القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة

مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري


غير مسجل أهلاً ومرحباً بكم

العودة   منتديات الختمية > الأقسام العامة > المنتدى العام

المنتدى العام لقاء الأحبة في الله لمناقشة جميع المواضيع

سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....

المنتدى العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-03-2010, 03:18 PM   #1
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
Red face سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




لقاء خاطف مع الأستاذ والكاتب الصحفي بابكر فيصل ...

كان لنا شرف اللقاء مع الأستاذ والكاتب الصحفي بابكر فيصل بعد الندوة السياسية التي تحدث فيها ضمن الإسبوع الثقافي المصاحب لحولية السيد على الميرغني متحدثاً عن - الوحدة ومآلات الإنفصال - بصحبة الشقيق الأستاذ بشير على العبيد والأستاذة إنعام عبد الحفيظ ، وبعد نهاية البرنامج توجهنا له معرفين أنفسنا - منتديات الختمية - وعلى الفور قال : متابع العمل وعمل ممتاز ، ووعدنا بمدنا بجميع مقالاته وكتاباته والعديد من القضايا المهمة التي تخدم الجميع ، ووجهنا له الدعوة للانضمام لكوكبة المنتدى فوعدنا بذلك ،،،

وهذه آخر كتاباته بصحيفة السوداني ...

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الغزو الوهّابي والأنسانيات السودانية: مفاكرة مع السّيد الأمام الصادق المهدي .. بقلم: بابكرفيصل بابكر

في السادس عشر من رمضان الماضي ألقى الأمام الصادق المهدي في خيمة الصحفيين الرمضانية محاضرة قيمّة بعنوان " الأنسانيات السودانية" دافع فيها عن تاريخ السودان وقيم أهل السودان. قال السيد الامام أنّ السودان وطن حضارات عظيمة على عكس ما تذكره بعض الكتب والمقالات من أنّه وجد صدفة أو أوجده الغزو العثماني, وقال كذلك انّ كثيرا من فترات الأزدهار الحضاري السوداني ملتف بالغموض ويحتاج لمزيد من التوثيق التاريخي ومن التجسيد المتحفي, وأنّ (من أخطر نتائج هذه الغفلة عن تاريخنا الأستعداد الكبير في مجتمعاتنا المعاصرة للأستلاب).
ذكر السيد الأمام العديد من الأمثلة لمظاهر هذا الأستلاب مثل أسماء المحلات التجارية "كوافير ديانا – مطعم هافنا- سوبرماركت باريس", و زفة العرس وملابس العرسان وأنواع المكياج الغربية التي قال انّها تناقض (ألواننا وتعارض مناخنا وتعاكس أذواقنا). وكذلك أشار الي أنّه توجد من طرف خفي نزعة سخرية و أحتقار لما هو سوداني, (أحتقار عززتّه كثرة الكوارث في بلادنا لا سيما في المهجر أذ أرتبط أسم السودان بالعنف, والأقتتال, والمجاعات, والتدخلات الأجنبية), وكانت نتيجة كل ذلك أسقاط السودان من الحساب, وعدم الرهان عليه, والتطلع للفرار منه بتذكرة في أتجاه واحد.

وفي مقابل هذه النظرة يرى السيّد الأمام أنّ للأنسان السوداني ميزات فريدة لا ينكرها الا مكابر, ميزات أشار اليها كثير من شعرائنا, هذه الميزات ( تقود لقيم غرسها في نفوس أهل السودان تراث الخلاوى, والمسايد, والأحاجي, وصدح بها الشعراء الشعبيون من حكامات, وكنداكات, وأصحاب المسادير, وشعراء الدوبيت) . هذه القيم ( التي أسميها انسانيات سودانية قد صارت أشبه ما تكون بقيم سودانية قومية). وبعد تأمل وتفكر في الأمر رأى السيد الأمام أنّ (أهم الأنسانيات السودانية ثمانية خصال هي: الكرامة – الكرم – التواضع – التسامح – المروءة – التضحية – الأقدام – الغزل العذري). و على الرغم من هذه الميزات الفريدة الا أنّ هناك سلبيات تتصف بها الشخصية السودانية (وأهمها: العفوية, والمجاملة المبالغ فيها على حساب الصراحة, والأهتمام الأكبر بالأخلاق الخاصة كالعرض وأهمال العامة كالمواعيد, وتضخيم الأجتماعيات وتهميش العمل).

قام السيد الأمام بعرض أهم الأنسانيات السودانية مستشهدا بالأشعار القومية التي يعتبرها حاملة قيم تلك الانسانيات, وخلص في حديثه القيّم الي أنّ ( الأنسانيات السودانية وهي أخلاق السمتة تجد اهتماما زائدا لأنها الان تعاني من خطر الأبادة من مصدرين : الأول : داخلي وهو تفوّق طبقة طفيلية من الأثرياء الجدد الذين كوّنوا ثرواتهم بالمحسوبية أو بغسيل الأموال أو حتى بتنزيل الأموال, هؤلاء تبنوا نزعة أستهلاكية أندفعت في أساليب حياة تقّلد الموضات بلا بوصلة. والخطر الاخر: خارجي تجسده ثقافة التسلية الهابطة المفتونة بالملذات وللأسف ترّوج لها أكثر الفضائيات التي انتشرت أنتشارا مرضيا).

ويرى كاتب هذه السطور أنّ هناك خطرا على القيم السودانية يفوق ما تعرّض له السيّد الامام في محاضرته وهو خطر "الغزو الوهابي" الذي تمدّد في التربة السودانية خلال العقدين الماضيين وبصورة غير مسبوقة. الوّهابية في هذا السياق تعني مجموعة المفاهيم المستندة الي الفكر الديني السلفي المتوّلد في بيئة الجزيرة العربية والخليج, والذي يتصادم في الكثير من جوانبه مع أسلام أهل السودان عموما, ومع "الأنسانيات السودانية" التي أتى السّيد الأمام على ذكرها في محاضرته القيّمة على وجه الخصوص. ولا يقتصر أثرهذا الغزو – بمفهومه الثقافي الأوسع- على المحتوي الديني ولكنه يمتد الي مفردات الثقافة ورموزها من لغة وأسماء وملابس ومعمار وغيرها.

شهدت فترة السبعينات-كما يقول الأستاذ خالد فتحي- توجه أعداد كبيرة من السودانيين للعمل في دول الخليح (اكثرهم توجهوا للسعودية), وكانوا في أعمار صغيرة نسبيا ومتوسطي التعليم وقليلي التجارب, الأمر الذي أدى لتأثرهم بقيم الحياة هناك القائمة على التدين السلفي, فحجبوا نساءهم وأخواتهم وفرضوا عليهم وعلى أنفسهم عزلة اجتماعية وتبنوا آراء سلفية متشددة وعمدوا إلى نقل تغيراتهم هذه الجديدة لداخل السودان عند عودتهم في الأجازات السنوية الطويلة نسبيا. وسهل الأمر عليهم ثراءهم النسبي وميل الناس عادة الى مجاملة ومسايرة ومداهنة ذوي السعة من الناس.

أزداد أثر المد الوهابي الوافد من الجزيرة العربية و المسنود بأموال النفط على المجتمع السوداني في العقدين الأخيرين, وقد تمثلت مظاهر ذلك الأثر في أنتشار العشرات وربما المئات من الوّعاظ الذين تلقوا تعليما مجّانيا في جامعات السعودية (بحسب قول أحدهم فأنّ 90% من العاملين في الحقل الدعوي في السودان هم من السلفيين), أضافة الي السيطرة شبه الكاملة على المساجد وبرامج الفتوى في الفضائيات والأذاعات وبالأستعانة بالمطبوعات المجّانية من الكتب والنشرات وشرائط الكاسيت الواردة من الخليج والمملكة السعودية , وكذلك الأختراق المنظم لأقسام الدراسات الاسلامية ومراكز الأبحاث في الجامعات , والأنشطة الأجتماعية المختلفة, وأخيرا صناعة بعض الرموز من أئمة المساجد الذين أحرزوا سطوة ونفوذا كبيرين في ساحة العمل الديني.

ونحن عندما نتناول بالنقاش القيم التي تحملها الوهابية السلفية بمختلف أتجاهاتها لا نعني بالضرورة قيم الأسلام, فالقيم السلفية تعكس في الأساس قيم البيئة الثقافية والجغرافية المتولّدة فيها وهذا هو درس علم الأجتماع الديني الأول: أنّ طبيعة التدين تختلف من مجتمع لاخر ,ولذلك أصبح ممكنا الحديث عن أسلام سوداني واخر سعودي, ولا يعني ذلك الأختلاف تفاوتا في جوهر الدين وعقائده الأساسية وأنما يدل على التباين في الأمور المرتبطة بطبيعة تشكل الدين في البيئة المعينة وذلك يتضمن الطبيعة الجغرافية والتاريخية ونوع النشاط الأنساني والعادات والتقاليد وغيرها, وقد أدرك ذلك العديد من الفقهاء المسلمين وفي مقدمتهم الأمام الشافعي الذي غيّر فقهه الذي أنتجه في العراق عندما أستقر به المقام في مصر على الرغم من تشابه البيئة الجغرافية في بعض جوانبها , فكيف أذا سيكون الحال مع مفاهيم وقيم متولّدة في بيئة صحراوية مختلفة كلية عن بيئة الزراعة المستقرّة ؟ .

فطبيعة مصر – على سبيل المثال- ليست كطبيعة صحراء نجد, والشعب المصري – كما يقول كمال غبريال- شعب نهري يحترف الزراعة المروية، ما يجعل حياته تتأسس على عاملين أساسيين، أولهما الأرتباط بالمكان، وهو ضفاف النهر بأمتداداته المحدودة، والثاني حتمية التعاون لترويض النهر، تلافياً لنقمته واقتناصاً لبركته، وكلا الأمرين لا يمكن تحقيقهما إلا بالتعاون والتوافق الشامل بين كل من يرتبط مصيرهم بالنهر وواديه، فلم يكن أمام المصري إذا أصر على البقاء إلا أن يتحلى بالتسامح بمعنى السماحية التي تقبل التعدد فلا يكون مبرراً أو جالباً لخصومة أو لد في العداء، كما قد تنحو شعوب أخرى رعوية بدوية ورحّالة، حيث ثروتها منقولة ومحمولة، ويستوي لديها خيار الصلح والبقاء، مع خيار الخصام والرحيل. وبالطبع فأنّ طبيعة الشعب السوداني أقرب للمصري بحكم تشابه البيئة الطبيعية والجغرافية.
ندلف مما سبق ذكره الي الخطر الكبير الذي تمثله السلفية الوهابية على قيمة سودانية أساسية هي بمثابة حجر الزاوية في بناء الأنسانيات السودانية التي تحدث عنها السيّد الأمام الصادق المهدي في محاضرته القيّمة وأعني قيمة التسامح. فقد جلبت الوهابية معها تشّددا في السلوك وفي التعامل مع الاخر (مسلما أو غير ذلك) ليس من طبيعة أهل السودان, حتى بتنا نرى الصبيّ يرفض مصافحة المرأة التي في سن والدته أوعمته, والبنت تمتنع كذلك عن مصافحة من هو في مقام والدها أو خالها, ثم ضربت جدارا فولاذيا عاذلا بين الرجال والنساء لا يشبه طبيعة المجتمع السوداني الذي تختلط في حيشانه الكبيرة الأسر الممتدّة, وتتشارك في حقوله النسوة والرجال زراعة وحصدا, ويتداخل الجميع في أفراحهم وأتراحهم ومواسم أعيادهم . وهذا الجدار ليس من صنع الدين ولا من طبيعة الأسلام في شىء ولكنه من عادات المجتمع وتقاليده التي تسللت الي العقائد , فديننا يسمح بأختلاط الرجال والنساء في مقام رفيع لا فجور فيه ولا فسق وفي ركن من أركانه وهو الحج الذي تطوف فيه النساء حول البيت الحرام كاشفات وجوههن مختلطات بالرجال, ويسعى فيه الجميع بين الصفا والمروة بذات الهيئة.

غياب التسامح عن النهج الوّهابي كان موضوع الرد الذي كتبه الصحفي المصري أبراهيم عيسى على المقال الذي سطرّه قلم الامير سلمان بن عبد العزيز دفاعا عن الوهابية ووصفه لها بأنها تمثل الأسلام الصافي. قال عيسى : ( طبعًا لن أتحدث معه ولا مع غيره في كيفية نجاح هذا الإسلام الصافي في التمكن من السيطرة العقلية علي أهل الحجاز، ولن أعود عشرات السنين لتفاصيل المجازر والمذابح الجماعية التي جرت عند التأسيس الأول للوهابية ضد مسلمين في الجزيرة لفرض هذا الإسلام الصافي!! لكنني فقط سأتوقف عند ملامح الوهابية التي هي عند الأمير الإسلام الصافي فأذكره بأنها التي رفض شيوخها ومفتوها الاعتراف بأن الأرض كروية تدور حول نفسها، وهي التي منعت حتي وقت قريب تعليم البنات والنساء، وهي التي تحرمهن من قيادة السيارات مثلا، وهي تفرض النقاب والبرقع، وهي التي تري الغرب كافرًا وتمنع بناء دور عبادة لأصحاب الأديان الأخري، وهي التي تُكفر الشيعة، وهي التي تُحرِّم الانتخابات، وهي سلسلة كاملة من الفهم الضيق الشكلي القشري للدين، وهي نموذج في الأحادية وغياب التسامح مع المذاهب الإسلامية الأخري والتعصب ضد الأديان الأخري!). أنتهى

قد بلغ التشدد في السلوك ومجافاة التسامح الوارد مع الهجمة الوهابية السلفية ذروته في أحداث العنف والقتل غير المسبوقة في المجتمع السوداني. كان أولها في العام 1994حين هاجم حارس سابق لأسامة بن لادن يدعى محمّد الخليفي المصلين بأحد المساجد بمدينة الثورة مخلفا (51) شخصا بين قتيل وجريح, وجاء ثانيها في العام 2000 حين خرج شخص يدعى عباس الباقر حاملا بندقية كلاشنكوف ليهجم بها بوحشية على مصلين اثناء أدائهم صلاة التراويح بأحد المساجد بضاحية الجرّافة حاصدا أرواح عشرين شخصا ومصيبا أعدادا اخرى بجراح متفاوتة. ثم جاء ثالث الحوادث عندما هاجم شباب مسلحون عربة تقل دبلوماسيا أميركيا فأردوه وسائق سيارته السوداني قتلى في ليلة رأس السنة من العام 2007.

وحينما يبادر بعض المنتمين للتيار السلفي الوّهابي بأستنكار القتل والعنف ويعلنوا أنّ لا شأن لجماعاتهم به بل هم من ضحاياه , نسارع نحن بالرد عليهم بأنّ النبع الذي ينهلون منه واحد, وأنّ المصادرالتي يستمدون منها أفكارهم واحدة, وأنّ الخلاف بينهم هو خلاف في الدرجة وليس في النوع, وأنّ الطريق المؤدي للقتل والذبح والتفجير يمر بداية عبر بوّابة منع الأختلاط وفرض النقاب والأكثار من الحديث عن بدع الزمان.

أنّ الأستنارة والأنفتاح على الاخر لا يتولدان من التشدّد والأنغلاق بل هما أبنان شرعيان للتسامح, وهكذا كان زعماؤنا الدينيون والسياسيون, كان الأمام عبد الرحمن المهدي عاشقا للمسرح وراعيا لشعراء الحقيبة الغنائية, وكان الزعيم أسماعيل الأزهري رئيسا لجمعية الموسيقى بكلية غردون, فكيف أذا يتفق هذا الموروث الحضاري المتقدم والمستنير مع هذه الهجمة الصحراوية التي تحرّم الموسيقى وتحتقر الفنون ؟ أنّ الغزل العذري الذي أتيت على ذكره ضمن الأنسانيات السودانية –يا سيادة الأمام- لا مكان له في أجندة الوهابية السلفية التي لا تنظر اليه "ككل نشاط أنساني فيه الحميد والخبيث " كما قلت, أذ أنّ غاية مسعاها هو عزل النساء عن الرجال فالعلاقة بين الجنسين في عرف هؤلاء مثل العلاقة بين النبّوة والشعر : خطاّن متوازيان لا يلتقيان أبدا.

كذلك لا ينفصل الكرم كقيمة أنسانية عن التسامح والأنفتاح , فالكريم بطبعه لا يميّز بين الناس ولا يقصر عطاءه على فئة دون أخرى منهم, أمّاالمتشّدد والمنغلق فهو بالضرورة معزول من الناس عدا من يظن أنّه يشاركه مبادئه وأفكاره ومعتقداته, ولذلك فأنّ من غير المستغرب أن يتميّز زعماء السودان القبليون والوطنيون والدينيون بالعطاء غير المحدود لكل ضعيف ومحتاج, بيوتهم مفتوحة, وقلوبهم كذلك, ومضايفهم ليس لها أبواب تغلق, لا يسألون صاحب الحاجة عن دينه أو جنسه أو جهته, شأنهم شأن الشريف أبراهيم بن الشريف يوسف الهندي الذي قال فيه الصادق ود امنة :
خليفة يوسف أبّشرا بزيل الهم
ناصع كالبدر ود أبعطايا خم
ضبّاح الجزر وكتين الضيوف تتلم
في الليل والنهار سكينه ترعف دم

قد ذكرت – يا سيادة الأمام- وبصدق أنّ السودانيين يبغضون الأستعلاء بدرجة كبيرة, والأستعلاء بعكس التواضع يرتبط بالغلو والذي هو بدوره نتاج الفكر الذي يزّين لصاحبه أمتلاك الحق المطلق والحقيقة الكاملة, فأصحاب النهج الوّهابي قد نصبّوا من أنفسهم الممثلين الوحيدين والشرعيين للفهم الصحيح للقران والسنة , ولذلك فهم لا يتواضعون علي الأطلاق أمام الأفكار و الاراء المخالفة و تجدهم على الدوام يصفون الاخر المختلف "بالجهل".

لم يقتصر أثر الهجمة الصحراوية على أمور الدين المحض, بل أمتد للعديد من مفردات الثقافة السودانية مثل الملابس واللغة والأسماء والمباني. فقد أنتشرت العباءة السوداء كلباس للنساء وكادت أن تحل محل الثوب السوداني الذي يجسد الخصوصية السودانية, وهذه العباءة – مثل المكياج الغربي – لا تناسب لوننا ولا ذوقنا ولا مناخنا الحار فلونها جاذب لأشعة الشمس, وقد أضافت اليها العبقرية الوّهابية جوارب لليدين والقدمين لونهما في الغالب أسود, ثم أكتملت الحلقة بغطاء كامل للوجه أسود اللون كذلك . غطاء الوجه هذا خصوصية للمجتمعات الصحراوية لحماية الوجه من ذرات الرمال وهو ليس فريضة دينية, وهو في تلك المجتمعات لا يقتصر على النساء أذ أنّ الرجال كذلك يغطون وجوههم لذات السبب ( مثل لباس قبيلة الطوارق في صحراء ليبيا وموريتانيا ومالي). خصوصية المجتمع السوداني المتماشية مع طبيعة مناخه جعلت نساء المسلمين فيه يختارون –على خلاف الكثير من الدول- لبس الثوب الأبيض اللون بدلا عن الأسود للحداد على الموتى .

وكذلك لم يبلغ الأثر الوهابي الزى النسائي فحسب, بل أمتد للعمامة التي تشكل مع الجلباب الأبيض الزى الوطني الذي يميز اللباس السوداني عن لباس بقية الأمم, حيث أستبدلت العمامة في أغلب الأحيان بكوفية سوداء أو حمراء اللون, وفي أفضل الأحوال يرتدون عمامة "متناهية الصغر" أو ما يمكن تسميتها "بالميكرو-عمامة" بدون طاقية وأشبه بالمنديل لا تكاد تميّزها عن عمامة الأفغاني أو اليمني.

قد أشرت- يا سيادة الأمام- الي أثر الأستلاب الثقافي على أسماء المحلات التجارية ( كوافير ديانا – مطعم هافانا – سوبرماركت باريس), وهذا صحيح ولكن حتى تكتمل الصورة علينا أن نذكر كذلك أثر الهجمة القادمة من شرق البحر الأحمر على أسماء مدننا وشوارعنا ومدارسنا وملابسنا, فهذه هي مدينة "الرياض" وتلك هى جارتها " الطائف" وذاك شارع " الستين", وتلك مدارس "القبس" ولا ننسى رياض أطفال "المملكة" وكذلك ثوب "همس الخليج", وليس ذلك فحسب بل أنّ الأمر قد وصل الي حد المفردات والتعبيرات اللغوية, فأصبحنا – على سبيل المثال - نقول " دق" لي تليفون بدلا عن "أتصل" بي , و "الحين" عوضا عن "الان" وغيرها. ثم بلغ بنا الأمر مبلغا أن كتب على لافتة كبيرة مضيئة في مدخل مدينة كبيرة تهنئة بحلول شهر رمضان المّعظم تقول " عساكم من عوّاده". وأشهد الله أنني أستمعت الي أذاعة لمباراة كرة قدم لفريق الهلال ضد فريق ديجوليبا المالي وكنت حتى نهاية المباراة أعتقد أنّ المذيع خليجي فقط لأكتشف بعد المباراة أنّه سوداني ابا عن جد, فتأمل !!.

) ومن المعلوم أنّArches أمّا طراز المباني- خصوصا الحكومية- فقد سيطرعليه معمار الأقواس (
هذا الضرب من البناء لا يعكس بالضرورة المعمار الأسلامي بل هو معمار خليجي بأمتياز, فالمعمار الأسلامي مختلف ومتنوع باختلاف البلاد الأسلامية , فمعمار مصر الفاطمية على سبيل المثال مختلف عن معمار أسطمبول ومعمار دمشق لا يتطابق مع معمار فأس وهلمجرا.

هذه مفاكرة قصدت منها التنبيه للتحولات الكبيرة التي تمور في المجتمع السوداني ورأيت فيها خطرا ماثلا على بعض من قيمنا التي أسماها السيّد الأمام الصادق المهدي "الانسانيات السودانية", وهى ليست دعوة للعداء والرفض لكل ما يرد ألينا من الخارج, وهي كذلك ليست تحريضا على بلاد تجاورنا وتربطنا بها علاقات وثيقة, ولكنها أشارة للحذر من فكر محدد ونهج معين في فهم الدين يمكن أن يؤدي الي ضرب القيم التي ساهمت في توحيد وجدان أهل السودان وأعطتهم تمّيزهم في مجتمع الدول, والتي تأتي في مقدمتها قيمة التسامح التي يحتاجها بلدنا الان أكثر من أي وقت مضى.

نواصل ...

محمد عبده غير متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة محمد عبده ; 01-07-2011 الساعة 03:49 AM.
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس
قديم 11-03-2010, 04:19 PM   #2
محمد جمرة
مُشرف المنتدى العام

الصورة الرمزية محمد جمرة



محمد جمرة is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق دكتور بابكر فيصل ....


أنا : محمد جمرة





تشكر ود عبده
كتابات الدكتور تستحق المتابعة فهي سلسة ممتعة كما كان حديثه بالأمس
اعترف شخصيا بالتقصير في معرفة شخص كهذا . . . . يكتب بفهم عميق نحتاجه - نحن معشر الأشقاء - وفيه نفس عباقرتنا الذين يحتفي بهم تاريخ بلادنا الآن وفقدناهم نحن.
الأخ فهر أبو قناية جلب في بوست الاسبوع الثقافي مجموعة مقالات لهذا الكاتب المُكثر المُجيد هاتها هنا فرادى حتى لا نتوزع بين مكانين ولتكن هذه المساحة لمناقشة طرح د. بابكر الذي يشبه حزبنا
مرحبا بالدكتور كاتبا معنا في المنتدى

محمد جمرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-23-2010, 12:53 PM   #3
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
Icon15 رد: سلسة مقالات الشقيق دكتور بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




حسن الترابي و مهاتير محمّد : الوهم الرسالي والاسلام الحضاري



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة



بابكرفيصل بابكر


سأل الأديب الراحل الطيب صالح الدكتور حسن الترابي في سنوات الأنقاذ الأولى السؤال التالي : من الذي فوّضكم على أن تحملوا أهل السودان على ما يكرهون ؟ فأجابه الدكتور الترابي بالاية الكريمة : ( ونريد أن نمّن على الذين أستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ).



أجابة الدكتور الترابي هذه تنقل مجال التفويض من الأرض (البشر) الي السماء (الله), ومعها تتحوّل الدولة من دولة واقعية الي دولة رسالية ذات أهداف كونية. وعي الدولة الرسالية في جوهره وعي ايديولوجي كاذب لكونه يتفتق عن وهم, وهم يغيّب العقل وما هو ممكن لصالح العاطفة و ما هو مرغوب فيه, وتكمن خطورة هذا الوهم في عدم أكتراثه بالتفكير الأستراتيجي وفي رفعه سقف الطموحات لدى القائمين على أمر الدولة الرسالية وبما لا يتناسب مع الأمكانات المتاحة والظروف الأقليمية والدولية المحيطة بتلك الدولة.



أحد الأمثلة الظاهرة لغياب النظرة الأستراتيجية للدولة الرسالية في سودان القرن التاسع عشر هو مثال الحرب التي خاضها الخليفة عبد الله التعايشي ضد الحبشة رغما عن النداءات التي أطلقها مليكها (يوحنا) لتوحيد الجهود والموارد السودانية والحبشية وتوجيهها لمقاومة المستعمرين سواء الأتراك أو الأوربيين الذين يشكلون الخطر المشترك على البلدين. قال الملك يوحنا للقائد المهدوي حمدان أبوعنجة أنّ لا جدوى من الحرب وأنّ المساكين هم الذين سيدفعون الثمن, وقد ذهبت دعوته أدراج الرياح ولم تجد أذنا صاغية لدى خليفة المهدي.



الجهل بالظروف الأقليمية المحيطة بالدولة وعدم التقدير لأمكاناتها ومواردها كانت هي الملامح الرئيسية التي وسمت الحملة الأنتحارية التي سيرّها خليفة المهدي لغزو مصر. كانت موجة الحضارة الحديثة بأفكارها وبأنتاجها المادي قد غشيت المحروسة قبل حوالى القرن من تجريدة خليفة المهدي (غزو نابليون لمصر في 1798), ثم أحدث فيها محمد علي باشا وأبناءه نقلة حضارية كبري من خلال مشروعه الأمبراطوري الطموح. وفي مقابل هذا التفوّق الحضاري كان كل الزاد والبضاعة الفكرية التي تملكها الدولة المهدية و جيش الخليفة الغازي تتمثل في (راتب) الأمام المهدي, لهذا كانت الهزيمة نتيجة محتمّة ومقدمة منطقية في طريق أعادة فتح السودان وهزيمة الدولة المهدية.



دولة الأنقاذ الرسالية التي وصلت للحكم عبر الأنقلاب العسكري في يونيو 1989 كان مخزونها من الوعي الكاذب ومن الوهم جد كبير. قال شيوخها وقادتها أنّ الله قد أختار أهل السودان لقيادة مشروع وراثة الأرض وانبثاق نور الأسلام على العالم من جديد. جيّشوا الجيوش وأخذوا يدعون (أخوة الدين) من كل أرجاء المعمورة للحضور لبلد (المستضعفين) ومركز الأشعاع الذي سيضىء ظلمات الأرض, ويزّينها بالعدل بعد أن طفح منها الجور.



لم يعصم الأنقاذ من الخوض في وحول الوهم كون قادتها وشيوخها وكادرها من صفوة المتعلمين وأصحاب الدرجات الأكاديمية العليا (هذا قبل أن تتحوّل هذه الدرجات الي مهزلة مثيرة للشفقة في الاونة الأخيرة), فالعلة كانت أساسا في الأفكار التي تحكمها اليقينية المطلقة وتتحكم فيها الأقصائية والوصاية, وفي المنهج الذي يغلب عليه التاكتيكي والمرحلي ويغيب عنه الأستراتيجي والبعيد المدى.



طفق منظرو الأنقاذ يتحدثون عن ضرورة تغيير موازين القوي في المنطقة عبر دعم المسلمين المضطهدين في أثيوبيا و أريتيريا و أختراق دول الجوار الأفريقي و تغيير النظام المصري الذي يحارب الثوريين الأسلاميين, ومن ثم فتحت أراضي السودان لكل مطاريد العالم, مما أدخل البلاد في حالة من العداء مع محيطها الأقليمي العربي والأفريقي وكذلك المجتمع الدولي.



قال الأديب الطيب صالح أنّ اهل الأنقاذ توّهموا أنّ ارادة الله قد أختارتهم ليكتبوا السطر الأخير في سفر التاريخ, وهم يحلمون بأقامة خلافة اسلامية سودانية يبايعها أهل الشام ومصر والمغرب واليمن والعراق وبلاد الجزيرة العربية, ولكن الأديب الراحل تنبأ بعين الحكيم الفاحصة أنّ هذه الخلافة لن تكون الاّ "جثة السودان المسكين", والسبب في ذلك هو خطأ المسلك والوجهة والأختيار, ومحاولة تغيير عجلة التاريخ دون وعي بسنن التغيير وأمكانات الواقع على النهوض بالمهمّة التي يراد له أن يحملها.



الوهم اليقيني والجهل بالمعطيات الأقليمية والدولية قادا أهل الأنقاذ للخطأ الأستراتيجي الأكبر المتمثل في معارضة القوات المتحالفة في حرب الخليج ومعركة أجلاء الجيش العراقي من الكويت. حزمّوا أمرهم مساندين لصدّام حسين في معركته الخاسرة ومراهنين على أنّ (الحركات الأسلامية) ستكون الوريث الشرعي لكل العروش العربية. حاولوا تسويق موقف ديني يدين الدول المشاركة في تحريرالكويت ويصّور الحرب وكأنها حرب بين معسكري الكفر والأيمان في حين أنّها كانت جريمة كاملة الأركان أرتكبتها قيادة حمقاء وجيش أهوج ضد شعب مسلم امن ومسالم في أرضه. وكان الحصاد المر لذلك الموقف البائس هو أزدياد العزلة الاقليمية والحصار الدولي الذي مازال السودان يعاني من اثاره حتى اليوم.



كان الوهم الرسّالي قد زيّن لأهل الأنقاذ أعلان الحرب على أكبر دولة في العالم – أميركا. خرجت المسيرات تبّشر بدنوعذابها, وتمت التعبئة الجماهيرية بشعارات مندّدة بسياساتها , وحدث تجميع لكافة المعارضين لتوجهاتها فيما عرف بالمؤتمر الشعبي العربي الأسلامي الذي ترأسه عرّاب النظام الدكتور الترابي وأراد له أن يكون سلطة بديلة للحكومات العربية, حتى أنطلق صاروخ موجّه بالليزر من بارجة حربية في خليج عدن ( لم تعلم الحكومة أن كان صاروخا أم طائرة أم جنا أحمرا) ليحطم مصنع الشفاء ويحرّر الحكومة من وهمها الرسالي, وجاءت الأستفاقة الأنقاذية بأكثر مما توقعت أميركا خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر, تعاونا أستخباراتيا وثيقا, وحوارا سياسيا مستمرا, ومحاولات متصّلة للتقارب :



كالمرتجي ظل الغمامة كلما تبوأ منها للمقيل أضمحلت.



أنعكس أثر الفكرة الرسالية بتطلعها للتمدّد الخارجي الذي لا يستند على أساس مادي في الواقع, وبأستعداء المحيطين الأقليمي والدولي سلبا على التركيز الداخلي في أمر التنمية, وهذا ما يفسّر فشل شعار " الأعتماد على الذات" الذي رفعته الأنقاذ في أوّل عهدها, وتستدعي الذاكرة في هذا المقام مشروع ترعتي "كنانة و الرهد" الذي عملت الأنقاذ على أنجازه "بالطورية" و"الفأس" ثم لم يسمع له ذكر حتى يوم العالمين هذا. تبع ذلك غياب التخطيط الأستراتيجي وهو لازمة لا بد منها لأنزال ذلك الشعار لأرض الواقع, وكانت المحصلة النهائية هى تدهور الزراعة وغياب الصناعة, ليتحوّل شعار "نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع" الي "نأكل ونلبس مما تزرع وتصنع الصين" !!( يستهلك السودان سنويا 2.2 مليون طن من القمح تم أستيراد 84 % منها من الخارج في العام 2009).



الوعي الرسالي الكاذب حوّل الحرب الأهلية في جنوب السودان من حرب ذات جذور وأسباب سياسية الي حرب عقائدية , وجعل من أرض الجنوب ساحة للجهاد والأستشهاد, وطريقا للمرور السريع الي جنان الخلد حيث الحور العين والفاكهة والعسل, و بعد عقدين من الزمن سيستعد السودان لدفع فاتورة ذلك التوجّه الواهم, ثمنا باهظا يقارب نصف الشعب والتراب والأرض, وحين تصبح البلاد على حد سيف الإنفصال سيقف بعض قصار القامة السياسية من الذين أمتحن الله بهم بلادا عظيمة وأمة عملاقة يذرفون دموعا لا تعني شيئا وقد أعملوا معول الهدم لا البناء منذ أن تسنموا سلطة البلاد وأمر العباد. وقد كتب الدكتور محمد عثمان الجعلي في وصف دموع الحسرة بعد فوات الأوان:



( قبل أكثر من خمسمائة عام أستدعى فرديناند وإيزابيلا آخر ملوك الطوائف أبو عبد الله محمد الثاني عشر لتسليم غرناطة التي تم حصارها حتى أستسلمت ,حين وقف الملك المهزوم والمأزوم على هضبة "زفرة العربي الأخيرة" وهو يولى بلاد أجداده ظهره في رحلة الخروج الكبير للعدوة الأخرى ذرف دمعات...أنتهرته والدته عائشة الحرة بكلمتها التي حفظها التاريخ بعد أن ضّيع أبناؤها الأندلس:"أبك كالنساء ملكاَ مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال"). أنتهى.



أفاقت الأنقاذ من وهمها الرسالي بخلاف عميق وأنقسام أطاح بالسلطة الخفيّة والظاهرة لعرّابها الدكتور حسن الترابي, ومن ثم بدأت في التغيير التدريجي لتوجهاتها الأولى. وقعّت مع الحركة الشعبية أتفاق نيفاشا وحقنت نزيف الدم, وعلى الرغم من نجاحها في وقف الحرب الاّ أنّ طبيعة الأتفاق ( كونه أقتصر على طرفين فقط دون بقية القوى السياسية السودانية) وطريقة تطبيقه لم تكن في الأتجاه الصحيح الذي يعزّز الوحدة ويفتح الباب أمام الحريات السياسية والتداول السلمي للسلطة. وعليه يظل النفور من الديموقراطية والفكر الوصائي والممارسة الأقصائية هى أس العلل التي تعاني منها الأنقاذ في نسختها المعدّلة (حزب المؤتمر الوطني), وهي الافة التي تمنى الراحل الطيب صالح أن تتخلص منها الأنقاذ أن هى أرادت الأصلاح الحقيقي ولكن الأديب العالمي لم يكن متفائلا بالاستجابة لداعي الإصلاح، مع يقينيات الحركة الإسلامية، ولهذا جزم (وما أظنهم يفعلون).



النموذج الأسلامي النقيض لنموذج الدولة الرسالية هو الأسلام الحضاري, ومثاله الأوضح هو التجربة الماليزية التي قادها الدكتور مهاتير محمّد. نموذج الاسلام الحضاري متحرّر من وهم وراثة الأرض وأقامة الخلافة الأسلامية , وعلى النقيض من الدولة الرسالية فأنّه يهتم بالواقع ويرّكز على الأستراتيجي والممكن, ولا يبدّد الجهود في الخيالي والمرغوب فيه, وهو نموذج منفتح على العالم ويقدّر موازين القوى الدولية حق تقديرها, والأهم من ذلك هو أنّه يستوعب المعطيات الثقافية والأجتماعية والسياسية الداخلية التي تحكم توجهه و تتحكم في مساره.



