القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة

مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري


غير مسجل أهلاً ومرحباً بكم

العودة   مُنتديات الختمية > الأقسام العامة > مكتبة الميرغني الإليكترونية
التسجيل التعليمات المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث

مكتبة الميرغني الإليكترونية خاصة بجميع مؤلفات السادة المراغنة

إهداءات ^^^ ترحيب ^^^ تهاني ^^^ تعازي ^^^ تعليقات ^^^ إعلانات

فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه

مكتبة الميرغني الإليكترونية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-14-2013, 11:33 AM   #1
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَمَا يَلْبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَشَمُّ الْمُحْرِمُ الرَّيْحَانَ وَيَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ وَيَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَقَالَ عَطَاءٌ يَتَخَتَّمُ وَيَلْبَسُ الْهِمْيَانَ وَطَافَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ حَزَمَ عَلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِالتُّبَّانِ بَأْسًا لِلَّذِينَ يَرْحَلُونَ هَوْدَجَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن‏)‏ أراد بهذه الترجمة أن يبين أن الأمر بغسل الخلوق الذي في الحديث قبله إنما هو بالنسبة إلى الثياب، لأن المحرم لا يلبس شيئا مسه الزعفران كما سيأتي في الباب الذي بعده، وأما الطيب فلا يمنع استدامته على البدن، وأضاف إلى التطيب المقتصر عليه في حديث الباب الرجل والأدهان لجامع ما بينهما من الترفه فكأنه يقول يلحق بالتطيب سائر الترفهات فلا يحرم على المحرم، كذا قال ابن المنير، والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما سيأتي بعد أربعة أبواب من طريق كريب عن ابن عباس قال ‏"‏ انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وادهن ‏"‏ الحديث، وقوله ‏"‏ترجل ‏"‏ أي سرح شعره، وكأنه يؤخذ من قوله في حديث عائشة ‏"‏ طيبته في مفرقه ‏"‏ لأن فيه نوع ترجيل، وسيأتي من وجه آخر بزيادة ‏"‏ وفي أصول شعره‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس إلخ‏)‏ أما شم الريحان فقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا للمحرم بشم الريحان ‏"‏ وروينا في ‏"‏ المعجم الأوسط ‏"‏ مثله عن عثمان‏.‏
وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر خلافه، واختلف في الريحان فقال إسحاق‏:‏ يباح، وتوقف أحمد‏.‏
وقال الشافعي يحرم، وكرهه مالك والحنفية‏.‏
ومنشأ الخلاف أن كل ما يتخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف، وأما غيره فلا‏.‏
وأما النظر في المرآة فقال الثوري في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه ‏"‏ عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ لا بأس أن ينظر في المرآة وهو محرم ‏"‏ وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن إدريس عن هشام به، ونقل كراهته عن القاسم بن محمد‏.‏
وأما التداوي فقال أبو بكر بن أبي شيبة ‏"‏ حدثنا أبو خالد الأحمر وعباد بن العوام عن أشعث عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقول‏:‏ يتداوى المحرم بما يأكل ‏"‏ وقال أيضا ‏"‏ حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الضحاك عن ابن عباس إذا شققت يد المحرم أو رجلاه فليدهنهما بالزيت أو بالسمن ‏"‏ ووقع في الأصل ‏"‏ يتداوى بما يأكل الزيت والسمن ‏"‏ وهما بالجر في روايتنا وصحح عليه ابن مالك عطفا على ما الموصولة فإنها مجرورة بالباء ووقع في غيرها بالنصب، وليس المعنى عليه لأن الذي يأكل هو الآكل لا المأكول، لكن يجوز على الاتساع‏.‏
وفي هذا الأثر رد على مجاهد في قوله إن تداوى بالسمن أو الزيت فعليه دم أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ قوله ‏"‏ يشم ‏"‏ بفتح الشين المعجمة على الأشهر وحكي ضمها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء يتختم ويلبس الهميان‏)‏ هو بكسر الهاء معرب، يشبه تكة السراويل يجعل فيها النفقة ويشد في الوسط‏.‏
وقد روى الدارقطني من طريق الثوري عن ابن إسحاق عن عطاء قال‏:‏ لا بأس بالخاتم للمحرم‏.‏
وأخرج أيضا من طريق شريك عن أبي إسحاق عن عطاء - وربما ذكره عن سعيد بن جبير - عن ابن عباس قال‏:‏ لا بأس بالهميان والخاتم للمحرم والأول أصح‏.‏
وأخرجه الطبراني وابن عدي في الكامل من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا وإسناده ضعيف‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ أجاز ذلك فقهاء الأمصار، وأجازوا عقده إذا لم يمكن إدخال بعضه في بعض، ولم ينقل عن أحد كراهته إلا عن ابن عمر، وعنه جوازه‏.‏
ومنع إسحاق عقده وقيل إنه تفرد بذلك، وليس كذلك فقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ لا بأس بالهميان للمحرم، ولكن لا يعقد عليه السير ولكن يلفه لفا‏.‏
قال ابن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين عن إسماعيل بن عبد الملك قال رأيت على سعيد بن جبير خاتما وهو محرم وعلى عطاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وطاف ابن عمر وهو محرم وقد حزم على بطنه بثوب‏)‏ وصله الشافعي من طريق طاوس قال‏.‏
رأيت ابن عمر يسعى وقد حزم على بطنه بثوب‏.‏
وروي من وجه آخر عن نافع أن ابن عمر لم يكن عقد الثوب عليه وإنما غرز طرفه على إزاره‏.‏
وروى ابن أبي شيبة من طريق مسلم بن جندب سمعت ابن عمر يقول لا تعقد علي شيئا وأنت محرم‏.‏
قال ابن التين‏:‏ هو محمول على أنه شده على بطنه فيكون كالهميان ولم يشده فوق المئزر وإلا فمالك يرى على من فعل ذلك الفدية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم تر عائشة بالتبان بأسا للذين يرحلون هودجها‏)‏ وقع في نسخة الصغاني بعد قوله بأسا‏:‏ قال أبو عبد الله يعني الذين إلخ‏.‏
التبان بضم المثناة وتشديد الموحدة سراويل قصير بغير أكمام، والهودج بفتح الهاء وبالجيم معروف، ويرحلون بفتح أوله وسكون الراء وفتح الحاء المهملة قال الجوهري‏:‏ رحلت البعير أرحله بفتح أوله رحلا إذا شددت على ظهره الرحل، قال الأعشى‏:‏ ‏"‏ رحلت أميمة غدوة أجمالها‏"‏، وسيأتي في التفسير استشهاد البخاري بقول الشاعر‏:‏ ‏"‏ إذا ما قمت أرحلها بليل‏"‏، وعلى هذا فوهم من ضبطه هنا بتشديد الحاء المهملة وكسرها‏.‏
وقد وصل أثر عائشة سعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها حجت ومعها غلمان لها وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء فأمرتهم أن يتخذوا التبابين فيلبسونها وهم محرمون‏.‏
وأخرجه من وجه آخر مختصرا بلفظ ‏"‏ يشدون هودجها ‏"‏ وفي هذا رد على ابن التين في قوله‏:‏ أرادت النساء لأنهن يلبسن المخيط بخلاف الرجال، وكأن هذا رأي رأته عائشة وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ قَالَ مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنِي الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر، والإسناد إلى ابن عمر كوفيون وكذا إلى عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يدهن بالزيت‏)‏ أي عند الإحرام بشرط أن لا يكون مطيبا، كمأ أخرجه الترمذي من وجه آخر عنه مرفوعا، والموقوف عنه أخرجه ابن أبي شيبة وهو أصح، ويؤيده ما تقدم في كتاب الغسل من طريق محمد بن المنتشر أن ابن عمر قال ‏"‏ لأن أطلي بقطران أحب إلي من أن أتطيب ثم أصبح محرما ‏"‏ وفيه إنكار عائشة عليه، وكان ابن عمر يتبع في ذلك أباه فإنه كان يكره استدامة الطيب بعد الإحرام كما سيأتي، وكانت عائشة تنكر عليه ذلك‏.‏
وقد روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر أن عائشة كانت تقول ‏"‏ لا بأس بأن يمس الطيب عند الإحرام ‏"‏ قال فدعوت رجلا وأنا جالس بجنب ابن عمر فأرسلته إليها وقد علمت قولها ولكن أحببت أن يسمعه أبي، فجاءني رسولي فقال إن عائشة تقول لا بأس بالطيب عند الإحرام فأصب ما بدا لك‏.‏
قال فسكت ابن عمر‏.‏
وكذا كان سالم بن عبد الله بن عمر يخالف أباه وجده في ذلك لحديث عائشة، قال ابن عيينة ‏"‏ أخبرنا عمرو بن دينار عن سالم أنه ذكر قول عمر في الطيب ثم قال‏:‏ قالت عائشة ‏"‏ فذكر الحديث، قال سالم‏:‏ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكرته لإبراهيم‏)‏ هو مقول منصور، وإبراهيم هو النخعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال ما تصنع بقوله‏)‏ يشير إلى ما بينته وإن كان لم يتقدم إلا ذكر الفعل، ويؤخذ منه أن المفزع في النوازل إلى السنن وأنه مستغنى بها عن آراء الرجال وفيها المقنع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كأني أنظر‏)‏ أرادت بذلك قوة تحققها لذلك بحيث أنها لشدة استحضارها له كأنها ناظرة إليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبيص‏)‏ بالموحدة المكسورة وآخره صاد مهملة هو البريق، وقد تقدم في الغسل قول الإسماعيلي‏:‏ إن الوبيص زيادة على البريق، وأن المراد به التلألؤ، وأنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في مفارق‏)‏ جمع مفرق وهو المكان الذي يفترق فيه الشعر في وسط الرأس، قيل ذكرته بصيغة الجمع تعميما لجوانب الرأس التي يفرق فيها الشعر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لإحرامه‏)‏ أي لأجل إحرامه، وللنسائي ‏"‏ حين أراد أن يحرم ‏"‏ ولمسلم نحوه كما سيأتي قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولحله‏)‏ أي بعد أن يرمي ويحلق‏.‏
واستدل بقولها ‏"‏ كنت أطيب ‏"‏ على أن كان لا تقتضي التكرار لأنها لم يقع منها ذلك إلا مرة واحدة، وقد صرحت في رواية عروة عنها بأن ذلك كان في حجة الوداع كما سيأتي في كتاب اللباس، كذا استدل به النووي في ‏"‏ شرح مسلم ‏"‏ وتعقب بأن المدعي تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام، ولا مانع من أن يتكرر التطيب لأجل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه‏.‏
وقال النووي في موضع آخر‏:‏ المختار أنها لا تقتضي تكرارا ولا استمرارا، وكذا قال الفخر في ‏"‏ المحصول‏"‏، وجزم ابن الحاجب بأنها تقتضيه قال ولهذا استفدنا من قولهم ‏"‏ كان حاتم يقري الضيف ‏"‏ أن ذلك كان يتكرر منه‏.‏
وقال جماعة من المحققين إنها تقتضي التكرار ظهورا، وقد تقع قرينة تدل على عدمه، لكن يستفاد من سياقه لذلك المبالغة في إثبات ذلك، والمعني أنها كانت تكرر فعل التطيب لو تكرر منه فعل الإحرام لما اطلعت عليه من استحبابه لذلك، على أن هذه اللفظة لم تتفق الرواة عنها عليها، فسيأتي للبخاري من طريق سفيان ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم شيخ مالك فيه هنا بلفظ ‏"‏ طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وسائر الطرق ليس فيها صيغة ‏"‏ كان ‏"‏ والله أعلم‏.‏
واستدل به على استحباب التطيب عند إرادة الإحرام، وجواز استدامته بعد الإحرام، وأنه لا يضر بقاء لونه ورائحته، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وهو قول الجمهور، وعن مالك يحرم ولكن لا فدية‏.‏
وفي رواية عنه تجب‏.‏
وقال محمد بن الحسن‏:‏ يكره أن يتطيب قبل الإحرام بما يبقى عينه بعده‏.‏
وتجب المالكية بأمور‏:‏ منها أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بعد أن تطيب لقوله في رواية ابن المنتشر المتقدمة في الغسل ‏"‏ ثم طاف بنسائه ثم أصبح محرما ‏"‏ فإن المراد بالطواف الجماع، وكان من عادته أن يغتسل عند كل واحدة، ومن ضرورة ذلك أن لا يبقى للطيب أثر، ويرده قوله في الرواية الماضية أيضا ‏"‏ ثم أصبح محرما ينضح طيبا ‏"‏ فهو ظاهر في أن نضح الطيب - وهو ظهور رائحته - كان في حال إحرامه، ودعوى بعضهم أن فيه تقديما وتأخيرا والتقدير طاف على نسائه ينضح طيبا ثم أصبح محرما خلاف الظاهر، ويرده قوله في رواية الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عند مسلم ‏"‏ كان إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد، ثم أراه في رأسه ولحيته بعد ذلك ‏"‏ وللنسائي وابن حبان ‏"‏ رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث وهو محرم ‏"‏ وقال بعضهم‏:‏ إن الوبيص كان بقايا الدهن المطيب الذي تطيب به فزال وبقي أثره من غير رائحة، ويرده قول عائشة ينضح طيبا‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ بقي أثره لا عينه، قال ابن العربي ليس في شيء من طرق حديث عائشة أن عينه بقيت انتهى‏.‏
وقد روى أبو داود وابن أبي شيبة من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت ‏"‏ كنا نضمخ وجوهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا‏"‏‏.‏
فهذا صريح في بقاء عين الطيب، ولا يقال إن ذلك خاص بالنساء لأنهم أجمعوا على أن الرجال والنساء سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ كان ذلك طيبا لا رائحة له تمسكا برواية الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة ‏"‏ بطيب لا يشبه طيبكم ‏"‏ قال بعض رواته‏:‏ يعني لا بقاء له أخرجه النسائي‏.‏
ويرد هذا التأويل ما في الذي قبله‏.‏
ولمسلم من رواية منصور بن زاذان عن عبد الرحمن بن القاسم ‏"‏ بطيب فيه مسك ‏"‏ وله من طريق الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم ‏"‏ كأني أنظر إلى وبيص المسك ‏"‏ وللشيخين من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ‏"‏ بأطيب ما أجد‏"‏‏.‏
وللطحاوي والدارقطني من طريق نافع عن ابن عمر عن عائشة ‏"‏ بالغالية الجيدة ‏"‏ هذا يدل على أن قولها بطيب لا يشبه طيبكم أي أطيب منه، لا كما فهمه القائل يعني ليس له بقاء‏.‏
وادعى بعضهم أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم قال المهلب وأبو الحسن القصار وأبو الفرج من المالكية، قال بعضهم‏:‏ لأن الطيب من دواعي النكاح فنهى الناس عنه وكان هو أملك الناس لإربه ففعله، ورجحه ابن العربي بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح، وقد ثبت عنه أنه قال ‏"‏ حبب إلي النساء والطيب ‏"‏ أخرجه النسائي من حديث أنس، وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس‏.‏
وقال المهلب‏:‏ إنما خص بذلك لمباشرته الملائكة لأجل الوحي، وتعقب بأنه فرع ثبوت الخصوصية وكيف بها، ويردها حديث عائشة بنت طلحة المتقدم‏.‏
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عائشة قالت ‏"‏ طيبت أبي بالمسك لإحرامه حين أحرم ‏"‏ وبقولها ‏"‏ طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين ‏"‏ أخرجه الشيخان من طريق عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عنها، وسيأتي من طريق سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ‏"‏ وأشارت بيديها ‏"‏ واعتذر بعض المالكية بأن عمل أهل المدينة على خلافه، وتعقب بما رواه النسائي من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن سليمان بن عبد الملك لما حج جمع ناسا من أهل العلم - منهم القاسم بن محمد وخارجة بن زيد وسالم وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث - فسألهم عن التطيب قبل الإفاضة، فكلهم أمر به‏.‏
فهؤلاء فقهاء أهل المدينة من التابعين قد اتفقوا على ذلك، فكيف يدعى مع ذلك العمل على خلافه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولحله قبل أن يطوف بالبيت‏)‏ أي لأجل إحلاله من إحرامه قبل أن يطوف طواف الإفاضة، وسيأتي في اللباس من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ‏"‏ قبل أن يفيض ‏"‏ وللنسائي من هذا الوجه ‏"‏ وحين يريد أن يزور البيت ‏"‏ ولمسلم نحوه من طريق عمرة عن عائشة، وللنسائي من طريق ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة ‏"‏ ولحله بعدما يرمي جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت ‏"‏ واستدل به على حل الطيب وغيره من محرمات الإحرام بعد رمي جمرة العقبة، ويستمر امتناع الجماع ومتعلقاته على الطواف بالبيت، وهو دال على أن للحج تحللين فمن قال أن الحلق نسك كما هو قول الجمهور وهو الصحيح عند الشافعية يوقف استعمال الطيب وغيره من المحرمات المذكورة عليه، ويؤخذ ذلك من كونه صلى الله عليه وسلم في حجته رمى ثم حلق ثم طاف، فلولا أن الطيب بعد الرمي والحلق لما اقتصرت على الطواف في قولها ‏"‏ قبل أن يطوف بالبيت ‏"‏ قال النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ ظاهر كلام ابن المنذر وغيره أنه لم يقل بأن الحلق ليس بنسك إلا الشافعي، وهو في رواية عن أحمد، وحكي عن أبي يوسف، واستدل به على جواز استدامة الطيب بعد الإحرام، وخالف الحنفية فأوجبوا فيه الفدية قياسا على اللبس، وتعقب بأن استدامة اللبس لبس واستدامة الطيب ليس بطيب، ويظهر ذلك بما لو حلف‏.‏
وقد تقدم التعقب على من زعم أن المراد بريق الدهن أو أثر الطيب الذي لا رائحة له بما فيه كفاية‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس
قديم 08-14-2013, 12:21 PM   #2
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب طَوَافِ الْوَدَاعِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب طواف الوداع‏)‏ قال النووي‏:‏ طواف الوداع واجب يلزم بتركه دم على الصحيح عندنا وهو قول أكثر العلماء‏.‏
وقال مالك وداود وابن المنذر‏:‏ هو سنة لا شيء في تركه انتهى والذي رأيته في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ لابن المنذر أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أمر الناس‏)‏ كذا في رواية عبد الله بن طاوس عن أبيه على البناء لما لم يسم فاعله والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قوله ‏"‏ خفف ‏"‏ وقد رواه سفيان أيضا عن سليمان الأحول عن طاوس فصرح فيه بالرفع ولفظه عن ابن عباس قال ‏"‏ كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ‏"‏ أخرجه مسلم هو والذي قبله عن سعيد بن منصور عن سفيان بالإسنادين فرقهما، فكأن طاوسا حدث به على الوجهين، ولهذا وقع في رواية كل من الراويين عنه ما لم يقع في رواية الآخر، وفيه دليل على وجوب طواف الوداع للأمر المؤكد به وللتعبير في حق الحائض بالتخفيف كما تقدم، والتخفيف لا يكون إلا من أمر مؤكد، واستدل به على أن الطهارة شرط لصحة الطواف، وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ تَابَعَهُ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي خَالِدٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن قتادة‏)‏ سيأتي بعد باب من وجه آخر عن ابن وهب التصريح بتحديث قتادة، ويأتي الكلام هناك، والمقصود منه هنا قوله في آخره ‏"‏ ثم ركب إلى البيت فطاف به‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه الليث‏)‏ أي تابع عمرو بن الحارث في روايته لهذا الحديث عن قتادة بطريق أخرى إلى قتادة، وقد وصله البزار والطبراني من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث، وخالد شيخ الليث هو ابن يزيد، وذكر البزار والطبراني أنه تفرد بهذا الحديث عن سعيد وأن الليث تفرد به عن خالد وأن سعيد بن أبي هلال لم يرو عن قتادة عن أنس غير هذا الحديث‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت‏)‏ أي هل يجب عليها طواف الوداع أو يسقط، وإذا وجب هل يجبر بدم أم لا‏؟‏ وقد تقدم معنى هذه الترجمة في كتاب الحيض بلفظ ‏"‏ باب المرأة تحيض بعد الإفاضة ‏"‏ قال ابن المنذر‏:‏ قال عامة الفقهاء بالأمصار‏:‏ ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع‏.‏
وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع، وكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها‏.‏
ثم أسند عن عمر بإسناد صحيح إلى نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت، فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر الناس حتى تطهر وتطوف بالبيت ‏"‏ قال‏:‏ وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك، وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة‏.‏
يشير بذلك إلى ما تضمنته أحاديث هذا الباب‏.‏
وقد روى ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد ‏"‏ كان الصحابة يقولون‏.‏
إذا أفاضت المرأة قبل أن تحيض فقد فرغت، إلا عمر فإنه كان يقول‏:‏ يكون آخر عهدها بالبيت ‏"‏ وقد وافق عمر على رواية ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره، فروى أحمد وأبو داود والنسائي والطحاوي - واللفظ لأبي داود - من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس الثقفي قال‏:‏ ‏"‏ أتيت عمر فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض، قال‏:‏ ليكن آخر عهدها بالبيت‏.‏
فقال الحارث كذلك أفتاني - وفي رواية أبي داود هكذا حدثني - رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ واستدل الطحاوي بحديث عائشة وبحديث أم سليم على نسخ حديث الحارث في حق الحائض‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاضَتْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ قَالُوا إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ فَلَا إِذًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حاضت‏)‏ أي بعد أن أفاضت يوم النحر كما تقدم في ‏"‏ باب الزيارة يوم النحر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكر‏)‏ كذا في هذه الرواية بضم الذال على البناء للمجهول، وقد تقدم في الباب المذكور من وجه آخر أن عائشة هي التي ذكرت له ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أحابستنا‏)‏ أي مانعتنا من التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه، ظنا منه صلى الله عليه وسلم أنها ما طافت طواف إفاضة، وإنما قال ذلك لأنه كان لا يتركها ويتوجه، ولا يأمرها بالتوجه معه وهي باقية على إحرامها، فيحتاج إلى أن يقيم حتى تطهر وتطوف وتحل الحل الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالوا‏)‏ سيأتي في الطريق التي في آخر الباب أن صفية هي قالت ‏"‏ بلى ‏"‏ وفي رواية الأعرج عن أبي سلمة عن عائشة التي مضت في باب الزيارة يوم النحر ‏"‏ حججنا فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت‏:‏ يا رسول الله إنها حائض ‏"‏ الحديث، وهذا مشكل لأنه صلى الله عليه وسلم إن كان علم أنها طافت طواف الإفاضة فكيف يقول أحابستنا هي‏؟‏ وإن كان ما علم فكيف يريد وقاعها قبل التحلل الثاني‏؟‏ ويجاب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم ما أراد ذلك منها إلا بعد أن استأذنه نساؤه في طواف الإفاضة فأذن لهن فكان بانيا على أنها قد حلت، فلما قيل له إنها حائض جوز أن يكون وقع لها قبل ذلك حتى منعها من طواف الإفاضة فاستفهم عن ذلك فأعلمته عائشة أنها طافت معهن فزال عنه ما خشيه من ذلك والله أعلم‏.‏
وقد سبق في كتاب الحيض من طريق عمرة عن عائشة أنه قال لهم ‏"‏ لعلها تحبسنا، ألم تكن طافت معكن‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى ‏"‏ وسأذكر بقية اختلاف ألفاظ هذه القصة في آخر الباب إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا إذا‏)‏ أي فلا حبس علينا حينئذ، أي إذا أفاضت فلا مانع لنا من التوجه لأن الذي يجب عليها قد فعلته‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ قَالَ لَهُمْ تَنْفِرُ قَالُوا لَا نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعُ قَوْلَ زَيْدٍ قَالَ إِذَا قَدِمْتُمْ الْمَدِينَةَ فَسَلُوا فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَسَأَلُوا فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُلَيْمٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ رَوَاهُ خَالِدٌ وَقَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حماد‏)‏ هو ابن زيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أهل المدينة‏)‏ أي بعض أهلها وقد رواه الإسماعيلي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب بلفظ ‏"‏ أن ناسا من أهل المدينة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لهم تنفر‏)‏ زاد الثقفي ‏"‏ فقالوا‏:‏ لا نبالي أفتيتنا أو لم تفتنا، زيد بن ثابت يقول لا تنفر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكان فيمن سألوا أم سليم‏)‏ في رواية الثقفي ‏"‏ فسألوا أم سليم وغيرها فذكرت صفية ‏"‏ كذا ذكره مختصرا، وساقه الثقفي بتمامه قال ‏"‏ فأخبرتهم أن عائشة قالت لصفية‏.‏
أفي الخيبة أنت‏؟‏ إنك لحابستنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما ذاك‏؟‏ قالت عائشة‏:‏ صفية حاضت، قيل إنها قد أفاضت، قال‏:‏ فلا إذا‏.‏
فرجعوا إلى ابن عباس فقالوا وجدنا الحديث كما حدثتناه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه خالد‏)‏ يعني الحذاء ‏(‏وقتادة عن عكرمة‏)‏ أما رواية خالد فوصلها البيهقي من طريق معلى بن منصور عن هشيم عنه عن عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ إذا طافت يوم النحر ثم حاضت فلتنفر ‏"‏ وقال زيد بن ثابت ‏"‏ لا تنفر حتى تطهر وتطوف بالبيت‏.‏
ثم أرسل زيد بعد ذلك إلى ابن عباس‏:‏ إني وجدت الذي قلت كما قلت ‏"‏ وأما رواية قتادة فوصلها أبو داود الطيالسي في مسنده قال‏:‏ حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن عكرمة قال ‏"‏ اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة إذا حاضت وقد طافت بالبيت يوم النحر، فقال زيد‏:‏ يكون آخر عهدها بالبيت‏.‏
وقال ابن عباس‏:‏ تنفر إن شاءت، فقالت الأنصار‏:‏ لا نتابعك يا ابن عباس وأنت تخالف زيدا، فقال‏:‏ سلوا صاحبتكم أم سليم - يعني فسألوها - فقالت‏:‏ حضت بعدما طفت بالبيت فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنفر، وحاضت صفية فقالت لها عائشة حبستنا فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفر ‏"‏ ورواه سعيد بن أبي عروبة في كتاب المناسك الذي رويناه من طريق محمد بن يحيى القطعي عن عبد الأعلى عنه قال‏:‏ عن قتادة عن عكرمة نحوه‏.‏
وقال فيه ‏"‏ لا نتابعك إذا خالفت زيد بن ثابت ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ وأنبئت أن صفية بنت حيي حاضت بعدما طافت بالبيت يوم النحر فقالت لها عائشة‏:‏ الخيبة لك حبستنا، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تنفر ‏"‏ وهكذا أخرجه إسحاق في مسنده عن عبدة عن سعيد وفي آخره ‏"‏ وكان ذلك من شأن أم سليم أيضا‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ طريق قتادة هذه هي المحفوظة، وقد شذ عباد بن العوام فرواه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مختصرا في قصة أم سليم أخرجه الطحاوي من طريقه انتهى‏.‏
ولقد اختصر البخاري حديث عكرمة جدا، ولولا تخريج هذه الطرق لما ظهر المراد منه، فلله الحمد على ما أنعم به وتفضل‏.‏
وقد روى هذه القصة طاوس عن ابن عباس متابعا لعكرمة، أخرجه مسلم والنسائي والإسماعيلي من طريق الحسن بن مسلم عن طاوس ‏"‏ كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت‏:‏ تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت‏؟‏ فقال ابن عباس‏:‏ أما لا فسل فلانة الأنصارية هل أمرها النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال فرجع إليه فقال‏:‏ ما أراك إلا قد صدقت ‏"‏ لفظ مسلم، وللنسائي ‏"‏ كنت عند ابن عباس فقال له زيد بن ثابت أنت الذي تفتي ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ فسألها، ثم رجع وهو يضحك فقال‏:‏ الحديث كما حدثتني ‏"‏ وللإسماعيلي بعد قوله أنت الذي إلخ ‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فلا تفت بذلك‏.‏
