القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة
مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري
|
المنتدى العام لقاء الأحبة في الله لمناقشة جميع المواضيع |
![]() |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#1 | |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() النسخة الأصلية تاريخ الاحتفال بمولد النبى صلى الله عليه وسلم ومظاهره حول العالم "من لم يفرح بمحمد لم ير فرحًا أبدًا" محمد خالد ثابت المقطم بيانات الناشر ] بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام خاتم رسل الله إهداء إلى "محمد" أول حفيد لى الذى وُلد مع مولد هذا الكتاب عن الفرح بمولد سيدنا محمد. اللهم أفض عليه من نور سيدنا محمد.. وافنه عن نفسه فى حب سيدنا محمد.. والزمه طريق سيدنا محمد حتى تجمعه فى الآخرة بسيدنا محمد آمين ] سيدنا محمد الذى يحتفل الكون بمولده صلى الله عليه وسلم الإنسان الكامل الذى كمله الله ظاهرًا وباطنًا. أجمل الناس خَلْقا، وأكملهم خُلُقا. كان يوسف عليه السلام يُضرب به المثل فى الجمال.. أُعطى شطر الجمال.. أما محمد فقد أُعطى الجمال كله، وزاده الله عليه كسوة الهيبة والجلال. هل رأيتم - قط - رجلا عرقه أطيب من ريح المسك.. وصفه من رأوه فقالوا: كان صلى الله عليه وسلم كأنما صيغ من فضة، وكان عرقه لؤلؤا. إذا بَدا بياض وجهه فى سواد شعره تراءى كأنه ضوء السِّراج المتوقِّد يتلألأ.. كأن الشمس تجرى فى وجهه من نوره وبهاه.. وإذا تبسّم تفجر النور من بين ثناياه.. كل من رآه قال: لم أر قبله ولا بعده مثله. هل رأيتم رجلا: لم يكذب فى حياته قط. لم يغدر قط. لم يبخل قط. ولم يكنز مالا قط. ولم يُسئل شيئا فيمنعه قط. رجلا لم يجهل فى حياته قط . لم يغتب أحدًا قط. لم يغضب لنفسه قط. ولا انتقم لنفسه قط. ولم يظلم فى حياته قط. ولم يتكبر على ضعيف قط. ولم يضرب بيده عبدا ولا أمة ولا صغيرًا قط. أشد الناس تواضعا وأزهدهم فى الدنيا.. أعدل الناس، وأحكم الناس وأرحم الناس بالناس، حتى طالت رحمته سائر مخلوقات الله من حيوان وطير وشجر وحجر.. يمزح ولا يقول إلا حقًا.. أتته عجوز فقالت: أدع الله أن يدخلنى الجنة، فقال لها: يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز. فولت تبكى، فدعاها إليه – صلى الله عليه وسلم – وقال لها: إنها فى الجنة تكون فى سن ثلاثة وثلاثين سنة، فسرت العجوز وانصرفت وهى تضحك. |
|
![]() |
التعديل الأخير تم بواسطة حسن الخليفه احمد ; 01-30-2013 الساعة 07:59 PM.
![]() |
![]() |
#2 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() أعطاه الله الكمال فى كل شئ.. ما من خُلق محمود إلا وكماله المطلق فى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وما من خلق مذموم إلا وقد طهّره الله منه تطهيرا. كان خلقه القرآن.. كان قرآنا يمشى على الأرض. جاء والناس لا يعرفون دينا ولا ربا، فدلهم على الله، وتركهم على أوضح طريق. جاء والناس فوضى، والقوى يأكل الضعيف، فأقام العدل والميزان.. فى ثلاثة وعشرين سنة فقط جلب إلى الدنيا الأمن والسلام والعدل والبر والمرحمة، ولا يزال – وإلى قيام الساعة – هو الشخصية التى غيرت وجه التاريخ. جاء هاديا ومعلما.. ليعلم البشرية كلها كيف تحيا، وكيف تسعد.. جاء ليعلم الناس كيف يتقربون إلى ربهم، وكيف يعمرون دنياهم وآخرتهم. جاء ليعلم الحكام كيف يحكمون. ويعلم رجال الحرب كيف يحاربون. ليعلم أهل الأموال كيف يصنعون فى أموالهم. ويعلم الفقراء كيف يتعففون. ليعلم الأقوياء كيف يتواضعون للضعفاء. ويعلم الضعفاء كيف يلوذون بالله ويستقوون به. جاء ليعلم الكبير كيف يرحم الصغير. ويعلم الصغير كيف يوقر الكبير. ليعلم الزوج كيف يكون خيِّرا لأهله. ويعلم الزوجة كيف تصون بيتها وتحفظ أمانة زوجها. جاء ليعلم الآباء كيف يربون أبناءهم. ويعلم الأبناء كيف يبّرون آباءهم. جاء الحبيب صلى الله عليه وسلم ليعلم الحب والبر والرحمة للناس، جميع الناس، فى عالم خلا قبل مجيئه من الحب والبر والرحمة.. * * * هذا الرجل الذى أعطاه الله مالم يعط أحدا قبله ولا بعده.. ولو شاء لصارت الجبال له ذهبا.. هذا الرجل الكبير، المتناهى فى العظمة والسمو.. "كان فراشه من أدم حشوه ليف". كان يربط على بطنه الحجر والحجرين من شدة الجوع، وكان يظل اليوم يلتوى، ما يجد من الدقل (أى رديىء التمر) ما يملأ به بطنه . هذا الذى دانت له الدنيا، وأتته الأموال تحت قدميه، فكان يعطى منها عطاءً تتقاصر أمامه عطاءات الملوك، حتى قالت الأعراب: يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة . هذا الذى حيزت له الدنيا، عاش ولم ينل من الدنيا شيئا، ومات ودرعه مرهونة عند يهودى مقابل ثلاثين صاعًا من شعير. * * * الذين أرادوا أن يتكلموا عن كمالاته كتبوا المجلدات، وانقضت أعمارهم وأعمار من بعدهم.. ولم يحيطوا منها إلا بالقليل ما وصفوا إلا قطرة واحدة من مياه بحره الفياض. فهل رأيتم قط شبيهًا لمحمد؟ هل وقع فى وهمكم قط أن يكون فى عالم الناس مثله؟ أى رجل هذا؟ إنه بشر مثلى ومثلكم.. ولكنه بشر لا كالبشر.. إنه ياقوت بين الحجر. إنه أحمد الذى بشر به عيسى والنبيون. إنه محمد الذى اصطفاه ربه وأثنى عليه الثناء الجليل. إنه "الأمى" الذى علم البشرية وأدبها وهذبها. إنه النور الذى أضاء الظلمات. إنه الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والمنحة الكبرى من رب العالمين. إنه "طه" "يس". إنه "الرؤوف الرحيم". إنه الحبيب المحبوب. إنه النبى الخاتم الذى انتظرت الدنيا مولده على شوق.. وأعيد ترتيب الكون لقدومه. لم تعرف الدنيا يوما أهم.. ولا أجل.. ولا أعظم.. ولا أنور.. ولا أبهج.. ولا أسعد.. من يوم وُلد فيه محمد .. صلى الله عليه وسلم. محمد خالد ثابت [IMG]file:///C:\DOCUME~1\STATIO~1\LOCALS~1\Temp\msohtmlclip1\01 \clip_image001.gif[/IMG] u محمد الذى يحتفل الكون بمولده -صلى الله عليه وسلم-................................................. 7 الفهرس .................................................. .......................................... 13 تراجم العلماء حسب ترتيب ظهورهم فى الكتاب .................................................. ... 17 هذا الكتاب .................................................. ...................................... 19 تمهيد: الاحتفال بميلاد النبى r من أعمال المؤمنين .................................................. . 21 الكتاب الاول: أول من احتفل بالمولد النبوى الشريف ............................ 25 · الشيخ عمر الملاء .................................................. ..... 28 - صلاح الدين الأيوبى والاحتفال بالمولد النبوى الشريف .................................... 33 · الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى ......................................... 34 الكتاب الثانى: تاريخ الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى مصر عبر القرون ... 39 -فى عصر الظاهر برقوق (جائحة التتار) .................................................. ...... 41 -فى عصر الظاهر سيف الدين جقمق .................................................. ...... 44 -فى عصر الأشرف قايتباى (السرادق الأشر فى العجيب | الليلة الكبيرة) .............................. 45 - فى عصر السلطان الغورى .................................................. ............... 50 - بيت السادة البكرية .................................................. ...................... 52 - الاحتفال بميلاد النيى أيام مراد بيك .................................................. ..... 53 - المولد النبوى أيام الحملة الفرنسية .................................................. ........ 54 - مستشرق إنجليزى يصف الاحتفال سنة 1834 (مولد الشيخ العشماوى | مجلس الذكر) ......... 55 - فى عصر الملك فاروق الأول (سماع قصة المولد | مرسوم الحكومة بشأن الاحتفال بالمولد النبوى | الاحتفال بالمولد فى الأقاليم المصرية) .................................................. ............. 61 الكتاب الثالث: مظاهر الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى أنحاء العالم ........ 69 - الدولة العثمانية العلية .................................................. ................... 71 - هانس أندرسون يصف الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى اسطنبول ....................... 72 - تركيا الحديثة (مساجد تركيا عامرة فى ذكرى المولد النبوى الشريف | سليمان جلبى | ديار بكر) ............ 78 · سليمان جلبى .................................................. ......... 83 - الشيشان (الاحتفال بالمولد سنة 2009 م) .................................................. ..... 86 - دولة الإمارات العربية المتحدة .................................................. ........... 