد بن منصور عن الدراوردي عن هشام بلفظ ‏"‏ إذا بدأ استلم الأركان كلها وإذا ختم‏"‏‏.‏
ثم أورد المصنف حديث ابن عمر قال‏:‏ ‏"‏ لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين ‏"‏ وقد تقدم قول ابن عمر ‏"‏ إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين الشاميين لأن البيت لم يتمم عل قواعد إبراهيم ‏"‏ وعلى هذا المعنى حمل ابن التين تبعا لابن القصار استلام ابن الزبير لهما لأنه لما عمر الكعبة أتم البيت على قواعد إبراهيم انتهى، وتعقب ذلك بعض الشراح بأن ابن الزبير طاف مع معاوية واستلم الكل، ولم يقف على هذا الأثر وإنما وقع ذلك لمعاوية مع ابن عباس، وأما ابن الزبير فقد أخرج الأزرقي في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ فقال‏:‏ إن ابن الزبير لما فرغ من بناء البيت وأدخل فيه من الحجر ما أخرج منه ورد الركنين على قواعد إبراهيم خرج إلى التنعيم واعتمر وطاف بالبيت واستلم الأركان الأربعة، فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير إذا طاف الطائف استلم الأركان جميعها حتى قتل ابن الزبير‏.‏
وأخرج من طريق ابن إسحاق قال‏:‏ بلغني أن آدم لما حج استلم الأركان كلها، وأن إبراهيم وإسماعيل لما فرغا من بناء البيت طافا به سبعا يستلمان الأركان‏.‏
وقال الداودي‏:‏ ظن معاوية أنهما ركنا البيت الذي وضع عليه من أول، وليس كذلك، لما سبق من حديث عائشة، والجمهور على ما دل عليه حديث ابن عمر، وروى ابن المنذر وغيره استلام جميع الأركان أيضا عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصحابة وعن سويد بن غفلة من التابعين‏.‏
وقد يشعر ما تقدم في أوائل الطهارة من حديث عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر ‏"‏ رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها ‏"‏ فذكر منها ‏"‏ ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين ‏"‏ الحديث بأن الذين رآهم عبيد بن جريج من الصحابة والتابعين كانوا لا يقتضرون في الاستلام على الركنين اليمانيين‏.‏
وقال بعض أهل العلم‏:‏ اختصاص الركنين مبين بالسنة ومستند التعميم القياس، وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجورا بأنا لم ندع استلامهما هجرا للبيت، وكيف يهجره وهو يطوف به، ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا، ولو كان ترك استلامهما هجرا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرا لها ولا قائل به، ويؤخذ منه حفظ المراتب وإعطاء كل ذي حق حقه وتنزيل كل أحد منزلته‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ في البيت أربعة أركان، الأول له فضيلتان‏:‏ كون الحجر الأسود فيه، وكونه على قواعد إبراهيم‏.‏
وللثاني الثانية فقط، وليس للآخرين شيء منهما، فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ولا يقبل الآخران ولا يستلمان، هذا على رأي الجمهور‏.‏
واستحب بعضهم تقبيل الركن اليماني أيضا‏.‏
‏(‏فائدة أخرى‏)‏ ‏:‏ استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الأركان جواز تقبيل كل من يستحق التنظيم من آدمي وغيره، فأما تقبيل يد الآدمي فيأتي في كتاب الأدب، وأما غيره فنقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل قبره فلم ير به بأسا، واستبعد بعض اتباعه صحة ذلك، ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين وبالله التوفيق‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب تَقْبِيلِ الْحَجَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب تقبيل الحجر‏)‏ بفتح المهملة والجيم أي الأسود، أورد فيه حديث عمر مختصرا، وقد تقدم الكلام عليه قبل أبواب‏.‏
ثم أورد فيه حديث ابن عمر ‏"‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله ‏"‏ ولابن المنذر من طريق أبي خالد عن عبيد الله عن نافع ‏"‏ رأيت ابن عمر استلم الحجر وقبل يده وقال‏:‏ ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ‏"‏ ويستفاد منه استحباب الجمع بين التسليم والتقبيل بخلاف الركن اليماني فيستلمه فقط والاستلام المسح باليد والتقبيل بالفم، وروى الشافعي من وجه آخر عن ابن عمر قال ‏"‏ استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه، ثم وضع شفتيه عليه طويلا ‏"‏ الحديث واختص الحجر الأسود بذلك لاجتماع الفضيلتين له كما تقدم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ غُلِبْتُ قَالَ اجْعَلْ أَرَأَيْتَ بِالْيَمَنِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حماد‏)‏ في رواية أبي الوقت ‏"‏ ابن زيد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الزبير بن عربي‏)‏ في رواية أبي داود الطيالسي عن حماد ‏"‏ حدثنا الزبير‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سأل رجل‏)‏ هو الزبير الراوي، كذلك وقع عند أبي داود الطيالسي عن حماد ‏"‏ حدثنا الزبير سألت ابن عمر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت إن زحمت‏)‏ أي أخبرني ما أصنع إذا زحمت، وزحمت بضم الزاي بغير إشباع، وفي بعض الروايات بزيادة واو‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اجعل أرأيت باليمن‏)‏ يشعر بأن الرجل يماني، وقد وقع في رواية أبي داود المذكورة ‏"‏ اجعل أرأيت عند ذلك الكوكب ‏"‏ وإنما قال له ذلك لأنه فهم منه معارضة الحديث بالرأي فأنكر عليه ذلك وأمره إذا سمع الحديث أن يأخذ به ويتقي الرأي، والظاهر أن ابن عمر لم ير الزحام عذرا في ترك الاستلام، وقد روى سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال ‏"‏ رأيت ابن عمر يزاحم على الركن حتى يدمى ‏"‏ ومن طريق أخرى أنه قيل له في ذلك فقال هوت الأفئدة إليه فأريد أن يكون فؤادي معهم، وروى الفاكهي من طرق عن ابن عباس كراهة المزاحمة وقال‏:‏ لا يؤذي ولا يؤذى‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ المستحب في التقبيل أن لا يرفع به صوته، وروى الفاكهي عن سعيد بن جبير قال‏:‏ إذا قبلت الركن فلا ترفع بها صوتك كقبلة النساء‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال أبو علي الجياني وقع عند الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني ‏"‏ الزبير بن عدي ‏"‏ بدال مهملة بعدها ياء مشددة، وهو وهم وصوابه ‏"‏ عربي ‏"‏ براء مهملة مفتوحة بعدها موحدة ثم ياء مشددة، كذلك رواه سائر الرواة عن الفربري انتهى‏.‏
وكأن البخاري استشعر هذا التصحيف فأشار إلى التحذير منه فحكى الفربري أنه وجد في كتاب أبي جعفر - يعني محمد بن أبي حاتم وراق البخاري - قال ‏"‏ قال أبو عبد الله يعني البخاري‏:‏ الزبير بن عربي هذا بصري، والزبير بن عدي كوفي ‏"‏ انتهى‏.‏
هكذا وقع عند أبي ذر عن شيوخه عن الفربري، وعند الترمذي من غير رواية الكرخي، وعقب هذا الحديث‏:‏ الزبير هذا هو ابن عربي، وأما الزبير بن عدي فهو كوفي، ويؤيده أن في رواية أبي داود المقدم ذكرها ‏"‏ الزبير بن العربي ‏"‏ بزيادة ألف ولام، وذلك مما يرفع الإشكال‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:51 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب مَنْ أَشَارَ إِلَى الرُّكْنِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أشار إلى الركن‏)‏ أي الأسود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا أتى عليه‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس ‏"‏ طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير، كلما أتى على الركن أشار إليه ‏"‏ وقد تقدم قبل ببابين بزيادة شرح فيه، قال ابن التين‏:‏ تقدم أنه كان يستلمه بالمحجن، فيدل على قربه من البيت، لكن من طاف راكبا يستحب له أن يبعد إن خاف أن يؤذي أحدا، فيحمل فعله صلى الله عليه وسلم على الأمن من ذلك انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون في حال استلامه قريبا حيث أمن ذلك، وأن يكون في حال إشارته بعيدا حيث خاف ذلك‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرُّكْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التكبير عند الركن‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس المذكور وزاد ‏"‏ أشار إليه بشيء كان عنده وكبر ‏"‏ والمراد بالشيء المحجن الذي تقدم في الرواية الماضية قبل بابين، وفيه استحباب التكبير عند الركن الأسود في كل طوفة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه إبراهيم بن طهمان عن خالد‏)‏ يعني في التكبير، وأشار بذلك إلى أن رواية عبد الوهاب عن خالد المذكورة في الباب الذي قبله الخالية عن التكبير لا تقدح في زيادة خالد بن عبد الله لمتابعة إبراهيم، وقد وصل طريق إبراهيم في كتاب الطلاق، وسيأتي الكلام في طواف المريض راكبا في بابه إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته إلخ‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ غرضه بهذه الترجمة الرد على من زعم أن المعتمر إذا طاف حل قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، فأراد أن يبين أن قول عروة ‏"‏ فلما مسحوا الركن حلوا ‏"‏ محمول على أن المراد لما استلموا الحجر الأسود وطافوا وسعوا حلوا، بدليل حديث ابن عمر الذي أردفه به في هذا الباب، وزعم ابن التين أن معنى قول عروة ‏"‏ مسحوا الركن ‏"‏ أي ركن المروة أي عند ختم السعي، وهو متعقب برواية ابن الأسود عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء قالت ‏"‏ اعتمرت أنا وعائشة والزبير وفلان وفلان، فلما مسحنا البيت أحللنا ‏"‏ أخرجه المصنف، وسيأتي في أبواب العمرة‏.‏
وقال النووي‏:‏ لا بد من تأويل قوله ‏"‏ مسحوا الركن ‏"‏ لأن المراد به الحجر الأسود ومسحه يكون في أول الطواف ولا يحصل التحلل بمجرد مسحه بالإجماع، فتقديره‏:‏ فلما مسحوا الركن وأتموا طوافهم وسعيهم وحلقوا حلوا‏.‏
وحذفت هذه المقدرات للعلم بها لظهورها‏.‏
وقد أجمعوا على أنه لا يتحلل قبل تمام الطواف‏.‏
ثم مذهب الجمهور أنه لا بد من السعي بعده ثم الحلق‏.‏
وتعقب بأن المراد بمسح الركن الكناية عن تمام الطواف لا سيما واستلام الركن يكون في كل طوفة‏.‏
فالمعنى فلما فرغوا من الطواف حلوا، وأما السعي والحلق فمختلف فيهما كما قال، ويحتمل أن يكون المعنى فلما فرغوا من الطواف وما يتبعه حلوا‏.‏
قلت‏:‏ وأراد بمسح الركن هنا استلامه بعد فراغ الطواف والركعتين كما وقع في حديث جابر، فحينئذ لا يبقى إلا تقدير وسعوا لأن السعي شرط عند عروة بخلاف ما نقل عن ابن عباس، وأما تقدير حلقوا فينظر في رأي عروة فإن كان الحلق عنده نسكا فيقدر في كلامه وإلا فلا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ذَكَرْتُ لِعُرْوَةَ قَالَ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلَهُ ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفْعَلُونَهُ وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عمرو‏)‏ هو ابن الحارث كما سيأتي بعد أربعة عشر بابا من وجه آخر عن ابن وهب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن عبد الرحمن‏)‏ هو أبو الأسود النوفلي المدني المعروف بيتيم عروة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذكرت لعروة قال فأخبرتني عائشة‏)‏ حذف البخاري صورة السؤال وجوابه واقتصر على المرفوع منه، وقد ذكره مسلم من هذا الوجه ولفظه ‏"‏ أن رجلا من أهل العراق قال له‏:‏ سل لي عروة بن الزبير عن رجل يهل بالحج، فإذا طاف أيحل أم لا‏؟‏ فإن قال لك لا يحل فقل له‏:‏ إن رجلا يقول ذلك‏.‏
قال فسألته قال‏:‏ لا يحل من أهل بالحج إلا بالحج، قال فتصدى لي الرجل فحدثته فقال‏:‏ فقل له فإن رجلا كان يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك، وما شأن أسماء والزبير فعلا ذلك‏؟‏ قال فجئته أي عروة فذكرت له ذلك فقال‏:‏ من هذا‏؟‏ فقلت‏:‏ لا أدري، أي لا أعرف اسمه‏.‏
قال‏:‏ فما باله لا يأتيني بنفسه يسألني‏؟‏ أظنه عراقيا‏.‏
يعني وهم يتعنتون في المسائل‏.‏
قال‏:‏ قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أنه توضأ ‏"‏ فذكر الحديث، والرجل الذي سأل لم أقف على اسمه، وقوله ‏"‏فإن رجلا كان يخبر ‏"‏ عنى به ابن عباس فإنه كان يذهب إلى أن من لم يسق الهدي وأهل بالحج إذا طاف يحل من حجه، وأن من أراد أن يستمر على حجه لا يقرب البيت حتى يرجع من عرفة، وكان يأخذ ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يسق الهدي من أصحابه أن يجعلوها عمرة، وقد أخرج المصنف ذلك في ‏"‏ باب حجة الوداع ‏"‏ في أواخر المغازي من طريق ابن جريج ‏"‏ حدثني عطاء عن ابن عباس قال‏:‏ إذا طاف بالبيت فقد حل‏.‏
فقلت من أين‏؟‏ قال‏:‏ هذا ابن عباس قال‏:‏ من قوله سبحانه ‏(‏ثم محلها إلى البيت العتيق‏)‏ ومن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع، قلت‏:‏ إنما كان ذلك بعد ذلك المعرف، قال‏:‏ كان ابن عباس يراه قبل وبعد ‏"‏ وأخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن جريج بلفظ ‏"‏ كان ابن عباس يقول‏:‏ لا يطوف بالبيت حاج ولا غيره إلا حل‏.‏
قلت لعطاء‏:‏ من أي تقول ذلك‏؟‏ فذكره ‏"‏ ولمسلم من طريق قتادة سمعت أبا حسان الأعرج قال ‏"‏ قال رجل لابن عباس‏:‏ ما هذه الفتيا أن من طاف بالبيت فقد حل‏؟‏ فقال‏:‏ سنة نبيكم وإن رغمتم ‏"‏ وله من طريق وبرة بن عبد الرحمن قال ‏"‏ كنت جالسا عند ابن عمر فجاءه رجل فقال‏:‏ أيصلح لي أن أطوف بالبيت قبل أن آتي الموقف‏؟‏ فقال‏:‏ نعم‏.‏
فقال‏:‏ فإن ابن عباس يقول لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف، فقال ابن عمر‏:‏ قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف، فبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن نأخذ أو بقول ابن عباس إن كنت صادقا ‏"‏ وإذا تقرر ذلك فمعنى قوله في حديث أبي الأسود ‏"‏ قد فعل رسول الله ذلك ‏"‏ أي أمر به، وعرف أن هذا مذهب لابن عباس خالفه فيه الجمهور ووافقه فيه ناس قليل منهم إسحاق بن راهويه، وعرف أن مأخذه فيه ما ذكر، وجواب الجمهور أن النبي أمر أصحابه أن يفسخوا حجهم فيجعلوه عمرة، ثم اختلفوا فذهب الأكثر إلى أن ذلك كان خاصا بهم، وذهب طائفة إلى أن ذلك جائز لمن بعدهم، واتفقوا كلهم أن من أهل بالحج مفردا لا يضره الطواف بالبيت، وبذلك احتج عروة في حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالطواف ولم يحل من حجه ولا صار عمرة وكذا أبو بكر وعمر، فمعنى قوله ‏"‏ ثم لم تكن عمرة ‏"‏ أي لم تكن الفعلة عمرة، هذا إن كان بالنصب على أنه خبر كان، ويحتمل أن تكون كان تامة والمعنى ثم لم تحصل عمرة وهي على هذا بالرفع، وقد وقع في رواية مسلم بدل عمرة ‏"‏ غيره ‏"‏ بغين معجمة وياء ساكنة وآخره هاء، قال عياض وهو تصحيف‏.‏
وقال النووي لها وجه أي لم يكن غير الحج، وكذا وجهه القرطبي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم حججت مع أبي الزبير‏)‏ كذا للأكثر، والزبير بالكسر بدل من أبي، ووقع في رواية الكشميهني مع ابن الزبير يعني أخاه عبد الله، قال عياض‏:‏ وهو تصحيف، وسيأتي في الطريق الآتية بعد أربعة عشر بابا مع أبي الزبير بن العوام وكأن سبب هذا التصحيف أنه وقع في تلك الطريق من الزيادة بعد ذكر أبي بكر وعمر ذكر عثمان ثم معاوية وعبد الله بن عمر قال ‏"‏ ثم حججت مع أبي الزبير ‏"‏ فذكره وقد عرف أن قتل الزبير كان قبل معاوية وابن عمر، لكن لا مانع أن يحجا قبل قتل الزبير فرآهما عروة، أو لم يقصد بقوله ‏"‏ ثم ‏"‏ الترتيب فإن فيها أيضا ‏"‏ ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر ‏"‏ فأعاد ذكره مرة أخرى، وأغرب بعض الشارحين فرجح رواية الكشميهني موجها لها بما ذكرته، وقد أوضحت جوابه بحمد الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقد أخبرتني أمي‏)‏ هي أسماء بنت أبي بكر، وأختها هي عائشة، واستشكل من حيث أن عائشة في تلك الحجة لم تطف لأجل حيضها، وأجيب بالحمل على أنه أراد حجة أخرى غير حجة الوداع، فقد كانت عائشة بعد النبي صلى الله عليه وسلم تحج كثيرا، وسيأتي الإلمام بشيء من هذا في أبواب العمرة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما مسحوا الركن حلوا‏)‏ أي صاروا حلالا، وقد تقدم في أول الباب ما فيه من الإشكال وجوابه، وفي هذا الحديث استحباب الابتداء بالطواف للقادم لأنه تحية المسجد الحرام، واستثنى بعض الشافعية ومن وافقه المرأة الجميلة أو الشريفة التي لا تبرز فيستحب لها تأخير الطواف إلى الليل إن دخلت نهارا، وكذا من خاف فوت مكتوبة أو جماعة مكتوبة أو مؤكدة أو فائتة فإن ذلك كله يقدم على الطواف، وذهب الجمهور إلى أن من ترك طواف القدوم لا شيء عليه، وعن مالك وأبي ثور من الشافعية عليه دم، وهل يتداركه من تعمد تأخيره لغير عذر، وجهان كتحية المسجد، وفيه الوضوء للطواف، وسيأتي حيث ترجم له المصنف بعد أربعة عشر بابا‏.‏
الحديث الثاني حديث ابن عمر أخرجه من وجهين كلاهما من رواية نافع عنه‏:‏ أحدهما من رواية موسى بن عقبة والآخر من رواية عبيد الله، والراوي عنهما واحد وهو أبو ضمرة أنس بن عياض، زاد في رواية موسى ‏"‏ ثم سجد سجدتين ‏"‏ والمراد بهما ركعتا الطواف ‏"‏ ثم سعى بين الصفا والمروة ‏"‏ وزاد في رواية عبيد الله أنه كان يسعى ببطن المسيل، وقد تقدم ما يتعلق بالرمل قبل خمسة أبواب، وأما السعي بين الصفا والمروة فسيأتي الكلام عليه حيث ترحم له المصنف بعد خمسة عشر بابا إن شاء الله تعالى، والمراد ببطن المسيل الوادي لأنه موضع السيل‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب طواف النساء مع الرجال‏)‏ أي هل يختلطن بهم أو يطفن معهم على حدة بغير اختلاط أو ينفردن‏.‏
الحديث‏:‏
و قَالَ لِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ قَالَ كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الرِّجَالِ قُلْتُ أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَوْ قَبْلُ قَالَ إِي لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ قُلْتُ كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ قَالَ لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ انْطَلِقِي عَنْكِ وَأَبَتْ يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ الْبَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلْنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيرٍ قُلْتُ وَمَا حِجَابُهَا قَالَ هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ لَهَا غِشَاءٌ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلِكَ وَرَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال لي عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم‏)‏ هذا أحد الأحاديث التي أخرجها عن شيخه عن أبي عاصم النبيل بواسطة، وقد ضاق على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه أولا من طريق البخاري ثم أخرجه هكذا وكذا البيهقي، وأما أبو نعيم فأخرجه أولا من طريق البخاري ثم أخرجه من طريق أبي قرة موسى بن طارق عن ابن جريج قال مثله غير قصة عطاء مع عبيد بن عمير، قال أبو نعيم‏:‏ هذا حديث عزيز ضيق المخرج‏.‏