تجربة الدكتور مهاتير في الحكم (1981 – 2003) غلب عليها الأهتمام بجوهر الدين وتفعيل منظومة القيم التي حض عليها الإسلام , ولم تعمل على رفع لافتات إسلامية دون وجود مضمون حقيقي لتلك القيم. وقد أنبنت تلك التجربة على العديد من الركائز التي كان في مقدمتها توحيد فئات الشعب المختلفة وتعزيز قدرة المجتمع على تجنب الصراعات العرقية والدينية, فسكان ماليزيا الأصليون هم من المسلمين الملايا ويمثلون 58% من السكان, والصينيون وأغلبهم بوذيون ويمثلون 24% من السكان, أضافة للهنود الذين يدينون بالهندوسية ويمثلون 7% من مجموع السكان. وكانت هذه المجموعات قد دخلت في صراعات عرقية عنيفة في العام 1969.



أدرك الدكتور مهاتير محمد خصوصية المجتمع الماليزي وتنوّعه الديني والعرقي, لذلك لم يجنح للشعارات الجوفاء من شاكلة " شريعة سريعة أو نموت الاسلام قبل القوت", ولم يزايد على أبناء شعبه بضرورة تطبيق القوانين الأسلامية لأنّ هدفه الأساسي كان يتمثل في الحفاظ على الوحدة الوطنية بين مختلف الأعراق والأديان, ولم يستخدم مبدأ الأغلبية لفرض الشريعة على كافة فئات المجتمع الماليزي, لأنّ ذلك من شأنه تأجيج الصراعات التي سيكون الخاسر الأكبر فيها هو الوطن ولذلك عمد الدكتور مهاتير الي توحيد جميع الأطراف الوطنية كي تسير البلاد كلّها نحو هدف واحد والعمل وفق منظومة تتكاتف فيها جميع الفئات من أجل انجاز التنمية المنشودة.



كان مهاتير محمّد واعيا للظروف الأقليمية و الأتجاهات العالمية, لذلك ادرك أنّ أية تخطيط أستراتيجي يهدف لتنمية بلاده لا يمكن أن ينجح الا في ظل علاقات دولية مستقرّة ومتطوّرة خصوصا مع الغرب. ولم يجد في ذلك ما يناقض أتجاهاته الدينية, ولذلك قال قولته الشهيرة :


"حين أصلي أدير وجهي للكعبة، وحين أتعامل أقتصاديا أدير وجهي ناحية بورصة نيويورك". وقد أرتكز فكره التنموى على رؤية ثاقبة للأوضاع العالمية ومكانة المسلمين فيها حيث أنّه يرى" إنّ الأمة الإسلامية مازالت تعيش في سبات عميق وينبغي أن نعترف لأنفسنا قبل غيرنا بأن المجتمعات الأخرى قد سبقتنا ببضعة قرون، ومن ثم فإنّ المسلمين مطالبون أكثر من أي وقت مضى أن يدركوا حقيقة الوضع الذي هم فيه في ضوء ما استحدثته المجتمعات البشرية المتطورة من أفكار تجديدية، وتقنيات حديثة ما زالت الأمة غير مهيأة لأستيعابها وعاجزة تماما عن التعامل معها".



وجود علاقات مستقرّة ومتطوّرة مع الغرب لا يعني بالضرورة التبعية والأنقياد له وللمؤسسات المالية الدولية, فعلى الرغم من الأنفتاح الكبير لماليزيا على الخارج والأندماج في اقتصاديات العولمة، الاّ أنها أحتفظت بهامش كبير من الوطنية الاقتصادية. كما كانت تجربتها متميزة في مواجهة أزمة جنوب شرق آسيا الشهيرة التي شهدها العام 1997م، حيث لم تعبأ بتحذيرات الصندوق والبنك الدوليين وأخذت تعالج أزمتها من خلال أجندة وطنية فرضت من خلالها قيوداً صارمة على سياستها النقدية، معطية البنك المركزي صلاحيات واسعة لتنفيذ ما يراه لصالح مواجهة هروب النقد الأجنبي إلى الخارج، واستجلب حصيلة الصادرات بالنقد الأجنبي إلى الداخل وأصبحت عصا التهميش التي يرفعها الصندوق والبنك الدوليين في وجه من يريد أن يخرج عن الدوائر المرسومة بلا فاعلية في مواجهة ماليزيا التي خرجت من كبوتها المالية أكثر قوة خلال عامين فقط، لتواصل مسيرة التنمية بشروطها الوطنية.



ومن الناحية الثقافية كانت دعوة الدكتور مهاتير للحوار مع الاخر من منطلق انساني يسعى للأفادة والأستفادة وليس لفرض قناعاتنا وتوجهاتنا على الاخرين , لأنّ "الحوار الذي يقتصر على إظهار عظمة الإسلام لن يساعد المسلمين بشكل كبير ولا بد من فهم عميق للإسلام لأن هناك تفسيرات لا حصر لها حول الإسلام تشمل التسامح مع الأديان الأخرى التي لا تتفق مع الدين الإسلامي ولا يجوز لنا أن نقول بأننا على علم بكل شيء ونستطيع أن نتغلب على كل المشاكل".



لم يركن الدكتور مهاتير للشعارات المبهمة والغامضة من شاكلة " الأسلام هو الحل", ولذلك كان واقعيا في رؤيته التنموية, وأنطلق من فكر واضح مفاده أنّ النظام الأسلامي لا يوجد به نموذج للتنمية ولكن توجد بالاسلام مجموعة من القيم و الأخلاق يستفاد منها في ترشيد النظام الرأسماليمثل حث المسلمين على العمل والإتقان والمساواة والعدل والتكافل الاجتماعي.



وضوح الرؤية والهدف هو الفارق الفكري الحاسم الذي يؤدي الي فشل أو نجاح المشروع السياسي, وفي حالتنا هذه تميّز طرح الدكتور مهاتير محمّد عن مشروع الدولة الرسالية الذي وسمه الغموض وغياب الاستراتيجية بأنّ التنمية كانت هى هدفه الأساسي, وفي أجابته عن سؤال لماذا تنجح تجربة سياسية في بلد ما بينما تخفق في بلد اخر, أجاب بالقول : " أذا كنت تريد ان تعرف لماذا ينجح حاكم ويفشل اخر فنصيحتي انّه يجب أن يكون واضحا جيّدا في رأس أى حاكم وخصوصا في العالم الثالث الأسلامي ما الذى يريده من البقاء فى السلطة، هذا الشيء قد يبدو سهلا فى الظاهر ولكنه صعب التطبيق لأنه دون أن يسأل الحاكم لماذا أنا هنا ؟ بصفة دائمة فإنّ سوء الحكم وسوء الإدارة وحب البقاء فى السلطة هو النتيجة التلقائية، علاوة على ذلك كلما كان حاكم العالم الثالث شخصا يتمتع بخيال إصلاحى كان ذلك شيئا مهما لأنّ دول العالم الثالث فى تقدمها تحتاج فى البداية إلى حاكم مصلح صاحب فلسفة فى التنمية والتطور."

المناخ السياسي لتجربة الأسلام الحضاري التي قادها الدكتور مهاتير محمد تميز بتهيئة الظروف الملائمة للإسراع بالتنمية الاقتصادية, وذلك أن ماليزيا لم تتعرض لاستيلاء العسكريين على السلطة وأنّ القرارات فيها دائماً تتخذ من خلال المفاوضات المستمرة بين الأحزاب السياسية ما جعل سياسة ماليزيا توصف بأنها ديموقراطية في جميع الأحوال. وعندما سأل أحد الصحفيين الدكتور مهاتير لماذا تنحيت عن السلطة وأنت في قمة العطاء أجابه قائلا : " وجدت أنني مكثت فترة طويلة في الحكم وأن الناس أرادوا أن أتنحى، وربما ظنوا أنني أتقدم في السن وكان عليّ أن أفسح المجال أمام قيادة جديدة، كما ترددت في ذهني عبارة كانت تقولها لي أمي، عبارة تطلب عدم إطالة مدة الزيارة حتى وإن كنت محل ترحيب، لأنّ الناس سيستاؤون منك لو أطلت".
وأخيرا ترك الدكتور مهاتير محمد السلطة في العام 2003 بعد أن رفع صادرات بلاده من 5 مليارات دولار إلى أكثر من 520 مليار دولار سنوياً، وحولها من دولة زراعية إلى دولة متقدمة يمثل ناتج قطاعي الصناعة والخدمات فيها 90 % من ناتجها الإجمالي وعلى مستوى الرفاهية فقد تضاعف دخل الفرد السنوي في ماليزيا سبع مرات، ليصبح 8862 دولاراً في عام 2002، وانخفضت البطالة إلى 3 %، والواقعون تحت خط الفقر أصبحوا 5 % من السكان، بعد أن كانت نسبتهم 52 %.
ولا حول ولا قوة الا بالله.

محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-26-2010, 12:29 AM   #4
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق دكتور بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




الأستفتاء والمفاهيم الدينية المغلوطة
بابكر فيصل بابكر
boulkea@yahoo.com

وقعت على مكتوب صغير الحجم, عظيم الخطر, صادرعن جماعة الأخوان المسلمين – الأصلاح بعنوان " رؤية حول أستفتاء تقرير مصير الجنوب السوداني", وبعد أن فرغت من قراءته ترّسخت لدىّ القناعة بأنّ السودان المغلوب على أمره موعود بفتنة لا تبقي ولا تذر, وأنّه يسير بخطى متسارعة صوب مشهد العنف والفوضى والدمار الذي نراه يوميا في العراق والصومال وأفغانستان. وليس هذا الحديث ضربا من التهويل والمبالغة ولكنه قراءة موضوعية لأفكار تنتشر كالنار في الهشيم وتتكاثرأعداد معتنقيها يوما بعد يوم في ظل التحولات السياسية والأقتصادية والأجتماعية العميقة التي يشهدها السودان.

تبدي جماعة الأخوان المسلمين – الأصلاح موقفا رافضا للأستفتاء من حيث المبدأ وهذا أمر مشروع لكل صاحب رؤية "سياسية", ولكن الخطورة تكمن في أنهّم يرفضون الأستفتاء شكلا وموضوعا بالأستناد الى فكرة دينية في غاية الخطورة, وهى فكرة " أرض الأسلام" المرتبطة بمفهوم تاريخي ديني هو " الخلافة", ويقولون في هذا الخصوص :
( في البدء لا بّد لنا أن نقرّر أنّ جنوب السودان هو أرض أسلامية, فتحها المسلمون واتبعوها لحكمهم, وكونت مع غيرها من أجزاء السودان المختلفة, هذا القطر الأسلامي, بحدوده الجغرافية المعروفة." ويخلصون من ذلك الى أنّ "الجنوب جزء لا يتجزأ من العالم الأسلامي, وهو أرض أسلامية وقفية, ولا يملك أحد شرعا حق التنازل عن أرض أسلامية وقفية).

وتحيل فكرة أرض الأسلام أو "دار الأسلام" مباشرة الى رديفها وهو "دار الكفر" وكلاهما مرتبط بأطار"الخلافة الأسلامية" الذي ينظر للعالم من خلال هذه الثنائية ( دار الكفر / دار الأسلام ), فمفهوم الدار أوالأرض هذا ليس مفهوما جغرافيا ذو حدود مرسومة , أذ أنّ حدوده متحرّكة بتحرّك "الأمة" ومتمددة مع تمدّد المسلمين, وهو يعارض مفهوم الدولة الحديثة التي تعني الكيان السياسي الجغرافي المحدود الذي يشمل ثلاثة عناصر هى الأرض والشعب والسيادة.

ومن هنا يصبح الأستناد الى هذه الفكرة أمرا في غاية الخطورة لأنّ أنفصال أرض الجنوب لا ينظر اليه في الأطار السياسي للدولة الحديثة التي يتساكن في حدودها الناس ويرتبطون بعقد قابل للتغيير, وفي هذا السياق يصبح مبدأ تقرير المصير حقا مشروعا تعترف به الدول, بل أنّ دولة مثل أثيوبيا ضّمنته دستورها, ولكن ينظر الى هذا الحق كأعلان للحرب على الأسلام والمسلمين جميعا بأعتبارهم أصحاب الأرض التي ضمّت الى "دار الأسلام" في زمن سابق وهو الأمر الذي تؤكده رؤية الأخوان المسلمين – الأصلاح حين تقول :
( خلاصة القول أنّ الجنوب قد تم أخضاعه لحكم المسلمين خلال العهود المختلفة التي تعاقبت على السودان, منذ الأتراك, وحتى الدولة المهدية, وسقط ضمن السودان في يد المحتل الأنجليزي, ثم تم تحريره مع بقية أجزاء الوطن, عشيّة الأستقلال. وهذا فتح صحيح, يصبح به المصر مصرا أسلاميا, فهو ملك المسلمين, ولا يجوز لأحد التفريط فيه, أو التنازل عنه, بأستفتاء أو غيره لأنّ في ذلك خيانة للّه ورسوله, وللمؤمنين ).

أنّ المفاهيم والمصطلحات التي يستخدمها الأخوان المسلمون – الأصلاح مثل أرض الأسلام والتي تنفي مفهوم المواطنة الحديثة وتعتبره مخالفا للشريعة الأسلامية , تعتبر مكونا رئيسا من مكونات المنظومة الفكرية المفخخة التي يتبناها ما بات يعرف بالتيّار السلفي الجهادي, وفي هذا الأطار نستطيع أن نفهم كيف أعتمد تنظيم القاعدة في خطابه المسّوغ لهجوم الحادي عشر من سبتمبر على مفهومي "دار الأسلام" و "دار الكفر".

ولا يكتفي الأخوان المسلمون – الأصلاح برفض الأنفصال بوصفه تفريطا في أرض الأسلام, بل هم كذلك يرفضون الوحدة في ظل أتفاق نيفاشا وذلك للعديد من الأسباب التي من ضمنها أنّ طرفا الأتفاق قد :
( يندفعان الى نموذج الدولة الكونفدرالية, بوصفها أطارا للوحدة, وذلك سيكون أمرا خطيرا لأنّه يمّكن النصارى من حكم المسلمين في السودان ).

وهذه الفكرة أيضا تنطلق من ذات الأطار السابق وهوالخلافة الأسلامية الذي يناقض أساس الدولة الحديثة القائم على مفهوم "المواطنة" والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين, فالعلاقة في ظل نظام الخلافة تقوم على أساس الفرزالديني بين المسلمين وغير المسلمين, حيث يكون غير المسلمين في وضع سياسي وأجتماعي أدنى من المسلمين, أذ لا تحق لهم الولاية الكبرى لأنهّا ستكون ولاية مليّة للكافر على المسلم, وكذلك لا تكون لهم ولاية على القضاء أو التشريع, أي أنهّم يصبحون مواطنين من " الدرجة الثانية" بحسب التعبير الشائع.

قد تجاوزت الأنسانية من خلال الدولة الحديثة فكرة الدولة الدينية التي لا تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتميّز بينهم بسبب الأنتماء الديني, وما الرفض القوي الذي تواجه به الدول الأسلامية والعربية الكيان الصهيوني الذي يطرح فكرة يهودية الدولة الأسرائيلية الا شاهدا على ذلك. الدولة الدينية تستبطن نوعا من العنصرية لكونها تستند على فكرة مفادها أنّ أصحاب ديانة معينة يفضلون بقية السكان داخل حدود الدولة بسبب أنتماءهم الديني. وهذه الدائرة الجهنمية من علو أو دونية المواطنين في الغالب لا تقف عند حد الأنتماء للديانة الواحدة بل تنداح الى المذاهب والفرق داخل نفس الديانة, فالدولة الدينية التي تستند الى المذهب "السّني" الأسلامي ستمّيز ضد الفرق والمذاهب الأسلامية الأخرى مثل "الشيعة" والعكس بالعكس.

ويقول الأخوان المسلمون – الأصلاح أنّهم يرفضون الأستفتاء من حيث الشكل لأنّ :
( الأصل في الأسلام أنّه لا يعرف أستفتاء العامة, الا أستئناسا, بعد أخذ رأي أهل الحل والعقد, من أهل العلم والشورى والرأي, يقلبّون الأمر على وجوه المصالح والمفاسد, ثم يفتون فيه بما يجلب للأمة أعظم المصالح, ويدرأ عنها أسوأ المفاسد, ولا مانع بعد ذلك من الأستئناس باراء الأمة لترجيح أحد أوجه الرأي ).

وهذا القول مرتبط كذلك بالفقه المتوّلد في ظل دولة الخلافة, والذي يناقض جوهريا الفكر السياسي المعاصر, أذ لا تعرف النظم السياسية الحديثة مصطلح "أهل الحل والعقد" رغما عن بعض الأجتهادات التلفيقية التي تحاول أن تطابقه بالمجالس النيابية في النظام الديموقراطي. وبينما يمثل "اهل الحل والعقد" محاولة لسلب "الرعيّة" حقوقها الأصيلة في التعبير عن مصالحها, فأنّ الأستفتاء يجسّد عملية مشاركة الشعب في ممارسة السلطة في موضوعات مهمّة لا يصلح أن يقرر فيها بواسطة الهيئة النيابية فحسب, والأصل فيه أنّ نتيجته ملزمة لا أن يتم "الأستئناس" بها لأنهّا تمثل أرادة الشعب, بعكس "أهل الحل والعقد" الذين لا يملكون أن يخالف رأيهم أرادة الخليفة أو الحاكم أو الأمير, وهو الأمر الذي يشهد به تاريخ دولة الخلافة الأسلامية الذي كان في معظمه ملكا أستبداديا عضودا.

أنّ أقحام الدين في موضوع الأستفتاء بهذه الطريقة يشكّل خطرا عظيما ليس من ناحية الأثر الذي سيترتب عليه من تعبئة نفسية ومعنوية لقطاعات واسعة من الشعب تحركها العاطفة الدينية وتدفعها للعنف و "أعلان الجهاد ضد الكفار" المغتصبين فحسب ولكن لأنّ هناك أطرافا أخرى تدعو لفصل الجنوب بحجة دينية هى الحفاظ على الأسلام والشريعة , مما يعني أنّ تبني كلا الموقفين يشكل أثما دينيا بشكل من الأشكال, فالأخوان المسلمون – الأصلاح يقولون أنّ في الأستفتاء " خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين", وصاحب "الأنتباهة" وجماعته في " منبر السلام العادل" يقولون أنّ دعوتهم للأنفصال دافعها حماية مصلحة الأسلام والمسلمين من مؤامرات الصهاينة والصليبيين الذين جعلوا من جنوب السودان مدخلا للحرب على المد العربي الأسلامي.

ليس هذا فحسب بل أنّ حكومة الأنقاذ التي وقعّت أتفاق السلام الذي تضمّن منح الجنوب حق تقرير المصير تقول أنها تنطلق من منصّة الأسلام, بل أنهّا حاربت الجنوبيين تحت رايات الجهاد, وقد شاركت في السلطة (الحكومة) التي أنبثقت عن اتفاق السلام والدستور الذي يقر مبدأ "المواطنة" أحزابا وتنظيمات أسلامية مثل تنظيم " الأخوان المسلمون" و جماعة "أنصار السنة المحّمدية", فمن هو اذا صاحب الحق في أن يقول القول الفصل بأسم الأسلام في هذه القضية ؟

الأصلح لبلادنا أن يتم تناول قضية تقرير المصير كقضية سياسية يتفق حولها الناس ويختلفون دون المساس بعقائدهم الدينية, لأنّ الأختلاف حول هذه القضية على الأرضية الدينية ستكون عاقبته حكم طرف على الطرف الاخر بمخالفة الأسلام وبالتالي الأنزلاق الى دوامة التكفير المتبادل, وفي ظل أجواء الأستقطاب الحاد التي تشهدها الساحة السودانية وتتأثر بالأحداث التي تدور في المنطقة والعالم فأنّ المحصلة النهائية ستكون دائرة شريرة من العنف والقتل والدمار على غرار ما يدور في باكستان والصومال وأفغانستان وغيرها.






محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-26-2010, 02:10 AM   #5
عباس عمر المحامي


الصورة الرمزية عباس عمر المحامي



عباس عمر المحامي is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق دكتور بابكر فيصل ....


أنا : عباس عمر المحامي




ما كتبه الدكتور باببكر فيصل عمل راقي وفكر متطور ونقاش مستنير نسال الله له الصحة والعافيه و أقترح أن تكون مقالات الدكتور فيصل بابكر مواد طازجه لحلقات النقاش الفكري وسط شباب الحزب أينما كانوا حتى نطور وسائلنا في العمل الحزبي والسياسي الوطني

عباس عمر المحامي غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس
قديم 11-26-2010, 11:07 AM   #6
علي الشريف احمد
المُشرف العام
الصورة الرمزية علي الشريف احمد



علي الشريف احمد is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق دكتور بابكر فيصل ....


أنا : علي الشريف احمد




ياريت لو تكون ورشه لكتابات الدكتور بابكر فيصل

علي الشريف احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس
قديم 11-26-2010, 01:59 PM   #7
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق دكتور بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




مشكورين جداً الاستاذ عباس عمر وعلى الشريف على المرور الطيب ، ونتمنى أن تكون هذه المقالات بداية لنقاش مستفيض نناقش من خلاله الوضع في الحزب الاتحادي ... وكذلك تنوير الشباب وجعلهم في وسط الدائرة حتى يعرفوا ويتعلموا من مثل هذه الكتابات والمقالات ....

محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-26-2010, 07:38 PM   #8
مأمون الشيخ


الصورة الرمزية مأمون الشيخ



مأمون الشيخ is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق دكتور بابكر فيصل ....


أنا : مأمون الشيخ




الأخ الدكتور بابكر لقد وضع يده على الجرح... هذا الفكر إذا لم يتم الانتباه إلى أنه هو إحدى أكبر الكوارث التي يعاني منها مجتمعنا فسيرى الناس ما قاله الدكتور بابكر على أرض الواقع... شكرا للأخ محمد عبده على هذه الإتحافات

مأمون الشيخ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2010, 02:12 PM   #9
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق دكتور بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده







كتب الأستاذ / بابكر فيصل عموده الراتب في صحيفة السوداني ...

السهام الفواتك في الرد على أبي العواتك

بابكرفيصل بابكر
boulkea@yahoo.com


كتب الأستاذ أمين أبوالعواتك مقالا بعنوان "حينما لا يكون القصد هو الحق فأنّ الهوى هو الدليل" يرد فيه على مقالنا " النيّل أبوقرون وقوانين سبتمبر", وقد تكرّم الأستاذ أمين في مقاله – مشكورا - بالرد على كل شىء عدا ما أوردناه في مقالنا سابق الذكر, وهذه افة تصيب كل من تبرطم ( تغضّب) من كلام دون أن يتدبره, وقد حزمت أمري وتوكلت على الحيّ الدائم أن أفليّ ( فليّت الأمرأذا تأملت وجوهه ونظرت الى عاقبته) سطورمقاله وكلامه البايخ ( يقال باخ اللحم بؤوخا بمعنى تغيّر, ووصف الكلام بأنه بايخ (تخفيف بائخ) بمعنى أنّه غير مقبول, كاللحم اذا تغير).

بادركاتب المقال بمقدمة في ماهية الكتابة التاريخية جاء فيها أنّ ( الكتابة عن التاريخ والأحداث وتفاعلاتها المتداخلة والاثار المترتبة عليها ليس بالأمر المزاجي ), وهى كذلك ( أمانة يجب أن تؤدى بعيدا عن هوى النفس والعواطف), والحق أنّ هذه المعايير لا تنطبق على الكتابة التاريخية فحسب, ولكنها تصلح للتطبيق على الكتابة بصفة عامة. غير أنّه وبجرأة يحسد عليها خالف ما خطتّ يداه في الفقرة السابقة فنسب ألينا ما لم نقله ونقل عنا ما لم نسطره, كتب يقول متحدثا عن (الشريعة) ( كما أنّ القول بأنها هى السبب في زعزعة الأستقرار في فترة الديموقراطية الثالثة وغيرها من المحصلات التي ذكرها الكاتب هى من قبيل القفز الى النتائج وليست بالأمر الصحيح), ثم يصل الى نتيجة في غاية الغرابة مفادها أننا قصدنا أن نرجع لتلك القوانين (كل مثالب وأخفاقات الدولة السودانية في مراحلها المختلفة).

وهذا نقل فيه تدليس,فنحن لم نستخدم كلمة شريعة على الأطلاق لوصف قوانين سبتمبر, أما النتيجة التي خلص اليها (أرجاع كل أخفاقات السودان لتلك القوانين) فأقل ما يقال عنها أنها ساذجة, حيث أنّ صغار الدارسين لمناهج البحث العلمي يعلمون أنّه من الخطأ في تحليل الظواهر (خصوصا الأجتماعية والسياسية والتاريخية) أرجاعها الى سبب واحد, فما الذي يحملنا على أرتكاب مثل هذه الحماقة وأستخلاص ذلك القول المفشكل ( المعوج ) ؟

ذلك ما كان من أمرعوار النقل, أمّا بوارالحجة فشاهده هو أنّ تلك القوانين كانت محل خلاف دائم بين الأحزاب ( قال السيد الصادق المهدي أنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به) وفي البرلمان وأجهزة الأعلام والصحف بل وفي الشارع حين سارت المسيرات (المليونية), وهى كذلك كانت حاضرة في فض الحكومات الأئتلافية الذي ترتب عليه عدم استقرار الحكم الديموقراطي , كما أنّ كافة الأتفاقات ومحاولات التوصل للسلام في الجنوب أرتطمت بصخرة ألغاء تلك القوانين أو تجميدها , وهى قد كانت الحجة التي أستخدمتها الجبهة القومية الأسلامية ضمن أسباب أخرى للأنقلاب على النظام الديموقراطي, فأين اذا هو القفز الى النتائج الذي يعنيه كاتب المقال ؟

ثم يواصل كاتب المقال مجانفة الحقيقة حينما يصرعلى القراءة الخطأ لما سطرناه ,فيقول – غفر الله له – ( ولا أدري كيف يطيل مولانا النيّل أبوقرون عمر نظام مايو كما أشار الكاتب وكأنه يمتلك أطرا تنظيمية أو ثقلا ما أو حتى يمتلك (امر مايو) وهو الذي كان لا يستطيع الحصول على وقود لعربته من (أسياد) القصر وقتها لأنه كان غريبا عليهم ولأنه جاء لمهمة محددة ).

وحقيقة الأمر أننا لم نقل أنّ الشيخ النيّل هو من أراد أطالة عمر نظام النميري, بل ذكرنا أنه كان أداة أستخدمها النميرى لأطالة عمر نظامه, وقد قلنا الاتي ( ويعلم الشيخ النيّل أنّه ومن معه (عوض الجيد وبدرية سليمان) شاركوا في مؤامرة دبرّها حاكم معزول لأحداث كسب سياسي ليس له علاقة بالدين وقصد منه أطالة عمر نظام متهالك فاقد للسند وللمشروعية).

فهل يصدر مثل هذا الأحتيال في القراءة من شخص قصده الحق ؟ وهل يحق للكاتب أن يرمينا جهلا بأنّ الهوى كان دليلنا عندما كتبنا مقالنا ؟ وذلك ما جاء في العنوان الذي أختاره لمقاله ولحديثه المبخوش (المثقوب).

ويسأل كاتب المقال سؤالا ليس من موضوع المقال ثم يتبرع بأحالتنا لمصادر, ويقتبس أقتباسات مطوّلة هى في ظني أهدار لمساحة تحتاجها الصحيفة, ولزمن لا يتوفر للقارىء, فيقول وكأنه قد أمسك بالوعل من قرنيه ( كما وكيف يتجاهل الأخ كاتب المقال قضية الخلافات السياسية الفكرية العميقة بين الجمهوريين والأسلاميين والقضايا التي كانت قبل ذلك في المحاكم والتي رفعها الجمهوريون ضد الأسلاميين ).

وأجابتنا على سؤاله بسيطة وهى أنّ موضوع مقالنا لم يكن عن دور الأخوان المسلمين أو الجبهة القومية الأسلامية في أغتيال الأستاذ محمود محمد طه, أو علاقة الجمهوريين بالأسلاميين, بل كان عن قوانين سبتمبر ودور الشيخ النيّل فيها, وهو ما يوضحه عنوان المقال الذي سبق ذكره, وبالتالي فقد حصرت حديثي على ذلك, وهو ما يرغب الأستاذ كاتب المقال في صرف النظر عنه, وهذا ما يفسر تجاهله الرد على فقرة تعتبر من أهم ما جاء في المقال, وهى الرسالة التي تشير بوضوح الى أنّ الشيخ النيّل كان يتربص بالجمهوريين ويتحيّن الفرصة للأيقاع بهم, وقد ذكرت في تلك الفقرة (ومن يقرأ رسالة النيّل للنميري يشعر بمدى الفرحة التي غمرته بالقبض على الجمهوريين. ويورد الدكتور احمد المصطفى حسين نص المذكرة التي بعث بها النيّل للنميري :
(الأخ الرئيس القائد .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. المنشور المرفق وزّعه الجمهوريون، وقد قُبض على ستة منهم، وتم التحقيق معهم وسوف يقدمون للمحاكم. وبهذا، فقد أتاحوا لنا فرصة تاريخية لمحاكمتهم. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. ولا شك أنها بداية لمسيرةٍ ظافرةٍ بإذن الله يتساقط دونها كل مندس باسم الدين، وكل خوان كفور، ولله الأمر من قبل ومن بعد .. وفقكم الله لقيادة المسيرة الظافرة، وإتمام نهج الله على آثار المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن سار بسيرهم ونهجهم إنه سميع مجيب
.. النيّل عبد القادر أبو قرون 6 ربيع الثاني 1405 ه يوم السبت الموافق 29/12/1984م).

ثم يتجاوز كاتب المقال حدود النقاش الموضوعي, عندما ينصّب من نفسه شرطيا للمباحث يفتش في عقائد الناس بنفس المنهج الذي يتبعّه من يسميهم هو بالظلاميين, فتأمّل قوله التالي: ( وأني لأشتم من الكاتب موقفا من الشريعة الأسلامية بسبب منظوره الضيّق لها أو بسبب الأخطاء التي حدثت في التطبيق بسبب حداثة التجربة ).

وفي هذا الخصوص يجب أن أوضح أنّ كاتب المقال يرتكب خطأ عظيما في اللغة وفي الاصطلاح عندما يطابق معنى الشريعة الأسلامية بمعنى "القانون". فكلمة شريعة لم ترد في القران الا مرة واحدة في الاية الكريمة " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فأتبعها ولا تتبّع أهواء الذين لا يعلمون", وكذلك وردت كلمة شرعة في الاية " فاحكم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق, لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا, ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة". وكما هو واضح من الايتين فأنّ الكلمة تعني طريقا أو منهاجا. وفي اللغة تعني كلمة شريعة "المكان الذي ينحدر منه الماء", وفي الأصطلاح تعني الكلمة ما شرّعه الله لعباده من الدين, مثل الصوم والصلاة والحج, وغير ذلك, وأنما سمى شريعة لأنه يلجأ اليه, كما يلجأ الى الماء عند العطش.

فمن هو صاحب المنظور الضيّق ؟ من ينظر للشريعة الأسلامية بهذا الأفق الواسع أم من يحصرها في مجرّد قوانين ؟ ثم من الذي أعطى السيد أبوالعواتك الحق في أن يشتمّ أفكار الناس, ويتفلحس (يتطفل) على قلوبهم و ضمائرهم ليخلص الى نتيجة مفادها أنّ لهم موقفا من الشريعة ؟

ثم ينفضح أمر الكاتب, بعد أن يتضّح أنّ الفرضية الأساسية التي قام عليها بنيان مقاله البائر (الفاسد الذي لا خير فيه ) كانت خاطئة, فقد ظنّ – وبعض الظن أثم – أنني أنتمي للفكرة الجمهورية, وأنّ دافعي لكتابة المقال هو غضب شخصي لما حدث للأستاذ المرحوم محمود محمد طه, ولذلك أومأ الى أنني أحد الذين (أعمتهم عبادة الأفراد والتباكي عليهم من الأذعان والقبول بالمشيئة الألهية والتي هى تجري وفق الأقدار المسبقة لا التقدير البشري الحادث. ولا نفعل كما يفعلون بأن نشمت أو نسىء لأحد بل الواجب والتعاليم تحتم على الكاتب وأخوته سعة الصدر وقبول الاخر والرضاء بقدر الله والعمل بالحرية لنا ولسوانا وهى تعاليم الراحل الاستاذ محمود محمد طه.... نحن ننتظر من الأخوة الجمهوريين طرحا يطال كل التحديات المطروحة في رؤى تجديدية متنامية بمرجعية الفكرة المحمدية السامقة).

أنّ دافعنا لكتابة المقال كان دافعا مبدئيا يرفض تملّص الأشخاص من المسئولية الأخلاقية لأفعالهم وهو ما بدا من حديث الشيخ النيّل, ولم يكن غرض المقال محصورا في الدفاع عن موقف الأستاذ محمود وهو موقف مبدئي يدعو للفخر والأعزاز, ولكنني تحدثت كذلك عن المئات من المقموعين الذين طالتهم سياط "محاكم العدالة الناجزة", وقطعت أياديهم وأرجلهم من خلاف, وشهّر بهم في أجهزة الأعلام المقروءة والمسموعة والمرئية, ولم يحرّك الشيخ النيّل ساكنا لأدانة كل هذا, فمن هو الذي يعبد الأفراد اذا ؟ من يرفض تهرّب الأشخاص من المسئولية أم من تدفعه البرطمة (الأنتفاخ غضبا) ليجّرد قلمه ويكتب مدافعا عن هؤلاء المتهرّبين ؟

ويختم السيد أبوالعواتك مقاله مستهجنا بطرف خفي من أستدلالنا بمقولة لسقراط, فيقول ( فهذه هى مرجعية مولانا النيّل ابوقرون وهى الخلق العظيم رسول الله صلى الله وبارك عليه واله واتباعه في كل فعل وقول وفي كل شىء حتى وان كان خاتما شديد اللمعان, وليس التمثل بسقراط أو حتى تلميذه أفلاطون أو من حذا حذوهم).

وهذا ضرب من البطبطة (ضعف الرأى) لأننا في حقيقة الأمر لم نحتج بسقراط في أمر من أمور الدين, ولم نأخذ فتوى شرعيّة عن افلاطون, ولكننا اوردنا حوارا بين الأثنين يظهر ثبات المفكرين العظام على مواقفهم المبدئية, بينما ينبطح اخرون في مواقف شبيهة وقلنا الكلام التالي ( فماذا كان موقف النيّل من تهمة الرّدة التي أتهم بها ؟ تراجع عن كل شىء ورضى بالأستتابة, وشتان بين موقف وموقف. أصحاب المبادىء والقامات الفكرية السامقة لا يتراجعون ويمضون الى الموت بهدوء ونبل, وعندما حكم الأثينيون الجّهال على سقراط بالأعدام تسلل اليه في ليلة التنفيذ أفلاطون حاملا اليه خطة الهرب, ويستمع المعلم لتلميذه المتحمس حتى يفرغ ثم يرفض الهرب ويسأل أفلاطون مذهولا عن السبب فيبتسم سقراط بحزن ويجيب : لقد أدرت ظهري لهذا العالم الدنيىء).
قد تهجم علينا دون وجه حق السيّد ابوالعواتك دفاعا عن الشيخ النيّل, ولم يقم بالرد على جوهر ما طرحناه وما قصدنا اليه, وكان نهجناعلى الدوام تجنب مجاراة مثل هذا النوع من الكتابة عملا بأبيات الأمام على كرّم الله وجهه:
لربما اختزن الكريم لسانه حذر الجواب وانه لمفوّه
ولربما ابتسم الوقور من الأذى وفؤاده من حرّه يتأوه
ولكن الأذى أشتد علينا هذه المرّة, فحزمنا الأمر على كتابة هذه الكلمة عسى أن يذهبه الله عنا ويعافينا.

محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-07-2011, 03:51 AM   #10
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




أصلاح مناهج التعليم الديني : الجمود ومخالفة روح العصر (1)

بابكر فيصل بابكر
boulkea@yahoo.com


طلبت الولايات المتحدة من بعض الدول العربية والأسلامية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر أصلاح مناهجها التعليمية التي رأت أنها تحض على كراهية الاخر وتشجع على العنف.

وقد تم التصدي لدعوة الولايات المتحدة لأصلاح المناهج من قبل العديد من التيارات والرموز الأسلامية بأعتبار أنها جزء من الحملة الغربية ضد الأسلام والمسلمين, وأنها تهدف لضرب الهوية العربية الأسلامية, وأعتبروها تدخلا سافرا في شئون الدول الأسلامية.

غير أنّ هناك دولا أعترفت بأنّ مناهجها قد أحتوت على تحريض ضد الاخر غير المسلم وضد أميركا على وجه الخصوص, وهو ما صرّح به الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الذي قال أنّ مراجعتهم للمناهج والكتب الدراسية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر كشفت أنّ خمسة بالمائة مما يتم تدريسه في المملكة العربية السعودية يحض على كراهية الأميركان.

ولا تنحصر دعوة اصلاح مناهج التعليم الديني في الأبعاد المرتبطة بالعنف والتعصب, ولكنها تمتد لتخاطب قضية الجمود التي أصابت تلك المناهج وحنطتها في فقه القرون الماضية, وكبلتها من التناول العقلاني لقضايا العصر.

أنّ الدعوة لأصلاح مناهج التعليم الدينية ليست لها علاقة بالحرب الأميركية على الأرهاب ولكنها دعوة قديمة متجددة, نادى بها الأمام محمد عبده منذ نهاية القرن التاسع عشر, و قال وهوعلى فراش الموت :

ولست أبالي أن يقال محمد أبل أم أكتظت عليه الماتم
ولكنه دينا أردت صلاحه أحاذر أن تقضي عليه العمائم

وكذلك طالب بها تلاميذ الأستاذ الأمام محمد عبده مثل الشيخ الطاهر بن عاشور, أضافة للعديد من المفكرين الأسلاميين المعاصرين مثل الأستاذ جمال البنا والمستشار طارق البشري و الدكتور محمد سليم العوا وغيرهم ممن ربطوا شروط النهضة الحضارية بالتغييرات الجوهرية في قضايا التعليم والتربية.

سأتناول في هذا المقال عبر أمثلة مختصرة قضيّة أصلاح مناهج التعليم الديني في بعدها المرتبط بالجمود ومخالفة روح العصر. ومادة المقال هى جزء من رسالة في الدراسات العليا أعددتها في العام 2008 بجامعة دينفر بالولايات المتحدة, وكان موضوعها مناهج التعليم الديني والأرهاب. وسأكتفي في هذا المقال بأمثلة مأخوذة من كتاب"الروض المربع بشرح زاد المستنقع " المؤلف في حوالى العام 1622للميلادوهو الكتاب الذي كان مقررا في مادة الفقه علي طلاب المذهب الحنبلي بالصف الأول والثاني والثالث بالمرحلة الثانوية بالمعاهد الأزهريةفي سنة تجميع مادة البحث 2006.
الأمثلة التي سيتطرق لها المقال تتناول غريب الألفاظ,و الرقيق, والمرأة, وأهل الذمة وأحكام متعلقة بهم, ومخالفة العلوم الحديثة.

أهل الذمة :
جاء في كتاب الروض المربع بخصوص العلاقة مع أهل الكتاب ما يلي :
( العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب يتم ترتيبها بحسب عقد الذمة, وقد ورد الحديث حول عقد الذمة تحت عنوان " أهل الذمة وأحكامها". وقد جاء فيه أنّ " الذمة لغة العهد والضمان والأمان, ومعني عقد الذمة أقرار بعض الكفار علي كفرهم بشرط بذل الجزية وألتزام أحكام الملة والأصل فيها قوله تعالي"حتي يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون". لا يعقد أي لا يصح عقد الذمة لغير المجوس لأنه يروي أنه كان لهم كتاب فرفع فصارت لهم بذلك شبهة و"لأنه صلي الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر" رواه البخاري عن عبد الرحمن بن عوف وأهل الكتابين اليهود والنصاري علي أختلاف طوائفهم ومن تبعهم فتدين لهم بأحد الدينين كالسامرة والفرنج والصابئين لعموم قوله تعالي"من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" ولا يعقدها أي يصح عقد الذمة الا من أمام أو نائبه لأنه عقد مؤبد فلا يفتات علي الأمام فيه ويجب أذا أجتمعت شروطه,ولا جزية وهي مال يؤخذ منهم علي وجه الصغار كل عام بدلا من قتلهم وأقامتهم بدارنا علي صبي ولا أمرأة ومجنون وزمن وأعمن وشيخ فان وخنثي مشكل ولا عبد ولا فقير يعجز عنها وتجب علي عتيق ولو لمسلم ومن صار أهلا لها اي للجزية أخذت منه في اخر الحول بالحساب, ومتي بذلوا الواجب عليهم من الجزية وجب قبوله منهم وحرم قتالهم وأخذ مالهم ووجب دفع قصدهم بأذي ما لم يكونوا بدار حرب ومن أسلم بعد الحول سقطت عنه و(يمتهنون عند أخذها) أي أخذ الجزية ويطال وقوفهم وتجر أيديهم وجوبا لقوله تعالي " وهم صاغرون" ولا يقبل أرسالها).انتهى

من الواضح انّ النص أعلاه يخالف روح العصر الذي نعيشه وهو ينبني على فقه ساد قبل أربعة قرون, وهو فقه الخلافة الأسلامية الذي يقوم على الفرز الديني و لا يعرف مفهوم " المواطنة " الحديث الذي ظهر مع قيام الدولة / الأمة, والذي يساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن أنتماءهم الديني أو العرقي. والنص كذلك يتضمن أستثناء " العبد" من الجزية, وهذا أيضا من القضايا التي تجاوزتها الأنسانية منذ فترة طويلة بحيث أصبح الرق جريمة يعاقب عليها القانون ووصمة في وجه من يرتكبها, فما هو الغرض من تدريسها للطلاب في القرن الحادي والعشرين ؟ ويستثني النص كذلك " الخنثى المشكل" وهو المخنّث الذي لا هو بالذكر ولا هو بالأنثى من دفع الجزية ولا يوضح العلّة من وراء ذلك !!!!

وفيما يخص بعض الأحكام المتعلقة بأهل الذمة يقول الكتاب ( ويلزمهم التمييز عن المسلمين بالقبور بأن لا يدفنوا في مقابرنا والحلق بحذف مقدم رءوسهم لا كعادة الأشراف ونحو شد زنّار ولدخول حمامنا بجلجل أو نحو خاتم رصاص برقابهم, لهم ركوب غير الخيل كالحمير بغير سرج فيركبون بأكاف وهو البرذعة ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا القيام لهم ولا بدأتهم بالسلام أو بكيف أصبحت أو أمسيت أو حالك). أنتهى

وهذا أيضا نص غريب مخالف لروح العصر, فهو يدعو لأن يحلق أهل الذمة شعر رؤوسهم بطريقة لا تشبه حلاقة "الأشراف", وهل يعرف أحد في هذا الزمان كيف كان الأشراف يحلقون رؤوسهم ؟ وهو كذلك يحرمهم من ركوب " الخيل" ويسمح لهم بركوب " الحمير" ولكن من غير " برذعة" ( والبرذعة يا رعاك الله هي الحلس الذي يوضع تحت الرحل) ومن المؤكد أنّ لسان حالك يا قارئي الكريم يقول وما هو الحلس ؟ وأنا بدوري أتساءل عن جدوى مثل هذا الحديث في عصر السيارة والطائرة والقطار التي نستمتع بركوبها نحن المسلمون ويصنعها الكفار ؟ وينص الكتاب كذلك على أنّ الذمي أذا أراد دخول حمّام المسلمين فيجب عليه ربط " جلجل" وهو "الجرس الصغير" على رقبته حتى نستطيع تمييزه عن المسلم !!!!

ويقول الكتاب ايضا أنّ من بين ما للزوج المسلم من حقوق علي زوجته الكتابية أن "يمنعها من دخول بيعة وكنيسة وشرب ما يسكرها لا ما دونه, ولا تكره علي أفساد صومها أو صلاتها أو سبتها". أما فيما يختص بغسل الميت فقد جاء في الكتاب أنّه " لكل واحد من الزوجين ان لم تكن الزوجة ذمية غسل صاحبه". أنتهى

وهذا أيضا مخالف للعصر لأنّ منع الزوج لزوجته الكتابية من ممارسة دينها في أماكن العبادة يعتبر انتهاكا لحق من حقوق الأنسان في قوانين وأعراف زماننا هذا, فهل يملك أحد في عالم اليوم أن يمنع مسلما من دخول المسجد للصلاة ؟ والغريب في الأمر أنّ الكتاب لا ينهى الزوجة الكتابية من شرب الخمر في حدود " النعنشة" دون ان تصل حد السكر, فما هو المعيار ؟ أمّا الأمر غير المتصوّر فهو أنّ الزوج الذي يعيش عمره كاملا ويعاشر زوجته وينجب منها لا يسمح له بغسلها عند موتها, فتأمل!!

ومن ضمن الأحكام الخاصة بغير المسلمين ما أورده الكتاب في باب الجنايات من ( أنّ الشّرط الثالث للقصاص: المكافأة بين المقتول وقاتله حال جنايته بأن يساويه القاتل في الدين والحرية والرق يعني انه لا يفضل القاتل والمقتول بأسلام أو حرية أو ملك فلا يقتل مسلم حر أو عبد بكافر أو كتابي أو مجوسي: ذمي أو معاهد لقوله عليه السلام" لا يقتل مسلم بكافر" رواه البخاري وأبوداؤود ولا يقتل حر بعبد لحديث أحمد عن علي " من السنة أن لا يقتل حر بعبد" وكذا لا يقتل حر بمبعض ولا مكاتب بقنه, لأنه مالك لرقبته. وعكسه بأن قتل كافر مسلما أو قن أو مبعض حرا يقتل القاتل ويقتل القن بالقن وأن أختلفت قيمتهما). انتهى

وهذا النص أيضا ينقل الطلاب الي أجواء القرن السابع عشر, حيث كان الناس يتمايزون بأديانهم, وحيث كانت تسود تجارة الرقيق وملك الرقاب, ولا يتساوى الناس أمام القانون بكونهم بشر و"مواطنين". وتكمن خطورة تدريس مثل هذه الأفكار للنشء في أنها تسهم في تشكيل عقولهم وقناعاتهم, وقد ورد في مداولات الحكم في قتل الدبلوماسي الأميركي غرانفيل أنّ المتهمين دافعوا عن أنفسهم بالقول أنّ المسلم لا يقتل بكافر, ومن المؤكد أنّ هذا هو ما تعلموه من مثل هذه النصوص.



مخالفة الحقائق العلمية :
جاء في الكتاب بخصوص حمل المرأة لجنينها أنّ "أقصي مدة للحمل هي أربع سنوات" , وهذا حديث مناف للعلم ومجاف للعقل , وهو حديث خرافة لا يجوز تدريسه للطلاب في عصر العلم. فمع تطور علوم الطب، ومتابعة الحوامل بصورة دورية أصبح بإلأمكان التأكد من عمر الحمل بدقة، وقد رصد الأطباء المختصون بأمراض النساء والولادة في العصر الحديث ملايين الحالات، ولم تسجل لديهم حالات حمل طبيعية يدوم لسنة واحدة، ناهيك عن عدة سنين.

وفي كتاب الجنائز عن علامات الموت يقول الكتاب " أنّه يعرف بأنخساف الصدغين وميل الأنف وأنفصال الكف واسترخاء الأرجل", وهذا كلام غير علمي, لا يمكن أخذه مأخذ الجد بتدريسه لناشئة الطلاب الذين يؤمل في قيادتهم لمسيرة النهضة للحاق بركب الأمم.

وكذلك يقول الكتاب أنّ الصلاة تبطل " بمرور كلب أسود لأنه شيطان". فمن أين تأتّى لمؤلف الكتاب الجزم بأنّ الكلب الأسود الذي يمر بالصلاة هو شيطان ؟ ولماذا لا يكون لون الكلب ابيض أو بنيا مثلا ؟ وفي أية صورة اخرى يختبىء الشيطان اذا كان في بلد لا تطلق فيه الكلاب الضالة ولا يصلي فيه الناس في الأماكن المفتوحة ؟

نواصل .......

محمد عبده غير متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة محمد عبده ; 01-07-2011 الساعة 03:53 AM.
رد مع اقتباس
قديم 01-07-2011, 03:55 AM   #11
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




اصلاح مناهج التعليم الديني : الجمود ومخالفة روح العصر (2)

بابكر فيصل بابكر
boulkea@yahoo.com

تلقيت العديد من الرسائل الألكترونية والهاتفية التي يعلّق أصحابها على الجزء الأول من هذا المقال, وطالب عدد من القرّاء بألقاء المزيد من الضوء على موضوع العلاقة مع أهل الذمة وغير المسلمين عموما كما وردت في كتاب " الروض المرّبع". ولذا سأقوم بعرض أمثلة أضافية في ذلك الموضوع قبل أن أسترسل في بقية الأمثلة.

بخصوص تحصيل الجزية يقول الكتاب (ويمتهنون عند أخذها أي أخذ الجزية ويطال وقوفهم وتجر أيديهم وجوبا لقوله تعالي " وهم صاغرون" ولا يقبل أرسالها ).

ومن المعلوم أنّ الجزية لا مكان لها في عالم اليوم الذي أختفت فيه دولة الخلافة التي تفرّق بين الناس بسبب أنتماءهم الديني, وأصبح جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات في ظل الدولة المدنية الحديثة القائمة على مفهوم " المواطنة", فما هو اذا الغرض من تدريس مثل هذا الفقه ؟

وبالنسبة لمقادير ديّة النفس فقد جاء في الكتاب أنّ ( ديّة الحر الكتابي الذمي أو المعاهد أو المستأمن نصف دية المسلم لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده"انّ النبي (ص) قضى بأنّ عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين" رواه احمد, وكذا جراحه, ودية المجوسي الذمي أو المعاهد أو المستأمن ودية الوثني المعاهد أو المستأمن(ثمانمائة درهم) كسائر المشركين روي عن عمر وعثمان وأبن مسعود, وجراحه بالنسبة, ونساؤهم أي نساء أهل الكتاب, والمجوس, وعبدة الأوثان, وسائر المشركين علي النصف من دية ذكرانهم كدية نساء المسلمين). أنتهى

وهنا أيضا يبني الكتاب مقدار الديّة على فكرة التمييز بين المسلم والكافر, والحر والعبد, والرجل والمرأة, وكذلك مفاهيم الشخص "المعاهد" و " المستأمن", وهو تمييز لا مكان له في ظل الدولة المدنية التى يتساوى جميع مواطنيها أمام القانون.

ويذكر الكتاب أن ّ (من شروط قبول الشهادة في المحاكم هو الأسلام وهو الأمر الذي يترتب عليه أن لا تقبل من كافر ولو علي مثله الا في سفر علي وصية مسلم أو كافر, فتقبل من رجلين كتابيين عند عدم غيرهم . أما شروط تولي وظيفة القضاء فمن ضمنها أن يكون الشخص مسلما لأنّ الأسلام شرط العدالة). أنتهى

وهذه الشروط تعني أنّ شهادة القبطي في السودان أو مصر لا تقبل في المحكمة, وأنّ البوذي في ماليزيا لا يحق له الشهادة في المحكمة أيضا, وكذلك لا يحق لشخص مسيحي أو لا ديني أن يتولى منصبا في القضاء لأنّ شرط العدالة كما يقول الكتاب هو الأسلام. وهذا كله مخالف لأحوال العصر الذي نعيشه.

أما فيما يخص صلاة الأستسقاء فيقول الكتاب (وأن خرج أهل الذمة منفردين عن المسلمين بمكان لقوله تعلي:"وأتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" لا أن أنفردوا بيوم لئلا يتفق نزول غيث يوم خروجهم وحدهم فيكون أعظم لفتنتهم وربما أفتتن غيرهم لم يمنعوا أي اهل الذمة لأنه خروج لطلب الرزق) . أنتهى

ومعنى هذا الكلام هو أن يسمح لأهل الذمة عند الخروج للأستسقاء أن يختاروا مكانا يصلون فيه دون صحبة المسلمين, ولكنه لا يسمح لهم بالخروج للاستسقاء في يوم لا يخرج فيه معهم المسلمون وذلك حتى لا يصادف يوم خروجهم وحدهم نزول المطر فيقولون هذا حدث بدعائنا وصلاتنا, وكذلك حتى لا يفتتن بهم المسلمون الضعفاء فيقولون أنّ الله استجاب لدعاء غير المسلمين وأنزل الغيث.

وقد ورد في كتاب الجنائز النص علي أنّه ( يحرّم أن يغسل مسلم كافرا أو أن يحمله أو يكفنه أو يتبع جنازته ) و بخصوص زيارة القبور فقد نص علي أنّه ( تباح زيارة قبر كافر ).

وفي القول أعلاه يظهر بجلاء الضعف المنهجي الذي يتمثل في عدم توضيح " العلة" في الأحكام. أذ يحق لنا أن نتساءل عن العلة وراء تحريم السير في جنازة الكافر بينما تباح زيارة قبره ؟ واللوم هنا لا يقع على واضع الكتاب الذي يتحدث عن أحوال عصره قبل أربعة قرون, ولكنه يقع على من قرروا تدريس مثل هذا الكتاب في القرن الحادي والعشرين.


أمّا الأقوال الغريبة التي أحتواها الكتاب فكثيرة ومنها على سبيل المثال في قضية التكفير (ويكفر ساحر يركب المكنسة فتسير به في الهواء ونحوه, لا كاهن ومنجم وعرّاف وضارب بحصي ونحوه أن لم يعتقد أباحته وأنه يعلم به الأمور المغيبة ويعزر ويكف عنه. ويحرّم طلسم ورقبة بغير العربي. ويجوز الحل بسحر ضرورة.). أنتهى

وهذا قول فيه من الخيال ما يفوق قصص و أفلام الأطفال. فهل يعقل أن يدرّس طلاب في مطلع القرن الحادي والعشرين مثل هذه النكات ؟ نحن في عصر العلم, وفي زمان الوصول الى كوكب المرّيخ ولكن ليس على ظهر مكنسة !! ويجوّز الكتاب الحل بسحر الضرورة, ومعنى هذا أن نترك أستخدام العقل والعلم وكلما واجهتنا مشكلة جلبنا ساحرا يريحنا من كل عناء البحث والتفكير والأجتهاد, ويمكننا أن نتفوق على جميع شعوب الأرض اذا وفقنا في تجميع مائة ساحر من النوع الذي لا يتأخر في أيجاد الحلول عند الضرورة.

ثم يبهرنا الكتاب بواحد من أسئلته الملغزة (أمرنا بأن نسجد على سبعة أعظم هى الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين، ماذا يفعل من خلق برأسين وأربع أيدى وأربع أرجل ؟). وأنا بدوري أترك لك أيّها القارىء الكريم الأجابة على هذا السؤال !!!.

أمّا الألفاظ المنقرضة التي يستخدمها الكتاب فسأختار منها عينة تبيّن مدى المعاناة التي يعيشها الطلاب. فهم على سبيل المثال يقرأون أشياء مثل " لا يجوز لبس السرموزة والجمجم"، و "لابأس علي المرأة أن تصل شعرها بقرامل وهي الأعقصة"، و "يجوز المسح علي الجرموق" و "يجب ان يعرف عفاصها " !!

ويستخدم الكتاب كذلك أنواعا من المقاييس والمكاييل غير موجودة في عالم اليوم, فالطلاب يتعلمون كيفية القياس "بالقلة" والوزن "بالرطل الدمشقي" و "المثقال العراقي", وأنّ المكيال من أجل الزكاة هو "الوسق" الذي هو ستون "صاعا" ولاننسى كذلك الدرهم الاسلامي الذي هو ستة "دوانق" !!!

أما فيما يخص المرأة فأنّ الكتاب يورد أمورا عجيبة ومنها على سبيل المثال أنّه ( لا يلزم الزوج لزوجته دواء وأجرة طبيب اذا مرضت لان ذلك ليس من حاجتها الضرورية المعتادة ) وكذلك ( له ان يمنعها من حضور جنازة أبيها أو أمها ومنعها من أرضاع ولدها من غيره ), وبخصوص دفع قيمة الكفن للزوجة بعد موتها يقول الكتاب أنّ ( الزوج لا يلزمه كفن أمرأته ولو كان غنيا لأن الكسوة وجبت عليه بالزوجية والتمكن من الأستمتاع وقد أنقطع ذلك بالموت). انتهى

وهذه أحكام تحط كثيرا من قيمة المرأة, ومن طبيعة علاقتها بالرجل. فالعلاقة الزوجية رباط انساني مقدّس أساسه الموّدة والرحمة و لا يمكن أختصاره في أمور مادية و غريزية حيوانية مثل " التمكن من الأستمتاع", والذي بأنقطاعه لا يلزم الزوج شراء كفن لزوجته. وكيف يمنع الزوج زوجته من أرضاع طفلها لأنّ والده شخص اخر ؟

وأرفق في خاتمة هذا المقال تعليقا على المقال السابق سطرّه قلم الشقيق الصديق الشاعر الطيب برير, ووصلني عبر البريد الألكتروني :

( الأعز بابكر
محبتي تسبق تحياتي
وددت لو أنك استرسلت قليلاً في بيان وجه اعتراض ما أشرت إليه مع واقع الحياة المعاصر
وما يمكن أن ينتهي إليه الحال لو أن ما تضمنته النصوص أصبح أمرًا نافذًا بسلطان القهر والإكراه.
قارب بين هذه النصوص المبثوثة في الكتب بترحيلها دون معالجة وبين ما يقوم به بعض الأئمة كذلك في خُطب الجمعة والعيدين..
فلقد شهدت في مدينتا الدويم ولأعوام تحسب بالعقود خطبة تقرأ علينا كل عام عن وجوب إخراج زكاة الفطر بمد من شعير أو زبيب..
لا شعير هناك..
والزبيب يغشانا غشوة اضطرار في رمضان (زينة) عزيزة و"بناتيًا" حبيبًا نتناوله كما نتناول الحبوب ونلوكه برفق الخائف من ذهابه إلى المعدة دون استمتاع بانتظار الحول..
لم نسمع من شيخنا ذاك - رحمه الله - أي حديث عن الفتريتة وطابت ومايو والصفرا كأنها رجس لا يصح أن يرد في خطبة مقدسة في يوم عيد مبجل..
لحين الجزء الثاني من مقالك.. سأعقد جفني على نوافذ الترقب منتظرًا. ) انتهى

ونواصل ........

محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-07-2011, 03:57 AM   #12
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




أصلاح مناهج التعليم الديني : الغلو والتكفير و أثارة الكراهية ضد الاخر (3)

بابكرفيصل بابكر
boulkea@yahoo.com

تناولت في المقالين السابقين البعد الأول من أبعاد اصلاح مناهج التعليم الديني, وهو البعد الذي يخص " الجمود ومخالفة روح العصر", وأتناول في هذا الجزء البعد المتعلق بالغلو و التكفير واثارة الكراهية ضد الاخر. والأمثلة هذه المرّة مأخوذة من بحث أعددته عن المنهج المقررعلى التلاميذ في المملكة العربية السعودية في العام 2004 . والمنهج السعودي ينبني في الأساس على الأيديولوجيا الوهابية المستندة الى الفقه الحنبلي الذي حللنا نماذج من أحد كتبه في المقالين السابقين.

وكما ذكرنا في مقدمة هذه السلسلة من المقالات فأنّ السعودية كانت قد أعترفت بأنّ مناهجها أحتوت على تحريض ضد الاخر غير المسلم وضد أميركا على وجه الخصوص, وهو ما صرّح به الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الذي قال أنّ مراجعتهم للمناهج والكتب الدراسية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر كشفت أنّ خمسة بالمائة مما يتم تدريسه في المملكة العربية السعودية يحض على كراهية الأميركان.

والمنهج لا يحض على كراهية غير المسلم فحسب ولكنه يشمل بذلك كل الفرق التي تخالف الفهم السلفي الوهابي للدين. اذ يقول المنهج عن الأشاعرة والصوفية والمعتزلة والجهمية أنهم " قلدّوا من قبلهم من أئمة الضلال فضلّوا وأنحرفوا" . ويكفرّ على وجه الخصوص الأشاعرة والماتريدية الذين يخالفون الفهم الوهابي لنصوص الصفات الالهية فيقول " من نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله, فقد كفر".

ويصف المنهج ممارسات المسلمين المخالفين للفكر الوهابي السلفي بالضلال و بالبدع, فيقول أنّ الأحتفال بالمولد النبوي الشريف " تشبه بالنصارى" وأنّ من يحتفل به هم " جهلة المسلمين أو العلماء المضلون" ويقرر أنّ الأحتفال بالمولد " بدعة أحدثها البّطالون وشهوة نفس اغتنى لها الأكالون", ثم يخلص الى تحريم " زيارة المبتدع ومجالسته".

وهذا يعني أنّ مئات الملايين من المسلمين في العالم, والملايين من مسلمي السودان وعلمائه هم من الجهلة والمضلين, وأنّه لا تحل زيارتهم و مجالستهم وهو ما يكرّس لنهج التعالي والعزلة الذي يؤدي في نهاية المطاف لأستخدام العنف ضدّهم.

والأخطر من ذلك هو طرح المنهج لتاريخ الخلافات بين المسلمين بطريقة تجعل التلميذ يعتقد بمشروعية استخدام العنف والتصفية الجسدية في الخلافات الفكرية وخلافات الرأي. فقد جاء في المنهج " مع طول الزمن والبعد عن آثار الرسالة، يحصل كثير من الانحراف، ويخفى كثير من السنن، وينبت كثير من البدع, وما من بدعة إلا ويقيض الله لها من يردها ويكشف عوارها وينصر السنة، وما من رأس من رؤوس الضلالة إلا ويقيّض الله له من أعلام السنة من يتصدى له ويفضحه، ويرد عليه بدعته ويقيم عليه الحجة " وأنه لما ظهرت نزعات الابتداع الأولى فأنّ الأمام علي أدّب "من غلا فيه وحرقهم بالنار", وأنّه " لما ظهر من ينفون القدر تصدى لهم متأخروا الصحابة كابن عمر الذي حذر منهم وكشف عوارهم, ولما أعلن غيلان الدمشقي هذه البدعة تصدى لها التابعون, فلما أصّرعلى بدعته قتله هشام بن عبد الملك ,وضحى الأمير خالد بن عبدالله القسري بالجعد بن درهم".

والذين يقصدهم المنهج " بالذين ينفون القدر" هم من عرفوا في تاريخ الاسلام " بالمتكلمين" ومنهم معبد الجهني وغيلان الدمشقي والجعد بن درهم والجهم بن صفوان. وقد مثلت أفكارهم تهديدا سياسيا مباشرا لحكم الأمويين حيث نادوا " بالحرية الأنسانية" في مقابل " الجبرية" التي يقول بها الأمويون لأيجاد التبرير الديني لأستمرار ملكهم الوراثي المتسلط وذلك بتقريرهم أنّ كل ما كان, وما هو كائن, وما سيكون مستقبلا, انما هو أمر الله وقدره وتقديره وتدبيره الخفي العليم. غير أنّ المتكلمين – كما يقول الدكتور يوسف زيدان - ناقضوهم في ذلك حين قرروا ضمنا, أي من دون تصريح واضح, أنّ الانسان مختار وأنه سوف يحاسب على اختياره. وهو القول الذي توسع فيه المعتزلة من بعد, وتحوّل على أيديهم الى نظرية في الحرية الأنسانية, تضاد مذهب الجبرية وترد عليه بالأدلة النقلية والعقلية, أي بالنصوص الدينية والقياسات العقلية.

وما يذكره المنهج عن قتل خالد القسري للجعد بن درهم يمثل جريمة أرهابية مرّوعة ومكتملة الأركان, أذ قام بنحره في المسجد يوم عيد الأضحية, وذلك بعد أن خطب في الناس وقال في خطبته تلك: " أيهاالناس ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم ... ثم نزل فذبحه في أصل المنبر". , وهو الأمر الذي رأينا صداه في مشاهد الذبح المرّوعة التي قام بها تنظيم القاعدة وأبومصعب الزرقاوي في العراق, فهل يصلح أن يدرّس التلاميذ تصفية الخصوم بالقتل والذبح ؟

والتاريخ يحدثنا أنّ خالدا القسري الذي يحتفي به المنهج السعودي لم يكن من أهل التدين والتقوى بل كان سياسيا يستخدم أدوات السياسة وحيلها ومؤامراتها للحفاظ على السلطة, ولم يكن قتله للجعد بن درهم أول جرائمه؛ فقد قبض على سعيد بن جبير في مكة؛ حينما كان حاكما لها؛ وأرسله إلى الحجاج بن يوسف بالعراق؛ وذلك بعد انهزام ثورة عبد الرحمن بن الأشعث التي انضم إليها ابن جبير؛ حيث قتله الحجّاج وقال عن مقتله سفيان الثوري ( لقد قُتل سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه). وقد دارت دوائر السياسة لا الدين, ومؤامرات السلطة وخلافاتها على خالد القسري حيث قتل على يد الخليفة الأموي الوليد بن يزيد؛ والذي قتله بعد أن حبسه وأخذ ماله وعذبّه ؛ ودفعه إلى واليه على العراق يوسف بن عمر؛ الذي أخذه إلى الكوفة وقتله هناك وهي نفس المدينة التي قتل فيها الجعد بن درهم !!!

وجاء في المنهج السعودي كذلك " إنّ ما ينذره جهلة المسلمين، من نذور للأولياء والصالحين من أموات المسلمين، كأن يقول: يا سيد فلان إن رزقني الله كذا، أجعل لك كذا..فهو شرك أكبر". ولا يكتفي المنهج بالقول بشرك المسلمين المخالفين للفكر الوهابي السلفي بل يستبيح دمائهم وأرواحهم ويحلل أسترقاق أهلهم حيث يقول " الذي يقول لا إله إلا الله، ولا يترك عبادة الموتى والتعلق بالأضرحة، لا يحرم ماله ولا دمه" وأنّ من وقع في الشركيات فأنّ الله قد "أباح دمه، وماله، وأهله، لأهل التوحيد، وأن يتخذوهم عبيداً لهم، لما تركوا القيام بعبوديته".

أما فيما يخص غير المسلمين فأنّ السمة الأساسية التي يرسخها المنهج السعودي في التعامل معهم هي ضرورة بغضهم وعدم اظهار المحبة والتوادد لهم وذلك لأنّ " الشرك الأكبر يوجب العداوة الخالصة بين صاحبه وبين المؤمنين، فلا يجوز للمؤمنين محبته وموالاته ولو كان أقرب قريب". وأن لا نلقي عليهم السلام لأنّ " التحية بالسلام عليكم تكون فقط للمؤمنين ولا يمكن أن نحيي بها غيرهم". وأنّه يجب "أن نضطر اليهود والنصارى الى أضيق الطريق".
ومن الأشياء الخطيرة التي يرسخها المنهج في نفوس وأذهان التلاميذ هي ضرورة كراهية غير المسلمين حتى لو سافرنا وأقمنا ببلادهم. فالمنهج يقرّر أنّ أنواع السفر لبلاد الكفر هى السفر للدارسة أو التجارة أو العلاج أو الدعوة. وقد وضع المنهج شرطان للأقامة ببلاد الكفر أحدهما أن يكون المقيم "مضمراً لعداوة الكافرين وبغضهم". وهذا حديث محرّض على العنف بلا جدال, حيث يسافرملايين المسلمين الي دول مثل بريطانيا وأميركا والصين للدراسة والعلاج والتجارة سنويا, ومن يتعلم منهم ويتربى على مثل هذا المنهج لن يكتفي ببغض أهل تلك البلاد و لا شك سينتهي به المطاف الى مثل ما انتهى اليه كل الشباب الذين تورطوا في أعمال العنف والقتل والتفجير.
ويقول المنهج أنّ تقليد الكفار في أمور مثل الأنشطة الأسبوعية كأسبوع المرور, وأسبوع حماية البيئة, وكذلك الأيام الوطنية كيوم الأستقلال, ويوم ثورة اكتوبر, يعتبر نوعا من الفسق والمعصية. حيث يقسم المنهج تقليد الكفار الي تقليد يؤدي للكفر و اخر يقود للمعصية والفسق, وجاء في المنهج أنّ ( تخصيص بعض الأيام والأسابيع للنشاط في بعض الأعمال، واتخاذ الأيام الوطنية والقومية وهذا محرم وفسق ).
ونواصل ............




