القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة
مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري
|
المنتدى العام لقاء الأحبة في الله لمناقشة جميع المواضيع |
![]() |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
#1 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() (56) " قصة اليهود مع بداية الدعوة الاسلامية . " سورة البقرة : لقدكان اليهود هم أول من اصطدم بالدعوة في المدينة ; وكان لهذا الاصطدام أسبابهالكثيرة . . كان لليهود في يثرب مركز ممتاز بسبب أنهم أهل كتاب بين الأميين منالعرب - الأوس والخزرج - ومع أن مشركي العرب لم يظهروا ميلا لاعتناق ديانة أهلالكتابهؤلاء , إلا أنهم كانوا يعدونهم أعلم منهم وأحكم بسبب ما لديهم من كتاب . ثمكانهنالك ظرف موات لليهود فيما بين الأوس والخزرج من فرقة وخصام - وهي البيئة التييجداليهود دائما لهم فيها عملا ! - فلما أن جاء الإسلام سلبهم هذه المزايا جميعا . . فلقد جاء بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه . ثم إنه أزال الفرقةالتيكانوا ينفذون من خلالها للدس والكيد وجر المغانم , ووحد الصف الإسلامي الذي ضمالأوسوالخزرج , وقد أصبحوا منذ اليوم يعرفونبالأنصار , إلى المهاجرين , وألف منهم جميعا ذلك المجتمع المسلم المتضام المتراص الذي لم تعهد له البشرية منقبلولا من بعد نظيرا على الإطلاق .ولقدكان اليهود يزعمون أنهم : " شعب الله المختار " وأن فيهم الرسالة والكتاب .فكانوايتطلعون أن يكون الرسول الأخير فيهم كما توقعوا دائما . فلما أن جاء منالعربظلوا يتوقعون أن يعتبرهم خارج نطاق دعوته , وأن يقصر الدعوة على الأميين منالعرب ! فلما وجدوه يدعوهم - أول من يدعو - إلى كتاب الله , بحكم أنهم أعرف به منالمشركين , وأجدر بالاستجابة له من المشركين . . أخذتهم العزة بالإثم , وعدوا توجيهالدعوةإليهم : " إهانة واستطالة " !!!!!!! ثمإنهم حسدوا النبي [ ص ] حسدا شديدا . حسدوه مرتين: مرة لأن الله اختاره وأنزلعليهالكتاب - وهم لم يكونوا يشكون في صحته - وحسدوه لما لقيه من نجاح سريع شامل فيمحيطالمدينة . علىأنه كان هناك سبب آخر لحنقهم ولموقفهم من الإسلام موقف العداء والهجوم منذالأيامالأولى: ذلك هو شعورهم بالخطر من عزلهم عن المجتمع المدني الذي كانوا يزاولونفيهالقيادة العقلية والتجارة الرابحة والربا المضاعف ! هذا أو يستجيبوا للدعوةالجديدة . ويذوبوا في المجتمع الإسلامي . وهما أمران - في تقديرهم - أحلاهما مر ! لهذاكله وقف اليهود من الدعوة الإسلامية هذا الموقف الذي تصفه سورة البقرة , [وسورغيرها كثيرة ] في تفصيل دقيق , نقتطف هنا بعض الآيات التي تشير إليه . . جاءفيمقدمة الحديث عن بني إسرائيل هذ النداء العلوي لهم ![]() ![]() وكانتمعجزة القرآن الخالدة أن صفتهم التي دمغهم بها هي الصفة الملازمة لهم فيكلأجيالهم من قبل لإسلامومن بعده إلى يومنا هذا . مما جعلالقرآنيخاطبهم - في عهد النبي [ ص ] كما لو كانوا هم أنفسهم الذين كانوا على عهدموسى - عليه السلام - وعلى عهود خلفائه من أنبيائهم باعتبارهم جبلة واحدة . سماتهمهيهي , ودورهم هو هو , وموقفهم من الحق, والخلق , هو موقفهم على مدار الزمان ! ومن ثميكثرالالتفات في السياق من خطاب قوم موسى , إلى خطاب اليهود في المدينة , إلى خطابأجيالبين هذين الجيلين . ومن ثم تبقى كلمات القرآن حية كأنما تواجه موقف الأمةالمسلمةاليوم وموقف اليهود منها . وتتحدث عن استقبال يهود لهذه العقيدة ولهذهالدعوةاليوم , وغدا كما استقبلتها بالأمس تماما ! وكأن هذه الكلمات الخالدة هيالتنبيهالحاضر والتحذير الدائم للأمة المسلمة , تجاه أعدائها الذين واجهوا أسلافهابمايواجهونها اليوم به من دس وكيد , وحرب منوعة المظاهر , متحدة العقيدة ! ................نواصل قصة اليهود : (57) |
![]() |
![]() |
![]() |
#2 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() (57) ومنخلال هذه الجولة ترتسم صورة واضحة لاستقبال بني إسرائيل للإسلام ورسولهوكتابه . . لقد كانوا أول كافر به . وكانوا يلبسون الحق بالباطل . وكانوا يأمرونالناسبالبر - وهو الإيمان - وينسون أنفسهم . وكانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونهمنبعد ما عقلوه . وكانوا يخادعون الذين آمنوا باظهار الإيمان وإذا خلا بعضهم إلىبعضحذر بعضهم بعضا من إطلاع المسلمين على ما يعلمونه من أمر النبي وصحة رسالته !وكانوايريدون إنيردوا المسلمين كفارا . وكانوا يدعون من أجلهذاأن المهتدين هم اليهود وحدهم - كما كان النصارى يدعون هذا أيضا - وكانوا يعلنونعداءهملجبريل - عليه السلام - بما أنه هو الذي حمل الوحي إلى محمد دونهم ! وكانوايكرهونكل خير للمسلمين ويتربصون بهم السوء . وكانوا ينتهزون كل فرصة للتشكيك فيصحةالأوامر النبوية ومجيئها من عند الله تعالى - كما فعلوا عند تحويل القبلة -وكانوامصدر إيحاء وتوجيه للمنافقين . كما كانوا مصدر تشجيع للمشركين . ومنثم تتضمن السورة حملة قوية على أفاعيلهم هذه ; وتذكرهم بمواقفهم المماثلة مننبيهمموسى - عليه السلام - ومن شرائعهم وأنبيائهم على مدار أجيالهم . وتخاطبهم فيهذاكأنهم جيل واحد متصل , وجبلة واحدة لا تتغير ولا تتبدل . وتنتهيهذه الحملة بتيئيس المسلمين من الطمع في إيمانهم لهم , وهم على هذهالجبلةالملتوية القصد , المؤوفة الطبع . كما تنتهي بفصل الخطاب في دعواهم أنهموحدهمالمهتدون , بما أنهم ورثة إبراهيم . وتبين أن ورثة إبراهيم الحقيقيين همالذينيمضون على سنته , ويتقيدون بعهده مع ربه ; وأن وراثة إبراهيم قد انتهت إذنإلىمحمد [ ص ] والمؤمنين به , بعد ما انحرف اليهود وبدلوا ونكلوا عن حمل أمانةالعقيدة, والخلافة في الأرض بمنهج الله ; ونهض بهذا الأمر محمد والذين معه . وأنهذاكان استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - وهما يرفعان القواعد منالبيت ![]() صفات الكافرينفأماالصورة الثانية فهي صورةالكافرين . وهي تمثل مقومات الكفر في كل أرض وفي كل حين: (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون . ختم الله علىقلوبهموعلى سمعهم , وعلى أبصارهم غشاوة , ولهم عذاب عظيم). . وهنانجد التقابل تاما بين صورة المتقين وصورة الكافرين . . فإذا كان الكتاببذاتههدى للمتقين , فإن الإنذار وعدم الإنذار سواء بالقياس إلى الكافرين . إنالنوافذالمفتوحة في أرواح المتقين , والوشائج التي تربطهم بالوجود وبخالق الوجود ,وبالظاهروالباطن والغيب والحاضر . . إن هذه النوافذ المفتحة كلها هناك , مغلقةكلهاهنا . وإن الوشائج الموصولة كلها هناك , مقطوعة كلها هنا: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم)....... ختم عليها فلا تصل إليها حقيقة من الهدى ولاصدى . (وعلى أبصارهم غشاوة). . فلا نور يوصوص لها ولا هدى . ! وقد طبع الله على قلوبهموعلىسمعهم وغشي على أبصارهم جزاء وفاقا على استهتارهم بالإنذار , حتى تساوى لديهمالإنذاروعدم الإنذار . إنهاصورة صلدة , مظلمة , جامدة , ترتسم من خلال الحركة الثابتة الجازمة . حركةالختمعلى القلوب والأسماع , والتغشية على العيون والأبصار . . (ولهم عذاب عظيم). . وهي النهاية الطبيعية للكفر العنيد , الذي لا يستجيب للنذير ; والذي يستوي عنده الإنذار وعدم الإنذار ; كما علم الله من طبعهم المطموس العنيد . (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه , ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ,ويفسدونفي الأرض . أولئك هم الخاسرون). . فأيعهد من عهود الله هو الذي ينقضون ? وأي أمر مما أمر الله به أن يوصل هو الذييقطعون ? وأي لون من الفساد في الأرض هو الذي يفسدون ? لقدجاء السياق هنا بهذا الإجمال لأن المجال مجال تشخيص طبيعة , وتصوير نماذج ,لامجال تسجيل حادثة , أو تفصيل واقعة . . إن الصورة هنا هي المطلوبة في عمومها .فكلعهد بين الله وبين هذا النموذج من الخلق فهو منقوض ; وكل ما أمر الله به أنيوصلفهو بينهم مقطوع ; وكل فساد في الأرض فهو منهم مصنوع . . إن صلة هذا النمط منالبشربالله مقطوعة , وإن فطرتهم المنحرفة لا تستقيم على عهد ولا تستمسك بعروة ولاتتورععن فساد . إنهم كالثمرة الفجة التي انفصلت من شجرة الحياة , فتعفنت وفسدتونبذتهاالحياة . . ومن ثم يكون ضلالهم بالمثل الذي يهدي المؤمنين ; وتجيء غوايتهمبالسببالذي يهتدي به المتقون . وننظرفي الآثار الهدامة لهذا النمط من البشر الذي كانت الدعوة تواجهه فيالمدينةفي صورة اليهود والمنافقين والمشركين ; والذي ظلت تواجهه وما تزال تواجههاليومفي الأرض مع اختلاف سطحي في الأسماء والعنوانات ! (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه). . وعهدالله المعقود مع البشر يتمثل في عهود كثيرة: إنه عهد الفطرة المركوز فيطبيعةكل حي . . أن يعرف خالقه , وأن يتجه إليه بالعبادة . وما تزال في الفطرة هذهالجوعةللاعتقاد بالله , ولكنها تضل وتنحرف فتتخذ من دون الله أندادا وشركاء . .وهوعهد الاستخلاف في الأرض الذي أخذه الله على آدم :- )الَّذِينَيَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَاأَمَرَاللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُالْخَاسِرُونَ (27 كما سيجيء : ( فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هميحزنون . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). ........ وهوعهودهالكثيرة في الرسالات لكل قوم أن يعبدوا الله وحده , وأن يحكموا في حياتهممنهجهوشريعته . . وهذه العهود كلها هي التي ينقضها الفاسقون . وإذا نقض عهد اللهمنبعد ميثاقه , فكل عهد دون الله منقوض . فالذي يجرؤ على عهد الله لا يحترم بعدهعهدامن العهود . (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل). . واللهأمر بصلات كثيرة . . أمر بصلة الرحم والقربى . وأمر بصلة الإنسانية الكبرى . وأمر قبل هذا كله بصلة العقيدة والأخوة الإيمانية , التي لا تقوم صلة ولا وشيجةإلامعها . . وإذا قطع ما أمر الله به أن يوصل فقد تفككت العرى , وانحلت الروابط ,ووقعالفساد في الأرض , وعمت الفوضي . (ويفسدون في الأرض). . والفسادفي الأرض ألوان شتى , تنبع كلها من الفسوق عن كلمة الله , ونقض عهد الله , وقطع ما أمر الله به أن يوصل . ورأس الفساد في الأرض هو الحيدة عن منهجه الذياختارهليحكم حياة البشر ويصرفها . هذا مفرق الطريق الذي ينتهي إلى الفساد حتما ,فمايمكن أن يصلح أمر هذه الأرض , ومنهج الله بعيد عن تصريفها , وشريعة الله مقصاةعنحياتها . وإذا انقطعت العروة بين الناس وربهم على هذا النحو فهو الفساد الشاملللنفوسوالأحوال , وللحياة والمعاش ; وللأرض كلها وما عليها من ناس وأشياء . إنهالهدم والشر والفساد حصيلة الفسوق عن طريق الله . . ومن ثم يستحق أهله أنيضلهمالله بما يهدي به عباده المؤمنين . الوحدةالثالثة آياتها:40 - 74 موضوعها:قصة بني إسرائيل ونكثهم عهداللهوحرمانهم من الخلافةتقديمالوحدة