قال‏:‏ فسل فلانة ‏"‏ والباقي نحو سياق مسلم، وزاد في إسناده عن ابن جريج قال‏:‏ وقال عكرمة بن خالد عن زيد وابن عباس نحوه وزاد فيه ‏"‏ فقال ابن عباس سل أم سليم وصواحبها هل أمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك‏؟‏ فسألهن، فقلن‏:‏ قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ‏"‏ وقد عرف برواية عكرمة الماضية أن الأنصارية هي أم سليم، وأما صواحبها فلم أقف على تسميتهن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ قَالَ وَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّهَا لَا تَنْفِرُ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لَهُنَّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، ووهيب هو ابن خالد وابن طاوس هو عبد الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رخص‏)‏ بضم الراء على البناء لما لم يسم فاعله، ووقع في رواية يحيى بن حسان عن وهيب عند النسائي ‏"‏ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال وسمعت ابن عمر‏)‏ القائل ذلك هو طاوس بالإسناد المذكور، بينه النسائي في روايته المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم سمعته يقول بعد‏)‏ سيأتي أن ذلك كان قبل موت ابن عمر بعام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن‏)‏ هذا من مراسيل الصحابة، وكذا ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه والحاكم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال من حج فليكن آخر عهده بالبيت، إلا الحيض رخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فإن ابن عمر لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وسنوضح ذلك، فعند النسائي من طريق إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عمر أنه كان يقول قريبا من سنتين عن الحائض لا تنفر حتى يكون آخر عهدها بالبيت‏.‏
ثم قال بعد‏:‏ أنه رخص للنساء‏.‏
وله وللطحاوي من طريق عقيل عن الزهري عن طاوس أنه سمع ابن عمر يسأل عن النساء إذا حضن قبل النفر وقد أفضن يوم النحر فقال‏:‏ إن عائشة كانت تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة لهن وذلك قبل موته بعام‏.‏
وفي رواية الطحاوي قبل موت ابن عمر بعام‏.‏
وروى ابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يقيم على الحائض سبعة أيام حتى تطوف طواف الوداع، قال الشافعي‏:‏ كأن ابن عمر سمع الأمر بالوداع ولم يسمع الرخصة أولا ثم بلغته الرخصة فعمل بها، وقد تقدم شيء من الكلام على هذا الحديث في أواخر الحيض‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَحِلَّ وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَحَلَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَحَاضَتْ هِيَ فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ لَيْلَةُ النَّفْرِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي قَالَ مَا كُنْتِ تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا قُلْتُ لَا قَالَ فَاخْرُجِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ وَمَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْرَى حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ بَلَى قَالَ فَلَا بَأْسَ انْفِرِي فَلَقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ وَقَالَ مُسَدَّدٌ قُلْتُ لَا تَابَعَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلِهِ لَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي والأسود هو خاله وهو نخعي أيضا، وقد سبق الكلام على حديث عائشة فيما يتعلق بطواف الحائض في ‏"‏ باب تقضي الحائض المناسك إلا الطواف ‏"‏ ويأتي الكلام على حديث عمرتهما في أبواب العمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليلة الحصبة‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ ليلة الحصباء ‏"‏ وقوله بعده ‏"‏ ليلة النفر ‏"‏ عطف بيان لليلة الحصباء، والمراد بتلك الليلة التي يتقدم النفر من منى قبلها فهي شبيهة بليلة عرفة، وفيه تعقب على من قال كل ليلة تسبق يومها إلا ليلة عرفة فإن يومها يسبقها، فقد شاركتها ليلة النفر في ذلك‏.‏
قوله فيه ‏(‏ما كنت تطوفين بالبيت ليالي قدمنا مكة‏؟‏ قلت لا‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية أبي ذر عن المستملي ‏"‏ قلت بلى ‏"‏ وهي محمولة على أن المراد ما كنت أطوف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحاضت صفية‏)‏ أي في أيام منى، سيأتي في أبواب الإدلاج من المحصب أن حيضها كان ليلة النفر، زاد الحاكم عن إبراهيم عند مسلم ‏"‏ لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة، فقال عقرى ‏"‏ الحديث، وهذا يشعر بأن الوقت الذي أراد منها ما يريد الرجل من أهله كان بالقرب من وقت النفر من منى، واستشكله بعضهم بناء على ما فهمه أن ذلك كان وقت الرحيل، وليس ذلك بلازم لاحتمال أن يكون الوقت الذي أراد منها ما أراد سابقا على الوقت الذي رآها فيه على باب خبائها الذي هو وقت الرحيل، بل ولو اتحد الوقت لم يكن ذلك مانعا من الإرادة المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عقرى حلقى‏)‏ بالفتح فيهما ثم السكون وبالقصر بغير تنوين في الرواية، ويجوز في اللغة التنوين وصوبه أبو عبيد، لأن معناه الدعاء بالعقر والحلق، كما يقال سقيا ورعيا ونحو ذلك من المصادر التي يدعى بها، وعلى الأول هو نعت لا دعاء، ثم معنى عقري عقرها الله أي جرحها وقيل جعلها عاقرا لا تلد، وقيل عقر قومها‏.‏
ومعنى حلقي حلق شعرها وهو زينة المرأة، أو أصابها وجع في حلقها، أو حلق قومها بشؤمها أي أهلكهم‏.‏
وحكى القرطبي أنها كلمة تقولها اليهود للحائض، فهذا أصل هاتين الكلمتين، ثم اتسع العربي في قولهما بغير إرادة حقيقتهما كما قالوا قاتله الله وتربت يداه ونحو ذلك، قال القرطبي وغيره‏:‏ شتان بين قوله صلى الله عليه وسلم هذا لصفية وبين قوله لعائشة لما حاضت منه في الحج ‏"‏ هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ‏"‏ لما يشعر به من الميل لها والحنو عليها بخلاف صفية‏.‏
قلت‏:‏ وليس فيه دليل على اتضاع قدر صفية عنده، لكن اختلف الكلام باختلاف المقام، فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفا على ما فاتها من النسك فسلاها بذلك، وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله فأبدت المانع فناسب كلا منهما ما خاطبها به في تلك الحالة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا بأس انفري‏)‏ هو بيان لقوله في الرواية الماضية أول الباب ‏"‏ فلا إذا ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة ‏"‏ قال اخرجوا ‏"‏ وفي رواية عمرة ‏"‏ قال اخرجي ‏"‏ وفي رواية الزهري عن عروة عن عائشة في المغازي ‏"‏ فلتنفر ‏"‏ ومعانيها متقاربة، والمراد بها كلها الرحيل من منى إلى جهة المدينة‏.‏
وفي أحاديث الباب أن طواف الإفاضة ركن، وأن الطهارة شرط لصحة الطواف، وأن طواف الوداع واجب وقد تقدم ذلك، واستدل به على أن أمير الحاج يلزمه أن يؤخر الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة، وتعقب باحتمال أن تكون إرادته صلى الله عليه وسلم تأخير الرحيل إكراما لصفية كما احتبس بالناس على عقد عائشة‏.‏
وأما الحديث الذي أخرجه البزار من حديث جابر وأخرجه البيهقي في فوائده من طريق أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ أميران وليسا بأميرين‏:‏ من تبع جنازة فليس له أن ينصرف حتى تدفن أو يأذن أهلها، والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض قبل طواف الركن فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم ‏"‏ فلا دلالة فيه على الوجوب إن كان صحيحا، فإن في إسناد كل منهما ضعفا شديدا‏.‏
وقد ذكر مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أنه يلزم الجمال أن يحبس لها إلى انقضاء أكثر مدة الحيض، وكذا على النفساء‏.‏
واستشكله ابن المواز بأن فيها تعريضا للفساد كقطع الطريق، وأجاب عياض بأن محل ذلك مع أمن الطريق كما أن محله أن كون مع المرأة محرم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مسدد‏:‏ قلت لا‏.‏
وتابعه جرير عن منصور في قوله لا‏)‏ هذا التعليق لم يقع في رواية أبي ذر وثبت لغيره، فأما رواية مسدد فرويناها كذلك في مسنده رواية أبي خليفة عنه قال ‏"‏ حدثنا أبو عوانة ‏"‏ فذكر الحديث بسنده ومتنه وقال فيه ‏"‏ ما كنت طفت ليالي قدمنا‏؟‏ قلت‏:‏ لا ‏"‏ وأما رواية جرير فوصلها المصنف في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ عن عثمان بن أبي شيبة عنه وقال فيه ‏"‏ ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة‏؟‏ قلت‏:‏ لا ‏"‏ وهذا يؤيد صحة ما وقع في رواية المستملي حيث وقع عنده بلى موضع لا كما تقدم، وتقدم توجيهه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْأَبْطَحِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح‏)‏ أي البطحاء التي بين مكة ومنى، وهي ما انبطح من الوادي واتسع‏.‏
وهي التي يقال لها المحصب والمعرس، وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث أنس الأول في ‏"‏ باب أين يصلي الظهر يوم التروية ‏"‏ وهو مطابق لما ترجم به هنا‏.‏
وفي سياق حديث أنس الثاني ما يشعر بأنه صلى بالأبطح وهو المحصب مع ذلك المغرب والعشاء ورقد، ثم ركب إلى البيت فطاف به أي طواف الوداع، وأما قوله فيه ‏"‏ أنه صلى الظهر ‏"‏ فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال لأنه رمى فنفر فنزل المحصب فصلى الظهر به‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْمُحَصَّبِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المحصب‏)‏ بمهملتين ثم موحدة بوزن ‏"‏ محمد ‏"‏ أي ما حكم النزول به‏؟‏ وقد نقل ابن المنذر الاختلاف في استحبابه مع الاتفاق على أنه ليس من المناسك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ يَعْنِي بِالْأَبْطَحِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن سفيان حدثنا هشام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما كان منزلا‏)‏ في رواية مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام ‏"‏ نزول الأبطح ليس بسنه إنما نزله ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسمح‏)‏ أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي في ذلك البطيء والمعتدل، ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تعني بالأبطح‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ تعني الأبطح ‏"‏ بحذف الموحدة‏.‏
وفي رواية مسلم المذكورة ‏"‏ كان أسمح لخروجه إذا خرج‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏قال عمرو‏)‏ هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح، قال الدارقطني هذا الحديث سمعه سفيان من الحسن بن صالح عن عمرو بن دينار، يعني أنه دلسه هنا عن عمرو، وتعقب بأن الحميدي أخرجه في مسنده عن سفيان قال ‏"‏ حدثنا عمرو ‏"‏ وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة عن سفيان فانتفت تهمة تدليسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس التحصيب بشيء‏)‏ أي من أمر المناسك الذي يلزم فعله قاله ابن المنذر، وقد روى أحمد من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت ‏"‏ ثم ارتحل حتى نزل الحصبة قالت والله ما نزلها إلا من أجلي ‏"‏ وروى مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق سليمان بن يسار عن أبي رافع قال ‏"‏ لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل ‏"‏ ا ه، لكن لما نزله النبي صلى الله عليه وسلم كان النزول به مستحبا اتباعا له لتقريره على ذلك‏.‏
وقد فعله الخلفاء بعده كما رواه مسلم من طريق عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ينزلون الأبطح ‏"‏ وسيأتي للمصنف في الباب الذي يليه، لكن ليس فيه ذكر أبي بكر، ومن طريق أخرى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى التحصيب سنة، قال نافع ‏"‏ وقد حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده ‏"‏ فالحاصل أن من نفي أنه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء، ومن أثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم لا الإلزام بذلك، ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس، ويأتي نحوه من حديث ابن عمر في الباب الذي يليه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب النُّزُولِ بِذِي طُوًى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ وَالنُّزُولِ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة، والنزول بالبطحاء التي بذي الحليفة‏)‏ أي قبل أن يدخل المدينة، والمقصود بهذه الترجمة الإشارة إلى أن اتباعه صلى الله عليه وسلم في النزول بمنازله لا يختص بالمحصب، وقد تقدم الكلام على مكان الدخول إلى مكة في أوائل الحج، والنزول ببطحاء ذي الحليفة صريح في حديث الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بذي الطوى‏)‏ كذا للمستملي والسرخسي بإثبات الألف واللام ولغيرهما بحذفهما‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا لَمْ يُنِخْ نَاقَتَهُ إِلَّا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأْتِي الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ فَيَبْدَأُ بِهِ ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعًا ثَلَاثًا سَعْيًا وَأَرْبَعًا مَشْيًا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَنْطَلِقُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنِيخُ بِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين الثنيتين‏)‏ أي التي بين الثنيتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم ينخ ناقته إلا عند باب المسجد‏)‏ أي إذا بات بذي طوى ثم أصبح ركب ناقته فلم ينخها إلا بباب المسجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيصلي سجدتين‏)‏ وفي رواية الكشميهني ركعتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان إذا صدر‏)‏ أي رجع متوجها نحو المدينة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ سُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ الْمُحَصَّبِ فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُصَلِّي بِهَا يَعْنِي الْمُحَصَّبَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَالَ وَالْمَغْرِبَ قَالَ خَالِدٌ لَا أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سئل عبيد الله‏)‏ يعني ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو وابن عمر‏)‏ هو عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وعن عمر منقطع وعن ابن عمر موصول، ويحتمل أن يكون نافع سمع ذلك من ابن عمر فيكون الجميع موصولا ويدل عليه رواية عبد الرزاق التي قدمتها في الباب الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن نافع‏)‏ هو معطوف على الإسناد الذي قبله وليس بمعلق، وقد رواه البيهقي من طريق حميد بن مسعدة عن خالد بن الحارث مثله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصلي بها يعني المحصب‏)‏ قيل فسر الضمير المؤنث بلفظ مذكر وأراد البقعة، ولأن من أسمائها البطحاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال خالد‏)‏ هو ابن الحارث راوي أصل الإسناد وهو مؤيد للعطف الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا أشك في العشاء‏)‏ يريد أنه شك في ذكر المغرب، وقد رواه سفيان بن عيينة بغير شك في المغرب ولا غيرها عن أيوب، وعن عبيد الله بن عمر جميعا عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يصلي بالأبطح الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع هجعة ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، وهو عند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني وعن أيوب عن نافع كلاهما عن ابن عمر‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ نَزَلَ بِذِي طُوًى إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقْبَلَ بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ دَخَلَ وَإِذَا نَفَرَ مَرَّ بِذِي طُوًى وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة‏)‏ تقدم الكلام على النزول بذي طوى والمبيت بها إلى الصبح لمن أراد أن يدخل مكة في أوائل الحج، والمقصود بهذه الترجمة مشروعية المبيت بها أيضا للراجع من مكة، وغفل الداودي فظن أن هذا المبيت متحد بالمبيت بالمحصب فجعل ذا طوى هو المحصب، وهو غلط منه، وإنما يقع المبيت بالمحصب في الليلة التي تلي يوم النفر من منى فيصبح سائرا إلى أن يصل إلى ذي طوى فينزل بها ويبيت، فهذا الذي يدل عليه سياق حديث الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال محمد بن عيسى‏)‏ هو ابن الطباع أخو إسحاق البصري‏.‏
حدثنا ‏(‏حماد‏)‏ اختلف في حماد هذا فجزم الإسماعيلي بأنه ابن سلمة، وجزم المزي بأنه ابن زيد فلم يذكر حماد بن سلمة في شيوخ محمد بن عيسى وذكر حماد بن زيد، ولم تقع في رواية محمد بن عيسى موصولة‏.‏
وقد أخرج الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق حماد بن زيد عن أيوب طرفا من الحديث وليس فيه مقصود الترجمة، وهذا الطرف تقدم في ‏"‏ باب الاغتسال لدخول مكة ‏"‏ من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب، وأخرجه الإسماعيلي هنا عن الحسن بن سفيان عن محمد بن أبان عن حماد بن سلمة عن أيوب، ولم يذكر مقصود الترجمة، فلم يتضح لي صحة ما قال أن حمادا في التعليق عن محمد بن عيسى هذا هو ابن سلمة، بل الظاهر أنه ابن زيد والله أعلم‏.‏
وليس لمحمد بن عيسى هذا في البخاري سوى هذا الموضع وآخر في كتاب الأدب سيأتي بسط القول فيه إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا نفر مر بذي طوى‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وإذا نفر مر من ذي طوى إلخ ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ وليس هذا أيضا من مناسك الحج‏.‏
قلت وإنما يؤخذ منه أماكن نزوله صلى الله عليه وسلم ليتأسى به فيها، إذ لا يخلو شيء من أفعاله عن حكمة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب التِّجَارَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ وَالْبَيْعِ فِي أَسْوَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية‏)‏ أي جواز ذلك، والموسم بفتح الميم وسكون الواو وكسر المهملة قال الأزهري سمي بذلك لأنه معلم يجتمع إليه الناس مشتق من السمة وهي العلامة، وذكر في حديث الباب من أسواق الجاهلية اثنين وترك اثنين سنذكرهما إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عمرو بن دينار‏)‏ في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ هذا هو المحفوظ، ووقع عند الإسماعيلي عن المنيعي عن عثمان بن أبي شيبة عن يحيي بن أبي زائدة عن ابن جريج عن عمرو عن ابن الزبير، قال الإسماعيلي‏:‏ كذا في كتابي وعليه صح‏.‏
قلت‏:‏ وهو وهم من بعض رواته كأنه دخل عليه حديث في حديث، فإن حديث ابن الزبير عند ابن عيينة وابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عنه وهو أخصر من سياق ابن عباس، وقد رواه ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس ثم لم يختلف عليه في ذلك، كذلك رواه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي زائدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان ذو المجاز‏)‏ بفتح الميم وتخفيف الجيم وفي آخره زاي وهو بلفظ ضد الحقيقة، وعكاظ بضم المهملة وتخفيف الكاف وفي آخره ظاء مشالة، زاد ابن عيينة عن عمر وكما سيأتي في أوائل البيوع وفي تفسير البقرة ‏"‏ ومجنة ‏"‏ وهي بفتح الميم وكسر الجيم وتشديد النون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏متجر الناس في الجاهلية‏)‏ أي مكان تجارتهم وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ أسواقا في الجاهلية ‏"‏ فأما ذو المجاز فذكر الفاكهي من طريق ابن إسحاق أنها كانت بناحية عرفة إلى جانبها، وعند الأزرقي من طريق هشام بن الكلبي أنه كان لهذيل على فرسخ من عرفة، ووقع في شرح الكرماني أنه كان بمنى وليس بشيء، لما رواه الطبري عن مجاهد أنهم كانوا لا يبيعون ولا يبتاعون في الجاهلية بعرفة ولا منى، لكن سيأتي عن تخريج الحاكم خلاف ذلك‏.‏
وأما عكاظ فعن ابن إسحاق أنها فيما بين نخلة والطائف إلى بلد يقال له الفتق بضم الفاء والمثناة بعدها قاف، وعن ابن الكلبي أنها كانت وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء، وكانت لقيس وثقيف‏.‏
وأما مجنة فعن ابن إسحاق أنها كانت بمر الظهران إلى جبل يقال له الأصغر، وعن ابن الكلبي كانت بأسفل مكة على بريد منها غربي البيضاء وكانت لكنانة، وذكر من أسواق العرب في الجاهلية أيضا حباشة بضم المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف معجمة، وكانت في ديار بارق نحو قنوني بفتح القاف وبضم النون الخفيفة وبعد الواو نون مقصورة من مكة إلى جهة اليمن على ست مراحل، قال وإنما لم يذكر هذه السوق في الحديث لأنها لم تكن من مواسم الحج، وإنما كانت تقام في شهر رجب، قال الفاكهي‏.‏
ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أول ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة وآخر ما ترك منها سوق حباشة في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة سبع وتسعين ومائة‏.‏
ثم أسند عن ابن الكلبي أن كل شريف كان إنما يحضر سوق بلده إلا سوق عكاظ فإنهم كانوا يتوافون بها من كل جهة، فكانت أعظم تلك الأسواق‏.‏
وقد وقع ذكرها في أحاديث أخرى منها حديث ابن عباس ‏"‏ أنطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ‏"‏ الحديث في قصه الجن، وقد مضى في الصلاة ويأتي في التفسير‏.‏
وروى الزبير بن بكار في ‏"‏ كتاب النسب ‏"‏ من طريق حكيم بن حزام أنها كانت تقام صبح هلال ذي القعدة إلى أن يمضي عشرون يوما، قال‏:‏ ثم يقام سوق مجنة عشرة أيام إلى هلال ذي الحجة، ثم يقوم سوق ذي المجاز ثمانية أيام، ثم يتوجهون إلى منى للحج‏.‏
وفي حديث أبي الزبير عن جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في الموسم بمجنة وعكاظ يبلغ رسالات ربه ‏"‏ الحديث أخرجه أحمد وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كأنهم‏)‏ أي المسلمين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كرهوا ذلك‏)‏ في رواية ابن عيينة ‏"‏ فكأنهم تأثموا ‏"‏ أي خشوا من الوقوع في الإثم للاشتغال في إياها النسك بغير العبادة‏.‏
وأخرج الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من طريق عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس ‏"‏ إن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق المجاز ومواسم الحج، فخافوا البيع وهم حرم، فأنزل الله تعالى ‏(‏لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم‏)‏ في مواسم الحج ‏"‏ قال فحدثني عبيد بن عمير أنه كان يقرأها في المصحف، ولأبي داود وإسحاق بن راهويه من طريق مجاهد عن ابن عباس ‏"‏ كانوا لا يتجرون بمنى، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات ‏"‏ وقرأ هذه الآية، وأخرجه إسحاق في مسنده من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ كانوا يمنعون البيع والتجارة في أيام الموسم يقولون‏:‏ إنها أيام ذكر، فنزلت ‏"‏ وله من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس ‏"‏ كانوا يكرهون أن يدخلوا في حجهم التجارة حتى نزلت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى نزلت إلخ‏)‏ سيأتي في تفسير البقرة عن ابن عمر قول آخر في سبب نزولها‏.‏
قولها ‏(‏في مواسم إلخ‏)‏ قال الكرماني‏:‏ هو كلام الراوي ذكره تفسيرا انتهى‏.‏
وفاته ما زاده المصنف في آخر حديث ابن عيينة في البيوع ‏"‏ قرأها ابن عباس ‏"‏ ورواه ابن عمر في مسنده عن ابن عيينة وقال في آخره ‏"‏ وكذلك كان ابن عباس يقرأها ‏"‏ وروى الطبري بإسناد صحيح عن أيوب عن كرمة أنه كان يقرأها كذلك، فهي على هذا من القراءة الشاذة وحكمها عند الأئمة حكم التفسير، واستدل بهذا الحديث على جواز البيع والشراء للمعتكف قياسا على الحج، والجامع بينهما العبادة، وهو قول الجمهور‏.‏
وعن مالك كراهة ما زاد على الحاجة كالخبز إذا لم يجد من يكفيه، وكذا كرهه عطاء ومجاهد والزهري، ولا ريب أنه خلاف الأولى، والآية إنما نفت الجناح ولا يلزم من نفيه نفي أولوية مقابله‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 03:51 PM   #3
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




المجلد الرابع
*2*أَبْوَابُ الْمُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المحصر وجزاء الصيد‏)‏ ثبتت البسملة للجميع، وذكر أبو ذر ‏"‏ أبواب ‏"‏ بلفظ الجمع، وللباقين ‏"‏ باب ‏"‏ بالإفراد‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ
وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَقَالَ عَطَاءٌ الْإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ حَصُورًا لَا يَأْتِي النِّسَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله تعالى‏:‏ فإن أحصرتم‏)‏ أي وتفسير المراد من قوله‏:‏ ‏(‏فإن أحصرتم‏)‏ وأما قوله ‏(‏ولا تحلقوا رءوسكم‏)‏ فسيأتي في الباب الذي يليه‏.‏
وفي اقتصاره على تفسير عطاء إشارة إلى أنه اختار القول بتعميم الإحصار، وهي مسألة اختلاف بين الصحابة وغيرهم، فقال كثير منهم‏:‏ الإحصار من كل حابس حبس الحاج من عدو ومرض وغير ذلك، حتى أفتى ابن مسعود رجلا لدغ بأنه محصر، أخرجه ابن جرير بإسناد صحيح عنه‏.‏
وقال النخعي والكوفيون‏:‏ الحصر الكسر والمرض والخوف، واحتجوا بحديث حجاج بن عمرو الذي سنذكره في آخر الباب‏.‏
وأثر عطاء المشار إليه وصله عبد بن حميد عن أبي نعيم عن الثوري عن ابن جريج عنه قال في قوله تعالى ‏(‏فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى‏)‏ قال‏:‏ الإحصار من كل شيء يحبسه‏.‏
وكذا رويناه في تفسير الثوري رواية أبي حذيفة عنه‏.‏
وروى ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه، ولفظه ‏"‏ فإن أحصرتم، قال‏:‏ من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه فعليه ذبح ما استيسر من الهدى، فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد الفريضة فلا قضاء عليه ‏"‏ وقال آخرون‏:‏ لا حصر إلا بالعدو، وصح ذلك عن ابن عباس، أخرجه عبد الرزاق عن معمر، وأخرجه الشافعي عن ابن عيينة كلاهما عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ‏"‏ لا حصر إلا من حبسه عدو فيحل بعمرة، وليس عليه حج ولا عمرة‏"‏، وروى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ والشافعي عنه عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال ‏"‏ من حبس دون البيت بالمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت ‏"‏ وروى مالك عن أيوب عن رجل من أهل البصرة قال ‏"‏ خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة - وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس - فلم يرخص لي أحد في أن أحل، فأقمت على ذلك الماء تسعة أشهر ثم حللت بعمرة‏"‏، وأخرجه ابن جرير من طرق وسمى الرجل يزيد بن عبد الله بن الشخير، وبه قال مالك والشافعي وأحمد‏.‏
قال الشافعي‏:‏ جعل الله على الناس إتمام الحج والعمرة، وجعل التحلل للمحصر رخصة، وكانت الآية في شأن منع العدو فلم نعد بالرخصة موضعها‏.‏
وفي المسألة قول ثالث حكاه ابن جرير وغيره، وهو أنه لا حصر بعد النبي، وروى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه ‏"‏ المحرم لا يحل حتى يطوف‏"‏‏.‏
أخرجه في ‏"‏ باب ما يفعل من أحصر بغير عدو‏"‏‏.‏