ومع ذلك فقد اعتبر المقرر الديني أن أي مسلم يتبنى النظرية الرأسمالية فهو منافق نفاق أكبر مخرج من الملة حتى لو أعلن انتماءه للإسلام، كما يقول:
(الانتماء إلى المذاهب الإلحادية كالشيوعية والعلمانية والرأسمالية وغيرها من مذاهب الكفر ردة عن دين الإسلام، فإن كان المنتمي إلى تلك المذاهب يدعي الإسلام فهذا من النفاق الأكبر، فإن المنافقون ينتمون إلى الإسلام في الظاهر، وهم مع الكفار في الباطن


)

ومن نماذج الاضطراب أن المقرر يدعوا مثلا إلى عدم تسمية العلماء في العلوم الإنسانية والتقنية بلقب علماء، بل يجب اعتبارهم جهال، وإنما الذي يستحق وصف عالم في نظر المقرر هو العابد فقط، حيث يقول عن علماء الحضارة المعاصرة:
(فهم وإن كانوا أهل خبرة في المخترعات والصناعات فهم جهال لا يستحقون أن يوصفوا بالعلم، لأن علمهم لم يتجاوز ظاهر الحياة الدنيا، وهذا علم ناقص لا يستحق أصحابه أن يطلق عليهم هذا الاسم الشريف فيقال العلماء، وإنما يطلق هذا على أهل معرفة الله وخشيته)([


يؤكد يغرس المقرر مفهوما خاطئا تجاه الدول المتقدمة والحضارة المعاصرة حين خطورة احترام تلك الدول المتقدمة، ولا يقرر ان يحترم تقدمها فهو ضعيف الإيمان، :
(..
في الدول الكافرة وما عندهم من تقدم صناعي واقتصادي، فإن ضعاف الإيمان من المسلمين، ينظرون إليهم نظرة إعجاب، دون نظر إلى ماهم عليه من الكفر، وما ينتظرهم من سوء المصير، فتبعثهم هذه النظرة الخاطئة إلى تعظيم الكفار، واحترامهم في نفوسهم..) ([84])
أو حين يصور المقرر تصوير الحضارة المعاصرة كحظيرة بهائم حيوانية لا تملك أي سبب للسعادة، بل كل ما لديها من الإمكانيات إنما يقودها إلى السقوط يقول :
(
المجتمع الذي لا يسوده عقيدة صحيحة هو مجتمع بهيمي يفقد كل مقومات الحياة السعيدة، وان كان يملك مقومات الحياة المادية والتي كثيراً ما تقوده إلى الدمار، كما هو مشاهد في المجتمعات الجاهلية
ومن أخطر مراحل التوتر أن يصل التصعيد الديني الى مستوى التحريض والاستعداء على المسالمين الذين عاملونا على أساس الثقة، وذلك لما تعرض المقرر لقضية السفر للبلاد غير الإسلامية ذكر من أنواع السفر: السفر للدارسة أو التجارة أو العلاج أو الدعوة، ولكنه للأسف جعل من شروط الإقامة كما يقول:
(ويشترط لجواز الإقامة شرطان.. وأن يكون مضمراً لعداوة الكافرين وبغضهم) ([88]).
ويقول: (أن يقيم للدراسة، وهو أخطر، لكون الطالب يشعر بدنو منزلته، فقد يحصل من تعظيمه للكفار والاقتناع بآرائهم، ويشعر بحاجته إليهم، ولاسيما إلى معلمه، فقد يتودد إليه ويداهنه في ضلاله وانحرافه، وكذلك اتخاذهم أصدقاء بحبهم ويتولاهم

ومن النماذج التي يضطرب فيها المنهج العلمي أيضا مايقوله المقرر عن ممارسة الأنشطة الأسبوعية كأسبوع الشجرة، وأسبوع المرور، حيث يجعلها فسقاً ومعصية، والمشارك فيها آثم، لأنها تقليد للكفار، فحينما قسم تقليد الكفار إلى كفر وفسق، جعل من أنواع التقليد الذي هو فسق ومعصية:
(
تخصيص بعض الأيام والأسابيع للنشاط في بعض الأعمال، واتخاذ الأيام الوطنية والقومية وهذا محرم وفسق)([

وكثير من الاحكام التي يضطرب فيها المنهج العلمي وتحمل تعنتا في التفسير تكون مدفوعة في الغالب بقلق عقائدي، كما في موقف المقرر من إضافة النتائج إلى أسبابها حيث يرى مثلاً أن مقولة
(الخطط التنموية تقضي على الفقر والجهل) شرك أصغر والذي هو من أكبر الكبائر، لأن فيها نسبة النعمة لغير الله، واضح طبعاً أن واضع المقرر يقصد الاستخدام الصحفي لهذه العبارة
فهل الكاتب المسلم حين يقول ذلك يقصد الشرك مع الله!
إنما يقصد أن الخطط التنموية سبب والأمر كله بيد الله، وفي أسوا الأحوال قد تعتبر هذه العبارة تحتاج إلى بعض التحفظات لتكون أكمل أدباً، لا أن تكون لوناً من الشرك.
ومن نماذج الشرك الأصغر التي يعرضها المقررة عبارة (تقدم الطب قضى على الأمراض) لذات الاعتبار السابق وهو كونها نسبة للنعمة إلى غير الله، بدون مراعاة مقاصد الناس.
ومن النماذج كذلك أن من فسر سلامة رحلته بكفاءة قائد الرحلة فالمقرر يعتبره لوناً من الشرك، أو فسرها بكون الطقس والأجواء كانت مناسبة.
وكذلك إذا نسب المال إلى نفسه أو مورثه فإن هذا شرك أصغر لأنه نسبة النعم لغير الله.
ومما يزيد الامر تعقيدا أن المقرر يؤكد أنه، حتى لو سلم قصد القائل، وكان يرى أن النعمة كلها من الله لكن الطب، أو الخطط التنموية، أو كفاءة القائد، أو الأجواء، ونحوها، كانت مجرد أسباب، فإن التعبير بذلك وإضافتها إلى الأسباب يعتبر شركاً أصغر، يقول المقرر:
(
من أقر بقلبه أن النعم كلها من الله وحده،
وهو بلسانه تارة يضيفها إلى الله،
وتارة إلى نفسه وعمله أو سعي غيره،
فهذا شرك اصغر..يجب التوبة منه..،
ولنسبة النعم إلى غير الله أمثلة كثيرة:
..
كقول بعضهم -إذا طاب سير السفينة – : كانت الريح طيبة، والملاح حاذقاً،
وقول لولا فلان لكان كذا،
وهذا مالي ورثته عن آبائي،
ومن الأمثلة المعاصرة، قول بعضهم:
تقدم الطب قضى على الأمراض،
والخطط التنموية تقضي على الفقر والجهل، ونحو ذلك) (


في هذا الأطار تجىء هذه المقالات حول هذا الموضوع , وسوف أورد في بدايتها رأيا للمفكر الأردني الدكتور شاكر النابلسي حول البعد المتعلق بالعنف في المناهج , ثم أعرض في حلقة تالية لبعض النماذج المتعلقة بالجمود والبعد عن روح العصر في المناهج, ويحدوني أمل كبير في أن تفتح هذه الحلقات الباب امام النقاش الجاد والهادىء في هذه القضية الهامة.
بسم الله الرحمن الرحيم

رأي الشيخ ابن عثيمن في طريقة ذبح الاسرى الذبح على طريقة ابومصعب الزرقاوي هنا

هذا السؤال والإجابه ، في شرح البلوغ من كتاب الجهاد ، تجده في الشريط السابع منتصف الوجه الثاني تقريباً ، من اصدرات تسجيلات الإستقامة :

سأل الطالب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قائلاً :
يا شيخ عفى الله عنك :
نسمع عن بعض الإخوة _ اعز الله الإسلام _ في بعض المناطق التي يجاهدون فيها إذا اخذوا بعض الأسرى قتلوهم تذكية فما حكم هذا القتل .

اجاب الشيخ رحمه الله قائلاً :

القتل على أي صفة كانت ، يمكن التذكية قد تكون إنها اهون عليها .

قال السائل : الا تكون من باب التمثيل ياشيخ ؟

اجاب الشيخ :
لا . لا ابداً لإنه لايقطع ايديهم ورجليهم ، يقطع عنقه ثم يموت على طول ، ولهذا ابن مسعود رضي الله عنه حز راس ابي جهل.




في لقاء لي مع الدكتور شاكر النابلسي في خريف العام 2005 سألته السؤال التالي :

دعت الأدارة الأميركية الي ضرورة تغيير المناهج التعليمية فى العالم العربى والأسلامي وذلك في أطار حربها علي الأرهاب وكان الأستاذ العفيف الأخضر قد دعا الى ذات الشى من قبل وكذلك الدكتور محمد أركون الذى يقول في كتابه "معارك من أجل الأنسنة فى السياقات الأسلامية" ما يلى (من الواضح أنّ برامج التعليم منذ المدرسة الأبتدائية وحتى الجامعات هي أول شى ينبغى تغييره اذا ما أردنا التوصل الي ثقافة أنسانية منفتحة يوما ما) ما هو تعليقكم ؟

فأجاب الدكتور شاكر قائلا :

كلام الدكتور محمد أركون كتب قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وموضوع أصلاح التعليم الديني بدأ مبكرا جدا في العالم العربي, في عام 1957 نادي الحبيب بورقيبة في تونس بأصلاح التعليم الديني وأغلقت جامعة الزيتونة التي كانت بمثابة الأزهر في المغرب العربي وقام الطاهرعاشور وعلماء آخرين من تونس بوضع برامج دينية جديدة بحيث حرصت هذه البرامج علي عدم تكفير الآخر وعدم العداء مع الآخر وأصبحت هذه المناهج متماشية مع روح وقيم العصر. اذا أصلاح التعليم الديني الظلامي دعوة ليست لها علاقة بأمريكا. في مصر بعد عام 1979 وهو العام الذي وقع فيه أتفاق كامب ديفيد قام الرئيس السادات بشطب كافة الآيات التي تحض علي كراهية اليهود من المناهج الدراسية وليس من القرآن لأن لا أحد يجرؤ علي أن يحرك حرفا واحدا من القرآن وكانت الحجة في ذلك كما قال حكمت سليمان المستشار المسئول عن تطوير المناهج في وزارة التربية والتعليم أنه ما عادت هناك حاجة الي مثل هذه المناهج ومثل هذا الفكر الذي من الممكن أن يحض الشباب علي كراهية شعب نحن طبّعنا علاقتنا معه كمصريين. والواقع فيما يتعلق بالآيات القرآنية التي تتحدث عن محاربة الكفار وخيانة اليهود للاسلام والمسلمين في المدينة فأنا لي رأي قد لا يتفق فيه معي عدد كبير من الناس , أنا أعتقد أن اي حكم سياسي يقع علي حالة سياسية معينة فأن هذا الحكم يأتي بالضرورة في سياق الواقع التأريخي والأجتماعي والسياسي والأقتصادي الذي أفرزه ولكنه ليس حكما عابرا للتأريخ لماذا ؟ لأن السياسة عبارة عن متحركات وليست ثوابت, العقائد هي الثابتة, التوحيد هو الثابت علي مر التأريخ , الأيمان بالله والرسول وخلق الكون ومسائل العبادة هي ثوابت لا تغيير فيها , لكن علاقة المسلمين بالأخرهي من المتغيرات وليست من الثوابت. أن الآيات المكية التي نزلت في شأن اليهود تختلف عن الآيات المدنية التي نزلت فيهم. هناك في الآيات المكية مراعاة لأهل الكتاب ودعوة لمعاملتهم بالحسني, في حين أن الآيات المدنية تخالف ذلك وهذا يعزي للخلاف الذي وقع بين الرسول واليهود في يثرب. وموضوع اليهود في المدينة موضوع مهم وقد تحدثت عنه بالتفصيل في كتابي "المال والهلال". كان اليهود في المدينة بمثابة بنك الجزيرة العربية بمعني أنهم كانوا يقومون بتسليف تجار قريش وغيرهم المال وكانوا كذلك يزودون قريشا بالسلاح الذي كانوا يسيطرون علي صناعته في يثرب . وعندما قرر الرسول الهجرة للمدينة شجعه اليهود بالاضافة للأوس والخزرج, ليس حبا في نشر الأسلام لأن اليهود لم يكونوا معنيين بالدين عموما, فيهود الجزيرة العربية لم يباشروا نشاطا دينيا علي الأطلاق, المسيحيون هم الذين نشطوا في الدعوة الدينية وأقاموا الأديرة علي طريق القوافل بين مكة وبلاد الشام ومكة واليمن في رحلتي الشتاء والصيف. أما اليهود فأنهم لم يحاولوا ممارسة أي نشاط ديني لكسب المزيد من المؤمنين لديانتهم وذلك لأن الديانة اليهودية - كما هو معروف تاريخيا- هي عرق أكثر منها دينا بمعني أنه من الصعب أن تصبح يهوديا الا اذا ولدت كذلك, ولهذا السبب لم يكن اليهود معنيين بموضوع التبشير بديانتهم وكان يهود المدينة يركزون علي موضوع التجارة. وعندما هاجر الرسول الي المدينة وانشأ دولته وهي بالمناسبة أول دولة علمانية في الأسلام بمعني أنه أشرك فيها بجانب المسلمين المشركين من الأوس والخزرج بالأضافة لليهود ولذلك فهي لم تكن دولة دينية بقدر ما كانت دولة دنيوية بالأصطلاح الحديث الآن. أيّد اليهود هجرة الرسول لسبب أقتصادي وليس لسبب ديني فقد كانوا يريدون الأستفادة من الرسول وهو تاجر سابق وذو باع طويل في التجارة. أتفق الرسول مع اليهود علي أن لايناصروه علي قريش لأنه يعلم أن لليهود مصالح تجارية معهم وكذلك أتفق معهم علي أن لا يزوّدوه بالسلاح لأنه سيحارب به زبائنهم القرشيين. الاّ انّ الموازين السياسية أختلفت بعد ذلك فطلب الرسول المال و السلاح من اليهود فرفضوا وذلك حسب الأتفاق القائم بينهم ولذلك وقع الشقاق والنزاع بين الرسول واليهود ونزلت الآيات التي دعت لمحاربتهم. كل هذه الأحداث وقعت قبل الف وأربعمائة عام (أربعة عشر قرنا) نتيجة لظروف سياسية واقتصادية وتاريخية معينة, ونحن اليوم في القرن الحادي و العشرين لنا ظروف سياسية مختلفة, صحيح أنّ لنا خلافا مع اسرائيل التي تحتل ارضنا العربية وتهددنا بعلمها وعسكرها ومالها وصناعتها وخبرائها, ولكن هذه قضية مختلفة من قضيتنا مع اليهود في ذلك الوقت, نحن الآن نرّدد الآيات التي نزلت قبل أربعة عشر قرنا لتوصيف القضية الحالية وأنا أختلف في ذلك وهذه هي وجهة نظري فيما يتعلق بهذا الموضوع. وعود علي بدء أقول أن المناهج التعليمية في العالم العربي مكتظة بهذا الكلام, وهذا الكلام يرّدد في خطب الجمعة وفي البرامج الدينية بالتلفزيون والفضائيات وفي الصحافة الدينية وعلي شاشات الأنترنت وفي المجالس وهو من أسباب – وليس السبب الوحيد – موجات الأرهاب الموجودة في العالم العربي والأسلامي. أن اصلاح مناهج التعليم لا يعني قطعا حذف حرف واحد أو نقطة واحدة من القرآن الكريم أو تعديل أي حديث صحيح صدر عن الرسول الكريم ولكن يعني رفع مثل هذه الآيات وتلك الأحاديث من المناهج الدراسية حتي لا تثير في الشباب نزعة العنف والتطرف.

محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-07-2011, 05:58 AM   #13
علي الخليفة عمر
مُشرف الختمية أُون لاين
الصورة الرمزية علي الخليفة عمر



علي الخليفة عمر is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : علي الخليفة عمر




بارك الله فيك يا مولانا ........

علي الخليفة عمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-13-2011, 03:31 AM   #14
bet alkhalifa
المُراقب العام
الصورة الرمزية bet alkhalifa



bet alkhalifa is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : bet alkhalifa




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

bet alkhalifa غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس
قديم 02-05-2011, 02:14 AM   #15
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




في التأريخ الاجتماعي والمواطنة : زمان الريّس صالح جرجس وعبد الله بلال الترزي

بابكر فيصل بابكر
boulkea@yahoo.com

بينما كنت أقلب بعض أوراقي القديمة وقعت على رسالة ضمن مقترح أولي لدراسة عن التاريخ الأجتماعي لمدينة الخرطوم كنت قد بعثت بها للخال أبو القاسم كشة, أطلب عونه ومساعدته في هذا الخصوص.

التأريخ الاجتماعي يمكن أن يشكل أحد حوائط الصد ضد الأفكار والمفاهيم الدينية المغلوطة التي تفرّق بين أبناء الوطن الواحد على أساس الدين, وكذلك تثير الكراهية ضد شركاء الوطن من غير المسلمين. هذا الفكر المتشدّد الذي يدعوا الى " اضطرار المسيحيين لأضيق الطريق", والى عدم "مبادأتهم بالسلام" , وتجريدهم من الحق المشروع في السعي لبلوغ المنصب الأعلى في الدولة " الرئاسة" أضافة للعديد من المفاهيم البالية, يناقض تماما ما هو موجود في سطور التأريخ الاجتماعي الذي أنبنى على خصوصية الدين في المجتمع السوداني أو ما نطلق عليه " اسلام أهل السودان".

التاريخ الأجتماعي أيضا يشكل درعا واقيا من تفتت النسيج المجتمعي وتحلله الى عوامله الأولية ( القبيلة, الجهة, العنصر), وهى الافة التي أنتشرت في العقدين الأخيرين, بحيث ارتد المجتمع الى نقيض ما دعا اليه المثقفون والسياسيون والأدباء والمفكرون قبل حوالى قرن من الزمان, والذي عبّر عنه " أبي تمّام" أغنية الحقيبة كما يسميه الشقيق الدكتور محمد عثمان الجعلي "ابراهيم العبادي" بالقول الخالد :
جعلي ودنقلاوي وشايقي أيش فايداني
غير خلقت خلاف خلت أخوي عاداني
نبقى أولاد رجل يسري نبانا للبعيد والداني
يكفي النيل أبونا والجنس سوداني

وقد جاء في الرسالة ما يلي :


( كلورادو - دنفر في عشر مضين من يوليو 2007

الخال العزيز أبو القاسم

التحايا تأتيك مزنا هطالا .... تغشاك ومن معك ممن تحب وترضي ,,,

أكتب اليك هذه الخطوط العريضة والمقترح لفكرة عنت لي منذ زمن وقدرّت أنّ بأمكانك المساعدة في تنفيذها, فقد صرت مشغولا منذ فترة بأمر التأريخ الأجتماعي للمدن, وهو كما تعلم أمر غير التاريخ الرسمي الذي تعتني به الجهات الرسمية وكتب المدارس, هو تاريخ " المكان" في تداخله مع " علاقات الناس" وأحوالهم , التأثير المتبادل بين "الجغرافيا" والبشر في أطار التاريخ. وأهمية مثل هذا التاريخ تنبع من أنه يصوّر أحوال الشعب الحقيقية دون تحيزّات يقع فيها التأريخ الرسمي بالضرورة بحكم أرتباطه بالمجال السياسي وما يعنيه ذلك من تدخل الأيدولوجيا في تفسير التاريخ بحسب الأهواء .

ويعنيني هنا بالتحديد كتابة جزء من التأريخ الاجتماعي لمدينة الخرطوم في فترة الستينات وحتي الثمانينات من القرن الفائت. فأنت تعلم أنّ الأنقاذ أحدثت تحولات كبيرة أصابت المجتمع والأقتصاد والسياسة في العمق, وزعم أهل الحكم أنهم جاءوا بمشروع حضاري من شأنه تحويل المجتمع الي مجتمع رسالي يسبّح بحمد الله اناء الليل وأطراف النهار ويحقق الطمأنينة للناس في مأكلهم ومشربهم وعلاجهم وتعليمهم , وبعد قرابة العقدين من الزمان خابت مشاريعهم وباخت خططهم , وصار الناس يتمنون عودة الماضي ويجذبهم الحنين الي أيام طيبة مباركة عاشوها في أمن وسلام دون مشاريع حضارية لم تجلب لهم سوي الظلم والمسغبة.

التاريخ الأجتماعي لتلك الفترة من شأنه عرض صورة حقيقية لأحوال الناس في معاشهم وأسواقهم ومناسباتهم الاجتماعية , في المقاهي و أماكن الترفيه, ودور العبادة, في دورالرياضة ومنتديات الفن, في علاقاتهم البينية ( الدينية, العرقية, الطبقية) , في القيم التي ظلوا يراعونها في تعاملهم التجاري, ومع جيرانهم في الحي وزملائهم في أماكن العمل , وغير ذلك من المظاهر بما فيها ما قد يتعارض ظاهريا مع مباديء الدين ( مثل بيوت بائعات الهوي وأماكن شرب الخمر) فكل ذلك مطلوب في حد ذاته لأستخلاص الدرس الحقيقي من التأريخ بعيدا عن أقنعة الأيدولوجيا الزائفة.

ولا يخفي عليك انّ التأريخ الأجتماعي في أحد مظانه الرئيسية يعتبر أداة للمقاومة ومحاربة الطغيان وذلك لأنه يبعث الماضي بخيره وشره ومن ثم تنفتح أمام الناس نوافذ جديدة للأختيار بين ما كان وما هو كائن. لا يستطيع السلطان محاربة مثل هذا التاريخ لأن الناس يتداولونه في بيوتهم وأماكن تجمعهم, ويحملونه في عقولهم وصدورهم, في قصصهم وحكاويهم.

مثل هذا التاريخ لا يمكننا البحث عنه جملة في " دار الوثائق المركزية" أو " مكتبة جامعة الخرطوم" فجله محمول في صدورالرجال والنساء الذين عاشوا تلك الفترة , وتقديري أنك مؤهل لتسطير جزء من هذا التاريخ بما تملكه من قدرة علي الكتابة والبيان.

سأكتفي بأيراد مثالين للفائدة المرجّوة من درس التاريخ الأجتماعي ( تاريخ الشعب) في علاج ما الت اليه أحوال البلد في مجال العلاقات العرقية والدينية بين مختلف السودانيين :-

(1) تخيّل معي منظر عبد الله بلال (الترزي) وهو قابع خلف ماكينة الخياطة أمام دكان التاجر "المسيحي" عبد الله الشامي بالسوق العربي قبالة مطعم الاخلاص مرتديا جلبابه الناصع البياض ( في مثل بياض سريرته) , وحوله يتحّلق محبوه من مختلف الأعراق ( شماليين وجنوبيين ومن أهل الغرب والشرق), عبد الله هذا من أحفاد ( الرقيق) الزنوج المنبتين أو من يسمونهم بالأنجليزية بال Negroid but de-tribalized people. وكان في ذات الوقت من أفضل الرواة لسيرة عنترة بن شداد, يأتي الناس اليه ليستمعوا الي قصص عنترة وأشعاره , و عبد الله كان من محبي نادي المريخ, يتحّلق الرياضيون من مختلف مشاربهم حول ماكينة خياطته ليستمتعوا بالمناكفات بين المريخاب وبين أهل القبيلة الهلالية الزرقاء في مشهد تختفي فيه الفوارق الطبقية والعرقية والدينية, فهناك ميكانيكي السيارات وهناك المعّلم وكذلك الطالب والتاجر و ضابط الجيش, وهناك الدينكاوي والجعلي والفلاتي, بجانب المسلم والمسيحي, كل هؤلاء جمعهم هذا الترزي العبقري في ركنه الصغير وحول ماكينة الخياطة, هو يؤدي عمله ,وهم يستمتعون بصحبته, دون من أو أذي, وبين الأستماع لقصص عنترة والأصغاء لأخبار عملاقي الكرة السودانية تذوب كل الفوارق التي تهدّد بتفتيت السودان اليوم, فتأمل معي الفارق بين ما كانت عليه وما الت اليه أحوال البلد والناس من بعد مجيء الانقاذ ومشروعها الحضاري . عبد الله بلال بفطرته السليمة أفلح فيما عجزت عنه حكومة يقودها متعلمون وأصحاب شهادات عليا, فقط لأنّ عالم البسطاء والعاديين من الناس محّمل بمستودعات من الحكمة والبصيرة لا تتوفر لأدعياء المعرفة. ومن هنا يمكننا تلمس أهمية درس التأريخ الأجتماعي, فمثل عبد الله الترزي لن تجد له ذكرا في كتب التأريخ الرسمي والتي تكتفي فقط بالتأريخ للملوك والسلاطين. ألم يأتك نبأ تساؤل شاعر العربية الكبير محمود درويش :" هل هكذا التاريخ لا يروي سوي سير الملوك الناجحين ؟ ".

(2) لا زلت أذكر جيدا عيونه الغائرة وعظام وجهه الناتئة وجسده النحيل الذي هدّه المرض عندما دخلنا عليه أنا وأنت في أحد مساءات الثمانينات من القرن الفائت وهو يرتدي جلبابه البلدي السمني اللون : صالح جرجس , رئيس النادي الأهلي (أو لعله كان سكرتير النادي), كنت قد صحبتك لزيارته في مرض موته بمنزله بالخرطوم غرب. أذكر جيدا كيف هبّ للقائك من سرير المرض وكأنما يستقبل أبنا عزيزا طال انتظاره. كانت معه سيدة تقوم علي خدمته لا أدري من هي, ربما كانت أخته أو زوجه أو لعلها قريبة له, قابلتنا بحميمية شديدة وأخذت تحدّثك عن اخر أخبار العلاج وعن الحالة الصحية للريس صالح. لم أشعر للحظة واحدة أنني أزور كفارا أقباط , أحسست وكأنني أعود خالا أو عما لي مريض. هذا درس اخر لما كان عليه حال العلاقات بين الناس , مسيحيين ومسلمين أو حتي لا دينيين, لقد جمعهم الوطن كمواطنين وجمعتهم الأنسانية كأخوة, كان الريس صالح جرجس سودانيا بكل ما تعني الكلمة, كان قبطيا نعم , ولكن هذا لم يحل بينه وبين الصعود لقمة الهرم الأداري لأكبر أندية الخرطوم, عشق النادي الأهلي, وعشقه مشجعو النادي الأهلي دون حاجة للتدخل في عقيدته ودينه, لا يساورني أدني شك في أنك كنت مستعدا لتقديم كل ما في وسعك لعلاجه وكأنك تسعي في علاج والدك أو أخيك. هذا درس أخر من دروس التأريخ الأجتماعي نحتاجه بشدة وبلادنا تتمدد في نسيجها عقائد التعصب والتطرف الديني الوافدة من صحراء نجد , هذا الغزو الذي تقوده جحافل الوهابيين بفكرهم الجامد والمتعصب سيجبر أبناء وأحفاد الريس جرجس علي مغادرة البلد, وقد بدأوا يفعلون, وحينها سيكون السودان أخسر الخاسرين.

عبد الله بلال وصالح جرجس رمزان من رموز الخرطوم في الزمن الجميل ويستحقان أن توثق سيرتهما ضمن اخرين, وهذا هو الهدف الغائي من عملنا هذا المنشود.

ملحوظة و الى لقاء قريب في البلد
مرفق تفاصيل مقترح الدراسة بابكر ). أنتهى


محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-05-2011, 02:15 AM   #16
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




ليس رأي الدين بل رأي علاء الدين
بابكرفيصل بابكر
استضافني الأسبوع الماضي – مشكورا – الأخ الأستاذ الطاهرحسن التوم في برنامجه " حتى تكتمل الصورة", بجانب ثلاثة من (الدكاترة) الشيوخ : عصام الدين أحمد البشير, ويوسف الكودة, وعلاء الدين الزاكي. وكان موضوع الحلقة هو الفتوى التي أصدرها الشيخ (الدكتور) علاء الدين بخصوص تقرير مصير الجنوب وأنفصاله عن الشمال.
كنت مدركا لطبيعة المأزق الذي سأتعرّض له, خصوصا وأنّ الضيوف الثلاثة خطباء وأئمة مساجد, تعودوا على مخاطبة الناس أكثر من تعودهم على الأستماع اليهم, ولذا كان لزاما علىّ انتزاع فرصة الحديث "بالملاواة", حتى أنّ الأستاذ الطاهر بدا مندهشا لمحاولتي " قلع" الفرصة "زندية".
الهدف الأساسي الذي قصدت اليه من المشاركة هو أيصال رسالتي بطريقة واضحة ومختصرة من خلال الفرص المحدودة التي سيسمح بها وقت البرنامج. لا أدري أن كنت نجحت في ذلك أم لا, ولكن كثيرا من ردود الأفعال التي وصلتني أوضحت أنّ رسالتي رغم محدودية الفرصة قد وصلت.
قلت أنّ الفتوى الدينية في القضايا العامة المرتبطة بأمور السلطان والحكم هي في حقيقتها "رأي سياسي" يتدثر برداء الدين, وأنّ السبب في اللجوء اليها هو خلق نوع من المشروعية لهذا الرأي أو ذاك, لأنّ أكبر مصدر للمشروعية في المنطقة العربية والأسلامية هو الدين. وقلت كذلك أنّ قضية تقرير المصير قضية سياسية يجب أن يقول الشعب فيها رأيه عبر الأوعية السياسية الممثلة في ألأحزاب والمنظمات والتكوينات المدنية وغيرها.
وقلت كذلك أنّ خطورة أصدار فتاوى تخلص الى أنّ تقرير المصير أو الأستفتاء أو الأنفصال "حرام" و "لا يجوز شرعا", وأنه " باطل" وهو بمثابة الخيانة " لله ولرسوله وللمؤمنين" تتمثل في أنّ المتلقي لمثل هذه الفتاوى سيعمل بها, وسيحاول أيقاف ذلك الباطل بالطريقة التي يراها مناسبة وهذا ما سيقود لأمور لا تحمد عقباها خصوصا في أوضاع السودان الحالية التي تشهد استقطابا حادا وتنافرا بائنا بين أهله, ولا يستبعد أن نرى مشاهد العنف والتفجير والقتل التي نشاهدها كل يوم في بلاد عربية واسلامية تحدث في السودان, وهذه دائرة شريرة لا تنتهي الا بتمزيق الوطن وتشتيت قواه, و بعثرة شعبه وموارده.
وسقت العديد من الأمثلة لفتاوى مشابهة أدّت الى أزهاق أرواح وزعزعة أوضاع وأثارة فتن, ومنها أغتيال المفكر المصري الدكتور فرج فودة ( الذي أغتاله سمّاك أمى لا يقرأ ولا يكتب), وأغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات, ومحاولة أغتيال الكاتب الكبير نجيب محفوظ , وغيرها من الحوادث.
دافع (الدكتور) الشيخ علاء الدين عن فتواه قائلا أنّه لا يلزم بها أحدا, وجادلناه في أنّ مجرّد صدور الفتوى بهذا الشكل يعتبر تحريضا مباشرا لأنّ من سيتلقفها ويعمل بها سيكون شخصا بسيطا, وليس عالما فقيها وهنا مكمن الخطر.
قلت أنّ أستدعاء مصطلح مثل " أهل الحل والعقد" هو محاولة لسلب الجماهير حقوقها في التعبير وفي الزام الحكام برأي الشعب, بحيث تنوب عنهم فئة محدودة مرتبطة " بالسلطة" ولا يمكنها الا مسايرتها, وهذا هو درس التاريخ الذي نستخلصه من سيرة الحكام والسلاطين والأمراء المسلمين.
تحّدثت عن الديموقراطية, فجاءني الرد القاطع من (الدكتور) الشيخ علاء الدين بأنها حرام. وهذا بالطبع " ليس رأي الدين ولكنه رأي علاء الدين" كما قال الأستاذ الطاهر التوم في عبارته الذكيّة تعليقا على الفتوى. وقد دافع الشيخ يوسف الكودة دفاعا طيبا – وان لم يكن مكتملا – عن الديموقراطية اذا كانت تعني " أدارة الحكم والتنفيذ" وليس التشريع. وأقول انّ الديموقراطية التي تشمل التشريع لا تخالف الدين كذلك لأنّ نوّاب الشعب يشرّعون ويصدرون قوانين متعلقة بمستجدات العصر, ومرتبطة بأحوال الناس, ولم ترد في الشريعة.
قلت أنّ الأزمة الحقيقية ليست في الفتوى , ولكن في المنظومة الفكرية التي خرجت منها, وهى منظومة مأزومة مغتربة في الزمان, وأفقها المستقبلي مسدود لأنّ مثالها المنشود قد تحقق في الماضي, وهى ما زالت حبيسة الفقه الذي لا يساوى بين البشر بسبب أختلاف الدين, ولا يسمح لشركاء الوطن بتولي الولاية الكبري لأنها ستكون ولاية "مليّة" للكافر على المسلم.
أتفّق معي (الدكتور) الشيخ يوسف الكودة في جل ما ذهبت اليه, وكذلك (الدكتور) عصام البشير رغم أختلاف منطلقاتنا, غير أنّ أحساسا خفيا سرى أثناء حديث الشيخ علاء الدين أوحى بأنّ الدكتور عصام كان يتحدث بأسم الحكومة, وهو ما أكّد وجهة نظري التي ذكرتها مسبقا عن أنّ الفتوى في حقيقتها رأى سياسي.
الحديث الذي لم أجد مجالا لقوله هو الأحساس المخيف الذي أنتابني عندما كان الشيوخ الدكاترة يتجادلون حول موضوع الفتوى, فقد شعرت وكأنهم يتحدثون في مجلس منعقد في العقد الثاني من القرن الرابع عشر, وليس القرن الحادي والعشرين.
لم ترد في حديثهم كلمات مثل " المواطنة" و " حقوق الأنسان" " والدستور" و " الأحزاب" "وتداول السلطة". ولم يستشهد واحدا منهم بالمواثيق الدولية, ولا حتى باراء لعلماء مسلمين متأخرين مثل الأمام محمد عبده أو الشيخ شلتوت, بل كانوا يتسابقون في تعضيد أقوالهم باراء الأمام احمد بن حنبل, وابن تيمية, في قضية هم أعلم بتفاصيلها. وهذا يعني أنّهم مقتنعون بأنّ كلامهم لن يجد مشروعية الا اذا رددوا أقوال السلف.
وددت كذلك لو سمح لي زمن البرنامج بطرح سؤال في غاية البساطة والموضوعية, وهو أنّ السودان عرف شخصية مفتي الديار منذ أمد بعيد, وأنّ الشيخ عوض الله صالح المفتي الأشهر ظل يقوم بدوره في هدوء وحكمة وعلم وتقوى دون أن يتدخل في شئون السياسة بهذه الطريقة السافرة التي نشهدها من الدعاة والوعاظ اليوم, فما الذي حدث ؟ كان الوطن والدين في ذلك الزمان في حال أفضل بكثير من زماننا هذا رغم تزايد أعداد من يدعوّن العلم الشرعي, ويتسابقون في زهو لأصدار الفتاوى, فهل هناك علاقة طردية بين التدهورالعام والتحلل من قيم الدين الجوهرية, وبين التزايد المستمر في التمسك الشكلاني بقشور الدين؟
سنظل نعيش في قاع مقلب نفايات الأمم, نستهلك ما ينتجه الأخرين, ونزهو بماض لن يعود الا في الأحلام, ما دمنا نصر على مفارقة العصر بالأنتماء للعصور الوسطى, وما دمنا نتجادل في هل أرض الجنوب ضمّت للسودان "فتحا" أم " صلحا" ؟ , وأنّ الديموقراطية حرام !!, وما دمنا مؤمنين بأنّ حلول المشاكل كلها موجودة في كتب الزمان الماضي, وما علينا الا الحفظ والترديد .
و ما نرانا الا نقول معادا من قولنا مكرورا.
ولا حول ولا قوة الا بالله







محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-2011, 02:04 PM   #17
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




الجملكية

بابكر فيصل بابكر
مّثل سقوط الملكية المصرية على يد الجيش المصري في يوليو 1952 ( سمّه حركة أو ثورة أو أنقلابا ) العلامة الأبرز في التحولات التي شهدها العالم العربي من أنظمة الحكم الملكي الى أنظمة الحكم الجمهوري, وقد أعقب التحول المصري تحولات أخرى في العراق وليبيا واليمن.
وشهدت معظم الجمهوريات العربية انقلابات عسكرية بتوجهات اشتراكية وقومية واسلامية, بينما ظلت الأنظمة الملكية تحكم العديد من الدول العربية مثل دول الخليج والأردن والمغرب.
وعلى الرغم من الأختلافات الشكلية بين هذه الأنظمة المسماة جمهورية و تلك المسماة ملكية الاّ أنّ أوجه الشبه بينها في النواحي الدستورية والقانونية والأقتصادية كبيرة لدرجة تسمح بأن نطلق عليها تسمية مبتكرة هى " الجملكية" أى (الجمهورية / الملكية), لكونها تشكل مزيجا فريدا لهذين النظامين لا يعرفه فقهاء القانون الدستوري ولا يتوفر الا في بلاد العرب.
تعاني أنظمة الحكم المسماة جمهورية والمتناسلة من انقلابات عسكرية من أزمة شرعية دستورية و قانونية, وهو الأمر الذي يدفعها الى حل تلك الأزمة عن طريق فبركة دساتير على مقاسها, و تزوير الأنتخابات ( تسعون بالمائة من أعضاء البرلمان في السودان ينتمون لحزب الرئيس), حتى يتسنى لها البقاء في سدة الحكم, وقد يصل بها الأمر الى أجراء تعديلات دستورية استثنائية لملء الفراغ الدستوري بسبب وفاة الرئيس وحتى تنتقل السلطة للأبن كما حدث في سوريا ( ربما كانت هذه أوّل سابقة في نظام جمهوري في العالم ).

شعورالكثير من حكام الجمهوريات العربية بعدم التمتع بالشرعية الحقيقية التي تؤمن لهم الاستمرار في الحكم يدفعهم للأعتماد على أفراد العائلة والأقارب والتابعين لملء المناصب ذات التأثير السلطوي ليكونوا سنداً فاعلاً للحاكم, وكذلك إقامة أجهزة قمع متعددة ومتداخلة الاختصاص لمتابعة المعارضين أحزابا و أفراداً وجماعات ( في ليبيا يسيطرالعقيد القذافي وأبنائه على كل المناصب المهمة في الدولة).
أنظمة الحكم العربية المسماة جمهورية تعاكس التعريف والمفاهيم التي يعطيها فقهاء القانون الدستوري ومفاهيم أنظمة الحكم باعتبار أنّ النظام الجمهوري, يستند الى الأرادة الشعبية و يتيح الفرصة للجميع للتداول على السلطة وتكون صناديق الاقتراع هي الفيصل. وهو الأمر الذي لا يحدث في الجمهوريات العربية التي يبقى فيها الرئيس لعشرات السنين في سدة الحكم.