قلت‏:‏ قد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج بتمامه، وكذا وجدته من وجه آخر أخرجه الفاكهي في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ عن ميمون بن الحكم الصنعاني عن محمد بن جعشم وهو بجيم ومعجمة مضمومتين بينهما عين مهملة قال‏:‏ أخبرني ابن جريج فذكره بتمامه أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذ منع ابن هشام‏)‏ هو إبراهيم - أو أخوه محمد - ابن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي وكان خالي هشام بن عبد الملك فولى محمدا إمرة مكة وولى أخاه إبراهيم بن هشام إمرة المدينة وفوض هشام لإبراهيم إمرة الحج بالناس في خلافته فلهذا قلت‏:‏ يحتمل أن يكون المراد، ثم عذبهما يوسف بن عمر الثقفي حتى ماتا في محنته في أول ولاية الوليد بن يزيد بن عبد الملك بأمره سنة خمس وعشرين ومائة قاله خليفة بن خياط في تاريخه، وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك، لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال‏:‏ نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة، وهذا إن صح لم يعارض الأول لأن ابن هشام منعهن أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقا، فلهذا أنكر عليه عطاء واحتج بصنيع عائشة وصنيعها شبيه بهذا المنقول عن عمر، قال الفاكهي‏:‏ ويذكر عن ابن عيينة أن أول من فرق ببن الرجال والنساء في الطواف خالد بن عبد الله القسري انتهى، وهذا إن ثبت فلعله منع ذلك وقتا ثم تركه فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان وذلك قبل ابن هشام بمدة طويلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كيف يمنعهن‏)‏ معناه أخبرني ابن جريج بزمان المنع قائلا فيه كيف يمنعهن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال‏)‏ أي غير مختلطات بهن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعد الحجاب‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ أبعد ‏"‏ بإثبات همزة الاستفهام، وكذا هو للفاكهي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إي لعمري‏)‏ هو بكسر الهمزة بمعني نعم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقد أدركته بعد الحجاب‏)‏ ذكر عطاء هذا لرفع توهم من يتوهم أنه حمل ذلك عن غيره، ودل على أنه رأى ذلك منهن، والمراد بالحجاب نزول آية الحجاب وهي قوله تعالى ‏(‏وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب‏)‏ وكان ذلك في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش كما سيأتي في مكانه، ولم يدرك ذلك عطاء قطعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يخالطن‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ يخالطهن ‏"‏ في الموضعين، والرجال بالرفع على الفاعلية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حجرة‏)‏ بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها راء أي ناحية، قال القزاز‏:‏ هو مأخوذ من قولهم‏:‏ نزل فلان حجرة من الناس أي معتزلا‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ حجزة ‏"‏ بالزاي وهي رواية عبد الرزاق فإنه فسره في آخره فقال‏:‏ يعني محجوزا بينها وبين الرجال بثوب، وأنكر ابن قرقول حجرة بضم أوله وبالراء، وليس بمنكر فقد حكاه ابن عديس وابن سيده فقالا‏:‏ يقال قعد حجرة بالفتح والضم أي ناحية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقالت امرأة‏)‏ زاد الفاكهي ‏"‏ معها ‏"‏ ولم أقف على اسم هذه المرأة، ويحتمل أن تكون دقرة بكسر المهملة وسكون القاف امرأة روى عنها يحيي بن أبي كثير أنها كانت تطوف مع عائشة بالليل فذكر قصة أخرجها الفاكهي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏انطلقي عنك‏)‏ أي عن جهة نفسك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يخرجن‏)‏ زاد الفاكهي ‏"‏ وكن يخرجن إلخ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏متنكرات‏)‏ في رواية عبد الرزاق ‏"‏ مستترات ‏"‏ واستنبط منه الداودي جواز النقاب للنساء في الإحرام وهو في غاية البعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا دخلن البيت قمن‏)‏ في رواية الفاكهي ‏"‏ سترن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين يدخلن‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ حتى يدخلن ‏"‏ وكذا هو للفاكهي، والمعنى إذا أردن دخول البيت وقفن حتى يدخلن حال كون الرجال مخرجين منه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير‏)‏ أي الليثي، والقائل ذلك عطاء، وسيأتي في أول الهجرة من طريق الأوزاعي عن عطاء قال ‏"‏ زرت عائشة مع عبيد بن عمير‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهي مجاورة في جوف ثبير‏)‏ أي مقيمة فيه، واستنبط منه ابن بطال الاعتكاف في غير المسجد لأن ثبيرا خارج عن مكة وهو في طريق منى انتهى، وهذا مبني على أن المراد بثبير الجبل المشهور الذي كانوا في الجاهلية يقولون له‏:‏ أشرق ثبير كيما نغير، وسيأتي ذلك بعد قليل، وهذا هو الظاهر، وهو جبل المزدلفة، لكن بمكة خمسة جبال أخرى يقال لكل منها ثبير ذكرها أبو عبيد البكري وياقوت وغيرهما، فيحتمل أن يكون المراد لأحدها، لكن يلزم من إقامة عائشة هناك أنها أرادت الاعتكاف، سلمنا لكن لعلها اتخذت في المكان الذي جاورت فيه مسجدا اعتكفت فيه وكأنها لم يتيسر لها مكان في المسجد الحرام تعتكف فيه فاتخذت ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما حجابها‏)‏ زاد الفاكهي ‏"‏ حينئذ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تركية‏)‏ قال عبد الرزاق‏:‏ هي قبة صغيرة من لبود تضرب في الأرض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏درعا موردا‏)‏ أي قميصا لونه لون الورد، ولعبد الرزاق ‏"‏ درعا معصفرا وأنا صبي ‏"‏ فبين بذلك سبب رؤيته إياها، ويحتمل أن يكون رأى ما عليها اتفاقا، وزاد الفاكهي في آخره ‏"‏ قال عطاء وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تطوف راكبة في خدرها من وراء المصلين في جوف المسجد ‏"‏ وأفرد عبد الرزاق هذا، وكأن البخاري حذفه لكونه مرسلا فاغتنى عنه بطريق مالك الموصولة فأخرجها عقبة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن عبد الرحمن‏)‏ هو أبو الأسود يتيم عروة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أم سلمة‏)‏ هي والدة زينب الراوية عنها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أني أشتكي‏)‏ أي أنها ضعيفة، وقد بين المصنف من طريق هشام بن عروة عن أبيه سبب طواف أم سلمة وأنه طواف الوداع، وسيأتي بعد ستة أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنت راكبة‏)‏ في رواية هشام ‏"‏ على بعيرك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي‏)‏ في رواية هشام ‏"‏ والناس يصلون ‏"‏ وبين فيه أنها صلاة الصبح، وقد تقدم البحث في ذلك في صفة الصلاة، وفيه جواز الطواف للراكب إذا كان لعذر، وإنما أمرها أن تطوف من وراء الناس ليكون أستر لها ولا تقطع صفوفهم أيضا ولا يتأذون بدابتها، فأما طواف الراكب من غير عذر فسيأتي البحث فيه بعد أبواب، ويلتحق بالراكب المحمول إذا كان له عذر، وهل يجزئ هذا الطواف عن الحامل والمحمول‏؟‏ فيه بحث‏.‏
واحتج به بعض المالكية لطهارة بول ما يؤكل لحمه، وقد تقدم توجيه ذلك والتعقب عليه في ‏"‏ باب إدخال البعير المسجد للعلة‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:54 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب الْكَلَامِ فِي الطَّوَافِ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الكلام في الطواف‏)‏ أي إباحته، وإنما لم يصرح بذلك لأن الخبر ورد في كلام يتعلق بأمر بمعروف لا بمطلق الكلام، ولعله أشار إلى الحديث المشهور عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا ‏"‏ الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه الكلام، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير ‏"‏ أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقد استنبط منه ابن عبد السلام أن الطواف أفضل أعمال الحج لأن الصلاة أفضل من الحج فيكون ما اشتملت عليه أفضل، قال‏:‏ وأما حديث ‏"‏ الحج عرفة ‏"‏ فلا يتعين، التقدير معظم الحج عرفة بل يجوز إدراك الحج بالوقوف بعرفة‏.‏
قلت‏:‏ وفيه نظر، ولو سلم فما لا يتقوم الحج إلا به أفضل مما ينجبر، والوقوف والطواف سواء في ذلك فلا تفضيل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ أَنَّ طاووسا أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ أَوْ بِخَيْطٍ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ قُدْهُ بِيَدِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بإنسان ربط يده إلى إنسان‏)‏ زاد أحمد عن عبد الرزاق عن ابن جريج ‏"‏ إلى إنسان آخر ‏"‏ وفي رواية النسائي من طريق حجاج عن ابن جريج ‏"‏ بإنسان قد ربط يده بإنسان‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بسير‏)‏ بمهملة مفتوحة وياء ساكنة معروف، وهو ما يقد من الجلد وهو الشراك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو بشيء غير ذلك‏)‏ كأن الراوي لم يضبط ما كان مربوطا به، وقد روى أحمد والفاكهي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك رجلين وهما مقترنان فقال‏:‏ ما بال القران‏؟‏ قالا‏:‏ إنا نذرنا لنقترنن حتى نأتي الكعبة، فقال‏:‏ أطلقا أنفسكما، ليس هذا نذرا إنما النذر ما يبتغى به وجه الله ‏"‏ وإسناده إلى عمرو حسن، ولم أقف على تسمية هذين الرجلين صريحا إلا أن في الطبراني من طريق فاطمة بنت مسلم ‏"‏ حدثني خليفة بن بشر عن أبيه أنه أسلم، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ماله وولده، ثم لقيه هو وابنه طلق بن بشر مقترنين بحبل فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقال‏:‏ حلفت لئن رد الله علي مالي وولدي لأحجن بيت الله مقرونا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحبل فقطعه وقال لهما‏:‏ حجا، إن هذا من عمل الشيطان‏"‏، فيمكن أن يكون بشر وابنه طلق صاحبي هذه القصة‏.‏
وأغرب الكرماني فقال‏.‏
قيل اسم الرجل المقود هو ثواب ضد العقاب انتهى، ولم أر ذلك لغيره ولا أدري من أين أخذه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قد‏)‏ بضم القاف وسكون الدال فعل أمر، في رواية أحمد والنسائي ‏"‏ قده ‏"‏ بإثبات هاء الضمير وهو للرجل المقود، قال النووي‏:‏ وقطعه عليه الصلاة والسلام السير محمول على أنه لم يمكن إزالة هذا المنكر إلا بقطعه، أو أنه دل على صاحبه فتصرف فيه‏.‏
وقال غيره‏:‏ كان أهل الجاهلية يتقربون إلى الله بمثل هذا الفعل‏.‏
قلت‏:‏ وهو بين من سياق حديثي عمرو بن شعيب وخليفة بن بشر‏.‏
وقال ابن بطال في هذا الحديث‏:‏ إنه يجوز للطائف فعل ما خف من الأفعال وتغيير ما يراه الطائف من المنكر‏.‏
وفيه الكلام في الأمور الواجبة والمستحبة والمباحة‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ أولى ما شغل المرء به نفسه في الطواف ذكر الله وقراءة القرآن، ولا يحرم الكلام المباح إلا أن الذكر أسلم‏.‏
وحكى ابن التين خلافا في كراهة الكلام المباح‏.‏
وعن مالك تقييد الكراهة بالطواف الواجب‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ واختلفوا في القراءة، فكان ابن المبارك يقول‏:‏ ليس شيء أفضل من قراءة القرآن، وفعله مجاهد، واستحبه الشافعي وأبو ثور، وقيده الكوفيون بالسر، وروي عن عروة والحسن كراهته، وعن عطاء ومالك أنه محدث، وعن مالك لا بأس به إذا أخفاه ولم يكثر منه، قال ابن المنذر‏:‏ من أباح القراءة في البوادي والطرق ومنعه في الطواف لا حجة له‏.‏
ونقل ابن التين عن الداودي أن في هذا الحديث من نذر ما لا طاعة لله تعالى فيه لا يلزمه، وتعقبه بأنه ليس في هذا الحديث شيء من ذلك وإنما ظاهر الحديث أنه كان ضرير البصر ولهذا قال له قده بيده انتهى‏.‏
ولا يلزم من أمره له بأن يقوده أنه كان ضريرا بل يحتمل أن يكون بمعنى آخر غير ذلك، وأما ما أنكره من النذر فمتعقب بما في النسائي من طريق خالد بن الحارث عن ابن جريح في هذا الحديث أنه قال أنه نذر، ولهذا أخرجه البخاري في أبواب النذر كما سيأتي الكلام عليه مشروحا هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب إِذَا رَأَى سَيْرًا أَوْ شَيْئًا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ قَطَعَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا رأى سيرا أو شيئا يكره في الطواف قطعه‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس من وجه آخر عن ابن جريج بإسناده ولفظه ‏"‏ رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه ‏"‏ وهذا مختصر من الحديث الذي قبله، وقد تقدم الكلام عليه في الذي قبله، قال ابن بطال‏:‏ وإنما قطعه لأن القود بالأزمة إنما يفعل بالبهائم وهو مثلة
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n152&p1#TOP)باب لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَلَا يَحُجُّ مُشْرِكٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يطوف بالبيت عريان‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة في ذلك، وفيه حجة لاشتراط ستر العورة في الطواف كما يشترط في الصلاة، وقد تقدم طرف من ذلك في أوائل الصلاة، والمخالف في ذلك الحنفية قالوا‏:‏ ستر العورة في الطواف ليس بشرط فمن طاف عريانا أعاد ما دام بمكة، فإن خرج لزمه دم‏.‏
وذكر ابن إسحاق في سبب هذا الحديث أن قريشا ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب أحدهم، فإن لم يجد طاف عريانا، فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ ثم لم ينتفع بها فجاء الإسلام فهدم ذلك كله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن لا يحج‏)‏ بالنصب‏.‏
وفي رواية صالح بن كيسان عن الزهري عند المؤلف في التفسير ‏"‏ أن لا يحجن ‏"‏ وهو يعين ذلك للنهي، وقوله‏:‏ ‏"‏ ولا يطوف ‏"‏ يجوز فيه النصب، والتقدير وأن لا يطوف، والرفع على أن ‏"‏ أن ‏"‏ مخففة من الثقيلة، ويجوز أن يقرأ بفتح الطاء وتشديد الواو وسكون الفاء عطفا على الذي قبله، وسيأتي الكلام على بقية شرح هذا الحديث في تفسير براءة إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:56 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب إِذَا وَقَفَ فِي الطَّوَافِ وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ إِذَا سَلَّمَ يَرْجِعُ إِلَى حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ فَيَبْنِي وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا وقف في الطواف‏)‏ أي هل ينقطع طوافه أو لا، وكأنه أشار بذلك إلى ما روي عن الحسن أن من أقيمت عليه الصلاة وهو في الطواف فقطعه أن يستأنفه ولا يبني على ما مضى، وخالفه الجمهور فقالوا يبني، وقيده مالك بصلاة الفريضة وهو قول الشافعي، وفي غيرها إتمام الطواف أولى فإن خرج بنى‏.‏
وقال أبو حنيفة وأشهب يقطعه ويبني، واختار الجمهور قطعه للحاجة، ومال نافع طول القيام في الطواف بدعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء إلخ‏)‏ وصل نحوه عبد الرزاق عن ابن جريج ‏"‏ قلت لعطاء الطواف الذي يقطعه علي الصلاة وأعتد به أيجزئ‏؟‏ قال نعم، وأحب إلي أن لا يعتد به‏.‏
قال فأردت أن أركع قيل أن أتم سبعي، قال‏:‏ لا، أوف سبعك إلا أن تمنع من الطواف ‏"‏ وقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم حدثنا عبد الملك عن عطاء أنه كان يقول في الرجل يطوف بعض طوافه ثم تحضر الجنازة يخرج فيصلي عليها ثم يرجع فيقضي ما بقي عليه من طوافه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر نحوه عن ابن عمر‏)‏ وصل نحوه سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا إسماعيل بن زكريا عن جميل بن زيد قال‏:‏ رأيت ابن عمر طاف بالبيت فأقيمت الصلاة فصلى مع القوم، ثم قام فبني على ما مضى من طوافه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعبد الرحمن بن أبي بكر‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ‏"‏ أن عبد الرحمن بن أبي بكر طاف في إمارة عمرو بن سعيد على مكة - يعني في خلافة معاوية - فخرج عمرو إلى الصلاة، فقال له عبد الرحمن‏:‏ انظرني حتى أنصرف على وتر، فانصرف على ثلاثة أطواف - يعني ثم صلى - ثم أتم ما بقي ‏"‏ وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن ابن عباس قال ‏"‏ من بدت له حاجة وخرج إليها فليخرج على وتر من طوافه ويركع ركعتين ‏"‏ ففهم بعضهم منه أنه يجزئ عن ذلك ولا يلزمه الإتمام، ويؤيده ما رواه عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن عطاء ‏"‏ إن كان الطواف تطوعا وخرج في وتر فإنه يجزئ عنه ‏"‏ ومن طريق أبي الشعثاء أنه أقيمت الصلاة وقد طاف خمسة أطواف فلم يتم ما بقي‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يذكر البخاري في الباب حديثا مرفوعا إشارة إلى أنه لم يجد فيه حديثا على شرطه، وقد أسقط ابن بطال من شرحه ترجمة الباب الذي يليه فصارت أحاديثه لترجمة ‏"‏ إذا وقف في الطواف ‏"‏ ثم استشكل إيراد كونه عليه الصلاة والسلام طاف أسبوعا وصلى ركعتين في هذا الباب، وأجاب بأنه يستفاد منه أنه عليه الصلاة والسلام لم يقف ولا جلس قي طوافه فكانت السنة فيه الموالاة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُبُوعِهِ رَكْعَتَيْنِ
وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ تُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَقَالَ السُّنَّةُ أَفْضَلُ لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبُوعًا قَطُّ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين‏)‏ السبوع بضم المهملة والموحدة لغة قليلة في الأسبوع، قال ابن التين هو جمع سبع بالضم ثم السكون كبرد وبرود، ووقع في حاشية ‏"‏ الصحاح ‏"‏ مضبوطا بفتح أوله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال نافع إلخ‏)‏ وصله عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أنه ‏"‏ كان يطوف بالبيت سبعا ثم يصلي ركعتين ‏"‏ وعن معمر عن أيوب عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يكره قرن الطواف ويقول‏:‏ على كل سبع صلاة ركعتين، وكان لا يقرن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إسماعيل بن أمية‏)‏ وصله ابن أبي شيبة مختصرا قال ‏"‏ حدثنا يحيي بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال‏:‏ مضت السنة أن مع كل أسبوع ركعتين ‏"‏ ووصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري بتمامه، وأراد الزهري أن يستدل على أن المكتوبة لا تجزئ عن ركعتي الطواف بما ذكره من أنه صلى الله عليه وسلم لم يطف أسبوعا قط إلا صلى ركعتين، وفي الاستدلال بذلك نظر لأن قوله ‏"‏ إلا صلى ركعتين ‏"‏ أعم من أن يكون نفلا أو فرضا، لأن الصبح ركعتان فيدخل في ذلك لكن الحيثية مرعية، والزهري لا يخفى عليه هذا القدر فلم يرد بقوله ‏"‏ إلا صلى ركعتين ‏"‏ أي من غير المكتوبة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَالَ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسوة حَسَنَةٌ قَالَ وَسَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
الشرح‏:‏
قال ‏"‏قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ثم صلى خلف المقام ركعتين ‏"‏ الحديث، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في أبواب العمرة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وطاف بين الصفا والمروة‏)‏ فيه تجوز، لأنه يسمى سعيا لا طوافا إذ حقيقة الطواف الشرعية فيه غير موجودة أو هي حقيقة لغوية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال وسألت‏)‏ القائل هو عمرو بن دينار الراوي عن ابن عمر، ووجه الدلالة منه لمقصود الترجمة وهو أن القران بين الأسابيع خلاف الأولى من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وقد قال ‏"‏ خذوا عني مناسككم ‏"‏ وهذا قول أكثر الشافعية وأبي يوسف، وعن أبي حنيفة ومحمد يكره، وأجازه الجمهور بغير كراهة‏.‏
وروى ابن أبي شيبة بإسناد جيد عن المسور بن مخرمة أنه ‏"‏ كان يقرن بين الأسابيع إذا طاف بعد الصبح والعصر، فإذا طلعت الشمس أو غربت صلى لكل أسبوع ركعتين ‏"‏ وقال بعض الشافعية‏:‏ إن قلنا إن ركعتي الطواف واجبتان كقول أبي حنيفة والمالكية فلا بد من ركعتين لكل طواف‏.‏
وقال الرافعي‏:‏ ركعتا الطواف وإن قلنا بوجوبهما فليستا بشرط في صحة الطواف، لكن في تعليل بعض أصحابنا ما يقتضي اشتراطهما، وإذا قلنا بوجوبهما هل يجوز فعلهما عن قعود مع القدرة‏؟‏ فيه وجهان، أصحهما لا ولا يسقط بفعل فريضة كالظهر إذا قلنا بالوجوب، والأصح أنهما سنة كقول الجمهور‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب مَنْ لَمْ يَقْرَبْ الْكَعْبَةَ وَلَمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَةَ وَيَرْجِعَ بَعْدَ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة‏)‏ أي لم يطف تطوعا، ويقرب بضم الراء ويجوز كسرها‏.‏
أورد فيه حديث ابن عباس في ذلك، وهو ظاهر فيما ترجم له، وهذا لا يدل على أن الحاج منع من الطواف قبل الوقوف، فلعله صلى الله عليه وسلم ترك الطواف تطوعا خشية أن يظن أحد أنه واجب، وكان يحب التخفيف على أمته، واجتزأ عن ذلك بما أخبرهم به من فضل الطواف بالبيت، ونقل عن مالك أن الحاج لا ينتفل بطواف حتى يتم حجه، وعنه الطواف بالبيت أفضل من صلاة النافلة لمن كان من أهل البلاد البعيدة وهو المعتمد‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ نقل ابن التين عن الداودي أن الطواف الذي طاقه النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة من فروض الحج ولا يكون إلا وبعده السعي‏.‏
ثم ذكر ما يتعلق بالمتمتع، قال ابن التين‏:‏ وقوله ‏"‏ من فروض الحج ‏"‏ ليس بصحيح لأنه كان مفردا والمفرد لا يجب عليه طواف القدوم لقدومه، وليس طواف القدوم للحج ولا هو فرض من فروضه، وهو كما قال‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ
وَصَلَّى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى ركعتي الطواف خارجا من المسجد‏)‏ هذه الترجمة معقودة لبيان إجزاء صلاة ركعتي الطواف في أي موضع أراد الطائف وإن كان ذلك خلف المقام أفضل، وهو متفق عليه إلا في الكعبة أو الحجر، ولذلك عقبها بترجمة من صلى ركعتي الطواف خلف المقام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى عمر خارجا من الحرم‏)‏ سيأتي شرحه في الباب الذي يلي الباب بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْغَسَّانِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَأَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أم سلمة قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وحدثني محمد بن حرب إلخ‏)‏ هكذا عطف هذه على التي قبلها وساقه هنا على لفظ الرواية الثانية، وتجوز في ذلك فإن اللفظين مختلفان، وقد تقدم لفظ الرواية الأولى في ‏"‏ باب طواف النساء مع الرجال ‏"‏ ويأتي بعد بابين أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يحيى بن أبي زكريا الغساني‏)‏ هو يحيى بن يحيى اشتهر باسمه واشتهر أبوه بكنيته، والغساني بغين معجمة وسين مهملة مشدودة نسبة إلى بني غسان، قال أبو علي الجياني‏:‏ وقع لأبي الحسن القابسي في هذا الإسناد تصحيف في نسب يحيى فضبطه بعين مهملة ثم شين معجمة‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ قيل هو العشاني بعين مهملة ثم معجمة خفيفة نسبة إلى بني عشانة، وقيل هو بالهاء يعني بلا نون نسبة إلى بني عشاه‏.‏
قلت‏:‏ وكل ذلك تصحيف، والأول هو المعتمد‏.‏
قال ابن قرقول‏:‏ رواه القابسي بمهملة ثم معجمة خفيفة وهو وهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عروة عن أم سلمة‏)‏ كذا للأكثر، ووقع للأصيلي عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة، وقوله ‏"‏عن زينب ‏"‏ زيادة في هذه الطريق فقد أخرجه أبو علي بن السكن عن علي بن عبد الله بن مبشر عن محمد بن حرب شيخ البخاري فيه ليس فيه زينب‏.‏
وقال الدارقطني في ‏"‏ كتاب التتبع ‏"‏ في طريق يحيى بن أبي زكريا هذه‏:‏ هذا منقطع، فقد رواه حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة ولم يسمعه عروة عن أم سلمة انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون ذلك حديثا آخر فإن حديثها هذا في طواف الوداع كما بيناه قبل قليل، وأما هذه الرواية فذكرها الأثرم قال ‏"‏ قال لي أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة‏.‏
قال أبو عبد الله‏:‏ هذا خطأ، فقد قال وكيع عن هشام عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة‏.‏
قال‏:‏ وهذا أيضا عجيب، ما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمكة‏؟‏ وقد سألت يحيى بن سعيد - يعني القطان - عن هذا فحدثني به عن هشام بلفظ أمرها أن توافي ليس فيه هاء‏.‏
قال أحمد‏:‏ وبين هذين فرق، فإذا عرف ذلك تبين التغاير بين القصتين، فإن إحداهما صلاة الصبح يوم النحر والأخرى صلاة صبح يوم الرحيل من مكة ‏"‏ وقد أخرج الإسماعيلي حديث الباب من طريق حسان بن إبراهيم وعلي بن هاشم ومحاضر بن المورع وعبدة بن سليمان، وهو عند النسائي أيضا من طريق عبدة كلهم عن هشام عن أبيه عن أم سلمة وهذا هو المحفوظ، وسماع عروة من أم سلمة ممكن فإنه أدرك من حياتها نيفا وثلاثين سنة وهو معها في بلد واحد، وقد تقدم الكلام على حديث أم سلمة في ‏"‏ باب طواف النساء مع الرجال ‏"‏ وموضع الحاجة منه هنا قوله في آخره ‏"‏ فلم يصل حتى خرجت ‏"‏ أي من المسجد أو من مكة، فدل على جواز صلاة الطواف خارجا من المسجد إذ لو كان ذلك شرطا لازما لما أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك‏.‏
وفي رواية حسان عند الإسماعيلي ‏"‏ إذا قامت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك من وراء الناس وهم يصلون‏.‏
قالت ففعلت ذلك ولم أصل حتى خرجت ‏"‏ أي فصليت وبهذا ينطبق الحديث مع الترجمة، وفيه رد على من قال يحتمل أن تكون أكملت طوافها قبل فراغ صلاة الصبح ثم أدركتهم في الصلاة فصلت معهم صلاة الصبح ورأت أنها تجزئها عن ركعتي الطواف، وإنما لم يبت البخاري الحكم في هذه المسألة لاحتمال كون ذلك يختص بمن كان له عذر لكون أم سلمة كانت شاكية ولكون عمر إنما فعل ذلك لكونه طاف بعد الصبح وكان لا يرى التنفل بعده مطلقا حتى تطلع الشمس كما سيأتي واضحا بعد باب، واستدل به على أن من نسي ركعتي الطواف قضاهما حيث ذكرهما من حل أو حرم وهو قول الجمهور، وعن الثوري يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم، وعن مالك إن لم يركعهما حتى تباعد ورجع إلى بلده فعليه دم، قال ابن المنذر‏:‏ ليس ذلك أكثر من صلاة المكتوبة وليس على من تركها غير قضائها حيث ذكرها‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر الماضي قبل بابين، وسيأتي الكلام عليه في أبواب العمرة، وهو ظاهر فيما ترجم له‏.‏
وفي حديث جابر الطويل في صفة حجة الوداع عند مسلم ‏"‏ طاف ثم تلا ‏(‏واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‏)‏ فصلى عند المقام ركعتين ‏"‏ قال ابن المنذر‏:‏ احتملت قراءته أن تكون صلاة الركعتين خلف المقام فرضا، لكن أجمع أهل العلم على أن الطائف تجزئه ركعتا الطواف حيث شاء، إلا شيئا ذكر عن مالك في أن من صلى ركعتي الطواف الواجب في الحجر يعيد، وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بذلك مستوفى في أوائل كتاب الصلاة في ‏"‏ باب قول الله تعالى واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب الطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَطَافَ عُمَرُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَرَكِبَ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بِذِي طُوًى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الطواف بعد الصبح والعصر‏)‏ أي ما حكم صلاة الطواف حينئذ‏؟‏ وقد ذكر فيه آثارا مختلفة، ويظهر من صنيعه أنه يختار فيه التوسعة، وكأنه أشار إلى ما رواه الشافعي وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث جبير بن مطعم ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يا بني عبد مناف، من ولي منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار ‏"‏ وإنما لم يخرجه لأنه ليس على شرطه، وقد أورد المصنف أحاديث تتعلق بصلاة الطواف، ووجه تعلقها بالترجمة إما من جهة أن الطواف صلاة فحكمهما واحد، أو من جهة أن الطواف مستلزم للصلاة التي تشرع بعده وهو أظهر، وأشار به إلى الخلاف المشهور في المسألة، قال ابن عبد البر‏:‏ كره الثوري والكوفيون الطواف بعد العصر والصبح، قالوا فإن فعل فليؤخر الصلاة، ولعل هذا عند بعض الكوفيين وإلا فالمشهور عند الحنفية أن الطواف لا يكره وإنما تكره الصلاة، قال ابن المنذر‏:‏ رخص في الصلاة بعد الطواف في كل وقت جمهور الصحابة ومن بعدهم، ومنهم من كره ذلك أخذا بعموم النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر وهو قول عمر والثوري وطائفة وذهب إليه مالك وأبو حنيفة‏.‏
وقال أبو الزبير‏:‏ رأيت البيت يخلو بعد هاتين الصلاتين ما يطوف به أحد‏.‏
وروى أحمد بإسناد حسن عن أبي الزبير عن جابر قال ‏"‏ كنا نطوف فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة، ولم نكن نطوف بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس ‏"‏ فال ‏"‏ وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ تطلع الشمس بين قرني شيطان‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر رضي الله عنها يصلي ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريق عطاء ‏"‏ إنهم صلوا الصبح بغلس، وطاف ابن عمر بعد الصبح سبعا ثم التفت إلى أفق السماء فرأى أن عليه غلسا، قال‏:‏ فاتبعته حتى أنظر أي شيء يصنع فصلى ركعتين ‏"‏ قال وحدثنا داود العطار عن عمرو بن دينار ‏"‏ رأيت ابن عمر طاف سبعا بعد الفجر وصلى ركعتين وراء المقام ‏"‏ هذا إسناد صحيح، وهذا جار على مذهب ابن عمر في اختصاص الكراهة بحال طلوع الشمس وحال غروبها، وقد تقدم ذلك عنه صريحا في أبواب المواقيت، وروى الطحاوي من طريق مجاهد قال ‏"‏ كان ابن عمر يطوف بعد العصر ويصلي ما كانت الشمس بيضاء حية نقية، فإذا اصفرت وتغيرت طاف طوافا واحدا حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ركعتين، وفي الصبح نحو ذلك ‏"‏ وقد جاء عن ابن عمر أنه كان لا يطوف بعد هاتين الصلاتين، قال سعيد بن أبي عروبة في ‏"‏ المناسك ‏"‏‏:‏ عن أيوب عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان لا يطوف بعد صلاة العصر ولا بعد صلاة الصبح‏"‏، وأخرجه ابن المنذر من طريق حماد عن أيوب أيضا، ومن طريق أخرى عن نافع ‏"‏ كان ابن عمر إذا طاف بعد الصبح لا يصلي حتى تطلع الشمس، وإذا طاف بعد العصر لا يصلي حتى تغرب الشمس ‏"‏ ويجمع بين ما اختلف عنه في ذلك بأنه كان في الأغلب يفعل ذلك، والذي يعتمد من رأيه عليه التفصيل السابق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وطاف عمر بعد الصبح فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى‏)‏ وصله مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر به، وروى الأثرم عن أحمد عن سفيان عن الزهري مثله، إلا أنه قال ‏"‏ عن عروة ‏"‏ بدل حميد، قال أحمد‏:‏ أخطأ فيه سفيان، قال الأثرم‏:‏ وقد حدثني به نوح بن يزيد من أصله عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري كما قال سفيان انتهى‏.‏
وقد رويناه بعلو في ‏"‏ أمالي ابن منده ‏"‏ من طريق سفيان ولفظه ‏"‏ أن عمر طاف بعد الصبح سبعا ثم خرج إلى المدينة، فلما كان بذي طوى وطلعت الشمس صلى ركعتين‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نَاسًا طَافُوا بِالْبَيْتِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ قَعَدُوا إِلَى الْمُذَكِّرِ حَتَّى إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامُوا يُصَلُّونَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَعَدُوا حَتَّى إِذَا كَانَتْ السَّاعَةُ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ قَامُوا يُصَلُّونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حبيب‏)‏ هو المعلم كما جزم به المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ وقد ضاق على الإسماعيلي وأبي نعيم مخرجه فتركه الإسماعيلي، وأخرجه أبو نعيم من طريق البخاري هذه، والحسن بن عمر البصري شيخه جزم المزي بأنه الحسن بن عمر بن شقيق وهو من أهل البصرة وكان يتجر إلى بلخ فكان يقال له البلخي، وسيأتي له ذكر في كتاب اللباس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قعدوا إلى المذكر‏)‏ بالمعجمة وتشديد الكاف أي الواعظ، وضبطه ابن الأثير في ‏"‏ النهاية ‏"‏ بالتخفيف بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه قال‏:‏ وأرادت موضع الذكر، إما الحجر، وإما الحجر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الساعة التي تكره فيها الصلاة‏)‏ أي التي عند طلوع الشمس، وكأن المذكورين كانوا يتحرون ذلك الوقت فأخروا الصلاة إليه قصدا فلذلك أنكرت عليهم عائشة هذا إن كانت ترى أن الطواف سبب لا تكره مع وجوده الصلاة في الأوقات المنهية، ويحتمل أنها كانت تحمل النهي على عمومه، ويدل لذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن عبد الملك عن عطاء عن عائشة أنها قالت ‏"‏ إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو العصر فطف، وآخر الصلاة حتى تغيب الشمس أو حتى تطلع فصل لكل أسبوع ركعتين ‏"‏ وهذا إسناد حسن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَطُوفُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهَا إِلَّا صَلَّاهُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد العزيز‏)‏ يعني بالإسناد المذكور وليس بمعلق، وكأن عبد الله بن الزبير استنبط جواز الصلاة بعد الصبح من جواز الصلاة بعد العصر فكان يفعل ذلك بناء على اعتقاده أن ذلك على عمومه، وقد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في أواخر المواقيت قبيل الأذان، وبينا هناك أن عائشة أخبرت أنه صلى الله عليه وسلم لم يتركهما وأن ذلك من خصائصه، أعني المواظبة على ما يفعله من النوافل لا صلاة الراتبة في وقت الكراهة فأغنى ذلك عن أعادته هنا، والذي يظهر أن ركعتي الطواف تلتحق بالرواتب‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 11:58 AM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب الْمَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المريض يطوف راكبا‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس وحديث أم سلمة، والثاني ظاهر فيما ترجم له لقولها فيه ‏"‏ أني اشتكي ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليهما في ‏"‏ باب إدخال البعير المسجد للعلة ‏"‏ في أواخر أبواب المساجد، وأن المصنف حمل سبب طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا على أنه كان عن شكوى، وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس أيضا بلفظ ‏"‏ قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته ‏"‏ ووقع في حديث جابر عند مسلم ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس وليسألوه ‏"‏ فيحتمل أن يكون فعل ذلك للأمرين، وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبا لغير عذر، وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى، والركوب مكروه تنزيها، والذي يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد، ووقع في حديث أم سلمة ‏"‏ طوفي من وراء الناس ‏"‏ وهذا يقتضي منع الطواف في المطاف، وإذا حوط المسجد امتنع داخله، إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط، بخلاف ما قبله فإنه كان لا يحرم التلويث كما في السعي، وعلى هذا فلا فرق في الركوب - إذا ساغ - بين البعير والفرس والحمار، وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها، واحتمل أيضا أن تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذ كرامة له فلا يقاس غيره عليه، وأبعد من استدل به على طهارة بول البعير وبعره، وقد تقدم حديث ابن عباس قبل أبواب، وزاد أبو داود في آخر حديثه ‏"‏ فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين ‏"‏ واستدل به للتكبير عند الركن، وتقدم الكلام على حديث أم سلمة أيضا‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ خالد هو الطحان، وخالد شيخه هو الحذاء‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب سِقَايَةِ الْحَاجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سقاية الحاج‏)‏ ‏:‏ قال الفاكهي‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد حدثنا الحسن بن محمد بن عبيد الله حدثنا ابن جريج عن عطاء قال‏:‏ سقاية الحاج زمزم‏.‏