وأخرج ابن جرير عن عائشة بإسناد صحيح قالت ‏"‏ لا اعلم المحرم يحل بشيء دون البيت ‏"‏ وعن ابن عباس بإسناد ضعيف قال ‏"‏ لا إحصار اليوم ‏"‏ وروى ذلك عن عبد الله بن الزبير، والسبب في اختلافهم في ذلك اختلافهم في تفسير الإحصار، فالمشهور عن أكثر أهل اللغة - منهم الأخفش والكسائي والفراء وأبو عبيدة وأبو عبيد وابن السكيت وثعلب وابن قتيبة وغيرهم - أن الإحصار إنما يكون بالمرض، وأما بالعدو فهو الحصر وبهذا قطع النحاس، وأثبت بعضهم أن أحصر وحصر بمعنى واحد، يقال في جميع ما يمنع الإنسان من التصرف قال تعالى ‏(‏للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض‏)‏ وإنما كانوا لا يستطيعون من منع العدو إياهم، وأما الشافعي ومن تابعه فحجتهم في أن لا إحصار إلا بالعدو اتفاق أهل النقل على أن الآيات نزلت في قصة الحديبية حين صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت، فسمى الله صد العدو إحصارا، وحجة الآخرين التمسك بعموم قوله تعالى ‏(‏فإن أحصرتم‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ حصورا لا يأتي النساء‏)‏ هكذا ثبت هذا التفسير هنا في رواية المستملي خاصة، ونقله الطبري عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد، وقد حكاه أبو عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏ وقال‏:‏ إن له معاني أخرى فذكرها، وهو بمعنى محصور لأنه منع مما يكون من الرجال، وقد ورد فعول بمعنى مفعول كثيرا‏.‏
وكأن البخاري أراد بذكر هذه الآية الإشارة إلى أن المادة واحدة، والجامع بين معانيها المنع، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا أُحْصِرَ الْمُعْتَمِرُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أحصر المعتمر‏)‏ قيل غرض المصنف بهذه الترجمة الرد على من قال التحلل بالإحصار خاص بالحاج بخلاف المعتمر فلا يتحلل بذلك بل يستمر على إحرامه حتى يطوف بالبيت، لأن السنة كلها وقت للعمرة فلا يخشى فواتها بخلاف الحج، وهو محكي عن مالك، واحتج له إسماعيل القاضي بما أخرجه بإسناد صحيح عن أبي قلابة قال‏:‏ خرجت معتمرا، فوقعت عن راحلتي فانكسرت، فأرسلت إلى ابن عباس وابن عمر فقالا‏:‏ ليس لها وقت كالحج يكون على إحرامه حتى يصل إلى البيت‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ قَالَ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن عبد الله بن عمر حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة‏)‏ هذا السياق يشعر بأنه عن نافع عن ابن عمر بغير واسطة، لكن رواية جويرية التي بعده تقتضي أن نافعا حمل ذلك عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما حيث قال فيها‏:‏ عن جويرية عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر، فذكر القصة والحديث، هكذا قال البخاري عن عبد الله بن محمد ابن أسماء، ووافقه الحسن بن سفيان وأبو يعلى كلاهما عن عبد الله، أخرجه الإسماعيلي عنهما، وتابعهم معاذ بن المثني عن عبد الله بن محمد بن أسماء، أخرجه البيهقي‏.‏
لكن في رواية موسى بن إسماعيل عن جويرية عن نافع أن بعض بني عبد الله بن عمر قال له، فذكر الحديث‏.‏
وظاهره أنه لنافع عن ابن عمر بغير واسطة، وقد عقب البخاري رواية عبد الله برواية موسى لينبه على الاختلاف في ذلك، واقتصر في رواية موسى هنا على الإسناد، وساقه في المغازي بتمامه‏.‏
وقد رواه يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع كذلك ولفظه ‏"‏ أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله، فذكر الحديث ‏"‏ أخرجه مسلم، وقد أخرجه البخاري في المغازي عن مسدد عن يحيى مختصرا قال فيه عن نافع عن ابن عمر أنه أهل فذكر بعض الحديث‏.‏
وفي قوله عن نافع عن ابن عمر دلالة على أنه لا واسطة بين نافع وابن عمر فيه كما هو ظاهر سياق مسلم، وأخرجه البخاري كما سيأتي بعد باب من طريق عمر بن محمد عن نافع مثل سياق يحيى عن عبيد الله سواء، وأخرجه في المغازي من طريق فليح وفيما مضى من الحج من طريق أيوب والليث كلهم عن نافع، وأعرض مسلم عن تخريج طريق جويرية ووافق على طريق تخريج الليث وأيوب عن عبيد الله ابن عمر، وكذا أخرجه النسائي من طريق أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية كلهم عن نافع عن ابن عمر بغير واسطة‏.‏
والذي يترجح في نقدي أن ابني عبد الله أخبرا نافعا بما كلما به أباهما وأشارا عليه به من التأخير ذلك العام، وأما بقية القصة فشاهدها نافع وسمعها من ابن عمر لملازمته إياه، فالمقصود من الحديث موصول، وعلى تقدير أن يكون نافع لم يسمع شيئا من ذلك من ابن عمر فقد عرف الواسطة بينهما وهي ولدا عبد الله ابن عمر سالم وعبد الله وهما ثقتان لا مطعن فيهما، ولم أر من نبه على ذلك من شراح البخاري‏.‏
ووقع في رواية جويرية المذكورة عبيد الله بن عبد الله بالتصغير‏.‏
وفي رواية يحيى القطان المذكورة عبد الله بالتكبير، وكذا في رواية عمر بن محمد عن نافع، قال البيهقي‏:‏ عبد الله - يعني مكبرا - أصح‏.‏
قلت‏:‏ وليس بمستبعد أن يكون كل منهما كلم أباه في ذلك، ولعل نافعا حضر كلام عبد الله المكبر مع أخيه سالم ولم يحضر كلام عبيد الله المصغر مع أخيه سالم أيضا بل أخبراه بذلك فقص عن كل ما انتهى إليه علمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏معتمرا‏)‏ في الموطأ من هذا الوجه ‏"‏ خرج إلى مكة يريد الحج‏.‏
فقال‏:‏ إن صددت ‏"‏ فذكره، ولا اختلاف، فإنه خرج أولا يريد الحج فلما ذكروا له أمر الفتنة أحرم بالعمرة ثم قال‏:‏ ما شأنهما إلا واحدا فأضاف إليها الحج فصار قارنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في الفتنة‏)‏ بينه في رواية جويرية فقال ‏"‏ ليالي نزل الجيش بابن الزبير ‏"‏ وقد مضى في ‏"‏ باب طواف القارن ‏"‏ من طريق الليث عن نافع بلفظ ‏"‏ حين نزل الحجاج بابن الزبير ‏"‏ ولمسلم رواية في يحيى القطان المذكورة ‏"‏ حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب من اشترى هديه من الطريق ‏"‏ من رواية موسى بن عقبة عن نافع ‏"‏ أراد ابن عمر الحج عام حج الحرورية‏"‏‏.‏
وتقدم طريق الجمع بينه وبين رواية الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن صددت عن البيت‏)‏ هذا الكلام قاله جوابا لقول من قال له‏.‏
إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت، كما أوضحته الرواية التي بعد هذه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية موسى بن عقبة ‏"‏ فقال‏:‏ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، إذن اصنع كما صنع ‏"‏ زاد في رواية الليث عن نافع في ‏"‏ باب طواف القارن ‏"‏ ‏"‏ كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ونحوه في رواية أيوب عن نافع في ‏"‏ باب طواف القارن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأهل‏)‏ يعني ابن عمر، والمراد أنه رفع صوته بالإهلال والتلبية، زاد في رواية جويرية التي بعد هذه ‏"‏ فقال‏:‏ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فحال كفار قريش دون البيت، فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية‏)‏ ‏.‏
قال النووي‏:‏ معناه أنه أراد إن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي صلى الله عليه وسلم من العمرة‏.‏
وقال عياض‏:‏ يحتمل أن المراد أهل بعمرة كما أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة، ويحتمل أنه أراد الأمرين أي من الإهلال والإحلال وهو الأظهر‏.‏
وتعقبه النووي، وليس هو بمردود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعمرة‏)‏ زاد في رواية جويرية ‏"‏ من ذي الحليفة ‏"‏ وفي رواية أيوب الماضية ‏"‏ فأهل بالعمرة من الدار ‏"‏ والمراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة، ويحتمل أن يحمل على الدار التي بالمدينة ويجمع بأنه أهل بالعمرة من داخل بيته، ثم أعلن بها وأظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عام الحديبية‏)‏ سيأتي بيان ذلك وشرحه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى، وأورده المصنف بعد بابين عن إسماعيل - وهو ابن أبي أويس - عن مالك فزاد فيه ‏"‏ ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال‏:‏ ما أمرهما إلا واحد ‏"‏ أي الحج والعمرة فيما يتعلق بالإحصار والإحلال، فالتفت إلى أصحابه فذكر القصة‏.‏
وبين في رواية جويرية أن ذلك وقع بعد أن سار ساعة، وهو يؤيد الاحتمال الأول الماضي في أن المراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة‏.‏
ووقع في رواية الليث ‏"‏ أشهدكم أني قد أوجبت عمرة‏.‏
ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال‏:‏ ما شأن الحج والعمرة إلا واحد‏"‏‏.‏
ولو كان إيجابه العمرة من داره التي بالمدينة لكان ما بينها وبين ظاهر البيداء أكثر من ساعة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيَالِيَ نَزَلَ الْجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْعُمْرَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْطَلِقُ فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي فَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَهْدَى وَكَانَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ لَوْ أَقَمْتَ بِهَذَا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏فلم يحل منهما حتى حل يوم النحر‏)‏ زاد في رواية الليث ‏"‏ فنحر وحلق ‏"‏ ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول‏.‏
وهذا ظاهره أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة، وهو مشكل‏.‏
ووقع في رواية إسماعيل المذكورة ‏"‏ ثم طاف لهما طوافا واحدا ورأى أن ذلك مجزئ عنه ‏"‏ وقد تقدم البحث في ذلك في آخر ‏"‏ باب طواف القارن‏"‏‏.‏
قوله في رواية جويرية ‏(‏أشهدكم أني قد أوجبت‏)‏ أي ألزمت نفسي ذلك، وكأنه أراد تعليم من يريد الاقتداء به، وإلا فالتلفظ ليس بشرط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن حيل بيني وبينه‏)‏ أي البيت - أي منعت من الوصول إليه لأطوف - تحللت بعمل العمرة، وهذا يبين أن المراد بقوله ‏"‏ ما أمرهما إلا واحد ‏"‏ يعني الحج والعمرة في جواز التحلل منهما بالإحصار أو في إمكان الإحصار عن كل منهما، ويؤيد الثاني قوله في رواية يحيى القطان المذكورة بعد قوله ما أمرهما إلا واحد ‏"‏ إن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحج ‏"‏ فكأنه رأى أولا أن الإحصار عن الحج أشد من الإحصار عن العمرة لطول زمن الحج وكثرة أعماله فاختار الإهلال بالعمرة، ثم رأى أن الإحصار بالحج يفيد التحلل عنه بعمل العمرة فقال ‏"‏ ما أمرهما إلا واحد‏"‏‏.‏
وفيه أن الصحابة كانوا يستعملون القياس ويحتجون به‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد أن من أحصر بالعدو بأن منعه عن المضي في نسكه حجا كان أو عمرة جاز له التحلل بأن ينوي ذلك وينحر هديه ويحلق رأسه أو يقصر منه‏.‏
وفيه جواز إدخال الحج على العمرة وهو قول الجمهور، لكن شرطه عند الأكثر أن يكون قبل الشروع في طواف العمرة، وقيل إن كان قبل مضي أربعة أشواط صح، وهو قول الحنفية، وقيل بعد تمام الطواف وهو قول المالكية، ونقل عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع إدخال الحج على العمرة قياسا على منع إدخال العمرة على الحج‏.‏
وفيه أن القارن يقتصر على طواف واحد، وقد تقدم البحث فيه في بابه‏.‏
وفيه أن القارن يهدي، وشذ ابن حزم فقالا‏:‏ لا هدي على القارن‏.‏
وفيه جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجى السلامة، قاله ابن عبد البر‏.‏
قوله في رواية موسى بن إسماعيل ‏(‏أن بعض بني عبد الله‏)‏ قد تقدم اسمه في الرواية التي قبلها وأنه سالم بن عبد الله أو أخوه عبيد الله أو عبد الله، ولم يظهر لي من الذي تولى مخاطبته منهم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ وقع في رواية القعنبي عن مالك في أول أحاديث الباب في آخر قصة ابن عمر زيادة وهي ‏"‏ وأهدى شاة ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ هي زيادة غير محفوظة، لأن ابن عمر كان يفسر ما استيسر من الهدي بأنه بدنة دون بدنة أو بقرة دون بقرة فكيف يهدي شاة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ كذا في جميع الروايات غير منسوب، فجزم الحاكم بأنه محمد بن يحيى الذهلي، وأبو مسعود بأنه محمد بن مسلم بن وارة، وذكر الكلاباذي عن ابن أبي سعيد أنه أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، وذكر أنه رآه في أصل عتيق، ويؤيده أن الحديث وجد من حديثه عن يحيى بن صالح المذكور، كذلك أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبي حاتم، ورواية البخاري عنه في باب الذبح فإنه روى عنه البخاري‏.‏
قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون هو محمد بن إسحاق الصغاني فقد وجدت الحديث من روايته عن يحيى بن صالح كما سأذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عكرمة قال فقال ابن عباس‏)‏ هكذا رأيته في جميع النسخ وهو يقتضي سبق كلام يعقبه قوله ‏"‏ فقال ابن عباس ‏"‏ ولم ينبه عليه أحد من شراح هذا الكتاب ولا بينه الإسماعيلي ولا أبو نعيم لأنهما اقتصرا من الحديث على ما أخرجه البخاري، وقد بحثت عنه إلى أن يسر الله بالوقوف عليه، فقرأت في ‏"‏ كتاب الصحابة ‏"‏ لابن السكن قال ‏"‏ حدثني هارون بن عيسى حدثنا الصغاني هو محمد بن إسحاق أحد شيوخ مسلم حدثنا يحيى بن صالح حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير قال‏:‏ سألت عكرمة فقال‏:‏ قال عبد الله بن رافع مولي أم سلمة إنها سألت الحجاج بن عمرو الأنصاري عمن حبس وهو محرم قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من عرج أو كسر أو حبس فليجزئ مثلها وهو في حل ‏"‏ قال فحدثت به أبا هريرة فقال‏:‏ صدق، وحدثته ابن عباس فقال‏:‏ قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق ونحر هديه وجامع نساءه حتى اعتمر عاما قابلا‏"‏، فعرف بهذا السياق القدر الذي حذفه البخاري من هذا الحديث، والسبب في حذفه أن الزائد ليس على شرطه لأنه قد اختلف في حديث الحجاج بن عمرو على يحيى بن أبي كثير عن عكرمة مع كون عبد الله بن رافع ليس من شرط البخاري فأخرجه أصحاب السنن وابن خزيمة والدار قطني والحاكم من طرق عن الحجاج الصواف عن يحيى عن عكرمة عن الحجاج به‏.‏
وقال في آخر ‏"‏ قال عكرمة فسألت أبا هريرة وابن عباس فقالا صدق‏"‏‏.‏
ووقع في رواية يحيى القطان وغيره في سياقه ‏"‏ سمعت الحجاج ‏"‏ وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق معمر عن يحيى عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج قال الترمذي‏:‏ وتابع معمرا على زيادة عبد الله بن رافع معاوية بن سلام، وسمعت محمدا يعني البخاري يقول‏:‏ رواية معمر ومعاوية أصح، انتهى‏.‏
فاقتصر البخاري على ما هو من شرط كتابه، مع أن الذي حذفه ليس بعيدا من الصحة، فإنه إن كان عكرمة سمعه من الحجاج بن عمرو فذاك، وإلا فالواسطة بينهما - وهو عبد الله بن رافع - ثقة وإن كان البخاري لم يخرج له‏.‏
وبهذا الحديث احتج من قال‏:‏ لا فرق بين الإحصار بالعدو وبغيره كما تقدمت الإشارة إليه، واستدل به على أن من تحلل بالإحصار وجب عليه قضاء ما تحلل منه وهو ظاهر الحديث‏.‏
وقال الجمهور‏:‏ لا يجب، وبه قال الحنفية‏.‏
وعن أحمد روايتان‏.‏
وسيأتي البحث فيه بعد بابين إن شاء الله تعالى‏؟‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 03:56 PM   #4
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإحصار في الحج‏)‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أشار البخاري إلى أن الإحصار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقع في العمرة، فقاس العلماء الحج على ذلك، وهو من الإلحاق بنفي الفارق وهو من أقوى الأقيسة‏.‏
قلت‏:‏ وهذا ينبني على أن مراد ابن عمر بقوله ‏"‏ سنة نبيكم ‏"‏ قياس من يحصل له الإحصار وهو حاج على من يحصل له في الاعتمار، لأن الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم هو الإحصار عن العمرة، ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله سنة نبيكم وبما بينه بعد ذلك شيئا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في حق من لم يحصل له ذلك وهو حاج، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد وقد عقب المصنف هذا الحديث بأن قال ‏"‏ وعن عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري نحوه ‏"‏ وهو معطوف على الإسناد الأول، فكأن ابن المبارك كان يحدث به تارة عن يونس وتارة عن معمر، وليس هو بمعلق كما ادعاه بعضهم‏.‏
وقد أخرجه الترمذي عن أبي كريب عن ابن المبارك عن معمر ولفظه‏:‏ ‏"‏ أنه كان ينكر الاشتراط ويقول‏:‏ أليس حسبكم سنة نبيكم ‏"‏ وهكذا أخرجه الدار قطني من طريق الحسن بن عرفة والإسماعيلي من طريقه ومن طريق أحمد ابن منيع وغيره كلهم عن ابن المبارك، وكذا أخرجه عبد الرزاق وأحمد عنه عن معمر مقتصرا على هذا القدر، وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن عبد الرزاق بتمامه، وكذا أخرجه النسائي وأما إنكار ابن عمر الاشتراط فثابت في رواية يونس أيضا إلا أنه حذف في رواية البخاري هذه، فأخرجه البيهقي من طريق السراج عن أبي كريب عن ابن المبارك عن يونس، وأخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق ابن وهب عن يونس، وأشار ابن عمر بإنكار الاشتراط إلى ما كان يفتي به ابن عباس‏.‏
قال البيهقي‏:‏ لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة في الاشتراط لقال به، وقد أخرجه الشافعي عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضباعة بنت الزبير فقال‏:‏ أما تريدين الحج‏؟‏ فقالت‏:‏ إني شاكية‏.‏
فقال لها‏:‏ حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ‏"‏ قال الشافعي‏:‏ لو ثبت حديث عروة لم أعده إلى غيره، لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال البيهقي‏:‏ قد ثبت هذا الحديث من أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساقه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة موصولا بذكر عائشة فيه وقال‏:‏ وقد وصله عبد الجبار وهو ثقة‏.‏
قال‏:‏ وقد وصله أبو أسامة ومعمر كلاهما عن هشام‏.‏
ثم ساقه من طريق أبي أسامة وقال‏:‏ أخرجه الشيخان من طريق أبي أسامة‏.‏
قلت‏:‏ وطريق أبي أسامة أخرجها البخاري في كتاب النكاح ولم يخرجها في الحج، بل حذف منه ذكر الاشتراط أصلا إثباتا كما في حديث عائشة ونفيا كما في حديث ابن عمر‏.‏
وأما رواية معمر التي أشار إليها البيهقي فأخرجها أحمد عن عبد الرزاق، ومسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن هشام والزهري فرقهما كلاهما عن عروة عن عائشة‏.‏
ولقصة ضباعة شواهد منها حديث ابن عباس ‏"‏ أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ إني امرأة ثقيلة - أي في الضعف - وإني أريد الحج، فما تأمرني‏؟‏ قال‏:‏ أهلي بالحج، واشترطي أن محلي حيث تحبسني‏.‏
قال فأدركت ‏"‏ أخرجه مسلم وأصحاب السنن والبيهقي من طرق عن ابن عباس‏.‏
قال الترمذي‏:‏ وفي الباب عن جابر وأسماء بنت أبي بكر‏.‏
قلت‏:‏ وعن ضباعة نفسها وعن سعدي بنت عوف وأسانيدها كلها قوية‏.‏
وصح القول بالاشتراط عن عمر وعثمان وعلي وعمار وابن مسعود وعائشة وأم سلمة وغيرهم من الصحابة، ولم يصح إنكاره عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر، ووافقه جماعة من التابعين ومن بعدهم من الحنفية والمالكية، وحكى عياض عن الأصيلي قال‏:‏ لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح، قال عياض‏:‏ وقد قال النسائي لا أعلم أسنده عن الزهري غير معمر‏.‏
وتعقبه النووي بأن الذي قاله غلط فاحش، لأن الحديث مشهور صحيح من طرق متعددة، انتهى وقول النسائي لا يلزم منه تضعيف طريق الزهري التي تفرد بها معمر فضلا عن بقية الطرق لأن معمرا ثقة حافظ فلا يضره التفرد، كيف وقد وجد لما رواه شواهد كثيرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن حبس أحدكم عن الحج طاف‏)‏ قال عياض‏:‏ ضبطناه سنة بالنصب على الاختصاص أو على إضمار فعل، أي تمسكوا وشبهه‏.‏
وخبر حسبكم في قوله ‏"‏ طاف بالبيت ‏"‏ ويصح الرفع على أن سنة خبر حسبكم أو الفاعل بمعنى الفعل فيه ويكون ما بعدها تفسيرا للسنة‏.‏
وقال السهيلي‏:‏ من نصب سنة فإنه بإضمار الأمر كأنه قال‏:‏ الزموا سنة نبيكم، وقد قدمت البحث فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏طاف بالبيت‏)‏ أي إذا أمكنه ذلك‏.‏
وقد وقع في رواية عبد الرزاق ‏"‏ إن حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل إليه طاف به ‏"‏ الحديث‏.‏
والذي تحصل من الاشتراط في الحج والعمرة أقوال‏:‏ أحدها مشروعيته، ثم اختلف من قال به فقيل‏:‏ واجب لظاهر الأمر‏.‏
وهو قول الظاهرية‏.‏
وقيل مستحب وهو قول أحمد وغلط من حكى عنه إنكاره، وقيل جائز وهو المشهور عند الشافعية وقطع به الشيخ أبو حامد‏.‏
والحق أن الشافعي نص عليه في القديم وعلق القول بصحته في الجديد فصار الصحيح عنه القول به، وبذلك جزم الترمذي عنه، وهو أحد المواضع التي علق القول بها على صحة الحديث، وقد جمعتها في كتاب مفرد مع الكلام على تلك الأحاديث‏.‏
والذين أنكروا مشروعية الاشتراط أجابوا عن حديث ضباعة بأجوبة، منها‏:‏ أنه خاص بضباعة، حكاه الخطابي ثم الروياني من الشافعية‏.‏
قال النووي‏:‏ وهو تأويل باطل‏.‏
وقيل معناه محلي حيث حبسني الموت إذا أدركتني الوفاة انقطع إحرامي‏.‏
حكاه إمام الحرمين، وأنكره النووي‏.‏
وقال‏:‏ إنه ظاهر الفساد‏.‏
وقيل إن الشرط خاص بالتحلل من العمرة لا من الحج‏.‏
حكاه المحب الطبري‏.‏
وقصة ضباعة ترده كما تقدم من سياق مسلم‏.‏
وقد أطنب ابن حزم في التعقب على من أنكر الاشتراط بما لا مزيد عليه، وسيأتي الكلام على بقية حديث ضباعة في الاشتراط حيث ذكره المصنف في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب النَّحْرِ قَبْلَ الْحَلْقِ فِي الْحَصْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النحر قبل الحلق في الحصر‏)‏ ذكر فيه حديث المسور ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك ‏"‏ وهذا طرف من الحديث الطويل الذي أخرجه المصنف في الشروط من الوجه المذكور هنا ولفظه في أواخر الحديث ‏"‏ فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا ‏"‏ فذكر بقية الحديث وفيه قول أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، فخرج فنحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ‏"‏ وعرف بهذا أن المصنف أورد القدر المذكور هنا بالمعنى، وأشار بقوله في الترجمة ‏"‏ في الحصر ‏"‏ إلى أن هذا الترتيب يختص بحال من أحصر، وقد تقدم أنه لا يجب في حال الاختيار في ‏"‏ باب إذا رمى بعدما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ‏"‏ ولم يتعرض المصنف لما يجب على من حلق قبل أن ينحر، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال‏:‏ عليه دم‏.‏
قال إبراهيم‏.‏
وحدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيِّ قَالَ وَحَدَّثَ نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَسَالِمًا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرِينَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدْنَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ
الشرح‏:‏
أورد المصنف حديث ابن عمر الماضي قبل بباب مختصرا وفيه ‏"‏ فنحر بدنه وحلق رأسه‏"‏، وقد أورده البيهقي من طريق أبي بدر شجاع بن الوليد - وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه بإسناده المذكور ولفظه ‏"‏ أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله بن عمر ليالي نزل الحجاج بابن الزبير وقالا‏:‏ لا يضرك أن لا تحج العام، إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت‏.‏
فقال‏:‏ خرجنا ‏"‏ فذكر مثل سياق البخاري وزاد في آخره ‏"‏ ثم رجع‏"‏، وكذا ساقه الإسماعيلي من طريق أبي بدر إلا أنه لم يذكر القصة التي في أوله، وساقه من طريق أخرى عن أبي بدر أيضا فقال فيها عن ابن عمر أنه قال ‏"‏ إن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فأهل بالعمرة ‏"‏ الحديث‏.‏
قال ابن التيمي‏:‏ ذهب مالك إلى أنه لا هدي على المحصر، والحجة عليه هذا الحديث لأنه نقل فيه حكم وسبب، فالسبب الحصر، والحكم النحر، فاقتضى الظاهر تعلق الحكم بذلك السبب، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُحْصَرِ بَدَلٌ
وَقَالَ رَوْحٌ عَنْ شِبْلٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّمَا الْبَدَلُ عَلَى مَنْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلَذُّذِ فَأَمَّا مَنْ حَبَسَهُ عُذْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَلَا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَهُوَ مُحْصَرٌ نَحَرَهُ إِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ وَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ وَيَحْلِقُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ نَحَرُوا وَحَلَقُوا وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْهَدْيُ إِلَى الْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا يَعُودُوا لَهُ وَالْحُدَيْبِيَةُ خَارِجٌ مِنْ الْحَرَمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قال ليس على المحصر بدل‏)‏ بفتح الموحدة والمهملة، أي قضاء لما أحصر فيه من حج أو عمرة، وهذا هو قول الجمهور كما تقدم قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال روح‏)‏ يعني ابن عبادة، وهذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في تفسيره عن روح بهذا الإسناد وهو موقوف على ابن عباس، ومراده بالتلذذ وهو بمعجمتين الجماع‏.‏
وقوله ‏"‏حبسه عذر ‏"‏ كذا للأكثر بضم المهملة وسكون المعجمة بعدها راء، ولأبي ذر ‏"‏ حبسه عدو ‏"‏ بفتح أوله وفي آخره واو‏.‏
وقوله ‏"‏أو غير ذلك ‏"‏ أي من مرض أو نفاد نفقة‏.‏
وقد ورد عن ابن عباس نحو هذا بإسناد آخر‏.‏
أخرجه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه وفيه ‏"‏ فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت غير الفريضة فلا قضاء عليه‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏وإن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدي محله ‏"‏ هذه مسألة اختلاف بين الصحابة ومن بعدهم، فقال الجمهور يذبح المحصر الهدي حيث يحل سواء كان في الحل أو في الحرم‏.‏
وقال أبو حنيفة لا يذبحه إلا في الحرم، وفصل آخرون كما قاله ابن عباس هنا وهو المعتمد‏.‏
وسبب اختلافهم في ذلك هل نحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدي بالحديبية في الحل أو في الحرم، وكان عطاء يقول لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم، ووافقه ابن إسحاق‏.‏
وقال غيره من أهل المغازي‏:‏ إنما نحر في الحل‏.‏
وروى يعقوب بن سفيان من طريق مجمع بن يعقوب عن أبيه قال ‏"‏ لما حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا بالحديبية وحلقوا، وبعث الله ريحا فحملت شعورهم فألقتها في الحرم ‏"‏ قال ابن عبد البر في ‏"‏ الاستذكار ‏"‏‏:‏ فهذا يدل على أنهم حلقوا في الحل‏.‏
قلت‏:‏ ولا يخفي ما فيه، فإنه لا يلزم من كونهم ما حلقوا في الحرم لمنعهم من دخوله أن لا يكونوا أرسلوا الهدي مع من نحره في الحرم، وقد ورد ذلك في حديث ناجية بن جندب الأسلمي ‏"‏ قلت يا رسول الله أبعث معي بالهدي حتى أنحره في الحرم، ففعل ‏"‏ أخرجه النسائي من طريق إسرائيل عن مجزأة بن زاهر عن ناجية، وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن إسرائيل لكن قال ‏"‏ عن ناجية عن أبيه ‏"‏ لكن لا يلزم من وقوع هذا وجوبه، بل ظاهر القصة أن أكثرهم نحر في مكانه وكانوا في الحل وذلك دال على الجواز، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مالك وغيره‏)‏ هو مذكور في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ ولفظه أنه بلغه ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدي وحلقوا رءوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدي ‏"‏ ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشيء‏.‏