الأنظمة الملكية كذلك تعاني من أزمة شرعية, فهى ما تزال تستند الى شرعية أسرية تاريخية وأخرى دينية ( الأنتماء لال البيت), وترسم خطوطا حمراء لا يسمح بتجاوزها, ولا تعرف الأرادة الشعبية, ولا تداول السلطة ( عندما طالبت جماهير البحرين في مظاهرات سلمية بتحويل نظام الحكم لملكية دستورية تمت مواجهتها بالرصاص والقنابل).
وذلك باللعب على وترExtortionتلجأ الجملكية العربية لسد فراغ الشرعية عن طريق الأبتزاز
إثارة مخاوف الناس من أي منافسين على السلطة ( تخويف نظام مبارك للمصريين من الأخوان المسلمين قبل ثورة يناير), والتشكيك في بدائل النظام القائم ( وهو السؤال الذي يطرحه النظام الحاكم في السودان), مع تشويه سياسات الأنظمة السابقة من خلال تضخيم ما وقعت فيه من أخطاء. والقصد من توظيف هذه الوسيلة هو أن تفهم الجماهير أنّ أوضاعها هي الأفضل في ظل الحكم القائم وأنّ أي تفكير في تغيير النظام سينطوي على مخاطر كبيرة.
يعتبر الوسيلة الأخرى التي تلجأ اليها أنظمة الجملكية لسد Repressionوبجانب الأبتزاز فأنّ القمع
فراغ الشرعية. فأنتهاكات حقوق الأنسان هى السمة الأساسية لتلك الأنظمة, مضافا اليها التطبيق الصارم للقوانين المقيّدة للحريات ( قانون الطوارىء مطبق في سوريا منذ العام 1963 أي قبل أن يولد الرئيس السوري بشّار الأسد). وكذلك توظف تلك الأنظمة ميزانيات مالية مفتوحة لبناء الأجهزة الأمنيّة ليس بغرض تأمين المواطن, ولكن لترويعه, ومن أجل السيطرة على الحكم لأطول فترة ممكنة.
ويقول تقرير التنمية البشرية في الوطن العربي لعام 2009 أنّ :"إجراءات الأمن الوطني مثل إعلان حالة الطوارئ غالبا ما تستخدم كذريعة لتعليق الحقوق الأساسية للإنسان وتخليص الحكام من القيود الدستورية ومنح الأجهزة الأمنية صلاحيات مطلقة".

أضافة الى فقدان الشرعية الدستورية والقانونية ( غياب الديموقراطية ) فأنّ أنظمة الجملكية العربية تشترك في كونها أنظمة تعتاش على الريع الذي لا يوسم الأقتصاد بأى قيمة مضافة ناتجة من تفاعل عوامل الأنتاج ( الأرض, العمل, رأس المال), ولا توجد بها قاعدة صناعية تذكر. فهناك دول يعتمد أقتصادها بالكامل على ريع النفط مثل دول الخليج والسعودية وليبيا والسودان ( يشكل النفط 95 % من صادرات السودان ), وهناك دول عربية ريعية غير نفطية، مثل الأردن و مصر التي تعيش على السياحة وعائدات المغتربين في الخارج والمساعدات الأميركية.
في الأنظمة الريعية المفتقدة للأسس الشرعية الدستورية والقانونية ( الديموقراطية ) يحكم النظام قبضته على الثروة ( في بعض الأنظمة الملكية يصل نصيب الأسرة المالكة من نفط البلد الى 40 %), ويتحكم في صرفها بحسب الأولويات التي يراها, وهى في الغالب أولويات تهدف لأستمرار السيطرة على الحكم, فيتم الصرف على الأجهزة الأمنية وأجهزة القمع, وشراء الذمم والأتباع, وخلق طبقة من رجال الأعمال والمصالح المرتبطة بالنظام الحاكم , ويسيطر الوزراء والمتنفذين وأبناءهم على الشركات وعلى المفاصل المهمّة في الأقتصاد (زواج السلطة والثروة).
التتويج الأعلى لخصائص الجملكية المفتقدة للشرعية الدستورية والقانونية, والمعتمدة على الأقتصاد الريعي يتمثل في أنتشار الفساد الذي هو ظاهرة انسانية لا يخلو منها أي مجتمع أو دولة, ولكنه يشكل كارثة حقيقية في الدول التي تحكمها الأنظمة مدار حديثنا.
لقد أدّى الأنتشار الواسع للفساد المؤسسي في الجملكية العربية إلى شروخ كبيرة في منظومة القيم الأخلاقية والثقافية, فأنتشرت ظواهر الرشوة والمحسوبية و الغش والنفاق. وقوى الاتكال والاستهلاك على حساب روح المبادرة وأصبح الحديث عن الفساد لا يجد أستغرابا, فقد أضحى هو الأصل و ليس الأستثناء. وعادة ما يبدأ الفساد برأس النظام ( صعق الناس لأرقام ثروة الرئيس المخلوع مبارك, والقذافي, وبن علي), ثم ينداح ليصبح سمة عامة تجتاح المجتمع بكل شرائحه.
أتسعت دوائر الفقر في الجملكية العربية, وأزدادت الهوّة بين قلة من الناس تملك كل شىء, وأكثرية لا تملك شيئا. وتقول الأحصاءات أنّ أكثر من خمسة وعشرين مليونا من سكان هذه الدول يعانون من سوء التغذية.
على الرغم من أنّ الفقر في عدد محدود من مجتمعات الجملكية العربية ( الدول البترولية ) لم يستشري بصورة واسعة, الا أنّ ذلك لا يعزى للخطط والسياسات الأقتصادية الناجعة بقدر ما هو ناتج عن الفوائض الضخمة من ريع النفط. و حتى هذه الفوائض لم يتم توظيفها بطريقة سليمة, حيث أدّى سوء الأدارة والنهب والتبديد لعائدات النفط – على سبيل المثال - الى حرمان شعب مثل الشعب الليبي من أن يصبح واحدا من أغنى شعوب العالم اذا أخذنا في الأعتبار تعداده القليل مقارنة بناتجه الضخم من البترول.
انّ رؤية صور المدن والطرق والمستشفيات والساحات الليبية عبر الفضائيات التي تنقل أحداث الثورة هناك أتاح الفرصة للمشاهدين لمعرفة مدى الجرم الذي أرتكبه نظام العقيد في حق بلده وشعبه.
أشتراك الجملكية العربية في الخصائص التي أتينا على ذكرها في هذا المقال ( فقدان الشرعية الدستورية والقانونية , والأعتماد على الأقتصاد الريعي ,و القمع والأبتزاز, والفساد) يقود الى نتيجة مفادها أنّه لا فوارق جوهرية بين الأنظمة التي سقطت على أيدي الشعوب الثائرة, وتلك التي تشهد حاليا زلزالا تحت أقدامها, والأخرى التي ما زالت تنتظر.

محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-2011, 02:10 PM   #18
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




سطوع البرهان في مشروعية الاستعانة بالغرب والأميركان
بابكر فيصل بابكر
كشفت تداعيات أحداث الثورة الليبية مدى الأنفصام الذي تعاني منه بعض الحكومات العربية و النخب القومية وحركات الأسلام السياسي في موقفها من الأستعانة بأميركا والدول الغربية لنجدة شعوب المنطقة من الحكام الطغاة ومن الأنظمة الفاسدة و المستبدة .
الموقف من الأستعانة بالأجنبي في أصله موقف ينبني على (المصالح) و يخضع بالدرجة الأولى للمعايير والتقديرات السياسية وليس للعقيدة الدينية أو القومية . وبالتالي فأنه يلزم عدم تصنيف من يسانده أو يرفضه وفقا لثنائية (المسلم / الكافر) أو (الخائن / الوطني) أو (العميل / المناضل).
ومع أنّ الموقف من الأستعانة بالأجنبي – كما ذكرنا - موقف سياسي الاّ أنّ المؤيدين أو الرافضين له كثيرا ما يسعون لكسب الشرعية الدينية الى جانب مواقفهم, ذلك لأنّ الدين يعتبر المصدر الأكبر للمشروعية في المنطقة العربية والأسلامية.

يحدثنا التاريخ أنّ الخليفة العباسي هارون الرشيد تحالف مع الملك الفرنسي شارليمان ضد الأمويين الذين أقاموا دولة مستقلة في الأندلس, ومنح هارون الرشيد شارليمان لقب حامي قبر المسيح في القدس والولاية على المؤسسات الدينية المسيحية في الشرق الإسلامي التابع للدولة العباسية، كالتدريس والصيانة وتنظيم رحلات وقوافل الحج إليها.
لقد تقاطعت (مصالح) الفرنجة والعباسيين في مقاومة الأمويين، و قد كان ملوك الفرنجة أيضا على عداء مع البيزنطيين خصوم العباسيين، وهكذا فقد نشأ تحالف (عباسي – فرنسي) في مواجهة البيزنطيين والأمويين . فهل كفر هارون الرشيد بفعله هذا أم أصبح من الخائنين ؟
و حينما دبّ الخلاف بين الملك عبد العزيز بن سعود, وجنوده المعروفين بأسم "الأخوان" الذين كانوا ذراعه الباطش الذي أخضع به كل قبائل الجزيرة العربية, لم يتوانى الملك في سحقهم بأنزال ضربة عسكرية قاصمة بهم مستعينا بالقوات البريطانية التي أستعملت الطائرات لتشتيت فلولهم ودكّ حصونهم وذلك في معركة السبلة عام 1929.
ما كان للملك عبد العزيز أن يصدر هذا القرار العسكري الحاسم, ويستعين بالقوات البريطانية دون غطاء ديني, حيث أصدر( العلماء) حكمهم في "الأخوان" وقيادتهم الممثلة في فيصل الدويش وسلطان بن بجاد ووسموهم جميعا بالكفر والرّدة , مع أن ّ "الأخوان" لم يكونوا كفارا ولا مرتدين ولكنهم فقط نازعوا الملك عبد العزيز سلطانه وشككوا في شرعية حكمه.
وما كانت فصائل "المجاهدين" الأفغان تستطيع الحاق الهزيمة بجيش الأتحاد السوفيتي لولا التعاون الوثيق مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية التي مدّتهم بالمعلومات والسلاح , و على وجه الخصوص بصواريخ " ستينجر" المضادة للطائرات التي لعبت الدور الحاسم في اندحار الجيش الأحمر.
وعندما قام صدام حسين بخطوته الهوجاء بغزو الكويت في 1990 تباينت مواقف الحركات السياسية والدول من الأستعانة بالغرب لأخراجه منها. فعلى سبيل المثال عارضت حركات الاسلام السياسي (على رأسها الأخوان المسلمين وتنظيمهم الدولي) التدخل الغربي. وكذلك عارضت بعض الحكومات العربية كحكومة اليمن وحكومة السودان الحلف الذي أقامته أميركا وشاركت فيه ما يربو على ثلاثين دولة لتحرير الكويت من قبضة جيش صدّام.
خرجت المسيرات تجوب شوارع الخرطوم والعديد من العواصم العربية مندّدة بأميركا وحلفائها, وصدرت الفتاوى الدينية التي تحرّم الأستعانة بالقوى الغربية. وفي الجانب الاخر صدرت فتاوى موازية من المؤسسة الدينية السلفية الوهابية تجيز الأستعانة بالغرب من أجل تحرير الكويت المغتصبة بواسطة جيش صدّام ( فتوى المرحوم الشيخ عبد العزيز بن باز).
كان واضحا أنّ لأميركا والغرب (مصلحة) في أجلاء قوات صدّام من الكويت, فالسياسة الأميركية تسعى للحفاظ على منطقة الخليج كبحيرة نفط هادئة وسالمة تستطيع أن تدرهذا النفط يوميا بمقدارعشرين مليون برميل كما تفعل الان وبحيث لا يكدر صفو أنسيابه أى عامل سياسي أو اقتصادي.
ولكن – من الجانب الأخر – كان للكويتيين أيضا (مصلحة) في الأستعانة بالقوة الوحيدة القادرة على أجلاء جيش صدّام الذي هتك أعراضهم, وقتل شعبهم, ونهب ممتلكاتهم, و أبتلع بلدهم في سويعات. وعندما تقاطعت المصالح بين الكويت والغرب تشّكل التحالف الذي حرّر الكويت والذي لولاه ما خرج "قائد النشامى" من ذلك البلد الصغير حتى يومنا هذا.
واليوم - وبعد مرور عقدين من الزمان على تحرير الكويت - دعوا الكويتيين يسألون أنفسهم ونسألهم نحن : ماذا أخذت أميركا من تحرير الكويت ؟ هل أخذت أميركا نقطة نفط واحدة مجانا أم هى تشتري الى الآن كما يشتري العالم كله النفط من الأسواق بالأسعار العالمية وبأسعار السوق المتذبذبة صعودا ونزولا ؟
ثم دار الزمان دورة كاملة حتى توقف عند الثورة الليبية. وعندما طالب ثوّار ليبيا أميركا والغرب بالتدخل العسكري لحمايتهم من كتائب القذافي وطائراته لم ترفض حركات الأسلامي السياسي (على رأسها الأخوان المسلمين وتنظيمهم الدولي) والحكومات العربية بما فيها حكومة السودان التدخل الأميركي كما فعلت أبّان غزو صّدام للكويت. فما الذي تغيّر اذا ؟ أميركا هى أميركا . والغرب هو الغرب .
الذي تغيّر هو (المصالح) وليس الدين . فمن مصلحة حكومة السودان – على سبيل المثال – ذهاب نظام القذافي الذي ظل يدعم بالمال والسلاح حركات دارفور التي تخوض صراعا مسلحا مع نظام الخرطوم. ومن ( مصلحة) الأخوان المسلمين وشيوخهم أنتصار الثورة الليبية حتى تزداد فرصهم في وراثة الأنظمة العربية المتهالكة.
هذا ما كان من أمر بعض الحكومات والحركات الدينية. أمّا أصحاب العقيدة القومية فأمرهم عجب. أصدر حزب البعث في السودان بيانا ممهورا بتوقيع السيد "علي الريّح الشيخ السنهوري", ومكتوبا بلغة هتافية صاخبة مليئة بكلمات جوفاء من شاكلة "العملاء", و" الامبريالية", و " النضال", وبادعاءات فارغة ما عادت تنطلي على أحد ( كلام فالصو) بعد أن رأى الجميع الحصاد البائس لحكم "القومجية" بفروعهم ومسمياتهم المختلفة.
جاء في البيان : " واننا اذ نعلن رفضنا وإدانتنا للتدخل العسكري الامبريالي المسنود من بعض أطراف المعارضة الليبية العميلة نطالب بإيقافه فوراً وندعو شعب ليبيا إلى اليقظة لقطع الطريق أمام من يريدون تسلق انتفاضة الشعب والانحراف بمسارها، وإلى المضي قدما في النضال لتحرير ليبيا العروبة من النظام الدموي الفاسد ودرء مخاطر التقسيم والاحتلال".
يعلم أصحاب البيان البعثي أنّه ليست هناك أطرافا عميلة في المعارضة الليبية, وأنّ المطالبة بتدخل أميركا والغرب جاءت مباشرة من المواطنين و الثوّار الليبيين ومجلسهم الأنتقالي داخل ليبيا, ويعلم أصحاب البيان كذلك أنّ أميركا تردّدت كثيرا في التدخل, وأنها تعرّضت لضغوط عديدة وكادت أن تتهّم من قبل الثوّار الليبيين بالتواطؤ مع العقيد القذافي, وواجهت انتقادات أخلاقية شديدة من قبل الرأي العام الأميركي والغربي في أنها تتفرّج على شعب يباد, وتكررت المخاوف من أستعادة شريط رواندا 1994 الذي ما زال يؤرق الضمير الغربي.
ويعلم أصحاب البيان البعثي كذلك أنّه لو تأخّر التدخل الأميركي لساعات فقط لنفذ الطاغية الليبي تهديده الذي أطلقه وهو على مشارف بنغازي بابادة جميع أهلها الذين ملأت أستغاثاتهم أسماع الدنيا. هل كان أصحاب البيان يرغبون في أن يبيد العقيد ثوّار ليبيا مثلما فعل "قائد النشامى" مع أنتفاضة الشيعة في الجنوب العراقي ؟ وكيف يريدون للشعب الليبي المضي في النضال دون مساندة وهو يواجه الة عسكرية باطشة و طاغية متعطش للدماء ؟
ونحن من جانبنا نسأل أصحاب البيان البعثي : لماذا نستعين بالغرب في قضاء كل حوائجنا اذا كانت تلك هي رغبة الحاكم وعندما نستعين به لأزالة الحكم الباطش لأنّ الشعب غير قادرعلي ازالته تصبح العملية تدخلا أجنبيا في شئوننا الخاصة ؟ ألم يكن " قائد النشامى" الطفل المدّلل لأميركا حتى العام 1990 ؟ ألم يستعن بها في حربه مع أيران ؟ وما تزال صوره مع صديقه "رامسفيلد" شاهدة على تلك الاستعانة.
لقد سئمت الشعوب من الوصاية التي يفرضها عليها أصحاب الفكرالأحادي البائس المغلق, فقد جرّبتهم جميعا ولم يعد لديهم صلاحية لتوجيه تلك الشعوب فهى أدرى بمصالحها, وفي حالتنا هذه وجد الشعب الليبي (مصلحته) في الأستعانة بأميركا والغرب للخلاص من الطاغية وأبناءه.

في كوسوفو, ترتفع الأعلام الأميركية الى جانب الأعلام الألبانية، حتى في المكاتب الرسمية, تقديراً للدورالأميركي في حرب العام 1999, والذي أنقذ الشعب الألباني هناك (95 % مسلمون) من مأساة كبرى.
ويمكن أن يقال الشيء ذاته عن البوسنة (ذات الأكثرية المسلمة أيضاً) حيث كان للدورالأميركي في حرب البوسنة (1992-1995) أثره في انقاذ المسلمين هناك من مأساة لم تعرفها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وكذلك الأمر أيضاً مع مقدونيا (التي يشكل المسلمون فيها 40 %)، حيث لعبت الولايات المتحدة الأميركية دورا رئيسا في انهاء النزاع العسكري في العام 2000 .
ومع أنّ الكثيرين يرون أنّ الولايات المتحدة كانت لها (مصلحة) حقيقية في كل هذه التدخلات التي أعادت تشكيل صورة البلقان لصالحها, الا أنّ زعماء المسلمين هناك يرون أنّ هذه (المصلحة) الأميركية جاءت لخدمة المسلمين في ظروف بالغة التعقيد.

ختاما نقول : لا توجد موانع أخلاقية أو دينية أو قومية تحول دون الأستعانة بأميركا والغرب اذا كان في ذلك (مصلحة) للشعوب بحسب التقديرات السياسية المحض.

محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-2011, 02:13 PM   #19
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




السواد ( الأعظم )

بابكر فيصل بابكر

وجدت الثورة الليبية تعاطفا كبيرا من قبل السودانيين بمختلف انتماءاتهم العرقية والجهوية, و بكافة ولاءاتهم السياسية ( معارضين وحاكمين). ونستطيع كذلك الجزم بأنّ مختلف شعوب أفريقيا أبدت ذات الموقف المتعاطف مع الشعب الليبي في مواجهته غير المتكافئة مع الطاغية الذي جثم على صدره لما يزيد عن أربعة عقود من الزمن.
وبقدر ما كان التعاطف نابعا من معين الأخوّة الأنسانية الواسع, فأنّ نعرات وممارسات عنصرية بائنة تبّدت مرارا من قبل الثوّار الليبيين معكرّة صفو ذلك التعاطف وتلك المناصرة التي أبدتها الشعوب الأفريقية, والشعب السوداني على وجه الخصوص.
شاهدت بأم عيني, وسمعت بأذني – مع أخوة اخرين – حديث العديد من الثوّار وهم يتحدثون لقناة الجزيرة الأنجليزية و يقولون : "المرتزقة السود يهاجموننا ", "لقد أطلق علينا العبيد ليقتلوننا", كما نادى بعضهم بأن تسحب " أي قشرة سمراء من ليبيا". وقد تبعت تلك الأقوال أعمال وحشيّة أرتكبت دون تمييز ضد أصحاب البشرة السوداء, أغلبهم من الأبرياء الذين كانت جريرتهم الوحيدة هى لون جلودهم المختلف.
وقال عيسى عبد العزيز الامين، أحد الشبان السودانيين الفارين من ليبيا : " الوضع تأزم أكثر واكثر بالنسبة إلينا بعد الأحاديث المتواترة عن مشاركة "مرتزقة أفارقة" في القتال ضد الثوار بعد أن استجلبهم نظام القذافي خصيصاً لهذا الغرض، بعدها انقلبت الأحداث تماماً وأصبحنا أهدافاً مشروعة، وأسهمت قناة الجزيرة وتصريحات بعض المسؤولين في الحكومة السودانية في تأجيج النيران وإعلاء الروح العدائية ضدنا، وكانت النتيجة مقتل الكثير من الأبرياء من ذوي السحنة السوداء سحلاً وحرقاً وشنقاً دون ذنب أو جريرة".

وعندما قامت قناة الجزيرة بعرض صور لأفارقة قيل أنهم مرتزقة تم القبض عليهم بواسطة الثوّار, كانت جوازات السفر المعروضة تشير الى أنهم مواطنون من السودان وأثيوبيا وتشاد والصومال و النيجر.
وقد أستمعت بحزن شديد لشاب صومالي أنقطع به السبيل مع الاف الأفارقة في الحدود الليبية التونسية وهو يقول : " العالم يتفرّج على اللاجئين السود ولا يحرّك ساكنا".

ولم يكن الأستعلاء العرقي قاصرا على استخدام الثوّار لألفاظ " العبيد" و " المرتزقة السود", بل تعدى ذلك للأستحقار المستبطن الكامن في مفهوم أنّ الأسود سلعة أو أداة يتم شراؤها بالمال لتقوم بدور القاتل المأجور, وأنّ من يقوم بشراء العبيد (القذافي) لا يتورّع في الجهر بحديث عنصري نتن مستخدما الأفارقة كسلاح في حربه الخاسرة. قال القذافي محذرا الأوربيين من أنّه في حال سقوط نظامه فأنّ : "ملايين السود سيغرقون أوروبا وايطاليا وتصبح أوروبا سوداء".
في الثقافة العربية - وثقافات عديدة أخرى - يرتبط اللون الأبيض بالطهر والبراءة, وهو لون مصاحب للنور والضياء ويطلق على من يتصف بخصلة حميدة . قال الأخطل :
رأيت بياضا في سواد كأنه
بياض العطايا في سواد المطالب.
واللون الأبيض – بعكس الأسود - مرتبط بالفعل الطيب والعمل الصالح, وهو ما عبّر عنه الشاعر بالقول :
ربّ سوداء وهى بيضاء فعل
حسد المسك عندها الكافور
مثل حب العيون يحسبه الناس
سوادا وانما هو من نور
أمّا اللون الأسود فهو اللون الذي يعمي القلوب, هو لون سوء الحال والمصير والمنقلب, وهو المرادف للظلام بقتامته وهواجسه, وهو دليل العبوس والتشاؤم. وهو كذلك اللون المعبّر عن الخوف والمهلكات كالحروب، حيث يسوّد وجه المقاتل خوفاً وهلعاً . قال أبو تمام :
ما أن ترى الأحساب بيضا وضحا
إلا بحيث ترى المنايا سودا
والأنسان الأسود في تلك الثقافة ليس موضع ثقة كاملة, وهو مشكوك فيه, ويجب الحذر منه :
كريم الاصل لا يرجى لود فكيف من الاماء له وعاء
فاحذر كل أسود واجتنبه فظاهره وباطنه سواء
قد أرتبط السود من البشر عموما, وخصوصا في الوطن العربي بالعبودية. وعندما قدّمت هيئة الاذاعة البريطانيّة برنامجا عن السود في المجتمعات العربية, قال أحد المشاركين من دولة الأمارات العربية : " في الواقع هذا الأمر منتشر لدينا هنا. ومعظم الناس هنا يطلقون على صاحب البشرة السوداء "عبد" أو "خادم" وذلك لأنه من فتره ليست ببعيدة كان هؤلاء الناس عبيدا مملوكين للتجار. وحتى بعد عتقهم ما زالو يلقبون بكلمة "خدام" والكثير منهم يستاؤون ويحسون بالدونية أو الخجل من ذكر أن والده أو جده كان عبدا لفلان أو لعائله فلان. وتظهر هذه العنصرية عندما يغلط صاحب البشرة السوداء على "عمه" الأبيض، حينئذ تظهر أسوأ اشكال العنصرية ضدهم."
للموقف من اللون الأسود في الثقافة العربية تجليات في كافة النواحي الثقافية و السياسية والأجتماعية والأقتصادية. ويلاحظ الكاتب صلاح عووضة أحد تجليات ذلك الموقف في نفور قناة الجزيرة الفضائية من ظهور مقدمي برامج ذوي بشرة سوداء على شاشتها, ويقول : "فالجزيرة على سبيل المثال سقطت في امتحان المساواة (الديمقراطي) حيث لا تمييز بين الناس إلا بالتميز المهني .سقطت في امتحان نجحت فيه بإمتياز فضائيات غربية مثل ال (سي إن إن) و (سكاي نيوز) ففي وقت نرى فيه وجوهاً سمراء وسوداء وصفراء - الى جانب البيضاء - في الفضائيات هذه، تظل شاشة الجزيرة حكراً لوجوه لا يخالط بياضها سمار. هل رأيتم سودانياً يطل بالغلط عبر شاشة الجزيرة كمذيع، أو مقدم برامج، أو قارئ نشرة. وكذلك لن تروا وجهاً جيبوتياً أو صومالياً رغم أن شعبي الدولتين هاتين (معدودين) في زمرة العرب مثلهما مثل شعب السودان."

حدثني من أثق في كلامه - وكان قد عمل مدّرسا بليبيا لفترة طويلة من الزمن - أنّ أحد الليبيين قال له متهكما : حتى وقت قريب كنا نترككم يا "سوادنة" تدخلون بيوتنا دون حرج, واليوم أصبحتم تعلمون أبناءنا. وهذا قول فيه أشارة عنصرية في غاية الخبث ذلك لأنّ ثقافة العرب لا تتشدّد في دخول " العبد" على النساء في البيوت كيفما كان حالهنّ, أمّا الحر فلا يستطيع الدخول على النساء الاّ في أوضاع معينة.
ويخبرك كثير من السودانيين المغتربين في الدول العربية, وخصوصا دول الخليج العربي والسعودية بمواقف كثيرة لهم في تلك البلاد تشير الى نظرة أهل تلك البلاد المستعلية لأصحاب البشرة السوداء, وفي النكتة التي تروى عن السوداني المسمى " عبيد" بيان شىء من تلك النظرة.
وفي ندوة أقامتها الجالية السودانية بمدينة دينفر ولاية كلورادو, حضر مفكر أردني معروف وطلب التعقيب على المتحدث وعنما أتيحت له الفرصة بدأ حديثه بالقول - بعفوية شديدة - أنه سعيد لكونه العربي الوحيد الحاضر بين " الأخوة السودانيين", فسرت همهمة وضحكات خافتة في القاعة جعلته يتساءل بعد نهاية الندوة عن سببها, فقيل له : كيف تقول أنك العربي الوحيد الموجود بالقاعة ؟ انّ من بين الحضور من يصل نسبه "بالعباس عم الرسول", ومنهم من يعتقد انّ السودانيين هم " عرب العرب" !!
ليس الغرض من هذه الكلمة التحريض ضد الثقافة العربية أو الدعوة لمحاربتها ففي ثقافتنا السودانية شىء منها, ولكن القصد هو تبيين هذه الحقائق المتعلقة بالنظرة لأصحاب البشرة السوداء في تلك الثقافة, وهو أمر في غاية الأهميّة لأنه يزيل الأوهام العالقة بأذهان البعض منا ممن يعتقدون أنهم " عرب العرب" وهو الأمر الذي كان أحد الأسباب الرئيسية في أن تفقد بلادنا ثلث أراضيها, وربما يؤدي لفقد المزيد.
لسنا في حاجة للخروج من جلودنا حتى نثبت أنتماءنا لثقافة ما, فنحن أصحاب ثقافة متميّزة,لا تصطدم مع الأنتماء الأنساني الذي هو الغاية التي يجب أن نرنو لها, فهى الفضاء الأرحب الذي يجعلنا نتعاطف مع ثوّار ليبيا, ونحزن لضحايا تسونامي اليابان, ونتبرع بالمال لتعمير هاييتي. هذا الأنتماء الكوني يسع كل السحنات ويستوعب مختلف الألوان, ولا تتحدّد فيه قيمة الأنسان بلونه, ولكن بفعله وعمله, وهو ما قصد اليه عنترة في الزمان الماضي :
لئِن أَكُ أَسوداً فالمسْكُ لَوْني
وَ مَا لِسوَادِ جِلدي منْ دَواءِ
ولكن تَبعُدُ الفحشاءُ عني
كبعدِ الأرضِ عن جوِّ السماءِ
للاخرين الحق في تعظيم ألوانهم كما يشاءون وليس علينا الأعتذارعن سوادنا فهو ( الأعظم).

محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-2011, 02:16 PM   #20
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




النائحة المستأجرة
بابكر فيصل بابكر
روي عن عمر بن ذر أنه قال لوالده يوما : " يا أبي, مالك إذا وعظت الناس أخذهم البكاء, و إذا وعظهم غيرك لا يبكون ؟ " فأجابه والده : "يا بني ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة".
النائحة التي فقدت ولدها لابد أن يمّزق بكاؤها القلوب ويستمطر الدموع, لكن النائحة المستأجرة التي تنوح وتولول وتعدد بالأجر لا تبكي أحداً ولا تحّرك أيّ قلب إلا علي سبيل المجاملة, فهي مثل المطربة التي تغني للفراق واللوعة والمعزون يرددون خلفها مثل الكورس, لكنها في الحقيقة لا تبكي الفراق ولا تعاني اللوعة, والمعزون لا يعرفون اسم الميت ولا قدره لكنهم يجاملون.
ما كنت لأكلف نفسي عناء كتابة هذه السطور لو أنّ العمود الصحفي المعنون ب " حزب السلطة ماذا يعني وممن يتكون" - المنشور بصحيفة الرأي العام في 20 فبراير 2011 - كتب بواسطة أحد الأعضاء الأصيلين في حزب المؤتمر الوطني الحاكم, أو بواسطة أحد الأسلاميين من قادة نظام الأنقاذ, ولكن الموضوع خطه يراع الدكتور محمّد أبراهيم الشوش الذي التحق بركب الانقاذ باخرة, وظل يوجه سهام نقده بمناسبة وبغير مناسبة للمعارضة, وكأنّه مطلوب من كل من يرتمي في أحضان السلطة وينعم بمناصبها أن يصبح أكثر قداسة من بابواتها الأصليين.
سّطر الدكتور الشوش كلمة مليئة بالتعمية والتمويه لكل من يدرك أبجديات تحليل الخطاب, ناعيا على الشعب السوداني غراما بالمقارنات لا يؤدي لتقديرات سليمة, وذلك في اطار الحديث عن التشابه بين ما جرى لحزب الحكومة المصري, وما يمكن أن يجري لحزب الحكومة في السودان.
كتب يقول:"غرام السودانيين بالمقارنات معروف ومشهود. وكثيرا مايدفعهم التشابه العرضى الى تجاهل الفوارق الاساسية مما يؤدى الى تقديرات خاطئة . والذى حدث للحزب الوطنى فى مصر برئاسة المخلوع حسنى وبطانته ، والذى ذابت عضويته المليونية فى لمح البصر ما إن زالت عنه السلطة، وكذلك انهيار الاتحاد الاشتراكى فى السودان مع انتهاء حكم نميرى وتلاشى حزب البعث العراقى بعد انتهاء صدام، وغير ذلك من الاحزاب التى أنشأتها السلطات العسكرية والديكتاتورية والشمولية مما يعتبر ظاهرة طبيعية ، لا ادرى لم تثر استغراباً كلما حدثت . فمن المنطق أن اى حزب يقوم على سلطة عسكرية او ديكتاتورية من اى نوع مصيره الزوال بزوال السلطة التى أوجدته وبثت فيه الحياة".
ويعلم الدكتورالشوش أنّ حزب البعث العراقي لم تنشئه سلطة عسكرية أو ديكتاتورية, ولكنه يموّه حتى يصل للنتيجة التي يرغب فيها, وهذه حيلة ساذجة معروفة في مثل هذا النوع من الخطاب حيث يعمد الكاتب الى تبرير فكرة فاسدة وذلك بتمرير معلومة مغلوطة ضمن حديث مرتبك وكأنها حقيقة تاريخية مسّلم بها . فالجميع يدركون أنّ حزب البعث نشأ في عام 1947, وقد سبق قيامه رؤية فلسفية وتنظير فكري طرحه صلاح البيطار وميشيل عفلق حينما كانا يدرسان بفرنسا. ولم يصل الحزب للسلطة في العراق الا في ستينات القرن الفائت. وهو بذلك لا يختلف عن حزب الجبهة القومية الأسلامية أو الأخوان المسلمين أو سمّهم ما شئت. فقد كان لحزب البعث منتسبين يؤمنون بعقيدته وفكره ورسالته, وكانوا دوما يقولون أنهم على استعداد للتضحية في سبيل المبادىء التي يعتنقونها, ورغم ذلك لم يصمدوا يوم أن وقعت الواقعة, وأختفوا جميعا بمن فيهم قائد النشامى, وكتائبه الخاصة, وحرسه الجمهوري.
وعلى الرغم من أنّ هذه المعلومة تبدو أولية وفي غاية البساطة الا أنها تنسف أساس الفكرة التي رمى الشوش لتمريرها وهى أنّه لا يمكن تغيير حكومة المؤتمر الوطني بذات الطريقة التي تم بها التغيير في مصر وتونس لأنّ منتسبي الحزب لن يسمحوا بذلك وسيقاتلوا حتى النفس الأخير.
ثم يواصل الدكتور الشوش في التشويش بالقول : " وقد سارع بعض المعارضين لنظام الانقاذ فى السودان الى التقاط هذه النماذج بإعتبارها تشير الى المصير المنتظر لحزب المؤتمر الوطنى متى زالت عنه السلطة . وهذه مقارنة ساذجة بين كيانات سياسية أسستها سلطات عسكرية أو شبه عسكرية وكيان سياسى كالمؤتمر الوطنى كان موجودا بالفعل انتقلت اليه السلطة بصورة ما. فى الحالة الأولى يصبح من الطبيعى أن ينتهى الكيان السياسى بنهاية السلطة التى أوجدته وفى الحالة الثانية يستمر الكيان الأصيل بعد أن يتجرد من الشحوم التى تراكمت عليه بسبب السلطة."
وهذا حديث تدليس وتمويه, فالدكتور يعلم أنّ السلطة لم تنتقل للمؤتمر الوطني " بصورة ما", ولكنها انتقلت بانقلاب عسكري على النظام الدستوري القائم, وجاءت الأنقاذ على ظهر دبابة, ثم أوجدت كيانها السياسي المسمى بالمؤتمر الوطني والذي هو صنيعة النظام الشمولي بأمتياز. فمنتسبي الجبهة الاسلامية تفرقت بهم السبل : منهم من انضم لشيخها الترابي في حزب المؤتمر الشعبي, ومنهم من اعتزل السياسة, ومنهم من قضى نحبه في الجنوب, ومنهم من يحمل السلاح الان في وجه الحكومة وحزبها المصنوع. وبالتالي فأنّه لا توجد فروق جوهرية بين المؤتمر الوطني وبين الأتحاد الاشتراكي الذي صنعه نميرى و أحزاب السلطة الشمولية التي سقطت في تونس ومصر مؤخرا.
ولا يترك الدكتور فرصة تفوته دون أن يمارس هوايته المفضلة في التزلف للحكام ( يقول دانتي في كوميدياه الالهية أنّ المتملقين مكانهم في الحلقة الثامنة من جهنم مع الطغاة والقتلة ) وحرق البخور . أنظر لهذا الشيخ المسن وهو يقول دون خجل : " فانّ على المعارضة أن لاتتوهم أنها تستطيع أن تستولى على السلطة دون معركة ، ليس مع أجهزة السلطة الأمنية فقط بل فى مواجهة الأعضاء الحقيقيين وعلى رأسهم قائد ضكران، أعرفه جيداً لن يهرب الى أحضان العربان ، ولن ينزوى كئيباً يستجدى الشفقة فى منتجع بانقا يطلب الأمان."
انّ الدكتور الذي يحّدثنا عن " القائد الضكران" و يقول أنه يعرفه جيّدا, يظن أن ذاكرة الشعب قد غشيها داء " الزهايمر" فأنساها ماكتبه عن الحكومة التي يقف على رأسها ذات القائد, أليس الشوش هو من كتب ذات يوم يصف النظام الحاكم بالقول : "هذا النظام مستعد للتنازل عن أى شئ، وارتكاب أى شئ، فى سبيل الحكم وفرض سيطرته على الشعب السودانى، حتى وان تقلص الى سكان وسط الخرطوم. خط الانقاذ الأحمر اذن هو الانفراد بحكم الشمال فى أدنى حدوده، أما ما عدا ذلك فكل شئ مطروح للمساومة والتنازل والبيع والشراء" ؟!. فلماذا اذا يتوعد من يسعون للتغيير السلمي لنظام هو القائل عنه انه يهتم فقط بفرض سيطرته على الشعب بالويل والثبور وعظائم الأمور؟
ثم يختم الدكتور الشوش كلمته على طريقة يكاد المريب يقول خذوني فيكتب : " سيقول الذين فى قلوبهم مرض أننى اثبط عزيمة المتطلعين من شيوخ الاحزاب أو ثوار المستقبل من الشباب، تملقاً لأصحاب الشأن . ومابى والله حاجة لارضاء أحد . وما أريد - والله بنيتى أعلم- إلا أن أبيّن الحقيقة كما أراها ، وازيل الوهم . أليست هذه مهمة الكاتب في كل زمان ومكان ؟ ".
لا يا دكتور. نحن لا نصدّق أنك تروم تبيين الحقيقة بحديثك هذا, الذي هو في رأينا – وليس في قلوبنا مرض - حديث تزلف وارضاء للحكومة, فلو كنت تنشد الحقيقة لتحدثت عن جوهر الموضوع وأجبت على السؤال السهل والبسيط الذي تحاول كثيرا تجنبه و التهرب منه وهو هل طبيعة النظام الحاكم وسياساته وممارساته تختلف عن تلك التي ثار عليها الناس في تونس ومصر وليبيا ؟ لو كنت تروم الحقيقة يا دكتور ماكنت لتبرز في ثياب الواعظين نيابة عن أصحاب السلطة الأصليين لتتوعّد السودانيين بمعركة لا تبقي ولا تذر أن هم سعوا للتغيير.
كتب الدكتور الشوش في وقت مضى ينتقد قاض سوداني كبير لقبوله تكليف نظام الأنقاذ له بترأس لجنة كتابة دستور 1998. وأستنكر عليه العمل على تجميل وجه النظام الحاكم, وقال فيه كلام يصلح أن يقال في موقفه الحالي. قال الشوش انّ القاضي : " رضي أن يكون واجهة اللعبة لنظام فاسد محتضر , وفي سن يلازمها – عادة الوعي والتجّرد, ليس بسبب التزام أيدولوجي أو منفعة خاصة, ولكن لسبب أخطر وأفجع : لأنه وهو القانوني الضليع لم يتكون في داخله طوال ممارسته مهنة القانون أي احساس بالعدل, أو التزام بالحرية والديموقراطية. يستوي لديه الظالم والمظلوم, والقاهر والمقهور, حكم الفرد وحكم الشعب. لا مانع لديه أن يضع خبراته القانونية في خدمة حاكم عادل أو حاكم ظالم."
فهل ترانا نظلم الرجل حين نرد عليه بنفس كلماته التي كتبها في حق القاضي و نقول : لم يتكوّن في داخل الدكتور الشوش طوال ممارسته مهنة (الأعلام) أى احساس بالعدل, أو التزام بالحرية والديموقراطية. يستوي لديه الظالم والمظلوم, والقاهر والمقهور, حكم الفرد وحكم الشعب. لا مانع لديه أن يضع خبراته (الأعلامية) في خدمة حاكم عادل أو حاكم ظالم ؟


محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-2011, 02:18 PM   #21
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




هذا المقال لم ينشر في صحيفة "السوداني" اليوم الخميس 10/ 3/ 2011 لوقوعه في بعض المحظورات.
القرضاوي وهويدي وقناة الجزيرة
بابكر فيصل بابكر
boulkea@yahoo.com
كنت قد عبرّت في العديد من المقالات والمناسبات المختلفة عن رأيي في مسألة الفتاوى الدينية المتعلقة بالأمور العامة, وقلت أنها رأي سياسي يتدثر بعباءة الدين من أجل كسب المشروعية لأنّ الدين في المنطقة العربية والأسلامية يعتبر أكبر مصدر للمشروعية.
والفتاوى الدينية أيضا تمثل أداة يتم توظيفها بواسطة الأشخاص أو التيارات السياسية المستندة الى الفكر الديني أو الأنظمة الحاكمة لأضفاء صفة المشروعية أو نزعها عن المواقف السياسية.
وقد شهدنا في الأسبوعين الماضيين ما يؤكد صواب رؤيتنا بخصوص تلك الفتاوى. حيث أصدر الشيخ القرضاوى فتوى هوائية " على الهواء مباشرة " من ستوديوهات قناة الجزيرة تدعو لقتل القذافي, وقال : " أصدر الآن فتوى بقتل القذافي. أي ضابط أو جندي أو أي شخص يتمكن من أن يطلق عليه رصاصة فليفعل ودمه في رقبتي، ليريح الليبيين والأمة من شر هذا الرجل المجنون وظلمه ".
قد يرى البعض في فتوى الشيخ القرضاوي موقفا انسانيا نبيلا يسعى لحقن دماء الليبيين, وهو الشىء الطبيعي الذي يمليه الضمير السليم على أى انسان, ولكن خطورة تلك الفتوى تتمثل في أنها تعتبر بالمعايير السياسية دعوة " مفتوحة للأغتيال", فهل يستطيع زعيم معارضة في أي بلد الظهور في شاشات التلفزيون والدعوة لأغتيال رئيس ذلك البلد دون أن يترتب على ذلك أى مسئولية ؟
يبدو للوهلة الأولى لكل مراقب للشأن السياسي أنّ موقف القرضاوي موقف متقدم يدافع عن حقوق الأنسان والحرية ويتجاوب مع تطلعات الشعوب الطامحة للتخلص من الحكام الطغاة والمستبدين, ولكن للأسف فأنّ مواقف الشيخ ليست بتلك المبدئية, بل هى مواقف متذبذبة, ومتلونة بألوان الميول الفكري والمذهبي لديه. أليس هو من أجاز الأنقلاب العسكري في السودان بالقول " لا مانع من هذا" ؟! أليس هو من دعا لحرية الشعب المصري ولأزالة الحكم المستبد الفاسد في مصر وصمت عن أحوال السودان المشابهة لبلده الأم لأنّ حكام السودان يشاركونه ذات التوجه الأيديولوجي ؟ أليس الأختلاف المذهبي هو الذي منعه من قول الحق في شأن أنتفاضة الشعب البحريني الذي قتلت حكومته سبعة من مواطنيها الأبرياء المسالمين دون ذنب ؟ ولماذا لم يصدر ذات الفتوى في حق الرئيس علي عبد الله صالح الذي تقتل قواته الشعب اليمني كل يوم ؟ أهى الموازنات الطائفية والخوف من أن يمتطي " الزيدية" صهوة الحكم عوضا عن " الشافعية" ؟
الرأي عندي أنّ الشيخ القرضاوي – وبحسابات سياسية ذرائعية محضة وليست مبدئية – يعتقد أنّ البديل لأنظمة الحكم المصرية والتونسية والليبية سيكون " الحركة الأسلامية", بينما لن يكون الأمر كذلك في السودان أو البحرين أو اليمن. فالأخوان المسلمين في مصر هم أكثر الجماعات تنظيما, وحركة النهضة التونسية كذلك, أما ليبيا فقد أحدث فيها نظام القذافي فراغا سياسيا هائلا لن يسده سوى الأسلاميين الذين كانوا الجهة الوحيدة التي شكلت حضورا ملحوظا في ظل حكم العقيد.
وفي موازاة فتوى القرضاوي صدرت فتاوى المدرسة الوهابية السلفية تصف المظاهرات والأنتفاضات والثورات الجماهيرية بأنهّا " فتنة". وقال عالم الدين السعودي البارز وعضو المؤسسة الدينية الرسمية الشيخ صالح اللحيدان أنه "لم يعرف عن أحد من أئمة الإسلام -من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة- حثه الناس عند الاستنكار أن يقوموا بمظاهرة ومغالبة"، مذكراً "بالسمع والطاعة حتى إذا كان الوالي غير مرضي عنه من الناس ما دام لم يكفر". وقال الشيخ علي الحلبي أحد المرجعيات البارزة للتيار السلفي بالأردن أنّ فهم السلف في الفتن هو أن "نخرج منها كما دخلنا فيها"، وأشار إلى أن الكثير من المطالبين بالتغيير وحقوق الإنسان "لا يفهمون أنهم يخالفون دين الله عز وجل".

ومثلما قصدت فتوى الشيخ القرضاوي الى نزع المشروعية عن نظام العقيد الليبي, بل وذهبت لأبعد من ذلك بالدعوة للتصفية الجسدية للقذافي, فأنّ فتوى المؤسسة الوهابية تعمد الى اضفاء الشرعية على أنظمة سياسية حاكمة وذلك بوضعها لشروط تعجيزية للتغيير والثورة مثل أن " يكفر" الحاكم أو " يمنع الصلاة" وهو ما لن يحدث من قبل أنظمة تجيد اللعب على العواطف الدينية وتوظف شيوخ الدين لأصدار الفتاوى التي تثبّت أركانها الفاسدة.
أما الأستاذ فهمي هويدي الذي يحلو للكثيرين وصفه "بالأسلامي العقلاني", فهو كذلك لا يختلف كثيرا عن الشيخ القرضاوي في التوظيف الانتهازي للمبادىء - وليس الفتوى, فهويدي لا يصدر فتاوى دينية بالمعنى الدقيق للكلمة - التي لا تحتمل التجزئة والتعامل الأنتقائي. فبينما كتب الرجل كثيرا عن مساوىء النظام المصري السابق, وعن ضرورة التغيير, وتحدث كثيرا عن الديموقراطية وحقوق الأنسان في مصر, فأنه يتعامل مع الحالة السودانية بتحّيز ايديولوجي وبخفة لا تليق بأهل الفكر والرأي.
زار الأستاذ هويدي السودان مرارا في ظل حكم الأنقاذ, وكان بعد كل زيارة يكتب ليكيل المدح للنظام الأنقلابي, حتى بلغ درجة أن وصف المجلس الأنقلابي العسكري الأنقاذي ب " مجلس الصحابة الذي يحكم السودان". وعندما يكتب عن الوضع السوداني فهو لا يتناول القضايا التي يتناولها عند كتابته عن النظام المصري السابق, فلن تجده يتحدث عن الفقر و الفساد والمحسوبية والتفاوت الطبقي الحاد, وكبت الحريات, والرشوة والتدهور الأخلاقي الذي حدث في السودان, بل يفاجئك بالكتابة عن الرئيس البشير والقول : " كنت أعلم أنه حافظ للقرآن وله خلفيته الدينية التي حصلها منذ صغره حين كان حفظ القرآن أول ما يتعلمه أبناء جيله (من مواليد عام 1944). ولما صار رئيسا، فإنه ظل يواظب على أداء الفرائض الخمس من الفجر إلى العشاء في مسجد صغير مقام إلى جوار بيته الرئاسي".
ويعلم الأستاذ هويدي أنّ كبت الحريات و الفساد المتفشي لن تحد منه صلاة الرئيس للأوقات الخمسة في المسجد, وأنّ الفقر والتفاوت الطبقي لن يزيله حفظ الرئيس للقران. وأنّ التديّن الشخصي للرئيس هو أمر يخصه وحده في علاقته برّبه, أما ما يخص الناس فيتمثل في تنظيم علاقة الحاكم بالمحكوم من خلال عقد ينبني على الدستور الذي يكفل الحكم الديموقراطي والتداول السلمي للسلطة. فلماذا – على سبيل المثال - لم يستنكر الأستاذ هويدي في أحدى مقالاته أستمرار الرئيس البشير في الحكم لأثنين وعشرين سنة مثلما استنكر بقاء مبارك لثلاثين ؟ ولماذا لم يكتب عن ممارسات حزب المؤتمر الوطني في الأنتخابات الماضية, وهى لا تختلف عن ممارسات الحزب الوطني في مصر, وكافة الأحزاب المهيمنة في الأنظمة العربية الفاسدة ؟
لا يجادل أحد في أنّ قناة الجزيرة منذ انطلاقها الأول في 1996 أحدثت تحولا كبيرا في شكل الأعلام العربي وذلك بما تمتعت به من حرية وجرأة كبيرة في تناول الموضوعات المسكوت عنها في أجهزة الاعلام السلطوية التابعة للأنظمة العربية الحاكمة. وقد أنحازت القناة في الكثير من المناسبات للمواقف التي تطمح اليها الشعوب العربية والأسلامية, ومن ذلك تغطيتها المتمّيزة لأحداث الحرب الأسرائيلية على غزة, وكذلك التغطيات الكاملة لأحداث الثورة التونسية و المصرية والليبية.
ولكن يبدو أنّ الجزيرة لم تنجو من شراك التحيزّ الايدولوجي عندما تعلق الأمر بتناول وتغطية العديد من المواقف والأحداث السياسية, ومنها – على سبيل المثال - ما يجري في مملكة البحرين . حيث اكتفت بايراد أخبار عن انتفاضة الشعب البحريني دون تسليط الأضواء الكافية على ما يدور في " دوّار اللؤلؤة" مثلما فعلت مع " ميدان التحرير". والسبب الذي يبدو واضحا لذلك هو الظلال المذهبية الشيعية للأنتفاضة وما قد يترتب عليها من تشابكات جيو – سياسية ممتدة في الأقليم وتؤثر على الأوضاع والتوازنات القائمة, والتي تطال دول الخليج جميعها بما فيها الدولة التي تنطلق منها قناة الجزيرة.
القناة التي تشكل فيها الأصوات القومية ( الأستاذ هيكل, والدكتورعزمي بشارة), وأصوات الأسلام السياسي ( القرضاوي) حضورا دائما, لا تسمح بظهور أصوات القوى الديموقراطية والليبرالية بذات القدر, وهو ما دعا بعض المحللين لوضعها ضمن الفضائيات التي يسيطر عليها " صراخ المتاجرين بالشعارات القومية التي فقدت معناها, وهيجان حلفائهم من الذين يوظفون الدين لتحقيق أغراضهم السياسية".
الشيخ القرضاوي والاستاذ فهمي هويدي وقناة الجزيرة يفقدون أراض كثيرة اذا أستمروا في التعمية والتمويه, واجتزاء المبادىء لأجل خدمة توجهات ايدولوجية ثبت عدم جدواها في تلبية حاجات الشعوب الثائرة من أجل الحرية والديموقراطية والتقدم.


محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-2011, 02:21 PM   #22
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




الطاغية
بابكر فيصل بابكر
boulkea@yahoo.com
(1)
في كتابه المتفرّد (الطاغية) يورد الدكتور امام محمد امام الكثير من الاراء والنظريات حول الطغيان السياسي, فأفلاطون على سبيل المثال يرى أنّ الطاغية بعد أن يحكم سيطرته على مقاليد البلد يقوم بإلصاق التهم الباطلة بحقّ أهله ويسفك دماءهم، ويحتقر القوانين، وهذه الحالة من شأنها أن تؤدّي إلى إيقاف أيّ معارضة محتملة لنظام حكمه، وشيئا فشيئا يتحوّل حكمه إلى جنون وإلى كارثة، ويتحوّل الطاغية إلى ذئب ليس له أيّ صديق فهوعلى استعداد للتخلص من أيّ شخص من أعوانه لمجرّد شعوره بأنّه يشكل خطرا عليه أو على نظامه. إنّ ممارسات الطاغية هذه تثير في نفوس المواطنين قلقا وكراهية وعداء تجاهه، وهذا ما يدفعه لتقوية سلطانه بزيادة عدد الحرس والمرتزقة والجواسيس الذين يغدق عليهم الأموال فيصبح مصيرهم هو مصيره , فالمستبد – كما يقول الكواكبي – خائن خائف محتاج لعصابة تعينه وتحميه, فهو ووزراؤه كزمرة لصوص : رئيس وأعوان. ولا تقتصر بطانة الطاغية على الحرس أو الوزراء أو المرتزقة والجواسيس ، وإنما تشمل أيضا الكتاب والمثقفين والشعراء، ولهذا فإننا نجد من بين هؤلاء من يمتدح الطاغية بل ينشر وعيا زائفا بضرورة الاستناد إلى حاكم قوي يكون الحامي والرمز والمنقذ للشعب الذي بدونه لا يمكن له أن يعيش بسعادة وراحة وأمان.
(2)
يقول الكواكبي في طبائع الأستبداد أنّه " ما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقاما ً ذا علاقة بالله". وبهذا يصبح الحاكم هو القاهر الواهب المانع الجبار المنتقم المقتدر المهيمن. الطاغية في غرارة نفسه يحتقرالشعب وأن تشّدق بغير ذلك , وهو يرى أنّ أيّ نقد أو هجوم على سياساته هو نقد وهجوم على الدولة بأسرها لأنه هو الدولة، والنقد لا يصدر إلا منه، ولا يمكن لأي شخص آخر ممارسته، فهو الزعيم الأوحد, والرئيس المخلص, ومبعوث العناية الإلهية, و القائد والمعلم والملهم, الذي يأمر فينصاع المجتمع لأوامره، وهو يعبّر عن مصالح المواطنين ويعرفها بصورة أفضل منهم.

(3)
ويرى أرسطو أنّ من صفات الطاغية،" كرهه الشديد لشخص ذا كرامة أو رجلاً شريفاً يتحلى بالرفعة والسمو أو يمتلك شخصية مستقلة ,ذلك لأنه يدعي احتكارالخصال الحميدة، ويشعر أن أياً إنسان شريف وصاحب كرامة، يزاحمه في الجلال والإباء أو يحرمه من التفوق والسيادة".
الطاغية يستعين في حكمه بالفاسدين، والمنافقين ، والمتملقين , لأنَّه يستلذ من النفاق , ويفْرحُهُ التملُّق , ويكره من ينتقده , ويبغض أشدَّ البغض من يدلُّه على عيوبه . ثم هو يحرص على القضاء على النبلاء , والمتميّزين , والأذكياء , الذين لا يقبلون النفاق , ولايحتملون التزلُّف , فإمَّا أن يسجنهم ، أو يفرون من بلاده. الطاغية يخاف أشدّ الخوف منَ التجمُّعات العامَّة , فيحارب كلّ وسائل التعبير الحرّ عن الإرادة الجماعية , وكلّ ما من شأنه تنوير النفوس والرقي بها , كحرية الرأي والفكر ووسائلهما, وكذلك يزرع الشكّ وإنعدام الثقة فيما بين الناس وذلك ليجعلهم عاجزين عن تدبير أيّ شيء يخلصهم من حكمه وذلك بإغرائهم بأن يتجسس بعضهم على بعض ، ليدبَّ العداء بينهم فيبقون غير قادرين على الإجتماع ضدَّه, ويضاف الى ذلك إفقاره المتعمّد للرعية حتى ينشغلوا بلقمة العيش عن التفكير بدورهم السياسي .
(4)
يسّخر الطاغية جل موارد البلاد لإشباع رغباته الحسيّة ومتعه وملذاته, فيبني المنازل والقصور, وينفق الأموال دون حساب على أهله و حاشيته. كان "نيرون" طاغية روما لا يعمل أي إصلاحات في الدولة ولا ينظر إلى احتياجات شعبه بل أخذ ينفق الأموال في متعه الخاصة وسهراته ونسائه, كما أظهر اهتماما كبيرا بالمسرح والشعر والغناء حيث كان مولعا بالظهور أمام الناس كمغن وممثل وشاعر, فقد كان يجلب الآلات الموسيقية وملابس الممثلين من دول عدة وبمبالغ طائلة دون النظر للأمور المهمة في دولته وكان يتنقل بين مناطق الأمبراطورية الرومانية هو وفرقته الموسيقية طائفا بشوارعها.
(5)
ويقول أفلاطون أنه كلما طالت مدة ممارسة الحاكم للطغيان ازدادت الصفات الطاغوتية تأصلاً فيه.
الدولة ومن يقودها متشابهان وكل منهما يتبين من خلال أحوال الاخر, فالدولة التي يحكمها طاغية لا يمكن أن تكون حّرة بل هي مستعبدة الى أقصى حد، ويضيف : اذا كانت الدولة مشابهة للفرد فلابد أن يتغلغل هذا الاستعباد والمذلة الى نفس الطاغية أيضاً فتراه يحمل نفساً وضيعة الى أبعد حدود الوضاعة ‌بل تهبط أشرف أجزاء نفسه الى أدنى مرتبة من مراتب العبودية علماً بأن أخس هذه الأجزاء هو الذي يصبح مسيطراً على تصرفاته وسلوكه.
(6)
ويؤكد الكواكبي أنّ : خوف المستبد من نقمة رعيته أكثر من خوفهم بأسه, لأنّ خوفه ينشأ عن علمه بما يستحقه منهم, وخوفهم ناشىء عن جهل, وخوفه عن عجز حقيقي فيه, وخوفهم عن توهم التخاذل فقط, وخوفه على فقد حياته وسلطانه, وخوفهم على لقيمات من النبات وعلى وطن يألفون غيره في أيام, وخوفه على كل شىء تحت السماء ملكه, وخوفهم على حياة تعيسة فقط.
(7)
طغاة بلادنا الذين تنطبق عليهم هذه الأقوال والأوصاف كثر, و في مقدمتهم العقيد القذافي الذي ألقى الأسبوع الماضي خطابا من قصره بباب العزيزية تجلى من خلاله مدى تضخم الذات والعنجهية والأستكبار الذي يتصف به هذا الطاغية الذي يقول عن نفسه : " أنا مجد لا تفرّط فيه ليبيا ولا يفرّط فيه الشعب الليبي ولا الأمة العربية ولا الأمة الاسلامية ولا أفريقيا ولا أميركا اللاتينية ولا كل الشعوب التي تريد الحرية والكرامة للأنسان". ولم يدّخر العقيد وهو يهيم في متاهته لفظا مهينا لم يصف به شعب ليبيا الثائر, فهم تارة "جراثيم" و "جرذان" وتارة أخرى "مقملين" و "حشرات" وثالثة "شذاذ افاق" و" كلاب ضالة". وتوعد الشعب الليبي بأنه "سيحرق كل شىء", وكأني به يستحضر حديث رفيقه في الاستبداد (نيرون) الذي قام بأحراق روما, ثم جلس على شرفة قصره ينظر للحريق الهائل مستمتعا بالمشهد وهو ينشد :
أنا نيرون الجبار
أقتل من أشاء وأملك ما أريد
وأقطع الأعناق وأسفك الدماء
ولا يجرؤ أحد على إشهار سيفه في وجهي
فالأرض التي أحكمها لا تغيب عنها الشمس
والناس جميعا يخضعون لمشيئتي
لأنني سيف حاد يقصم ظهورهم قصما
ونار هائلة تحرق أجسادهم حرقا
أنا نيرون الجبار
أنا نيرون الجبار !!
(8)
طغاة العرب يعيشون أسوأ أوقاتهم هذه الأيام, وهم يرون رفاقهم يتساقطون واحدا تلو الاخر, وهم لا يملكون سوى ترديد القول الذي لم يحفظ للمخلوعين عروشهم وكراسيهم. قال حسني مبارك بعد سقوط بن علي : مصر ليست تونس. وقال القذافي وابنه بعد سقوط مبارك : ليبيا ليست تونس ومصر, وسيقول علي عبد الله صالح بعد ذهاب القذافي : اليمن ليس تونس ومصر ليبيا, وحتما سنسمع قريبا من يقول : السودان ليس تونس ومصر وليبيا واليمن !!

محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-2011, 02:26 PM   #23
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




رسائل الدنيا الجديدة (1)

بابكر فيصل بابكر
boulkea@yahoo.com


دنفر/ كلورادو في الثامن عشر من نيسان 2006
الأخ الفاضل محمّد
التحايا تأتيك مزنا هطالا ,,, تغشاك ومن معك ممن تحب وترضى

وصلني مكتوبك الذي تناولت فيه أمر المحافظين الجدد و اليمين الصهيوني. وتجدني في حاجة لتوضيح بعض الحقائق المتعلقة بكليهما حتى تتسّق الرؤية و يبين أصل الحكاية. أكتب لك هاتين الرسالتين ومن ثم نواصل ما أنقطع من حديث.

أصل الحكاية:

يخطىء العرب ويترجمون United States of America بالولايات المتحدة الأميركية والصحيح هو الدول المتحدة الأميركية , فكلمة State تعني دولة, وهي بحق كذلك فكل جزء في هذا الأتحاد الفيدرالي هو دولة قائمة بذاتها. والتجربة الأميركية فذة متمّيزة فيما يلي شؤون القوي العظمي والأمبراطوريات التي سادت الدنيا. فهذه الأمبراطورية الكبرى صغيرة السن (الثورة الأميركية كانت في العام 1776), ولكن توفر لها من الموارد والظروف التاريخية ما لم يتوفر لغيرها من الأمم وهي الاّن تتربع علي عرش الدنيا مثلما تربع الرومان والعرب من قبل. لا جديد تحت الشمس اذا .

لنفهم أصل الحكاية في وقتنا الراهن يجب أن نعود الي أربعينات القرن الماضي بولاية شيكاغو وتحديدا بجامعة شيكاغو التي كان يدّرس فيها فيلسوف سياسي يسمي "ليو شتراوس", هذا الرجل الغامض والذي كان ينفر من أجهزة الأعلام هو الأب المؤسس لحركة المحافظين الجدد Neoconservatives وهم الرجال المسيطرون علي ادارة الرئيس بوش الحالية. قصة صعود هؤلاء الي قمة الهرم السياسي وسيطرتهم علي الحزب الجمهوري سأحدثك عنها لاحقا وسأكتفي ها هنا بتلمس أفكارهم التي ستساعد كثيرا في فهم مسلك الأدارة الحالية.

كان شتراوس من أكثر الفلاسفة نفورا من الليبرالية , وكان يري أنّ كل المشاكل التي يعاني منها المجتمع الأميركي ترجع بالدرجة الأولي الي المذهب الفردي Individualism وهو المذهب المسئول عن التفكك والتفسخ الذي يصيب المجتمع وبالتالي فأن الليبرالية لا تمتلك حلولا لمشاكل المجتمع الأميركي( وكانت أميركا تعاني من أنشطارات عديدة بين مختلف الطبقات خصوصا بين السود والبيض) وأعتبر شتراوس أنّ الليبرالية تحمل بذور فنائها في جوفها.

للخروج من هذا المأزق وأعادة التماسك coherence للمجتمع قال شتراوس بضرورة وجود مثال أعلي وهدف بعيد ينبع من القيم والأخلاق ليوحّد كل الأميركان , واذا لم يوجد هذا المثال أو الأسطورة Myth فأنه يجب صنعه وأنّ الأمةNation أو الدين Religionهما المجالان الأنسب لخلق تلك الأسطورة. وشرع المحافظون الجدد في خلق أسطورة الأمة الأميركية قائدة الأنسانية وحاملة لواء الديمقراطية والمجسدة للخير Good , وهو الأمر الذي يتطلب بالضرورة خلق عدو ما ليكون مجسدا للشرEvil , ووجد المحافظون الجدد ضالتهم في الأتحاد السوفيتي بوصفه قائدا لمعسكر الأشرار. ومن هنا بدأوا معركتهم الكونية من خلال أدارة الرئيس الأسبق رونالد ريغان وأخذوا في التطبيق الفعلي لأفكارهم بجعل العالم مسرحا للقتال بين قوي الخير وقوي الشر( في هذا الأطار جاء دعمهم للمجاهدين الأفغان وفيه أيضا أشعلوا الحروب المدمّرة في أميركا اللاتينية واسيا وأفريقيا).

وبعد سقوط الأتحاد السوفيتي كان لا بد من خلق عدو وهمي أو شبحPhantom Enemy حتي تستمر المعركة بين قوي الخير وقوي الشر, ووجدوا ضالتهم هذه المرة في نظام صدام حسين أبان غزوه للكويت ولكن حكمة الرئيس بوش الأب حالت دون تحقيق أحلامهم بزحف قوات التحالف لأسقاط النظام العراقي بعد تحرير الكويت. ثم جاءتهم الفرصة الذهبية الثانية بأحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي جددت الأمل في غزو العراق ولذلك فأنّ ما تكشف من خلال مذكرات مستشار الرئيس بوش لمكافحة الارهاب "ريتشارد كلارك" يوضح أنّ أمر الغزو كان معدا سلفا وأن المحافظين الجدد وعلي رأسهم العقل المدبر والمخطط للغزو" بول وولفووتز" شرعوا في توريط العراق قبل أن تتكشف لهم تفاصيل أحداث سبتمبر.

لقد قاموا بغزو العراق في أطار الأسطورة التي خلقوها عن مثال الخير والشر وبدعوي نشر الرسالة الحضارية لأميركا (الديمقراطية) ولأسباب أخري حللها بعمق الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه عن الأمبراطورية الأميركية وهو كتاب لا غني عنه لكل باحث في هذا الشأن. هذه لمحة عابرة قصدت منها توضيح الخلفيات التي أدّت الي غزو العراق وبالطبع هناك الكثير من التفاصيل التي لا يتسع المجال لذكرها وسأحدثك عنها في بريد اخر.

هل أيران هي هدفهم التالي ؟

الكل يعلم أن الرئيس بوش قد عنى بمحور الشر Axis of Evil العراق وأيران وكوريا الشمالية. من المؤكد أنّ كوريا الشمالية تمتلك سلاحا نوويا ومن المؤكد كذلك أن الأدارة الحالية لا تنتوي مهاجمة كوريا لأنها تدرك المخاطر التي ستجّرها ليس علي امريكا وحدها ولكن علي المنطقة بأسرها , والملف الكوري به أكثر من لاعب في السياسة الدولية , وعلي رأس هؤلاء الصين التي لن تسمح بهكذا هجوم وكذلك الاتحاد السوفيتي دع عنك ما سيحدث لكوريا الجنوبية الحليف الأستراتيجي لأميركا في المنطقة. وكوريا الشمالية برعت في أبتزاز اميركا واستفزازها كثيرا بأعلان أمتلاكها للسلاح النووي وهي تعلم أن أميركا لن تقبل علي مهاجمتها للتعقيدات التي ذكرتها. وفي ظني أن هذا هو نفس السبب الذي جعل أيران تجاهر بالأستمرار في ملفها النووي وأخيرا بنجاحها في تخصيب اليورانيوم .

أيران تدرك جيدا المازق الذي وقعت فيه اميركا بغزوها للعراق, وتعلم المتاعب التي يواجهها بوش داخليا بعد ثلاث سنوات من دخوله بغداد, وأيران لاعب اساسي في الساحة العراقية وتمسك بالكثير من الخيوط التي ستستخدمها حال شروع اميركا في الهجوم عليها, وحتي أسرائيل التي سبق أن هاجمت المفاعل النووي العراقي لن تقبل علي هكذا خطوة لأنها تعلم ان أيران تمتلك صواريخا يصل مداها الي قلب دولتها وأنها تملك تحريك حزب الله في شمال أسرائيل ولذلك أعلن رئيس وزرائها المنتخب يهود أولمرت عن عدم مشاركة اسرائيل في اية هجوم علي ايران . اذا التوقيت الذي عمدت أيران فيه الاعلان عن برامجها النووية هو بلا شك توقيت يضع أميركا في حرج شديد ولا يسمح لها بأتخاذ اي أجراء عسكري ضدها , ويضاف الي ذلك ايضا موقف لاعبين أساسيين في الساحة الدولية( روسيا والصين) اللتين رفضتا أي حديث عن ضربة عسكرية توجه لأيران. لكل هذه الأسباب لا أعتقد أن أميركا ستهاجم أيران علي الأقل في الوقت الراهن.

هل الأسلام هو المستهدف ؟

شاعت في أدبيات علم السياسة والعلاقات الدولية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي نظرية المفكر الأميركي صمويل هنتنغتون عن صراع الحضارات, وحديثه عن أنّ الأسلام هو العدو القادم للغرب وأنّ الصدام بينهما قادم لا محالة . وقد عزز هذا الأتجاه في التفكير ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر وما أعقبه من تدخل اميركي في العراق وافغانستان بالأضافة لما هو قائم أصلا في فلسطين.

في ظني أنّ صراع الحضارات خدعة كبري أراد لها أصحابها أن تملأ فراغ القوي في الساحة الدولية عقب أنهيار الأتحاد السوفيتي. ومثلما تلاعب المحافظون الجدد بسياسة أميركا الخارجية في سبيل تطبيق أفكارهم ونظرياتهم السياسية, فأنّ الأسلام الجهادي أو السياسي أو سمّه ما شئت يحاول أن يصّور صراعه مع أميركا بأنه حرب بين الحق والباطل أو بين قوي الخير والشر . هما ( الأسلام الجهادي والمحافظون الجدد) في واقع الأمر وجهان لعملة واحدة . بالأمس تحالفوا ضد الأتحاد السوفيتي واليوم عندما تضاربت مصالحهم صاروا يتقاتلون ويحشدون الصفوف في صراع أسموه كذبا صراع الحضارات. أنه صراع المصالح في السياسة الدولية وهو صراع سياسي يستخدم فيه الدين كأداة للتعبئة والأستقطاب من قبل الأطراف المتصارعة. ليس من مصلحة البشرية جمعاء أن يقوم صراع بين الأسلام والغرب . والغرب ليس كتلة صمّاء, وليست أمريكا هى المحافظون الجدد الذين بدأ نجمهم في الأفول بعد الحرب العراقية وليس أدل علي ذلك من الكتاب الذي أصدره أحد غلاتهم مؤخرا وهو فرانسيس فوكوياما بعنوان أميركا في مفترق الطرق America at Crossroads حيث أعلن صراحة فشل مشروع المحافظين الجدد في توجيه أميركا لقيادة العالم.

تخريمة

جاءني بريدك وأنا منغمس في مقارنة كواكب البوصيري الدرية في مدح سيّد البرية بنهج بردة أمير الشعراء . وتجدني منحازا لشوقي فقصيدته أرقّ لغة وأبعد أثرا من قصيدة البوصيري . شاعرية شوقي متدفقة و أحساسها عال , بينما يجتهد البوصيري في صناعة أبياته. لا يترك شوقي للقارىء مجالا للتساؤل , بينما يعوز البوصيري الأقناع . تأمل بيت صاحب الكواكب وهو يستدعي الرمز للتعبير عن حب المصطفى (ص) :

يا لائمي في الهوى العذري معذرة مني إليك ولو أنصفت لم تلم
ثم أنظر لقول شوقي في النهج :
يا لائمي في هواه، والهوى قدر لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم


الا ترى أنّ البوصيرى اعتذر عن هواه دون توضيح لسبب الاعتذار , بينما أوضح أمير الشعراء أنّ مدعاة اعتذاره هو القدر ( وهل هناك أقوى من القدر سببا للاعتذار ؟ ).
هذه خاطرة عجلى عسى أن نفصّل فيها في بريد قادم اذا مدّ الله في الاجال.