وقال الأزرقي‏:‏ كان عبد مناف يحمل الماء في الروايا والقرب إلى مكة ويسكبه في حياض من أدم بفناء الكعبة للحجاج، ثم فعله ابنه هاشم بعده، ثم عبد المطلب؛ فلما حفر زمزم كان يشتري الزبيب فينبذه في ماء زمزم ويسقي الناس‏.‏
قال ابن إسحاق‏:‏ لما ولي قصي بن كلاب أمر الكعبة كان إليه الحجابة والسقاية واللواء والرفادة ودار الندوة، ثم تصالح بنوه على أن لعبد مناف السقاية والرفادة والبقية للأخوين‏.‏
ثم ذكر نحو ما تقدم وزاد‏:‏ ثم ولي السقاية من بعد عبد المطلب ولده العباس - وهو يومئذ من أحدث إخوته سنا - فلم تزل بيده حتى قام الإسلام وهي بيده، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فهي اليوم إلى بني العباس‏.‏
وروى الفاكهي من طريق الشعبي قال ‏"‏ تكلم العباس وعلي وشيبة بن عثمان في السقاية والحجابة، فأنزل الله عز وجل ‏(‏أجعلتم سقاية الحاج‏)‏ الآية إلى قوله‏:‏ ‏(‏حتى يأتي الله بأمره‏)‏ قال‏:‏ حتى تفتح مكة‏"‏‏.‏
ومن طريق ابن أبي مليكة عن ابن عباس ‏"‏ أن العباس لما مات أراد علي أن يأخذ السقاية، فقال له طلحة‏:‏ أشهد لرأيت أباه يقوم عليها، وأن أباك أبا طالب لنازل في إبله بالأراك بعرفة‏.‏
قال فكف علي عن السقاية‏"‏‏.‏
ومن طريق ابن جريج قال ‏"‏ قال العباس‏:‏ يا رسول الله‏.‏
لو جمعت لنا الحجابة والسقاية، فقال‏:‏ إنما أعطيتكم ما ترزؤون ولم أعطكم ما ترزؤون ‏"‏ الأول بضم أوله وسكون الراء وفتح الزاي والثاني بفتح أوله وضم الزاي، أي أعطيتكم ما ينقصكم لا ما تنقصون به الناس‏.‏
وروى الطبراني والفاكهي حديث السائب المخزومي أنه كان يقول ‏"‏ اشربوا من سقاية العباس فإنه من السنة‏"‏، ثم ذكر البخاري في الباب حديثين‏:‏ أحدهما حديث ابن عمر في الإذن للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى، وسيأتي الكلام عليه في أواخر صفة الحج‏.‏
ثانيهما حديث ابن عباس في قصة شربه صلى الله عليه وسلم من سراب السقاية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا فَقَالَ اسْقِنِي قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ قَالَ اسْقِنِي فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا فَقَالَ اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ قَالَ لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ يَعْنِي عَاتِقَهُ وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو الواسطي، وقد مضى هذا الإسناد بعينه في أول الباب الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاستسقى‏)‏ أي طلب الشرب‏.‏
والفضل هو ابن العباس أخو عبد الله، وأمه هي أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية، وهي والدة عبد الله أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنهم يجعلون أيديهم فيه‏)‏ في رواية الطبراني من طريق يزيد بن أبي زياد عن عكرمة في هذا الحديث ‏"‏ أن العباس قال له‏:‏ إن هذا قد مرث، أفلا أسقيك من بيوتنا‏؟‏ قال لا، ولكن اسقني مما يشرب منه الناس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال اسقني‏)‏ زاد أبو علي بن السكن في روايته‏:‏ فناوله العباس الدلو‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فشرب منه‏)‏ في رواية يزيد المذكورة ‏"‏ فأتى به فذاقه فقطب، ثم دعا بماء فكسره‏.‏
فال‏:‏ وتقطيبه إنما كان لحموضته، وكسره بالماء ليهون عليه شربه ‏"‏ وعرف بهذا جنس المطلوب شربه إذ ذاك‏.‏
وقد أخرج مسلم من طريق بكر بن عبد الله المزني قال ‏"‏ كنت جالسا مع ابن عباس فقال‏:‏ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفه أسامة فاستسقى، فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة وقال‏:‏ أحسنتم كذا فاصنعوا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لولا أن تغلبوا‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول، قال الداودي أي إنكم لا تتركوني أستقي، ولا أحب أن أفعل بكم ما تكرهون فتغلبوا، كذا قال‏.‏
وقال غيره‏:‏ معناه لولا أن تقع لكم الغلبة بأن يجب عليكم ذلك بسبب فعلي‏.‏
وقيل‏:‏ معناه لولا أن يغلبكم الولاة عليها حرصا على حيازة هذه المكرمة‏.‏
والذي يظهر أن معناه لولا أن تغلبكم الناس على هذا العمل إذا رأوني قد عملته لرغبتهم في الاقتداء بي فيغلبوكم بالمكاثرة لفعلت‏.‏
ويؤيد هذا ما أخرج مسلم من حديث جابر ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال‏:‏ انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ‏"‏ واستدل بهذا على أن سقاية الحاج خاصة ببني العباس، وأما الرخصة في المبيت ففيها أموال للعلماء هي أوجه للشافعية‏:‏ أصحها لا يختص بهم ولا بسقايتهم، واستدل به الخطابي على أن أفعاله للوجوب، وفيه نظر‏.‏
وفال ابن بزيزة‏:‏ أراد بقوله ‏"‏ لولا أن تغلبوا ‏"‏ قصر السقاية عليهم وأن لا يشاركوا فيها، واستدل به على أن الذي أرصد للمصالح العامة لا يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على آله تناوله، لأن العباس أرصد سقاية زمزم لذلك، وقد شرب منها النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ يحمل الأمر في مثل هذا على أنها مرصدة للنفع العام فتكون للغني في معني الهدية، وللفقير صدقة‏.‏
وفيه أنه لا يكره طلب السقي من الغير، ولا رد ما يعرض على المرء من الإكرام إذا عارضته مصلحة أولى منه، لأن رده لما عرض عليه العباس مما يؤتى به من نبيذ لمصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس‏.‏
وفيه الترغيب في سقي الماء خصوصا ماء زمزم‏.‏
وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحرص أصحابه على الاقتداء به وكراهة التقذر والتكره للمأكولات والمشروبات‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ وفيه أن الأصل في الأشياء الطهارة لتناوله صلى الله عليه وسلم من الشراب الذي غمست فيه الأيدي‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب مَا جَاءَ فِي زَمْزَمَ
وَقَالَ عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فُرِجَ سَقْفِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في زمزم‏)‏ كأنه لم يثبت عنده في فضلها حديث على شرطه صريحا، وقد وقع في مسلم من حديث أبي ذر ‏"‏ أنها طعام طعم ‏"‏ زاد الطيالسي من الوجه الذي أخرجه منه مسلم ‏"‏ وشفاء سقم ‏"‏ وفي المستدرك من حديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ ماء زمزم لما شرب له ‏"‏ رجاله موثقون، إلا أنه اختلف في إرساله ووصله وإرساله أصح، وله شاهد من حديث جابر، وهو أشهر منه أخرجه الشافعي وابن ماجه ورجاله ثقات إلا عبد الله بن المؤمل المكي فذكر العقيلي أنه تفرد به، لكن ورد من رواية غيره عند البيهقي من طريق إبراهيم بن طهمان ومن طريق حمزة الزيات كلاهما عن أبي الزبير بن سعيد عن جابر، ووقع في ‏"‏ فوائد ابن المقري ‏"‏ من طريق سويد بن سعيد عن ابن المبارك عن ابن أبي الموالي عن ابن المنكدر عن جابر، وزعم الدمياطي أنه على رسم الصحيح وهو كما قال من حيث الرجال إلا أن سويدا وإن أخرج له مسلم فإنه خلط وطعنوا فيه وقد شذ بإسناده، والمحفوظ عن ابن المبارك عن ابن المؤمل، وقد جمعت في ذلك جزءا، والله أعلم‏.‏
وسميت زمزم لكثرتها، يقال ماء زمزم أي كثير، وقيل لاجتماعها نقل عن ابن هشام‏.‏
وقال أبو زيد‏:‏ الزمزمة من الناس خمسون ونحوهم، وعن مجاهد‏:‏ إنما سميت زمزم لأنها مشتقة من الهزمة والهزمة الغمز بالعقب في الأرض، أخرجه الفاكهي بإسناد صحيح عنه، وقيل لحركتها قاله الحربي، وقيل لأنها زمت بالميزان لئلا تأخذ يمينا وشمالا، وستأتي قصتها في شأن إسماعيل وهاجر في أحاديث الأنبياء وقصة حفر عبد المطلب لها في أيام الجاهلية إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبدان‏)‏ سيأتي في أحاديث الأنبياء أتم منه بلفظ ‏"‏ وقال لي عبدان ‏"‏ وأورده هنا مختصرا، وقد وصله الجوزقي بتمامه عن الدغولي عن محمد بن الليث عن عبدان بطوله، وقد تقدم الكلام عليه في أوائل الصلاة‏.‏
والمقصود منه هنا قوله ‏"‏ ثم غسله بماء زمزم‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدَّثَهُ قَالَ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ قَالَ عَاصِمٌ فَحَلَفَ عِكْرِمَةُ مَا كَانَ يَوْمَئِذٍ إِلَّا عَلَى بَعِيرٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ في رواية أبي ذر هو ابن سلام، والفزاري هو مروان بن معاوية وغلط من قال هو أبو إسحاق، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، قال ابن بطال وغيره‏:‏ أراد البخاري أن الشرب من ماء زمزم من سنن الحج‏.‏
وفي ‏"‏ المصنف ‏"‏ عن طاوس قال ‏"‏ شرب نبيذ السقاية من تمام الحج ‏"‏ وعن عطاء ‏"‏ لقد أدركته وإن الرجل ليشربه فتلزق شفتاه من حلاوته ‏"‏ وعن ابن جريج عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر لم يكن يشرب من النبيذ في الحج ‏"‏ فكأنه لم يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب منه لأنه كان كثير الاتباع للآثار أو خشي أن يظن الناس أن ذلك من تمام الحج كما نقل عن طاوس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير‏)‏ عند ابن ماجه من هذا الوجه قال عاصم‏:‏ فذكرت ذلك لعكرمة فحلف بالله ما فعل - أي ما شرب قائما - لأنه كان حينئذ راكبا انتهى‏.‏
وقد تقدم أن عند أبي داود من رواية عكرمة عن ابن عباس أنه أناخ فصلى ركعتين، فلعل شربه من زمزم كان بعد ذلك، ولعل عكرمة إنما أنكر شربه قائما لنهيه عنه، لكن ثبت عن علي عند البخاري ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائما ‏"‏ فيحمل على بيان الجواز‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب طَوَافِ الْقَارِنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب طواف القارن‏)‏ أي هل يكتفي بطواف واحد أو لا بد من طوافين، أورد فيه حديث عائشة في حجة الوداع وفيه ‏"‏ وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا ‏"‏ وحديث ابن عمر في حجة عام نزل الحجاج بابن الزبير أورده من وجهين في كل منهما أنه‏:‏ جمع بين الحج والعمرة أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج وطاف لهما طوافا واحدا كما في الطريق الأولى، وفي الطريق الثانية‏:‏ ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، وفي هذه الرواية رفع احتمال قد يؤخذ من الرواية الأولى أن المراد بقوله طوافا واحدا أي طاف لكل منهما طوافا يشبه الطواف الذي للآخر، والحديثان ظاهران في أن القارن لا يجب عليه إلا طواف واحد كالمفرد، وقد رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر أصرح من سياق حديثي الباب في الرفع ولفظه ‏"‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد ‏"‏ وأعله الطحاوي بأن الدراوردي أخطأ فيه وأن الصواب أنه موقوف، وتمسك في تخطئته بما رواه أيوب والليث وموسى بن عقبة وغير واحد عن نافع نحو سياق ما في الباب من أن ذلك وقع لابن عمر وأنه قال ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ‏"‏ لا أنه روى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ، وهو تعليل مردود فالدراوردي صدوق، وليس ما رواه مخالفا لما رواه غيره، فلا مانع من أن يكون الحديث عند نافع على الوجهين‏.‏
واحتج الحنفية بما روي عن علي أنه ‏"‏ جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ثم قال‏:‏ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ‏"‏ وطرقه عن علي عند عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما ضعيفة، وكذا أخرج من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف نحوه‏.‏
وأخرج من حديث ابن عمر نحو ذلك وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك، والمخرج في الصحيحين وفي السنن عنه من طرق كثيرة الاكتفاء بطواف واحد‏.‏
وقال البيهقي إن ثبتت الرواية أنه طاف طوافين فيحمل على طواف القدوم وطواف الإفاضة، وأما السعي مرتين فلم يثبت‏.‏
وقال ابن حزم‏:‏ لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لا عن أحد من أصحابه في ذلك شيء أصلا‏.‏
قلت‏:‏ لكن روى الطحاوي وغيره مرفوعا عن علي وابن مسعود ذلك بأسانيد لا بأس بها إذا اجتمعت، ولم أر في الباب أصح من حديثي ابن عمر وعائشة المذكورين في هذا الباب، وقد أجاب الطحاوي عن حديث ابن عمر بأنه اختلف عليه في كيفية إحرام النبي صلى الله عليه وسلم وإن الذي يظهر من مجموع الروايات عنه أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بحجة ثم فسخها فصيرها عمرة ثم تمتع بها إلى الحج، كذا قال الطحاوي مع جزمه قبل ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا‏.‏
وهب أن ذلك كما قال فلم لا يكون قول ابن عمر ‏"‏ هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أي أمر من كان قارنا أن يقتصر على طواف واحد، وحديث ابن عمر المذكور ناطق بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا فإنه مع قوله فيه تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف فعل القران حيث قال ‏"‏ بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج ‏"‏‏:‏ وهذا من صور القران، وغايته أنه سماه تمتعا لأن الإحرام عنده بالعمرة في أشهر الحج كيف كان يسمى تمتعا‏.‏
ثم أجاب عن حديث عائشة بأنها أرادت بقولها ‏"‏ وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا لهما طوافا واحدا ‏"‏ يعني الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج لأن حجتهم كانت مكية، والحجة المكية لا يطاف لها إلا بعد عرفة، قال‏:‏ والمراد بقولها ‏"‏ جمعوا بين الحج والعمرة ‏"‏ جمع متعة لا جمع قران انتهى‏.‏
وإني لكثير التعجب منه في هذا الموضع كيف ساغ له هذا التأويل، وحديث عائشة مفصل للحالتين فإنها صرحت بفعل من تمتع ثم من قرن حيث قالت ‏"‏ فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى ‏"‏ فهؤلاء أهل التمتع ثم قالت ‏"‏ وأما الذين جمعوا إلخ ‏"‏ فهؤلاء أهل القران، وهذا أبين من أن يحتاج إلى إيضاح والله المستعان‏.‏
وقد روى مسلم من طريق أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول ‏"‏ لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا ‏"‏ ومن طريق طاوس عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها‏:‏ يسعك طوافك لحجك وعمرتك ‏"‏ وهذا صريح في الإجزاء وإن كان العلماء اختلفوا فيما كانت عائشة محرمة به، قال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل قال ‏"‏ حلف طاوس ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته إلا طوافا واحدا ‏"‏ وهذا إسناد صحيح، وفيه بيان ضعف ما روي عن علي وابن مسعود من ذلك، وقد روى آل بيت علي عنه مثل الجماعة، قال جعفر بن محمد الصادق عن أبيه أنه كان يحفظ عن علي ‏"‏ للقارن طواف واحد ‏"‏ خلاف ما يقول أهل العراق، ومما يضعف ما روي عن علي من ذلك أن أمثل طرقه عنه رواية عبد الرحمن بن أذينة عنه وقد ذكر فيها أنه ‏"‏ يمتنع على من ابتدأ الإهلال بالحج أن يدخل عليه العمرة، وأن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين ‏"‏ والذين احتجوا بحديثه لا يقولون بامتناع إدخال العمرة على الحج، فإن كانت الطريق صحيحة عندهم لزمهم العمل بما دلت عليه وإلا فلا حجة فيها‏.‏
وقال ابن المنذر‏:‏ احتج أبو أيوب من طريق النضر بأنا أجزنا جميعا للحج والعمرة سفرا واحدا وإحراما واحدا وتلبية واحدة فكذلك يجزي عنهما طواف واحد وسعي واحد لأنهما خالفا في ذلك سائر العبادات‏.‏
وفي هدا القياس مباحث كثيرة لا نطيل بها‏.‏