88 - باكستان (الشيخ أبو الفضل عبد الرحيم السكندرى | الإمام محمد قاسم المشورى | الإحتفال الكبير فى كراتشى | شيخ الإسلام محمد طاهر القادرى) .................................................. ............ 90 · الشيخ أبو الفضل عبد الرحيم السكندرى ............................... 92 · الإمام محمد قاسم المشورى .............................................. 94 · شيخ الإسلام محمد طاهر القادرى ..................................... 100 - السودان (احتفالات الخلاوى | أم درمان تحتفل) ................................................ 104 · عبد المحمود نور الدائم ............................................... 108 - اليمن (حضر موت) .................................................. ..................... 113 · على بن محمد الحبشى .................................................. 117 · جعفر بن حسن البرزنجى ............................................. 120 - تونس (الاحتفال فى عهد الباى أحمد المشير | المولد النبوى فى تونس الآن | القيروان قطب الاحتفالات) .... 122 - المغرب (الجذور التاريخية لاحتفال المغاربة | إحتفال أحمد المنصور الذهبى | موكب الشموع التاريخى) ...... 134 · سيدى عبد الله بن حسون ............................................... 145 - فلسطين (يوسف بن إسماعيل النبهانى | الاحتفال بذكرى المولد قبل النكبة | احتفال بالمسجد الأقصى | خطبة جمعة بمناسبة الذكرى الكريمة) .................................................. ......... 148 · يوسف بن إسماعيل النبهانى ............................................. 149 - الأردن .................................................. ............................... 159 - ليبيا (الحضرة | الاحتفال فى بنغازى | قناديل المولد) .............................................. 160 - الجزائر (السلطان أبو حمو موسى وحفاوته بالمولد النبوى | إحتفال الطرق الصوفية | الاحتفالات الشعبية) ... 169 - سلطنة عمان .................................................. ........................... 174 - المملكة العربية السعودية (السيد محمد علوى المالكى | احتفال سعودى بالمولد على الانترنت) .......... 175 · السيد محمد علوى المالكى ............................................... 176 - سوريا (جوانب من احتفالات دمشق) .................................................. ...... 183 - العراق .................................................. ............................... 186 - لبنان (طرابلس الفيحاء) .................................................. ................. 188 · أبو المحاسن القاوقجى .................................................. 194 · حسين الجسر .................................................. .......... 196 - ماليزيا .................................................. ............................... 198 - أثيوبيا .................................................. ................................ 199 · عبد الله الهررى الحبشى ................................................. 200 - دول البلقان .................................................. ........................... 203 - روسيا .................................................. ................................ 204 - نيجيريا .................................................. ............................... 205 - مالى .................................................. .................................. 208 · أبو القاسم التواتى .................................................. .... 208 - تركستان الشرقية .................................................. ...................... 209 - كينيا (إلى ممباسا | جزيرة لامو) .................................................. ............ 214 - أسبانيا .................................................. ................................ 220 - أوكرانيا .................................................. .............................. 221 - هولندا .................................................. ................................ 222 - الصين .................................................. ............................... 224 - الهند (حفاوة مسلمى الهند بميلاد النبى صلى الله عليه وسلم | احتفلات حيدر آباد | احتفالات كشمير) .... 225 · أحمد رضا خان البريلوى القادرى ........................................ 225 - بريطانيا .................................................. ............................... 240 - كندا .................................................. .................................. 242 - السويد .................................................. ............................... 243 - فرنسا .................................................. ................................ 244 - الدنمارك .................................................. .............................. 246 - مصر (احتفالات بالجامع الأزهر | زفة المولد النبوى الشريف | احتفال الطرق الصوفية بالمولد الشريف | احتفالات أسوان الشعبية) .................................................. .................. 248 · عبد العظيم العطوانى .................................................. . 251 · الشيخ محمود خطاب السبكى ........................................... 260 · خالد محمد خالد .................................................. ...... 263 - ألمانيا .................................................. .................................. 266 - بلجيكا .................................................. ............................... 268 - سويسرا .................................................. .............................. 269 - بلغاريا .................................................. ................................ 269 - إيطاليا .................................................. ................................ 270 - أيرلنده .................................................. ................................ 271 - استراليا .................................................. ............................... 271 - اليونان .................................................. ................................ 273 - السنغال .................................................. .............................. 273 - أندونيسيا .................................................. ............................. 274 - الولايات المتحدة الأمريكية .................................................. ........... 278 · دانيال عبد الحى مور .................................................. .. 280 · عبد القادر الصوفى (أيان دالاس) ........................................ 283 · الشيخ محمد بن الحبيب الدرقاوى ....................................... 285 · الشيخ محمد الفيتورى حمود .............................................. 289 · محمد رحيم باوا محى الدين .............................................. 293 ختام .................................................. ........................................... 303 مراجع .................................................. ........................................ 305 تعريف بالمؤلف .................................................. ............................. 309 كتب المؤلف .................................................. ................................. 315 نص الرسالة .................................................. ................................. 316 [IMG]file:///C:\DOCUME~1\STATIO~1\LOCALS~1\Temp\msohtmlclip1\01 \clip_image002.gif[/IMG] تراجم العلماء حسب ترتيب ظهورهم فى الكتاب · الشيخ عمر الملاء .................................................. ............................... 28 · الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى .................................................. ....... 34 · سليمان جلبى .................................................. .................................... 83 · الشيخ أبو الفضل عبد الرحيم السكندرى .................................... 92 · الإمام محمد قاسم المشورى السندى ............................................... 94 · شيخ الإسلام محمد طاهر القادرى ................................................. 100 · عبد المحمود نور الدايم .................................................. ........................ 