هذا وقد مضت قبل أيام ذكري مولد المصطفي (ص) أعادها الله علينا وعليكم بالخير وردّ غربتنا سالمين.

قفلة

كنت قد بعثت بمقالي الأخير عن شعراء الحقيبة الذي أرسلت لك نسخة منه للدكتور محمد عثمان الجعلي. وتعلم أنني أبديت في ذلك المقال أنحيازا لعبيد عبد الرحمن و قلت أنني ( كنت علي الدوام من أنصار عبيد عبد الرحمن, أجد في شعره دفئا وتصويرا لأحوال العشق والعشاق وتوصيفا دقيقا للمحبوب, وكيف لا وهو الذي كتب "جاهل وديع مغرور", وهو كذلك صاحب "سليم الذوق", هذه أغنية من النوع الذي يصيب "الكبد".).
وقد جاء رده على الرسالة في غاية الروعة والبيان كعادته, وأقتبس لك منه التالي :

( تقديمك لعبيد عبد الرحمن سّرني جدا فعبيد جاد علينا بالعديد من الدررالزاهية وله مفردات خاصة كما له مطالع حسان ..كل هذا يضعه ضمن ركب الرّواد ولكن لا يسلمه قياد الشعر الغنائي الحقيبي ! هذه عقد لوائها لصالح عبد السيد وغير بعيد عنه "المقل في شعره" ابراهيم العبادي .. إذا سألتني عن مراتب شعراء الحقيبة لما ترددت في أن أقول أنّ أبا صلاح هو المتنبيء والعبادي هو أبي تمام أما سيد عبد العزيز فهو الأقرب للبحتري ...وهناك أصحاب "الوحائد الجياد" ...أغنية "نعيم الدنيا" لعمر البنا هي معلقة الحقيبة المذهّبة وإذا سمعتها بصوت العبقري أبي داؤود فاعلم أنّ السعادة لديك قد اكتملت أركانها وكذلك الأمر مع "نسايم الليل" !!!. ) أنتهى.

وددت لو أدليت بدلوك في هذا الأمر, وانا على وعدي بمناقشة أمر اليمين الصهيوني في الرسالة القادمة.

بابكر


محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-2011, 02:27 PM   #24
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد عبده




رسائل الدنيا الجديدة (2)
بابكر فيصل بابكر
كلورادو - دنفر في عشر مضين من مايو 2006
الأخ العزيز محمّد
تحايا طيبة مباركة

وصلني مكتوبك الذي يتناول أمر معركة الأرماقدن وينتهي بتساؤلك عن السبب الذي دفع بوش لغزو العراق بعجلة وأصرار. ولعلك تذكر بريدي السابق اليك والذي تناول أمر المحافظين الجدد وسيطرتهم علي الأدارة الأميركية الحالية. والحقيقة المكملة لهذه السيطرة هي التحالف القائم بين المحافظين الجدد واليمين المسيحي الأفنجيلي.
الأفنجيليين
الجماعة الأفنجيلية هي جماعة مسيحية بروتستانتية تؤمن بما جاء في التوراة, ويعرف أصحاب هذه الجماعة بالذين أي الذين رجعوا الى طريق المسيح القويم بعد أن ضلوا. ونسبة هؤلاء في أميركا تبلغ Reborn" ولدوا من جديد"
حوالى 28 % من السكان, والمتشددين منهم يمثلون حوالى 13 % من تلك النسبة, وتؤمن أكثرية المتشددين بمعركة الأرماقدن.
من أشهر غلاتهم القس " بيلي غراهام" والقس " بات روبرتسون" الذى قال في يناير الماضي أنّ الجلطة الدماغية التي تعرض لها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون هي "عقاب من الله له على مساعيه لإعطاء مزيد من الأراضي للفلسطينيين".
تعتقد الجماعة الأفنجيلية أنّ معركة الأرماقدن ( موضع في سهل مجيدو بفلسطين) المنصوص عليها في سفر الرؤيا, ستكون معركة فاصلة بين اليهود وحلفائهم من جهة, وبين أعدائهم وحلفائهم من جهة أخرى, وأنها سوف تنتهي بابادة أغلب من على الأرض وأنبعاثها من جديد بنزول السيد المسيح الذي سوف يجلس على كرسي الاله لكي يكون الحكم الفصل فيقتل الأشرار و يحيي الأخيار و ينصر الدين و يذل أعداءه !!!
ويقول الأفنجيليون أنّ نزول المسيح وتحقق النبوءة لن يتم إلا بتجميع كل اليهود في فلسطين وأقامة دولة أسرائيل الكبرى ، بمساعدة من الدول العظمى, حيث يقول أحد غلاتهم وهو القس فولويل " أنّ الدليل الدراماتيكي على عودة المسيح هو اعادة ولادة شعب اسرائيل", وهذا ما يفسّر دعمهم اللامتناهي لطرد الفلسطينيين من أرضهم ولأقامة المستوطنات. وينظرون للمسلمين كمعطلين لرجعة المسيح بسبب وقوفهم حجرعثرة في طريق توحيد القدس كعاصمة لأسرائيل, ومنعهم اعادة بناء الهيكل, وهى المقدمات الضرورية لعودته.
وقد دعم اليمين الأفنجيلي المحافظين الجدد في حربهم على العراق من منظور ديني يعقد صلة أبدية ومتجددة بين
بابل وأورشليم. فبابل هى الظلام, وأورشليم هى النور. ودمار بابل يمثل شرطا لأنبعاث أورشليم. هكذا يقول العهد القديم الذي ورد فيه ذكر بابل حوالى ثلاثمائة مّرة بوصفها أرض الخطيئة, وبلد التجسّد الشيطاني الأول الممثل في نبوخذ نصر سابي اليهود, والوعد الأول بأرماقدن.
الملحمة الاسلامية الكبرى
هذا ما كان من شأن هذه الفرقة البروتستانتية , أما فيما يخص النبوءة الأسلامية بمعركة الأرماقدن , فهي في غالب الأمر من الأسرائيليات التي وجدت طريقها الي كتب التراث, فالعقيدة الأسلامية في أصولها لا تتحدث عن معركة فاصلة يقودها المسيح المنطلق من سهل مجيدو علي الرغم من الأشارة الي عودة المسيح في اخر الزمان, وعن معركة فاصلة هى الملحمة الكبرى التي يفسّرالبعض بتعسف واضح حديث الرسول (ص) عنها بأنه يعني الأرماقدن, حيث ينسب للرسول القول في حديث عن أبي هريرة " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالإعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا: قالت الروم خلو بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون : لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويُقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثالث، لا يفتنون أبداً فيفتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان، أن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف إذا أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم عليه السلام..." .
أما حديثك عن نبوءة نوستراداموس فليس لدىّ تعليق عليه.
لا يخفى عليك أن اللاهوت في أصله يستند الي أنظمة نفي متبادل كما يقول الدكتور محمد أركون. فكل دين يري في نفسه الحق وفي بقية الأديان غير ذلك وهذا أمر سيستمر الي قيام الساعة وفي هذه الأثناء وحتي قيام الساعة سيوظف كل دين عقيدته في سبيل السيطرة والسيادة وما موضوع الأرماقدن الاّ حلقة من حلقات الصراع اللاهوتي.
ما يهمنا في أمر هذا التوظيف الديني للعقائد هو أنعكاساتها السياسية التي تؤثر علي أحوال العالم الذي نعيشه. وما من شك في أن العالم في هذه اللحظات تتحكم فيه ظلال من الأساطير بحكم أنّ القوة العظمي فيه وأعني أمريكا يقودها مثل هذا الفكر, وعلي الضفة الأخرى من النهر نجد أن الرئيس الأيراني يدعو لأزالة أسرائيل من الوجود حتي يعود " المهدي المنتظر" والأشارة هنا للأمام الغائب "الحسن العسكري" الذي دخل السرداب قبل أكثر من الف عام وينتظر الشيعة أن يعجّل الله بفرجه حتي تقوم الساعة, وهو الأمر الذي لن يتم الاّ بزوال أسرائيل. ألم أقل لك أنّ الكل يوظف أسطورته بحسب ما يعتقد !!!
ليس مطلوبا أن تتوحد كل الأديان, فهذا مستحيل,ويسير عكس المشيئة الألهية, المطلوب هو أن نعلي من قيم التسامح والتحاور والتعايش الموجودة في كل دين, و في هذا الخصوص كنت دوما من المؤيدين لجهود حوار الأديان المختلفة وخصوصا تلك التي يضطلع بها الأزهر الشريف.
كسرة
بالأمس شاهدت فيلم "شيفرة دافنشي" المأخوذ من الرواية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس. وأكثر ما يلفت النظر في الرواية /الفيلم - وبغض النظر عن مدى الصحة التاريخية لما أدعّاه دان براون من زواج المسيح من مريم المجدلية – هو طرحها /ه لقضية التدخل المباشر للسلطة السياسية ممثلة في الامبراطور قسطنطين والسلطة الدينية ممثلة في الكنيسة في تشكيل التاريخ وصياغة العقيدة المسيحية بعد حوالي ثلاثة قرون من مجىء المسيح عليه السلام. وفي ظني أنّ هذا الأمر لا يقتصر علي المسيحية وحدها بل يشمل الأديان التوحيدية الأخري, أعني الأسلام واليهودية.
بين يدي الان كتاب للمفكر السوري الدكتور عبد الرزاق عيد يتناول فيه بالنقد العقل الفقهي المشيخي, وعنوان الكتاب مأخوذ من توصيف للأمام محمد عبده لممثلي تلك المدرسة من مدارس الفكر الأسلامي وهو " سدنة هياكل الوهم" , وعلي الرغم من أنّ الأسلام لا يعترف بسلطة دينية لأحد غير الرسول الكريم الاّ أنّ التاريخ الأسلامي يقول بغير ذلك, فالأسلام السني تمت صياغة كبري فرضياته ومدارسه الفقهية في ظل تدخل مباشر للسلطتين الأموية والعباسية وقد تم تدوين معظم أطروحاته بعد حوالى قرنين من وفاة الرسول الكريم (ص).

الشىء الثاني الملفت للنظر في أمر "شيفرة دافنشى" هو أنّ الرواية وزعّت أكثر من خمسة وعشرين مليون نسخة في الدول الغربية ( أوروبا وأمريكا) في الثلاثة أشهرالأولي لنشرها في حين تم منع نشر الرواية في لبنان بسبب النفوذ الكبير للكنيسة المارونية, الأمر الذي يعني أنّ المرجعية الثقافية لمسيحية الشرق تختلف أختلافا جوهريا عن المرجعية الثقافية للمسيحية الغربية التي لا تحظر النقد الذي يطال المقدّس وهو الأمر الذي يحيلنا الي شىْ قريب الشبه من رواية دان براون وهي رواية سلمان رشدي "اّيات شيطانية" التي تم منعها في كافة الدول الأسلامية وصدرت فتوي من الأمام الخميني بقتل صاحبها.
استعدال
عطفا على حديث التسامح أستعير قولا للشاعر الكبير نزار قباني في اجابته على سؤال لمحررة مجلة "المشاهد" اللندنية عن المشهد الشعري العربي حيث قال " أحدّق في كل الوجوه الشعرية ولا أكاد أري الاّ وجه محمود درويش". وأنا أقول : أحدّق في كل الوجوه الفنيّة ولا أكاد أرى الا وجهها معبّرا عن التسامح الديني والأنتماء الحضاري والتعايش السلمي : نيهاد حدّاد.
والدها وديع حداد, كاثوليكي سرياني الأصل كان قد هاجر للبنان من مدينة ماردين الواقعة في جنوب شرقي تركيا حاليا ( بالمناسبة ماردين هذه هى البلدة التي أصدر بن تيمية أشهر فتاواه حول أهلها و هى المعروفة بأسم " فتوى ماردين" والتي يستخدمها الأسلام الجهادي في تبرير حملاته العشوائية للقتل والذبح والتفجير), ووالدتها مارونية.
استمع اليها وهى تتغنى بمدح المصطفى (ص) :
أقول واّنست بالليل نارا لعلً سراج الهدى قد أنارا
وإلا فما بالُ اُفق الدُجى كأنً سنا البرق فيه استطارا
وهذا نسيمُ شذا المسك قد أًعير أَم المسكُ منه استعارا
بشائر صبح السًرى اّذنت بأنً الحبيب تدانا مزارا
جرى ذكرُ طيبه ما بيننا فلا قَلبُ في الًركب إلا وطارا
حنينا إلى أحمدَ المُصطفى وشَوقا يهيّجُ الضُلوع استعارا
ولما حللنا فناءَ الرسول نزلنا بأكرم خلق جوارا
وقفنا بروضة دار السلام نعيد السلام عليها مرارا
لا. ليس هذا فحسب, بل اليك المزيد من الغناء الذي ينفذ الى القلب عن البقعة التي أحتوت بيت الهدى:

غنيت مكة أهلها الصيدا والعيد يملؤ أضلعي عيدا
فرحوا فلألأ تحت كل سما بيت على بيت الهدى زيدا
وعلى اسم رب العالمين علا بنيانهم كالشهب ممدودا
يا قارئ القرآن صلي لهم أهلي هناك و طيّب البيدا
من راكع و يداه أنستا أن ليس يبقى الباب موصودا
أنا أينما صلى الأنام رأت عيني السماء تفتحت جودا
ثم زهرة المدائن, درب معراج المصطفى (ص) الى السموات العلى :
يا قدس يا مدينة الصلاة
عيوننا إليك ترحل كل يوم
تدور في أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة
و تمسح الحزن عن المساجد
يا ليلة الأسراء يا درب من مروا إلى السماء
عيوننا إليك ترحل كل يوم وانني أصلي.
( في تسامح يا اخوانا أكتر من كده ؟)
لو شئت لمنحتك المزيد, ولكنني في حضرة "فيروز" لا بد أن أعرّج على هذا المقطع من "شهرذاد القصيدة" ولو كلفني ذلك الخروج عن السياق :
طارت الدنيا بمن أهوى و بي
وافترقنا كيف يا ليل الرقاد
ساكن مابين قلبي المتعب
وجفوني وجهها رغم البعاد
ما اكتفينا بعد والدهراكتفى
فاقطف الأحزان مثلي واسهر
آه ياعينىّ لو يشرى الغفى
من عيون ما لكنت المشتري
قفلة
هذا ما كان من أمر البروتستانت الأفنجيليين ومن قبلهم المحافظين الجدد. كلاهما يسعى لتحقيق أهدافه بكل الوسائل, وهم في واقع الأمر – شأن كل من يعتقد أمتلاك الحقيقة المطلقة – يستبطنون شرا كثيرا. وما وجدت توصيفا لهذه الحالة مثل الذي أورده الكاتب السعودي تركي الحمد في ( شرق الوادي / أسفار من أيام الأنتظار) على لسان بطله سميح الذاهل الذي يقول : (عندما ترى أحدهم مهووسا بالحق مبالغا فيه, فاعلم أنّ الحق ليس معه, أو أنّه يخفي كل الباطل).
بابكر


محمد عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-12-2011, 12:45 PM   #25
محمد جمرة
مُشرف المنتدى العام

الصورة الرمزية محمد جمرة



محمد جمرة is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد جمرة





لك الشكر أستاذ محمد عبده
كتابات الأستاذ بابكر جديرة بالاهتمام والمتابعة والتدقيق
فهو من جيل الكتاب الشباب القلة الذين يبرعون في إيصال أفكارهم
وهو بحق يبذل الكثير من الجهد في كل كتاباته التي تأتي غنية بالطروحات المستندة على مفاهيم مستقاة من مشارب بينها مفاوز شاسعة!! فهو واسع الاطلاع على تاريخ العالمين الغربي والشرقي والتيارات الفكرية التي تتجاذب الحياة مما يجعله قادرا على الحديث عن الأفراد الذين يصنعون الاحداث ويؤثرون فيها حديث الواثق العارف.
وهو عموما واتساقا مع اتحاديته يتبنى اتجاها ليبراليا يريد له أن يكون متحررا من كل قيد!!
ولكن اعتقد أن النموذج الذي يرجوه فيه بعض التحامل, وذلك أنه عند الحديث عن الليبرالية وإشكالاتها في الغرب يجنح إلى التفصيل ووضع الأمور في نصابها بلا تعميم. ولكن عندما يتحدث عن الشرق فإنه تبنى هجوما شديدا على الجماعات الإسلامية مستغلا الشنائع التي تعتقدها وتطبقها ويجنح إلى تعميم مخل جدا فيوسع دائرة هجومه لتشمل كل من يتبنى افكارا تستند إلى الإسلام !!
ومن عجب أنه في بعض المقالات بتبنى افكارا اعتزالية يعلي فيها من شأن هؤلاء المنقرضة ومهاجما فيها أفذاذا من علماء أهل السنة كالإمام الغزالي رحمه الله واضعا إياه في نفس خانة هؤلاء الظاهريون الذين كرس حياته لفضح أباطيلهم.



اقتباس :
كان شتراوس من أكثر الفلاسفة نفورا من الليبرالية , وكان يري أنّ كل المشاكل التي يعاني منها المجتمع الأميركي ترجع بالدرجة الأولي الي المذهب الفردي individualism وهو المذهب المسئول عن التفكك والتفسخ الذي يصيب المجتمع وبالتالي فأن الليبرالية لا تمتلك حلولا لمشاكل المجتمع الأميركي( وكانت أميركا تعاني من أنشطارات عديدة بين مختلف الطبقات خصوصا بين السود والبيض) وأعتبر شتراوس أنّ الليبرالية تحمل بذور فنائها في جوفها.

للخروج من هذا المأزق وأعادة التماسك coherence للمجتمع قال شتراوس بضرورة وجود مثال أعلي وهدف بعيد ينبع من القيم والأخلاق ليوحّد كل الأميركان , واذا لم يوجد هذا المثال أو الأسطورة myth فأنه يجب صنعه وأنّ الأمةnation أو الدين religionهما المجالان الأنسب لخلق تلك الأسطورة. وشرع المحافظون الجدد في خلق أسطورة الأمة الأميركية قائدة الأنسانية وحاملة لواء الديمقراطية والمجسدة للخير good , وهو الأمر الذي يتطلب بالضرورة خلق عدو ما ليكون مجسدا للشرevil , ووجد المحافظون الجدد ضالتهم في الأتحاد السوفيتي بوصفه قائدا لمعسكر الأشرار. ومن هنا بدأوا معركتهم الكونية من خلال أدارة الرئيس الأسبق رونالد ريغان وأخذوا في التطبيق الفعلي لأفكارهم بجعل العالم مسرحا للقتال بين قوي الخير وقوي الشر( في هذا الأطار جاء دعمهم للمجاهدين الأفغان وفيه أيضا أشعلوا الحروب المدمّرة في أميركا اللاتينية واسيا وأفريقيا).



أعتقد أن شتراوس مصيب فيما توصل إليه, فلابد من قيمة في الحياة تكون هدفا نبيلا تسعى الأمة لتحقيقه وهو المثال أو الاسطورة
وأعتقد ايضا أن شتراوس لم يستبدل الليبرالية بغيرها بل قيدها بهذا المثال أو الأسطورة الذي يعمد القوم لاختلاقه اختلاقا!! وعلى هذا يكون مجتهدا في معالجة مثالب اليبرالية حريصا عليها.
كنت أتمنى أن يحدثنا الكاتب هنا هل كان يعتقد ليبراليو الغرب أن الافغان كانوا من معسكر الخير حقا عندما حظوا بالدعم أن إنهم كانوا صنائع لضرب السوفيت فحسب؟؟
أم إنهم مخلب قط حقيقي في خاصرة الإسلام ولابد من تزويدهم ببعض التأريخ البطولي حتى تصبح الدعوة قابلة للتوسع بكسب المزيد من المؤيدين من المسلمين؟؟
اقتباس :
هل الأسلام هو المستهدف ؟

شاعت في أدبيات علم السياسة والعلاقات الدولية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي نظرية المفكر الأميركي صمويل هنتنغتون عن صراع الحضارات, وحديثه عن أنّ الأسلام هو العدو القادم للغرب وأنّ الصدام بينهما قادم لا محالة . وقد عزز هذا الأتجاه في التفكير ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر وما أعقبه من تدخل اميركي في العراق وافغانستان بالأضافة لما هو قائم أصلا في فلسطين.

في ظني أنّ صراع الحضارات خدعة كبري أراد لها أصحابها أن تملأ فراغ القوي في الساحة الدولية عقب أنهيار الأتحاد السوفيتي. ومثلما تلاعب المحافظون الجدد بسياسة أميركا الخارجية في سبيل تطبيق أفكارهم ونظرياتهم السياسية, فأنّ الأسلام الجهادي أو السياسي أو سمّه ما شئت يحاول أن يصّور صراعه مع أميركا بأنه حرب بين الحق والباطل أو بين قوي الخير والشر . هما ( الأسلام الجهادي والمحافظون الجدد) في واقع الأمر وجهان لعملة واحدة . بالأمس تحالفوا ضد الأتحاد السوفيتي واليوم عندما تضاربت مصالحهم صاروا يتقاتلون ويحشدون الصفوف في صراع أسموه كذبا صراع الحضارات. أنه صراع المصالح في السياسة الدولية وهو صراع سياسي يستخدم فيه الدين كأداة للتعبئة والأستقطاب من قبل الأطراف المتصارعة. ليس من مصلحة البشرية جمعاء أن يقوم صراع بين الأسلام والغرب . والغرب ليس كتلة صمّاء, وليست أمريكا هى المحافظون الجدد الذين بدأ نجمهم في الأفول بعد الحرب العراقية وليس أدل علي ذلك من الكتاب الذي أصدره أحد غلاتهم مؤخرا وهو فرانسيس فوكوياما بعنوان أميركا في مفترق الطرق america at crossroads حيث أعلن صراحة فشل مشروع المحافظين الجدد في توجيه أميركا لقيادة العالم.




صراع الحضارات ليس خدعة
هو حقيقة لا يمكن إنكارها ولكن . . .
ليس الصراع بين الجماعات الإسلامية التي تريد احتكار تمثيل المسلمين من جهة والغرب الليبرالي من جهة أخرى
بل الصراع بين الإسلام الحق الذي يتماشى مع الفطرة البشرية السوية والعالم الغربي متدينا وغير متدين ولكنه متفق في العداوة بدرجة ما والتي تتمظهر بالكيد مرة بإختلاق وبدعم نماذج مشوهة للإسلام فيما تنطوي عليه القلوب من العقائد وما يظهر من الممارسات الحياتية البشعة بما فيها السياسية, وبالحرب مرة أخرى بذرائع شتى ولا مانع حتى إذا تعارضت هذه الذرائع!!
إذا الصراع حقيقة والإسلام هو المستهدف فعلا وما نخالف الكاتب فيه أن الإسلام ليس هؤلاء, هذه دعواهم وأنت توافقنا بأننا لا نسلم لهم دعواهم.



اقتباس :

تخريمة

جاءني بريدك وأنا منغمس في مقارنة كواكب البوصيري الدرية في مدح سيّد البرية بنهج بردة أمير الشعراء . وتجدني منحازا لشوقي فقصيدته أرقّ لغة وأبعد أثرا من قصيدة البوصيري . شاعرية شوقي متدفقة و أحساسها عال , بينما يجتهد البوصيري في صناعة أبياته. لا يترك شوقي للقارىء مجالا للتساؤل , بينما يعوز البوصيري الأقناع . تأمل بيت صاحب الكواكب وهو يستدعي الرمز للتعبير عن حب المصطفى (ص) :

يا لائمي في الهوى العذري معذرة مني إليك ولو أنصفت لم تلم
ثم أنظر لقول شوقي في النهج :
يا لائمي في هواه، والهوى قدر لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم

الا ترى أنّ البوصيرى اعتذر عن هواه دون توضيح لسبب الاعتذار , بينما أوضح أمير الشعراء أنّ مدعاة اعتذاره هو القدر ( وهل هناك أقوى من القدر سببا للاعتذار ؟ ).
هذه خاطرة عجلى عسى أن نفصّل فيها في بريد قادم اذا مدّ الله في الاجال.


عجبت لمنطق الدكتور بابكر في هذه المقارنة وتقريره عنها!!
ومصدر العجب ليس مدحه لقصيدة أمير الشعراء رحمه الله تعالى فهي تستحق كل ثناء يقال فيها وإنما نقده لقصيدة للبوصيري رحمه الله تعالى!! وأول ما بدا به هو صناعة الأبيات!! ولا أدري أيهما أحرى بالصناعة ؟؟ الأولى قامت على غير مثال سابق والثانية على سبيل التقليد والمجاراة

سأعود بحول الله


محمد جمرة غير متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة محمد جمرة ; 04-12-2011 الساعة 01:08 PM.
رد مع اقتباس
قديم 04-12-2011, 02:46 PM   #26
محمد جمرة
مُشرف المنتدى العام

الصورة الرمزية محمد جمرة



محمد جمرة is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد جمرة




البوصيري:
اقتباس :
فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا
ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ
أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ
ما بَيْنَ مُنْسَجِم منهُ ومضطَرِمِ
لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعاً عَلَى طَلَلٍ
ولا أرقتَ لذكرِ البانِ والعَ ِ
فكيفَ تُنْكِرُ حُبَّا بعدَ ما شَهِدَتْ
بهِ عليكَ عدولُ الدَّمْعِ والسَّقَم
وَأثْبَتَ الوجْدُ خَطَّيْ عَبْرَة ٍ وضَنًى
مِثْلَ البَهارِ عَلَى خَدَّيْكَ والعَنَمِ
نعمْ سرى طيفُ من أهوى فأرقني
والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بالأَلَمِ
يا لائِمِي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَة ً
منِّي إليكَ ولو أنصفتَ لم تلُمِ
عَدَتْكَ حالِيَ لا سِرِّي بمُسْتَتِرٍ

اقتباس :
عن الوُشاة ِ ولا دائي بمنحسمِ



شوقي:
اقتباس :
ريم على القاع بين البان والعلم *** أحل سفك دمى في الأشهر الحرم
رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا *** يا ساكن القاع، أدرك ساكن الأجم

لما رنا حدثتني النفس قائلة *** يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي
جحدتها و كتمت السهم في كبدي *** جرح الأحبة عندي غير ذي ألم
رزقت أسمح ما في الناس من خلق *** إذا رزقت التماس العذر في الشيم
يا لائمي في هواه، والهوى قدر *** لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم
لقد أنلتك أذنا غير واعية *** ورب منتصت والقلب في صمم
يا ناعس الطرف، لا ذقت الهوى أبدا *** أسهرت مضناك في حفظ الهوى فنم



محمد جمرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-13-2011, 12:44 PM   #27
محمد جمرة
مُشرف المنتدى العام

الصورة الرمزية محمد جمرة



محمد جمرة is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد جمرة




الشاعر أحمد شوقي أحد المفتونين ببردة البوصيري وغيره فتنت الأكابر من العلماء والأدباء فراحوا ما بين مشطر ومخمس وشارح!! وما توفر للبردة من الشهرة والتداول والحفظ بين المسلمين عربا وعجما لم يحصل لغيرها ومارواه المؤلف عنها يعلل كل عجائب هذه القصيدة: ( كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منها ما اقترحه عليّ الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير، ثم اتفق بعد ذلك أن داهمني الفالج - الريح الأحمر، (الشلل النصفي) - فأبطل نصفي، ففكرت في عمل قصيدتي هذه فعملتها واستشفعت بها إلى الله تعالى في أن يعافيني، وكررت إنشادها، ودعوت، وتوسلت، ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليّ بردة، فانتبهت ووجدتُ فيّ نهضة، فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً، فلقيني بعض الفقراء فقال لي: (أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: (أي قصائدي؟) فقال: (التي أنشأتها في مرضك)، وذكر أولها وقال: (والله إني سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعجبته وألقى على من أنشدها بردة) فأعطيته إياها. وذكر الفقير ذلك وشاعت الرؤيا)

رواها من أكابر العلماء:
الإمام المفسر لكتاب الله العزيز أبي حيان الأندلسي : محمد ابن يوسف بن علي الغرناطي , صاحب تفسير " البحر المحيط ".

الإمام الحافظ محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري ، صاحب السيرة الشهيرة " عيون الأثر".

الإمام الحافظ زين الدين العراقي .

إمام الدنيا في الحديث ابن حجر العسقلاني


الإمام الفقيه المحدث عمر بن علي المعروف بابن الملقن .

الإمام المجتهد عمر بن رسلان البلقيني .

الإمام المحدث الفقيه زكريا الأنصاري .

الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي .

الإمام الفقيه ابن حجر الهتيمي


قال الشيخ بن حجر رحمه الله تعالى :

وقد حصلت رواية هذه القصيدة وغيرها من شعر الناظم من طرق متعددة ، منها – بل أعلاها - :

[ أني ] أرويها عن شيخنا شيخ الإسلام وخاتمة الحفاظ ، أبي يحيى زكريا الأنصاري الشافعي ،

عن العز [ أبي محمد ] بن الفرات ،

عن العز بن بدر جماعة ، عن ناظمها .

وعن حافظ العصر بن حجر العسقلاني – يعني شارح "البخاري" –

عن الإمام المجتهد السراج البلقيني ، والسراج ابن الملقن ، والحافظ زين الدين العراقي عن العز بن جماعة عن ناظمها ،

وأرويها أيضاً عن مشايخنا ،

عن الحافظ السيوطي عن جماعة منهم :
الشمني الحنفي ، بعضهم قراءة ، وبعضهم إجازة ،

عن عبد الله بن علي الحنبلي . كذلك
عن العز بن جماعة ، عن الناظم . انتهى.
" المنح المكية في شرح الهمزية " لابن حجر الهيتمي 1 : 109




وقد شرح هذه البردة جملة من أكابر العلماء منهم


خواص بعض أبيات بردة البوصيري لعبد السلام بن إدريس المراكشي
660

الإمام النحوي ابن هشام الحنبلي المتوفى سنة 761ه فقد شرح قصيدة البردة شرحاً لغوياً سماهُ بالكواكب الدرية

ابن الصائغ المتوفى سنة 776 ه

الإمام اسماعيل بن الأمير يوسف بن الأحمر نزيل فاس شرح البردة في مجلد (807ه / 1404م).

شرح البردة لسعيد بن محمد العقابي التجيبي التلمساني -811ه


علاء الدين البسطامي المتوفى سنة 875 ه

الإمام الجارودي ابن عطية عبد الرحمن بن محمد عبد الرحمن المديوني موقت منار القرويين 839ه


شرح البردة سعيد بن سليمان السملالي الكرامى 882ه

إسماعيل بن الأمير يوسف بن الأحمر نزيل فاس شرح البردة في مجلد (807ه )

ابن العماد صاحب كتاب ( شذرات الذهب ) المتوفى سنة 808 ه

العلامة المدقق جلال الدين المحلي ، المفسر للقرآن وشارح " جمع الجوامع " " والمنهاج"في الفقه سماه : " تعليق لطيف على بردة المديح " وفي بعض المصادر بعنوان : " الأنوار المضيئة في مدح خير البرية ".

الحافظ الحجة شيخ الإسلام زكريا الأنصاري

سماه : " الزبدة الرائقة في شرح البردة الفائقة

الشيخ ابن مرزوق التلمساني المالكي ، الإمام المحقق المحدث شرحين كبير وصغير له كثير من المصنفات أشهرها شرحاه على " البردة " .سماه :
" إظهار صدق المودة في شرح البردة "

ويقع ( 297 ) لوحة ، وله شرح آخر مختصر من هذا الشرح سماه : " الاستيعاب لما في البردةمن المعاني والبيان والبديع والإعراب " .
( الضوء الامع 7 : 50)
ذكر في الكبير أنواعاً من العلوم


الإمام الحافظ المحدث الفقيه نور الدين مُلا علي قاري الحنفي صاحب كتاب ( الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ) وكتاب
( المِنح الفكرية على متن الجزرية ) وكتاب ( المورد الروي في المولد النبوي ) وكتاب ( شرح الفقه الأكبر ) المتوفى سنة 1014


الإمام المحدث شهاب الدين القسطلاني شارح "البخاري"
سماه : " مشارق الأنوار المضيئة في شرح الكواكب الدرية " واستعملها في كتابه ( المواهب اللدنية ) وطرز كتابه بها..

واستعملها في " سيرته " العلامة الحلبي مع " الهمزية "


العلامة الثاني السعد التفتازاني قدس سره النوراني صاحب التآليف السائرة في الآفاق


العلامة النحوي الشيخ خالد الأزهري صاحب "الأزهرية " وشرح "القواعد" و "التصريح وسماه :
" الزبدة في شرح قصيدة البردة " . مطبوع .


السيد الغبريني المقرئ – ذكره الشهاب الخفاجي في
" ريحانته " –


علامة الروم الخادمي سماه : " نشر الكواكب الدرية " .

لعلامة محمد علي بن علان الصديقي سماه الذخر والعدة في شرح البردة

الشيخ محمد بن محمد بن عاشور الطاهر وسماه
(شفاء القلب الجريح بشرح بردة المديح)

الشيخ إبراهيم الباجوري أحد شراح البردة وهو ممن ولي مشيخة الأزهر في القرن الثالث عشر منالهجرة صاحب كتاب
( شرح جوهرة التوحيد ) المتوفى سنة 1276ه


العلامة عبد السلام المراكشي المالكي وذكر خواص أبياتها وقد ضمن الشيخ خالد الأزهري هذا الشرح وما ذكره المصنف من خواص ،" شرحه للبردة المسمى الزبدة في شرح قصيدة البردة.


شرحها محمد بن علي بن محمد العدلوني الدمناتي .

محمد بن المعطي بن أحمد السرغيني سماه (التوشيح)

شرح أبي حامد محمد المكي البطاوري اسمه
"نسيم الوردة في تنسيم البردة"

أحمد بن جعفر الكتاني (المنهل الفسيح على بردة المديح)

شرح لأحمد بن عبد الله القصار

شرح قصيدة البردة للبوصيري لمحمد الإلبيري ثماني نسخ في الخزانة الملكية من 379 إلى 9845

وغيرهم الكثير مما لايتسع المجال لحصرهم


من خمس وسبع البوردة من جل علماء الأمة الإسلامية.

قال السخاوي :

(جمع من تخاميس البردة ما ينيف على ستين) .
الضوء اللامع 10 / 337 ، الأعلام 8 / 258 .

وسبعها على ما شهر العلامة البيضاوي صاحب التفسير المشهور طبع بعنوان :
" الكواكب الدرية تسبيع البردة البوصيرية في مدح خير البرية " .