واحتج غيره بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ‏"‏ وهو صحيح كما سلف فدل على أنها لا تحتاج بعد أن دخلت فيه إلى عمل آخر غير عمله، والحق أن المتبع في ذلك السنة الصحيحة وهي مستغنية عن غيرها، وقد تقدم الكلام على بقية حديث عائشة، وسيأتي الكلام على حديث ابن عمر في أبواب المحصر إن شاء الله تعالى، وننبه هناك على اختلاف الرواية فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا دَخَلَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَظَهْرُهُ فِي الدَّارِ فَقَالَ إِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ الْعَامَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ فَيَصُدُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ فَلَوْ أَقَمْتَ فَقَالَ قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسوة حَسَنَةٌ ثُمَّ قَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ مَعَ عُمْرَتِي حَجًّا قَالَ ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا آمن‏)‏ كذا للأكثر بالمد وفتح الميم الخفيفة أي أخاف، وللمستملي ‏"‏ لا أيمن ‏"‏ بياء ساكنة بين الهمزة والميم فقبل إنها إمالة، وقيل لغة تميمية وهي عندهم بكسر الهمزة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن حيل‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ وأن يحل ‏"‏ بضم الياء وفتح المهملة واللام ساكنة، وقوله في الطريق الثانية ‏"‏ بطوافه الأول ‏"‏ أي الذي طافه يوم النحر للإفاضة، وتوهم بعضهم أنه أراد طواف القدوم فحمله على السعي‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ فبه حجة لمالك في قوله أن طواف القدوم إذا وصل بالسعي يجزئ عن طواف الإفاضة لمن تركه جاهلا أو نسيه حتى رجع إلى بلده وعليه الهدي، قال‏:‏ ولا أعلم أحدا قال به غيره وغير أصحابه، وتعقب بأنه إن حمل قوله ‏"‏ طوافه الأول ‏"‏ على طواف القدوم فإنه أجزأ عن طواف الإفاضة كان ذلك دالا على الإجزاء مطلقا ولو تعمده لا بقيد الجهل والنسيان لا إذا حملنا قوله طوافه الأول على طواف الإفاضة يوم النحر أو على السعي، ويؤيد التأويل الثاني حديث جابر عند مسلم ‏"‏ لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول ‏"‏ وهو محمول على ما حمل عليه حديث ابن عمر المذكور والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هنا عقب الطريق الثانية لحديث ابن عمر المذكور في نسخة الصغاني تعلية السند المذكور لبعض الرواة ولفظه‏:‏ قال أبو إسحاق حدثنا قتيبة ومحمد بن رمح قالا حدثنا الليث مثله، وأبو إسحاق هذا إن كان هو المستملي فقد سقط بينه وبين قتيبة وابن رمح رجل وإن كان غيره فيحتمل أن يكون إبراهيم بن معفل النسفي الراوي عن البخاري والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:00 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب الطَّوَافِ عَلَى وُضُوءٍ الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الطواف على وضوء‏)‏ أورد فيه حديث عائشة ‏"‏ أن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم أنه توضأ ثم طاف ‏"‏ الحديث بطوله، وليس فيه دلالة على الاشتراط إلا إذا انضم إليه قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏خذوا عني مناسككم‏"‏، وباشتراط الوضوء للطواف قال الجمهور، وخالف فيه بعض الكوفيين، ومن الحجة عليهم قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت ‏"‏ غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ‏"‏ وسيأتي بيان الدلالة منه بعد بابين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا عُمْرَةً وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ فَلَا يَسْأَلُونَهُ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَضَعُوا أَقْدَامَهُمْ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَا يَحِلُّونَ وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي وَخَالَتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لَا تَبْتَدِئَانِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُمَا لَا تَحِلَّانِ وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما كان يبدؤون بشيء حين يضعون أقدامهم من الطواف بالبيت‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ لا بد من زيادة لفظ ‏"‏ أول ‏"‏ بعد لفظ ‏"‏ أقدامهم ‏"‏ وأجاب الكرماني بأن معناه ما كانوا يبدؤون بشيء آخر حين يضعون أقدامهم في المسجد لأجل الطواف انتهى، وحاصله أنه لم يتعين حذف لفظ أول بل يجوز أن يكون الحذف في موضع آخر لكن الأول أولى لأن الثاني يحتاج إلى جعل من بمعنى من أجل وهو قليل، وأيضا فلفظ ‏"‏ أول ‏"‏ قد ثبت في بعض الروايات وثبت أيضا في مكان آخر من الحديث نفسه ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ حتى يضعوا ‏"‏ بدل ‏"‏ حين يضعون ‏"‏ وتوجيهه واضح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم إنهما لا تحلان‏)‏ أي سواء كان إحرامهما بالحج وحده أو بالقران خلافا لمن قال أن من حج مفردا فطاف حل بذلك كما تقدم عن ابن عباس‏.‏
وقوله‏:‏ ‏"‏ أمي ‏"‏ يعني أسماء بنت أبي بكر، وخالته هي عائشة، وقد تقدم الكلام على فوائد هذا الحديث في ‏"‏ باب من طاف إذا قدم‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الداودي ما ذكر من حج عثمان هو من كلام عروة، وما قبله من كلام عائشة‏.‏
وقالا أبو عبد الملك‏:‏ منتهى حديث عائشة عند قوله ‏"‏ ثم لم تكن عمرة ‏"‏ ومن قوله ‏"‏ ثم حج أبو بكر إلخ ‏"‏ من كلام عروة انتهى، فعلى هذا يكون بعض هذا منقطعا لأن عروة لم يدرك أبا بكر ولا عمر، نعم أدرك عثمان، وعلى قول الداودي يكون الجميع متصلا وهو الأظهر‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب وُجُوبِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجُعِلَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله‏)‏ أي وجوب السعي بينهما مستفاد من كونهما جعلا من شعائر الله قاله ابن المنير في الحاشية، وتمام هذا نقل أهل اللغة في تفسير الشعائر قال الأزهري‏:‏ الشعائر المقالة التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها‏.‏
وقال الجوهري‏:‏ الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علما لطاعة الله‏.‏
ويمكن أن يكون الوجوب مستفادا من قول عائشة ‏"‏ ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة ‏"‏ وهو في بعض طرق حديثها المذكور في هذا الباب عند مسلم، واحتج ابن المنذر للوجوب بحديث صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجراه - بكسر المثناة وسكون‏:‏ الجيم بعدها راء ثم ألف ساكنة ثم هاء - وهي إحدى نساء بني عبد الدار - قالت ‏"‏ دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي، وسمعته يقول‏:‏ اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ‏"‏ أخرجه الشافعي وأحمد وغيرهما، وفي إسناد هذا الحديث عبد الله بن المؤمل وفيه ضعف، ومن ثم قال ابن المنذر‏:‏ إن ثبت فهو حجة في الوجوب‏.‏
قلت‏:‏ له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة مختصرة، وعند الطبراني عن ابن عباس كالأولى وإذا انضمت إلى الأولى قويت، واختلف على صفية بنت شيبة في اسم الصحابية التي أخبرتها به، ويجوز أن تكون أخذته عن جماعة، فقد وقع عند الدارقطني عنها ‏"‏ أخبرتني نسوة من بني عبد الدار ‏"‏ فلا يضره الاختلاف، والعمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏خذوا عني مناسككم‏"‏، واستدل بعضهم بحديث أبي موسى في إهلاله، وقد تقدم في أبواب المواقيت وفيه ‏"‏ طف بالبيت وبين الصفا والمروة ‏"‏ واختلف أهل العلم في هذا‏:‏ فالجمهور قالوا هو ركن لا يتم الحج بدونه، وعن أبي حنيفة واجب يجبر بالدم، وبه قال الثوري في الناسي لا في العامد، وبه قال عطاء، وعنه أنه سنة لا يجب بتركه شيء، وبه قال أنس فيما نقله ابن المنذر، واختلف عن أحمد كهذه الأقوال الثلاثة، وعند الحنفية تفصيل فيما إذا ترك بعض السعي كما هو عندهم في الطواف بالبيت، وأغرب ابن العربي فحكى الإجماع على أن السعي ركن في العمرة، وإنما الاختلاف في الحج‏.‏
وأغرب الطحاوي فقال في كلام له على المشعر الحرام‏:‏ قد ذكر الله أشياء في الحج لم يرد بذكرها إيجابها في قول أحد من الأمة من ذلك قوله‏:‏ ‏(‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏)‏ الآية، وكل أجمع على أنه لو حج ولم يطوف بهما أن حجه قد تم وعليه دم‏.‏
وقد أطنب ابن المنير في الرد عليه في حاشيته على ابن بطال‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْتُ لَهَا أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَتْ بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ الْآيَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إِلَّا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَأَسْمَعُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة إلخ‏)‏ الجواب محصله أن عروة احتج للإباحة باقتصار الآية على رفع الجناح فلو كان واجبا لما اكتفى بذلك لأن رفع الإثم علامة المباح، ويزداد المستحب بإثبات الأجر، ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك، ومحل جواب عائشة أن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه مصرحة برفع الإثم عن الفاعل، وأما المباح فيحتاج إلى رفع الإثم عن التارك، والحكمة في التعبير بدلك مطلقة جواب السائلين لأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية أنه لا يستمر في الإسلام فخرج الجواب مطابقا لسؤالهم، وأما الوجوب فيستفاد من دليل آخر، ولا مانع أن يكون الفعل واجبا ويعتقد إنسان امتناع إيقاعه على صفة مخصوصة فيقال له لا جناح عليك في ذلك، ولا يستلزم ذلك نفي الوجوب، ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك، فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفي الإثم عن التارك، وقد وقع في بعض الشواذ باللفظ الذي قالت عائشة أنها لو كانت للإباحة لكانت كذلك حكاه الطبري وابن أبي داود في ‏"‏ المصاحف ‏"‏ وابن المنذر وغيرهم عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس، وأجاب الطبري بأنها محمولة على القراءة المشهورة و ‏"‏ لا ‏"‏ زائدة، وكذا قال الطحاوي‏.‏
وقال غيره‏:‏ لا حجة في الشواذ إذا خالفت المشهور‏.‏
وقال الطحاوي أيضا‏:‏ لا حجة لمن قال إن السعي مستحب بقوله ‏(‏فمن تطوع خيرا‏)‏ لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة لا إلى خصوص السعي لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يهلون‏)‏ أي يحجون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لمناة‏)‏ بفتح الميم والنون الخفيفة صنم كان في الجاهلية‏.‏
وقال ابن الكلبي‏:‏ كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي لهذيل وكانوا يعبدونها، والطاغية صفة لها إسلامية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالمشلل‏)‏ بضم أوله وفتح المعجمة ولامين الأولى مفتوحة مثقلة هي الثنية المشرفة على قديد، زاد سفيان عن الزهري ‏"‏ بالمشلل من قديد ‏"‏ أخرجه مسلم وأصله للمصنف كما سيأتي في تفسير النجم، وله في تفسير البقرة من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال ‏"‏ قلت لعائشة وأنا يومئذ حديث السن - فذكر الحديث وفيه - كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد ‏"‏ أي مقابله، وقديد بقاف مصغر قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه قاله أبو عبيد البكري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكان من أهل يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة‏)‏ وقوله بعد ذلك ‏(‏إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة‏)‏ ظاهره أنهم كانوا في الجاهلية لا يطوفون بين الصفا والمروة ويقتصرون على الطواف بمناة فسألوا عن حكم الإسلام في ذلك، ويصرح بذلك رواية سفيان المذكورة بلفظ ‏"‏ إنما كان من أهل بمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة ‏"‏ وفي رواية معمر عن الزهري ‏"‏ إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة ‏"‏ أخرجه البخاري تعليقا، ووصله أحمد وغيره‏.‏
وفي رواية يونس عن الزهري عند مسلم ‏"‏ إن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة وكان ذلك سنة في آبائهم، من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة ‏"‏ فطرق الزهري متفقة، وقد اختلف فيه على هشام بن عروة عن أبيه فرواه مالك عنه بنحو رواية شعيب عن الزهري، ورواه أبو أسامة عنه بلفظ ‏"‏ إنما أنزل الله هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة ‏"‏ أخرجه مسلم، وظاهره يوافق رواية الزهري، وبذلك جزم محمد بن إسحاق فيما رواه الفاكهي من طريق عثمان بن ساج عنه ‏"‏ أن عمرو بن لحي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديد، فكانت الأزد وغسان يحجونها ويعظمونها، إذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات وفرغوا من منى أتوا مناة فأهلوا لها، فمن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة - قال - وكانت مناة للأوس والخزرج والأزد من غسان ومن دان دينهم من أهل يثرب ‏"‏ فهذا يوافق رواية الزهري‏.‏
وأخرج مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام هذا الحديث فخالف جميع ما تقدم ولفظه ‏"‏ إنما كان ذلك لأن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما أساف ونائلة فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلون، فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية ‏"‏ فهذه الرواية تقتضي أن تحرجهم إنما كان لئلا يفعلوا في الإسلام شيئا كانوا يفعلونه في الجاهلية لأن الإسلام أبطل أفعال الجاهلية إلا ما أذن فيه الشارع، فخشوا أن يكون ذلك من أمر الجاهلية الذي أبطله الشارع، فهذه الرواية توجيهها ظاهر بخلاف رواية أبي أسامة فإنها تقتضي أن التحرج عن الطواف بين الصفا والمروة لكونهم كانوا لا يفعلونه في الجاهلية، ولا يلزم من تركهم فعل شيء في الجاهلية أن يتحرجوا من فعله في الإسلام، ولولا الزيادة التي في طريق يونس حيث قال وكانت سنة في آبائهم إلخ لكان الجمع بين الروايتين ممكنا بأن نقول‏:‏ وقع في رواية الزهري حذف تقديره أنهم كانوا يهلون في الجاهلية لمناة ثم يطوفون بين الصفا والمروة فكان من أهل أي بعد ذلك في الإسلام يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة لئلا يضاهي فعل الجاهلية‏.‏
ويمكن أيضا أن يكون في رواية أبي أسامة حذف تقديره كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية، فجاء الإسلام فظنوا أنه أبطل ذلك فلا يحل لهم، ويبين ذلك رواية أبي معاوية المذكورة حيث قال فيها ‏"‏ فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية‏"‏، إلا أنه وقع فيها وهم غير هذا نبه عليه عياض فقال‏:‏ قوله لصنمين على شط البحر وهم، فإنهما ما كانا قط على شط البحر وإنما كانا على الصفا والمروة، إنما كانت مناة مما يلي جهة البحر انتهى‏.‏
وسقط من روايته أيضا إهلالهم أولا لمناة، فكأنهم كانوا يهلون لمناة فيبدؤون بها ثم يطوفون بين الصفا والمروة لأجل أساف ونائلة، فمن ثم تحرجوا من الطواف بينهما في الإسلام، ويؤيد ما ذكرناه حديث أنس المذكور في الباب الذي بعده بلفظ ‏"‏ أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة‏؟‏ فقال‏:‏ نعم، لأنها كانت من شعار الجاهلية ‏"‏ وروى النسائي بإسناد قوي عن زيد بن حارثة قال ‏"‏ كان على الصفا والمروة صنمان من نحاس يقال لهما أساف ونائلة كان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما ‏"‏ الحديث، وروى الطبراني وابن أبي حاتم في التفسير بإسناد حسن من حديث ابن عباس قال ‏"‏ قالت الأنصار‏:‏ إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية، فأنزل الله عز وجل ‏(‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏)‏ الآية‏"‏، وروى الفاكهي وإسماعيل القاضي في ‏"‏ الأحكام ‏"‏ بإسناد صحيح عن الشعبي قال ‏"‏ كان صنم بالصفا يدعى أساف ووثن بالمروة يدعى نائلة، فكان أهل الجاهلية يسعون بينهما، فلما جاء الإسلام رمى بهما وقالوا‏:‏ إنما كان ذلك يصنعه أهل الجاهلية من أجل أوثانهم، فأمسكوا عن السعي بينهما، قال فأنزل الله تعالى ‏(‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏)‏ الآية ‏"‏ وذكر الواحدي في ‏"‏ أسبابه ‏"‏ عن ابن عباس نحو هذا وزاد فيه‏:‏ يزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عبدا‏.‏
والباقي نحو‏.‏
وروى الفاكهي بإسناد صحيح إلى أبي مجلز نحوه‏.‏
وفي ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ لعمر بن شبة بإسناد قوي عن مجاهد في هذه الآية قال‏:‏ قالت الأنصار أن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية، فنزلت‏.‏
ومن طريق الكلبي قال‏:‏ كان الناس أول ما أسلموا كرهوا الطواف بينهما لأنه كان على كل واحد منهما صنم فنزلت، فهذا كله يوضح قوة رواية أبي معاوية وتقدمها على رواية غيره، ويحتمل أن يكون الأنصار في الجاهلية كانوا فريقين منهم من كان يطوف بينهما على ما اقتضته رواية أبي معاوية، ومنهم من كان لا يقربهما على ما اقتضته رواية الزهري واشترك الفريقان في الإسلام على التوقف عن الطواف بينهما لكونه كان عندهم جميعا من أفعال الجاهلية، فيجمع بين الروايتين بهذا، وقد أشار إلى نحو هذا الجمع البيهقي والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قول عائشة ‏"‏ سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بين الصفا والمروة ‏"‏ أي فرضه بالسنة، وليس مرادها نفي فرضيتها، ويؤيده قولها ‏"‏ لم يتم الله حج أحدكم ولا عمرته ما لم يطف بينهما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن‏)‏ القائل هو الزهري، ووقع في رواية سفيان عن الزهري عند مسلم ‏"‏ قال الزهري‏:‏ فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن هذا العلم‏)‏ كذا للأكثر، أي أن هذا هو العلم المتين، وللكشميهني ‏"‏ إن هذا لعلم ‏"‏ بفتح اللام وهي المؤكدة وبالتنوين على أنه الخبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الناس إلا من ذكرت عائشة‏)‏ إنما ساغ له هذا الاستثناء مع أن الرجال الذين أخبروه أطلقوا ذلك لبيان الخبر عنده من رواية الزهري له عن عروة عنها، ومحصل ما أخبر به أبو بكر بن عبد الرحمن أن المانع لهم من التطوف بينهما أنهم كانوا يطوفون بالبيت وبين الصفا والمروة في الجاهلية، فلما أنزل الله الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بينهما ظنوا رفع ذلك الحكم فسألوا هل عليهم من حرج إن فعلوا ذلك، بناء على ما ظنوه من أن التطوف بينهما من فعل الجاهلية‏.‏
ووقع في رواية سفيان المذكورة ‏"‏ إنما كان من لا يطوف بينهما من العرب يقولون‏:‏ إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية ‏"‏ وهو يؤيد ما شرحناه أولا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين‏)‏ كذا في معظم الروايات بإثبات الهمزة وضم العين بصيغة المضارعة للمتكلم، وضبطه الدمياطي في نسخته بالوصل وسكون العين بصيغة الأمر، والأول أصوب فقد وقع في رواية سفيان المذكورة ‏"‏ فأراها نزلت ‏"‏ وهو بضم الهمزة أي أظنها، وحاصله أن سبب نزول الآية على هذا الأسلوب كان للرد على الفريقين‏:‏ الذين تحرجوا أن يطوفوا بينهما لكونه عندهم من أفعال الجاهلية، والذين امتنعوا من الطواف بينهما لكونهما لم يذكرا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت‏)‏ يعني تأخر نزول آية البقرة في الصفا والمروة عن آية الحج وهي قوله تعالى ‏(‏وليطوفوا بالبيت العتيق‏)‏ ، ووقع في رواية المستملي وغيره ‏"‏ حتى ذكر بعد ذلك ما ذكر الطواف بالبيت ‏"‏ وفي توجيهه عسر، وكأن قوله ‏"‏ الطواف بالبيت ‏"‏ بدل من قوله ‏"‏ ما ذكر ‏"‏ بتقدير الأول إنما امتنعوا من السعي بين الصفا والمروة لأن قوله‏:‏ ‏(‏وليطوفوا بالبيت العتيق‏)‏ دل على الطواف بالبيت ولا ذكر للصفا والمروة فيه حتى نزل ‏(‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏)‏ بعد نزول ‏(‏وليطوفوا بالبيت‏)‏ أما الثاني فيجوز أن تكون ما مصدرية أي بعد ذلك الطواف بالبيت الطواف بين الصفا والمروة‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا السَّعْيُ مِنْ دَارِ بَنِي عَبَّادٍ إِلَى زُقَاقِ بَنِي أَبِي حُسَيْنٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة‏)‏ أي في كيفيته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر إلخ‏)‏ وصله الفاكهي من طريق ابن جريج ‏"‏ أخبرني نافع قال‏:‏ نزل ابن عمر من الصفا، حتى إذا حاذى باب بني عباد سعى، حتى إذا انتهى إلى الزقاق الذي يسلك بين دار بني أبي حسين ودار بنت قرظة ‏"‏ ومن طريق عبيد الله بن أبي يزيد قال ‏"‏ رأيت ابن عمر يسعى من مجلس أبي عباد إلى زقاق ابن أبي حسين ‏"‏ قال سفيان هو بين هذين العلمين‏.‏