108 · على بن محمد الحبشى .................................................. ................... 117 · جعفر بن حسن البرزنجى .................................................. ................. 120 · سيدى عبد الله بن حسون .................................................. ............. 145 · يوسف النبهانى .................................................. ............................... 149 · السيد محمد علوى المالكى .................................................. ........... 176 · أبو المحاسن القاوقجى .................................................. ...................... 194 · حسين الجسر .................................................. ................................... 196 · الشيخ عبد الله الهررى الحبشى .................................................. ... 200 · أبو القاسم التواتى .................................................. ......................... 208 · الإمام أحمد رضا خان البريلوى .................................................. ...... 225 · الشيخ عبد العظيم العطوانى .................................................. ..... 251 · الإمام محمود خطاب السبكى .................................................. ...... 260 · خالد محمد خالد .................................................. ............................ 263 · دانيال عبد الحى مور .................................................. ......................... 280 · عبد القادر الصوفى .................................................. ......................... 283 · الشيخ محمد بن الحبيب الدرقاوى .................................................. 285 · الشيخ محمد الفيتورى حموده .................................................. ..... 289 · محمد رحيم باوا محيى الدين .................................................. ........ 293 [IMG]file:///C:\DOCUME~1\STATIO~1\LOCALS~1\Temp\msohtmlclip1\01 \clip_image003.gif[/IMG] هذا الكتاب بمولده تفجرت ينابيع الرحمة فى الكون. âtPöquø9$#àMù=yJø.r&öNä3s9öNä3oYÏàMôJoÿøCr&uröNä3øn=tæÓÉLyJ÷èÏRàMÅÊuurãNä3s9zN»n=óM}$#$YYÏá لذلك كان الاحتفال بمولده ^ احتفال بنعمة الله، وفرح باعتنائه-سبحانه وتعالى- بنا هذه العناية الفائقة. ولا يحتفل بالنعمة إلا من عرف قدرها وتمنى دوامها وزيادتها. أما الجاهل فيستوى عنده وجودها مع عدمه، لايبالى إن قابل النعمة بالجحود أو المنعم بالعبوس. قال رسول الله ^: "من رآنى فى المنام فقد رآنى حقا، فإن الشيطان لايتمثل بى"([1]). وقد رآه الرجل الصالح الشيخ أبو موسى الزرهونى فى الرؤيا، فذكر له ما ينكره البعض من أمر الاحتفال بمولده.. فقال لهr: "من فرح بنا فرحنا به"([2]). فى هذا الكتاب تجد الأفراح.. أفراح الأمة بنبيِّها، وبمولده الذى لولاه لما كان هناك إسلام ولا شىء. ذاك الذى لولاه ما كان امرؤ كلا ولا شىء من الأكوان([3]) لقد وجدت فى عمل هذا الكتاب من المتع ما لم أجد فى غيره، وفُتحت لى - بسببه - آفاق ، ما عاينتها من قبل، وظلّت رقعة الكتاب تتسع، فبعد أن كانت النية أن أذكر نماذج -فقط - من الاحتفالات فى عشر دول أو نحوها، إذا بعددها يزيد حتى وصل إلى ما يقرب من خمسين، لم أتعمد أن أرتبها بترتيب معين، سوى ترتيب كتابتها. وقد قسمت الكتاب - بعد المقدمات - إلى ثلاثة أقسام: الكتاب الأول: أول من احتفل بمولد النبى ^. الكتاب الثانى: تاريخ الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى مصر عبر القرون. الكتاب الثالث: مظاهر الاحتفال بالمولد النبوى الشريف حول العالم. ورصعت صفحاته بخمسة وعشرين ترجمة لرجال وقفوا حياتهم على إزكاء محبة الله والنبى فى الأمة فى كل أزمانها، وكان لهم مع الاحتفال بمولد النبى شأن كبير. أسأل الله الودود الكريم أن يهب لكل ناظر فى هذا الكتاب من الفرحة مثل ما وهبنى أو يزيد.. وصل اللهم على مبعث السرور سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين محمد خالد ثابت [IMG]file:///C:\DOCUME~1\STATIO~1\LOCALS~1\Temp\msohtmlclip1\01 \clip_image004.gif[/IMG]تمهيد الاحتفال بمولد النبى صلى الله عليه وسلم من أعمال المؤمنين لايفرح بمولد النبى r إلا مؤمن! هذه الفرحة بمولد الحبيب r تحولت بين أيدى المؤمنين إلى مظاهر شتى جعلت من أيام شهر النور، شهر المولد الشريف أيام أفراح ومودة وإحسان. فترى المحب يعد عدته قبل حلول الشهر بزمان، فإذا ما أهلّت أنواره احتشد له بأعظم ما يقدر عليه لإظهار الشكر والسرور، كلٌّ على قدر حاله وطاقته! هذا رجل من الصالحين، لم يملك من أسباب الاحتفال شيئا، لكنه أراد أن يحتفل قدر استطاعته، ولو بأقل شىء، فدلّى مصباحًا كهربائيًا من نافذة بيته إلى الطريق، يضيئه بعد المغرب ويبقى مضاءً إلى الصباح، كل يوم من أيام الشهر السعيد. وتحكى أمى – رحمها الله – عن جدها.. الذى كان يعد العدة للاحتفال بالمولد قبل إشراقه على الدنيا بشهور عديدة. لم يكن من الأثرياء، ولكنه كان مستور الحال، وكان بيته يمتلئ بركة بسبب أعمال البر ومجالس الذكر وضيافة الضيفان.. كان يعد ما يقدر عليه من الذبائح والأموال، فإذا أقبل المولد دار بها المنادى فى أنحاء القرية طولاً وعرضًا وهو ينادى: الجوعان يذهب إلى دار الشيخ مصطفى.. العريان يذهب إلى دار الشيخ مصطفى.. المحتاج يذهب إلى دار الشيخ مصطفى، وأطفال القرية يهرولون خلفها مهللين فرحين: مِن دَه بُكره بقرشين.. لم تكن دار الشيخ مصطفى قصرًا مشيدًا، تحيط به الحدائق الغناء والنوافير وحمامات السباحة.. وإنما كان مبنيًا من الطين كسائر بيوت القرية، لأن صاحبها كان كلما توفر بين يديه قدر من المال آثر أن يضعه مباشرة فى يد الله، تجارة رابحة مضمونة، بدلاً من أن يضعه فى التراب. وبالليل تسبح الساحة التى أمام دار الشيخ مصطفى فى أضواء المصابيح، وتقام حلقات الذكر وسط إنشاد المنشدين ومدائح المداحين، وتبسط الأسمطة ويأكل الجميع، الغنى والفقير جنبًا إلى جنب، وتعم الفرحة، وترى آثار البركة، يفرح الفقير بما وسع الله عليه، ويدعو للمنفق صادقًا من قلبه.ويفرح المنفق بما وفقه الله إليه من أنواع القربات، ويدعو الله أن يوفقه للمزيد، وألا يحرمه من بذل الخير ما امتدت به حياة.. لم يكن هذا شأن الشيخ مصطفى وحده، ولا شأن أهل قريته "ناى" بالقليوبية وحدهم، وإنما كانت كثير من القرى والنواحى على مثل هذه الحالة.. فما الذى حدث اليوم حتى أقفرت بلادنا إلا القليل منها من مثل هذه الصور الجميلة التى أبدعتها يد الجود والإيثار التى كانت بين الناس ظاهرة. هل السبب فى ذلك زيادة حب الدنيا فى القلوب، التى هى مجلبة للشح والأثرة؟ إن القلب إذا أصيب بحب الدنيا حسّن لصاحبه الإنفاق الباذخ فى التراب، وبغض إليه أى نفقة توجّه للآخرة التى هى خير وأبقى. أم أن السبب يكمن فى وجود أناس يحاربون الاحتفال بمولد سيد الكائنات، ويخوفون الناس من بذل البر والإحسان فيه، إما لأنهم وهابية مسلّطون على هدم الدين لبنة لبنة، أو علما نيون يكرهون أى مظهر من مظاهر التمسك بالدين، ويؤثرون الاحتفالات الغربية على احتفالات أهل الإسلام. ربما يكون السببان معًا قد تعاونا وتآزرا على محاولة وأد هذا الخير ودفنه فى التراب. ولكن مما لا شك فيه أن السبب الأقوى هو تضخّم حُب الدنيا فى القلوب الذى حذر منه نبينا r أشد التحذير. على أية حال، لقد أخبر النبى r أن الإيمان يزيد وينقص. إذا قل الإيمان عظمت الدنيا فى القلب، وأصبح القلب كالبيت الخرب مُفتَّح الأبواب والنوافذ، لا يمتنع من اللصوص وقطاع الطريق والمخربين فى الدين يعيثون فيه فسادًا.. وإذا زاد الإيمان وجدت كل ما يسرّك وينشرح له صدرك.. وفيما يلى بعض تلك الصور التى تفرح قلوب المؤمنين، أينما كان المسلمون أقوى إيمانا، وأعمر قلوبًا بحب الله ورسوله. () الكتاب الأول أول من احتفل بمولد النبى صلى الله عليه وسلم احتفل الفاطميون بمولد النبى r خلال فترة حكمهم بمصر التى امتدت من سنة 362ه إلى سنة 567ه، ولكن المؤرخون إذا ذكروا أول من احتفل بهذه المناسبة الشريفة قالوا إنه الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى ملك إربل فى زمن السلطان صلاح الدين الأيوبى.. ربما كان ذلك لعدم وجود وجه للمقارنة بين احتفالاته العظيمة التى أطنب المؤرخون فى وصفها وبين احتفالات الفاطميين الهزيلة لأن اهتمامهم الأكبر كان بالمناسبات الشيعية وذكرى مولد الخليفة الفاطمى وعيد جلوسه على العرش وهكذا. وهذا أمر طبيعى لأن مصر فى الحقبة الفاطمية خلت أو كادت تخلو من العلماء العاملين والأولياء الصالحين – إلا من كان متخفيا – بسبب معاداة أهل السنة واضطهاد علمائهم، ومحاولة فرض العقيدة الشيعية على أهل البلاد بالقوة. وإن الاحتفال بمولد النبى r لا يقوم به بحق إلا أهل الولاية من العلماء.. وأعمال المولد هى نفسها من علوم الأولياء وعاداتهم. لذلك كان من الخطأ البيِّن ربط الاحتفال بمولد النبى الهادى r بالفاطميين. وصف الدكتور عبد المنعم سلطان فى كتابه عن الحياة الاجتماعية فى العصر الفاطمى الاحتفالات آنذاك فقال: "اقتصر احتفال المولد النبوى فى الدولة العبيدية (الفاطمية) بعمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أما الاحتفال الرسمى فكان يتمثل فى موكب قاضى القضاة حيث تُحمل صوانى الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة حيث تلقى الخطب، ثم يُدعى للخليفة، ويرجع الجميع إلى دورهم. أما الاحتفالات التى كانت تلقى معظم الاهتمام فكان للأعياد الشيعية"([4]). * * * لكن سبقه إلى الاحتفال بمولد النبىr– فى العراق أيضا، فى الموصل – ولى الله الكبير الشيخ عمر الملاء، حبيب نور الدين محمود زنكى صفوة الملوك الأتقياء، وقدوة الأولياء ومنار المجاهدين العاملين لله. فمن هو عمر الملاء وما خبره؟ الشيخ عمر الملاء (توفى حول سنة 570ه) إذا ذُكر نور الدين محمود ذُكر العدل والصدق والزهد والورع ومكارم الأخلاق، وذكرت البطولة والشجاعة.. وذكرت صفات حميدة كثيرة قل أن تجتمع فى رجل واحد. كان كعمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين، إذا قابله العُبّاد والزهاد استصغروا أنفسهم أمامه.. وصفه ابن العماد الحنبلى بقوله: "قل أن يوجد فى الصلحاء مثله"([5]). ووصفه أبو شامة فقال: "أزهد العباد، وأعبد الزهاد، وهو من الأولياء الأبرار والأتقياء الأخيار.. وقد طهره الله من العيب، وأطلعه على سر الغيب، ونزههه من الريب.. وهو من أولياء الله الملهمين وعباده المحدّثين المكرمين"([6]). وقال عنه ابن الأثير: "قد طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وفيه إلى يومنا هذا، فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز ملكًا أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين، ولا أكثر تحريًا للعدل والإنصاف منه،قدقصرليلهونهارهعلىعدل ينشره، وجهاد يتجهز له، ومظلمة يزيلها، وعبادة يقوم بها، وإحسان يوليه، وإنعام يسديه..." ([7]) . وأطنب اليافعى فى وصف مآثره إلى أن قال: "وله من المناقب والمآثر والمفاخر ما يستغرق الوصف، وكان فى الأولياء معدودًا من الأربعين([8])". كان نور الدين – مع قيامه بواجبات الجهاد وشئون الدولة كأعظم ما يكون – يلازم الصالحين ويدنيهم ويبحث عنهم ويذهب إليهم، وينفق الأموال الطائلة فى بناء الرباطات وخانقاوات الصوفية والمدارس والمساجد التى أقام عليها الصالحين حتى أن ابن جبير – فى رحلته المشهورة – وصف خانقاوات الصوفية فى الشام ودمشق فقال: "وهذه الطائفة الصوفية هم الملوك بهذه البلاد، لأنهم قد كفاهم الله مؤن الدنيا وفضولها، وفرّغ خواطرهم لعبادته.. وهم على طريقة شريفة وسنة فى المعاشرة عجيبة، وسيرتهم فى التزام رُتب الخدمة غريبة، وعوائدهم من الاجتماع للسماع المشوّق جميلة.. وبالجملة فأحوالهم كلها بديعة..". "ومن أعظم ما شاهدناه لهم موضع يعرف بالقصر،وهوصرحعظيممستقلفىالهواء، فى أعلاه مساكن لم يُر أجمل إشرافا منها، وهو من البلد بنصف الميل، له بستان عظيم يتصل به، وكانمتنزهالأحدالملوكالأتراك.."ثميذكرإعطاءنورالدينهذاالقصرالفارهللصوفيةفيقول: "..ووقفه برسم الصوفية مؤبدًا لهم. فطال العجب من السماحة بمثله، وبقى أثر الفضل فيه مخلدًا لنور الدين رحمه الله"([9]). ولما أُهديت إليه – رضى الله عنه – عمامة مذهبة من مصر وهبها لشيخ الصوفية أبى الفتح بن حمويه([10]). كان يعرف قدر الصالحين، ويقبل عليهم بكليته، ويؤمن – وهو الذى بذل حياته كلها للجهاد – أنه إنما ينصر بدعاء الصالحين. وصف أبو شامه إقباله على أهل الله ورجاله بقوله: "وبنى الربط والخانقاهات فى جميع البلاد للصوفية، ووقف عليها الوقوف الكثيرة، وأدرّ عليهم الإدرارات الصالحة، وكان يحضر مشايخهم عنده ويقربهم ويدنيهم ويباسطهم ويتواضع لهم، فإذا أقبل أحدهم إليه يقوم له مُذ تقع عينه عليه، ويعتنقه ويجلسه معه على سجادته ويقبل عليه بحديثه، وكذلك كان أيضا يفعل بالعلماء.. وبالجملة كان أهل الدين عنده فى أعلى محل وأعظمه، وكان أمراؤه يحسدونهم على ذلك.."([11]). كان من الطبيعى – إذن – أن يجذب نور الدين إليه الصالحين، وأن ينجذب الصالحون إليه، فاجتمع فى مملكته عدد كبير منهم، وكان أقربهم إلى قلبه الشيخ عمر الملاء الذى نسعى للتعرف عليه. هذه المقدمة الطويلة كانت إذن لبيان قدر الرجل الذى لم يحرص على الشهرة ولا شىء من الدنيا وقلّت أخباره عند كتاب التاريخ. عُرف الشيخ عمر بالملاء لأنه كان يملأ تنانير الآجر (الطوب)، ويأخذ على ذلك أجرة يتقوت بها، ولم يكن يملك من الدنيا شيئا سوى القميص والعمامة اللتين عليه.. ترجم له أحمد بن الخياط الموصلى فى كتابه "ترجمة الأولياء فى الموصل الحدباء" ترجمة مختصرة فى صفحة وربع تقريبا قال فيها إنه كان عالمًا عاملاً زاهدًا، وكان الملك الصالح نور الدين يعتقد فيه اعتقادا عظيما، ويصغى لوعظه ويمتثل أوامره، وكان يكاتبه من حلب، ويستشيره فى أموره العظام ومهماته الجسام.. وكان الملوك الأتابكية ورؤساء دولتهم يعتقدون فيه ويصيخون بأسماعهم إلى قوارع وعظه وزواجر ملامه وتعنيفه، ويصبرون على ما يسمعون منه، وجميع أهل الموصل كانوا يحبونه ويعظمونه. وكان من الزهد والعلم والورع على جانب عظيم، وكان السلطان نور الدين ينفذ فى كل سنة فى شهر رمضان يطلب منه شيئا (من طعامه لأنه حلال صرف) يفطر عليه، فكان يُنفذ إليه أكياسًا مملوءة من خبز الكعك والرقاق وغير ذلك، فكان (نور الدين) يفطر عليه. ولما صارت الموصل لنور الدين أمر شحنته عليها (أى صاحب الشرطة) ألا يعمل شيئا إلا بالشرع إذا أمره القاضى به، وأن لا يعمل القاضى والنواب كلهم شيئا إلا بأمر الشيخ عمر([12]). ثم يحكى هذه القصة التى تناقلتها كتب التاريخ والتى تقول: جاء أكابر الدولة وقالوا (للأمير): قد كثر الدعار وأرباب الفساد، ولا يزجرهم عن شرهم إلا القتل والصلب، فلو كتبت إلى السلطان (نور الدين) وقلت له فى ذلك، فقال لهم: أنا لا أكتب إليه فى هذا المعنى ولا أجسر على ذلك، فقولوا للشيخ عمر الملاء يكتب له ما ذكرتموه، فحضروا عنده وذكروا له ذلك، فكتب إليه يقول: إن الدعار وقطاع الطريق قد كثروا ونحتاج إلى نوع سياسة، فمثل هذا لا يكون إلا بنوع قتل وضرب وصلب، وإذا أخذ مال إنسان فى البرية فمن أين يوجد له شهود على الغصب. فلما وصل كتابه إلى نور الدين قلَبَه وكتب على ظهره: إن الله خلق الخلق وهو أعلم بمصلحتهم، وشرع لهم شريعة، وهو أعلم بما يصلحهم، وإن مصلحتهم فيما شرعه الله تعالى لهم على وجه الكمال، ولو علم أن على الشريعة زيادة مصلحة لشرعه، فما لنا حاجة إلى زيادة على ما شرعه الله تعالى لعباده. فجمع الشيخ عمر أهل الموصل وأقرأهم كتاب نور الدين (وهو يبكى ويقول): انظروا فى كتاب الزاهد إلى الملك، وكتاب الملك إلى الزاهد"([13]). * * * وذكروا عنه أنه كان يحتفل – غاية الاحتفال – فى كل عام بذكرى المولد النبوى الشريف ويدعو إليه العوام والخواص والعلماء والفقراء والشعراء. من ذلك ما قاله أبو شامه: "وله كل سنة دعوة يحتفل بها فى أيام مولد رسول الله r يحضره فيها صاحب الموصل، ويحضر الشعراء وينشدون مدح رسول الله r فى ذلك المحفل"([15]). * * * مات الشيخ عمر الملاء وقد ترك خلفه مشهده العامر الذى يُزار ويتبرك به كما جاء فى الرواية، وترك – أيضا – سيرة عامرة وذكرًا طيبا ودروسًا يستفيد منها الطالبون. أما أهم إرثه على الإطلاق فهو ما ابتدعه من الاحتفال بمولد سيد الكائنات r، تلك السنة الحسنة التى سنّها، وظل إلى يوم القيامة يجنى مثل ثواب من عمل بها([17]). صلاح الدين الأيوبى والاحتفال بالمولد النبوى الشريف قدم صلاح الدين إلى مصر مع عمه أسد الدين شيريكوه فى حملة عسكرية بعث بها الملك المبارك الميمون نور الدين محمود وظل يمدها بالأموال والجنود وبروحه الطاهرة ونيته الخالصة حتى أتم الله الفتح ومكن لصلاح الدين بمصر. كان على صلاح الدين أن يعيد مصر إلى سُنّة النبى r بعد مائتى عام قضتها بعيدة عنها تحت وطأة الحكم الشيعى. وكان – رضى الله عنه - حازمًا موفقًا.. ومن ضمن الإجراءات التى اتخذها فى هذا السبيل أن أوقف جميع الاحتفالات التى كانت قائمة لدى الفاطميين مثل عيد غدير خُم وذكرى كربلاء وغيرها من الأعياد بما فى ذلك مولد النبى r، حتى يُنسى الناس العادات الشيعية فى الاحتفال. ولكنه فى نفس الوقت أنشأ كثيرًا من الخانقاوات والزوايا والرباطات الصوفية ووقف عليها الأوقاف الكثيرة وبنى المدارس السنية ووقف عليها الأوقاف كذلك مما أقام الأمة على الإسلام الصحيح. هذا الذى فعله صلاح الدين هو نفسه الذى مهد فيما بعد لأن تقام فى مصر أعظم وأبهج احتفالات شهدتها الدنيا بمولد سيد الكائنات r، والذى مهد – فى نفس الوقت – لأن تخرج من مصر جيوش الموحدين الذين قهروا الصليبين والمغول. والذى يدّعى أن صلاح الدين أوقف الاحتفال بمولد النبى r لأنه بدعة إنما بيّن قصور معرفته بالتاريخ، وانعدامها تماما بصلاح الدين الشافعى مذهبا، والأشعرى اعتقادًا، و الصوفى سلوكًا([18]). وما الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى الذى ارتبط اسمه فى التاريخ بالاحتفال المبهر بمولد النبى r إلا من خواص أمراء صلاح الدين، ومن إعجابه به زوجه باخته ووهبه ملك إربل كما سيجىء بيانه – إن شاء الله تعالى. * * * الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى (620ه) هو بطل حطين، وأعظم قواد صلاح الدين، زوجه صلاح الدين الأيوبى أخته عرفانًا بفضله، وأعطاه ملك إربل وما حولها.. أفاض المؤرخون فى وصف بطولاته ومآثره ومكارم الأخلاقعنده،ولكنهميذكرونعلى رأسفضائلهاحتفاله العظيم بمولدسيدنارسول الله r، حتى كان العلماء والفقراء وأهل الفضل يقصدون إلى إربل قبل موعد المولد بزمان ليشهدوا الفرحة والبهجة والسرور وأنهار الخير والبر تفيض على الناس.. انظر أخباره فى "سيرة صلاح الدين" لابن شداد، و "ذيل الروضتين" لأبى شامة، و "النجوم الزاهرة" لابن تغرى بردى، و "العبر" للذهبى، و "شذرات الذهب" لابن رجب الحنبلى، و "مرآة الزمان" لسبط ابن الجوزى، و "التاريخ الباهر" لابن الأثير، و "وفيات الأعيان" لابن خلكان.. ومن الأخير ننقل طرفًا من أخباره ومن أخبار هذا الاحتفال العظيم..