الثالثة ابتداءمن هذا المقطع في السورة يواجه السياق بني إسرائيل , وأولئك الذين واجهواالدعوةفي المدينة مواجهة نكرة ; وقاوموها مقاومة خفية وظاهرة ; وكادوا لها كيداموصولا , لم يفتر لحظة منذ أن ظهر الإسلام بالمدينة ; وتبين لهم أنه في طريقه إلىالهيمنةعلى مقاليدها , وعزلهم من القيادة الأدبية والاقتصادية التي كانت لهم , مذوحدالأوس والخزرج , وسد الثغرات التي كانت تنفذ منها يهود , وشرع لهم منهجا مستقلا , يقوم على أساس الكتاب الجديد . . هذه المعركة التي شنها اليهود على الإسلاموالمسلمينمنذ ذلك التاريخالبعيد ثم لم يخب أوارها حتى اللحظةالحاضرة , بنفس الوسائل , ونفس الأساليب , لا يتغير إلا شكلها ; أما حقيقتها فباقية , وأما طبيعتها فواحدة , وذلك على الرغم من أن العالم كله كان يطاردهم من جهة إلىجهة , ومن قرن إلى قرن , فلا يجدون لهم صدرا حنونا إلا في العالم الإسلامي المفتوح , الذي ينكر الاضطهادات الدينية والعنصرية , ويفتح أبوابه لكل مسالم لا يؤذيالإسلامولا يكيد للمسلمين ! ولقدكان المنتظر أن يكون اليهود في المدينة هم أول من يؤمن بالرسالة الجديدةويؤمنللرسول الجديد ; مذ كان القرآن يصدق ما جاء في التوراة في عمومه ; ومذ كانواهميتوقعون رسالة هذا الرسول , وعندهم أوصافه في البشارات التي يتضمنها كتابهم ;وهمكانوا يستفتحون به على العرب المشركين . ............... نواصل قصة اليهود : (58) |
![]() |
![]() |
![]() |
#3 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() (58) ثميبدأ في تذكيرهم بنعم الله التي أسبغها عليهم في تاريخهم الطويل . مخاطباالحاضرينمنهم كما لو كانوا هم الذين تلقوا هذه النعم على عهد موسى - عليه السلام -وذلكباعتبار أنهم أمة واحدة متضامنة الأجيال , متحدة الجبلة . كما هم في حقيقةالأمروفق ما بدا من صفاتهم ومواقفهم في جميع العصور ! ويعاودتخويفهم باليوم الذي يخاف , حيث لا تجزيء نفس عن نفس شيئا , ولا يقبلمنهاشفاعة , ولا يؤخذ منها فدية , ولا يجدون من ينصرهم ويعصمهم من العذاب . ويستحضرأمام خيالهم مشهد نجاتهم من فرعون وملئه كأنه حاضر . ومشهد النعم الأخرىالتيظلت تتوالى عليهم من تظليل الغمام إلى المن والسلوى إلى تفجير الصخر بالماء . . ثم يذكرهم بما كان منهم بعد ذلك من انحرافات متوالية , ما يكاد يردهم عن واحدةمنهاحتى يعودوا إلى أخرى , وما يكاد يعفو عنهم من معصية حتى يقعوا في خطيئة , ومايكادونينجون من عثرة حتى يقعوا في حفرة . . ونفوسهم هي هي في التوائها وعنادهاوإصرارهاعلى الالتواء والعناد , كما أنها هي هي في ضعفها عن حمل التكاليف ,ونكولهاعن الأمانة , ونكثها للعهد , ونقضها للمواثيق مع ربها ومع نبيها . . حتىلتبلغأن تقتل أنبياءها بغير الحق , وتكفر بآيات ربها , وتعبد العجل وتجدف في حقاللهفترفض الإيمان لنبيها حتى ترى الله جهرة ; وتخالف عما أوصاها به الله وهي تدخلالقريةفتفعل وتقول غير ما أمرت به ; وتعتدي في السبت , وتنسى ميثاق الطور , وتماحلوتجادلفي ذبح البقرة التي أمر الله بذبحها لحكمة خاصة . . . وهذاكله مع الإدعاء العريض بأنها هي وحدهاالمهتدية; وأن الله لا يرضى إلا عنها , وأن جميع الأديان باطلة وجميع الأمم ضالةعداها ! مما يبطله القرآن في هذه الجولة , ويقرر أن كل من آمن بالله واليوم الآخروعملصالحا من جميع الملل , فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون . . حكمةالحديث المطول عن اليهود : هذهالحملة - سواء ما ورد منها في هذا الدرس وما يلي منها في سياق السورة - كانتضروريةأولا وقبل كل شيء لتحطيم دعاوى يهود , وكشف كيدها , وبيان حقيقتها وحقيقةدوافعهافي الدس للإسلام والمسلمين . كما كانت ضرورية لتفتيح عيون المسلمين وقلوبهملهذهالدسائس والمكايد التي توجه إلى مجتمعهم الجديد , وإلى الأصول التي يقوم عليها ; كما توجه إلى وحدة الصف المسلم لخلخلته وإشاعة الفتنة فيه . ومنجانب آخر كانت ضرورية لتحذير المسلمين من مزالق الطريق التي عثرت فيها أقدامالأمةالمستخلفة قبلهم , فحرمت مقام الخلافة , وسلبت شرف القيام على أمانة الله فيالأرض , ومنهجه لقيادة البشر . وقد تخللت هذه الحملة توجيهات ظاهرة وخفية للمسلمينلتحذيرهممن تلك المزالق كما سيجيء في الشطر الثاني منها . وماكان أحوج الجماعة المسلمة في المدينة إلى هذه وتلك . وما أحوج الأمة المسلمةفيكل وقت إلى تملي هذه التوجيهات , وإلى دراسة هذا القرآن بالعين المفتوحة والحسالبصير , لتتلقى منه تعليمات القيادة الإلهية العلوية في معاركها التي تخوضها معأعدائهاالتقليديين ; ولتعرف منها كيف ترد على الكيد العميق الخبيث الذي يوجهونهإليهادائبين , بأخفى الوسائل , وأمكر الطرق . وما يملك قلب لم يهتد بنور الإيمان ,ولميتلق التوجيه من تلك القيادة المطلعة على السر والعلن والباطن والظاهر , أنيدركالمسالك والدروب الخفية الخبيثة التي يتدسس فيها ذلك الكيد الخبيث المريب . . . توجيهات قرآنية لليهود: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم , وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيايفارهبون . وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم , ولا تكونوا أول كافر به , ولا تشتروابآياتيثمنا قليلا , وإياي فاتقون . ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتمتعلمون . وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين . أتأمرون الناس بالبروتنسونأنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ? أفلا تعقلون ? واستعينوا بالصبر والصلاة ,وإنهالكبيرة إلا على الخاشعين . الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم , وأنهم إليهراجعون ). إنالمستعرض لتاريخ بني إسرائيل ليأخذه العجب من فيض الآلاء التي أفاضها اللهعليهم , ومن الجحود المنكر المتكرر الذي قابلوا به هذا الفيض المدرار . . وهنايذكرهمالله بنعمته التي انعمها عليهم إجمالا , قبل البدء في تفصيل بعضها في الفقرالتالية . يذكرهم بها ليدعوهم بعدها إلى الوفاء بعهدهم معه - سبحانه - كي يتم عليهمالنعمةويمد لهم في الآلاء: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم , وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم). . فأيعهد هذا الذي يشار إليه في هذا المقام ? أهو العهد الأول , عهد الله لآدم: (فإما يأتينكم مني هدى , فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كفرواوكذبوابآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). . ? أم هو العهد الكوني السابقعلىعهد الله هذا مع آدم . العهد المعقود بين فطرة الإنسان وبارئه:أن يعرفه ويعبدهوحدهلا شريك له . وهو العهد الذي لا يحتاج إلى بيان , ولا يحتاج إلى برهان , لأنفطرةالإنسان بذاتها تتجه إليه بأشواقها اللدنية , ولا يصدها عنه إلا الغوايةوالانحراف ? أم هو العهدالخاصالذي قطعه الله لإبراهيم جد إسرائيل .والذيسيجيء في سياق السورة ![]() إنهذه العهود جميعا إن هي إلا عهد واحد في صميمها . إنه العهد بين الباريءوعبادهأن يصغوا قلوبهم إليه , وأن يسلموا أنفسهم كلها له . وهذا هو الدين الواحد .وهذاهو الإسلام الذي جاء به الرسل جميعا ; وسار موكب الإيمان يحمله شعارا له علىمدارالقرون . ووفاءبهذا العهد يدعو الله بني إسرائيل أن يخافوه وحده وأن يفردوه بالخشية: (وإياي فارهبون). . ............... ونواصل : (59) |
![]() |
![]() |
![]() |
#4 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() " الإمام الشافعي نسبه ومولده " ليه وسلم في جَدِّه عبد مناف، فالإمام الشافعي (رحمه الله) قرشي أصيل. أمَّا أمُّه فإن أكثر من أرَّخ للشافعي أو ترجم له قد اتفقوا على أن أمَّه أزدية أو أسدية، فهي من قبيلة عربية أصيلة. وقد وُلِد بغزَّة في شهر رجب سنةَ 150ه/ أغسطس 767م، ولما مات أبوه انتقلت به أمُّه إلى مكة؛ وذلك لأنهم كانوا فقراء، ولئلا يضيع نَسَبُه، ثم تنقَّل (رحمه الله) بين البلاد في طلب العلم. وكان الإمام الشافعي (رحمه الله) رجلاً طويلاً، حسن الخلق، محببًا إلى الناس، نظيف الثياب، فصيح اللسان، شديد المهابة، كثير الإحسان إلى الخلق، وكان يستعمل الخضاب بالحمرة عملاً بالسنة، وكان جميل الصوت في القراءة. ملامح من شخصية الإمام الشافعي وأخلاقه : سعة علم الإمام الشافعي وفقهه: لقد عُرف الإمام الشافعي بالنجابة والذكاء والعقل منذ أن كان صغيرًا، وشهد له بذلك الشيوخ من أهل مكة؛ قال الحميدي: "كان ابن عيينة، ومسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وعبد المجيد بن عبد العزيز، وشيوخ أهل مكة يصفون الشافعي ويعرفونه من صغره، مقدمًا عندهم بالذكاء والعقل والصيانة، لم يُعرف له صبوة ". وقال الربيع بن سليمان - تلميذ الشافعي وخادمه وراوي كتبه -: "لو وُزِن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجحهم، ولو كان من بني إسرائيل لاحتاجوا إليه". تقوى الإمام الشافعي وورعه وعبادته: وكما كان الإمام الشافعي (رحمه الله) إمامًا في الاجتهاد والفقه، كان كذلك إمامًا في الإيمان والتقوى والورع والعبادة؛ فعن الربيع قال: "كان الشافعي قد جزّأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام". وكان رحمه الله لا يقرأ قرآنًا بالليل إلا في صلاة، يقول المزني: "ما رأيت الشافعي قرأ قرآنًا قَطُّ بالليل إلا وهو في الصلاة". شيوخ الإمام الشافعي : شيوخ الإمام الشافعي بالمدينة: الإمام مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الأنصاري، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وإبراهيم بن أبي يحيى، ومحمد بن سعيد بن أبي فديك، وعبد الله بن نافع الصائغ. وشيوخ الإمام الشافعي باليمن: مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف قاضي صنعاء، وعمرو بن أبي سلمة صاحب الإمام الأوزاعي، ويحيى بن حسان. شيوخ الإمام الشافعي بالعراق: وكيع بن الجراح، وأبو أسامة حماد بن أسامة الكوفيان، وإسماعيل بن علية، وعبد الوهاب بن عبد المجيد البصريان. تلامذة الإمام الشافعي : نبغ على يد الإمام الشافعي كثير من الناس، في مقدمتهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل، والحسن بن محمد الصباح الزعفراني، والحسين الكرابيسي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وأبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، وأبو محمد الربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وأبو حفص حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبي، وأبو يوسف يونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، وعبد الله بن الزبير الحميدي. مؤلفات الإمام الشافعي : لم يُعرف لإمام قبل الإمام الشافعي من المؤلفات في الأصول والفروع والفقه وأدلته، بل في التفسير والأدب ما عرف للشافعي كثرةً وبراعةً وإحكامًا؛ يقول ابن زُولاق: "صنف الشافعي نحوًا من مائتي جزء". ولقد كان في سرعة