وسئل مالك عمن أحصر بعدو فقال‏:‏ يحل من كل شيء وينحر هديه ويحلق رأسه حيث حبس وليس عليه قضاء‏.‏
وأما قول البخاري وغيره فالذي يظهر لي أنه عنى به الشافعي، لأن قوله في آخره ‏"‏ والحديبية خارج الحرم ‏"‏ هو من كلام الشافعي في ‏"‏ الأم‏"‏، وعنه أن بعضها في الحل وبعضها في الحرم، لكن إنما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحل استدلالا بقوله تعالى ‏(‏وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله‏)‏ قال‏:‏ ومحل الهدي عند أهل العلم الحرم، وقد أخبر الله تعالى أنهم صدوهم عن ذلك‏.‏
قال‏:‏ فحيث ما أحصر ذبح وحل، ولا قضاء عليه من قبل أن الله تعالى لم يذكر قضاء، والذي أعقله في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت لأنا علمنا من متواطئ أحاديثهم أنه كان معه عام الحديبية رجال معروفون، ثم اعتمر عمرة القضية فتخلف بعضهم بالمدينة من غير ضرورة في نفس ولا مال، ولو لزمهم القضاء لأمرهم بأن لا يتخلفوا عنه‏.‏
وقال في موضع آخر‏:‏ إنما سميت عمرة القضاء والقضية للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، لا على أنهم وجب عليهم قضاء تلك العمرة، انتهى‏.‏
وقد روى الواقدي في المغازي من طريق الزهري ومن طريق أبي معشر وغيرهما قالوا ‏"‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر أو مات، وخرج معه جماعة معتمرين ممن لم يشهد الحديبية وكانت عدتهم ألفين ‏"‏ ويمكن الجمع بين هذا إن صح وبين الذي قبله بأن الأمر كان على طريق الاستحباب، لأن الشافعي جازم بأن جماعة تخلفوا بغير عذر، وقد روى الواقدي أيضا من حديث ابن عمر قال ‏"‏ لم تكن هذه العمرة قضاء، ولكن كان شرطا على قريش أن يعتمر المسلمون من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ وَأَهْدَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم طاف لهما‏)‏ أي للحج والعمرة، وهذا يخالف قول الكوفيين إنه يجب لهما طوافان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورأى أن ذلك مجزئ عنه‏)‏ كذا لأبي ذر وغيره‏.‏
بالرفع على أنه خبر أن، ووقع في رواية كريمة ‏"‏ مجزيا ‏"‏ فقيل هو على لغة من ينصب بأن المبتدأ والخبر، أو هي خبر كان المحذوفة‏.‏
والذي عندي أنه من خطأ الكاتب، فإن أصحاب الموطأ اتفقوا على روايته بالرفع على الصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 03:57 PM   #5
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فَأَمَّا الصَّوْمُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى ‏(‏فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ وهو مخير، فأما الصوم فثلاثة أيام‏)‏ أي باب تفسير قوله تعالى كذا، وقوله ‏"‏مخير ‏"‏ من كلام المصنف استفاده من ‏"‏ أو ‏"‏ المكررة‏.‏
وقد أشار إلى ذلك في أول ‏"‏ باب كفارات الأيمان ‏"‏ فقال‏:‏ وقد خير النبي صلى الله عليه وسلم كعبا في الفدية، ويذكر عن ابن عباس وعطاء وعكرمة‏:‏ ما كان في القرآن ‏"‏ أو ‏"‏ فصاحبه بالخيار‏.‏
وسيأتي ذكر من وصل هذه الآثار هناك، وأقرب ما وقفت عليه من طرق حديث الباب إلى التصريح ما أخرجه أبو داود من طريق الشعبي عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ‏"‏ إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي رواية مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن عبد الكريم بإسناده في آخر الحديث ‏"‏ أي ذلك فعلت أجزأ ‏"‏ وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله ‏"‏فأما الصوم ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ الصيام‏"‏، والصيام المطلق في الآية مقيد بما ثبت في الحديث بالثلاث‏.‏
قال ابن التين وغيره‏:‏ جعل الشارع هنا صوم يوم معادلا بصاع، وفي الفطر من رمضان عدل مد، وكذا في الظهار والجماع في رمضان، وفي كفارة اليمين بثلاثة أمداد وثلث، وفي ذلك أقوى دليل على أن القياس لا يدخل في الحدود والتقديرات‏.‏
وقسيم قوله ‏"‏ فأما الصوم ‏"‏ محذوف تقديره‏.‏
وأما الصدقة فهي إطعام ستة مساكين، وقد أفرد ذلك بترجمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ بِشَاةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد بن قيس‏)‏ في رواية أشهب عن مالك ‏"‏ أن حميد بن قيس حدثه‏"‏، أخرجها الدار قطني في ‏"‏ الموطآت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مجاهد عن عبد الرحمن‏)‏ صرح سيف عن مجاهد بسماعه من عبد الرحمن وبأن كعبا حدث عبد الرحمن كما في الباب الذي يليه‏.‏
قال ابن عبد البر في رواية حميد بن قيس هذه‏:‏ كذا رواه الأكثر عن مالك، ورواه ابن وهب وابن القاسم وابن عفير عن مالك بإسقاط عيد الرحمن بين مجاهد وكعب ابن عجرة‏.‏
قلت‏:‏ ولمالك فيه إسنادان آخران في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أحدهما عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد وفي سياقه ما ليس في سياق حميد بن قيس، وقد اختلف فيه على مالك أيضا على العكس مما اختلف فيه على طريق حميد بن قيس، قال الدار قطني‏:‏ رواه أصحاب ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن مالك عن عبد الكريم عن عبد الرحمن لم يذكروا مجاهدا، حنى قال الشافعي‏:‏ إن مالكا وهم فيه، وأجاب ابن عبد البر بأن ابن القاسم وابن وهب في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ وتابعهما جماعة عن مالك خارج الموطأ منهم بشر بن عمر الزهراني وعبد الرحمن بن مهدي وإبراهيم بن طهمان والوليد بن مسلم أثبتوا مجاهدا بينهما، وهذا الجواب لا يرد على الشافعي‏.‏
وطريق ابن القاسم المشار إليها عند النسائي وطريق ابن وهب عند الطبري وطريق عبد الرحمن بن مهدي عند أحمد وسائرها عند الدار قطني في ‏"‏ الغرائب‏"‏‏.‏
والإسناد الثالث لمالك فيه عن عطاء الخراساني عن رجل من أهل الكوفة عن كعب بن عجرة، قال ابن عبد البر‏:‏ يحتمل أن يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى أو عبد الله بن معقل، ونقل ابن عبد البر عن أحمد بن صالح المصري قال‏:‏ حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها لم يروها من الصحابة غيره، ولا رواها عنه إلا ابن أبي ليلى وابن معقل‏.‏
قال‏:‏ وهي سنة أخذها أهل المدينة عن أهل الكوفة‏.‏
قال الزهري‏:‏ سألت عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يبينوا كم عدد المساكين‏.‏
قلت‏:‏ فيما أطلقه ابن صالح نظر، فقد جاءت هذه السنة من رواية جماعة من الصحابة غير كعب، منهم عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبري والطبراني، وأبو هريرة عند سعيد بن منصور، وابن عمر عند الطبري، وفضالة الأنصاري عمن لا يتهم من قومه عند الطبري أيضا‏.‏
ورواه عن كعب ابن عجرة غير المذكورين أبو وائل عن النسائي، ومحمد بن كعب القرظي عند ابن ماجة، ويحيى بن جعدة عند أحمد، وعطاء عند الطبري‏.‏
وجاء عن أبي قلابة والشعبي أيضا عن كعب وروايتهما عند أحمد، لكن الصواب أن بينهما واسطة وهو ابن أبي ليلى على الصحيح‏.‏
وقد أورد البخاري حديث كعب هذا في أربعة أبواب متوالية، وأورده أيضا في المغازي والطب وكفارات‏.‏
الأيمان من طرق أخرى مدار الجميع على ابن أبي ليلى وابن معقل، فيقيد إطلاق أحمد بن صالح بالصحة فإن بقية الطرق التي ذكرتها لا تخلو عن مقال إلا طريق أبي وائل، وسأذكر ما في هذه الطرق من فائدة زائدة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ لعلك‏)‏ في رواية أشهب المقدم ذكرها ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ‏"‏ وفي رواية عبد الكريم ‏"‏ أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم فآذاه القمل ‏"‏ وفي رواية سيف في الباب الذي يليه ‏"‏ وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسي يتهافت قملا فقال‏:‏ أيؤذيك هوامك‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فاحلق رأسك - الحديث وفيه - قال في بزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه‏)‏ زاد في رواية أبي الزبير عن مجاهد عند الطبراني أنه أهل في ذي القعدة‏.‏
وفي رواية مغيرة عن مجاهد عند الطبري أنه لقيه وهو عند الشجرة وهو محرم‏.‏
وفي رواية أيوب عن مجاهد في المغازي ‏"‏ أتى على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أوقد تحت برمة والقمل يتناثر على رأسي ‏"‏ زاد في رواية ابن عون عن مجاهد في الكفارات ‏"‏ فقال ادن، فدنوت‏.‏
فقال‏:‏ أيؤذيك‏"‏‏.‏
وفي رواية ابن بشر عن مجاهد فيه قال ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد حصرنا المشركون، وكانت لي وفرة فجعلت الهوام تتساقط على وجهي، فقال‏:‏ أيؤذيك هوام رأسك‏؟‏ قلت‏.‏
نعم‏.‏
فأنزلت هذه الآية‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي وائل عن كعب ‏"‏ أحرمت فكثر قمل رأسي فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاني وأنا أطبخ قدرا لأصحابي‏"‏‏.‏
وفي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد بعد بابين ‏"‏ رآه وأنه ليسقط القمل على وجهه، فقال‏:‏ أيؤذيك هوامك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فأمره أن يحلق ‏"‏ وهم بالحديبية ولم يبين لهم أنهم يحلون، وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية‏.‏
وأخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن كثير عن مجاهد بهذه الزيادة، ولأحمد وسعيد بن منصور في رواية أبي قلابة‏:‏ ‏"‏ قملت حتى ظننت أن كل شعرة في رأسي فيها القمل من أصلها إلى فرعها ‏"‏ زاد سعيد ‏"‏ وكنت حسن الشعر‏"‏، وأول رواية عبد الله بن معقل بعد باب ‏"‏ جلست إلى كعب بن عجرة فسألته عن الفدية فقال‏:‏ نزلت في خاصة وهي لكن عامة، حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال‏:‏ ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى‏"‏، زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ فسألته عن هذه الآية ‏(‏ففدية من صيام‏)‏ الآية‏"‏‏.‏
ولأحمد من وجه آخر في هذه الطريق ‏"‏ وقع القمل في رأسي ولحيتي حتى حاجبي وشاربي، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلي فدعاني، فلما رآني قال‏:‏ لقد أصابك بلاء ونحن لا نشعر، ادع إلي الحجام، فحلقني ‏"‏ ولأبي داود من طريق الحكم بن عتيبة عن ابن أبي ليلى عن كعب ‏"‏ أصابتني هوام حتى تخوفت على بصري‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي وائل عن كعب عند الطبري ‏"‏ فحك رأسي بأصبعه فانتثر منه القمل ‏"‏ زاد الطبري من طريق الحكم ‏"‏ إن هذا لأذى، قلت شديد يا رسول الله ‏"‏ والجمع بين هذا الاختلاف في قول ابن أبي ليلى عن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به فرآه، وفي قول عبد الله بن معقل ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه فرآه ‏"‏ أن يقال‏:‏ مر به أو لا فرآه على تلك الصورة فاستدعى به إليه فخاطبه وحلق رأسه بحضرته، فنقل كل واحد منهما ما لم ينقله الآخر، ويوضحه قوله في رواية ابن عون السابقة حيث قال فيها ‏"‏ فقال ادن فدنوت ‏"‏ فالظاهر أن هذا الاستدناء كان عقب رؤيته إياه إذ مر به وهو يوقد تحت القدر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لعلك آذاك هوامك‏)‏ قال القرطبي هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم، فلما أخبره بالمشقة التي نالته خفف عنه‏.‏
و ‏"‏ الهوام ‏"‏ بتشديد الميم جمع هامة وهي ما يدب من الأخشاش، والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف، وقد عين في كثير من الروايات أنها القمل، واستدل به على أن الفدية مرتبة على قتل القمل، وتعقب بذكر الحلق، فالظاهر أن الفدية مرتبة عليه، وهما وجهان عند الشافعية، يظهر أثر الخلاف فيما لو حلق ولم يقتل قملا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏احلق رأسا وصم‏)‏ قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم خلافا في إلحاق الإزالة بالحلق سواء كان بموسى أو مقص أو نورة أو غير ذلك، وأغرب ابن حزم فأخرج النتف عن ذلك فقال‏:‏ يلحق جميع الإزالات بالحلق إلا النتف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو أطعم‏)‏ ليس في هذه الرواية بيان قدر الإطعام، وسيأتي البحث فيه بعد باب، وهو طاهر في التخيير بين الصوم والإطعام‏.‏
وكذا قوله ‏"‏ أو انسك بشاة ‏"‏ ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ شاة ‏"‏ بغير موحدة، والأول تقديره تقرب بشاة ولذلك عداه بالباء، والثاني تقديره اذبح شاة‏.‏
والنسك يطلق على العبادة وعلى الذبح المخصوص، وسياق رواية الباب موافق للآية، وقد تقدم أن كعبا قال إنها نزلت بهذا السبب، وقد قدمت في أول الباب أن رواية عبد الكريم صريحة في التخيير حيث قال ‏"‏ أي ذلك فعلت أجزأ‏"‏‏.‏
وكذا رواية أبي داود التي فيها ‏"‏ إن شئت وإن شئت ‏"‏ ووافقتها رواية عبد الوارث عن ابن أبي نجيح أخرجها مسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني، لكن رواية عبد الله بن معقل - الآتية بعد باب - تقتضي أن التخيير إنما هو بين الإطعام والصيام لمن لم يجد النسك ولفظه ‏"‏ قال أتجد شاة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فصم أو أطعم ‏"‏ ولأبي داود في رواية أخرى ‏"‏ أمعك دم‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فإن شئت فصم ‏"‏ ونحوه للطبراني من طريق عطاء عن كعب، ووافقهم أبو الزبير عن مجاهد عند الطبراني وزاد بعد قوله ما أجد هديا ‏"‏ قال‏:‏ فأطعم‏.‏
قال‏:‏ ما أجد‏.‏
قال‏:‏ صم ‏"‏ ولهذا قال أبو عوانة في صحيحه‏:‏ فيه دليل على أن من وجد نسكا لا يصوم، يعني ولا يطعم، لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء إلا ما رواه الطبري وغيره عن سعيد ابن جبير قال‏:‏ النسك شاة، فإن لم يجد قومت الشاة دراهم والدراهم طعاما فتصدق به أو صام لكل نصف صاع يوما، أخرجه من طريق الأعمش عنه قال‏:‏ فذكرته لإبراهيم فقال‏:‏ سمعت علقمة مثله‏.‏
فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين، وقد جمع بينهما بأوجه‏.‏
منها‏:‏ ما قال ابن عبد البر إن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لإيجابه‏.‏
ومنها‏:‏ ما قال النووي‏:‏ ليس المراد أن الصيام أو الإطعام لا يجزئ إلا لفاقد الهدي، بل المراد أنه استخبره‏:‏ هل معه هدي أو لا‏؟‏ فإن كان واجده أعلمه أنه مخير بينه وبين الصيام والإطعام، وإن لم يجده أعلمه أنه مخير بينهما‏.‏
ومحصله أنه لا يلزم من سؤاله عن وجدان الذبح تعيينه لاحتمال أنه لو أعلمه أنه يجده لأخبره بالتخيير بينه وبين الإطعام والصوم‏.‏
ومنها ما قال غيرهما‏:‏ يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن له في حلق رأسه بسبب الأذى أفتاه بأن يكفر بالذبح على سبيل الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بوحي غير متلو، فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين الذبح والإطعام والصيام فخيره حينئذ بين الصيام والإطعام لعلمه بأنه لا ذبح معه، فصام لكونه لم يكن معه ما يطعمه‏.‏
ويوضح ذلك رواية مسلم في حديث عبد الله بن معقل المذكور حيث قال ‏"‏ أتجد شاة‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏
فنزلت هذه الآية ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ فقال‏:‏ صم ثلاثة أيام أو أطعم‏"‏‏.‏
وفي رواية عطاء الخراساني قال ‏"‏ صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين ‏"‏ قال ‏"‏ وكان قد علم أنه ليس عندي ما أنسك به‏"‏‏.‏
ونحوه في رواية محمد بن كعب القرظي عن كعب، وسياق الآية يشعر بتقديم الصيام على غيره، وليس ذلك لكونه أفضل في هذا المقام من غيره، بل السر فيه أن الصحابة الذين خوطبوا شفاها بذلك كان أكثرهم يقدر على الصيام أكثر مما يقدر على الذبح والإطعام‏.‏
وعرف من رواية أبي الزبير أن كعبا افتدى بالصيام‏.‏
ووقع في رواية ابن إسحاق ما يشعر بأنه افتدى بالذبح لأن لفظه ‏"‏ صم أو أطعم أو انسك شاة‏.‏
قال‏:‏ فحلقت رأسي ونسكت‏"‏‏.‏
وروى الطبراني من طريق ضعيفة عن عطاء بن كعب في آخر هذا الحديث ‏"‏ فقلت يا رسول الله خر لي، قال‏:‏ أطعم ستة مساكين ‏"‏ وسيأتي البحث فيه في الباب الأخير وفيه بقية مباحث هذا الحديث إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صَدَقَةٍ وَهِيَ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب قول الله عز وجل أو صدقة وهي إطعام ستة مساكين‏)‏ يشير بهذا إلى أن الصدقة في الآية مبهمة فسرتها السنة، وبهذا قال جمهور العلماء‏.‏
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الحسن قال‏.‏
الصوم عشرة أيام، والصدقة على عشرة مساكين‏.‏
وروى الطبري عن عكرمة ونافع نحوه‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ لم يقل بذلك أحد من فقهاء الأمصار‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ وَقَفَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا فَقَالَ يُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاحْلِقْ رَأْسَكَ أَوْ قَالَ احْلِقْ قَالَ فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ إِلَى آخِرِهَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ أَوْ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سيف‏)‏ هو ابن سليمان أو ابن أبي سليمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتهافت‏)‏ بالفاء، أي يتساقط شيئا فشيئا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاحلق رأسك أو احلق‏)‏ بحذف المفعول، وهو شك من الراوي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بفرق‏)‏ بفتح الفاء والراء وقد تسكن، قاله ابن فارس‏.‏
وقال الأزهري‏:‏ كلام العرب بالفتح، والمحدثون قد يسكنونه، وآخره قاف‏:‏ مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلا‏.‏
ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عند أحمد وغيره ‏"‏ الفرق ثلاثة آصع‏"‏، ولمسلم من طريق أبي قلابة عن ابن أبي ليلى ‏"‏ أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين ‏"‏ وإذا ثبت أن الفرق ثلاثة آصع اقتضى أن الصاع خمسة أرطال وثلث خلافا لمن قال إن الصاع ثمانية أرطال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو نسك مما تيسر‏)‏ كذا لأبي ذر والأكثر‏.‏
وفي رواية كريمة ‏"‏ أو أنسك بما تيسر ‏"‏ بصيغة الأمر وبالموحدة وهي المناسبة لما قبلها، وتقدير الأول أو أنسك بنسك، والمراد به الذبح‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْإِطْعَامُ فِي الْفِدْيَةِ نِصْفُ صَاعٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإطعام في الفدية نصف صاع‏)‏ أي لكل مسكين من كل شيء، يشير بذلك إلى الرد على من فرق في ذلك بين القمح وغيره‏.‏
قال ابن عبد البر قال أبو حنيفة والكوفيون‏:‏ نصف صاع من قمح وصاع من تمر وغيره‏.‏
وعن أحمد رواية تضاهي قولهم‏.‏
قال عياض‏:‏ وهذا الحديث يرد عليهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْفِدْيَةِ فَقَالَ نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى تَجِدُ شَاةً فَقُلْتُ لَا فَقَالَ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن الأصبهاني‏)‏ هو ابن عبد الله، مر في الجنائز وأنه كوفي ثقة‏.‏
ولشعبة في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه الطبراني من طريق حفص بن عمر عنه عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن معقل‏)‏ في رواية أحمد ‏"‏ سمعت عبد الله بن معقل ‏"‏ أخرجه عن عفان‏.‏
وعن بهز فرقهما عن شعبة حدثنا عبد الرحمن، وهو بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف هو ابن مقرن بالقاف وزن محمد لكن بكسر الراء، لأبيه صحبة وهو من ثقات التابعين بالكوفة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر عن عدي بن حاتم، مات سنة ثمان وثمانين من الهجرة، يلتبس بعبد الله بن مغفل بالغين المعجمة وزن محمد ويجتمعان في أن كلا منهما مزني، لكن يفترقان بأن الراوي عن كعب تابعي والآخر صحابي، وفي التابعين من اتفق مع الراوي عن كعب في اسمه واسم أبيه ثلاثة‏:‏ أحدهم يروي عن عائشة وهو محاربي، والآخر يروي عن أنس في المسح على العمامة وحديثه عند أبي داود، والثالث أصغر منهما أخرج له ابن ماجة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جلست إلى كعب بن عجرة‏)‏ زاد مسلم في روايته من طريق غندر عن شعبة وهو في المسجد، ولأحمد عن بهز ‏"‏ قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد ‏"‏ وزاد في رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني ‏"‏ يعني مسجد الكوفة‏"‏‏.‏
وفيه الجلوس في المسجد ومذاكرة العلم والاعتناء بسبب النزول لما يترتب عليه من معرفة الحكم وتفسير القرآن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ يبلغ بك ‏"‏ وأرى الأولى بضم الهمزة أي أظن، وأرى الثانية بفتح الهمزة من الرؤية، وكذا في قوله ‏"‏ أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ‏"‏ وهو شك من الراوي هل قال الوجع أو الجهد، والجهد‏:‏ بالفتح المشقة، قال النووي والضم لغة في المشقة أيضا، وكذا حكاه عياض عن ابن دريد‏.‏
وقال صاحب العين‏:‏ بالضم الطاقة وبالفتح المشقة، قيتعين الفتح هنا بخلاف لفظ الجهد الماضي في حديث بدء الوحي حيث قال ‏"‏ حتى بلغ مني الجهد ‏"‏ فإنه محتمل للمعنيين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لا‏)‏ زاد مسلم وأحمد ‏"‏ فنزلت هذه الآية ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ قال‏:‏ صوم ثلاث أيام ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لكل مسكين نصف صاع‏)‏ كررها مرتين وللطبراني عن أحمد بن محمد الخزاعي عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه ‏"‏ لكل مسكين نصف صاع تمر ‏"‏ ولأحمد عن بهز عن شعبة ‏"‏ نصف صاع طعام ‏"‏ ولبشر بن عمر عن شعبة ‏"‏ نصف صاع حنطة ‏"‏ ورواية الحكم عن ابن أبي ليلى تقتضي أنه نصف صاع من زبيب فإنه قال ‏"‏ يطعم فرقا من زبيب بين ستة مساكين‏"‏‏.‏
قال ابن حزم‏:‏ لا بد من ترجيح إحدى هذه الروايات لأنها قصة واحدة في مقام واحد في حق رجل واحد‏.‏
قلت‏:‏ المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث ‏"‏ نصف صاع من طعام ‏"‏ والاختلاف عليه في كونه تمرا أو حنطة لعله من تصرف الرواة، وأما الزبيب فلم أره إلا في رواية الحكم، وقد أخرجها أبو داود وفي إسنادها ابن إسحاق، وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف، والمحفوظ رواية التمر فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبي قلابة كما تقدم ولم يختلف فيه على أبي قلابة‏.‏
وكذا أخرجه الطبري من طريق الشعبي عن كعب، وأحمد من طريق سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني، ومن طريق أشعث وداود الشعبي عن كعب، وكذا في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني، وعرف بذلك قوة قول من قال لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة وأن الواجب ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع، ولمسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد في هذا الحديث ‏"‏ وأطعم فرقا بين ستة مساكين ‏"‏ والفرق ثلاثة آصع‏.‏
وأخرجه الطبري من طريق يحيى بن آدم عن ابن عيينة فقال فيه ‏"‏ قال سفيان‏:‏ والفرق ثلاثة آصع ‏"‏ فأشعر بأن تفسير الفرق مدرج، لكنه مقتضى الروايات الأخر، ففي رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني عند أحمد ‏"‏ لكل مسكين نصف صاع‏"‏‏.‏
وفي رواية يحيى بن جعدة عند أحمد أيضا ‏"‏ أو أطعم ستة مساكين مدين مدين‏"‏‏.‏
وأما ما وقع في بعض النسخ عند مسلم من رواية زكريا عن ابن الأصبهاني ‏"‏ أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع ‏"‏ فهو تحريف ممن دون مسلم، والصواب ما في النسخ الصحيحة ‏"‏ لكل مسكينين ‏"‏ بالتثنية، وكذا أخرجه مسدد في مسنده عن أبي عوانة عن ابن الأصبهاني على الصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 03:58 PM   #6
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب النُّسْكُ شَاةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النسك شاة‏)‏ أي النسك المذكور في الآية حيث قال ‏(‏أو نسك‏)‏ وروى الطبري من طريق مغيرة عن مجاهد في آخر هذا الحديث ‏"‏ فأنزل الله ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ والنسك شاة ‏"‏ ومن طريق محمد بن كعب القرظي عن كعب ‏"‏ أمرني أن أحلق وأفتدي بشاة‏"‏‏.‏
قال عياض ومن تبعه لأبي عمر‏:‏ كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرا فإنما ذكروا شاة، وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء‏.‏
قلت‏:‏ يعكر عليه ما أخرجه أبو داود من طريق نافع عن رجل من الأنصار عن كعب بن عجرة أنه أصابه أذى فحلق ‏"‏ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدي بقرة ‏"‏ وللطبراني من طريق عبد الوهاب بن بخت عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ حلق كعب بن عجرة رأسه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتدي، فافتدى ببقرة ‏"‏ ولعبد بن حميد من طريق أبي معشر عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ افتدى كعب من أذى كان برأسه فحلقه ببقرة قلدها وأشعرها ‏"‏ ولسعيد بن منصور من طريق ابن أبي ليلى عن نافع عن سليمان بن يسار ‏"‏ قيل لابن كعب بن عجرة‏:‏ ما صنع أبوك حين أصابه الأذى في رأسه‏؟‏ قال‏:‏ ذبح بقرة، فهذه الطرق كلها تدور على نافع، وقد اختلف عليه في الواسطة الذي بينه وبين كعب وقد عارضها ما هو أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة‏.‏
وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق المقبري عن أبي هريرة ‏"‏ أن كعب بن عجرة ذبح شاة لأذى كان أصابه ‏"‏ وهذا أصوب من الذي قبله، واعتمد ابن بطال على رواية نافع بن سليمان بن يسار فقال‏:‏ أخذ كعب بأرفع الكفارات، ولم يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمره به من ذبح شاة، بل وافق وزاد‏.‏
ففيه أن من أفتى بأيسر الأشياء فله أن يأخذ بأرفعها كما فعل كعب‏.‏
قلت‏:‏ هو فرع ثبوت الحديث، ولم يثبت لما قدمته‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ مِثْلَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه كما جزم به أبو نعيم، وروح هو ابن عبادة، وشبل هو ابن عباد المكي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رآه وأنه يسقط‏)‏ كذا للأكثر، ولابن السكن وأبي ذر ليسقط بزيادة لام والفاعل محذوف والمراد القمل وثبت كذلك في بعض الروايات‏.‏
ورواه ابن خزيمة عن محمد بن معمر عن روح بلفظ‏:‏ ‏"‏ رآه وقمله يسقط على وجهه‏"‏، وللإسماعيلي من طريق أبي حذيفة عن شبل ‏"‏ رأى قمله يتساقط على وجهه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمره أن يحلق وهو بالحديبية، ولم يتبين لهم أنهم يحلون الخ‏)‏ هذه الزيادة ذكرها الراوي لبيان أن الحلق كان استباحة محظور بسبب الأذى لا لقصد التحلل بالحصر وهو واضح‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ يؤخذ منه أن من كان على رجاء من الوصول إلى البيت أن عليه أن يقيم حتى ييأس من الوصول فيحل‏.‏