قال ابن خلكان: "وأما سيرته فلقد كان له فى فعل الخيرات غرائب لم يسمع أن أحدًا فعل فى ذلك ما فعله، لم يكن فى الدنيا شىء أحب إليه من الصَّدَقة، كان له كل يوم قناطير مقنطرة من الخبز يفرقها على المحاويج فى عدة مواضع من البلد يجتمع فى كل موضع خلق كثير يفرق عليهم فى أول النهار، وكان إذا نزل من الركوب يكون قد اجتمع عند الدار خلق كثير فيدخلهم إليه ويدفع لكل واحد كسوة على قدر الفصل من الشتاء أوالصيف أو غير ذلك، ومع الكسوة شىء من الذهب من الدينار والاثنين والثلاثة وأقل وأكثر، وكان قد بنى أربع خانقاهات للزَّمنى والعُمْيان وملأها من هذين الصنفين، وقرر لهم ما يحتاجون إليه كل يوم، وكان يأتيهم بنفسه فى كل عصرية اثنين وخميس ويدخل عليهم، ويدخل إلى كل واحد فى بيته، ويسأله عن حاله ويتفقده بشىء من النفقة، وينتقل إلى الآخر، وهكذا حتى يدور على جميعهم، وهو يُباسطهم ويمزح معهم ويجبر قلوبهم، وبنى دارًا للنساء الأرامل، ودارًا للصغار الأيتام، ودارًا للملاقيط رتب بها جماعة من المراضع، وكل مولود يُلتقط يُحمل إليهن فيُرْضِعنه، وأجرى على أهل كل دار ما يحتاجون إليه فى كل يوم، وكان يدخل إليها فى كل وقت ويتفقد أحوالهم ويعطيهم النفقات زيادة على المقرر لهم" " وكان يدخل إلى البيمارستان ويقف على مريض مريض، ويسأله عن مبيته وكيفية حاله وما يشتهيه، وكان له دار مضيف يدخل إليها كل قادم على البلد من فقيه أو فقير أو غيرهما، وعلى الجملة فما كان يمنع منها كل من قصد الدخول إليها، ولهم الراتب الدارُّ فى الغداء والعشاء، وإذا عزم الإنسان على السفر أعْطَوْه نفقة على ما يليق بمثله" " وبنى مدرسة رتّبَ فيها فقهاء الفريقين من الشافعية والحنفية، وكان كل وقت يأتيها بنفسه، ويعمل السماط بها ويبيت بها ويعمل السماع([19])، فإذا طاب وخلع شيئًا من ثيابه، سيّر للجماعة بكرة شيئًا من الأنعام، ولم يكن له لذة سوى السماع، فإنه كان لا يتعاطى المنكر، ولا يمكن من إدخاله إلى البلد، وبنى للصوفية خانقاهين فيهما خلق كثير من المقيمين والواردين، ويجتمع فى أيام المواسم فيهما من الخلق ما يعجب الإنسان من كثرتهم، ولهما أوقاف كثيرة تقوم بجميع ما يحتاج إليه ذلك الخلق، ولا بدّ عند سفر كل واحد من نفقة يأخذها، وكان ينزل بنفسه إليهم ويعمل عندهم السماعات فى كثير من الأوقات". وكان يُسَيِّر فى كل سنة دفعتين جماعة من أمنائه إلى بلاد الساحل ومعهم جملة مستكثرة من المال يفتكُّ بها أسرى المسلمين من أيدى الكفار، فإذا وصلوا إليه أعطى كل واحد شيئًا، وإن لم يصلوا فالأمناء يعطونهم بوصية منه فى ذلك". " وكان يقيم فى كل سنة سبيلا للحاج، ويُسيِّر معه جميع ما تدعو حاجة المسافر إليه فى الطريق، ويسيّر صحبته أمينا معه خمسة أو ستة آلاف دينار ينفقها بالحرمين على المحاويج وأرباب الرواتب، وله بمكة، حرسها الله تعالى، آثار جميلة وبعضها باق إلى الآن، وهو أول من أجرى الماء إلى جبل عرفات ليلة الوقوف، وغرم عليه جملة كثيرة، وعمّر بالجبل مصانع للماء، فإن الحجاج كانوا يتضررون من عدم الماء، وبنى له تربة أيضًا هناك." جوانب من احتفاله بمولد النبى صلى الله عليه وسلم: "وأما احتفاله بمولد النبى r، فإن الوصف يقصر عن الإحاطة به، لكن نذكر طرفًا منه: وهو أن أهل البلاد كانوا قد سمعوا بحسن اعتقاده فيه، فكان فى كل سنة يصل إليه من البلاد القريبة من إربل مثل بغداد والموصل والجزيرة وسنجار ونصيبين وبلاد العجم وتلك النواحى خلق كثير من الفقهاء والصوفية والوعاظ والقراء والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من المحرم إلى أوائل شهر ربيع الأول." " ويتقدم مظفر الدين بنصب قباب من الخشب كل قبة أربع أو خمس طبقات، ويعمل مقدار عشرين قبة وأكثر، منها قبة له، والباقى للأمراء وأعيان دولته لكل واحد قبة، فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المستجملة، وقعد فى كل قبة جوق من المغانى وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهى، ولم يتركوا طبقة من تلك الطباق فى كل قبة حتى رتبوا فيها جوقًا، وتبطل معايش الناس فى تلك المدة، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم". " وكانت القباب منصوبة من باب القلعة إلى باب الخانقاه([20]) المجاورة للميدان، فكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر ويقف على قبة قبة إلى آخرها، ويسمع غناءهم، ويتفرج على خيالاتهم وما يفعلونه فى القباب، ويبيت فى الخانقاه ويعمل السماع، ويركب عقيب صلاة الصبح يتصيد، ثم يرجع إلى القلعة قبل الظهر، هكذا يعمل كل يوم إلى ليلة المولد، وكان يعمله سنة فى ثامن الشهر، وسنة فى الثانى عشر، لأجل الاختلاف الذى فيه". " فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئًا كثيرًا زائدًا عن الوصف وزفها بجميع ما عنده من الطبول والمغانى والملاهى حتى تأتى بها إلى الميدان، ثم يشرعون فى نحرها، وينصبون القدور ويطبخون الألوان المختلفة". " فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلى المغرب فى القلعة ثم ينزل وبين يديه من الشموع المشتعلة شىء كثير، وفى جملتها شمعتان أو أربع أشك فى ذلك من الشموع الموكبية التى تحمل كل واحدة منها على بغل، ومن ورائها رجل يسندها وهى مربوطة على ظهر البغل حتى ينتهى إلى الخانقاه". " فإذا كان صبيحة يوم المولد أنزل الخلع من القلعة إلى الخانقاه على أيدى الصوفية، على يد كل شخص منهم بقجة، وهم متتابعون كل واحد وراء الآخر، فينزل من ذلك شىء كثير لا أتحقق عدده، ثم ينزل إلى الخانقاهوتجتمعالأعيانوالرؤساءوطائفةكبيرةمنبياضالناس، وينصب كرسى للوعاظ، وقد نصب لمظفر الدين برج خشب له شبابيك إلى الموضع الذى فيه الناس والكرسى، وشبابيك أخرى إلى الميدان، وهو ميدان كبير فى غاية الاتساع، ويجتمع فيه الجند ويعرضهم ذلك بالنهار، وهو تارة ينظر إلى عرض الجند وتارة إلى الناس والوعاظ". " ولا يزال كذلك حتى يفرغ الجند من عرضهم، فعند ذلك يقدم السماط فى الميدان للصعاليك، ويكون سماطًا عامًا فيه من الطعام والخبز شىء كثير لا يحد ولا يوصف، ويمد سماطًا ثانيًا فى الخانقاه للناس المجتمعين عند الكرسى،وفىمدةالعرضووعظالوعاظيطلب واحدًامنالأعيانوالرؤساءوالوافدين لأجل هذا الموسم ممن قدمناذكرهمنالفقهاءوالوعاظ والقراء والشعراء، ويخلع على كل واحد، ثم يعود إلى مكانه، فإذا تكامل ذلك كله، حضروا السماطوحملوامنهلمنيقع التعيين علىالحملإلىداره، ولا يزالوا علىذلكإلىالعصرأوبعدها" " ثم يبيت تلك الليلة هناك، ويعمل السماعات إلى بكرة، هكذا يعمل فى كل سنة، وقد لخصت صورة الحال فإن الاستقصاء يطول". " فإذا فرغوا من هذا الموسم تجهز كل إنسان للعود إلى بلده، فيدفع لكل شخص شيئًا من النفقة، وقد ذكرت فى ترجمة الحافظ أبى الخطاب ابن دحية فى حرف العين وصوله إلى إربل وعمله لكتاب "التنوير فى مولد السراج المنير" لما رأى من اهتمام مظفر الدين به، وأنه أعطاه ألف دينار غير ما غرم عليه مدة إقامته من الإقامات الوافرة." * * * "وكان كريم الأخلاق كثير التواضع حسن العقيدة سالم البطانة، شديد الميل إلى أهل السنة والجماعة لا ينفق عنده (على أحد) من أرباب العلوم سوى الفقهاء والمحدثين ومن عداهما لا يعطيه شيئًا إلا تكلفًا، وكذلك الشعراء لا يقول بهم ولا يعطيهم إلا إذا قصدوه، فما كان يضيّع قصدهم ولا يخيب أمل من يطلب بِرَّه، وكان يميل إلى علم التاريخ، وعلى خاطره منه شىء يذاكر به، ولم يزل، رحمه الله تعالى، مؤيدًا فى مواقفه ومصافاته مع كثرتها، لم ينقل أنه انكسر فى مصاف قط." ([21]) " ولو استقصيت فى تعداد محاسنه لطال الكتاب، وفى شهرة معروفِه غُنية عن الإطالة وليعذر الواقف على هذه الترجمة ففيها تطويل، ولم يكن سببه إلا ما له علينا من الحقوق التى لا نقدر على القيام بشكر بعضها، ولو عملنا مهما عملنا، وشكر المنعم واجب، فجزاه الله عنا أحسن الجزاء، فكم له علينا من الأيادى، ولأسلافه على أسلافنا من الإنعام، والإنسان صنيعة الإحسان، ومع الاعتراف بجميله فلم أذكر عنه شيئًا على سبيل المبالغة، بل كل ما ذكرته عن مشاهدة وعيان، وربما حذفت بعضه طلبًا للإيجاز." انتهى([22]) () الكتاب الثانى تاريخ الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى مصر عبر القرون فيما يلى فصول من ملحمة من ملاحم الحب والتعظيم لم يعرف التاريخ الإنسانى لها نظير رسم معالمها وضخ فى عروقها الدماء الحارة شعب مصر الذى فطر على محبة النبىr وأهل بيته وأولياء الله الصالحين. قام الأستاذ حسن السندوبى – رحمه الله – بجمع بعض معالمها فى كتاب نفيس عنوانه: "تاريخ الاحتفال بالمولد النبوى فى عصر الإسلام الأول إلى عصر فاروق الأول" طُبع بمطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1367ه - 1948م. وقد انتقيت منه بعض فصول وفقرات، أوردها فيما يلى مع اختصار منعًا للتطويل، كما قمت بوضع عناوين وهوامش من عندى كلما دعت الحاجة([23]). والآن إلى رحلة الأفراح ومباهج الإسلام... * * * "فى ربيع الأول من سنة 785 ه 1383م توجهت عناية الظاهر برقوق (من سلاطين المماليك الجراكسة) إلى إحياء ذكرى المولد النبوى الشريف، وانصرفت همته إلى أن يكون الاحتفال بها بالغا حد الكمال. فأمر بإقامة معالم الحفاوة، ومظاهر الزينة، وإجراء الرسوم على خير ما كانت عليه، مع الافتنان فى ذلك، وإدخال السرور والابتهاج على الأمة". "فنهض الناس فى هذا الشأن، وزينت القاهرة بما يتفق وجلال هذه الذكرى الكريمة. وقامت الدولة بالنفقات الواسعة، والمخصصات البالغة، وبذلت من المبرات وضروب الخيرات، ما عم الناس جميعًا، وأطلق ألسنتهم بالدعاء للسلطان، والثناء عليه.. كما تبارى فى ذلك أمراء الدولة، وأعيان الملة، وجرى وجوه الناس فى ترسم رغباته، وإعطاء أنفسهم أمانيها بما يتقربون به إلى الله تعالى، من إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج فى هذا الموسم العظيم. فبالغوا فى تحسين الزينات الباهرة، وإقامة الولائم الفاخرة، وتوزيع الأموال الجمة فى وجوه الخير وصنوف الصدقات". "وروى السخاوى عمن شهد هذا الاحتفال قال: لقد حضرت ليلة مولد (النبى r) فى سنة 785 عند الظاهر برقوق رحمه الله، بقلعة الجبل، فرأيت ما هالنى، وحزرنى ما أنفق فى تلك الليلة على القراء الحاضرين وغيرهم، نحو عشرة آلاف مثقال من الذهب العين. ما بين خلع، ومطعوم، ومشروب، ومسموع، وغير ذلك (بحيث) لم ينزل واحد منهم إلا بنحو عشرين خلعة من السلطان والأمراء". "وقد استمر الاحتفال بالمولد النبوى فى مواعيده المقررة، وعلى هذه الرسوم الفخمة طوال عهد السلطان برقوق رحمه الله". * * * "فى خلال سنة 795ه 1393م كانت المحنة الكبرى، والجائحة العظمى، والفتنة المبيدة، والطامة المبيرة. إذ تحرك تيمورلنك بجحافله الجرارة وجيوشه الكرارة، من التتار والمغول وأجناسهم، نحو بلاد الشرق الأوسط، فاستولوا على ممالك الفرس، واكتسحوا أرض العراق. وأعادوا سيرة جنكيزخان وهولاكو وغازان، من الجبابرة المتقدمين". "وكان على العراق، فى ذلك الإبَّان، السلطان أحمد بن أويس. فجمع جموعه وصمد لتيمورلنك وفيالقه، ودافعه مدافعة الأبطال، ونازله بما استطاع من قوة، وما ملك من حول وطول، ولكن أين يذهب أحمد بن أويس وجنوده من تيمور وسيوله؟! حم القضاء، وعجزت جيوش العراق عن المقاومة، وباد أكثرها، وتمزق شملها، وكانت الهزيمة..". "فلما رأى السلطان أحمد بن أويس ما حل بقواته المدافعة، لم ير بدًا من الفرار، ولم ير له ملجأ إلا مصر، ولا مغيثًا إلا السلطان برقوق. فخابره فى ذلك، فأجاب مُرحِّبًا، وأذن له فى القدوم عليه، والنزول فى ساحته". "ولما صار على مقربة من القاهرة خرج السلطان للقائه والحفاوة به، وأمر القواد والأمراء وكبار رجال الدولة، بالمشى فى خدمته، وأنزله من القاهرة خير منزل، وأكرمه غاية الإكرام. وأخبر السلطان برقوق أن تيمور بعد أن استولى على بلاد الفرس والعراق، أرسل قُصاده إلى السلطان لإنذاره بما يترتب على مخالفته. فبادر السلطان برقوق بإصدار الأمر إلى نائب السلطنة فى حلب والرحبة، بأن لا يمكن هؤلاء القصاد من اجتياز الحدود، وأن يقتلهم إذا لم يعودوا أدراجهم". "وعندما علم تيمور بما حل بقصاده، دفع بجيوشه نحو الشام، فاجتاحت الرها بالسيف، وأمعنت فيها قتلا وسلبا، وتدميرًا ونهبا". "غير أن السلطان برقوق عندما ترامى إليه هذا الخبر، كان قد أعدّ عدّته فخرج فى جيوشه المظفرة إلى حلب. وكان بصحبته السلطان أحمد بن أويس، فأوقع بجيوش تيمور وقعة هائلة، وما زال يكر عليهم حتى فرق شملهم، ومزق جمعهم، وهزمهم هزيمة شنعاء، وردهم مفلولين عن البلاد، ثم قصد إلى دمشق وأقام بها فترة جهز فيها سلطان العراق بالرجال والعتاد، وأمده بالأموال..". "وسار السلطان أحمد بن أويس فى جحافله وإمداداته نحو العراق، وهناك التحم بجيوش تيمور المغيرة، وأجرى معها عدة وقائع كانت فى نهايتها الهزيمة الماحقة، واسترد بغداد وما والاها من الأعمال..". "ومن البديهى أن السلطان أحمد بن أويس حينما كان بمصر شاهد الاحتفالات الشائقة التى أقامتها الدولة والأمة لذكرى مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام، ورأى العناية الفائقة التى كان يوجهها السلطان برقوق إلى الاحتشاد لها، ووقف على مقادير النفقات التى كانت تبذل فى سبيلها على الفقراء والمعوزين وأهل الستر، من ذوى الخصاصة. وعرف ما كان يوزع من الصدقات، ويقام من الولائم والمبرات، مع الخلع والكسى على اختلاف صنوفها، على القراء والوعاظ وأرباب الوظائف. كما لمس عن قرب معالم الزينات، ومراسم التنسيقات، التى كان يتبارى فى الافتنان فيها أعيان الدولة، ووجوه الأمة، وكبار التجار، مما كان يأخذ بالألباب". "ولذلك لما استتب له الأمر فى بلاده، جرى على هذه السنة الحسنة، وأحيا معالم هذه الذكرى، بما وسعه من جهد. ولا شك أن الأمة العراقية قد شاركته فى مشروعه المحبوب، وبذلت فيه غاية المستطاع". * * * "تولى السلطان جقمق عرش السلطنة المصرية فى سنة 842ه 1438م، فصرف همته إلى إحياء ذكرى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، وعنى به عناية بالغة حدود الروعة والجلال. فقد رسم بإقامة الزينات فى أحياء القاهرة، وتبارى فى إبداعها رجال الدولة، وأعيان الأمة، ومياسير الناس. كما بذل فى سبيل البر بالفقراء، والمعوزين، وإقامة الولائم للصادرين والواردين أموالا قيمة. وذلك بخلاف ما وزعه على القراء والوعاظ والمنشدين، من الخلع والكساوى، وصنوف الخيرات، حتى عمت صدقاته من لا عهد له بها من أهل الحياء والستر". "قال السخاوى: وفى هذا الشهر (ربيع الأول سنة 845ه 1441م فى عهد السلطان جقمق) كان المولد السلطانى (يريد المولد النبوى) على العادة". "ثم قال: ولا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده r، ويعملون الولائم لذلك، ويتصدقون فى لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون فى المبرات، ويعتنون بقراءة مولده(*) الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم..! قال ابن الجوزى: ومما جرب من خواصه أنه أمان فى ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام.. وأكثرهم بذلك عناية أهل مصر والشام، وللسلطان فى تلك الليلة مقام يقوم فيه أعظم مقام..". "ثم مضى السخاوى يقول: ولو لم يكن فى ذلك إلا إرغام الشيطان، وسرور أهل الإيمان من المسلمين (لكفى) . فرحم الله امرءًا اتخذ ليالى هذا الشهر المبارك وأيامه أعيادًا، لتكون أشد علة على من فى قلبه أدنى مرض وأعيا داء..". "وقال العلامة على مبارك باشا فى خططه: إن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف زاد فى عهد السلطان الظاهر أبى سعيد جقمق على ما كان عليه فى عهد الظاهر برقوق، لا سيما فى النفقات والمبرات، وتنويع الخيرات وتوزيع الصدقات". "قلت: وعلى هذه الرسوم جرى الأمر فى الاحتفال بذكرى المولد فى عهود من جاء بعده". * * * الأشرف قايتباى "فقد صرف همته العالية فى إحياء ذكرى المولد النبوى الشريف بصورة لم يسبقه إليها سابق، ولم يلحقه فيها لاحق. إذ جدد رسوم هذه الذكرى على نسقها العالى، وافتنَّ فى نشر أعلامها، وبالغ فى تشييد معالمها. وأجرى فيها من المبرات، وصنوف الخيرات، وأنواع الصدقات، ما امتاز به عمن تقدمه". * * * السرادق الأشرفى العجيب "وكان صنع هذا السرادق العديم النظير، من القماش السميك المنسوج من القطن المصرى وعلى ما هو معروف إلى اليوم فى صناعة الخيام المحكمة النسج غير أنه كان من القطن الخام الجيد الحلج، وقد أخلص الصناع المهرة الذين تولوه فى عملهم، فلم تقف بهم همتهم عند حد إجادة نسجه، وإحسان وضعه وصنعه، بل افتنوا فى تزيين داخله بشرائح الأطلس الملون بالألوان الزاهية، وتحليته بالرسوم البديعة، والأشكال الرائعة، والنقوش المشرقة، والحلى الفائقة، وكل ذلك فى تناسب وتناسق، يستوقف الأنظار، ويأخذ بمجامع القلوب، ولا سيما إبداع أرباب الخطوط فى كتابة الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والكلمات المأثورة، والعبارات المشهورة، وإجراء ذلك كله على القواعد الهندسية، والرسوم الملوكية، والرنوك السلطانية". "وكان هذا السرادق، متى أقيم على أساطينه، يشبه فى هيئته إيوانا فخما هائلا، ترامت أرجاؤه، وتباعدت أنحاؤه، وتناوحت أطرافه، وتدانت أكنافه، وانبسطت كرته، لأنه كان مع هذا مستدير الشكل، يضم فى رحباته الواسعة: أربعة إيوانات كبيرة، تعلوه من وسطه قبة شاهقة، نهضت على أربع أساطين تمايزت عن سائر