التاليف مع الدقة والنضج والإتقان أعجوبة منقطع النظير، حتى إنه ربما أنجز كتابًا في نصف نهار. يقول يونس بن عبد الأعلى: "كان الشافعي يضع الكتاب من غدوة إلى الظهر". ومن مؤلفاته رحمه الله: كتاب (الرسالة) وهو أول كتاب وضع في أصول الفقه ومعرفة الناسخ من المنسوخ، بل هو أول كتاب في أصول الحديث. وألَّف كتابًا اسمه (جماع العلم)، دافع فيه عن السنة دفاعًا مجيدًا، وأثبت ضرورية حجية السنة في الشريعة. وكتاب (الأم)، و(الإملاء الصغير)، و(الأمالي الكبرى)، و(مختصر المزني)، و(مختصر البويطي)، وغيرها. منهج الإمام الشافعي : أخذ الإمام الشافعي بالمصالح المرسلة والاستصلاح، ولكن لم يسمها بهذا الاسم، وأدخلها ضمن القياس وشرحها شرحًا موسعًا. وكذلك كان الشافعي يأخذ بالعرف مثل مالك. وكان الشافعي يتمسك بالأحاديث الصحيحة، ويُعرِض عن الأخبار الواهية والموضوعة، واعتنى بذلك عناية فائقة؛ قال أبو زُرعة: "ما عند الشافعي حديث فيه غلط". وقد وضع الشافعي في فن مصطلح الحديث مصطلحات كثيرة، لم يُسبَق إليها، مثل: الاتصال، والشاذ، والثقة، والفرق بين حدَّثنا وأخبرنا. ما قيل عن الإمام الشافعي : قال المزني: "ما رأيت أحسن وجهًا من الشافعي، إذا قبض على لحيته لا يفضل عن قبضته". قال يونس بن عبد الأعلى: "لو جمعت أمة لوسعهم عقل الشافعي". وقال إسحاق بن راهويه: "لقيني أحمد بن حنبل بمكة، فقال: تعالَ حتى أريك رجلاً لم ترَ عيناك مثله. قال: فأقامني على الشافعي". وقال أبو ثور الفقيه: "ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى مثل نفسه". وقال أبو داود: "ما أعلم للشافعي حديثًا خطأً". من كلمات الإمام الشافعي : - طلب العلم أفضل من صلاة النافلة. - من ضُحِكَ منه في مسألة لم ينسها أبدًا. - من حضر مجلس العلم بلا محبرة وورق، كان كمن حضر الطاحون بغير قمح. - من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل مقداره، ومن تعلم اللغة رقَّ طبعه، ومن تعلم الحساب جزل رأيه، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه. وفاة الإمام الشافعي : ألحَّ على الإمام الشافعي المرض وأذابه السقم ووقف الموت ببابه ينتظر انتهاء الأجل. وفي هذه الحال، دخل عليه تلميذه المزني فقال: كيف أصبحت؟ قال: "أصبحتُ من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولكأس المنيَّة شاربًا، وعلى الله جلَّ ذكره واردًا، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنِّئها، أو إلى النار فأعزِّيها"، ثم بكى. وقد دُفِنَ الإمام الشافعي (رحمة الله تعالى عليه) بالقاهرة في أول شعبان، يوم الجمعة سنةَ 204ه/ 820م. وكان له ولدان ذكران وبنت، وكان قد تزوج من امرأة واحدة. ............... نتابع : (60) |
![]() |
![]() |
![]() |
#5 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() (60) إن الله سبحانه وتعالى قيض لهذه الأمة أعلاما أجلاء، وعلماء ربانيين، أفنوا أعمارهم في سبيل خدمة هذا الدين، وجعل الله لهم بذلك لسان صدق في الآخرين، ومن أولئك الأعلام الإمام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي، أحد أئمة المذاهب الأربعة الفقهية السنية المتبوعة، وأحد أبرز أعلام السنة المصونة، وصاحب كبرى مدرسة فقهية عرفتها الأمة الاسلامية. والناظر في سير أولئك الأعلام يستفيد منهم علما ومنهجا ومسلكا، وقد تناولت الدراسات الكثيرة شخصية الإمام الشافعي فكتبت عنه مسالكه الفقهية والأصولية، وأبرزت علمه الحديثي والتفسيري، وبرز في أروقة القضايا النقدية أقوال للإمام الشافعي صارت مثلا عليا يقتدى بها ويستشهد بها من أمثال قوله: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ومثل قوله: "ما ناظرت أحدا إلا وودت أن يظهر الله الحق على لسانه" فاق الإمام الشافعي في المقدرة النقدية علماء زمانه، وألم بأساليب النقد البناء وأخلاقياته، يقول هارون بن سعيد: "لو أن الشافعي ناظر على هذا العمود الذي من حجارة بأنه من خشب لغلب لاقتداره على المناظرة" ومن مقدرته تلك أفاد الأمة الإسلامية في حياته، وأفادت منه الأمة من تراثه بعد وفاته. لقد كانت حياة الإمام الشافعي في نهاية القرن الثاني الهجري، حين ظهرت الفرق والبدع في الساحة الإسلامية، وبرز في المدارس الفقهية مدرستان عظيمتان كان بين أتباعهما تشاجر يصل إلى العداوة في بعض الأحيان: (1) مدرسة الأثر والحديث برئاسة الإمام مالك في الحجاز، (2) مدرسة الفقهاء أو أصحاب الرأي بالعراق برئاسة الإمام أبي حنيفة وتلامذته، فجمع الله به بين الطائفتين، فقه مع العناية بالآثار والرواية، فرد على الطائفتين، رد على الإمام مالك وأهل الحجاز في تجريد السنة عن الفقه، ورد على الأحناف في تقديم القياس على النص، ووضع القواعد للأصول الفقهية وهو أول من دون في أصول الفقه لضبط الخلافات الفقهية، يقول الإمام أحمد: "ما عرفنا العموم من الخصوص، وناسخ الحديث من منسوخه حتى جالسنا الشافعي" فكان في العلماء بالمنزلة التي قال عنه الإمام أحمد"كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن، فانظر هل لهذين من خلف، أو منهما من عوض" ومع أن مناظراته في العقيدة ومع أصحاب البدع قليلة بالنظر إلى مناظراته الفقهية فإن كتب التراجم والسير حفظت لنا الكثير من مناظراته العقدية أيضا، فرحم الله الإمام الشافعي وأدخله فسيح جناته. منهجية النقد والخلاف لدى الإمام الشافعي : أثر الخلاف على الأخوة والمودة : قد يعتقد البعض أن المخالف