القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة
مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري
|
المنتدى العام لقاء الأحبة في الله لمناقشة جميع المواضيع |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#1 | |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() الدكتور المفكر علي شريعتي صاحب الفكر وقارئ الحقيقة :::::::::::: أحببت اليوم أن أسلط الضوء على هذا الرجل الذي كلما قرأت له علمت يقيناً أنه يخاطب عقلي ولعلي وإلي وقت قريب كنت أبحث عن شخص من شيعي يكون قاسماً مشتركاً بين السنة والشيعة فطفقت أبحث حتي عثرت علي هذا المنجم من الأفكار الهائلة والتي تعتبر مثل القناديل في هذا الزمن المظلم القاتم وأترككم مع هذه الفكرة والتي كتبها ذلك الدكتور وكلي أمل أن تجد تعليقاتكم بناءاً علي ما ظهر لكم من خلال فهمكم لمنهج أهل البيت الإصلاحي ومدي تعلقنا به من حيث الفكر والنظر. كربلاء ..كيف تعاملنا معها؟ لقد جسدت قصة كربلاء التشيع تجسيداً بلغ الذروة, بيد أننا تعاملنا معها تعاملاً ميّع القضية, وسلب الفكر الشيعي روحه وحرارته وتركه ميتاً بارداً, تناولناها بشكل جعل الحسين وقصة الحسين أول ضحية من ضحايا تعظيمنا وتقديسنا للحسين وطريقة عرضنا لقصة كربلاء. لماذا, لماذا فعلنا هكذا؟ ثمة أسباب كثيرة لا يسع المجال للإشارة إليها, ولكنني أقتصر هنا على أحد أهم تلك الأسباب: لقد تناولنا قصة الحسين وقصة كربلاء والحوادث العظيمة التي صنعها الحسين تناولاً أعوج ونظرنا إليها نظرات منحرفة. كيف تم ذلك؟ لقد اقتطعنا هذه القصة من جذورها التاريخية وصورناها بصورة "حادثة" بدون خلفيات ولا مخلّفات, لا سابق لها ولا لاحق, لأننا لا نعرف العوامل التاريخية التي أدت إليها ولا الآثار والنتائج التي خلفتها هذه الثورة, عزلناها عزلاً تاماً واقتطعتاها من امتداداتها التاريخية وهي امتدادات تاريخ البشر. ومن ثم تناولناها بالبحث والتحقيق كحقيقة مجردة بدون ملاحظة ما قبلها وما بعدها, ولم يكن بحثاً وتحقيقاً, وإنما مدحاً وثناء و"تلقينا" أن أبكوا على هذه اللوحة!![1] الزمان الذي رآه الحسين وقد وقف الحسين ونظر إلى زمانه هذا , فماذا رأى؟! رأى زمناً شلّت فيه العقول واشتُريت الرجال والضمائر, وقطعت الألسن, وخيطت الشفاه, وهُدمت قواعد الحقيقة على رؤوس أنصارها, واقتلعت معطيات الثورة الإسلامية من جذورها, والقيم العظيمة التي جاء بها محمد صُودرت أو تكاد , والأمة في طريق التدهور والاستسلام, ووسائل القوة والمخادعة هي السائدة المهيمنة الباسطة ظلال بطشها على الجميع, ولم يتبق من تراث جده وأبيه إلا ما انطوى داخل الصدور والقلوب خائفاً متردداً وجلاً. ثم رأي زمناً. الأوفياء فيه بلا أنصار, الشبان إما يائسون أو منحرفون أو مباعون, أما الزهاد ففي زوايا والخلوات, وأما السلف والأكابر فقد استشهدوا أو اشتريت ضمائرهم أو انطووا على أنفسهم[2]. انقلبت القيم وزُهقت المبادئ, وسحقت التعاليم وهوت الرايات وذهبت الرياح بجهود المجاهدين, وجاءت بكنوز الذهب للمنافقين. أصبح الجهاد قتلاً جماعياً, والزكاة انتهاباً