وروى ابن أبي شيبة من طريق عثمان بن الأسود عن مجاهد وعطاء قال ‏"‏ رأيتهما يسعيان من خوخة بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين، قال فقلت لمجاهد، فقال‏:‏ هذا بطن المسيل الأول ‏"‏ ا هـ‏.‏
والعلمان اللذان أشار إليهما معروفان إلى الآن‏.‏
وروى ابن خزيمة والفاكهي من طريق أبي الطفيل قال ‏"‏ سألت ابن عباس عن السعي فقال‏:‏ لما بعث الله جبريل إلى إبراهيم ليريه المناسك عرض له الشيطان بين الصفا والمروة، فأمر الله أن يجيز الوادي‏.‏
قال ابن عباس‏:‏ فكانت سنة ‏"‏ وسيأتي في أحاديث الأنبياء أن ابتداء ذلك كان من هاجر‏.‏
وروى الفاكهي بإسناد حسن عن ابن عباس قال ‏"‏ هذا ما أورثتكموه أم إسماعيل ‏"‏ وسيأتي حديثه في آخر الباب في سبب فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَافَ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا وَكَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقُلْتُ لِنَافِعٍ أَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَمْشِي إِذَا بَلَغَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ يُزَاحَمَ عَلَى الرُّكْنِ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَلِمَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبيد‏)‏ زاد أبو ذر في روايته ‏"‏ هو ابن أبي حاتم ‏"‏ ولغيره ‏"‏ محمد بن عبيد بن ميمون ‏"‏ وهو الصواب وبه جزم أبو نعيم، ولعل حاتما اسم جد له إن كانت رواية أبي ذر فيه مضبوطة‏.‏
وقد ذكر أبو علي الجياني أنه رآه بخط أبي محمد الأصيلي في نسخته ‏"‏ حدثنا محمد بن عبيد بن حاتم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان إذا طاف الطواف الأول‏)‏ أي طواف القدوم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خب‏)‏ بفتح المعجمة وتشديد الموحدة وقد تقدم في ‏"‏ باب من طاف إذا قدم مكة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان يسعى بطن المسيل‏)‏ أي المكان الذي يجتمع فيه السيل، وقوله بطن منصوب على الظرف، وهذا مرفوع عن ابن عمر، وكأن المصنف بدأ بالموقوف عنه في الترجمة لكونه مفسرا لحد السعي، والمراد به شدة المشي وإن كان جميع ذلك يسمى سعيا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لنافع‏)‏ القائل عبيد الله بن عمر المذكور، وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بالاستلام قبل بأبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر أيضا في طواف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة، أورده من وجهين، وقد تقدم في ‏"‏ باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين ‏"‏ قال شيخنا ابن الملقن هنا قال صاحب المحيط من الحنفية‏:‏ لو بدأ بالمروة وختم بالصفا أعاد شوطا فإن البداءة واجبة، ولا أصل لما قال الكرماني أن الترتيب ليس بشرط ولكن تركه مكروه لترك السنة فيستحب إعادة الشوط‏.‏
قلت‏:‏ الكرماني المذكور عالم من الحنفية وليس هو شمس الدين شارح البخاري، وإنما نبهت على ذلك لئلا يتوهم أن شيخنا وقف على شرحه ونقل منه فإن هذا الكلام ما هو في شرح شمس الدين وشمس الدين شافعي المذهب يرى الترتيب شرطا في صحة السعي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ تَلَا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسوة حَسَنَةٌ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر أيضا في طواف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة، أورده من وجهين، وقد تقدم في ‏"‏ باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين ‏"‏ قال شيخنا ابن الملقن هنا قال صاحب المحيط من الحنفية‏:‏ لو بدأ بالمروة وختم بالصفا أعاد شوطا فإن البداءة واجبة، ولا أصل لما قال الكرماني أن الترتيب ليس بشرط ولكن تركه مكروه لترك السنة فيستحب إعادة الشوط‏.‏
قلت‏:‏ الكرماني المذكور عالم من الحنفية وليس هو شمس الدين شارح البخاري، وإنما نبهت على ذلك لئلا يتوهم أن شيخنا وقف على شرحه ونقل منه فإن هذا الكلام ما هو في شرح شمس الدين وشمس الدين شافعي المذهب يرى الترتيب شرطا في صحة السعي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ قَالَ قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ نَعَمْ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا
الشرح‏:‏
حديث أنس في نزول قوله تعالى ‏(‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏)‏ وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله‏.‏
الرابع حديث ابن عباس ‏"‏ إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته ‏"‏ والمراد بالسعي هنا شدة المشي، وقد تقدم القول فيه في ‏"‏ باب بدء الرمل‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ زَادَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو سَمِعْتُ عَطَاءً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏زاد الحميدي إلخ‏)‏ أي زاد التصريح بالتحديث من عمرو لسفيان ومن عطاء لعمرو، وهكذا رويناه في ‏"‏ مسند الحميدي ‏"‏ رواية بشر بن موسى عنه ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج‏.‏
وأخرج مسلم في هذا الباب حديث جابر ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الركعتين بعد طوافه خرج إلى الصفا فقال‏:‏ أبدأ بما بدأ الله به ‏"‏ واستدل به على اشتراط البداءة بالصفا، ورواه النسائي بلفظ الأمر فقال ‏"‏ ابدؤوا بما بدأ الله به‏"‏‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ قال ابن عبد السلام المروة أفضل من الصفا لأنها تقصد بالذكر والدعاء أربع مرات بخلاف الصفا فإنما يقصد ثلاثا، قال‏:‏ وأما البداءة بالصفا فليس بوارد لأنه وسيلة‏.‏
قلت‏:‏ وفيه نظر لأن الصفا تقصد أربعا أيضا أولها عند البداءة فكل منهما مقصود بذلك ويمتاز بالابتداء، وعند التنزل يتعادلان، ثم ما ثمرة هذا التفضيل مع أن العبادة المتعلقة بهما لا تتم إلا بهما معا‏؟‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:01 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَإِذَا سَعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة‏)‏ جزم بالحكم الأول لتصريح الأخبار التي ذكرها في الباب بذلك، وأورد المسألة الثانية مورد الاستفهام للاحتمال وكأنه أشار إلى ما روي عن مالك في حديث الباب بزيادة ‏"‏ ولا بين الصفا والمروة ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ لم يقله أحد عن مالك إلا يحيى بن يحيي التميمي النيسابوري‏.‏
قلت‏:‏ فإن كان يحيي حفظه فلا يدل على اشتراط الوضوء للسعي لأن السعي يتوقف على تقدم طواف قبله فإذا كان الطواف ممتنعا امتنع لذلك لا لاشتراط الطهارة له‏.‏
وقد روي عن ابن عمر أيضا قال ‏"‏ تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ‏"‏ أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح قال‏:‏ وحدثنا ابن فضيل عن عاصم قلت لأبي العالية تقرأ الحائض‏؟‏ قال‏:‏ لا، ولا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة‏.‏
ولم يذكر ابن المنذر عن أحد من السلف اشتراط الطهارة للسعي إلا عن الحسن البصري، وقد حكى المجد بن تيمية من الحنابلة رواية عندهم مثله، وأما ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر بإسناد صحيح ‏"‏ إذا طافت ثم حاضت قبل أن تسعى بين الصفا والمروة فلتسع ‏"‏ وعن عبد الأعلى عن هشام عن الحسن مثله، وهذا إسناد صحيح عن الحسن فلعله يفرق بين الحائض والمحدث كما سيأتي‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ كأن البخاري فهم أن قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة ‏"‏ افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت‏"‏‏.‏
أن لها أن تسعى ولهذا قال‏:‏ وإذا سعى على غير وضوء ا هـ، وهو توجيه جيد لا يخالف التوجيه الذي قدمته وهو قول الجمهور، وحكى ابن المنذر عن عطاء قولين فيمن بدأ بالسعي قبل الطواف بالبيت، وبالإجزاء قال بعض أهل الحديث واحتج بحديث أسامة بن شريك ‏"‏ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
فقال‏:‏ سعيت قبل أن أطوف، قال‏:‏ طف ولا حرج ‏"‏ وقال الجمهور‏:‏ لا يجزئه، وأولوا حديث أسامة على من سعى بعد طواف القدوم وقيل طواف الإفاضة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَتْ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي
الشرح‏:‏
حديث عائشة وفيه ‏"‏ افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ‏"‏ وهو بفتح التاء والطاء المهملة المشددة وتشديد الهاء أيضا أو هو على حذف إحدى التاءين وأصله تتطهري، ويؤيده قوله في رواية مسلم ‏"‏ حتى تغتسلي ‏"‏ والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل، لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته، وفي معنى الحائض الجنب والمحدث وهو قول الجمهور، وذهب جمع من الكوفيين إلى عدم الاشتراط، قال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا غندر حدثنا شعبة سألت الحكم وحمادا ومنصورا وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة فلم يروا به بأسا‏.‏
وروي عن عطاء‏:‏ إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها‏.‏
وفي هذا تعقب على النووي حيث قال في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏‏:‏ انفرد أبو حنيفة بأن الطهارة ليست بشرط في الطواف، واختلف أصحابه في وجوبها وجبرانه بالدم إن فعله ا هـ، ولم ينفردوا بذلك كما ترى، فلعله أراد انفرادهم عن الأئمة الثلاثة، لكن عند أحمد رواية أن الطهارة للطواف واجبة تجبر بالدم، وعند المالكية قول يوافق هذا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ ح وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلْحَةَ وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ فَقَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالُوا نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ وَحَاضَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ
الشرح‏:‏
حديث جابر في الإهلال بالحج وفيه قصة قدوم علي ومعه الهدي، وقصة عائشة ‏"‏ حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت ‏"‏ الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب عمرة التنعيم ‏"‏ من أبواب العمرة، والاحتياج منه لقوة ‏"‏ غير أنها لم تطف بالبيت‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ساقه المؤلف هنا رحمه الله بلفظ خليفة، وسيأتي لفظ محمد بن المثنى في ‏"‏ باب عمرة التنعيم‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فَقَدِمَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَحَدَّثَتْ أَنَّ أُخْتَهَا كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ قَالَتْ كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى فَسَأَلَتْ أُخْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ هَلْ عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ قَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلْتَشْهَدْ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سَأَلْنَهَا أَوْ قَالَتْ سَأَلْنَاهَا فَقَالَتْ وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَدًا إِلَّا قَالَتْ بِأَبِي فَقُلْنَا أَسَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَتْ نَعَمْ بِأَبِي فَقَالَ لِتَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ أَوْ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى فَقُلْتُ أَلْحَائِضُ فَقَالَتْ أَوَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا
الشرح‏:‏
حديث حفصة ‏"‏ كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن، فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف - وفيه - ويعتزل الحيض المصلى ‏"‏ وقد تقدم في الحيض وفي العيدين وتقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الحيض، والمحتاج إليه هنا قولها في آخره ‏"‏ أو ليس تشهد عرفة وتشهد كذا وتشهد كذا ‏"‏ فهو المطابق لقول جابر ‏"‏ فنسكت المناسك كلها إلا الطواف بالبيت ‏"‏ وكذا قولها ‏"‏ ويعتزل الحيض المصلى ‏"‏ فإنه يناسب قوله ‏"‏ إن الحائض لا تطوف بالبيت ‏"‏ لأنها إذا أمرت باعتزال المصلى كان اعتزالها للمسجد بل للمسجد الحرام بل للكعبة من باب الأولى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب الْإِهْلَالِ مِنْ الْبَطْحَاءِ وَغَيْرِهَا لِلْمَكِّيِّ
وَلِلْحَاجِّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ الْمُجَاوِرِ يُلَبِّي بِالْحَجِّ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُلَبِّي يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَاسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْلَلْنَا حَتَّى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَهْلَلْنَا مِنْ الْبَطْحَاءِ وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْجٍ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي والحاج إذا خرج من منى‏)‏ كذا في معظم الروايات، وفي نسخة معتمدة من طريق أبي الوقت ‏"‏ إلى منى ‏"‏ وكذا ذكره ابن بطال في شرحه والإسماعيلي في مستخرجه ولا إشكال فيها، وعلى الأول فلعله أشار إلى الخلاف في ميقات المكي، قال النووي‏:‏ ميقات من بمكة من أهلها أو غيرهم نفس مكة على الصحيح، وقيل مكة وسائر الحرم ا هـ‏.‏
والثاني مذهب الحنفية، واختلف في الأفضل فاتفق المذهبان على أنه من باب المنزل، وفي قول للشافعي من المسجد، وحجة الصحيح ما تقدم في أول كتاب الحج من حديث ابن عباس ‏"‏ حتى أهل مكة يهلون منها ‏"‏ وقال مالك وأحمد وإسحاق‏:‏ يهل من جوف مكة ولا يخرج إلى الحل إلا محرما، واختلفوا في الوقت الذي يهل فيه‏:‏ فذهب الجمهور إلى أن الأفضل أن يكون يوم التروية، وروى مالك وغيره بإسناد منقطع وابن المنذر بإسناد متصل عن عمر أنه قال لأهل مكة ‏"‏ ما لكم يقدم الناس عليكم شعثا وأنتم تنضحون طيبا مدهنين، إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج ‏"‏ وهو قول ابن الزبير ومن أشار إليهم عبيد بن جريج بقوله لابن عمر أهل الناس إذا رأوا الهلال، وقيل إن ذلك محمول على الاستحباب وبه قال مالك وأبو ثور‏.‏
وقال ابن المنذر‏:‏ الأفضل أن يهل يوم التروية إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي ويريد الصوم فيعجل الإهلال ليصوم ثلاثة أيام بعد أن يحرم، واحتج الجمهور بحديث أبي الزبير عن جابر وهو الذي علقه المصنف في هذا الباب، وقوله في الترجمة ‏"‏ للمكي ‏"‏ أي إذا أراد الحج، وقوله ‏"‏الحاج ‏"‏ أي الآفاقي إذا كان قد دخل مكة متمتعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسئل عطاء إلخ‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريقه بلفظ ‏"‏ رأيت ابن عمر في المسجد فقيل له‏:‏ قد رئي الهلال - فذكر قصة فيها - فأمسك حتى كان يوم التروية فأتى البطحاء، فلما استوت به راحلته أحرم ‏"‏ وروى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أن ابن عمر أهل لهلال ذي الحجة، وذلك أنه كان يرى التوسعة في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الملك إلخ‏)‏ الظاهر أن عبد الملك هو ابن أبي سليمان وقد وصله مسلم من طريقه عن عطاء عن جابر قال ‏"‏ أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة، فكبر ذلك علينا ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ أيها الناس أحلوا، فأحللنا، حتى كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج ‏"‏ وقد روى عبد الملك بن جريج نحو هذه القصة وسيأتي في أثناء حديث‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ بظهر ‏"‏ أي وراء ظهورنا، وقوله ‏"‏أهللنا بالحج ‏"‏ أي جعلنا مكة من ورائنا في يوم التروية حال كوننا مهلين بالحج، فعلم أنهم حين الخروج من مكة كانوا محرمين، ويوضح ذلك ما بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو الزبير عن جابر أهللنا من البطحاء‏)‏ وصله أحمد ومسلم من طريق ابن جريج عنه عن جابر قال ‏"‏ أمرنا النبي إذا أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى، قال‏:‏ فأهللنا من الأبطح ‏"‏ وأخرجه مسلم مطولا من طريق الليث عن أبي الزبير فذكر قصة فسخهم الحج إلى العمرة، وقصة عائشة لما حاضت وفيه ‏"‏ ثم أهللنا يوم التروية ‏"‏ وزاد من طريق زهير عن أبي الزبير ‏"‏ أهللنا بالحج ‏"‏ وفي حديثه الطويل عنده نحو‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ يوم التروية سيأتي الكلام عليه في الترجمة التي بعد هذه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبيد بن جريج لابن عمر إلخ‏)‏ وصله المؤلف في أوائل الطهارة في اللباس بأتم من سياقه هنا، قال ابن بطال وغيره‏:‏ وجه احتجاج ابن عمر على ما ذهب إليه أنه يهل يوم التروية إذا كان بمكة بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إنما أهل حين انبعثت به راحلته بذي الحليفة، ولم يكن بمكة ولا كان ذلك يوم التروية من جهة أنه صلى الله عليه وسلم أهل من ميقاته من حين ابتدائه في عمل حجته واتصل له عمله ولم يكن بينهما مكث ربما انقطع به العمل‏.‏
فكذلك المكي إذا أهل يوم التروية اتصل عمله، بخلاف ما لو أهل من أول الشهر، وقد قال ابن عباس‏:‏ لا يهل أحد من مكة بالحج حتى يريد الرواح إلى منى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n153&p1#TOP)باب أَيْنَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أين يصلي الظهر يوم التروية‏)‏ أي يوم الثامن من ذي الحجة وسمي التروية بفتح المثناة وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف التحتانية لأنهم كانوا يروون فيها إبلهم ويتروون من الماء لأن تلك الأماكن لم تكن إذ ذاك فيها آبار ولا عيون، وأما الآن فقد كثرت جدا واستغنوا عن حمل الماء‏.‏
وقد روى الفاكهي في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ من طريق مجاهد قال‏:‏ قال عبد الله بن عمر‏:‏ يا مجاهد، إذا رأيت الماء بطريق مكة، ورأيت البناء يعلو أخاشبها، فخذ حذرك‏.‏
وفي رواية‏:‏ فاعلم أن الأمر قد أظلك‏.‏
وقيل في تسميته التروية أقوال أخرى شاذة‏:‏ منها أن آدم رأى فيه حواء واجتمع بها‏.‏