أعمدته بالفخامة والسمو، وقد انتثرت فى سماء القبة كواكب المشكاوات المصنوعة من البلور الفاخر، ذى الألوان الزاهرة، والأشكال الباهرة،تنبعثمنها،فىليالىالاحتفال:الأنوارالمتلألئة،بألوانهاالمتألقة،وزُخرفتبالتقاصيص العجيبة، والفصوص الغريبة مما قد يعز عمل مثله الآن، مهما بذل فيه من بدرات الأموال". "وناهيك به من سرادق، كان عند ما يُراد إقامته فى أيام المولد، لا يستطيع أن يستقل بتشييده وترتيبه، وتثبيت أساطينه، وشد أطرافه، وتركيب أستاره: أقل من خمسمائة رجل من أشداء الرجال، كان يؤتى بهم من بحارة الأسطول المصرى المختارين". "وكان يُنصب فى الحوش السلطانى من قلعة الجبل. وعندئذ ترى أمامك مدينة جليلة، بها كل ما يسر النفوس، ويشرح الصدور، ويُشعر بالهيبة والجلال، والعزة والجمال، وظهر لك غاية فى البهاء والروعة، وآية فى الفخامة والبهجة". "قال ابن إياس: إن الأشرف قايتباى أنفق على هذه الخيمة (أى هذا السرادق) أكثر من ستة وثلاثين ألف دينار. وكان من أهم شعائر الدولة المصرية وأجلها". "فإذا كان اليوم الأول من ربيع الأول، نُصب هذا السرادق بالحوش الكبير بالقلعة، وفيه يقوم الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف طوال أيام المولد ولياليه الاثنى عشر، فى كل سنة، وكان يضاء فى الليالى بآلاف من الشموع الكبيرة المعروفة بالموكبية، وغيرها من ذوات الأحجام والأطوال المختلفة، يضاف إلى ذلك مئات من الثريات، وأحمال القناديل، وعلائق المشكاوات، حتى يعود الليل فيه نهارًا". * * * الليلة الكبيرة "وبعد أن يبلغ شأوه من الأناقة والإحسان، يحضر الخليفة العباسى المصرى، يحف به القضاة الأربعة، ويتلوهم العلماء والفقهاء ورؤساء الأروقة، ثم الأمراء والقواد وكبار رجال الجيش، ثم عظماء الدولة، ومديرو الإدارات فى الحكومة، ومتقدمو أرباب الوظائف. ثم أعيان الأمة، ووجوه التجار، ومياسر الناس، وقد امتطى أكثرهم الخيول المطهمة، والبغال الموسومة، والبراذين الفارهة، والحُمُر المخدومة، ثم تتوالى المواكب، فى صدورها مشايخ الطرق الصوفية، تحيط بهم حملة الأشاير والأعلام، وتتقدمهم أصحاب الطبول والزمور. ويتلوهم الأتباع والمريدون، رافعين أصواتهم بأدعيتهم الموروثة، وأورادهم المنثورة، وأناشيدهم المأثورة". "ثم يحضر بعد ذلك كبار الضيوف، ووجوه الواردين من الأقطار الإسلامية. وكذلك السفراء، والقصاد الوافدين من الممالك المجاورة، ومن فى حكمهم". "وتسير هذه الجموع الحاشدة، فى مواكبها الحافلة، وأزيائها التقليدية، والطبول تضرب، والزمور تطرب، حتى تصل فى نظام وترتيب إلى ساحة الحوش السلطانى. فيستقبلهم على أبواب القلعة مندوبو الدولة، ويتلقاهم عند أبواب السرادق رجال من حاشية السلطان، بكل ترحيب وتكريم. وهناك يجلس كل فريق على حدة، فى المكان المعدّ له من أروقة السرادق، كل على حسب طبقته". "فإذا استقر بهذه الجموع المقام، أخذ القراء فى ترتيل آى الذكر الحكيم بأصوات جميلة، ونغمات مُشجية، ثم يقوم الوعاظ فيخطبون بين الملإ الحاشد، ويذكّرون الناس بما يجب لهم أو عليهم نحو الله ونحو أنفسهم، ويحثونهم على ما أمر الله به من العدل والإحسان وإيتاء ذى القربى، ويحذرونهم ما نهى عنه من الفحشاء والمنكر والبغى. ويدعون إلى التعاطف والتراحم، وإسداء المعروف، والتعاون على البر والتقوى، وأداء الأمانة، ثم يُخوفون بما أعد الله لذوى الإثم والعدوان، ولا يزالون يبدون ويعيدون حتى تخشع القلوب، وتُستدرّ العيون". "وبعد الانتهاء من ذلك وما يتبعه، تُمدّ الأسمطة الزاخرة، بالأطعمة الفاخرة، فيتناوب جميع من حضر، من كبير وصغير، وغنى وفقير، ما حفلت به الموائد، من الألوان والثرائد. فإذا ما انتهوا من الطعام وما يتبعه رفعت الموائد، وطويت الأسمطة، وعاد كل إنسان إلى مكانه، فيأمر السلطان بتفرقة العطايا والهبات، وتوزيع المنح والصلات، ثم تدار عليهم أنواع الأطباق والصوانى الحاملة لصنوف الحلوى، ولذيذ الأشربة". "وفى خلال ذلك يكون السلطان جالسًا برواقه المختار من السرادق، وحوله حاشيته الخاصة، ومعه رجال الدولة، فيدعى كل فريق على حدته للمثول بين يديه، فيسلم إليه ما خصه من الخلع الثمينة المزركشة، والكساوى الجيدة المصنوعة من شقق الحرير المحكم النسج، البديع الألوان. فيناولها طبقات العلماء، والفقهاء، والوعاظ، والقراء، والمنشدون، وغيرهم من أرباب الوظائف، ومشايخ الطرق الصوفية، وأعيان الناس، ووجوه الأمة، كل على قدر منزلته. ثم توزع أموال الصدقات، وما خُصص منها فى الخيرات والمبرات، فتعم الناس جميعًا، وتخص أهل الستر منهم، أولئكم الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف. ثم تنثر الدراهم على الجماهير من الفقراء والمعوزين بسعة وسخاء. وهنالك يرتفع الدعاء للسلطان بطول العمر، ودوام العز، وعلى الجملة يعم الخير والسرور فى هذه الليلة المباركة سائر الناس". * * * [1])) صحيح مسلم ج 11 ص360 [2])) قاله الإمام الصالحى الشامى فى كتابه "سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد" طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر. [3])) من شعر إمام أهل السنة الشيخ محمود خطاب السبكى فى كتاب "المقامات العلية فى النشأة الفخيمة النبوية" طبعة دار المقطم الثانية سنة 2009 ص38. [4])) الحياة الاجتماعية فى العصر الفاطمى، د. عبد المنعم عبد الحميد سلطان، دار الثقافة العلمية، الاسكندرية، 1992. [5])) شذرات الذهب 4/228. [6])) كتاب الروضتين فى أخبار الدولتين 2/112. [7])) الباهر فى التاريخ ص 163. [8])) مرآة الجنان. [9])) رحلة ابن جبير ص 256-257. [10])) مرآة الزمان 308. [11])) كتاب الروضتين 1/9. [12])) ترجمة الأولياء فى الموصل الحدباء، أحمد بن الخياط الموصلى ص 109. [13])) ترجمة الأولياء فى الموصل الحدباء ص 110. [14])) كتاب الروضتين 1/189. [15])) كتاب الروضتين 1/189. [16])) ترجمة الأولياء فى الموصل الحدباء ص109-110. [17])) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا". [18])) انظر كتاب أحد عشر كوكبا من سماء مصر للكاتب ص 74. [19])) أى مجالس الذكر والإنشاد والمدائح النبوية. [20])) بيت الصوفية. [21])) أى موقعة حربية حيث كان يصطف كل جيش فى مواجهة الجيش المعادى. [22])) انظر وفيات الأعيان لابن خلكان ج3 ص524 ط دار الكتب العلمية، بيروت. [23])) نقلاً عن كتاب "أفراح المسلمين بمولد خاتم النبيين" للمؤلف.. وهو فى نفس موضوع هذا الكتاب، وهذا الكتاب يغنى عنه لأنه أوسع منه. (*)المولد هو مختصر للسيرة النبوية المطهرة يركّز على ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم ويقرأ عادة فى جماعة المحتفلين، وقد يصاحبه إنشاد ومدائح ومظاهر احتفالية أخرى (المؤلف). |
![]() |
![]() |
![]() |
#3 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() السلطان الغورى "كان السلطان الغورى طوال عهده، عند حلول شهر ربيع الأول من كل سنة يأمر بإقامة السرادق الأشرفى العظيم بالحوش السلطانى الكبير من قلعة الجبل، وإعداده بكل ما من شأنه أن يجعل الاحتفال بالمولد شائقًا فخمًا كريمًا، فيقام ويهيأ بما جرت به الرسوم من الفخامة والأبهة والجلال". "فإذا كان اليوم الحادى عشر من شهر ربيع الأول، اتُخذت فى مداخل أبواب السرادق أحواض من الجلد، تملأ بالماء الصافى المحلى بالسكر والليمون. ثم تعلق حولها الأكواب الفاخرة المصنوعة من الشَّبَهِ (النحاس الأصفر) والنحاس الأحمر، والمزينة بالنقوش الجميلة، والمنزَّلة فيها الكلمات القرآنية، والعبارات النبوية بالفضة وقد اتصلت هذه الأكواب بشوكات ارتبطت بسلاسل من النحاس اللامع البراق، وعلقت بعُراها التى تمسك بها". "ويصطف حول هذه الأحواض طائفة من غلمان الشرابخانة، لمناولة الناس من هذا الشراب السائغ، لا فرق فى ذلك بين كبير وصغير. ثم تزين جنبات السرادق والأحواض بالأوانى الخزفية من النوع الصينى البديع الأشكال، الجميل الرسوم والألوان، وتصف الكاسات النحاسية المحلاة بالنقوش الفضية فى أوضاع أنيقة تسترعى الأنظار. وبهذه الكاسات، وهاتيك الأكواب، يتناول الصادر والوارد من الناس، هذا الشراب السائغ اللذيذ. ويبالغ الغلمان الشرابدارية وعرفاؤُهم فى إرضاء كل طالب، وإرواء كل شارب بعد أن يكون الغلمان قد قاموا بتزيين الشرابخانة حتى تصير بهجة للناظرين". "وعند حلول الوقت المعين للاحتفال -وكان ذلك بعد صلاة العصر- يصعد الخليفةالعباسى المصرى إلى القلعة فى ركبه العظيم، يحف به القضاة الأربعة ومن يليهم من رجال الشرع الشريف والشهود المعدلون. ثم يتلوه الأتابكى سودون العجمى فى كوكبة من الأمراء والقواد ومن يليهم من مقدمى الجيش.