ومصادرة, والصلاة خداعاً للجماهير, والتوحيد ستاراً للشرك, والإسلام قيوداً للاستسلام, والسنة قاعدة للسلطة, والقرآن عدة للجهل, والحديث عرضة للوضع والتزوير. وتهاوت السياط على المتون, وعادت الأمم المعذبة إلى السجن القديم, والحرية إلى القيود الأبدية السوداء, والأحرار إلى الأسر, والفكر إلى الصمت, والألسن قطعت أو اشتريت. أما أصحاب السابقة والجهاد فقد تقاضوا الثمن إمارات وولايات, أو اعتزلوا العبادة, أو ساوموا على السكوت عن الظلم والرضا بالكفر, أو واجهوا النفي والموت في صحراء الربذة ومرج عذراء!! الزمان أسود أسود !! لقد كُسرت السيوف, وخُفت صوت المعارضة, وخبتت جمرة التمرد وهدأت كل الفتن, وألقى ظلام الليل العميق المرعب ظلاله على آثار الشهداء ومقابر الأحياء الصامتة الباردة, وعلى أطلال العقيدة والإيمان والأمل , لم يعد يُسمع صوت حتى لبومة!! فلقد ذاق الناس طعم التجارب المرة, وعرفوا أن الهزيمة أو الاستشهاد هما ثمرة كل ثورة أو عصيان! الصمت, الصمت ,, فليسكت الأحرار والثوار, ولتمرح الثعالب وتستكلب الذئاب , فالجاهلية الجديدة أثقل ظلاً وأشد ظلمة ووحشية , والعدو الآن أشد دهاء وأكثر نضجاً وذكاء , والدين والدنيا صارا على هدى الكفر والجور!! هذا هو الزمان الذي رآه الحسين ونظر إليه فأمعن فيه النظر.. إنه الزمان-الليل!![3] الحسين ... لم يرث جيشاً ولا سلاحاً ولا ذهباً الحسين كان وارث الإسلام , ووارث تلك الثورة التي فجرها جده وواصلها أبوه وأخوه, لكن الحسين بالمقابل, لم يرث جيشاً ولا سلاحاً ولا ذهباً, وبالتالي لم يرث أية قوة جبهوية تذكر, ولا حتى مجموعة منظمة!! وكان هذا يعني بادئ ذي بدء أن القيادة الحسينية التي آمنت بالنضال وأقرته كقاعدة أساسية لوجودها, هذه القيادة كانت, ككل قائد يؤمن بالنضال , غير حرة في اختيار طريقة النضال, إنما كان عليها أن تخضع للظروف التي تحيط بها, والتي تفرض عليها شكلاً معيناً من أشكال الحروب[4]. الشهادة هي الخيار والدرب كان الحسين لا يملك, إذا استثنينا الحق والحرية والعدل, سوى القدرة على الانزواء للعبادة, باعتباره ابناً لعلي وفاطمة وسبطاً للرسول, فإن مكانه من الجنة مضمون!! لكن الحسين لم يكن من طينة "هؤلاء المؤمنين", ولم يكن ليختار العبادة طريقاً إلى الجنة بديلاً عن الجهاد. كان الحسين يدرك أن الطريق إلى الله هو طريق الحق, وطريق الحق هو الجهاد والالتزام بالنضال وبمبادئ الثورة الإسلامية وتعاليمها قد سحقتها عجلة الوثنية الأموية... فهل يرضى الحسين بأن يتخلى عن وعيه النضالي الثوري ويلجأ إلى زوايا المعابد تاركاًَ للجاهلية الجديدة أمر الاستفحال وبالبطش بقيّم الحق والعدل والحرية تلك كانت أسس الثورة الإسلامية الأولى؟ لا!! لم يكن ذلك من طبيعة الحسين. قدره أنه شهيد, فلتكن الشهادة هي الدرب, ولتكن القيم التي ناضل من أجلها جده وأخوه وأبوه وكل الأحرار هي المثل والقدوة والمصابيح..؟ لم يكن أمامه إذن إلا الثورة[5]. الرجل السياسي والقائد الثائر لا يفعل ذلك... ينتفض بلد الكوفة ضد السلطة المركزية فيوجه دعوته إلى الحسين طالباً منه النصرة والقيادة, ويلبي الحسين الدعوة مظهراً قبوله لقيادة تلك الانتفاضة, ثم يعلن جهراً وبشكل رسمي أنه متوجه إلى البلد الثائر, ثم يصطحب نساءه وأطفاله وبني أخيه ورجاله تضمهم جميعاً قافلة ضخمة, تتحرك من بلد في قبضة العدو, قاطعة مئات الكيلومترات, إلى مكة, حيث تتواجد قوة كبرى لهذا العدو. ثم قادة قد اجتمعوا من سائر البلاد الإسلامية وكلهم يوالون حكومة الشام, ثم يعلن من مكة وأمام كل هؤلاء: أنه يريد الكوفة, ثم يتوجه من غرب الجزيرة , قاطعاً القطر الشرقي للدولة, إلى العراق قاصداً الكوفة مركز الثورة والانتفاضة؟![6] مثل هذا الرجل السياسي والقائد الثائر لا يفعل ذلك... لكن الحسين , بالعكس تماماً , فعل ذلك !! لقد أعلن: "لن أبايع.. وسوف أغادر.. مهاجراً إلى الموت"!! قالها جهراً على مسمع من السلطة والناس, وخرج سافراً على مرأى من السلطة والناس. لم يتكتم , لم يتخف, ولم ينتظر حلول الليل حتى يسافر تحت جناحه الدامس, ثم يصل الكوفة فيفاجأ السلطة والناس انه أصبح هنا ...بين الثوار!![7] الظرف الذي خرج به الحسين في مثل هذه الظروف والأوضاع , في إطار سنة ستين للهجرة , خرج الحسين بن علي ليواجه قدره الذي كان من قدر هذه الأمة. خرج الحسين والظرف الرهيب العصيب الذي تعيشه الأمة الإسلامية تنتظر الرجل التاريخي ليقوم بالدور التاريخي ويكون البطل التاريخي. وكان الحسين : الرجل والدور والبطل. كان الموقف والقضية والشهادة وكربلاء. كان الوريث الأعظم للجد الأعظم والأب الأكرم الذي أسس مدرسة الشهداء. لكن الحسين في سنة ستين للهجرة خرج أعزلاً من كل سلاح ليواجه سلطة قوية مستبدة غاشمة, كانت أسلحتها متعددة ووفيرة: الأفكار , الدين , ثم المال والسيف والدعاية ووراثة النبي![8] الذين تركوا الحسين وحيداً أولئك الذين تركوا الحسين وحيداً, وتخلفوا عن الحضور والمشاركة والاستشهاد على حدٍ سواء بفرقهم الثلاث: سواء أولئك الذين تركوا الحسين من أجل أن يصبحوا عملاء يزيد, وسواء الذين زحفوا إلى زوايا العزلة بحثاً عن الجنان وتركوا الحسين وحيداً ونفوسهم مطمئنة وضمائرهم هادئة فراراً بأنفسهم خارج متاعب مصاولات الحق والباطل, مشتغلين بعبادة الله في أركان المحاريب وزوايا البيوت, وسواء أولئك الذين اخلدوا إلى الصمت خوفاً من الاستبداد والقوة[9]. من لا يكون شاهداً على عصره, شاهداً على صراع الحق والباطل في مجتمعه, فلا يهمّ أن يكون في أي موقع ومكان. أن يكون واقعاً في محراب العبادة, أم جالساً على مائدة الخمر[10]. الموت فن الحسين رجل خرج من بيت فاطمة وحيداً, أعزل, بلا سلاح أو رفيق, لكنه ثائر على وحشية هذا العصر وظلمته وقيوده!.. رجل لا يملك سلاحاً غير الموت! لكنه من أهل بيت تعلموا في مدرسة الحياة: " فن الموت جيداً" وهو فن حرم منه العدو, والأبطال وحدهم أتقنوه واطمأنوا إلى نتائجه واستقبلوه بلا تردد, وبتصميم تام. إن الموت فن الحسين , وليس في العالم رجل غيره يعرف كيف يجب أن يموت, ولماذا !! لقد قام الآن "معلم الشهادة", قام ليعلم الذين ظنوا أن الجهاد يجب بالقدرة, والذين توهموا أن النصر هو فقط الغلبة على العدو, قام ليعلمهم: أن الشهادة ليست خسارة