ومنها أن إبراهيم رأى في ليلته أنه يذبح ابنه فأصبح متفكرا يتروى‏.‏
ومنها أن جبريل عليه السلام أرى فيه إبراهيم مناسك الحج‏.‏
ومنها أن الإمام يعلم الناس فيه مناسك الحج‏.‏
ووجه شذوذها أنه لو كان من الأول لكان يوم الرؤية، أو من الثاني لكان يوم التروي بتشديد الواو، أو من الثالث لكان من الرؤيا، أو من الرابع لكان من الرواية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَالَ بِمِنًى قُلْتُ فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ قَالَ بِالْأَبْطَحِ ثُمَّ قَالَ افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الله بن محمد‏)‏ هو الجعفي‏.‏
وإسحاق الأزرق هو ابن يوسف، وسفيان هو الثوري‏.‏
قال الترمذي بعد أن أخرجه‏:‏ صحيح يستغرب من حديث إسحاق الأزرق عن الثوري، يعني أن إسحاق تفرد به وأظن أن لهذه النكتة أردفه البخاري بطريق أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز، ورواية أبي بكر وإن كان قصر فيها كما سنوضحه لكنها متابعة قوية لطريق إسحاق، وقد وجدنا له شواهد‏:‏ منها ما وقع في حديث جابر الطويل في صفة الحج عند مسلم ‏"‏ فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ‏"‏ الحديث‏.‏
وروى أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم من حديث ابن عباس قال ‏"‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى خمس صلوات ‏"‏ وله عن ابن عمر أنه ‏"‏ كان يحب - إذا استطاع - أن يصلي الظهر بمنى يوم التروية ‏"‏ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمنى، وحديث ابن عمر في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن نافع عنه موقوفا، ولابن خزيمة والحاكم من طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن الزبير قال ‏"‏ من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوم النفر‏)‏ بفتح النون وسكون الفاء يأتي الكلام عليه في أواخر أبواب الحج‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ لَقِيتُ أَنَسًا ح و حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ خَرَجْتُ إِلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلَقِيتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَاهِبًا عَلَى حِمَارٍ فَقُلْتُ أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْيَوْمَ الظُّهْرَ فَقَالَ انْظُرْ حَيْثُ يُصَلِّي أُمَرَاؤُكَ فَصَلِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي‏)‏ لم أره منسوبا في شيء من الروايات، والذي يظهر لي أنه ابن المديني، وقد ساق المصنف الحديث على لفظ إسماعيل بن أبان، وإنما قدم طريق علي لتصريحه فيها بالتحديث بين أبي بكر وهو ابن عياش وعبد العزيز وهو ابن رفيع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلقيت أنسا ذاهبا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ راكبا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏انظر حيث يصلي أمراؤك فصل‏)‏ هذا فيه اختصار يوضحه رواية سفيان وذلك أنه في رواية سفيان بين له المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية وهو منى كما تقدم، ثم خشي عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة فقال له صل مع الأمراء حيث يصلون‏.‏
وفيه إشعار بأن الأمراء إذ ذاك كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين فأشار أنس إلى أن الذي يفعلونه جائز وإن كان الاتباع أفضل، ولما خلت رواية أبي بكر بن عياش عن القدر المرفوع وقع في بعض الطرق عنه وهم فرواه الإسماعيلي من رواية عبد الحميد بن بيان عنه بلفظ ‏"‏ أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر هذا اليوم‏؟‏ قال‏:‏ صلى حيث يصلي أمراؤك ‏"‏ قال الإسماعيلي‏:‏ قوله ‏"‏ صلى ‏"‏ غلط‏.‏
قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون كانت ‏"‏ صل ‏"‏ بصيغة الأمر كغيرها من الروايات فأشبع الناسخ اللام فكتب بعدها باء فقرأها الراوي بفتح اللام‏.‏
وأغرب الحميدي في جمعه فحذف لفظ فصل من آخر رواية أبي بكر ابن عياش فصار ظاهره أن أنسا أخبر أنه صلى حيث يصلي الأمراء، وليس كذلك فهذا بعينه الذي أطلق الإسماعيلي أنه غلط‏.‏
وقال أبو مسعود في ‏"‏ الأطراف ‏"‏‏:‏ جود إسحاق عن سفيان هذا الحديث ولم يجوده أبو بكر بن عياش‏.‏
قلت‏:‏ وهو كما قال، وقد قدمت عذر البخاري في تخريجه وأنه أراد به دفع من يتوقف في تصحيحه لتفرد إسحاق به عن سفيان‏.‏
ووقع في رواية عبد الله بن محمد في هذا الباب زيادة لفظة لم يتابعه عليها سائر الرواة عن إسحاق وهي قوله ‏"‏ أين صلى الظهر والعصر ‏"‏‏؟‏ فإن لفظ ‏"‏ العصر ‏"‏ لم يذكره غيره، فسيأتي في أواخر صفة الحج عن أبي موسى محمد بن المثنى عند المصنف، وكذا أخرجه ابن خزيمة عن أبي موسى، وأخرجه أحمد في مسنده عن إسحاق نفسه، وأخرجه مسلم عن زهير بن حرب، وأبو داود عن أحمد بن إبراهيم، والترمذي عن أحمد بن منيع ومحمد بن وزير، والنسائي عن محمد بن إسماعيل بن علية وعبد الرحمن بن محمد بن سلام، والدارمي عن أحمد بن حنبل ومحمد بن أحمد، وأبو عوانة في صحيحه عن سعدان بن يزيد، وابن الجارود في ‏"‏ المنتقى ‏"‏ عن محمد بن وزير، وسمويه في فوائده عن محمد بن بشار بندار، وأخرجه ابن المنذر والإسماعيلي من طريق بندار، زاد الإسماعيلي وزهير بن حرب وعبد الحميد بن بيان وأحمد بن منيع كلهم - وهم اثنا عشر نفسا - عن إسحاق الأزرق، ولم يقل أحد منهم في روايته ‏"‏ والعصر‏"‏، وادعى الداودي أن ذكر العصر هنا وهم وإنما ذكر العصر في النفس، وتعقب بأن النصر مذكور في هذه الرواية في الموضعين، وقد تقدم التصريح في حديث جابر عند مسلم بأنه صلى الظهر والعصر وما بعد ذلك إلى صبح يوم عرفة بمنى، فالزيادة في نفس الأمر صحيحة إلا أن عبد الله بن محمد تفرد بذكرها عن إسحاق دون بقية أصحابه والله أعلم‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ ليس لعبد العزيز بن رفيع عن أنس في الصحيحين إلا هذا الحديث الواحد، وله عن غير أنس أحاديث تقدم بعضها في ‏"‏ باب من طاف بعد الصبح ‏"‏ والمراد بالنفر الرجوع من منى بعد انقضاء أعمال الحج، والمراد بالأبطح المحصب كما سيأتي في مكانه‏.‏
وفي الحديث أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى وهو قول الجمهور، وروى الثوري في جامعه عن عمرو بن دينار فال‏:‏ رأيت ابن الزبير صلى الظهر يوم التروية بمكة‏.‏
وقد تقدمت رواية القاسم عنه أن السنة أن يصليها بمنى فلعله فعل ما نقله عمرو عنه لضرورة أو لبيان الجواز، وروى ابن المنذر من طريق ابن عباس قال ‏"‏ إذا زاغت الشمس فليرح إلى منى ‏"‏ قال ابن المنذر في حديث ابن الزبير‏:‏ أن من السنة أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، قال به علماء الأمصار، قال‏:‏ ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئا‏.‏
ثم روي عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه، قال ابن المنذر‏:‏ والخروج إلى منى في كل وقت مباح إلا أن الحسن وعطاء قالا‏:‏ لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين‏.‏
وكرهه مالك، وكره الإقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي إلا إن أدركه وقت الجمعة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج‏.‏
وفي الحديث أيضا الإشارة إلى متابعة أولي الأمر، والاحتراز عن مخالفة الجماعة‏.‏

حسن الخليفه احمد
08-14-2013, 12:04 PM
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب الصَّلَاةِ بِمِنًى الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة بمنى‏)‏ أي هل يقصر الرباعية أم لا‏؟‏ وقد تقدم البحث في ذلك في أبواب قصر الصلاة في الكلام على نظير هذه الترجمة، وأورد فيها أحاديث الباب الثلاثة، لكن غاير في بعض أسانيدها‏:‏ فإنه أورد حديث ابن عمر هناك من طريق نافع عنه، وهنا من طريق ولده عبيد الله عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعثمان صدرا من خلافته‏)‏ زاد في رواية نافع المذكورة ‏"‏ ثم أتمها ‏"‏ وأورد حديث حارثة هناك عن أبي الوليد وهنا عن آدم كلاهما عن شعبة، وحديث ابن مسعود هناك من رواية عبد الواحد وهنا من رواية سفيان كلاهما عن الأعمش‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمْ الطُّرُقُ فَيَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليت حظي من أربع ركعتان‏)‏ قال الداودي‏:‏ خشي ابن مسعود أن لا يجزئ الأربع فاعلها وتبع عثمان كراهة لخلافه، وأخبر بما يعتقده‏.‏
وقال غيره‏:‏ يريد أن لو صلى أربعا تكلفها فليتها تقبل كما تقبل الركعتان انتهى‏.‏
والذي يظهر أنه قال ذلك على سبيل التفويض إلى الله لعدم إطلاعه على الغيب وهل يقبل الله صلاته أم لا، فتمنى أن يقبل منه من الأربع التي يصليها ركعتان ولو لم يقيل الزائد، وهو يشعر بأن المسافر عنده مخير بين القصر والإتمام والركعتان لا بد منهما، ومع ذلك فكان يخاف أن لا يقبل منه شيء، فحاصله أنه قال‏:‏ إنما أتم متابعة لعثمان، وليت الله قبل مني ركعتين من الأربع‏.‏
وقد تقدم الكلام على بقية فوائد هذه الأحاديث في أبواب القصر وعلى السبب في إتمام عثمان بمنى ولله الحمد‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)بَاب صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سَالِمٌ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ شَكَّ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ
الشرح‏:‏
‏(‏لا يوجد شرح‏)‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ إِذَا غَدَا مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة‏)‏ أي مشروعيتهما، وغرضه بهذه الترجمة الرد على من قال‏.‏
يقطع المحرم التلبية إذا راح إلى عرفة، وسيأتي البحث فيه بعد أربعة عشر بابا إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ مِنَّا الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن أبي بكر الثقفي‏)‏ تقدم في العيدين من وجه آخر عن مالك ‏"‏ حدثني محمد ‏"‏ وليس لمحمد المذكور في الصحيح عن أنس ولا غيره غير هذا الحديث الواحد، وقد وافق أنسا على روايته عبد الله بن عمر أخرجه مسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهما غاديان‏)‏ أي ذاهبان غدوة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كيف كنتم تصنعون‏)‏ أي من الذكر، ولمسلم من طريق موسى بن عقبة عن محمد بن أبي بكر ‏"‏ قلت لأنس غداة عرفة‏:‏ ما نقول في التلبية في هذا اليوم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا ينكر عليه‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول‏.‏
وفي رواية موسى بن عقبة ‏"‏ لا يعيب أحدنا على صاحبه ‏"‏ وفي حديث ابن عمر المشار إليه من طريق عبد الله بن أبي سلمة عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه ‏"‏ غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات، منا الملبي ومنا المكبر ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ قال - يعني عبد الله بن أبي سلمة - فقلت له - يعني لعبيد الله - عجبا لكم كيف لم تسألوه ماذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ‏"‏ وأراد عبد الله بن أبي سلمة بذلك الوقوف على الأفضل، لأن الحديث يدل على التخيير بين التكبير والتلبية من تقريره لهم صلى الله عليه وسلم على ذلك، فأراد أن يعرف ما كان يصنع هو ليعرف الأفضل من الأمرين، وسيأتي من حديث ابن مسعود بيان ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب التَّهْجِيرِ بِالرَّوَاحِ يَوْمَ عَرَفَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التهجير بالرواح يوم عرفة‏)‏ أي من نمرة، لحديث ابن عمر أيضا ‏"‏ غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل نمرة - وهو منزل الإمام الذي ينزل فيه بعرفة - حتى إذ كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر، ثم خطب الناس، ثم راح فوقف ‏"‏ أخرجه أحمد وأبو داود، وظاهره أنه توجه من منى حين صلى الصبح بها، لكن في حديث جابر الطويل عند مسلم أن توجهه صلى الله عليه وسلم منها كان بعد طلوع الشمس ولفظه ‏"‏ فضربت له قبة بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت فأتى بطن الوادي ‏"‏ انتهى، ونمرة بفتح النون وكسر الميم موضع بقرب عرفات خارج الحرم بين طرف الحرم وطرف عرفات‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ لَا يُخَالِفَ ابْنَ عُمَرَ فِي الْحَجِّ فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِ الْحَجَّاجِ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ قَالَ هَذِهِ السَّاعَةَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجُ فَنَزَلَ حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْتُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ صَدَقَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سالم‏)‏ هو ابن عبد الله بن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كتب عبد الملك‏)‏ يعني ابن مروان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى الحجاج‏)‏ يعني ابن يوسف الثقفي حين أرسله إلى قتال ابن الزبير كما سيأتي مبينا بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في الحج‏)‏ أي في أحكام الحج، وللنسائي من طريق أشهب عن مالك ‏"‏ في أمر الحج ‏"‏ وكان ابن الزبير لم يمكن الحجاج وعسكره من دخول مكة فوقف قبل الطواف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجاء ابن عمر رضي الله عنهما وأنا معه‏)‏ القائل هو سالم، ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ‏"‏ فركب هو وسالم وأنا معهما ‏"‏ وفي روايته ‏"‏ قال ابن شهاب‏:‏ وكنت يومئذ صائما فلقيت من الحر شدة ‏"‏ واختلف الحفاظ في رواية معمر هذه فقال يحيى بن معين‏:‏ هي وهم، ابن شهاب لم ير ابن عمر ولا سمع منه‏.‏
وقال الذهلي لست أدفع رواية معمر لأن ابن وهب روى عن العمري عن ابن شهاب نحو رواية معمر، وروى عنبسة بن خالد عن يونس عن ابن شهاب قال ‏"‏ وفدت إلى مروان وأنا محتلم ‏"‏ قال الذهلي‏:‏ ومروان مات سنة خمس وستين، وهذه القصة كانت سنة ثلاث وسبعين انتهى‏.‏
وقال غيره‏.‏
أن رواية عنبسة هذه أيضا وهم، وإنما قال الزهري وفدت على عبد الملك، ولو كان الزهري وفد على مروان لأدرك جلة الصحابة ممن ليست له عنهم رواية إلا بواسطة‏.‏
وقد أدخل مالك وعقيل - وإليهما المرجع في حديث الزهري - بينه وبين ابن عمر في هذه القصة سالما فهذا هو المعتمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصاح عند سرادق الحجاج‏)‏ أي خيمته، زاد الإسماعيلي من هذا الوجه ‏"‏ أين هذا ‏"‏ أي الحجاج‏.‏
ومثله يأتي بعد باب من رواية القعنبي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعليه ملحفة‏)‏ بكسر الميم أي إزار كبير، والمعصفر المصبوغ بالعصفر‏.‏
وقوله ‏"‏يا أبا عبد الرحمن ‏"‏ هي كنية ابن عمر، وقوله ‏"‏الرواح ‏"‏ بالنصب أي عجل أو رح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن كنت تريد السنة‏)‏ في رواية ابن وهب ‏"‏ إن كنت مريد أن تصيب السنة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأنظرني‏)‏ بالهمزة وكسر الظاء المعجمة أي أخرني، وللكشميهني بألف وصل وضم الظاء أي انتظرني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فنزل‏)‏ يعني ابن عمر كما صرح به بعد بابين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاقصر‏)‏ بألف موصولة ومهملة مكسورة‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ هذا الحديث يدخل عندهم في المسند لأن المراد بالسنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطلقت ما لم تضف إلى صاحبها كسنة العمرين‏.‏
قلت‏:‏ وهي مسألة خلاف عند أهل الحديث والأصول، وجمهورهم على ما قال ابن عبد البر، وهي طريقة البخاري ومسلم، ويقويه قول سالم لابن شهاب إذ قال له ‏"‏ أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقال‏:‏ وهل يتبعون في ذلك إلا سنته ‏"‏‏؟‏ وسيأتي بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعجل الوقوف‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ كذا رواه القعنبي وأشهب، وهو عندي غلط لأن أكثر الرواة عن مالك قالوا ‏"‏ وعجل الصلاة ‏"‏ قال ورواية القعنبي لها وجه، لأن تعجيل الوقوف يستلزم تعجيل الصلاة‏.‏
قلت‏:‏ قد وافق القعنبي عبد الله بن يوسف كما ترى، ورواية أشهب التي أشار إليها عند النسائي، فهؤلاء ثلاثة رووه هكذا، فالظاهر أن الاختلاف فيه من مالك، وكأنه ذكره باللازم لأن الغرض بتعجيل الصلاة حينئذ تعجيل الوقوف، قال ابن بطال‏:‏ وفي هذا الحديث الغسل للوقوف بعرفة لقول الحجاج لعبد الله أنظرني، فانتظره، وأهل العلم يستحبونه انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون ابن عمر إنما انتظره لحمله على أن اغتساله عن ضرورة‏.‏
نعم روى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن نافع أن ابن عمر كان يغتسل لوقوفه عشية عرفة‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ فيه حجة لمن أجاز المعصفر للمحرم، وتعقبه ابن المنير في الحاشية بأن الحجاج لم يكن يتقي المنكر الأعظم من سفك الدماء وغيره حتى يتقي المعصفر، وإنما لم ينهه ابن عمر لعلمه بأنه لا ينجع فيه النهي، ولعلمه بأن الناس لا يقتدون بالحجاج انتهى ملخصا‏.‏
وفيه نظر لأن الاحتجاج إنما هو بعدم إنكار ابن عمر، فبعدم إنكاره يتمسك الناس في اعتقاد الجواز، وقد تقدم الكلام على مسألة المعصفر في بابه‏.‏
وقال المهلب‏:‏ فيه جواز تأمير الأدون على الأفضل‏.‏
وتعقبه ابن المنير أيضا بأن صاحب الأمر في ذلك هو عبد الملك، وليس بحجة ولا سيما في تأمير الحجاج، وأما ابن عمر فإنما أطاع لذلك فرارا من الفتنة‏.‏
قال‏:‏ وفيه أن إقامة الحج إلى الخلفاء، وأن الأمير يعمل في الدين بقول أهل العلم ويصير إلى رأيهم‏.‏
وفيه مداخلة العلماء السلاطين وأنه لا نقيصة عليهم في ذلك‏.‏
وفيه فتوى التلميذ بحضرة معلمه عند السلطان وغيره، وابتداء العالم بالفتوى قبل أن يسأل عنه، وتعقبه ابن المنير بأن ابن عمر إنما ابتدأ بذلك لمسألة عبد الملك له في ذلك، فإن الظاهر أنه كتب إليه بذلك كما كتب إلى الحجاج، قال‏:‏ وفيه الفهم بالإشارة والنظر لقول سالم ‏"‏ فجعل الحجاج ينظر إلى عبد الله، فلما رأى ذلك قال‏:‏ صدق ‏"‏ انتهى‏.‏
وفيه طلب العلو في العلم لتشوف الحجاج إلى سماع ما أخبره به سالم من أبيه ابن عمر، ولم ينكر ذلك ابن عمر‏.‏