لا بد وأن يبغضك، وأن البغض هو الذي حمله على المخالفة، ولكننا نقرأ في منهجية الإمام الشافعي النقدية خلاف ذلك، فقد ردّ على الإمام أبي حنيفة والإمام مالك وغيرهما مع ما أثبته من حبه لهما، واحتوى ديوانه الشعري على أبيات في مدح الإمامين، كما احتوى كتابه الأم على رد وافر لهما أيضا، يقول يونس الصدفي: "ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي، ثم قال يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة" يعلق الذهبي على هذا فيقول: "هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون" وهكذا كان الإمام الشافعي واسع الأفق في القضايا النقدية، فهو وأن اختلف مع زميله في مسألة تبقى مسائل أخرى كثيرة يتفقون عليها يحافظ بها على أواصر الصداقة والأخوة والمحبة، ولو أننا التزمنا هذه المنهجية في نقدنا المعاصر لاحتوينا على الخلاف بين الأخوان، ولقل النزاع والشقاق بين الأخوة المتحابين. منهجية اعتبار حجم الخلاف: إن الخلاف على درجات متفاوتة، وليس الخلاف في العقيدة كالخلاف في الفروع الفقهية، وليس الخلاف على أمر مجمع عليه كالخلاف في مسائل يسوغ الخلاف فيها يقول محمد بن الحكم: "كان الشافعي بعد أن ناظر حفصا الفرد يكره الكلام، وكان يقول لأن يفتي العالم فيقال أخطأ العالم خير له من أن يتكلم فيقال زنديق، وما شيء أبغض علي من الكلام وأهله" ويعلق عليها الذهبي فيقول: "وهذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع" ويقول المزني: "سألت الشافعي عن مسألة من الكلام، فقال سلني عن شيء إذا أخطأت فيه قلت أخطأت، ولا تسألني عن شيء إذا أخطأت فيه قلت كفرت" كما أنه ليست كل قضية تستحق النقد، ولا كل ما يطرح من أفكار ورؤى تستحق المناقشة، ولا كل صاحب قضية أهلا للنقاش، فمن القضايا ما نقده السكوت عنه، وفي ذلك يقول الشافعي: قل بما شئت في مسبة عرضي فسكوتي عن اللئيم جواب ما أنا عادم الجواب ولكن ما من الأسد أن تجيب الكلاب. يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا يزيد سفاهة فأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا منهجية التثبت العلمي: يقول الإمام الشافعي: "اجتمع علي أصحاب الحديث فسألوني أن أضع على كتاب أبي حنيفة، فقلت لا أعرف قولهم حتى أنظر في كتبهم، فأمرت فكتب لي كتب محمد بن الحسن، فنظرت فيها سنة حتى حفظتها ثم وضعت الكتاب البغدادي يعني الحجة" ويقول الإمام الشافعي: "أنفقت على كتب محمد بن الحسن ستين دينارا، ثم تدبرتها فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا" يقول ابن حجرا يعني ردا عليه ومن التروي وعدم العجلة في الرد: قول الشافعي: " استخرت الله في الرد على مالك سنة" وهذا كله احتياط لجانب النقد، وإبراز لمكانة التثبت في النقد. سمو الهدف للنقد، فليس النقد من أجل النقد، ولا من أجل الرياء والشهرة يقول الساجي " أن الشافعي إنما وضع الكتب على مالك أنه بلغه أن بالأندلس قلنسوة لمالك يستسقى بها، وكان يقال لهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون قال مالك، فقال الشافعي إن مالكا بشر يخطئ فدعاه ذلك إلى تصنيف الكتاب في اختلافه" ويقول عن نفسه رحمه الله: "يقولون إنما أخالفهم للدنيا، وكيف يكون ذلك والدنيا معهم، وإنما يريد الإنسان الدنيا لبطنه وفرجه، وقد منعت ما ألذ من المطاعم، ولا سبيل إلى النكاح، -يعني لما كان به من البواسير-، ولكن لست أخالف إلا من خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" منهجية الحرص على صواب المخالف: وهذه قل أن نجدها في غير أعلام الإسلام كالشافعي، فالحرص على توصيل الحق قد يوجد، ولكن الحرص على أن المخالف هو المصيب منهجية فريدة من الإمام، يروي الخلال عن الشافعي قوله: "ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ" يقول حسن الكرابيسي وهو أحد رواة المذهب القديم قال الإمام الشافعي: "ما ناظرت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق أو يسدد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ، وما ناظرت أحدا إلا ولم أبال بين الله الحق على لساني أو على لسانه" يقول الربيع سمعت الشافعي يقول: "ما عرضت الحجة على أحد فيقبلها إلا عظم في عيني، ولا عرضتها على أحد فردّها إلا سقط من عيني" ويقول: "ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلها مني إلا هبته، واعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق أحد ودافع الحجة إلا سقط من عيني" ويقول: " ما ضحك من خطأ رجل إلا ثبت صوابه في قلبه" ……………نواصل: (61) |
![]() |
![]() |
![]() |
#6 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() (61) الفرق بين المسلم والإسلامى يحدثنا فى ذلك شيخنا واستذنا الامام على الجفرى يقول : الحمد لله والذى نعرفه هو أن الله تعالى قد أقرّ تسمية خليله إبراهيم عليه السلام لنا بالمسلمين وليس بالإسلاميين: {مِلّةَ أبِيكُم إبراهيمَ هو سمّاكم المسلمينَ مِن قَبْل}. وقرأت للبعض أنه مصطلح دخيل ألصقه العلمانيون بمن يعملون لخدمة الإسلام.. ثم لاحظت أن إخوتى الذين يرون أنهم يعملون فى خدمة الإسلام قد تبنّوا هذا المصطلح فصرنا نسمع عن الإداريين الإسلاميين والاقتصاديين الإسلاميين والسياسيين الإسلاميين. ووجدت من يدافع عن المصطلح ويراه صحيحاً من جهة اللغة والاستخدام فهو من وجهة نظره يُطلق على من ينتسب فى منطلقاته إلى الإسلام. وقد علّق أحد الفضلاء على عبارة