تخميس البردة لمحمد بن علي الشاطبي الأندلسي البرجي (870ه)



فهل بعد هذا يتبقى وجه لمقارنة ؟؟


محمد جمرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-13-2011, 01:14 PM   #28
وليد قاسم

الصورة الرمزية وليد قاسم



وليد قاسم is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : وليد قاسم




تجدني اتفق معك اخي محمد جمرة فيما ذهبت اليه
فالدكتور بابكر - رغم اطلاعه الواسع وثقافته ودراسته لأكاديمية - لا أظنه يتفق معنا في كل شئ
والمتمعن في كتاباته يلحظ ذلك جيدا
خذ مثلا ما لفت اليه الأخ جمرة من اعتراضه على الغزالى بل واعتبر ان تسمية الغزالي بشيخ الإسلام كان نكبة ( او تعبير آخر لا اذكره )
كيف والغزالي عند الصوفية وعند أهل السنة هو من هو ؟
عموما ..
ليس بالضرورة ان نتفق مع كل اتحادي ... فهذه الأفكار خاصة بصاحبها
والختمية ملزمون بعقد الأشعري وفقه مالك وبطريقة الجنيد السالك ... اليس كذلك ؟

وليد قاسم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-2012, 05:47 PM   #29
محمد جمرة
مُشرف المنتدى العام

الصورة الرمزية محمد جمرة



محمد جمرة is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد جمرة




هذا الرُّجل ضلَّ طريقه ُ لهيئة علماء المُسلمين
بابكر فيصل بابكر
boulkea@yahoo.com

طالعتُ حواراً بصحيفة "الأحداث" أجراهُ الأستاذ مهند صالح مع الدكتور حيدر التوم نائب الأمين العام لهيئة علماء المسلمين. ولمَّا كانت هذه الهيئة معروفة لدي من خلال الأشخاص القائمين على أمرها, والفتاوى التي تصدرها, التي تعبَّر عن مدرسة فكرية تقليدية سلفية, فقد فاجأني الدكتور حيدر بآراء جريئة وأفكار غير تقليدية. وجدتُ نفسي إزاء رجل يتحدث عن إعمال "العقل" في فهم النصوص, ويُثني على أهل العدل والتوحيد "المعتزلة", ويدعو لمجاراة "العصر", وهذا صوت بلا شك مختلف, وجدير بالمناقشة.
في سؤال عن مستقبل الجماعات الإسلامية أجاب الدكتور حيدر بالقول: (أرى أن الآن من أكبر الضمانات لهذه الجماعات للكسب السياسي أن تعيش في ظل الدولة المدنية، مثل التجربة التركية فقد كانت النجاحات الإسلامية في تركيا في أنها تعيش في ظل دولة مدنية، منعت الحركات الإسلامية من التسلط والتجاوز وإنما وفرت لها الإطار القانوني واحترام الآخر، ولهذا بدأت لعبة السياسة من خلال الحوار والإنجازات والبرامج الجذابة والمقنعة).
هذه الإجابة لا تتماشى مع أفكار وآراء الجماعات الإسلامية التي تعتقد أنَّ مدنيَّة الدولة تعتبر خروجاً عن الإسلام الصحيح إذ إنها تعني "مساواة" جميع المواطنين داخل الدولة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين أو النوع أو العرق أو اللون أو الطبقة الاجتماعية. وهذا النوع من المساواة – في وجهة نظرهم – يتعارض مع صحيح الدين, وهو ما عبَّرت عنهُ هذه الجماعات بما فيها رجال هيئة علماء المُسلمين صراحة في مقترح الدستور الذي عرضوه على الحكومة.
يقول مقترح الدستور فيما يخص الحقوق والواجبات في إطار الدولة بوضوح شديد: "ترعى الدولة الحقوق والواجبات وتضبط بأحكام الشريعة الإسلامية التي تعتمد مبدأ العدالة, لا مطلق المساواة". وهذا نصٌ صريح على أنَّ المواطنين غير متساوين في الحقوق والواجبات, وأنَّ "المواطنة" ليست هي الأساس الذي تنبني عليه تلك الحقوق والواجبات, وإنما "الإسلام" هو الشرط الأساسي للمواطنة الكاملة.
إنَّ نجاح تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا تحقق في ظل دستور مدني ينصُّ على وقوف الدولة على مسافة متساوية من جميع الأديان, وعلى أنَّ "المُواطنة" هي أساس الحقوق والواجبات في الدولة. وهذا ما دعا إليه رجب طيِّب إردوغان في زيارته لمصر, ولكن دعوته لم تجد قبولاً لدى الجماعات المصريِّة التي كانت تحتفي حتى وقت قريب بالتجربة التركية وتدلل بها على إمكانية نجاح الحركات الإسلامية في الحكم.
وفي سؤال عن موضوع الدولة الإسلامية أجاب الدكتور حيدر قائلاً: (الإرث التاريخي الإسلامي ليس بتاريخ مشرف في كثير من الأحوال. وأزمة الحكم السياسي في الإسلام بدأت مبكرة منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا يجب أن نكون ناقدين ولا نقبل الأمور على غيرها وأن ننظر إلى التاريخ بنظرة الناقد للسلبيات والإيجابيات، وأن التجربة السياسية في كثير من الأحيان لا تخضع إلى النص الديني وإنما تخضع للواقع المعاش).
أتفقُ مع الدكتور حيدر في قوله إنَّ أغلب تاريخ الدولة الإسلامية في النواحي المُرتبطة بطبيعة الحُكم, وشكل الدولة, وأساليب الاختيار للحاكم, وكيفية حل نزاعات الحُكم, ليس تاريخاً "مُشرِّفاً" بمعايير العصر الذي نعيشه. طبيعة هذه الدولة – في سياقها التاريخي الذي وُجدت فيه - لم تختلف عن طبائع الدول التي سادت في العصور الوسطى والتي تمَّيزت بسيطرة واستبداد الأفراد والأسر والبيوت المالكة.
إنَّ النظرة الناقدة للتاريخ تعلمنا أنه عدا شذراتٍ مُشرقة في حكم الخلفاء الراشدين, وخلافة عمر بن عبد العزيز, والمهتدي العباسي, كان تاريخ الخلافة الإسلاميِّة هو تاريخ السلطان والملك العضود والدماء والدموع الذي لم يعرف أسلوباً للتداول على الحُكم سوى أسلوب الغلبة والتوريث حتى انتهائه في 1924.
ويواصل الدكتور حيدر حديثه عن موضوع الدولة الإسلامية مُجيباً عن السؤال: هل نحن الآن نحكم بالشريعة؟ بالقول: (هذه أمور فضفاضة، فما هو شكل الحكم الإسلامي؟ هل الملكي أم الأميري أم السلطاني أم الملكي الدستوري؟ وكلها تدعي أنها أنظمة إسلامية وتستمد حكمها من الشريعة الإسلامية، ما هي حدودها؟ واختلفت المدارس ولدينا عشرات المذاهب الفقهية المعروفة وأشهرها خمسة، ماذا نعني بالحكم الإسلامي؟ لذا فهي كلمة فضفاضة فنحن دولة إسلامية ولكن في ماذا؟). انتهى
ونحن من جانبنا نقول إنه لا يوجد شيء مُحدَّد اسمهُ "الحكم الإسلامي", لا من حيث أساليب اختيار الحاكم, ولا من حيث شكل الحُكم نفسه, فالقرآن لم يضع قاعدة لكيفية اختيار الحاكم, والرسول لم يعرض لهذه القضيِّة من قريب أو بعيد وإلا لما وقع الخلافُ حولها ولمَّا يوارَ جثمانهُ الطاهر الثرى بعد. الشورى – من الناحية الإجرائية - لم تكن في يوم من الأيام وسيلة لاختيار الحاكم بأسلوب مُحدَّد ومُفصَّل ومتفق حولهُ. ومن ناحية النتائج كان هُناك على الدوام اختلافٌ في أمرها – هل هي مُلزمة للحاكم أم غير مُلزمة.
الخلافة -التي تدعو بعض الجماعات الإسلامية للعودة لها- ليست سوى شكل من أشكال الحكم التاريخي الذي ساد في العصور الوسيطة. فهي من حيث طبيعتها كنظام للحُكم, وكذلك من حيث نوع الطرق والإجراءات والوسائل الُمتبَّعة في اختيار الحاكم, وفي تداول الحكم, وفي حل الخلافات, لا تتماشى مع أحوال العصر الذي نعيشهُ. وهي – في رأيي الخاص – أبعد ما تكون عن جوهر وروح القيم الإسلاميِّة التي تنادي بالحُرية ومُشاورة الناس, والخضوع لإرادتهم, وهي الأمور التي لا يُوجد نظام سياسي على وجه البسيطة يُعبِّر عنها بطريقة أفضل من النظام الديموقراطي.
وفي إطار حديثه عن تطوير الفكر ليتماشى مع الواقع يقول الدكتور حيدر: (يجب أن نقرأ النص ليس في واقع ما كان سائدا قبل قرون وإنما في واقعنا، ولا بد من الاجتهاد في النص؛ لأنه قد تغفل عنا بعض الجوانب، ووجب علينا أن نوجد فقهاً وفكراً جديداً يتطلب المرحلة، نعم هناك ثوابت ولكن توجد الكثير من الفرعيات وإن الاجتهاد هو إعمال العقل في النص متأسياً وآخذاً معه مستجدات العصر، وأن نقلل مساحات النقل وأن نعطي العقل مساحة أوسع).
أتفق مع الدكتور حيدر في كل ما ذهب إليه في موضوع إعمال العقل و"الاجتهاد في النص", وهو الأمر الذي لا يتماشى مع فكر القائمين على أمر هيئة علماء السودان وجبهة الدستور الإسلامي الذين يرون في مثل هذا الحديث خروجاً عن ثوابت الدين. فقد وضع الفقهاء قاعدتين في غاية الخطورة لإرهاب كل من يُعمل عقله ويحاول الاجتهاد, وأعني بهما قاعدة "إنكار المعلوم من الدين بالضرورة" وقاعدة "لا اجتهاد مع نص".
إنَّ مصطلح "المعلوم من الدين بالضرورة" مصطلحٌ فقهي متأخر غير مضبوط وغير متفق عليه ويسُهل تفسيره حسب الهوى. وهو مصطلح لم يكن موجوداً في زمن الرسول ولا في عهد الخلفاء الراشدين, ولا توجد في القرآن قائمة تحدِّد ما هو معلومٌ من الدين بالضرورة, ولا توجد تلك القائمة كذلك في كتب الفقهاء, حيث إنَّ لكل فقيهٍ أمور يُدرجها في هذا المعلوم من الدين بالضرورة, وهذه الأمور تختلف من فقيهٍ لآخر.
إنَّ قاعدة "لا اجتهاد مع نص", لا تختلف كثيراً عن سابقتها, فهي من ابتكار الفقهاء ولم يقل بها القرآن أو الرسول الكريم, ولا يُوجد لها سندٌ في الممارسة في أقرب العهود زمناً ومعرفة بالقرآن والسنة لعهد الرسول, وهو حكم الخلفاء الراشدين. فقد اجتهد سيدنا عمر ولمَّا يمض على رحيل الرسول ست سنوات, وكان اجتهاده مع نصوص واضحة وأوامر إلهية, كما حدث في إلغائه سهم المؤلفة قلوبهم رغم قول الله تعالى في سورة التوبة (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم).
وقد اجتهد سيدنا عمر كذلك في أمور مُخالفاً الرسول كما فعل في متعتي الحج والنساء عندما قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء. وفي توزيع غنائم أراضي سواد العراق, عندما قال: لولا أني أترك الناس يباباً لا شيء لهم – ما فتحتُ قرية إلا قسمتها, كما قسَّم رسول الله خيبر.
ويقول الدكتور حيدر في إجابته عن سؤال حول حُريِّة الشعب في اختيار الدستور الذي يُحكم به: (بكل تأكيد الشعب حر في أن يختار الدستور الذي يراه مناسباً ويلبي تطلعاته. إذا اقتنع الشعب السوداني بالدستور العلماني فنحن سنتقبل هذه النتيجة والشعب حر في أن يختار الطريقة التي يحكم بها).
هذه الإجابة تؤدي حتماً لتكفير الدكتور حيدر من قبل هيئة علماء المسلمين وجبهة الدستور الإسلامي, فمفهوم العلمانيِّة في فكر هؤلاء لا يعني سوى الإلحاد والكفر, وفصل الدين عن الحياة, وهي معان خاطئة, بل مُمعنة في الخطأ. وهذا ما قالهُ رجب طيِّب إردوغان: "إنَّ الدولة العلمانية لا تعني دولة اللادين، وأنَّ العلمانية الحديثة لا تتعارض مع الدين".
أختلفُ مع الدكتور حيدر في طرحه لقضيِّة "الخروج" على الحاكم, وقوله إنَّ الخروج يصطدم بأصل من الأصول الإسلاميَّة وهو أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ما دام أنه يقيم الصلاة. إنَّ خلافي مع الدكتور حيدر يتمثل في أنَّ هذه القضيِّة أمرٌ سياسي بامتياز, ولا يجب ربطها بأي بعد ديني, بل تركها للتقديرات السياسية المحضة, وأن أي محاولة لربطها بالدين تعني الانحياز لرأي سياسي وتغليف ذلك الرأي بالدين, وحينها لن يعدم أي طرف من أطراف النزاع السياسي نصاً أو سنداً دينياً يدافع به عن موقفه السياسي.
من المعلوم أن الشعوب العربية عندما قرَّرت الثورة والخروج على القذافي, وعلي عبد الله صالح, وحسني مبارك, وبن علي, وبشار الأسد, لم يك ذلك بسبب منع واحدٍ منهم إقامة الصلاة, ولكن كان لأسباب سياسية محضة متمثلة في إهدار الكرامة والظلم والحرمان وغياب تكافؤ الفرص والكبت والقمع والفساد.
ويدعو الدكتور حيدر المسلمين للتعايش مع الآخر والانفتاح عليه, ويقول: "يجب أن نتطور فكرياً وأن نستوعب ثقافة الآخرين، وما سادت الدولة الإسلامية إلا عندما انفتح العقل على ثقافة الآخر".
وهذا هو الدرس الذي يجب أن نستلهمهُ من التاريخ حتى نستطيع مُجاراة العصر وعلومه, حيث بلغت الحضارة الإسلاميَّة أوج تألقها في القرن الرابع الهجري, عهد الخليفة الرشيد, ومن بعده الخليفة (المعتزلي) المأمون الذي دعم الحركة العلميّة, وترجم الكتب في مختلف العلوم والفنون, وكان يُعطي وزن ما يُترجم ذهباً, مما أدَّى لتوافد العُلماء والمُترجمين من كل صوب, ورواج العلم والأدب والفنون والنقل والترجمة.
وبعد المأمون تولى الحُكم الخليفة المتوكل, الذي تبنى الفكر النقيض لتيار الاعتزال, وهو الفكر السلفي التقليدي – الذي يُسيطر رجالهُ على جبهة الدستور وهيئة علماء المسلمين – ومنذ ذلك الحين دخلت الحضارة الإسلاميِّة في حالة التيه والانحدار والسقوط وما زالت تحاول دون جدوى الخروج منها.


محمد جمرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-2012, 05:52 PM   #30
محمد جمرة
مُشرف المنتدى العام

الصورة الرمزية محمد جمرة



محمد جمرة is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد جمرة




موافقات متناقضة: بابكر فيصل وحيدر التوم والمعتزلة
أتابع باهتمام ما يكتبه قلم الأستاذ بابكر فيصل المكثر من تناول القضايا العامة برؤية محددة يتقاطع فيها غالبا مع التيارات الإسلامية سيما الإقصائية المتزمتة منها, وبرغم انطلاقه من وسطية الاتحاديين, إلا أنني أجده كثيرا ما يبعد النجعة تارة متطرفا يمينا وأخرى متطرفا يساراً ولا أدري إن كان التوسط يعني عند شباب الناشطين السياسيين الذين أعده واحدا منهم, لا أدري إن كان التوسط يعني عندهم تقليد النقيضين!! هذا في جزء وهذا في جزء آخر, وليس تبني موقفا وسطا في نفس هذه الجزئيات التي تشكل بجملتها ما يمكن وصفه بالتوسط والاعتدال في الاتجاه. هذا الشأن ليس حصرا على الأستاذ بابكر فيصل بل هو تيار كبير يدعي التفكير وإعلاء العقل والدعوة للديمقراطية والحرية العدالة وغيرها من القيم التي لا يخالف فيها من العقلاء أحد, ولكن يبقى شيطان التفاصيل الذي يفضح كل الدعاوي, كيف لا وهذا التيار الذي وصفت متفرق على اتجاهات سياسية عدة في بلادنا. أقول هذا ويدخل على الخط عامل آخر يزيد طين التعقيدات - عند الأستاذ بابكر فيصل – بلة, وهو تبنيه فكر المعتزلة باعتبارهم أهل العدل والتوحيد بزعمه!!!!
صفحة الرأي بصحيفة السوداني عدد الخميس 23 فبراير 2012م حفلت بمقال الأستاذ بابكر الذي يبدي فيه إعجابه بأفكار الدكتور حيدر التوم حتى قال عنه أنه ضل طريقه إلى هيئة علماء المسلمين! ولا أدري ماذا سيقول الدكتور ولكنه قطعا لم يضل الطريق إلى هذه الهيئة التي تحتكر علم المسلمين فيها كعادة الإسلاميين في احتكاراتهم التي يدمنونها.
أريد هنا أن أقف فقد على بعض النقاط التي أراها ضرورية من جملة توافقات أستاذ بابكر مع صاحبه, يقول: ويدعو الدكتور حيدر المسلمين للتعايش مع الآخر والانفتاح عليه, ويقول (( يجب أن نتطور فكريا وأن نستوعب ثقافة الآخرين وما سادت الدولة الإسلامية إلا عندما انفتح العقل على ثقافة الآخر)). وهذا هو الدرس الذي يجب أن نستلهمه من التاريخ حتى نستطيع مجاراة العصر وعلومه, حيث بلغت الحضارة الإسلامية أوج تألقها في القرن الرابع الهجري, عهد الخليفة الرشيد, ومن بعده الخليفة (المعتزلي) المأمون الذي دعم الحركة العلمية, وترجم الكتب في مختلف العلوم والفنون ... انتهى.
وما أعجب له حقاً هو الجهود الكبيرة التي يبذلها مشكورا الأستاذ بابكر في محاربة التكفير والتبديع والتفسيق والتجهيل الصادر من الإسلاميين بتشكلاتهم المختلفة - طالت لحاهم وثيابهم أم قصرت - ومع ذلك يثني على رجل كالمأمون في معرض تناول النموذج الذي يدعو له الكاتب أو يستأنس به. وبداية فالرشيد وابنه المأمون ليسا من أهل القرن الرابع الهجري وهو وهم من الأستاذ, والمأمون - المحتفى باعتزاله – ولي سنة 198ه ومات سنة 218ه وهو الذي كان يمتحن الناس بقهر السلطة حتى يقولوا بقوله!! يقول السيوطي في تاريخ الخلفاء: و في سنة اثنتي عشر أظهر المأمون القول بخلق القرآن مضافا إلى تفضيل علي على أبي بكر و عمر فاشمأزت النفوس منه و كاد البلد يفتتن و لم يلتئم له من ذلك ما أراد فكف عنه إلى سنة ثمان عشرة. ونلخص أنه في هذه السنة (218) كتب إلى نائبه في بغداد اسحق بن إبراهيم الخزاعي أن يمتحن أكابر الأمة ومنهم يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهما ومن يصر منهم – بزعمه - على شركه وكفره وجهالته فليمنعه من الفتوي أو فليضرب عنقه وليبعث برأسه إليه!!

محمد جمرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-2012, 06:11 PM   #31
محمد جمرة
مُشرف المنتدى العام

الصورة الرمزية محمد جمرة



محمد جمرة is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد جمرة





ولنستقص فقط ألفاظ التكفير والوعيد وأشباهها في رسالة واحدة فقط: فأما ما قال بشر فقد كذب لم يكن جرى بين أمير المؤمنين و بينه عهد أكثر من إخباره أمير المؤمنين من اعتقاده كلمة الإخلاص و القول بأن القرآن مخلوق فادع به إليك فإن تاب فأشهر أمره و إن أصر على شركة و دفع أن يكون القرآن مخلوقا بكفره و إلحاده فاضرب عنقه و ابعث إلينا برأسه وكذلك إبراهيم بن المهدي فامتحنه فإن أجاب و إلا فاضرب عنقه و أما علي بن أبي مقاتل فقل له : ألست القائل لأمير المؤمنين إنك تحلل و تحرم ؟ و أما الذيال فأعلمه أنه كان في الطعام الذي يسرقه من الأنبار ما يشغله و أما أحمد بن يزيد أبو العوام و قوله [ إنه لا يحسن الجواب في القرآن ] فأعمله أنه صبي في عقله لا في سنه جاهل يحسن الجواب إذا أدب ثم إن لم يفعل كان السيف من وراء ذلك و أما أحمد بن حنبل فأعلمه أن أمير المؤمنين قد عرف فحوى مقالته و استدل على جهله و أفنه بها و أما الفضل بن غانم فأعلمه أنه لم يخف على أمير المؤمنين ما كان فيه بمصر و ما اكتسب من الأموال في أقل من سنة يعني في ولاية القضاء و أما الزيادي فأعلمه أنه كان منتحلا ولاء أول دعي فأنكر أبو حسان أن يكون مولى لزياد ابن أبيه و إنما قيل له [ الزيادي ] لأمر من الأمور قال : و أما أبو نصر التمار فإن أمير المؤمنين شبه خساسة عقله بخساسة مدجره و أما ابن نوح و المعروف بأبي معمر و ابن حاتم فأعلمهم أنهم مشاغيل بأكل الربا عن الوقوف على التوحيد و إن أمير المؤمنين لو لم يستحل محاربتهم في الله إلا لإربائهم و ما نزل به كتاب الله في أمثالهم لا ستحل ذلك فكيف بهم و قد جمعوا مع الإرباء شركا و صاروا للنصارى شبها ؟ و أما ابن شجاع فأعلمه أنك صاحبه بالأمس و المستخرج منه ما استخرجته من المال الذي كان استحله من مال علي بن هشام و أما سعدويه الواسطي فقل له : قبح الله رجلا بلغ به التصنع للحديث و الحرص على الرئاسة فيه أن يتمنى وقت المحنة ! و أما المعروف بسجادة و إنكاره أن يكون سمع ممن كان يجالس العلماء القول بأن القرآن مخلوق فأعلمه أن في شغله بإعداد النوى و حكه لإصلاح سجادته و بالودائع التي دفعها إليه علي بن يحيى و غيره ما أذهله عن التوحيد و أما القواريري ففيما تكشف من أحواله و قبوله الرشا و المصانعات ما أبان عن مذهبه و سوء طريقته و سخافة عقله و دينه و أما يحيى العمري فإن كان من ولد عمر بن الخطاب فجوابه معروف و أما محمد بن الحسن بن علي بن عاصم فإنه لو كان مقتديا بمن مضى من سلفه لم ينتحل النحلة التي حكيت عنه و إنه بعد صبي محتاج إلى أن يعلم و قد كان أمير المؤمنين وجه إليك المعروف بأبي مسهر بعد أن نصه أمير المؤمنين عن محنته في القرآن فجمجم عنها و تلجلج فيها حتى دعا له أمير المؤمنين بالسيف فأقر ذميما فأنصصه عن إقراره فإن كان مقيما عليه فأشهر ذلك و أظهره و من لم يرجع عن شركه ممن سميت بعد بشر و ابن المهدي فاحملهم موثقين إلى عسكر أمير المؤمنين ليسألهم فإن لم يرجعوا فاحملهم على السيف. انتهى. هذا أخي العزيز في رسالة واحدة وهي قاصمة لكل مدح تراه في هذا الرجل وقاصمة لكل دعوى تدعيها الآن في محاربة التطرف الفكري وثمراته ولا إكراه أبشع من هذا الذي مارسه الخليفة المأمون لذلك لا يصح إطلاقا الدعوة للحرية وإعمال العقل والديمقراطية ونظائرها وتقديم المأمون كمثال نير للفكر الذي تتبناه.

محمد جمرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-2012, 06:21 PM   #32
محمد جمرة
مُشرف المنتدى العام

الصورة الرمزية محمد جمرة



محمد جمرة is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد جمرة





وقد أخرج من العجب إن قلت أن التوافق بين د. حيدر والأستاذ بابكر متوهم لدى الأخير, فمثلا الدكتور يتحدث عن الإجتهاد في النص والأستاذ يتحدث عن الاجتهاد خلافا للنص !! ومفهوم الدولة المدنية عند كلاهما مختلف أشد الاختلاف! وقد أخرج من العجب أيضا إذا قلت أن التوافق إنما كان لأنهما ينظران لموضوع واحد ( الحكم في الإسلام ) وبمنظار واحد مشوش لا يرى الأشياء كما هي !! فطبيعي أن تكون الصورة واحدة, والغريب أنهما يفكران وفقا لمناهج سبق وأن قدمت وباسم الدين نماذج حكم يصعب إحصاء فظائعها, وشواهدنا هي تجربة المأمون قديما والوهابية وطالبان وإسلاميي السودان حديثا, ومع هذا يتحدثان عن تجربة لم يفحصاها جيدا ليقدما نقداً منهجياً تفصيلياً, وأعني تجربة الخلافة الراشدة وهي فقط الفترة التي يصح محاكمة مسألة الحكم في الإسلام بها, ذلك لأنها الوحيدة التي طبقت منهج الإسلام في الحكم. ولم يكن للقادة حينها أي مرجعية تحكم تصرفاتهم السياسية إلا دينهم وهم جميعا في ذلك يدعون التأسي بصاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ومن خلفه حتى انتهت هذه الفترة المباركة إلى الملك العضوض ببداية دولة بني أمية. و إني لأعجب للأستاذ بابكر فيصل وهو يقول: ( نقول إنه لا يوجد شيء محدد اسمه " الحكم الإسلامي " لا من حيث أساليب اختيار الحاكم ولا من حيث شكل الحكم نفسه, فالقرآن لم يضع قاعدة لكيفية اختيار الحاكم, والرسول لم يعرض لهذه القضية من قريب أو بعيد وإلا لما وقع الخلاف حولها ولمّا يوار جثمانه الطاهر الثرى بعد. الشورى - من الناحية الإجرائية - لم تكن في يوم من الأيام وسيلة لاختيار الحاكم باسلوب محدد ومفصل ومتفق حوله. ومن ناحية النتائج كان هناك على الدوام اختلاف في أمرها – هل هي ملزمة للحاكم أم غير ملزمة. ) انتهى.
فأولاً الخلاف ليس في الاسم وجد أو لم يوجد فالخلاف في الحكم في الإسلام, ولما أنشأ المسلمون الأول بقيادة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم دولة لها رئيسها وجيشها وبيت مالها وسفراءها, دولة حاربت وسالمت وفقدت القادة في المركز والولايات وتمت خلافتهم وهي دولة تشمل – للعجب - الدولة العربية مجتمعة اليوم!! وكل هذا في زمان لم يكن في الكرة الأرضية غير منطق القوة, حتى أن قادة الدولة العظمى يتمتعون بعبادة رعاياهم لهم!! فهذا هو مثار الحوار لا الاسم, فهل يصح قول الأستاذ بعد هذا؟؟ هذا هو الحكم الإسلامي فقدموا نقدكم له, فليس يضر الحقائق عدم معرفة الناس لها أو إنكارها بعد المعرفة. وثانيا القرآن وضع قاعدة الشورى وتفاصيلها هي التطبيق العملي منذ حياة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده وفي هذا تفاصيل شكل الحكم وطرق اختيار الحاكم ولم يتبق للخصم إلا أن يقول أن الإسلام لم يذكر أسماء الحكام حتى قيام الساعة لذلك هو لا يقدم شيئا في هذا المضمار. وثالثا محاولة الاستدلال بما دار في سقيفة بني ساعدة قبل دفن الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لاثبات عدمية الحكم في الإسلام محاولة بائسة, وذلك لأننا إذا نظرنا لشكل الحوار الدائر حينها وغاية كل فريق ووسائله لتحقيق غايته ومآل القضية, نجد أن هذا أول تطبيق للشورى في مسألة اختيار الحاكم تحديداً, فالأنصار كانوا يريدون سيدهم سعداً والمهاجرون كانوا يريدون الصديق عليهم جميعا الرضوان وتم تبادل حجج حول من الأولى بالأمر وهذه الحجج مصدرا الدين ليس إلا. ورابعاً شكل الحكم دوما يحدده الدين فكل القرارات السياسية للحاكم لا بد له من مستند شرعي لها وانظر للصديق كيف حارب المرتدين مستندا على النص مخالفا حتى الفاروق عليهما الرضوان وانظر إليه كيف فعل في بعث أسامة بن زيد وبالجملة فانظر إلى هؤلاء الخلفاء فقد ناظرهم المخالفون في شتى الضروب فما كانوا يصدرون إلا عن نص أو قرار بعد شورى وهذا هو الشأن الذي عليه الاستدلال حتى منذ حياة صاحب الرسالة المؤيد بالوحي فقد كان يعمل بحاصل الشورى متى ما لم يرد نص ومسألتي منزل الجيش في بدر وخروج المسلمين من المدينة لملاقاة الكفار عند جبل أحد شاهدتين على ذلك, فعلى هذا فالشورى ملزمة, أما إذا وجد النص أو حصل العزم بعد المشورة فلم يتبق إلا التنفيذ وامتنع الرجوع تقديسا للنص ولمخرجات الشورى وتبيانا لإلزاميتها بأوضح الصور, فعند تراجع الصحابة عما أشاروا به من الخروج من المدينة إلى أحد تأدباً, قيل لهم قد وقع العزم فلا بد من الخروج. وخامساً القول بأن الشورى لم تكن وسيلة لاختيار الحاكم باسلوب محدد ومفصل ومتفق حوله, لا يعتبر إلا نقدا للأساليب المتعددة في اختيار الحاكم, وكأني بالمعترض يريد أسلوبا واحدا بأدقّ تفاصيله بشرط ألا يخالف فيه أي أحد من البشر, حتى يسلِّم بأن الشورى وسيلة لاختيار الحاكم!!


محمد جمرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-2012, 06:29 PM   #33
محمد جمرة
مُشرف المنتدى العام

الصورة الرمزية محمد جمرة



محمد جمرة is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد جمرة





يتحدث أستاذ بابكر عن المعلوم من الدين بالضرورة بتوجس كبير رافضا له ومترددا بين كونه مصطلحا أو قاعدة!! وكم عجبت مجددا من تطابق رده مع ردود خصومه السلفيين في محاججاتهم الهزيلة مع خصومهم من أهل السنة, فكل ما يعجزن عن رده يقولون عنه أنه لم يكن موجودا في زمن الرسول ولا في عهد الخلفاء الراشدين!! ومنشأ التوجس عندي حرص الأستاذ على سد ذرائع التكفير, حتى حسب أن مسألة إنكارالمعلوم بالضرورة هذه قد نجرت خصيصا لإرهاب من يحاول إعمال عقله!! والحق أن الأمر ليس كذلك فالمعلوم ضرورة هو الأمر الثابت الذي لا يقبل الجدال كقولنا أن الله واحد لا شريك له وأن سيدنا محمداً رسول الله وخاتم النبيين والصلوات المفروضة خمس في اليوم والليلة وهكذا. أما مسألة الاجتهاد مع النص فهي مما يتوافق فيها المتطرفون يمنة ويسرة مخالفة للوسط الذي يتمسك بقدسية النصوص الشرعية كونها الوعاء الحاوي للرسالة, وإلا فليكن دين الناس هواهم. أما ما يقدمه المنادون بالاجتهاد خلافا للنص بدعوى إعمال العقل فلا يصح دليلا يفي بالغرض وحسبنا من ذلك استدلال بابكر هنا بسهم المؤلفة قلوبهم, ومرة أخرى يعود للخطأ التاريخي بزعم أن هذه الحادثة قد حدثت في أو بعد ست سنوات من رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وهذا إن دل إنما يدل على بناء الأفكار – وإن كانت خطيرة - على معلومات غير محققة جيداً وإلا فما مبرر تكرار الخطأ؟ أما إذا علمنا أن سيدنا الفاروق قد فعل هذا الأمر في بداية خلافة سيدنا الصديق مما يعني أن نسبتها للصديق أصح باعتباره الحاكم على تصرفات الفاروق وهو الممضي والناسخ لها بحكم سلطته, فهذا يؤكد جهالة الكاتب بالمسألة, ومع هذا يبني عليها حكما - لا كأي حكم - بل بتجاوز أي نص لا يتماشى مع العقل الذي يراد إعماله ليكون مشرّعا ابتدائياً!! وهذا العقل كيف لا يوافق على أن كل حكم ثبت بعلة معينة فإنه ينتفي بانتفاءها؟ ولا يعقل أن يستمر تأليف هؤلاء الذين تم منعهم أبداً فمتى ما قوي الإيمان ورسخ في القلب يكون قد خرج من المؤلفة فلا يستحق التأليف والحق أن المنع كان لأناس بعينهم فلا يصح القول بمنع سهم المؤلفة بل الصحيح القول بمنع هؤلاء المؤلفة, ولكن إمعانا في العجلة على حصول الغرض ( الاجتهاد خلافا للنص ) بلا تدقيق, تم القفز إلى النتيجة قبل تحصيل مقدماتها المنطقية. أما متعتي الحج والنساء فقد نهى عنهما رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم والفاروق مستن بسنته لا مجتهد بخلافها, أما متعة النساء فقد جاء النهي عنها في السنة السابعة للهجرة في فتح خيبر أو عند فتح مكة على قول من قال أن ذلك كان مرتين وحتى ( المعتزلي ) المأمون قد رجع عن ذلك عندما روى له يحيى بن أكثم حديث سيدنا علي في ذلك!! أما متعة الحج فهو نهي تنزيه كما حكاه البيهقي في السنن بقوله افصلوا حجكم عن عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم. ويحمل هذا على علمه بالانتساخ ولهذا قال ابن سيرين هم الذين رووا الرخصة في المتعة وهم الذين نهوا عنها وليس في رأيهم ما يرغب عنه ولا في نصيحتهم ما يوجب التهمة, قاله السرخسي في أصوله. أما غنائم سواد العراق فلا تصلح إلا للاستدلال بالاجتهاد في فهم النص لا خلافا له, فعندما فتح الله على المسلمين ارض العراق وسوادها اختلف الفقهاء في الارض التي فتحت عنوة والذي انبنى على تحرير الكلام هل تقسم بين الغانمين اعتماداً على قوله تعالى في سورة الاتفال " وأعلموا ان ما غنمتم من شئ فإن لله خمسه" وان الارض المعنوة داخلة في آية الغنائم كون ما غنمتم من شيء وشئ نكره التي فتحت عنوة والذي انبنى على تحرير الكلام في سياق النفي فيعم كل ما يسمى شيئاً وبذلك تتعين قسمتها بين الغانمين. واعتمد الطرف الآخر على قوله تعالى في سورة الحشر "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم. الحشر 7 وقوله تعالى "والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" الحشر 10. وهؤلاء قالوا بأن الفيء شيء آخر غير الغنائم ولكل منهما حكمة الخاص وبذلك فالفيء حسب الآية (10) من الحشر هو لعامة من جاء بعد أهل الفتح فلا يقسم لهؤلاء ويترك من بعدهم. قاله د. محمد القاضي في دراسة متخصصة له. فالفاروق عليه الرضوان هنا لم يخالف بل استند على النص القرآني كما هو واضح صريح ليحاجج من خالفه من الصحابة في مسألة سواد العراق وقد وافقه عثمان وعلي في ذلك فكيف يؤتى بهذه المسألة للاستدلال بها على الجتهاد خلافا للنص؟ وهنا يجدر بنا الإشارة إلى سمة يتوافق فيها دوماً فريق اليسار واليمين وهو الاستدلال بما لا دليل فيه. فكم كفروا وبدعوا وجهلوا أقواما بهذا.
أخيرا ذكر الأستاذ في خاتمة مقاله: وبعد المامون تولي الحكم الخليفة المتوكل الذي تبنى الفكر النقيض لتيار الاعتزال. انتهى . وفي هذا خطأ تاريخي شنيع وتزيد بشاعته في حق الاستاذ باعتبار أنه قد حذف إمارة المعتصم والواثق ابني هارون وهما معتزليات أذاقا العباد أصناف التنكيل حيث حكما من سنة 218 حتى سنة 232 ه التي ولي فيها المتوكل!!!


محمد جمرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-2012, 09:59 PM   #34
محمد جمرة
مُشرف المنتدى العام

الصورة الرمزية محمد جمرة



محمد جمرة is on a distinguished road

افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق بابكر فيصل ....


أنا : محمد جمرة




http://www.sudaneseonline.com/cgi-bi...=1330553055&rn

محمد جمرة غير متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة محمد جمرة ; 03-07-2012 الساعة 04:34 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
كاتب الموضوع محمد عبده مشاركات 33 المشاهدات 15077  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
::×:: هذا المُنتدى لا يمثل الموقع الرسمي للطريقة الختمية بل هُو تجمُّع فكري وثقافي لشباب الختمية::×::

تصميم: صبري طه