ثمكبارالعلماءوالفقهاءوالوعاظوالقراء،ومنيليهم من المقدمينثمأعيان الأمة ووجوه الناس، ثم المباشرون وأرباب الوظائفوأصحابالرتب. ثممشايخالطرقالصوفيةوأتباعهمومريديهم،فىمواكبهمالمرتجةبطبولهموزمورهمومنشديهم، ثم طباق الجند وصفوف العساكر ورجال الحفظ. وجميعهم يرفلون فى الثياب الفاخرة حسب درجاتهم ومقدرتهم. أو كما يقولون: فى الشاش والقماش. وعلى أحسن زى، وأجمل حلية". "وبعد أن يكتمل اجتماع هذه المواكب الحاشدة بحوش القلعة، يدخلون السرادق الأشرفى، وينتشرون فى أرجائه، ويأخذ كل فريق مكانه المعد له من أروقته المترامية الأطراف، ثم يبدأ القراء فى تلاوة آى الذكر الحكيم بأصواتهم الجميلة، وأنغامهم المشجية، وترتيلهم المؤثر، يليهم خطباء الوعظ والإرشاد فيلقون على الناس الأقوال المأثورة فى الأوامر والنواهى الدينية، ثم يقوم أرباب الطرق الصوفية بتلاوة أورادهم وأدعيتهم، وكل فريق يؤدى خدمته المخصص بها". "فإذا انتهوا جميعا من شؤونهم، نصبت الموائد عليها الأطعمة الحافلة، ومدّت الأسمطة بمختلف الألوان الشهية، وصنوف المآكل المتنوعة الجيدة الهنية، ودارت عليهم الطاسات الفاخرة بالأشربة اللذيذة المرية، فإذا قضوا من هذه المآدب الجليلة أربهم، وتناولوا منها ما لذ وطاب لهم، عاد كل إنسان إلى مكانه، وتجمع كل فريق فى إيوانه. وهنالك تنهال عليهم الإنعامات السلطانية، وتشملهم المنح والهبات الملوكية..". * * * "وظل نواب السلطنة العثمانية وولاتها على مصر بعد خير بك يقومون بمراسم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف بين العناية والتقصير، حسب الظروف والأحوال، كل على قدر همته من الرفعة والتدنى. إلى نهاية الحكم العثمانى". "على أن الأمة المصرية كانت تقوم من جانبها بما تقصر عنه همم الولاة من أهل الخمول والقصور". "قال الجبرتى: ولأهل مصر سنن وطرائق فى مكارم الأخلاق، لا توجد فى غيرهم.. ولهم عادات فى أيام المواسم، مثل: أيام رجب، والمعراج، ونصف شعبان، وليالى رمضان، والأعياد، وعاشوراء، والمولد النبوى الشريف". "(فكانوا) يطبخون الأرز باللبن، والزردة، ويملأون من ذلك قصاعا كثيرة، ويفرقون منها على من يعرفون من المحتاجين. (وكان) يجتمع فى كل بيت الكثير من الفقراء، فيوزعون عليهم الخبز، ويأكلون حتى يشبعوا من ذلك اللبن والزردة، ويعطونهم بعد ذلك دراهم.. وذلك خلاف ما يعمل ويفرق من الكعك المحشو بالسكر والعجمية، والشريك: على المدافن والترب، فى الجمع والمواسم". * * * "كان بيت السادة البكرية فى تلك الحقبة، يقوم بالساحة الكبرى التى كانت تمتد من جنوب دار الأوبرا الآن إلى مسجد العشماوى، وتشمل حارة عبد الحق السنباطى غربًا، إلى دار البريد شرقًا. وكان يطل على بركة الأزبكية شمالا. وكان حوله ميادين واسعة". "هذا البيت العامر الجناب، الواسع الرحاب، والمترامى الأطراف، المتنائى الأكناف، كان موئلا لأرباب الطرق الصوفية، ومنتدى لمجامعهم الدورية. وكان شيوخ آل الصديق يقيمون معالم الاحتفال بالمولد فى ساحاته، وينصبون الأعلام والزينات فى باحاته، ويوقدون أحمال القناديل والثريات فى سواريه وشرفاته. ويذبحون فيه الذبائح، ويقدمون للناس العطايا والمنائح، فكان فى أيام المولد قبلة القاصدين، ومحط رحال الوافدين، وملجأ الفقراء والمعوزين". "فإذا كانت الليلة الختامية للمولد، حضر الباشا الوالى، وكبار رجال الحكومة، وزعماء الإنكشارية، وأعيان المباشرين، وأرباب الوظائف، وغيرهم من وجوه الأمة، ورؤس التجار، وأصحاب الصناعات والحرف، لمشاهدة الاحتفال بهذه الذكرى الكريمة. وكانت تمد لكل من حضر، الأسمطة الحافلة بألوان المطاعم، والأوانى الرحبة المليئة بالثريد، عليها أبضاع اللحوم الناضجة الشهية. فيتناول من ذلك من شاء مالذ له وطاب". "وبعد الانتهاء من الطعام يصطفون على الآرائك والكراسى، ويقعد أكثرهم على البسط والسجاجيد، أو على الحصر المفترشة حول سارية الذكر. وهنالك تقوم حلقات الصوفية وأهل الطرق، يذكرون الله، ويتناشدون الأناشيد المعروفة عندهم، وتحدث لبعضهم أطوار من الجذب، فتكون صيحات وتواجد، وزعقات وتساند، ويظهر على السامعين الشىء الكثير من الحركات الدالة على الاستحسان والاستطراب". "ويجلس فى بعض الساحات حلقات أخرى لقراءة الأحزاب، وتلاوة الأوراد، بأصوات مرتفعة صادرة من أقصى حلوقهم، فيكون لها دوى خاص فى الأسماع. ولا يزالون جميعًا فى هذه الأحوال إلى الثلث الأخير من الليل. ثم يأخذون فى الانصراف". "ومما يذكر أنه فى يوم الجمعة 11 من ربيع الأول سنة 1202ه- 1787م لما أقيمت معالم الاحتفال بالمولد، ونصبت سوارى الزينة عليها الأعلام، ومدت الحبال وعلقت فيها الفوانيس، والثريات والقناديل، واستنارت الساحة بالأنوار المتلألئة ، وحضر المدعوون لشهود الليلة الختامية على العادة حضر الوالى العثمانى عابدين باشا مدعوا، واستقبل بحفاوة بالغة، فلما شاهد من ذلك مالا عهد له به، سر كثير |
![]() |
![]() |
![]() |
#4 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() ببعض الإنعمات، وكان الاحتفال بهيجًا شائقًا، وكان اشتراك الأمة فيه آية فى العناية والبذل والسخاء". * * * مراد بك "وبعد صلاة العشاء مدت الموائد الحافلة بالأطعمة الفاخرة، لمراد بك وحاشيته، ومن حضرها من الخواص، فأكلوا وتبسطوا فى الأحاديث. وبعد الفراغ من تناول الطعام، نهضوا فغسلوا أيديهم على جارى العادة، ثم جلسوا على مقاعدهم يستمعون إلى قراءة القراء، وإنشاد المنشدين، وشاهدوا حلقات الصوفية وهم يتلون أورادهم وأحزابهم، كما شاهدوا حلقات الذكر، وترنح المترنحين، وتمايل المتجاذبين، وغير ذلك من المشاهد، ومكث مراد بك فى جار البكرى حتى منتصف الليل. ثم نهض وخلع على السيد محمد البكرى فروة سمور من النوع الفاخر.. وانصرف بعد ذلك راضيًا مرضيًا". * * * كانت الحملة الفرنسية فى سنة 1798م مصيبة أصابت الأمة المصرية، قابلها المصريون بجميع أنواع المقاومة، وشرّفوا سجلات البطولة والأبطال بأسماء آلاف الشهداء الذين لقوا الله فرحين مستبشرين. حاول نابليون – أمام صلابة الجهاد – أن يستغل عاطفة المصريين الدينية فى مخادعتهم، فادعى أنه مسلم، وأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وسعى نابليون أيضا لاستغلال محبة المسلمين الكبيرة لنبى الإسلام r، وتعلقهم بكل ما يتصل به من قريب أو بعيد، فأعاد الاحتفال بالمولد النبوى الشريف الذى كان قد توقف مع نزول العدو أرض مصر. قال السندوبى: "بعد أن رأى نابليون أن الأمر قد استتب له، أخذ يفكر فيما يغطى به سخط الشعب المصرى عليه، ويقرب قلوب الأمة إليه. رأى أن من الوسائل التى قد تؤدى إلى ذلك، أن يأمر بإحياء الاحتفال بذكرى المولد النبوى. فقد يدخل بهذا الاحتفال والمشاركة فيه، شيئًا من الابتهاج والسرور على نفوس المصريين، ويرضى عواطفهم، ويجدد لهم ذكرى الأعياد والمواسم التى ألفوها حافلة بأسباب الأفراح، ووسائل الخير العام والبر الشامل، والتى كانت فى اعتبارهم، فى عداد الواجبات الدينية، أو التقاليد القومية". "قال الجبرتى: سأل سارى عسكر (نابوليون) عن المولد النبوى لماذا لم يعملوه كعادتهم؟ فاعتذر الشيخ (خليل) البكرى بتعطيل الأعمال، وتوقف الأحوال..! فلم يقبل، وقال: لابد من ذلك.. وأعطى له 300 ريال فرنسيا معاونة، وأمر بتعليق تعاليق وحبال وقناديل.. واجتمع الفرنساوية يوم المولد. ولعبوا ميادينهم، وضربوا طبولهم ودبادبهم. وأرسل الطبلخانة الكبيرة إلى بيت الشيخ البكرى. واستمروا يضربونها بطول النهار والليل بالبركة (بركة الأزبكية) تحت داره.. وهى عبارة عن طبلات كبار مثل طبلات النوبة التركية، وعدة آلات ومزامير مختلفة الأصوات مطربة. وعملوا فى الليل صواريخ تصعد فى الهواء..". * * * مستشرق انجليزى يصف الاحتفال سنة 1250ه 1834م "قال العلامة إدوارد وليم لين: فى أول ربيع الأول، الشهر الثالث من شهور السنة الهجرية، يبدأ الاستعداد للاحتفال بمولد النبى، وأكبر ساحات هذا الاحتفال شأنا: الجزء الجنوبى الغربى لذلك الفضاء الواسع المعروف ببركة الأزبكية. وهو فضاء يكادينقلب كله فى موسم الفيضان إلى بركة، وفى هذه الحالة يكون الاحتفال على حفافى البركة. ولقد كان الحال كذلك لعدة سنين مضت. لكن جفاف البركة فى هذه السنة، وفى موعد المولد، جعلها الساحة اللائقة بالاحتفال". "فى هذه الساحة أقيمت صيوانات كثيرة، جلها للدراويش. وفيها يجتمعون كل ليلة للقيام بحلقات الذكر، ما دام الاحتفال بالمولد. وبين هذه الصيوانات ينصب "صارى" يثبت بالحبال، ويعلق فيه من القناديل اثنا عشر، أو أكثر. وحول هذا الصارى تقوم حلقة الذكر. وهى تتكون عادة من نحو خمسين أو ستين درويشا". "وعلى مقربة من حلقة الذكر ينصب "القائم"، وهو مكون من أربعة "صوارى" فى خط مستقيم، بين كل اثنين منها مدى بضع ياردات، وقد شدت بينهما، ثم إلى الأرض تحتها، حبال عدة،علقتبهاالقناديلالكثيرة،فىأوضاعمختلفة،وأشكالمنوعة، يراهاالرائىفى شبه أزهار، وفى صور آساد، وفى هيئآت أخرى متناسقة، ومنها ما ترسم به كلمات كاسم الله، أو اسم النبى r، أو كلمة التوحيد، أو غير ذلكمنالكلمات المأثورة.وقدتكونمجردأشكال للزينة". "وفى اليوم الثانى من الشهر، ينتهون من إقامة معالم الاحتفال ومعداته فى العادة. ثم يشرعون فى اليوم التالى، فى مظاهر الاحتفال ليلا ونهارا، إلى الليلة الثانية عشرة من الشهر. وهى فى طريقة الحساب الإسلامية: الليلة السابقة لليوم الثانى عشر، وهى ليلة المولد الكبرى. فى تلك الأيام التسعة والليالى التسع، تحتشد الجموع فى الأزبكية". "وأنا أدون ملاحظاتى هذه فى أثناء المولد |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
كاتب الموضوع | حسن الخليفه احمد | مشاركات | 3 | المشاهدات | 4825 |
![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|