للفقير إلى الله حول الموضوع باستشهاده بقاعدة: «لا مشاحّة فى الاصطلاح»، وعلق أيضاً بأن المصطلح قديم، واستشهد بكتاب «مقالات الإسلاميين» لإمام أهل السنة ومجدد القرن الثالث الهجرى أبى الحسن الأشعرى رحمه الله. فتوقفت مع تعليقه متأملاً مستفيداً وخرجت بنتيجتين.. الأولى: أن احترام قاعدة «لا مشاحّة فى الاصطلاح» تقتضى أنه لا بد من تحرير المصطلح ومعرفة المقصود به. الثانية: أنه لا بد من النظر فى سياق استخدام الإمام الأشعرى للمصطلح. أما الأولى وهى تحرير المصطلح فيكتنفه من الغموض ما يصعب معه إيجاد ضوابط حقيقية للاستخدام المعاصر للمصطلح. فالجماعات التى تعمل باسم الإسلام اليوم بينها تباين كبير فى تعريف المصطلح حتى إنّ فئات من الذين يحملون لقب «الإسلاميين» يكفِّر بعضهم بعضاً! فكبار مُنظّرى الجماعات التى تدّعى الجهاد يصرحون بتكفير الحكام الذين يحملون لقب «الإسلاميين» فى مصر وتونس والمغرب وغزة على أساس أنهم لم يحكموا بما أنزل الله! والذين تمّ تكفيرهم يعدّون هؤلاء المنظرين من الخوارج، ووصل الخلاف بينهم فى غزة إلى الاقتتال! والثورة الإيرانية تسمّت بالثورة «الإسلامية»، وحزب الله اللبنانى لقّب نفسه بالمقاومة «الإسلامية»، والجماعة «الإسلامية» فى مصر تعتبرهم كفاراً ومثلها الجماعة «الإسلامية» فى باكستان! وحزب الإصلاح فى اليمن يقدم نفسه بصفته حزباً «إسلامياً» بينما اعتبرهم مقبل الوادعى شيخ السلفية فى اليمن زنادقة! وكلاهما متفق على اتهام حركة الحوثيين «الإسلامية» الزيدية بأنهم شيعة مجوس! وهكذا هو الحال بين جبهة الإنقاذ فى الجزائر ومن يتسمون بالجهاديين! بينما يَجمع العلمانيون والليبراليون هذه الجماعات التى لا تجتمع فى سلة واحدة ويسمونهم «الإسلاميين» ليحطّوا من قدرهم ويتخلّصوا منهم دفعة واحدة.. وهكذا يجد الباحث نفسه أمام فوضى لا يجد معها تحريراً معتمداً للمصطلح.. والحديث عن فوضى المصطلحات ليس من قبيل ترف التنظير بل هو أمر ضرورى لوضع اليد على الجذور الحقيقية للمشكلة. أما النتيجة الثانية وهى السياق الذى استخدم فيه الإمام الأشعرى هذا المصطلح فى كتابه «مقالات الإسلاميين» فهو سياق مختلف تماماً عن السياق الذى ارتضاه المعاصرون ممن يسمون أنفسهم بالإسلاميين لأنه أطلقه على كل فرقة نسبت نفسها إلى الإسلام، وأخذ يجمع معتقداتهم من مصادرهم ليشكل بذلك مرصداً دقيقاً لمقولاتهم ومعتقداتهم يمكن به تمييز المسلمين من هذه الفِرَق الإسلامية عن غيرهم. فتجده يذكر مقالات «الإسلاميين» من الشيعة الغالية الباطنية مثل «الجناحية» الذين يعتقدون بأن روح الله تجسدت فى آدم ثم تناسخت حتى حلّت فى إمامهم وأن إمامهم رب، ويذكر أنهم يكفرون بيوم القيامة. و«المُغيرية» و«الخطابية» الذين يدّعون نبوة إمامهم و«المنصورية» الذين يعتقدون أن إمامهم هو ابن الله. ويذكر مقالات «الإسلاميين» من الشيعة الإمامية من المفضلة والرافضة ويذكر مقالات «الإسلاميين» الزيدية وفرقهم المعتدلة والمتطرفة. ثم يذكر مقالات «الإسلاميين» من الخوارج ومنهم «الأزارقة» الذين يكفّرون كل من لم يهجر المجتمع لينضم إليهم، و«النجدية» الذين يحكمون بالشرك على من يصر على الكذبة الصغيرة، و«الحمزية» الذين يرون وجوب قتال السلطان وكل من رضى بحكمه. ثم يذكر مقالات «الإسلاميين» من المرجئة والمعتزلة والجهمية إلى آخر مقولات من سماهم الإمام بالإسلاميين. والخلاصة أن الإمام الأشعرى فى القرن الثالث كان يطلق مصطلح «إسلامى» على كل من يدّعى أنه مسلم ولو كان يعتقد معتقدات كفرية.. وعليه فليس كلّ إسلامىّ عنده مسلماً! وعليه فالمسلم عنده أرقى من الإسلامى! هذا هو تحرير مصطلح «الإسلامى» فى القرن الثالث الهجرى وهو بلا شك مختلف اختلافاً كلياً عمّا يقصده «الإسلاميون» فى عصرنا. لذا يبقى السؤال قائماً: ما المقصود بكلمة إسلامى؟ وإلى أن يتم تحرير المصطلح ويتضح المقصود منه أُعلن بأنى لست «إسلاميا» ولكننى مسلم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة. {ومَنْ أحسنُ ديناً ممّن أسلمَ وجهَهُ للهِ وهو مُحسِنٌ واتّبعَ ملّةَ إبراهيمَ حنيفاً واتخذَ اللهُ إبراهيمَ خليلاً * وللهِ ما فى السماواتِ وما فى الأرضِ وكانَ اللهُ بكلِّ شىءٍ محيطاً}. {ومَنْ أحسنُ قولاً ممّن دعا إلى اللهِ وعَمِلَ صالحاً وقالَ إنّنى منَ المسلمين}. يا ذا الجلال والإكرام أحينى مسلما وتوفنى مسلما وألحقنى بالصالحين. ...............نتابع : (62) |
![]() |
![]() |
![]() |
#7 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() (62) الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة ويروى أنه لما سمع عمرو بن العاص المستوردَ بن شدادَ يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " تقوم الساعة والروم أكثر الناس." قال له عمرو: " أبصر ما تقول؟ " فقال المستورد: " أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم." فقال عمرو: " لئن قلت ذلك؛ إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك. " رواه مسلم. (الظلم مؤذن بخراب العمران). والمقصود أن الأمم الكافرة إن توفرت على معالم قيام الدول ونهضتها أقامها الله وجازاها بجنس عملها، ولا يظلم ربك أحدا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. " (رواه مسلم. ) فهذا جانب، وهناك جانب آخر لا يصح إغفاله في هذه القضية، وهو أن الله تعالى قد ينصر أمة كافرة على أمة مسلمة ؛ عقوبة لها على معاصيها، وشاهد هذا ما حصل في غزوة أحد، كما قال تعالى: (( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ {آل عمران: 152}. وقد ذكر ابن كثير في حوادث سنة خمس عشرة وستمائة أن المعظم أعاد ضمان القيان والخمور والمغنيات وغير ذلك من الفواحش والمنكرات التي كان أبوه قد أبطلها، بحيث إنه لم يكن أحد يتجاسر أن ينقل ملء كف خمر إلى دمشق إلا بالحيلة الخفية، فجزى الله العادل خيرا، ولا جزى المعظم خيرا على ما فعل، واعتذر المعظم في ذلك بأنه إنما صنع هذا المنكر لقلة الأموال على الجند واحتياجهم إلى النفقات في قتال الفرنج. ثم علق ابن كثير على ذلك فقال: " وهذا من جهله وقلة دينه وعدم معرفته بالأمور؛ فإن هذا الصنيع يديل عليهم الأعداء وينصرهم عليهم، ويتمكن منهم الداء ويثبط الجند عن القتال فيولون بسببه الأدبار، وهذا مما يدمر ويخرب الديار ويديل الدول"... كما في الأثر: " إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني. وهذا ظاهر لا يخفى على فطن " اه. وقال الدكتور/ ربيع بن محمد بن علي في كتابه (الغارة على العالم الإسلامي): الأمة الواعية كذلك هي التي تدرك أنها بتجرئها على المعاصي وابتعادها عن منهج إسلامها وشريعة خالقها، تجلب عليها سخط الله الذي قد يتسبب في أن يبعث عليها من يسومها- بسبب معاصيها- سوء العذاب، وفي الأثر أن بعض أنبياء بني إسرائيل نظر إلى ما يصنع بهم بختنصر من إذلال وقهر وإبادة وقتل وتشريد فقال: (بما كسبَتْ أيدينا سلطتَ علينا من لا يعرفك ولا يرحمنا). وذكر ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض أنه قال: أوحى الله إلى بعض أنبيائه: (إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني) اه. الصدوع بكلمة الحق واجب شرعى : إن الأمة إذا لم تحاسب الحاكم إن أساء، ولم تأخذ على يديه إن ظلم، ولم تقف في وجه انحرافه وفساده، فإنّ ذلك سيجعله يتمادى في ظلمه وبغيه وطغيانه، ويمدّ في عمر نظامه الفاسد. وكلما صفقت الأمة للحاكم رغم ظلمه، أو هتفت باسمه رغم فساده، فإنه يزداد عنجهية ويتمادى في ظلمه وبغيه وعدوانه. لذلك، فإن من علامات الحيوية في الأمة أن تحاسب الحاكم بقوة إذا أفسد أو ظلم، وأن تقف في وجهه إن طغى وبغى، فإن لم تفعل، فقد تودّع منها. عن أبي بكر الصديق قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابه". وفي رواية قال: "إنّ النّاس إذا رَأَوُا الْمُنْكَرَ لاَ يُغَيِّرُونَهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بعقابه". وفي رواية أخرى: "إن أمّتي إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله منه بعقابه". وعن عدي بن عميرة أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الخاصّة والعامّة". وفي رواية عن العرس بن عميرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تعمل الخاصة بعمل تقدر العامة أن تغيره ولا تغيره فذاك حين يأذن الله في هلاك العامة والخاصة". لقد ضرب الله سبحانه لنا مثلاً عن فرعون الذي كان طاغية عصره، فبغى وظلم، وادعى لنفسه الألوهية {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} (النازعات: 15 -24) وأعطى لنفسه سلطة التدخل في فكر الناس وعقولهم، وجعل نفسه مركز الكون، فلا فعل بدون إذنه، ولا قول بدون إذنه، بل ولا تفكير بدون إذنه؛ لذلك صاح قائلاً عندما آمن السحرة برب العالمين: { آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ }. لقد طغى فرعون في الأرض وتجبّر، إلا أنّ قومه كانوا يصفقون له، رهبة ورغبة، فيوافقونه في أعماله، ويظهرون له الولاء، ويطيعونه رغم إفساده في الأرض؛ فكانت مظاهر الخنوع هذه مدعاة له لأن يستخف بهؤلاء القوم الذين أطاعوه في المنكر، فلا يقيم لهم وزناً، ولا يعبأ بوجودهم، فازداد طغياناً وتجبراً. إن سكوت قوم فرعون عن ظلمه وطغيانه وكفره، جعلهم من الفاسقين؛ لأنهم أطاعوه في ظلم وكفر. {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}. ولم يقف الأمر عند حدّ تفسيقهم، بل عمّهم العقاب، فأغرقهم الله أجمعين: فرعون الطاغية، وزبانيته، وكذلك قومه الذين سكتوا عن طغيانه وكفره. {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ. فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ}. إنّ ما حدث لفرعون وقومه عبرة لكل ظالم وطاغية في كل زمان ومكان، وهو أيضاً عبرة لكل شيطان أخرس، ولكل ساكت عن الظلم. لذلك، فإن على الأمة أن تتحرك لقلع جذور الظلم والطغيان، ويحرم عليها السكوت عن الكفر البواح، لأنّ السكوت لا يغير من واقعها المرير، بل يزيد الظالم جرأة على دين الله وعلى طغيانه وبغيه. إنّ الأمة الإسلامية أمة قوية بإيمانها، فإذا جمعت أمرها ووحدت كلمتها، قدرت على إحداث التغيير. عن عبيد الله بن جرير عن أبيه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعزّ وأكثر ممن يعمله لم يغيروه إلا عمهم الله بعقاب». وفي رواية: «ما من قوم يعمل بين أظهرهم بالمعاصي هم أعزّ منهم وأمنع لم يغيروا إلا أصابهم الله منه بعقاب». وورد في رواية بلفظ: « عن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيروا عليه، فلا يغيروا، إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا». ............... ونواصل : (63) |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
كاتب الموضوع | العوضابي | مشاركات | 96 | المشاهدات | 29144 |
![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|