واتفقوا على أن من يئس من الوصول وجاز له أن يحل فتمادى على إحرامه ثم أمكنه أن يصل أن عليه أن يمضي إلى البيت ليتم نسكه‏.‏
وقال المهلب وغيره ما معناه‏:‏ يستفاد من قوله ‏"‏ ولم يتبين لهم أنهم يحلون ‏"‏ أن المرأة التي تعرف أوان حيضها والمريض الذي يعرف أوان حماه بالعادة فيهما إذا أفطرا في رمضان مثلا في أول النهار ثم ينكشف الأمر بالحيض والحمى في ذلك النهار أن عليهما قضاء ذلك اليوم لأن الذي كان في علم الله أنهم يحلون بالحديبية لم يسقط عن كعب الكفارة التي وجبت عليه بالحلق قبل أن ينكشف الأمر لهم، وذلك لأنه يجوز أن يتخلف ما عرفاه بالعادة فيجب القضاء عليهما لذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل الله الفدية‏)‏ قال عياض‏:‏ ظاهره أن النزول بعد الحكم‏.‏
وفي رواية عبد الله بن معقل أن النزول قبل الحكم‏.‏
قال‏.‏
فيحتمل أن يكون حكم عليه بالكفارة بوحي لا يتلى ثم نزل القرآن ببيان ذلك‏.‏
قلت‏:‏ وهو يؤيد الجمع المتقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن محمد بن يوسف‏)‏ الظاهر أنه عطف على ‏"‏ حدثنا روح ‏"‏ فيكون إسحاق قد رواه عن روح بإسناده، وعن محمد بن يوسف وهو الفريابي بإسناده، وكذا هو في تفسير إسحاق، ويحتمل أن تكون العنعنة‏.‏
للبخاري فيكون أورده عن شيخه الفريابي بالعنعنة كما يروي تارة بالتحديث وبلفظ قال وغير ذلك، وعلى هذا فيكون شبيها بالتعليق‏.‏
وقد أورده الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق هاشم بن سعيد عن محمد بن يوسف الفريابي ولفظه مثل سياق روح في أكثره، وكذا هو في تفسير الفريابي بهذا الإسناد‏.‏
وفي حديث كعب بن عجرة من الفوائد غير ما تقدم أن السنة مبينة لمجمل الكتاب لإطلاق الفدية في القرآن وتقييدها بالسنة، وتحريم حلق الرأس على المحرم، والرخصة له في حلقها إذا آذاه القمل أو غيره من الأوجاع‏.‏
وفيه تلطف الكبير بأصحابه وعنايته بأحوالهم وتفقده لهم، وإذا رأى ببعض أتباعه ضررا سأل عنه وأرشده إلى المخرج منه‏.‏
واستنبط منه بعض المالكية إيجاب الفدية على من تعمد حلق رأسه بغير عذر، فإن إيجابها على المعذور من التنبيه بالأدنى على الأعلى، لكن لا يلزم من ذلك التسوية بين المعذور وغيره، ومن ثم قال الشافعي والجمهور‏:‏ لا يتخير العامد بل يلزمه الدم، وخالف في ذلك أكثر المالكية، واحتج لهم القرطبي بقوله في حديث كعب ‏"‏ أو اذبح نسكا ‏"‏ قال‏:‏ فهذا يدل على أنه ليس بهدي‏.‏
قال‏:‏ فعلى هذا يجوز أن يذبحها حيث شاء‏.‏
قلت‏:‏ لا دلالة فيه إذ لا يلزم تسميتها نسكا أو نسيكة أن لا تسمى هديا أو لا تعطي حكم الهدي، وقد وقع تسميتها هديا في الباب الأخير حيث قال ‏"‏ أو تهدي شاة ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ واهد هديا ‏"‏ وفي رواية للطبري ‏"‏ هل لك هدي‏؟‏ قلت‏:‏ لا أجد ‏"‏ فظهر أن ذلك من تصرف الرواة‏.‏
ويؤيده قوله في رواية مسلم ‏"‏ أو اذبح شاة ‏"‏ واستدل به على أن الفدية لا يتعين لها مكان، وبه قال أكثر التابعين‏.‏
وقال الحسن‏:‏ تتعين مكة‏.‏
وقال مجاهد‏:‏ النسك بمكة ومنى، والإطعام بمكة، والصيام حيث شاء‏.‏
وقريب منه قول الشافعي وأبي حنيفة‏:‏ الدم والإطعام لأهل الحرم، والصيام حيث شاء إذ لا منفعة فيه لأهل الحرم‏.‏
وألحق بعض أصحاب أبي حنيفة وأبو بكر بن الجهم من المالكية الإطعام بالصيام، واستدل به على أن الحج على التراخي لأن حديث كعب دل على أن نزول قوله تعالى ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ كان بالحديبية وهي في سنة ست وفيه بحث، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 04:00 PM   #7
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا رَفَثَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل‏:‏ فلا رفث‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ من حج البيت فلم يرفث ‏"‏ أورده من طريق شعبة عن منصور عن أبي حازم عنه‏.‏
ثم قال ‏"‏ باب قول الله عز وجل‏:‏ ولا فسوق ولا جدال في الحج ‏"‏ وذكر الحديث بعينه لكن من طريق سفيان وهو الثوري عن منصور بهذا السند‏.‏
وليس بين السياقين اختلاف إلا في قوله في رواية شعبة ‏"‏ كما ولدته أمه ‏"‏ وفي رواية سفيان ‏"‏ كيوم ولدته أمه‏"‏‏.‏
وأبو حازم المذكور في الموضعين هو سلمان مولي عزة الأشجعية، وصرح منصور بسماعه له في رواية أبي حازم من شعبة، فانتفى بذلك تعليل من أعله بالاختلاف على منصور، لأن البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم زاد فيه رجلا، فإن كان إبراهيم حفظه فلعله حمله منصور عن هلال ثم لقي أبا حازم فسمعه منه فحدث به على الوجهين‏.‏
وصرح أبو حازم بسماعه له من أبي هريرة كما تقدم في أوائل الحج من طريق شعبة أيضا عن يسار عن أبي حازم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
الشرح‏:‏
وقوله ‏"‏كما ولدته أمه ‏"‏ أي عاريا من الذنوب‏.‏
وللترمذي من طريق ابن عيينة عن منصور ‏"‏ غفر له ما تقدم من ذنبه ‏"‏ ولمسلم من رواية جرير عن منصور ‏"‏ من أتى هذا البيت ‏"‏ وهو أعم من قوله في بقية الروايات ‏"‏ من حج ‏"‏ ويجوز حمل لفظ حج على ما هو أعم من الحج والعمرة فتساوي رواية ‏"‏ من أتى ‏"‏ من حيث أن الغالب أن إتيانه إنما هو للحج أو للعمرة، وقد تقدمت بقية مباحثه في ‏"‏ باب فضل الحج المبرور ‏"‏ في أوائل كتاب الحج، وتقدم تفسير الرفث وما ذكر معه في آخر حديث ابن عباس المذكور في ‏"‏ باب قول الله تعالى ‏(‏ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام‏)‏‏"‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل‏:‏ فلا رفث‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ من حج البيت فلم يرفث ‏"‏ أورده من طريق شعبة عن منصور عن أبي حازم عنه‏.‏
ثم قال ‏"‏ باب قول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ ولا فسوق ولا جدال في الحج ‏"‏ وذكر الحديث بعينه لكن من طريق سفيان وهو الثوري عن منصور بهذا السند‏.‏
وليس بين السياقين اختلاف إلا في قوله في رواية شعبة ‏"‏ كما ولدته أمه ‏"‏ وفي رواية سفيان ‏"‏ كيوم ولدته أمه‏"‏‏.‏
وأبو حازم المذكور في الموضعين هو سلمان مولي عزة الأشجعية، وصرح منصور بسماعه له في رواية أبي حازم من شعبة، فانتفى بذلك تعليل من أعله بالاختلاف على منصور، لأن البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم زاد فيه رجلا، فإن كان إبراهيم حفظه فلعله حمله منصور عن هلال ثم لقي أبا حازم فسمعه منه فحدث به على الوجهين‏.‏
وصرح أبو حازم بسماعه له من أبي هريرة كما تقدم في أوائل الحج من طريق شعبة أيضا عن يسار عن أبي حازم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر، والحكم هو ابن عتيبة‏.‏
قوله ‏(‏وقصت‏)‏ بفتح القاف والصاد المهملة تقدم تفسيره في ‏"‏ باب كفن المحرم ‏"‏ ويأتي في ‏"‏ باب المحرم يموت بعرفة ‏"‏ بيان اختلاف في هذه اللفظة، والمراد هنا قوله ‏"‏ ولا تقربوه طينا ‏"‏ وهي بتشديد الراء، وسيأتي قريبا بلفظ ‏"‏ ولا تحنطوه ‏"‏ وهو من الحنوط بالمهملة والنون وهو الطيب الذي يصنع للميت‏.‏
وقوله ‏(‏يبعث ملبيا‏)‏ أي على هيئته التي مات عليها‏.‏
واستدل بذلك على بقاء إحرامه خلافا للمالكية والحنفية، وقد تمسكوا من هذا الحديث بلفظة اختلف في ثبوتها وهي قوله ‏"‏ ولا تخمروا وجهه ‏"‏ فقالوا‏:‏ لا يجوز للمحرم تغطية وجهه، مع أنهم لا يقولون بظاهر هذا الحديث فيمن مات محرما، وأما الجمهور فأخذوا بظاهر الحديث وقالوا‏:‏ إن في ثبوت ذكر الوجه مقالا، وتردد ابن المنذر في صحة‏.‏
وقال البيهقي‏:‏ ذكر الوجه غريب وهو وهم من بعض رواته، وفي كل ذلك نظر فإن الحديث ظاهره الصحة ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل عن منصور وأبي الزبير كلاهما سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر الحديث‏.‏
قال منصور ‏"‏ ولا تغطوا وجهه ‏"‏ وقال أبو الزبير ‏"‏ ولا تكشفوا وجهه ‏"‏ وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ ‏"‏ ولا تخمروا وجهه ولا رأسه ‏"‏ وأخرجه مسلم أيضا من حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير بلفظ ‏"‏ ولا يمس طيبا خارج رأسه ‏"‏ قال شعبة‏:‏ ثم حدثني به بعد ذلك فقال ‏"‏ خارج رأسه ووجهه ‏"‏ انتهى‏.‏
وهذه الرواية تتعلق بالتطيب لا بالكشف والتغطية، وشعبة احفظ من كل من روى هذا الحديث، فلعل بعض رواته انتقل ذهنه من التطيب إلى التغطية‏.‏
وقال أهل الظاهر‏:‏ يجوز للمحرم الحي تغطية وجهه ولا يجوز للمحرم الذي يموت عملا بالظاهر في الموضعين‏.‏
وقال آخرون‏:‏ هي واقعة عين لا عموم فيها لأنه علل ذلك بقوله ‏"‏ لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا ‏"‏ وهذا الأمر لا يتحقق وجوده في غيره فيكون خاصا بدلك الرجل؛ ولو استمر بقاؤه على إحرامه لأمر بقضاء مناسكه، وسيأتي ترجمة المصنف بنفي‏.‏
وقال أبو الحسن بن القصار‏:‏ لو أريد تعميم الحكم في كل محرم لقال ‏"‏ فإن المحرم ‏"‏ كما جاء ‏"‏ أن الشهيد يبعث وجرحه يثعب دما‏"‏، وأجيب بأن الحديث ظاهر في أن العلة في الأمر المذكور كونه كان في النسك وهي عامة في كل محرم، والأصل أن كل ما ثبت لواحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت لغيره حتى يتضح التخصيص‏.‏
واختلف في الصائم بموت هل يبطل صومه بالموت حتى يجب قضاء صوم ذلك اليوم عنه أو لا يبطل‏؟‏ وقال النووي‏:‏ يتأول هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس لكون المحرم لا يجوز تغطية وجهه بل هو صيانة للرأس، فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطي رأسه ا ه‏.‏
وروى سعيد بن منصور من طريق عطاء قال‏:‏ يغطي المحرم من وجهه ما دون الحاجبين أي من أعلى‏.‏
وفي رواية‏:‏ ما دون عينيه‏.‏
وكأنه أراد مزيد الاحتياط لكشف الرأس، والله أعلم‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ كان وقوع المحرم المذكور عند الصخرات من عرفة‏.‏
وفي الحديث إطلاق الواقف على الراكب، واستحباب دوام التلبية في الإحرام، وأنها لا تنقطع بالتوجه لعرفة، وجواز غسل المحرم بالسدر ونحوه مما لا يعد طيبا‏.‏
وحكى المزني عن الشافعي أنه استدل على جواز قطع سدر الحرم بهذا الحديث لقوله فيه ‏"‏ واغسلوه بماء وسدر ‏"‏ والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم أقف في شيء من طرق هذا الحديث على تسمية المحرم المذكور، وقد وهم بعض المتأخرين فزعم أن اسمه واقد بن عبد الله وعزاه لابن قتيبة في ترجمة عمر من كتاب المغازي، وسبب الوهم أن ابن قتيبة لما ذكر ترجمة عمر ذكر أولاده ومنهم عبد الله بن عمر، ثم ذكر أولاد عبد الله بن عمر فذكر فيهم واقد بن عبد الله بن عمر فقال‏:‏ وقع عن بعيره وهو محرم فهلك، فظن هذا المتأخر أن لواقد بن عبد الله ابن عمر صحبة وأنه صاحب القصة التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كما ظن فإن واقدا المذكور لا صحبة له فإن أمه صفية بنت أبي عبيد إنما تزوجها أبوه في خلافة أبيه عمر واختلف في صحبتها، وذكرها العجلي وغيره في التابعين، ووجدت في الصحابة واقد بن عبد الله آخر لكن لم أر في شيء من الأخبار أنه وقع عن بعيره فهلك، بل ذكر غير واحد منهم ابن سعد أنه مات في خلافة عمر، فبطل تفسير المبهم بأنه واقد بن عبد الله من كل وجه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب جَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَإِذَا صَادَ الْحَلَالُ فَأَهْدَى لِلْمُحْرِمِ الصَّيْدَ أَكَلَهُ وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ بِالذَّبْحِ بَأْسًا وَهُوَ غَيْرُ الصَّيْدِ نَحْوُ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالدَّجَاجِ وَالْخَيْلِ يُقَالُ عَدْلُ ذَلِكَ مِثْلُ فَإِذَا كُسِرَتْ عِدْلٌ فَهُوَ زِنَةُ ذَلِكَ قِيَامًا قِوَامًا يَعْدِلُونَ يَجْعَلُونَ عَدْلًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب جزاء الصيد ونحوه وقول الله تعالى لا تقتلوا الصيد‏)‏ كذا في رواية أبي ذر وأثبت قبل ذلك البسملة، ولغيره ‏"‏ باب قول الله تعالى الخ ‏"‏ بحذف ما قبله‏.‏
قيل السبب في نزول هذه الآية أن أبا اليسر - بفتح التحتانية والمهملة - قتل حمار وحش وهو محرم في عمرة الحديبية فنزلت، حكاه مقاتل في تفسيره‏.‏
ولم يذكر المصنف في رواية أبي ذر في هذه الترجمة حديثا، ولعله أشار إلى أنه لم يثبت على شرطه في جزاء الصيد حديث مرفوع‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ اتفق أئمة الفتوى من أهل الحجاز والعراق وغيرهم على أن المحرم إذا قتل الصيد عمدا أو خطأ فعليه الجزاء، وخالف أهل الظاهر وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية في الخطأ، وتمسكوا بقوله تعالى ‏(‏متعمدا‏)‏ فإن مفهومه أن المخطئ بخلافه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد‏.‏
وعكس الحسن ومجاهد فقالا يجب الجزاء في الخطأ دون العمد فيختص الجزاء بالخطأ والنقمة بالعمد، وعنهما يجب الجزاء على العامد أول مرة، فإن عاد كان أعظم لائمة وعليه النقمة لا الجزاء‏.‏
قال الموفق في ‏"‏ المغني ‏"‏‏:‏ لا نعلم أحدا خالف في وجوب الجزاء على العامد غيرهما‏.‏
واختلفوا في الكفارة فقال الأكثر‏:‏ هو مخير كما هو ظاهر الآية‏.‏
وقال الثوري‏:‏ يقدم المثل فإن لم يجد أطعم فإن لم يجد صام‏.‏
وقال سعيد بن جبير‏:‏ إنما الطعام والصيام فيما لا يبلغ ثمن الصيد واتفق الأكثر على تحريم أكل ما صاده المحرم‏.‏
وقال الحسن والثوري وأبو ثور وطائفة‏:‏ يجوز أكله، وهو كذبيحة السارق، وهو وجه للشافعية‏.‏
وقال الأكثر أيضا‏:‏ إن الحكم في ذلك ما حكم به السلف لا يتجاوز ذلك، وما لم يحكموا فيه يستأنف فيه الحكم، وما اختلفوا فيه يجتهد فيه‏.‏
وقال الثوري‏:‏ الاختيار في ذلك للحكمين في كل زمن‏.‏
وقال مالك‏:‏ يستأنف الحكم، والخيار إلى المحكوم عليه، وله أن يقول للحكمين لا تحكما على إلا بالإطعام‏.‏
وقال الأكثر الواجب في الجزاء نظير الصيد من النعم‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ الواجب القيمة ويجوز صرفها في المثل‏.‏
وقال الأكثر‏:‏ في الكبير كبير وفي الصغير صغير، وفي الصحيح صحيح وفي الكسير كسير‏.‏
وخالف مالك فقال‏:‏ في الكبير والصغير كبير وفي الصحيح والمعيب صحيح‏.‏
واتفقوا على أن المراد بالصيد ما يجوز أكله للحلال من الحيوان الوحشي وأن لا شيء فيما يجوز قتله، واختلفوا في المتولد، فألحقه الأكثر بالمأكول، ومسائل هذا الباب وفروعه كثيرة جدا فلنقتصر على هذا القدر هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم ير ابن عباس وأنس بالذبح بأسا، وهو في غير الصيد نحو الإبل والغنم والبقر والدجاج والخيل‏)‏ المراد بالذبح ما يذبحه المحرم، والأمر ظاهره العموم، لكن المصنف خصصه بما ذكر تفقها، فإن الصحيح أن حكم ما ذبحه المحرم من الصيد حكم الميتة، وقيل يصح مع الحرمة حتى يجوز لغير المحرم أكله، وبه قال الحسن البصري‏.‏
وأثر ابن عباس وصله عبد الرزاق من طريق عكرمة أن ابن عباس أمره أن يذبح جزورا وهو محرم، وأما أثر أنس فوصله ابن أبي شيبة من طريق الصباح البجلي ‏"‏ سألت أنس ابن مالك عن المحرم يذبح‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏وهو ‏"‏ أي المذبوح الخ من كلام المصنف قاله تفقها، وهو متفق عليه فيما عدا الخيل فإنه مخصوص بمن يبيح أكلها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقال عدل مثل، فإذا كسرت عدل فهو زنة ذلك‏)‏ أما تفسير العدل بالفتح بالمثل والكسر بالزنة فهو قول أبي عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏ وغيره‏.‏
وقال الطبري العدل في كلام العرب بالفتح هو قدر الشيء من غير جنسه، والعدل بالكسر قدره من جنسه‏.‏
قال‏:‏ وذهب بعض أهل العلم بكلام العرب إلى أن العدل مصدر من قول القائل‏:‏ عدلت هذا بهذا‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ العدل هو القسط في الحق، والعدل بالكسر المثل‏.‏
انتهى‏.‏
وقد تقدم شيء من هذا في الزكاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قياما‏:‏ قواما‏)‏ ، هو قول أبي عبيدة أيضا‏.‏
وقال الطبري‏:‏ أصله الواو فحولت عين الفعل ياء كما قالوا في الصوم صمت صياما وأصله صواما‏.‏
قال الشاعر‏:‏ قيام دنيا وقوام دين‏.‏
فرده إلى أصله‏.‏
قال الطبري‏:‏ فالمعنى جعل الله الكعبة بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر اتباعه، يقال فلان قيام البيت وقوامه الذي يقيم شأنهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يعدلون‏:‏ يجعلون له عدلا‏)‏ هو متفق عليه بين أهل التفسير، ومناسبة إيراده هنا ذكر لفظ العدل في قوله ‏"‏ أو عدل ذلك صياما‏"‏؛ وفي قوله ‏"‏ يعدلون ‏"‏ فأشار إلى أنهما من مادة واحدة، وقوله ‏"‏يجعلون له عدلا ‏"‏ أي مثلا، تعالى الله عن قولهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ انْطَلَقَ أَبِي عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ وَحُدِّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَدُوًّا يَغْزُوهُ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ تَضَحَّكَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ وَاسْتَعَنْتُ بِهِمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ فَطَلَبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ شَأْوًا فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قُلْتُ أَيْنَ تَرَكْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتَعْهَنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَكَ يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ إِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ فَانْتَظِرْهُمْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ فَقَالَ لِلْقَوْمِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي قتادة‏)‏ في رواية معاوية بن سلام عن يحيى عند مسلم أخبرني عبد الله ابن أبي قتادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏انطلق أبي عام الحديبية‏)‏ هكذا ساقه مرسلا، وكذا أخرجه مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه، وأخرجه أحمد عن ابن علية عن هشام، لكن أخرجه أبو داود الطيالسي عن هشام عن يحيى فقال ‏"‏ عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
وفي رواية علي بن المبارك عن يحيى المذكورة في الباب الذي يليه أن أباه حدثه، وقوله ‏"‏بالحديبية ‏"‏ أصح من رواية الواقدي من وجه آخر عن عبد الله بن أبي قتادة أن ذلك كان في عمرة القضية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأحرم أصحابه ولم يحرم‏)‏ الضمير لأبي قتادة بينه مسلم ‏"‏ أحرم أصحابي ولم أحرم ‏"‏ وفي رواية علي بن المبارك ‏"‏ وأنبئنا بعدو بغيقة فتوجهنا نحوهم ‏"‏ وفي هذا السياق حذف بينته رواية عثمان بن موهب عن عبد الله بن أبي قتادة وهي بعد بابين بلفظ ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة فقال‏:‏ خذوا ساحل البحر حتى نلتقي، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبا قتادة ‏"‏ وسيأتي الجمع هناك بين قوله في هذه الرواية ‏"‏ خرج حاجا ‏"‏ وبين قوله في حديث الباب ‏"‏ عام الحديبية ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏
وبين المطلب عن أبي قتادة عند سعيد بن منصور مكان صرفهم ولفظه ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغنا الروحاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحدث‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول، وقوله ‏"‏بغيقة ‏"‏ أي في غيقة وهو بفتح الغين المعجمة بعدها ياء ساكنة ثم قاف مفتوحة ثم هاء‏.‏
قال السكوني‏:‏ هو ماء لبني غفار بين مكة والمدينة‏.‏
وقال يعقوب‏:‏ هو قليب لبني ثعلبة يصب فيه ماء رضوى ويصب هو في البحر‏.‏
وحاصل القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج في عمرة الحديبية فبلغ الروحاء - وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلا - أخبروه بأن عدوا من المشركين بوادي غيقة يخشى منهم أن يقصدوا غرته، فجهز طائفة من أصحابه فيهم أبو قتادة إلى جهتهم ليأمن شرهم، فلما أمنوا ذلك لحق أبو قتادة وأصحابه بالنبي صلى الله عليه وسلم فأحرموا، إلا هو فاستمر هو حلالا لأنه إما لم يجاوز الميقات وإما لم يقصد العمرة، وبهذا يرتفع الإشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم قال‏:‏ كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث ويقولون‏:‏ كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات وهو غير محرم‏؟‏ ولا يدرون ما وجهه‏.‏
قال‏:‏ حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد فيها ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرمنا، فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في وجه ‏"‏ الحديث‏.‏
قال‏:‏ فإذا أبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة‏.‏
قلت‏:‏ وهذه الرواية التي أشار إليها تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، وليس كذلك لما بيناه‏.‏
ثم وجدت في صحيح ابن حبان والبزار من طريق عياض بن عبد الله عن أبي سعيد قال ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة على الصدقة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا بعسفان ‏"‏ فهذا سبب آخر، ويحتمل جمعهما‏.‏
والذي يظهر أن أبا قتادة إنما أخر الإحرام لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة فساغ له التأخير، وقد استدل بقصة أبي قتادة على جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجا ولا عمرة، وقيل كانت هذه القصة قبل أن يؤقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت‏.‏
وأما قول عياض ومن تبعه‏:‏ إن أبا قتادة لم يكن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وإنما بعثه أهل المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمونه أن بعض العرب قصدوا الإغارة على المدينة، فهو ضعيف مخالف لما ثبت في هذه الطريق الصحيحة طريق عثمان بن موهب الآتية بعد بابين، كما أشرت إليها قبل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبينما أبي مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض‏)‏ في رواية علي بن المبارك ‏"‏ فبصر أصحابي بحمار وحش فجعل بعضهم يضحك إلى بعض ‏"‏ زاد في رواية أبي حازم ‏"‏ وأحبوا لو أني أبصرته ‏"‏ هكذا في جميع الطرق والروايات، ووقع في رواية العذري في مسلم ‏"‏ فجعل بعضهم يضحك إلى ‏"‏ فشددت الياء من إلي‏.‏
قال عياض‏:‏ وهو خطأ وتصحيف، وإنما سقط عليه لفظة ‏"‏ بعض‏"‏، ثم احتج لضعفها بأنهم لو ضحكوا إليه لكانت أكبر إشارة وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل منكم أحد أمره أو أشار إليه‏؟‏ قالوا لا‏.‏
وإذا دل المحرم الحلال على الصيد لم يأكل منه اتفاقا، وإنما اختلفوا في وجوب أجزاء‏.‏
انتهى‏.‏
وتعقبه النووي بأنه لا يمكن رد هذه الرواية لصحتها وصحة الرواية الأخرى، وليس في واحدة منهما دلالة ولا إشارة، فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة‏.‏
قال بعض العلماء‏:‏ وإنما ضحكوا تعجبا من عروض الصيد ثم ولا قدرة لهم عليه‏.‏
قلت‏:‏ قوله فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة صحيح، ولكن لا يكفي في رد دعوى القاضي، فإن قوله ‏"‏ يضحك بعضهم إلى بعض ‏"‏ هو مجرد ضحك، وقوله ‏"‏يضحك بعضهم إلى ‏"‏ فيه مزيد أمر على مجرد الضحك، والفرق بين الموضعين أنهم اشتركوا في رؤيته فاستووا في ضحك بعضهم إلى بعض، وأبو قتادة لم يكن رآه فيكون ضحك بعضهم إليه بغير سبب باعثا له على التفطن إلى رؤيته، ويؤيد ما قال القاضي ما وقع في رواية أبي النضر عن مولي أبي قتادة كما سيأتي في الصيد بلفظ إذ رأيت الناس متشوفين لشيء فذهبت أنظر فإذا هو حمار وحش، فقلت‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقالوا‏:‏ لا ندري فقلت‏:‏ هو حمار وحش‏.‏
فقالوا‏:‏ هو ما رأيت ‏"‏ ووقع في حديث أبي سعيد عند البزار والطحاوي وابن حبان في هذه القصة ‏"‏ وجاء أبو قتادة وهو حل فنكسوا رءوسهم كراهية أن يحدوا أبصارهم له فيفطن فيراه ‏"‏ ا ه‏.‏
فكيف يظن بهم مع ذلك أنهم ضحكوا إليه‏؟‏ فتبين أن الصواب ما قال القاضي‏.‏
وفي قول الشيخ قد صحت الرواية نظر، لأن الاختلاف في إثبات هذه اللفظة وحذفها لم يقع في طريقين مختلفين، وإنما وقع في سياق إسناد واحد مما عند مسلم، فكان مع من أثبت لفظ ‏"‏ بعض ‏"‏ زيادة علم سالمة من الإشكال فهي مقدمة، وبين محمد بن جعفر في روايته عن أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما سيأتي في الهبة أن قصة صيده للحمار كانت بعد أن اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونزلوا في بعض المنازل ولفظه ‏"‏ كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا والقوم محرمون وأنا غير محرم ‏"‏ وبين في هذه الرواية السبب الموجب لرؤيتهم إياه دون أبي قتادة بقوله ‏"‏ فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به، وأحبوا لو أني أبصرته، والتفت فأبصرته‏"‏‏.‏
ووقع في حديث أبي سعيد المذكور أن ذلك وقع وهم بعسفان وفيه نظر، والصحيح ما سيأتي بعد باب من طريق صالح بن كيسان عن أبي محمد مولي أبي قتادة عنه قال ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة، ومنا المحرم وغير محرم، فرأيت أصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش ‏"‏ الحديث‏.‏
والقاحة بقاف ومهملة خفيفة بعد الألف، موضع قريب من السقيا كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فنظرت‏)‏ هذا فيه التفات، فإن السياق الماضي يقتضي أن يقول فنظر لقوله ‏"‏ فبينا أبي مع أصحابه ‏"‏ فالتقدير‏:‏ قال أبي فنظرت، وهذا يؤيد الرواية الموصولة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا بحمار وحش‏)‏ قد تقدم أن رؤيته له كانت متأخرة عن رؤية أصحابه، وصرح بذلك فضيل بن سليمان في روايته عن أبي حازم كما سيأتي في الجهاد ولفظه ‏"‏ فرأوا حمارا وحشيا قبل أن يراه أبو قتادة، فلما رأوه تركوه حتى رآه فركب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحملت عليه‏)‏ في رواية محمد بن جعفر ‏"‏ فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح‏.‏
فقلت لهم‏:‏ ناولوني السوط والرمح‏.‏
فقالوا‏:‏ لا والله لا نعينك عليه بشيء، فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت ‏"‏ وفي رواية فضيل بن سليمان ‏"‏ فركب فرسا له يقال له الجرادة فسألهم أن يناولوه سوطه فأبوا فتناوله‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي النضر ‏"‏ وكنت نسيت سوطي فقلت لهم‏:‏ ناولوني سوطي، فقالوا لا نعينك عليه، فنزلت فأخذته ‏"‏ ووقع عند النسائي من طريق شعبة عن عثمان بن موهب، وعند ابن أبي شيبة عن طريق عبد العزيز بن رفيع‏.‏
وأخرج مسلم إسنادهما كلاهما عن أبي قتادة ‏"‏ فاختلس من بعضهم سوطا ‏"‏ والرواية الأولى أقوى، ويمكن أن يجمع بينهما بأنه رأى في سوط نفسه تقصيرا فأخذ سوط غيره، واحتاج إلى اختلاسه لأنه لو طلبه منه اختيارا لامتنع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فطعنته فأثبته‏)‏ بالمثلثة ثم الموحدة ثم المثناة أي جعلته ثابتا في مكانه لا حراك به وفي رواية أبي حازم ‏"‏ فشددت على الحمار فعقرته ثم جئت به وقد مات ‏"‏ وفي رواية أبي النضر ‏"‏ حتى عقرته فأتيت إليهم فقلت لهم‏:‏ قوموا فاحتملوا، فقالوا لا نمسه، فحملته حتى جئتهم به‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأكلنا من لحمه‏)‏ في رواية فضيل عن أبي حازم ‏"‏ فأكلوا فندموا ‏"‏ وفي رواية محمد بن جعفر عن أبي حازم ‏"‏ فوقعوا يأكلون منه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبأت العضد معي‏"‏‏.‏
وفي رواية مالك عن أبي النضر ‏"‏ فأكل منه بعضهم وأبى بعضهم‏"‏‏.‏
وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ فجعلوا يشوون منه‏"‏‏.‏
وفي رواية المطلب عن أبي قتادة عند سعيد بن منصور ‏"‏ فظللنا نأكل منه ما شئنا طبيخا وشواء ثم تزودنا منه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وخشينا أن نقتطع‏)‏ أي نصير مقطوعين عن النبي صلى الله عليه وسلم منفصلين عنه لكونه سبقهم، وكذا قوله بعد هذا ‏"‏ وخشوا أن يقتطعوا دونك ‏"‏ وبين ذلك رواية علي بن المبارك عن يحيى عند أبي عوانة بلفظ ‏"‏ وخشينا أن يقتطعنا العدو‏"‏‏.‏
وفيها عند المصنف ‏"‏ وأنهم خشوا أن يقتطعهم العدو دونك ‏"‏ وهذا يشعر بأن سبب إسراع أبي قتادة لإدراك النبي صلى الله عليه وسلم خشية على أصحابه أن ينالهم بعض أعدائهم‏.‏
وفي رواية أبي النضر الآتية في الصيد ‏"‏ فأبى بعضهم أن يأكل، فقلت أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث ‏"‏ ففي هذا أن سبب إدراكه أن يستفتيه عن قصة أكل الحمار، ويمكن الجمع بأن يكون ذلك بسبب الأمرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرفع‏)‏ بالتخفيف والتشديد، أي أكلفه السير، ‏"‏ وشأوا ‏"‏ بالشين المعجمة بعدها همزة ساكنة أي تارة، والمراد أنه يركضه تارة ويسير بسهولة أخرى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلقيت رجلا من بني غفار‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تركته بتعهن، وهو قائل السقيا‏)‏ السقيا بضم المهملة وإسكان القاف بعدها تحتانية مقصورة‏:‏ قرية جامعة بين مكة والمدينة، وتعهن بكسر المثناة وبفتحها بعدها عين مهملة ساكنة ثم هاء مكسورة ثم نون، ورواية الأكثر بالكسر وبه قيدها البكري في معجم البلاد، ووقع عند الكشميهني بكسر أوله وثالثه، ولغيره بفتحهما، وحكى أبو ذر الهروي أنه سمعها من العرب بذلك المكان بفتح الهاء، ومنهم من يضم التاء ويفتح العين ويكسر الهاء، قيل وهو من تغييراتهم والصواب الأول، وأغرب أبو موسى المديني فضبطه بضم أوله وثانيه وبتشديد الهاء وقال‏:‏ ومنهم من يكسر التاء، وأصحاب الحديث يسكنون العين، ووقع في رواية الإسماعيلي بدعهن بالدال المهملة بدل المثناة‏.‏
وقوله ‏"‏قائل ‏"‏ قال النووي‏:‏ روى بوجهين أصحهما وأشهرهما بهمزة بين الألف واللام من القيلولة، أي تركته في الليل وبتعهن وعزمه أن يقيل بالسقيا، فمعنى قوله وهو قائل أي سيقيل‏.‏
والوجه الثاني أنه قابل بالباء الموحدة وهو غريب وكأنه تصحيف، فإن صح فمعناه أن تعهن موضع مقابل للسقيا، فعلى الأول الضمير في قوله ‏"‏ وهو ‏"‏ للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني الضمير للموضع وهو تعهن، ولا شك أن الأول أصوب وأكثر فائدة‏.‏
وأغرب القرطبي فقال‏:‏ قوله ‏"‏ وهو قائل ‏"‏ اسم فاعل من القول أو من القائلة، والأول هو المراد هنا، والسقيا مفعول بفعل مضمر، وكأنه كان بتعهن وهو يقول لأصحابه اقصدوا السقيا‏.‏
ووقع عند الإسماعيلي من طريق ابن علية عن هشام ‏"‏ وهو قائم بالسقيا ‏"‏ فأبدل اللام في قائل ميما وزاد الباء في السقيا، قال الإسماعيلي‏:‏ الصحيح قائل باللام‏.‏
قلت‏:‏ وزيادة الباء توهي الاحتمال الأخير المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت‏)‏ في السياق حذف تقديره‏:‏ فسرت فأدركته فقلت، ويوضحه رواية علي بن المبارك في الباب الذي يليه بلفظ ‏"‏ فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيته فقلت‏:‏ يا رسول الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن أهلك يقرءون عليك السلام‏)‏ المراد بالأهل هنا الأصحاب بدليل رواية مسلم وأحمد وغيرهما من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ أن أصحابك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فانتظرهم‏)‏ بصيغة فعل الأمر من الانتظار، زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ فانتظرهم ‏"‏ بصيغة الفعل الماضي منه، ومثله لأحمد عن ابن علية‏.‏
وفي رواية علي بن المبارك ‏"‏ فانتظرهم ففعل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصبت حمار وحش وعندي منه فاضله‏)‏ كذا للأكثر بضاد معجمة أي فضلة‏.‏
قال الخطابي‏:‏ قطعة فضلت منه فهي فاضلة، أي باقية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال للقوم كلوا‏)‏ سيأتي الكلام عليه وعلى ما في الحديث من الفوائد بعد بابين‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 04:01 PM   #8
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب إِذَا رَأَى الْمُحْرِمُونَ صَيْدًا فَضَحِكُوا فَفَطِنَ الْحَلَالُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا رأى المحرمون صيدا فضحكوا ففطن الحلال‏)‏ أي لا يكون ذلك منهم إشارة له إلى الصيد فيحل لهم أكل الصيد، ويجوز كسر الطاء من فطن وفتحها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ فَأُنْبِئْنَا بِعَدُوٍّ بِغَيْقَةَ فَتَوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ فَبَصُرَ أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الْفَرَسَ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمَّ لَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ عَلَيْهِ شَأْوًا فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقُلْتُ أَيْنَ تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَرَكْتُهُ بِتَعْهَنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابَكَ أَرْسَلُوا يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتِهِ وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمْ الْعَدُوُّ دُونَكَ فَانْظُرْهُمْ فَفَعَلَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا اصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ وَإِنَّ عِنْدَنَا فَاضِلَةً
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنبئنا‏)‏ بضم أوله أي أخبرنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبصر‏)‏ بفتح الموحدة وضم المهملة‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فنظر ‏"‏ بنون وظاء مشالة، وعلى هذا فدخول الباء في قوله ‏"‏ بحمار وحش ‏"‏ مشكل إلا أن يقال ضمن نظر معنى بصر، أو الباء بمعنى إلى على مذهب من يقول إنها تتناوب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنا اصدنا‏)‏ بتشديد المهملة والدال للأكثر بالإدغام وأصله اصطدنا فأبدلت الطاء مثناة ثم أدغمت، ولبعضهم بتخفيف الصاد وسكون الدال، أي أثرنا من الاصاد وهو الإثارة‏.‏
ولبعضهم ‏"‏ صدنا ‏"‏ بغير ألف‏.‏
وحدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا صالح بن كيسان عن أبي محمد عن أبي قتادة رضي الله عنه قال ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة، ومنا المحرم ومنا غير المحرم فرأيت أصحابي يتراءون شيئا، فنظرت فإذا حمار وحش - يعني وقع سوطه - فقالوا لا نعينك عليه بشيء، إنا محرمون، فتناولته فأخذته، ثم أتيت الحمار من وراء أكمة فعقرته، فأتيت به أصحابي، فقال بعضهم‏:‏ كلوا‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ لا تأكلوا‏.‏
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمامنا فسألته فقال‏:‏ كلوه حلال‏"‏‏.‏
قال لنا عمرو‏:‏ اذهبوا إلى صالح فسلوه عن هذا وغيره‏.‏
وقدم علينا ها هنا‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يُعِينُ الْمُحْرِمُ الْحَلَالَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد‏)‏ أي بفعل ولا قول، قيل أراد بهذه الترجمة الرد على من فرق من أهل الرأي بين الإعانة التي لا يتم الصيد إلا بها فتحرم، وبين الإعانة التي يتم الصيد بدونها فلا تحرم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَاحَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثٍ ح و حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَاحَةِ وَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ يَعْنِي وَقَعَ سَوْطُهُ فَقَالُوا لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إِنَّا مُحْرِمُونَ فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَأْكُلُوا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَمَامَنَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ كُلُوهُ حَلَالٌ قَالَ لَنَا عَمْرٌو اذْهَبُوا إِلَى صَالِحٍ فَسَلُوهُ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ وَقَدِمَ عَلَيْنَا هَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله‏)‏ هو ابن محمد الجعفي المسندي، وسفيان هو ابن عيينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن صالح‏)‏ في رواية كريمة وغيرها ‏"‏ حدثنا صالح‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالقاحة‏)‏ بالقاف والمهملة‏:‏ واد على نحو ميل من السقيا إلى جهة المدينة، ويقال لواديها وادي العباديد‏.‏
وقد بين المصنف في الطريق الأولى أنها من المدينة على ثلاث أي ثلاث مراحل، قال عياض‏:‏ رواه الناس بالقاف إلا القابسي فضبطوه عنه بالفاء، وهو تصحيف‏.‏
قلت‏:‏ ووقع عند الجوزقي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن سفيان ‏"‏ بالصفاح ‏"‏ بدل القاحه، والصفاح بكسر المهملة بعدها فاء وآخره مهملة وهو تصحيف فإن الصفاح موضع بالروحاء، وبين الروحاء وبين السقيا مسافة طويلة، وقد تقدم أن الروحاء هو المكان الذي ذهب أبو قتادة وأصحابه منه إلى جهة البحر ثم التقوا بالقاحة وبها وقع له الصيد المذكور، وكأنه تأخر هو ورفقته للراحة أو غيرها وتقدمهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى السقيا حتى لحقوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحدثنا علي بن عبد الله‏)‏ هو ابن المديني، هكذا حول المصنف الإسناد إلى رواية علي للتصريح فيه عن سفيان بقوله ‏"‏ حدثنا صالح بن كيسان ‏"‏ وقد اعتبرته فوجدته ساق المتن على لفظ على خاصة، وهذه عاده المصنف غالبا إذا تحول إلى إسناد ساق المتن على لفظ الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي محمد‏)‏ هو نافع مولى أبي قتادة الذي روى عنه أبو النضر، وسيأتي في كتاب الصيد من طريق مالك وغيره عنه، ووقع عند مسلم عن ابن عمر عن سفيان عن صالح ‏"‏ سمعت أبا محمد مولى أبي قتادة‏"‏، وكذا وقع هنا في رواية كريمة، ولأحمد من طريق سعد بن إبراهيم ‏"‏ سمعت رجلا كان يقال له مولى أبي قتادة ولم يكن مولى ‏"‏ أي لأبي قتادة‏.‏
وفي رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة أن نافعا مولى بني غفار، فتحصل من ذلك أنه لم يكن مولى لأبي قتادة حقيقة، وقد صرح بذلك ابن حبان فقال‏:‏ هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، وكان يقال له مولى أبي قتادة نسب إليه ولم يكن مولاه‏.‏
قلت‏:‏ فيحتمل أنه نسب إليه لكونه كان زوج مولاته، أو للزومه إياه أو نحو ذلك، كما وقع لمقسم مولى ابن عباس وغيره، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتراءون‏)‏ يتفاعلون من الرؤية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا حمار وحش يعني وقع سوطه فقالوا لا نعينك‏)‏ كذا وقع هنا والشك فيه من البخاري، فقد رواه أبو عوانة عن أبي داود الحراني عن علي بن المديني بلفظ ‏"‏ فإذا حمار وحش، فركب فرسي وأخذت الرمح والسوط، فسقط مني السوط فقلت‏:‏ ناولوني، فقالوا‏:‏ ليس نعينك عليه بشيء، إنا محرمون ‏"‏ وفي قولهم إنا محرمون دلالة على أنهم كانوا قد علموا أنه يحرم على المحرم الإعانة على قتل الصيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتناولته‏)‏ زاد أبو عوانة ‏"‏ بشيء ‏"‏ وبهذا يندفع إشكال من قال ذكر التناول بعد الأخذ تكرار، أو معناه تكلفت الأخذ فأخذته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من وراء أكمة‏)‏ بفتحات هي التل من حجر واحد، وقد تقدم ذكرها في الاستسقاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعضهم كلوا‏)‏ قد تقدم من عدة أوجه أنهم أكلوا، والظاهر أنهم أكلوا أول ما أتاهم به، ثم طرأ عليهم الشك كما في لفظ عثمان بن موهب في الباب الذي يليه ‏"‏ فأكلنا من لحمها ثم قلنا‏:‏ أنأكل من لحم صيد ونحن محرمون ‏"‏ وأصرح من ذلك رواية أبي حازم في الهبة بلفظ ‏"‏ ثم جئت به فوقعوا فيه يأكلون، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ فجعلوا يشوون منه ثم قالوا‏:‏ رسول الله بين أظهرنا، وكان تقدمهم فلحقوه فسألوه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو أمامنا‏)‏ بفتح أوله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال كلوه حلال‏)‏ كذا وقع بحذف المبتدأ، وبين ذلك أبو عوانة فقال ‏"‏ كلوه فهو حلال ‏"‏ وفي رواية مسلم فقال ‏"‏ هو حلال فكلوه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لنا عمرو‏)‏ أي ابن دينار، وصرح به أبو عوانة في روايته، والقائل سفيان، والغرض بذلك تأكيد ضبطه له وسماعه له من صالح وهو ابن كيسان، وقوله ‏"‏هاهنا ‏"‏ يعني مكة‏.‏
والحاصل أن صالح ابن كيسان كان مدنيا فقدم مكة فدل عمرو بن دينار أصحابه عليه ليسمعوا منه‏.‏
وقرأت بخط بعض من تكلم على هذا الحديث ما نصه‏:‏ في قول سفيان ‏"‏ قال لنا عمرو الخ ‏"‏ إشكال، فإن سفيان روى ذلك عن صالح فكيف يقول له عمرو ولمن معه اذهبوا إلى صالح‏؟‏ فيحتمل أنه قال ذلك تأكيدا في تجديد سماع سفيان ذلك منه مرة بعد أخرى، ويؤخذ منه أن سفيان حدث بذلك عن صالح في حال حياته‏.‏
انتهى‏.‏
وهو احتمال بعيد جدا‏.‏
وزعم أن عمرو بن دينار قال لهم ذلك حين قدم عليهم الكوفة‏.‏
قال‏:‏ وكأنه سمع سفيان يحدث به عن صالح فصدقه وأكده بما قال‏.‏
وقوله اذهبوا إليه أي إلى صالح بالمدينة ا ه‏.‏
وهذا أبعد من الأول، وما سمعه سفيان من صالح إلا بمكة، ولم يقدم عمرو الكوفة وإنما قال ذلك لسفيان وهما بمكة، وما حدث به سفيان لعلي إلا بعد موت صالح وعمرو بمدة طويلة، وأراد بقوله قال لنا عمرو اذهبوا الخ كيفية تحمله له من صالح وأنه بدلالة عمرو، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يُشِيرُ الْمُحْرِمُ إِلَى الصَّيْدِ لِكَيْ يَصْطَادَهُ الْحَلَالُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال‏)‏ أشار المصنف إلى تحريم ذلك، ولم يتعرض لوجوب الجزاء في ذلك، وهي مسألة خلاف‏:‏ فاتفقوا - كما تقدم - على تحريم الإشارة إلى الصيد ليصطاد، وعلى سائر وجوه الدلالات على المحرم، لكن قيده أبو حنيفة بما إذا لم يمكن الاصطياد بدونها، واختلفوا في وجوب الجزاء على المحرم إذا دل الحلال على الصيد بإشارة أو غيرها أو أعان عليه، فقال الكوفيون وأحمد وإسحاق‏:‏ يضمن المحرم ذلك‏.‏
وقال مالك والشافعي‏:‏ لا ضمان عليه كما لو دل الحلال حلالا على قتل صيد في الحرم‏.‏
قالوا‏:‏ ولا حجة في حديث الباب، لأن السؤال عن الإعانة والإشارة إنما وقع ليبين لهم هل يحل لهم أكله أو لا‏؟‏ ولم يتعرض لذكر الجزاء‏.‏
واحتج الموفق بأنه قول علي وابن عباس ولا نعلم لهما مخالفا من الصحابة‏.‏
وأجيب بأنه اختلف فيه علي ابن عباس، وفي ثبوته عن علي نظر، ولأن القاتل انفرد بقتله باختياره مع انفصال الدال عنه فصار كمن دل محرما أو صائما على امرأة فوطئها فإنه يأثم بالدلالة ولا يلزمه كفارة ولا يفطر بذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى نَلْتَقِيَ فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ فَلَمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلَّا أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْحُمُرِ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا وَقَالُوا أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ الْأَتَانِ فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا وَقَدْ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا ثُمَّ قُلْنَا أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا قَالَ أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عثمان هو ابن موهب‏)‏ بفتح الهاء وموهب جده، وهو عثمان بن عبد الله التيمي مدني تابعي ثقة، روى هنا عن تابعي أكبر منه قليلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرج حاجا‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ هذا غلط، فإن القصة كانت في عمرة، وأما الخروج إلى الحج فكان في خلق كثير وكان كلهم على الجادة لا على ساحل البحر‏.‏
ولعل الراوي أراد خرج محرما فعبر عن الإحرام بالحج غلطا‏.‏
قلت‏:‏ لا غلط في ذلك، بل هو من المجاز السائغ‏.‏
وأيضا فالحج في الأصل قصد البيت فكأنه قال خرج قاصدا للبيت، ولهذا يقال للعمرة الحج الأصغر‏.‏
ثم وجدت الحديث من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن أبي عوانة بلفظ ‏"‏ خرج حاجا أو معتمرا ‏"‏ أخرجه البيهقي، فتبين أن الشك فيه من أبي عوانة، وقد جزم يحيى بن أبي كثير بأن ذلك كان في عمرة الحديبية وهذا هو المعتمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا أبا قتادة‏)‏ كذا للكشميهني، ولغيره ‏"‏ إلا أبو قتادة ‏"‏ بالرفع، ووقع بالنصب عند مسلم وغيره من هذا الوجه، قال ابن مالك في ‏"‏ التوضيح ‏"‏‏:‏ حق المستثني بإلا من كلام تام موجب أن ينصب مفردا كان أو مكملا معناه بما بعده، فالمفرد نحو قوله تعالى ‏(‏الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين‏)‏ والمكمل نحو ‏(‏إنا لمنجوهم أجمعين، إلا امرأته قدرنا أنها لمن الغابرين‏)‏ ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع إلا النصب، وقد أغفلوا وروده مرفوعا بالابتداء مع ثبوت الخبر ومع حذفه، فمن أمثلة الثابت الخبر قول أبي قتادة ‏"‏ أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم ‏"‏ فإلا بمعنى لكن، وأبو قتادة مبتدأ ولم يحرم خبره، ونظيره من كتاب الله تعالى ‏(‏ولا يلتفت منكم أحد، إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم‏)‏ فإنه لا يصح أن يجعل امرأتك بدلا من أحد لأنها لم تسر معهم فيتضمنها ضمير المخاطبين‏.‏
وتكلف بعضهم بأنه وإن لم يسر بها لكنها شعرت بالعذاب فتبعتهم ثم التفتت فهلكت‏.‏
قال‏:‏ وهذا على تقدير صحته لا يوجب دخولها في المخاطبين، ومن أمثلة المحذوف الخبر قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كل أمتي معافى إلا المجاهرون ‏"‏ أي لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون، ومنه من كتاب الله تعالى قوله تعالى ‏(‏فشربوا منه إلا قليل منهم‏)‏ أي لكن قليل منهم لم يشربوا‏.‏
قال‏:‏ وللكوفيين في هذا الثاني مذهب آخر وهو أن يجعلوا ‏"‏ إلا ‏"‏ حرف عطف وما بعدها معطوف على ما قبلها ا ه‏.‏
وفي نسبة الكلام المذكور لابن أبي قتادة دون أبي قتادة نظر، فإن سياق الحديث ظاهر في أن قوله قول أبي قتادة حيث قال ‏"‏ إن أباه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة - إلى أن قال - أحرموا كلهم إلا أبو قتادة‏"‏‏.‏
وقول أبي قتادة ‏"‏ فيهم أبو قتادة ‏"‏ من باب التجريد، وكذا قوله ‏"‏ إلا أبو قتادة ‏"‏ ولا حاجة إلى جعله من قول ابنه لأنه يستلزم أن يكون الحديث مرسلا‏.‏
ومن توجيه الرواية المذكورة وهي قوله إلا أبو قتادة أن يكون على مذهب من يقول‏:‏ علي بن أبو طالب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا‏)‏ في هذا السياق زيادة على جميع الروايات لأنها متفقة على إفراد الحمار بالرؤية، وأفادت هذه الرواية أنه من جملة الحمر وأن المقتول كان أتانا أي أنثى، فعلى هذا في إطلاق الحمار عليها تجوز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحملنا ما بقي من لحم الأتان‏)‏ وفي رواية أبي حازم الآتية للمصنف في الهبة ‏"‏ فرحنا وخبأت العضد معي ‏"‏ وفيه ‏"‏ معكم منه بشيء‏؟‏ فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها ‏"‏ وله في الجهاد قال ‏"‏ معنا رجله، فأخذها فأكلها ‏"‏ وفي رواية المطلب ‏"‏ قد رفعنا لك الذراع، فأكل منها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها‏؟‏ قالوا لا‏)‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ‏"‏ وله من طريق شعبة عن عثمان ‏"‏ هل أشرتم أو أعنتم أو اصطدتم ‏"‏ ولأبي عوانة من هذا الوجه ‏"‏ أشرتم أو اصطدتم أو قتلتم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال فكلوا ما بقي من لحمها‏)‏ صيغة الأمر هنا للإباحة لا للوجوب، لأنها وقعت جوابا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب، فوقعت الصيغة على مقتضى السؤال، ولم يذكر في هذه الرواية أنه صلى الله عليه وسلم أكل من لحمها، وذكره في روايتي أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما تراه ولم يذكر ذلك أحد من الرواة عن عبد الله بن أبي قتادة غيره، ووافقه صالح بن حسان عند أحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة ولفظه ‏"‏ فقال كلوا وأطعموني ‏"‏ وكذا لم يذكرها أحد من الرواة عن أبي قتادة نفسه إلا المطلب عن سعيد بن منصور، ووقع لنا من رواية أبي محمد وعطاء بن يسار وأبي صالح كما سيأتي في الصيد، ومن رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عند إسحاق، ومن رواية عبادة بن تميم وسعد بن إبراهيم عند أحمد، وتفرد معمر عن يحيى بن أبي كثير بزيادة مضادة لروايتي أبي حازم كما أخرجه إسحاق وابن خزيمة والدار قطني من طريقه وقال في آخره ‏"‏ فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت‏:‏ إنما اصطدته لك ‏"‏ فأمر أصحابه فأكلوه، ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له‏.‏
قال ابن خزيمة وأبو بكر النيسابوري والدار قطني والجوزقي‏:‏ تفرد بهذه الزيادة معمر‏.‏
قال ابن خزيمة‏:‏ إن كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله، فلما أعلمه امتنع ا ه‏.‏
وفيه نطر لأنه لو كان حراما ما أقر النبي صلى الله عليه وسلم على الأكل منه إلى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله، ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز، فإن الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله، وأما إذا أتى بلحم لا يدري ألحم صيدا أو لا فحمله على أصل الإباحة فأكل منه لم يكن ذلك حراما على الآكل‏.‏
وعندي بعد ذلك فيه وقفة، فإن الروايات المتقدمة ظاهرة في أن الذي تأخر هو العضد، وأنه صلى الله عليه وسلم أكلها حتى تعرقها أي لم يبق منها إلا العظم، ووقع عند البخاري في الهبة ‏"‏ حتى نفدها ‏"‏ أي فرغها، فأي شيء يبقى منها حينئذ حتى يأمر أصحابه بأكله‏.‏
لكن رواية أبي محمد الآتية في الصيد ‏"‏ أبقى معكم شيء منه‏؟‏ قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ كلوا، فهو طعمة أطعمكموها الله ‏"‏ فأشعر بأنه بقي منها غير العضد، والله أعلم‏.‏
وسيأتي البحث في حكم ما يصيده الحلال بالنسبة إلى المحرم في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏
وفي حديث أبي قتادة من الفوائد أن تمنى المحرم أن يقع من الحلال الصيد ليأكل المحرم منه لا يقدح في إحرامه، وأن الحلال إذا صاد لنفسه جاز للمحرم الأكل من صيده، وهذا يقوي من حمل الصيد في قوله تعالى ‏(‏وحرم عليكم صيد البر‏)‏ على الاصطياد، وفيه الاستيهاب من الأصدقاء وقبول الهدية من الصديق‏.‏
وقال عياض‏:‏ عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أبي قتادة ذلك تطييبا لقلب من أكل منه بيانا للجواز بالقول والفعل لإزالة الشبهة التي حصلت لهم، وفيه تسمية الفرس، وألحق المصنف به الحمار فترجم له في الجهاد‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ قالوا تجوز التسمية لما لا يعقل، وإن كان لا يتفطن له ولا يجيب إذا نودي، مع أن بعض الحيوانات ربما أدمن على ذلك بحيث يصير يميز اسمه إذا دعي به‏.‏
وفيه إمساك نصيب الرفيق الغائب ممن يتعين احترامه أو ترجى بركته أو يتوقع منه ظهور حكم تلك المسألة بخصوصها‏.‏
وفيه تفريق الإمام أصحابه للمصلحة، واستعمال الطليعة في الغزو، وتبليغ السلام عن قرب وعن بعد، وليس فيه دلالة على جواز ترك رد السلام ممن بلغه لأنه يحتمل أن يكون وقع وليس في الخبر ما ينفيه‏.‏
وفيه أن عقر الصيد ذكاته، وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال ابن العربي‏:‏ هو اجتهاد بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم لا في حضرته‏.‏
وفيه العمل بما أدى إليه الاجتهاد ولو تضاد المجتهدان ولا يعاب واحد منهما على ذلك لقوله ‏"‏ فلم يعب ذلك علينا ‏"‏ وكأن الآكل تمسك بأصل الإباحة، والممتنع نظر إلى الأمر الطارئ‏.‏
وفيه الرجوع إلى النص عند تعارض الأدلة، وركض الفرس في الاصطياد، والتصيد في الأماكن الوعرة، والاستعانة بالفارس، وحمل الزاد في السفر، والرفق بالأصحاب والرفقاء في السير، واستعمال الكناية في الفعل كما تستعمل في القول لأنهم استعملوا الضحك في موضع الإشارة لما اعتقدوه من أن الإشارة لا تحل‏.‏
وفيه جواز سوق الفرس للحاجة والرفق به مع ذلك لقوله ‏"‏ وأسير شأوا ‏"‏ ونزول المسافر وقت القائلة، وفيه ذكر الحكم مع الحكمة في قوله ‏"‏ إنما هي طعمة أطعمكموها الله‏"‏‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ لا يجوز للمحرم قتل الصيد إلا إن صال عليه فقتله دفعا فيجوز، ولا ضمان عليه‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يَقْبَلْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أهدى‏)‏ أي الحلال ‏(‏للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل‏)‏ كذا قيده في الترجمة بكونه حيا، وفيه إشارة إلى أن الرواية التي تدل علي أنه كان مذبوحا موهمة، وسأبين ما في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شهاب الخ‏)‏ لم يختلف على مالك في سياقه معنعنا وأنه من مسند الصعب إلا ما وقع في ‏"‏ موطأ ابن وهب ‏"‏ فإنه قال في روايته عن ابن عباس ‏"‏ أن الصعب بن جثامة أهدى ‏"‏ فجعله من مسند ابن عباس، نبه على ذلك الدار قطني في ‏"‏ الموطآت ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ أهدى الصعب ‏"‏ والمحفوظ في حديث مالك الأول، وسيأتي للمصنف في الهبة من طريق شعيب عن الزهري قال ‏"‏ أخبرني عبيد الله أن ابن عباس أخبره أنه سمع الصعب - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - يخبر أنه أهدى ‏"‏ والصعب بفتح الصاد وسكون العين المهملتين بعدها موحدة، وأبوه جثامة بفتح الجيم وتثقيل المثلثة وهو من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وكان ابن أخت أبي سفيان بن حرب، أمه زينب بنت حرب بن أمية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخي بينه وبين عوف بن مالك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حمارا وحشيا‏)‏ لم تختلف الرواة عن مالك في ذلك، وتابعه عامة الرواة عن الزهري، وخالفهم ابن عيينة عن الزهري فقال ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ أخرجه مسلم، لكن بين الحميدي صاحب سفيان أنه كان يقول في هذا الحديث ‏"‏ حمار وحش ‏"‏ ثم صار يقول ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ فدل على اضطرابه فيه، وقد توبع على قوله ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ من أوجه فيها مقال، منها ما أخرجه الطبراني من طريق عمرو بن دينار عن الزهري لكن إسناده ضعيف‏.‏
وقال إسحاق في مسنده‏.‏