وفيه تعليم الفاجر السنن لمنفعة الناس‏.‏
وفيه احتمال المفسدة الخفيفة لتحصيل المصلحة الكبيرة يؤخذ ذلك من مضي ابن عمر إلى الحجاج وتعليمه‏.‏
وفيه الحرص على نشر العلم لانتفاع الناس به‏.‏
وفيه صحة الصلاة خلف الفاسق، وأن التوجه إلى المسجد الذي بعرفة حين تزول الشمس للجمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر سنة، ولا يضر التأخر بقدر ما يشتغل به المرء من متعلقات الصلاة كالغسل ونحوه‏.‏
وسيأتي بقية ما فيه في الذي يليه‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب الْوُقُوفِ عَلَى الدَّابَّةِ بِعَرَفَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الوقوف على الدابة بعرفة‏)‏ أورد فيه حديث أم الفضل في فطره صلى الله عليه وسلم يوم عرفة بها، وقد تقدم قريبا، ويأتي الكلام عليه في كتاب الصيام، وموضع الحاجة منه قوله فيه ‏"‏ وهو واقف على بعيره ‏"‏ وأصرح منه حديث جابر الطويل عند مسلم ففيه ‏"‏ ثم ركب إلى الموقف فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ‏"‏ واختلف أهل العلم في أيهما أفضل‏:‏ الركوب أو تركه بعرفة‏؟‏ فذهب الجمهور إلى أن الأفضل الركوب لكونه صلى الله عليه وسلم وقف راكبا، ومن حيث النظر فإن في الركوب عونا على الاجتهاد في الدعاء والتضرع المطلوب حينئذ كما ذكروا مثله في الفطر، وذهب آخرون إلى أن استحباب الركوب يختص بمن يحتاج الناس إلى التعليم منه، وعن الشافعي قول أنهما سواء، واستدل به على أن الوقوف على ظهر الدواب مباح، وأن النهي الوارد في ذلك محمول على ما إذا أجحف بالدابة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ عَامَ نَزَلَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ سَالِمٌ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ صَدَقَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ فَقُلْتُ لِسَالِمٍ أَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَالِمٌ وَهَلْ تَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلَّا سُنَّتَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجمع بين الصلاتين بعرفة‏)‏ لم يبين حكم ذلك، وقد ذهب الجمهور إلى أن ذلك الجمع المذكور يختص بمن يكون مسافرا بشرطه، وعن مالك والأوزاعي وهو وجه للشافعية أن الجمع بعرفة جمع للنسك فيحوز لكل أحد، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن القاسم بن محمد ‏"‏ سمعت ابن الزبير يقول‏:‏ إن من سنة الحج أن الإمام يروح إذا زالت الشمس يخطب فيخطب الناس، فإذا فرغ من خطبته نزل فصلى الظهر والعصر جميعا، واختلف فيمن صلى وحده كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر إلخ‏)‏ وصله إبراهيم الحربي في المناسك له قال ‏"‏ حدثنا الحوضي عن همام أن نافعا حدثه أن ابن عمر كان إذا لم يدرك الإمام يوم عرفة جمع بين الظهر والعصر في منزله ‏"‏ وأخرج الثوري في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع مثله، وأخرجه ابن المنذر من هذا الوجه، وبهذا قال الجمهور، وخالفهم في ذلك النخعي والثوري وأبو حنيفة فقالوا‏:‏ يختص الجمع بمن صلى مع الإمام، وخالف أبا حنيفة في ذلك صاحباه والطحاوي، ومن أقوى الأدلة لهم صنيع ابن عمر هذا، وقد روى حديث جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين وكان مع ذلك يجمع وحده فدل على أنه عرف أن الجمع لا يختص بالإمام، ومن قواعدهم أن الصحابي إذا خالف ما روى دل على أن عنده علما بأن مخالفه أرجح تحسينا للظن به فينبغي أن يقال هذا هنا، وهذا في الصلاة بعرفة، وأما صلاة المغرب فعند أبي حنيفة وزفر ومحمد يجب تأخيرها إلى العشاء فلو صلاها في الطريق أعاد، وعن مالك يجوز لمن به أو بدابته عذر فيصليها لكن بعد مغيب الشفق الأحمر، وعن المدونة يعيد من صلى المغرب قبل أن يأتي جمعا، وكذا من جمع بينها وبين العشاء بعد مغيب الشفق فيعيد العشاء، وعن أشهب‏:‏ إن جاء جمعا قبل الشفق جمع‏.‏
وقال ابن القاسم‏:‏ حتى يغيب، وعند الشافعية وجمهور أهل العلم‏:‏ لو جمع تقديما أو تأخيرا قبل جمع أو بعد أن نزلها أو أفرد أجزأ وفاتت السنة‏.‏
واختلافهم مبني على أن الجمع بعرفة وبمزدلفة للنسك أو للسفر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث إلخ‏)‏ وصله الإسماعيلي من طريق يحيى بن بكير وأبي صالح جميعا عن الليث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سأل عبد الله‏)‏ يعني ابن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فهجر بالصلاة‏)‏ أي صل بالهاجرة وهي شدة الحر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة‏)‏ بضم المهملة وتشديد النون أي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن ابن عمر فهم من قول ولده سالم ‏"‏ فهجر بالصلاة ‏"‏ أي الظهر والعصر معا فأجاب بذلك فطابق كلام ولده‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ قوله ‏"‏ في السنة ‏"‏ هو حال من فاعل يجمعون أي متوغلين في السنة، قاله تعريضا بالحجاج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لسالم‏)‏ القائل هو ابن شهاب، وقوله ‏"‏أفعل ‏"‏ بهمزة استفهام، وقوله ‏"‏هل يتبعون بذلك ‏"‏ بتشديد المثناة وكسر الموحدة بعدها مهملة كذا للأكثر من الاتباع، وللكشميهني ‏"‏ يبتغون في ذلك ‏"‏ بسكون الموحدة وفتح المثناة بعدها غين معجمة من الابتغاء أي لا يطلبون في ذلك الفعل إلا سنة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفي رواية الحموي بحذف ‏"‏ في ‏"‏ وهي مقدرة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب قَصْرِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قصر الخطبة بعرفة‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر الماضي قريبا وفيه قول سالم ‏"‏ إن كنت تريد السنة اليوم فاقصر الخطبة ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه مستوفى، وقيد المصنف قصر الخطبة بعرفة اتباعا للفظ الحديث، وقد أخرج مسلم الأمر باقتصار الخطبة في أثناء حديث لعمار أخرجه في الجمعة، قال ابن التين‏:‏ أطلق أصحابنا العراقيون أن الإمام لا يخطب يوم عرفة‏.‏
وقال المدنيون والمغاربة يخطب وهو قول الجمهور، ويحمل قول العراقيين على معنى أنه ليس لما يأتي به من الخطبة تعلق بالصلاة كخطبة الجمعة، وكأنهم أخذوه من قول مالك‏:‏ كل صلاة يخطب لها يجهر فيها بالقراءة، فقيل له‏:‏ فعرفة يخطب فيها ولا يجهر بالقراءة فقال‏:‏ إنما تلك للتعليم‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب التَّعْجِيلِ إِلَى الْمَوْقِفِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التعجيل إلى الموقف‏)‏ كذا للأكثر هذه الترجمة بغير حديث، وسقط من رواية أبي ذر أصلا، ووقع في نسخة الصغاني هنا ما لفظه ‏"‏ يدخل في الباب حديث مالك عن ابن شهاب - يعني الذي رواه عن سالم وهو المذكور في الباب الذي قبل هذا - ولكني أريد أن أدخل فيه غير معاد ‏"‏ يعني حديثا لا يكون تكرر كله سندا ومتنا‏.‏
قلت‏:‏ وهو يقتضي أن أصل قصده أن لا يكرر، فيحمل على أن كل ما وقع فيه من تكرار الأحاديث إنما هو حيث يكون هناك مغايرة إما في السند وإما في المتن حتى أنه لو أخرج الحديث في الموضعين عن شيخين حدثاه به عن مالك لا يكون عنده معادا ولا مكررا، وكذا لو أخرجه في موضعين بسند واحد لكن اختصر من المتن شيئا، أو أورده في موضع موصولا وفي موضع معلقا، وهذه الطريق لم يخالفها إلا في مواضع يسيرة مع طول الكتاب إذا بعدما بين البابين بعدا شديدا‏.‏
ونقل الكرماني أنه رأى في بعض النسخ عقب هذه الترجمة ‏"‏ قال أبو عبد الله يعني المصنف‏:‏ يزاد في هذا الباب هم حديث مالك عن ابن شهاب، ولكني لا أريد أن أدخل فيه معادا ‏"‏ أي مكررا‏.‏
قلت‏:‏ كأنه لم يحضره حينئذ طريق للحديث المذكور عن مالك غير الطريقين اللتين ذكرهما، وهذا يدل على أنه لا يعيد حديثا إلا لفائدة إسنادية أو متنية كما قدمته، وأما قوله في هذه الزيادة التي نقلها الكرماني ‏"‏ هم ‏"‏ فهي بفتح الهاء وسكون الميم‏.‏
قال الكرماني‏:‏ قيل إنها فارسية وقيل عربية ومعناها قريب من معنى أيضا‏.‏
قلت‏:‏ صرح غير واحد من علماء العربية ببغداد بأنها لفظة اصطلح عليها أهل بغداد وليست بفارسية ولا هي عربية قطعا، وقد دل كلام الصغاني في نسخته التي أتقنها وحررها - وهو من أئمة اللغة - خلو كلام البخاري عن هذه اللفظة‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif (http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B 1%D9%8A%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%B5%D8%AD%D9%8A% D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A %20**/i9&n154&p1#TOP)باب الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الوقوف بعرفة‏)‏ أي دون جمع فيما دونها أو فوقها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ كُنْتُ أَطْلُبُ بَعِيرًا لِي ح و حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ فَقُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ مِنْ الْحُمْسِ فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أضللت بعيرا‏)‏ كذا للأكثر في الطريق الثانية‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ لي ‏"‏ كما في الأولى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذهبت أطلبه يوم عرفة‏)‏ في رواية الحميدي في مسنده ومن طريقه أخرجه أبو نعيم ‏"‏ أضللت بعيرا لي يوم عرفة فخرجت أطلبه بعرفة ‏"‏ فعلى هذا فقوله يوم عرفة يتعلق بأضللت، فإن جبيرا إنما جاء إلى عرفة ليطلب بعيره لا ليقف بها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من الحمس‏)‏ بضم المهملة وسكون الميم بعدها مهملة سيأتي تفسيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فما شأنه هاهنا‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وابن أبي عمر جميعا عن سفيان ‏"‏ فما له خرج من الحرم ‏"‏ وزاد مسلم في روايته عن عمرو الناقد وأبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بعد قوله ‏"‏ فما شأنه هاهنا ‏"‏‏:‏ وكانت قريش تعد من الحمس وهذه الزيادة توهم أنها من أصل الحديث وليس كذلك بل هي من قول سفيان بينه الحميدي في مسنده عنه، ولفظه متصلا بقوله ‏"‏ ما شأنه هاهنا‏"‏‏.‏
قال سفيان والأحمس الشديد على دينه، وكانت قريش تسمى الحمس، وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم‏.‏
ووقع عند الإسماعيلي من طريقيه بعد قوله ‏"‏ فما له خرج من الحرم ‏"‏ قال سفيان الحمس يعني قريشا، وكانت تسمى الحمس وكانت لا تجاوز الحرم ويقولون نحن أهل الله لا نخرج من الحرم وكان سائر الناس يقف بعرفة وذلك قوله‏:‏ ‏(‏ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس‏)‏ انتهى‏.‏
وعرف بهاتين الزيادتين معنى حديث جبير، وكأن البخاري حذفهما استغناء بالرواية عن عروة، لكن في سياق سفيان فوائد زائدة‏.‏
وقد روى بعض ذلك ابن خزيمة وإسحاق بن راهويه في مسنده موصولا من طريق ابن إسحاق حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن عثمان بن أبي سليمان عن عمه نافع بن جبير عن أبيه قال ‏"‏ كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة ويقولون نحن الحمس فلا نخرج من الحرم، وقد تركوا الموقف بعرفة، قال‏:‏ فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم ويدفع إذا دفعوا‏"‏‏.‏
ولفظ يونس بن بكير عن ابن إسحاق في المغازي مختصرا وفيه ‏"‏ توفيقا من الله له‏"‏‏.‏
وأخرجه إسحاق أيضا عن الفضل بن موسى عن عثمان بن الأسود عن عطاء أن حبير بن مطعم قال‏:‏ أضللت حمارا لي في الجاهلية فوجدته بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات مع الناس، فلما أسلمت علمت أن الله وفقه لذلك‏"‏‏.‏
وأما تفسير الحمس فروى إبراهيم الحربي في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ من طريق ابن جريج عن مجاهد قال‏:‏ الحمس قريش ومن كان يأخذ مأخذها هن القبائل كالأوس والخزرج وخزاعة وثقيف وغزوان وبني عامر وبني صعصعة وبني كنانة إلا بني بكر، والأحمس في كلام العرب الشديد، وسموا بذلك لما شددوا على أنفسهم، وكانوا إذا أهلوا بحج أو عمرة لا يأكلون لحما ولا يضربون وبرا ولا شعرا، وإذا قدموا مكة وضعوا ثيابهم التي كانت عليهم‏.‏
وروى إبراهيم أيضا من طريق عبد العزيز بن عمران المدني قال‏:‏ سموا حمسا بالكعبة لأنها حمساء حجرها أبيض يضرب إلى السواد انتهى‏.‏
والأول أشهر وأكثر وأنه من التحمس وهو التشدد، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى‏:‏ تحمس تشدد، ومنه حمس الوغي إذا اشتد، وسيأتي مزيد لذلك في الكلام على الحديث الذي بعده‏.‏
وأفادت هذه الرواية أن رواية جبير له لذلك كانت قبل الهجرة، وذلك قبل أن يسلم جبير، وهو نظير روايته أنه سمعه يقرأ في المغرب بالطور وذلك قبل أن يسلم جبير أيضا كما تقدم، وتضمن ذلك التعقب على السهيلي حيث ظن أن رواية جبير لذلك كانت في الإسلام في حجة الوداع فقال‏:‏ انظر كيف أنكر جبير هذا وقد حج بالناس عتاب سنة ثمان وأبو بكر سنة تسع، ثم قال‏:‏ إما أن يكونا وقفا بجمع كما كانت قريش تصنع، وإما أن يكون جبير لم يشهد معهما الموسم‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة كانت سنة عشر وكان جبير حينئذ مسلما لأنه أسلم يوم الفتح، فإن كان سؤاله عن ذلك إنكارا أو تعجبا فلعله لم يبلغه نزول قوله تعالى ‏(‏ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس‏)‏ وإن كان للاستفهام عن حكمة المخالفة عما كانت عليه الحمس فلا إشكال، ويحتمل أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقفة بعرفة قبل الهجرة انتهى ملخصا‏.‏
وهذا الأخير هو المعتمد كما بينته قبل بدلائله، وكأنه تبع السهيلي في ظنه أنها حجة الوداع، أو وقع له اتفاقا، ودل هذا الحديث على أن المراد بقوله تعالى ‏(‏ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس‏)‏ الإفاضة من عرفة‏.‏
وظاهر سياق الآية أنها الإفاضة من مزدلفة لأنها ذكرت بلفظة ‏"‏ ثم ‏"‏ بعد ذكر الأمر بالذكر عند المشعر الحرام‏.‏
وأجاب بعض المفسرين بأن الأمر بالذكر عند المشعر الحرام بعد الإفاضة من عرفات التي سيقت بلفظ الخبر لما ورد منه على المكان الذي تشرع الإفاضة منه، فالتقدير فإذا أفضتم اذكروا ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس لا من حيث كان الحمس يفيضون، أو التقدير فإذا أفضتم من عرفات إلى المشعر الحرام فاذكروا الله عنده ولتكن إفاضتكم من المكان الذي يفيض فيه الناس غير الحمس‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ عُرْوَةُ كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُرَاةً إِلَّا الْحُمْسَ وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ وَكَانَتْ الْحُمْسُ يَحْتَسِبُونَ عَلَى النَّاسِ يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثِّيَابَ يَطُوفُ فِيهَا وَتُعْطِي الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ الثِّيَابَ تَطُوفُ فِيهَا فَمَنْ لَمْ يُعْطِهِ الْحُمْسُ طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَيُفِيضُ الْحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُمْسِ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ قَالَ كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ فَدُفِعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عروة‏)‏ في رواية عبد الرزاق عن معمر ‏"‏ عن هشام بن عروة عن أبيه فذكره‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والحمس قريش وما ولدت‏)‏ زاد معمر ‏"‏ وكان ممن ولدت قريش خزاعة وبنو كنانة وبنو عامر بن صعصعة‏"‏، وقد تقدم في أثر مجاهد أن منهم أيضا غزوان وغيرهم، وذكر إبراهيم الحربي في غريبه عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال‏:‏ كانت قريش إذا خطب إليهم الغريب اشترطوا عليه أن ولدها على دينهم، فدخل في الحمس من غير قريش ثقيف وليث وخزاعة وبنو عامر بن صعصعة يعني وغيرهم‏.‏
وعرف بهذا أن المراد بهذه القبائل من كانت له من أمهاته قريشية، لا جميع القبائل المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأخبرني أبي‏)‏ القائل هو هشام بن عروة، والموصول من الحديث هذا القدر في سبب نزول هذه الآية وسيأتي في تفسير البقرة من وجه آخر أتم من هذا‏.‏
وقوله ‏"‏فدفعوا إلى عرفات ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فرفعوا ‏"‏ بالراء، ولمسلم من طريق أبي أسامة عن هشام ‏"‏ رجعوا إلى عرفات ‏"‏ والمعني أنهم أمروا أن يتوجهوا إلى عرفات ليقفوا بها ثم يفيضوا منها، وقد تقدم في طريق جبير سبب امتناعهم من ذلك، وتقدم الكلام على قصة الطواف عريانا في أوائل الصلاة، وعرف برواية عائشة أن المخاطب بقوله تعالى ‏(‏أفيضوا‏)‏ النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به من كان لا يقف بعرفة من قريش وغيرهم‏.‏
وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الضحاك أن المراد بالناس هنا إبراهيم الخليل عليه السلام، وعنه المراد به الإمام، وعن غيره آدم، وقرئ في الشواذ ‏"‏ الناسي ‏"‏ بكسر السين بوزن القاضي والأول أصح، نعم الوقوف بعرفة موروث عن إبراهيم كما روى الترمذي وغيره من طريق يزيد بن شيبان قال ‏"‏ كنا وقوفا بعرفة فأتانا ابن مريع فقال‏:‏ إني رسول رسول الله إليكم، يقول لكم‏:‏ كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث إبراهيم ‏"‏ الحديث، ولا يلزم من ذلك أن يكون هو المراد خاصة ب قوله‏:‏ ‏(‏من حيث أفاض الناس‏)‏ بل هو الأعم من ذلك، والسبب فيه ما حكته عائشة رضي الله عنها‏.‏
وأما الإتيان في الآية بقوله‏:‏ ‏(‏ثم‏)‏ فقيل هي بمعنى الواو وهذا اختيار الطحاوي، وقيل لقصد التأكيد لا لمحض الترتيب، والمعنى فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ثم اجعلوا الإفاضة التي تفيضونها من حيث أفاض الناس لا من حيث كنتم تفيضون، قال الزمخشري‏:‏ وموقع ‏(‏ثم‏)‏ هنا موقعها من قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم، فتأتي ثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات بين لهم مكان الإفاضة فقال ‏(‏ثم أفيضوا‏)‏ لتفاوت ما بين الإفاضتين وأن إحداهما صواب والأخرى خطأ، قال الخطابي‏:‏ تضمن قوله تعالى ‏(‏ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس‏)‏ الأمر بالوقوف بعرفة لأن الإفاضة إنما تكون عند اجتماع قبله، وكذا قال ابن بطال وزاد‏:‏ وبين الشارع مبتدأ الوقوف بعرفة ومنتهاه‏.‏