‏:‏ أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن الزهري فقال ‏"‏ لحم حمار ‏"‏ وقد خالفه خالد الواسطي عن محمد بن عمرو فقال ‏"‏ حمار وحش ‏"‏ كالأكثر، وأخرجه الطبراني من طريق ابن إسحاق عن الزهري فقال ‏"‏ رجل حمار وحش ‏"‏ وابن إسحاق حسن الحديث إلا أنه لا يحتج به إذا خولف، ويدل على وهم من قال فيه عن الزهري ذلك ابن جريج قال ‏"‏ قلت للزهري الحمار عقير‏؟‏ قال لا أدري ‏"‏ أخرجه ابن حزيمة وابن عوانة في صحيحيهما، وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر أن الذي أهداه الصعب لحم حمار فأخرجه مسلم من طريق الحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ أهدى الصعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار ‏"‏ وفي رواية عنده ‏"‏ عجز حمار وحش يقطر دما ‏"‏ وأخرجه أيضا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد قال تارة ‏"‏ حمار وحش ‏"‏ وتارة ‏"‏ شق حمار ‏"‏ ويقوى ذلك ما أخرجه مسلم أيضا من طريق طاوس عن ابن عباس قال ‏"‏ قدم زيد بن أرقم، فقال له عبد الله بن عباس يستذكره‏:‏ كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام‏؟‏ قال‏:‏ أهدى له عضو من لحم صيد فرده وقال‏:‏ إنا لا نأكله، إنا حرم‏"‏‏.‏
وأخرجه أبو داود وابن حبان من طريق عطاء عن ابن عباس أنه قال ‏"‏ يا زيد بن أرقم، هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره‏.‏
واتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه، إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية ‏"‏ أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ إن كان هذا محفوظا فلعله رد الحي وقبل اللحم، قلت وفي هذا الجمع نظر لما بينته، فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقبله تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله، وقد قال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ إن كان الصعب أهدى له حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حي وإن كان أهدى له لحما فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له‏.‏
ونقل الترمذي عن الشافعي أنه رده لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه‏.‏
ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر وهو حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك بالجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحا ثم قطع منه عضوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدمه له، فمن قال أهدى حمارا أراد بتمامه مذبوحا حيا، ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون من قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا‏.‏
قال ويحتمل أنه أهداه له حيا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته، فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل، قال‏:‏ والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات‏.‏
وقال النووي‏:‏ ترجم البخاري بكون الحمار حيا، وليس في سياق الحديث تصريح بذلك، وكذا نقلوا هذا التأويل عن مالك، وهو باطل لأن الروايات التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح‏.‏
انتهى‏.‏
وإذا تأملت ما تقدم لم يحسن إطلاقه بطلان التأويل المذكور ولا سيما في رواية الزهري التي هي عمدة هذا الباب، وقد قال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ حديث مالك أن الصعب أهدى حمارا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار‏.‏
وقال الترمذي‏:‏ روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ وهو غير محفوظ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالأبواء‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد‏:‏ جبل من عمل الفرع بضم الفاء والراء بعدها مهملة، قيل سمى الأبواء لوبائه على القلب، وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحمله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو بودان‏)‏ شك من الراوي، وهو بفتح الواو وتشديد الدال وآخرها نون موضع بقرب الجحفة، وقد سبق في حديث عمرو بن أمية أنه كان بالجحفة، وودان أقرب إلى الجحفة من الأبواء فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتي من المدينة ثلاثة وعشرين ميلا، ومن ودان إلى الجحفة ثمانية أميال، وبالشك جزم أكثر الرواة، وجزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان، وجزم معمر وعبد الرحمن ابن إسحاق ومحمد بن عمرو بالأبواء، والذي يظهر لي أن الشك فيه من ابن عباس لأن الطبراني أخرج الحديث من طريق عطاء عنه على الشك أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما رأى ما في وجهه‏)‏ في رواية شعيب ‏"‏ فلما عرف في وجهي رده هديتي‏"‏‏.‏
وفي رواية الليث عن الزهري عند الترمذي ‏"‏ فلما رأى ما في وجهه من الكراهية ‏"‏ وكذا لابن خزيمة من طريق ابن جريج المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنا لم نرده عليك‏)‏ في رواية شعيب وابن جريج ‏"‏ ليس بنا رد عليك ‏"‏ وفي رواية عبد الرحمن ابن إسحاق عن الزهري عند الطبراني ‏"‏ إنا لم نرده عليك كراهية له ولكنا حرم ‏"‏ قال عياض‏:‏ ضبطناه في الروايات ‏"‏ لم نرده ‏"‏ بفتح الدال، وأبى ذلك المحققون من أهل العربية وقالوا‏:‏ الصواب أنه بضم الدال لأن المضاعف من المجزوم يراعى فيه الواو التي توجبها له ضمة الهاء بعدها‏.‏
قال‏:‏ وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب في الفصيح‏.‏
نعم تعقبوه عليه بأنه ضعيف، وأوهم صنيعه أنه فصيح، وأجازوا أيضا الكسر وهو أضعف الأوجه‏.‏
قلت‏:‏ ووقع في رواية الكشميهني بفك الإدغام ‏"‏ لم نردده ‏"‏ بضم الأولى وسكون الثانية ولا إشكال فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا أنا حرم‏)‏ زاد صالح بن كيسان عند النسائي ‏"‏ لا نأكل الصيد‏"‏‏.‏
وفي رواية سعيد عن ابن عباس ‏"‏ لولا أنا محرمون لقبلناه منك‏"‏‏.‏
واستدل بهذا الحديث على تحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقا لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرما فدل على أنه سبب الامتناع خاصة، وهو قول علي وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق لحديث الصعب هذا، ولما أخرجه أبو داود وغيره من حديث علي ‏"‏ أنه قال لناس من أشجع‏:‏ أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم ‏"‏ لكن يعارض هذا الظاهر ما أخرجه مسلم أيضا من حديث طلحة أنه ‏"‏ أهدى له لحم طير وهو محرم، فوقف من أكله وقال‏:‏ أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
وحديث أبي قتادة المذكور في الباب قبله وحديث عمير بن سلمة ‏"‏ أن البهزي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ظبيا وهو محرم، فأمر أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق‏"‏؛ أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره، وبالجواز مطلقا قال الكوفيون وطائفة من السلف، وجمع الجمهور بين ما اختلف من ذلك بأن أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدي منه للمحرم، وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم‏.‏
قالوا والسبب في الاقتصار على الإحرام عند الاعتذار للصعب أن الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له إلا إذا كان محرما، فبين الشرط الأصلي وسكت عما عداه فلم يدل على نفيه، وقد بينه في الأحاديث الأخر‏.‏
ويؤيد هذا الجمع حديث جابر مرفوعا ‏"‏ صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم ‏"‏ أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة‏.‏
قلت‏:‏ وقد تقدم أن عند النسائي من رواية صالح ابن كيسان ‏"‏ إنا حرم لا نأكل الصيد ‏"‏ فبين العلتين جميعا، وجاء عن مالك تفصيل آخر بين ما صيد للمحرم قبل إحرامه يجوز له الأكل منه أو بعد إحرامه فلا، وعن عثمان التفصيل بين ما يصاد لأجله من المحرمين فيمتنع عليه ولا يمتنع على محرم آخر‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ حديث الصعب يشكل على مالك لأنه يقول‏:‏ ما صيد من أجل المحرم يحرم على المحرم وعلى غير المحرم، فيمكن أن يقال قوله ‏"‏ فرده عليه ‏"‏ لا يستلزم أنه أباح له أكله، بل يجوز أن يكون أمره بإرساله إن كان حيا وطرحه إن كان مذبوحا فإن السكوت عن الحكم لا يدل على الحكم بضده، وتعقب بأنه وقت البيان فلو لم يجز له الانتفاع به لم يرده عليه أصلا إذ لا اختصاص له به‏.‏
وفي حديث الصعب الحكم بالعلامة لقوله ‏"‏ فلما رأى ما في وجهي‏"‏‏.‏
وفيه جواز رد الهدية لعلة، وترجم له المصنف ‏"‏ من رد الهدية لعلة ‏"‏ وفيه الاعتذار عن رد الهدية تطييبا لقلب المهدي، وأن الهبة لا تدخل في الملك إلا بالقبول، وأن قدرته على تملكها لا تصيره مالكا لها، وأن على المحرم أن يرسل ما في يده من الصيد الممتنع عليه اصطياده‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 04:03 PM   #9
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقتل المحرم من الدواب‏)‏ أي مما لا يجب عليه فيه الجزاء، وذكر المصنف فيه ثلاثة أحاديث، الأول منها‏:‏ اختلف فيه علي ابن عمر، فساقه المصنف على الاختلاف كما سأبينه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ حَدَّثَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ حَفْصَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح‏)‏ كذا أورده مختصرا وأحال به على طريق سالم، وهو في الموطأ وتمامه ‏"‏ الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن عبد الله بن دينار‏)‏ هو معطوف على الطريق الأولى، وهو في الموطأ كذلك عن نافع عن ابن عمر، وعن عبد الله بن دينار عن ابن عمر‏.‏
وقد أورده المصنف في بدء الخلق عن القعنبي عن مالك وساق لفظه مثله سواء‏.‏
وكذا أخرجه مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار، وأخرجه أحمد من طريق شعبة عن عبد الله بن دينار فقال ‏"‏ الحية ‏"‏ بدل العقرب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد بن جبير‏)‏ هو الطائي الكوفي، ليس له في الصحيح رواية عن غير ابن عمر، ولا له فيه إلا هذا الحديث وآخر تقدم في المواقيت، وقد خالف نافعا وعبد الله بن دينار في إدخال الواسطة بين ابن عمر وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ووافق سالما، إلا أن زيدا أبهمها وسالما سماها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقتل المحرم‏)‏ كذا ساق منه هذا القدر وأحال به على الطريق التي بعده، وفيه إشارة منه إلى تفسير المبهمة فيه بأنها المسماة في الرواية الأخرى، فقد وصله أبو نعيم في المستخرم من طريق أبي خليفة عن مسدد بإسناد البخاري، وبقيته كرواية حفصة إلا أن فيه تقديما وتأخيرا في بعض الأسماء‏.‏
وأخرجه مسلم عن شيبان عن أبي عوانة فزاد فيه أشياء ولفظه ‏"‏ سأل رجل ابن عمر ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم‏؟‏ فقال‏:‏ حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب والحية ‏"‏ قال ‏"‏ وفي الصلاة أيضا ‏"‏ فلم يقل في أوله خمسا وزاد الحية، وزاد في آخره ذكر الصلاة لينبه بذلك على جواز قتل المذكورات في جميع الأحوال وسأذكر البحث في ذلك، ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق فقد أخرجه مسلم من طريق زهير بن معاوية والإسماعيلي من طريق إسرائيل كلاهما عن زيد بن جبير بدونها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يونس‏)‏ هو ابن يزيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سالم‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ أخبرني سالم ‏"‏ أخرجه عن حرملة عن ابن وهب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ قال لي عبد الله ‏"‏ وفي رواية الإسماعيلي عن سالم عن أبيه أخرجه من طريق إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت حفصة‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ عن حفصة ‏"‏ وهذا والذي قبله قد يوهم أن عبد الله ابن عمر ما سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن وقع في بعض طرق نافع عنه ‏"‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرجه مسلم من طريق ابن جريج قال ‏"‏ أخبرني نافع ‏"‏ وقال مسلم بعده‏:‏ لم يقل أحد عن نافع عن ابن عمر سمعت إلا ابن جريج، وتابعه محمد بن إسحاق، ثم ساقه من طريق ابن إسحاق عن نافع كذلك، فالظاهر أن ابن عمر سمعه من أخته حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه أيضا من النبي صلى الله عليه وسلم يحدث به حين سئل عنه، فقد وقع عند أحمد من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ نادى رجل ‏"‏ ولأبي عوانة في المستخرج من هذا الوجه ‏"‏ أن أعرابيا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نقتل من الدواب إذا أحرمنا ‏"‏ والظاهر أن المبهمة في رواية زيد بن جبير هي حفصة، ويحتمل أن تكون عائشة، وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب فأسقط حفصة من الإسناد والصواب إثباتها في رواية سالم، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يَقْتُلُهُنَّ فِي الْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني يونس‏)‏ هو ابن يزيد أيضا، وظهر بهذا أن لابن وهب عنه عن الزهري فيه إسنادين‏:‏ سالم عن أبيه عن حفصة، وعروة عن عائشة، وقد كان ابن عيينة ينكر طريق الزهري عن عروة، قال الحميدي عن سفيان ‏"‏ حدثنا والله الزهري عن سالم عن أبيه ‏"‏ فقيل له إن معمرا يرويه عن الزهري عن عروة عن عائشة، فقال ‏"‏ حدثنا والله الزهري لم يذكر عروة‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وطريق معمر المشار إليها أوردها المصنف في بدء الخلق من طريق يزيد بن زريع عنه، ورواها النسائي من طريق عبد الرزاق قال عبد الرزاق‏:‏ ذكر بعض أصحابنا أن معمرا كان يذكره عن الزهري عن سالم عن أبيه، وعن عروة عن عائشة، وطريق الزهري عن عروة رواها أيضا شعيب بن أبي حمزة عند أحمد وأبان بن صالح عند النسائي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ‏.‏
وقد تابع الزهري عن عروة هشام بن عروة، أخرجه مسلم أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خمس‏)‏ التقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك لكنه مفهوم عدد، وليس بحجة عند الأكثر، وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولا ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم، فقد ورد في بعض طرق عائشة بلفظ ‏"‏ أربع ‏"‏ وفي بعض طرقها بلفظ ‏"‏ ست ‏"‏ فأما طريق أربع فأخرجها مسلم من طريق القاسم عنها فأسقط العقرب، وأما طريق ست فأخرجها أبو عوانة في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق المحاربي عن هشام عن أبيه عنها فأثبتها وزاد الحية، ويشهد لها طريق شيبان التي تقدمت من عند مسلم وإن كانت خالية عن العدد، وأغرب عياض فقال‏:‏ وفي غير كتاب مسلم ذكر الأفعى فصارت سبعا‏.‏
وتعقب بأن الأفعى داخلة في مسمى الحية‏.‏
والحديث الذي ذكرت فيه أخرجه أبو عوانة في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق ابن عون عن نافع في آخر حديث الباب قال‏:‏ قلت لنافع فالأفعى‏؟‏ قال ومن يشك في الأفعى‏؟‏ ا ه‏.‏
وقد وقع في حديث أبي سعيد عند أبي داود نحو رواية شيبان وزاد السبع العادي فصارت سبعا‏.‏
وفي حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة وابن المنذر زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة فتصير بهذا الاعتبار تسعا، لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور‏.‏
ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ يقتل المحرم الحية والذئب ‏"‏ ورجاله ثقات‏.‏
وأخرج أحمد من طريق حجاج بن أرطاة عن وبرة عن ابن عمر قال ‏"‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب للمحرم ‏"‏ وحجاج ضعيف‏.‏
وخالفه مسعر عن وبرة فرواه موقوفا أخرجه ابن أبي شيبة، فهذا جميع ما وقفت عليه في الأحاديث المرفوعة زيادة على الخمس المشهورة، ولا يخلو شيء من ذلك من مقال، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من الدواب‏)‏ بتشديد الموحدة، جمع دابة وهو ما دب من الحيوان‏.‏
وقد أخرج بعضهم منها الطير لقوله تعالى ‏(‏وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه‏)‏ الآية، وهذا الحديث يرد عليه، فإنه ذكر في الدواب الخمس الغراب والحدأة، ويدل على دخول الطير أيضا عموم قوله تعالى ‏(‏وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها‏)‏ ؛ وقوله تعالى ‏(‏وكأين من دابة لا تحمل رزقها‏)‏ الآية، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم في صفة بدء الخلق ‏"‏ وخلق الدواب يوم الخميس ‏"‏ ولم يفرد الطير بذكر‏.‏
وقد تصرف أهل العرف في الدابة، فمنهم من يخصها بالحمار، ومنهم من يخصها بالفرس، وفائدة ذلك تظهر في الحلف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كلهن فاسق يقتلن‏)‏ قيل فاسق صفة لكل، وفي يقتلن ضمير راجع إلى معنى كل‏.‏
ووقع في رواية مسلم من هذا الوجه ‏"‏ كلها فواسق‏"‏‏.‏
وفي رواية معمر التي في بدء الخلق ‏"‏ خمس فواسق ‏"‏ قال النووي‏:‏ هو بإضافة خمس لا بتنوينه، وجوز ابن دقيق العيد الوجهين وأشار إلى ترجيح الثاني فإنه قال‏:‏ رواية الإضافة تشعر بالتخصيص فيخالفها غيرها في الحكم من طريق المفهوم، ورواية التنوين تقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى فيشعر بأن الحكم المرتب على ذلك وهو القتل معلل بما جعل وصفا وهو الفسق فيدخل فيه كل فاسق من الدواب، ويؤيده رواية يونس التي في حديث الباب‏.‏
قال النووي وغيره‏:‏ تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية في وفق اللغة، فإن أصل الفسق لغة الخروج، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها‏.‏
وقوله تعالى ‏(‏ففسق عن أمر ربه‏)‏ أي خرج، وسمى الرجل فاسقا لخروجه عن طاعة ربه، فهو خروج مخصوص‏.‏
وزعم ابن الأعرابي أنه لا يعرف في كلام الجاهلية ولا شعرهم فاسق، يعني بالمعنى الشرعي‏.‏
وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق فقيل‏:‏ لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله، وقيل في حل أكله لقوله تعالى ‏(‏أو فسقا أهل لغير الله به‏)‏ ‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق‏)‏ وقيل‏:‏ لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع، ومن ثم اختلف أهل الفتوى‏:‏ فمن قال بالأول ألحق بالخمس كل ما جاز قتله للحلال في الحرم وفي الحل، ومن قال بالثاني ألحق ما لا يؤكل إلا ما نهى عن قتله وهذا قد يجامع الأول، ومن قال بالثالث يخص الإلحاق بما يحصل منه الإفساد‏.‏
ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن ماجة‏:‏ قيل له لم قيل للفأرة فويسقة‏؟‏ فقال‏:‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ لها وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت‏.‏
فهذا يومئ إلى أن سبب تسمية الخمس بذلك لكون فعلها يشبه فعل الفساق، وهو يرجح القول الأخير، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقتل في الحرم‏)‏ تقدم في رواية نافع بلفظ ‏"‏ ليس على المحرم في قتلهن جناح ‏"‏ وعرف بذلك أن لا إثم في قتلها على المحرم ولا في الحرم، ويؤخذ منه جواز ذلك للحلال، وفي الحل من باب الأولى‏.‏
وقد وقع ذكر الحل صريحا عند مسلم من طريق معمر عن الزهري عن عروة بلفظ ‏"‏ يقتلن في الحل والحرم ‏"‏ ويعرف حكم الحلال بكونه لم يقم به مانع وهو الإحرام فهو بالجواز أولى، ثم إنه ليس في نفي الجناح - وكذا الحرج في طريق سالم - دلالة على أرجحية الفعل على الترك، لكن ورد في طريق زيد ابن جبير عند مسلم بلفظ ‏"‏ أمر ‏"‏ وكذا في طريق معمر، ولأبي عوانة من طريق ابن نمير عن هشام عن أبيه بلفظ ‏"‏ ليقتل المحرم ‏"‏ وظاهر الأمر الوجوب، ويحتمل الندب والإباحة، وروى البزار من طريق أبي رافع قال ‏"‏ بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته إذ ضرب شيئا، فإذا هي عقرب فقتلها، وأمر بقتل العقرب والحية والفأرة والحدأة للمحرم، لكن هذا الأمر ورد بعد الحظر لعموم نهي المحرم عن القتل فلا يكون للوجوب ولا للندب، ويؤيد ذلك رواية الليث عن نافع بلفظ ‏"‏ أذن ‏"‏ أخرجه مسلم والنسائي عن قتيبة، لكن لم يسق مسلم لفظه‏.‏
وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره ‏"‏ خمس قتلهن حلل للمحرم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الغراب‏)‏ زاد في رواية سعيد بن المسيب عن عائشة عند مسلم ‏"‏ الأبقع ‏"‏ وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض، وأخذ بهذا القيد بعض أصحاب الحديث كما حكاه ابن المنذر وغيره، ثم وجدت ابن خزيمة قد صرح باختياره، وهو قضية حمل المطلق على المقيد‏.‏
وأجاب ابن بطال بأن هذه الزيادة لا تصح لأنها من رواية قتادة عن سعيد، وهو مدلس وقد شذ بذلك‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ لا تثبت هذه الزيادة‏.‏
وقال ابن قدامة‏:‏ الروايات المطلقة أصح‏.‏
وفي جميع هذا التعليل نظر، أما دعوى التدليس فمردودة بأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم وهذا من رواية شعبة، بل صرح النسائي في روايته من طريق النضر بن شميل عن شعبة بسماع قتادة‏.‏
وأما نفي الثبوت فمردود بإخراج مسلم‏.‏
وأما الترجيح فليس من شرط قبول الزيادة بل الزيادة مقبولة من الثقة الحافظ وهو كذلك هنا‏.‏
نعم قال ابن قدامة‏:‏ يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل‏.‏
وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له غراب الزرع ويقال له الزاغ، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ما عداه من الغربان ملتحقا بالأبقع‏.‏
ومنها الغداف على الصحيح في ‏"‏ الروضة ‏"‏ بخلاف تصحيح الرافعي، وسمى ابن قدامة الغداف غراب البين، والمعروف عند أهل اللغة أنه الأبقع، قيل سمي غراب البين لأنه بان عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض، فلقي جيفة فوقع عليها ولم يرجع إلى نوح، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به فكانوا إذا نعب مرتين قالوا‏:‏ آذن بشر، وإذا نعب ثلاثا قالوا‏:‏ آذن بخير، فأبطل الإسلام ذلك، وكان ابن عباس إذا سمع الغراب قال‏:‏ اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك‏.‏
وقال صاحب الهداية‏:‏ المراد بالغراب في الحديث الغداف والأبقع لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع قلا‏.‏
وكذا استثناه ابن قدامة، وما أظن فيه خلافا، وعليه يحمل ما جاء في حديث أبي سعيد عند أبي داود إن صح حيث قال فيه ‏"‏ ويرمي الغراب ولا يقتله ‏"‏ وروى ابن المنذر وغيره نحوه عن علي ومجاهد، قال ابن المنذر‏:‏ أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإحرام إلا ما جاء عن عطاء قال في محرم كسر قرن غراب فقال‏:‏ إن أدماه فعليه الجزاء وقال الخطابي‏:‏ لم يتابع أحد عطاء على هذا، انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون مراده غراب الزرع‏.‏
وعند المالكية اختلاف آخر في الغراب والحدأة هل يتقيد‏.‏
جواز قتلهما بأن يبتدئا بالأذى، وهل يختص ذلك بكبارها‏؟‏ والمشهور عنهم - كما قال ابن شاس - لا فرق وفاقا للجمهور ومن أنواع الغربان الأعصم، وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياض أو حمرة، وله ذكر في قصة حفر عبد المطلب لزمزم، وحكمه حكم الأبقع‏.‏
ومنها العقعق وهو قدر الحمامة على شكل الغراب، قيل سمي بذلك لأنه يعق فراخه فيتركها بلا طعم، وبهذا ظهر أنه نوع من الغربان، والعرب تتشاءم به أيضا‏.‏
ووقع في فتاوى قاضي خان الحنفي‏:‏ من خرج لسفر فسمع صوت العقعق فرجع كفر، وحكمه حكم الأبقع على الصحيح، وقيل حكم غراب الزرع‏.‏
وقال أحمد‏:‏ إن أكل الجيف وإلا فلا بأس به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والحدأ‏)‏ بكسر أوله وفتح ثانيه بعدها همزة بغير مد، وحكى صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏ المد فيه ندورا، ووقع في رواية الكشميهني في حديث عائشة ‏"‏ الحدأة ‏"‏ بزيادة هاء بلفظ الواحدة وليست للتأنيث بل هي كالهاء في التمرة، وحكى الأزهري فيها ‏"‏ حدوة ‏"‏ بواو بدل الهمزة، وسيأتي في بدء الخلق من حديثها بلفظ ‏"‏ الحديا ‏"‏ بضم أوله وتشديد التحتانية مقصور، ومثله لمسلم في رواية هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ قال قاسم بن ثابت‏:‏ الوجه فيه الهمزة، وكأنه سهل ثم أدغم، وقيل هي لغة حجازية، وغيرهم يقول ‏"‏ حدية ‏"‏ وقد تقدم ذكرها في الكلام على الغراب‏.‏
ومن خواص الحدأة أنها تقف في الطيران، ويقال إنها لا تختطف إلا من جهة اليمين، وقد مضى لها ذكر في الصلاة قصة صاحبة الوشاح‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ يلتبس بالحدأ الحدأة بفتح أوله‏:‏ فأس له رأسان‏.‏
قوله ‏(‏والعقرب‏)‏ هذا اللفظ للذكر والأنثى، وقد يقال عقربة وعقرباء، وليس منها العقربان بل هي دويبة طويلة كثيرة القوائم‏.‏
قال صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏ ويقال إن عينها في ظهرها وإنها لا تضر ميتا ولا نائما حتى يتحرك‏.‏
ويقال لدغته العقرب بالغين المعجمة ولسعته بالمهملتين‏.‏
وقد تقدم اختلاف الرواة في ذكر الحية بدلها في حديث الباب ومن جمعهما، والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وسلم نبه بإحداهما على الأخرى عند الاقتصار وبين حكمهما معا حيث جمع‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب‏.‏
وقال نافع لما قيل له‏:‏ فالحية‏؟‏ قال‏:‏ لا يختلف فيها وفي رواية‏:‏ ومن يشك فيها‏؟‏ وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شعبة أنه سأل الحكم وحمادا فقالا‏:‏ لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب‏.‏
قال‏:‏ ومن حجتهما أنهما من هوام الأرض فيلزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوام، وهذا اعتلال لا معنى له، نعم عند المالكية خلاف في قتل صغير الحية والعقرب التي لا تتمكن من الأذى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والفأر‏)‏ بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل، ولم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم إلا ما حكى عن إبراهيم النخعي فإنه قال‏:‏ فيها جزاء إذا قتلها المحرم أخرجه ابن المنذر‏.‏
وقال‏:‏ هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم‏.‏
وروى البيهقي بإسناد صحيح حماد بن زيد قال لما ذكروا له هذا القول‏:‏ ما كان بالكوفة أفحش ردا للآثار من إبراهيم النخعي لقلة ما سمع منها، ولا أحسن اتباعا لها من الشعبي لكثرة ما سمع‏.‏
ونقل ابن شاس عن المالكية خلافا في جواز قتل الصغير منها الذي لا يتمكن من الأذى‏.‏
والفأر أنواع، منها الجرذ بالجيم بوزن عمر، والخلد بضم المعجمة وسكون اللام، وفأرة الإبل، وفأرة المسك، وفأرة الغيط، وحكمها في تحريم الأكل وجواز القتل سواء، وسيأتي في الأدب إطلاق الفويسقة عليها من حديث جابر، وتقدم سبب تسميتها بذلك من حديث أبي سعيد‏.‏
وقيل إنما سميت بذلك لأنها قطعت حبال سفينة نوح، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والكلب العقور‏)‏ الكلب معروف والأنثى كلبة والجمع أكلب وكلاب وكليب بالفتح، كأعبد وعباد وعبيد‏.‏
وفي الكلب بهيمية سبعية كأنه مركب‏.‏
وفيه منافع للحراسة والصيد كما سيأتي في بابه‏.‏
وفيه من اقتفاء الأثر وشم الرائحة والحراسة وخفة النوم والتودد وقبول التعليم ما ليس لغيره‏.‏
وقيل إن أول من اتخذه للحراسة نوح عليه السلام وقد سبق البحث في نجاسته في كتاب الطهارة ويأتي في بدء الخلق جملة من خصاله‏.‏
واختلف العلماء في المراد به هنا، وهل لوصفه بكونه عقورا مفهوم أو لا‏؟‏ فروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أبي هريرة قال‏:‏ الكلب العقور الأسد‏.‏
وعن سفيان عن زيد بن أسلم أنهم سألوه عن الكلب العقور فقال‏:‏ وأي كلب أعقر من الحية‏؟‏ وقال زفر‏:‏ المراد بالكلب العقور هنا الذئب خاصة‏.‏
وقال مالك في الموطأ‏:‏ كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب هو العقور‏.‏
وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان، وهو قول الجمهور‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ المراد بالكلب هنا الكلب خاصة، ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب‏.‏
واحتج أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ‏"‏ فقتله الأسد‏.‏
وهو حديث حسن أخرجه الحاكم من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه، واحتج بقوله تعالى ‏(‏وما علمتم من الجوارح مكلبين‏)‏ فاشتقها من اسم الكلب، فلهذا قيل لكل جارح عقور‏.‏
واحتج الطحاوي للحنفية بأن العلماء اتفقوا على تحريم قتل البازي والصقر وهما من سباع الطير فدل ذلك على اختصاص التحريم بالغراب والحدأة، وكذلك يختص التحريم بالكلب وما شاركه في صفته وهو الذئب‏.‏
وتعقب برد الاتفاق، فإن مخالفيهم أجازوا قتل كل ما عدا وافترس، فيدحل فيه الصقر وغيره، بل معظمهم قال‏:‏ يلتحق بالخمس كل ما نهى عن أكله إلا ما نهي عن قتله‏.‏
واختلف العلماء في غير العقور مما لم يؤمر باقتنائه، فصرح بتحريم قتله القاضيان حسين والماوردي وغيرهما، ووقع في ‏"‏ الأم ‏"‏ للشافعي الجواز، واختلف كلام النووي فقال في البيع من ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏‏:‏ لا خلاف بين أصحابنا في أنه محترم لا يجوز قتله‏.‏
وقال في التيمم والغصب‏:‏ إنه غير محترم‏.‏
وقال في الحج‏:‏ يكره قتله كراهة تنزيه‏.‏
وهذا اختلاف شديد، وعلى كراهة قتله اقتصر الرافعي وتبعه في ‏"‏ الروضة ‏"‏ وزاد‏:‏ أنها كراهة تنزيه، والله أعلم‏.‏
وذهب الجمهور كما تقدم إلى إلحاق غير الخمس بها في هذا الحكم، إلا أنهم اختلفوا في المعنى فقيل‏:‏ لكونها مؤذية فيجوز قتل كل مؤذ، وهذا قضية مذهب مالك‏.‏
وقيل‏:‏ لكونها مما لا يؤكل، فعلى هذا كل ما يجوز قتله لا فدية على المحرم فيه، وهذا قضية مذهب الشافعي‏.‏
وقد قسم هو وأصحابه الحيوان بالنسبة للمحرم إلى ثلاثة أقسام‏:‏ قسم يستحب كالخمس وما في معناها مما يؤذي، وقسم يجوز كسائر ما لا يؤكل لحمه وهو قسمان‏:‏ ما يحصل منه نفع وضرر فيباح لما فيه من منفعة الاصطياد ولا يكره لما فيه من العدوان، وقسم ليس فيه نفع ولا ضرر فيكره قتله ولا يحرم‏.‏
والقسم الثالث ما أبيح أكله أو نهى عن قتله فلا يجوز ففيه الجزاء إذا قتله المحرم‏.‏
وخالف الحنفية فاقتصروا على الخمس إلا أنهم ألحقوا بها الحية لثبوت الخبر، والذئب لمشاركته للكلب في الكلبية، وألحقوا بذلك من ابتدأ بالعدوان والأذى من غيرها، وتعقب بظهور المعنى في الخمس وهو الأذى الطبيعي والعدوان المركب، والمعنى إذا ظهر في المنصوص عليه تعدي الحكم إلى كل ما وجد فيه ذلك المعنى، كما وافقوا عليه في مسائل الربا‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ والتعدية بمعنى الأذى إلى كل مؤذ قوي بالإضافة إلى تصرف أهل القياس، فإنه ظاهر من جهة الإيماء بالتعليل بالفسق وهو الخروج عن الحد، وأما التعليل بحرمة الأكل ففيه إبطال لما دل عليه إيماء النص من التعليل بالفسق‏.‏
انتهى‏.‏
وقال غيره‏:‏ هو راجع إلى تفسير الفسق، فمن فسره بأنه الخروج عن بقية الحيوان بالأذى علل به، ومن قال بجواز القتل وتحريم الأكل علل به‏.‏
وقال من علل بالأذى‏:‏ أنواع الأذى مختلفة، وكأنه نبه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى باللسع ونحوه من ذوات السموم كالحية والزنبور، وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض كابن عرس، وبالغراب والحدأ على ما يشاركهما بالاختطاف كالصقر، وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر كالأسد والفهد‏.‏
وقال‏:‏ من علل بتحريم الأكل وجواز القتل إنما اقتصر على الخمس لكثرة ملابستها للناس بحيث يعم أذاها، والتخصيص بالغلبة لا مفهوم له‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ نقل الرافعي عن الإمام أن هذه الفواسق لا ملك فيها لأحد ولا اختصاص، ولا يجب ردها على صاحبها، ولم يذكر مثل ذلك في غير الخمس مما يلتحق بها في المعنى، فليتأمل‏.‏
واستدل به على جواز قتل من لجأ إلى الحرم ممن وجب عليه القتل لأن إباحة قتل هذه الأشياء معلل بالفسق والقاتل فاسق فيقتل بل هو أولى، لأن فسق المذكورات طبيعي، والمكلفة إذا ارتكب الفسق هاتك لحرمة نفسه فهو أولى بإقامة مقتضى الفسق عليه‏.‏
وأشار ابن دقيق العيد إلى أنه بحث قابل للنزاع، وسيأتي بسط القول فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ بِمِنًى إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا وَإِنِّي لَأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتُلُوهَا فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثني إبراهيم‏)‏ هو ابن يزيد النخعي، والأسود هو النخعي خاله، وعبد الله هو ابن مسعود‏.‏
وقد اختلف على الأعمش في إسناد هل الحديث كما سيأتي بيانه في بدء الخلق‏.‏
قوله ‏(‏في غار بمنى‏)‏ وقع عند الإسماعيلي من طريق ابن نمير عن حفص بن غياث أن ذلك كان ليلة عرفة، وبذلك يتم الاحتجاج به على مقصود الباب من جواز قتل الحية للمحرم، كما يدل قوله ‏"‏ بمنى ‏"‏ على أن ذلك كان في الحرم، وعرف بذلك الرد على من قال ليس في حديث عبد الله ما يدل على أنه أمر بقتل الحية في حال الإحرام، لاحتمال أن يكون ذلك بعد طواف الإفاضة، وقد رواه مسلم وابن خزيمة واللفظ له عن أبي كريب عن حفص بن غياث مختصرا ولفظه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر محرما بقتل حية في الحرم بمنى ‏"‏ ووقع في رواية أبي الوقت عقب حديث الباب‏:‏ قال أبو عبد الله وهو المصنف‏:‏ إنما أردنا بهذا أن منى من الحرم، وأنهم لم يروا بقتل الحية - يعني فيه - بأسا ووقع هذا الكلام عند أبي ذر في آخر الباب، ومحله عقب حديث ابن مسعود‏.‏
قوله ‏(‏رطبة‏)‏ أي لم يجف ريقه بها‏.‏
قوله ‏(‏كما وقيتم شرها‏)‏ بالنصب لأنه مفعول ثان، وكذلك قوله ‏"‏ وقيت شركم ‏"‏ أي أن الله سلمها منكم كما سلمكم منها، وهو من مجاز المقابلة‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ أجمع من يحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم قتل الحية، وتعقب بما تقدم عن الحكم وحماد وبما عند المالكية من استثناء ما صغر منها بحيث لا يتمكن من الأذى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْوَزَغِ فُوَيْسِقٌ وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ إِنَّمَا أَرَدْنَا بِهَذَا أَنَّ مِنًى مِنْ الْحَرَمِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا بِقَتْلِ الْحَيَّةِ بَأْسًا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس‏.‏
قوله ‏(‏قال للوزغ فويسق‏)‏ اللام بمعنى عن، والمعنى أنه سماه فويسقا، وهو تصغير تحقير مبالغة في الذم‏.‏
قوله ‏(‏ولم أسمعه أمر بقتله‏)‏ هو مقول عن عائشة والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، وقضية تسميته إياه فويسقا أن يكون قتله مباحا، وكونها لم تسمعه لا يدل على منع ذلك فقد سمعه غيرها كما سيأتي في بدء الخلق عن سعد بن أبي وقاص وغيره، ونقل ابن عبد البر الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم، لكن نقل ابن عبد الحكم وغيره عن مالك‏:‏ لا يقتل المحرم الوزغ، زاد ابن القاسم‏:‏ وإن قتله يتصدق لأنه ليس من الخمس المأمور بقتلها‏.‏
وروى ابن أبي شيبة أن عطاء سئل عن قتل الوزغ في الحرم فقال‏:‏ إذا آذاك فلا بأس بقتله‏.‏
وهذا يفهم توقف قتله على أذاه‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 04:04 PM   #10
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يُعْضَدُ شَجَرُ الْحَرَمِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب لا يعضد شجر الحرم‏)‏ بضم أوله وفتح الضاد المعجمة، أي لا يقطع‏.‏
قوله ‏(‏وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعضد شوكه‏)‏ سيأتي موصولا بعد باب ويأتي البحث فيه هناك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ مَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخُرْبَةٍ خُرْبَةٌ بَلِيَّةٌ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏عن سعيد‏)‏ في رواية عبد الله بن يوسف عن الليث حدثني سعيد كما تقدم في العلم‏.‏
قوله ‏(‏عن أبي شريح العدوي‏)‏ كذا وقع هنا، وفيه نظر لأنه خزاعي من بني كعب بن ربيعة ابن لحي، بطن من خزاعة، ولهذا يقال له الكعبي أيضا، وليس هو من بني عدي، لا عدي قريش ولا عدي مضر، فلعله كان حليفا لبني عدي بن كعب من قريش، وقيل في خزاعة بطن يقال ثم لهو بنو عدي، وقد وقع في رواية ابن أبي ذئب عن سعيد ‏"‏ سمعت أبا شريح ‏"‏ أخرجه أحمد‏.‏
واختلف في اسمه فالمشهور أنه خويلد بن عمرو، وقيل ابن صخر، وقيل هانئ بن عمرو، وقيل عبد الرحمن، وقيل كعب، وقيل عمرو بن خويلد، وقيل مطر، أسلم قبل الفتح، وحمل بعض ألوية قومه، وسكن المدينة ومات بها سنة ثمان وستين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديثين آخرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لعمرو بن سعيد‏)‏ أي ابن أبي العاص بن سعيد بن العاص بن أمية المعروف بالأشدق، وقد تقدم ذلك مع شرح بعض الحديث في ‏"‏ باب تبليغ العلم ‏"‏ من كتاب العلم‏.‏
ووقع عند أحمد من طريق ابن إسحاق عن سعيد المقبري زيادة في أوله توضح المقصود وهي ‏"‏ لما بعث عمرو بن سعيد إلى مكة بعثه لغزو ابن الزبير أتاه أبو شريح فكلمه وأخبره بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلى نادى قومه فجلس فيه، فقمت إليه فجلست معه فحدث قومه قال‏:‏ قلت له يا هذا إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة، فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك، فقام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
وأخرج أحمد أيضا من طريق الزهري عن مسلم بن يزيد الليثي عن أبي شريح الخزاعي أنه سمعه يقول ‏"‏ أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في قتال بني بكر حتى أصبنا منهم ثأرنا وهو بمكة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع السيف، فلقي الغد رهط منا رجلا من هذيل في الحرم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان وترهم في الجاهلية وكانوا يطلبونه فقتلوه، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضبا شديدا ما رأيته غضب أشد منه، فلما صلى قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال‏:‏ أما بعد فإن الله حرم مكة ‏"‏ انتهى‏.‏
وقد ذكر أبو هريرة في حديثه هذه القصة مختصرة وتقدم الكلام عليها في ‏"‏ باب كتابة العلم ‏"‏ من كتاب العلم، وذكرنا أن عمرو بن سعيد كان أميرا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية وأنه جهز إلى مكة جيشا لغزو عبد الله بن الزبير بمكة، وقد ذكر الطبري القصة عن مشايخه فقالوا‏:‏ كان قدوم عمرو بن سعيد واليا علي المدينة من قبل يزيد بن معاوية في ذي القعدة سنة ستين، وقيل قدمها في رمضان منها وهي السنة التي ولى فيها يزيد الخلافة، فامتنع ابن الزبير من بيعته وأقام بمكة، فجهز إليه عمرو بن سعيد جيشا وأمر عليهم عمرو بن الزبير وكان معاديا لأخيه عبد الله، وكان عمرو بن سعيد قد ولاه شرطته ثم أرسله إلى قتال أخيه، فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه فامتنع، وجاء أبو شريح فذكر القصة، فلما نزل الجيش ذا طوى خرج إليهم جماعة من أهل مكة فهزموهم وأسر عمرو بن الزبير فسجنه أخوه بسجن عارم، وكان عمرو بن الزبير قد ضرب جماعة من أهل المدينة ممن اتهم بالميل إلى أخيه فأقادهم عبد الله منه حتى مات عمرو من ذلك الضرب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في السيرة لابن إسحاق ومغازي الواقدي أن المراجعة المذكورة وقعت بين أبي شريح وبين عمرو بن الزبير، فإن كان محفوظا احتمل أن يكون أبو شريح راجع الباعث والمبعوث، والله أعلم‏.‏
قوله ‏(‏وهو يبعث البعوث‏)‏ هي جمع بعث بمعنى مبعوث وهو من تسمية المفعول بالمصدر والمراد به الجيش المجهز للقتال‏.‏
قوله ‏(‏إيذن‏)‏ أصله ائذن بهمزتين فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها‏.‏
قوله ‏(‏أيها الأمير‏)‏ الأصل فيه يا أيها الأمير فحذف حرف النداء، ويستفاد منه حسن التلطف في مخاطبة السلطان ليكون أدعى لقبولهم النصيحة وأن السلطان لا يخاطب إلا بعد استئذانه ولا سيما إذا كان في أمر يعترض به عليه، فترك ذلك والغلظة له قد يكون سببا لإثارة نفسه ومعاندة من يخاطبه، وسيأتي في الحدود قول والد العسيف ‏"‏ وائذن لي‏"‏‏.‏
قوله ‏(‏قام به‏)‏ صفة للقول، والمقول هو حمد الله تعالى الخ‏.‏
وقوله ‏"‏الغد ‏"‏ بالنصب أي ثاني يوم الفتح وقد تقدم بيانه‏.‏
قوله ‏(‏سمعته أذناي الخ‏)‏ فيه إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه، فقوله ‏"‏ سمعته ‏"‏ أي حملته عنه بغير واسطة، وذكر الأذنين للتأكيد، وقوله ‏"‏ووعاه قلبي ‏"‏ تحقيق لفهمه وتثبته، وقوله ‏"‏وأبصرته عيناي ‏"‏ زيادة في تحقيق ذلك وأن سماعه منه ليس اعتمادا على الصوت فقط بل مع المشاهدة، وقوله ‏"‏حين تكلم به ‏"‏ أي بالقول المذكور، ويؤخذ من قوله ‏"‏ ووعاه قلبي ‏"‏ أن العقل محله القلب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنه حمد الله‏)‏ هو بيان لقوله تكلم، ويؤخذ منه استحباب الثناء بين يدي تعليم العلم وتبيين الأحكام والخطبة في الأمور المهمة وقد تقدم من رواية ابن إسحاق أنه قال فيها ‏"‏ أما بعد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الله حرم مكة‏)‏ أي حكم بتحريمها وقضاه، وظاهره أن حكم الله تعالى في مكة أن لا يقاتل أهلها ويؤمن من استجار بها ولا يتعرض له، وهو أحد أقوال المفسرين في قوله تعالى ‏(‏ومن دخله كان آمنا‏)‏ وقوله ‏(‏أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا‏)‏ ، وسيأتي بعد باب في حديث ابن عباس بلفظ ‏"‏ هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض‏"‏، ولا معارضة بين هذا وبين قوله الآتي في الجهاد وغيره من حديث أنس ‏"‏ أن إبراهيم حرم مكة ‏"‏ لأن المعنى أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده، أو أن الله قضى يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة، أو المعنى أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس، وكانت قبل ذلك عند الله حراما، أو أول من أظهره بعد الطوفان‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ معناه أن الله حرم مكة ابتداء من غير سبب ينسب لأحد ولا لأحد فيه مدخل قال‏:‏ ولأجل هذا أكد المعنى بقوله ‏"‏ ولم يحرمها الناس ‏"‏ والمراد بقوله ولم يحرمها الناس أن تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل للعقل فيه، أو المراد أنها من محرمات الله فيجب امتثال ذلك، وليس من محرمات الناس يعني في الجاهلية كما حرموا أشياء من عند أنفسهم فلا يسوغ الاجتهاد في تركه‏.‏
وقيل معناه أن حرمتها مستمرة من أول الخلق، وليس مما اختصت به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا يحل الخ‏)‏ فيه تلبيه على الامتثال لأن من آمن بالله لزمته طاعته، ومن آمن باليوم الآخر لزمه امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه خوف الحساب عليه، وقد تعلق به من قال‏:‏ إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، والصحيح عند الأكثر خلافه، وجوابهم بأن المؤمن هو الذي ينقاد للأحكام وينزجر عن المحرمات فجعل الكلام معه وليس فيه نفي ذلك عن غيره‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ الذي أراه أنه من خطاب التهييج، نحو قوله تعالى ‏(‏وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين‏)‏ فالمعنى أن استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه، فهذا هو المقتضي لذكر هذا الوصف، ولو قيل لا يحل لأحد مطلقا لم يحصل منه هذا الغرض وإن أفاد التحريم‏.‏
قوله ‏(‏أن يسفك بها دما‏)‏ تقدم ضبطه في العلم، واستدل به على تحريم القتل والقتال بمكة، وسيأتي البحث فيه بعد باب في الكلام على حديث ابن عباس‏.‏
قوله ‏(‏ولا يعضد بها شجرة‏)‏ أي لا يقطع‏.‏
قال ابن الجوزي‏:‏ أصحاب الحديث يقولون ‏"‏ يعضد ‏"‏ بضم الضاد‏.‏
وقال لنا ابن الخشاب هو بكسرها، والمعضد بكسر أوله الآلة التي يقطع بها‏.‏
قال الخليل‏:‏ المعضد الممتهن من السيوف في قطع الشجر‏.‏
وقال الطبري‏:‏ أصله من عضد الرجل إذا أصابه بسوء في عضده، ووقع في رواية لعمر بن شبة بلفظ ‏"‏ لا يخضد ‏"‏ بالخاء المعجمة بدل العين المهملة، وهو راجع إلى معناه فإن أصل الخضد الكسر ويستعمل في القطع‏.‏
قال القرطبي‏:‏ خص الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما ينبته الله تعالى من غير صنع آدمي، فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه والجمهور عل الجواز‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ في الجميع الجزاء، ورجحه ابن قدامة‏.‏
واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول فقال مالك‏:‏ لا جزاء فيه بل يأثم‏.‏
وقال عطاء‏:‏ يستغفر‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ يؤخذ بقيمته هدي‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ في العظيمة بقرة وفيما دونها شاة‏.‏
واحتج الطبري بالقياس على جزاء الصيد، وتعقبه ابن القصار بأنه كان يلزمه أن يجعل الجزاء على المحرم إذا قطع شيئا من شجر الحل ولا قائل به‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم، إلا أن الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة، كذا نقله أبو ثور عنه، وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها وبهذا قال عطاء ومجاهد وغيرهما، وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذي بطبعه فأشبه الفواسق، ومنعه الجمهور كما سيأتي في حديث ابن عباس بعد باب بلفظ ‏"‏ ولا يعضد شوكه ‏"‏ وصححه المتولي من الشافعية، وأجابوا بأن القياس المذكور في مقابلة النص‏.‏
فلا يعتبر به، حتى ولو لم يرد النص على تحريم الشوك لكان في تحريم قطع الشجر دليل على تحريم قطع الشوك لأن غالب شجر الحرم كذلك، ولقيام الفارق أيضا فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر‏.‏
قال ابن قدامة‏:‏ ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع من الشجر بغير صنع آدمي ولا بما يسقط من الورق نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا‏.‏
قوله ‏(‏فإن أحد‏)‏ هو فاعل بفعل مضمر يفسره ما بعده، وقوله ‏"‏ترخص ‏"‏ مشتق من الرخصة‏.‏
وفي رواية ابن أبي ذئب عند أحمد ‏"‏ فإن ترخص مترخص فقال‏:‏ أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس ‏"‏ وفي مرسل عطاء بن يزيد عند سعيد بن منصور ‏"‏ فلا يستن بي أحد فيقول قتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنما أذن لي‏)‏ بفتح أوله والفاعل الله، ويروي بضمه على البناء للمفعول‏.‏
قوله ‏(‏ساعة من نهار‏)‏ تقدم في العلم أن مقدارها ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر، ولفظ الحديث عند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏"‏ لما فتحت مكة قال‏:‏ كفوا السلاح، إلا خزاعة عن بني بكر‏.‏
فأذن لهم حتى صلى العصر، ثم قال‏:‏ كفوا السلاح، فلقي رجل من خزاعة رجلا من بني بكر من غد بالمزدلفة فقتله، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام خطيبا فقال، ورأيته مسندا ظهره إلى الكعبة ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
ويستفاد منه أن قتل من أذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتلهم - كابن خطل - وقع في الوقت الذي أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم فيه القتال، خلافا لمن حمل قوله ‏"‏ ساعة من النهار ‏"‏ على ظاهره فاحتاج إلى الجواب عن قصة ابن خطل‏.‏
قوله ‏(‏وقد عادت حرمتها‏)‏ أي الحكم الذي في مقابلة إباحة القتال المستفادة من لفظ الإذن‏.‏
وقوله ‏(‏اليوم‏)‏ المراد به الزمن الحاضر، وقد بين غايته في رواية ابن أبي ذئب المذكورة بقوله ‏"‏ ثم هي حرام إلى يوم القيامة‏"‏‏.‏
وكذا في حديث ابن عباس الآتي بعد باب بقوله ‏"‏ فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليبلغ الشاهد الغائب‏)‏ قال ابن جرير‏:‏ فيه دليل على جواز قبول خبر الواحد، لأنه معلوم أن كل من شهد الخطبة قد لزمه الإبلاغ، وأنه لم يأمرهم بإبلاغ الغائب عنهم إلا وهو لازم له فرض العمل بما أبلغه كالذي لزم السامع سواء، وإلا لم يكن للأمر بالتبليغ فائدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقيل لأبي شريح‏)‏ لم أعرف اسم القائل، وظاهر رواية ابن إسحاق أنه بعض قومه من خزاعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يعيذ‏)‏ بالذال المعجمة أى لا يجير ولا يعصم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا فارا‏)‏ بالفاء وتثقيل الراء أي هاربا، والمراد من وجب عليه حد القتل فهرب إلى مكة مستجيرا بالحرم، وهي مسألة خلاف بين العلماء، وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساق الدليل وفي تخصيصه العموم بلا مستند‏.‏
قوله ‏(‏بخربة‏)‏ تقدم تفسيره في العلم، وأشار ابن العربي إلى ضبطه بكسر أوله وبالزاي بدل الراء والتحتانية بدل الموحدة جعله من الخزي، والمعنى صحيح لكن لا تساعد عليه الرواية‏.‏
وأغرب الكرماني لما حكى هذا الوجه فأبدل الخاء المعجمة جيما جعله من الجزية، وذكر الجزية وكذا الذم بعد ذكر العصيان من الخاص بعد العام‏.‏
قوله ‏(‏خربة بلية‏)‏ هو تفسير من الراوي، والظاهر أنه المصنف، فقد وقع في المغازي في آخره ‏"‏ قال أبو عبد الله‏:‏ الخربة البلية ‏"‏ وسبق في العلم في آخره ‏"‏ يعني المسرقة ‏"‏ وهي أحد ما قيل في تأويلها، وأصلها سرقة الإبل ثم استعملت في كل سرقة‏.‏
وعن الخليل‏:‏ الخربة الفساد في الإبل، وقيل العيب، وقيل بضم أوله العورة وقيل الفساد، وبفتحه الفعلة الواحدة من الخرابة وهي السرقة‏.‏
وقد وهم من عد كلام عمرو بن سعيد هذا حديثا واحتج بما تضمنه كلامه‏.‏
قال ابن حزم‏:‏ لا كرامة للطيم الشيطان يكون أعلم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وأغرب ابن بطال فزعم أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو بن سعيد دال على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور، ويعكر عليه ما وقع في رواية أحمد أنه قال في آخره‏:‏ قال أبو شريح فقلت لعمرو قد كنت شاهدا وكنت غائبا‏.‏
وقد أمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا، وقد بلغتك‏.‏
فهذا يشعر بأنه لم يوافقه، وإنما ترك مشاققته لعجزه عنه لما كان فيه من قوة الشوكة‏.‏
وقال ابن بطال أيضا‏:‏ ليس قول عمرو جوابا لأبي شريح، لأنه لم يختلف معه في أن من أصاب حدا في غير الحرم ثم لجأ إليه أنه يجوز إقامة الحد عليه في الحرم، فإن أبا شريح أنكر بعث عمرو الجيش إلى مكة ونصب الحرب عليها فأحسن في استدلاله بالحديث، وحاد عمرو عن جوابه وأجابه عن غير سؤاله‏.‏
وتعقبه الطيبي بأنه لم يحد في جوابه، وإنما أجاب بما يقتضي القول بالموجب كأنه قال له‏:‏ صح سماعك وحفظك، لكن المعنى المراد من الحديث الذي ذكرته خلاف ما فهمته منه، فإن ذلك الترخص كان بسبب الفتح وليس، بسبب قتل من استحق القتل خارج الحرم ثم استجار بالحرم، والذي أنا فيه من القبيل الثاني‏.‏
قلت‏:‏ لكنها دعوى من عمرو بغير دليل، لأن ابن الزبير لم يجب عليه حد فعاذ بالحرم فرارا منه حتى يصح جواب عمرو، نعم كان عمرو يرى وجوب طاعة يزيد الذي استنابه، وكان يزيد أمر ابن الزبير أن يبايع له بالخلافة ويحضر إليه في جامعة يعني مغلولا فامتنع ابن الزبير وعاذ بالحرم فكان يقال له بذلك عائذ الله، وكان عمرو يعتقد أنه عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد ولهذا صدر كلامه بقوله ‏"‏ إن الحرم لا يعيذ عاصيا ‏"‏ ثم ذكر بقية ما ذكر استطرادا، فهذه شبهة عمرو وهي واهية‏.‏
وهذه المسألة التي وقع فيها الاختلاف بين أبي شريح وعمرو فيها اختلاف بين العلماء أيضا كما سيأتي بعد باب في الكلام على حديث ابن عباس‏.‏
وفي حديث أبي شريح من الفوائد غير ما تقدم جواز إخبار المرء عن نفسه بما يقتضى ثقته وضبطه لما سمعه ونحو ذلك، وإنكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر الدين والموعظة بلطف وتدريج، والاقتصار في الإنكار على اللسان إذا لم يستطع باليد، ووقوع التأكيد في الكلام البليغ، وجواز المجادلة في الأمور الدينية، وجواز النسخ، وأن مسائل الاجتهاد لا يكون فيها مجتهد حجة على مجتهد‏.‏
وفيه الخروج عن عهدة التبليغ والصبر على المكاره لمن لا يستطيع بدا من ذلك، وتمسك به من قال‏:‏ إن مكة فتحت عنوة‏.‏
قال النووي‏:‏ تأول من قال فتحت صلحا بأن القتال كان جائزا له لو فعله لكن لم يحتج إليه، وتعقب بأنه خلاف الواقع، وسيأتي البحث فيه في المغازي‏.‏
وقد تقدمت تسمية القاتل والمقتول في قصة أبي شريح في الكلام على حديث أبي هريرة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يُنَفَّرُ صَيْدُ الْحَرَمِ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب لا ينفر صيد الحرم‏)‏ بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة، قيل هو كناية عن الاصطياد، وقل هو على ظاهره كما سيأتي‏.‏
قال النووي‏:‏ يحرم التنفير - وهو الإزعاج - عن موضعه، فإن نفره عصى سواء تلف أو لا، فإن تلف في نفاره قبل سكونه ضمن وإلا فلا‏.‏
قال العلماء‏:‏ يستفاد من النهي عن التنفير تحريم الإتلاف بالأولى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ وَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ وَعَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا هُوَ أَنْ يُنَحِّيَهُ مِنْ الظِّلِّ يَنْزِلُ مَكَانَهُ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو الثقفي، وخالد هو الحذاء‏.‏
قوله ‏(‏إن الله حرم مكة فلم تحل لأحد بعدي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فلا تحل ‏"‏ وهو أليق بقصد الأمر الآتي، وقد ذكره في الباب الذي بعده بلفظ ‏"‏ وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ‏"‏ وهو عند المصنف في أوائل البيع من طريق خالد الطحان عن خالد الحذاء بلفظ ‏"‏ فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ‏"‏ ومثله لأحمد من طريق وهيب عن خالد‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ ولا تحل لأحد بعدي ‏"‏ الإخبار عن الحكم في ذلك لا الإخبار بما سيقع لوقوع خلاف ذلك في الشاهد كما وقع من الحجاج وغيره‏.‏
انتهى‏.‏
ومحصله أنه خبر بمعنى النهي، بخلاف قوله ‏"‏ فلم تحل لأحد قبلي ‏"‏ فإنه خبر محض، أو معنى قوله ‏"‏ ولا تحل لأحد بعدي ‏"‏ أي لا يحلها الله بعدي، لأن النسخ ينقطع بعده لكونه خاتم النبيين‏.‏
قوله ‏(‏وعن خالد‏)‏ هو بالإسناد المذكور، وسيأتي في أوائل البيوع بأوضح مما هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هل تدري ما لا ينفر صيدها الخ‏)‏ قيل نبه عكرمة بذلك على المنع من الإتلاف وسائر أنواع الأذى تنبيها بالأدنى على الأعلى، وقد خالف عكرمة عطاء ومجاهد فقالا‏:‏ لا بأس بطرده ما لم يفض إلى قتله‏.‏
أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏
وروى ابن أبي شيبه أيضا من طريق الحكم عن شيخ من أهل مكة أن حماما كان على البيت فذرق على يد عمر، فأشار عمر بيده فطار فوقع على بعض بيوت مكة، فجاءت حية فأكلته، فحكم عمر على نفسه بشاة‏.‏
وروى من طريق أخرى عن عثمان نحوه‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
كاتب الموضوع حسن الخليفه احمد مشاركات 538 المشاهدات 129610  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
::×:: هذا المُنتدى لا يمثل الموقع الرسمي للطريقة الختمية بل هُو تجمُّع فكري وثقافي لشباب الختمية::×::

تصميم: صبري طه