إنها اختيار, اختيار المجاهد للتضحية على أعتاب محراب الحرية ومعبد الحب, اختيار الجهاد والنصر. إن الحسين وارث آدم الذي أعطى الإنسان حقه. وارث الأنبياء الذين علموا الناس كيف الحياة. وها هو في هذا العصر يعلم أبناء آدم كيف يموتون. ها هو ليقول للناس : إن الموت الأسود هو مصير مشؤوم ينتظر كل ذليل يصافح العار لكي يعيش, وأن من لم يجرؤ على اختيار الشهادة سيختاره الموت!![11] فلسفة الشهادة الحسينية الشهادة في معارفنا ليست موتاً يفرضه العدو على المجاهد. بل الشهادة: اختيار واع يقدم عليه المجاهد بكل طواعية ووعي وإدراك ويختاره بدافع ذاتي بعيد!!. إن لم يكن بمقدوره قهر العدو وهزيمته في ساحة القتال , ففي مقدوره, عبر الموت, أن يفضح هذا العدو. إنه كإنسان أعزل, وحيد, وفي نفس الوقت مدرك لمسؤوليته, لم يكن يملك إلا سلاحه الواحد: تلك الميتة الحمراء! إن "حسينيته" تضعه في موقع المسؤولية للنضال ضد كل أنواع الاضطهاد والإذلال, ولما لم يكن لديه من سلاح سوى وجوده, فقد حمله على راحتيه وبرز به إلى مقتله, ثم بخطى واعية, ثابتة, دقيقة التنظيم, كانت مسيرته إلى تلك الشهادة[12]. إن الشهادة هي الشيء الذي يتغلغل في أعماق التاريخ, لتكون قدوة لمن يأتي ويريد أن يكون, وهي إدانة لهذا العصر الذي يمضي بصمت. ثم إنها الطريق الوحيد, وشكل المقاومة الوحيد, وعلامة الحضور والدفاع عن العدل والصدق والحق الذي جرّده, بالخيانة والباطل والظلم, نظام هذا العصر بسلاحه[13]. إن الشهيد هو قلب التاريخ النابض بالحياة, وكما يهب القلب الحياة والدم للشرايين اليابسة, تكون الشهادة دماً يجري في شرايين مجتمع يسرع نحو الموت ويفقد أبناؤه الثقة والإيمان بالقيم, مجتمع آثر الاستسلام وتناسى المسؤولية والإيمان بالإنسان وتلاشت حيويته وحركته وتجمد إبداعه.. إن "الشهادة" تعطي هذا المجتمع دماً وولادة وحركة جديدة. وأكبر معاجز الشهادة هي إيصال الحياة والدماء إلى الأجزاء الميتة من ذلك المجتمع, من أجل ولادة جيل جديد وإيمان جديد!![14] جيش يزيد..هم أحقر من أن يُلعنوا جيش يزيد الذي ينوف على مائة ألف مقاتل يراه جيشاً لا وجه له. الجمع الغفير من الظلال والأشباح, والدمى الكرتونية والعرائس, وجودات بلا ماهية وموجودات بلا معنى, فارغة جوفاء, لا يحسب إلا عددها فقط. كل واحد منهم نسخة مكررة عن الآخر. كلهم من طراز واحد, لا محتوى لهم, إنما يتشخص أحدهم بما هو فرد من آحاد, ورأس من ماشية, ورقم من معدودات. إنهم موجودون, إنهم يتماجون, قد شغلوا من البسيطة مكاناً واسعاً, ويسمع منهم قال وقيل كثير. لهم كر وفر, وضجيج وعجيج, ولكن ليس لهم أي وجود إنهم كاريكاتور إنسان. إنهم انعكاس لوجود آخر هو وجود سيدهم, إنهم جميعاً بعض أحذيته وسيوفه و تروسه ودبابيسه وسياطه وحشمه وخدمه. إنهم جمهور البوابين له. إنهم لا شيء, حتى لا يمكن أن يقال فيهم أنهم سيئون. يزيد وحده السيئ, إنهم ليسوا أهلاً حتى لأن يلعنوا. يقتلون وليسوا بقتلة, يقطعون الماء عن العطاشى, ويشعلون النار في المخيم, يبيدون جند الحرية والحق, ويجرون الخيل على أجساد المروءة والإيمان, ويقضون على أهل بيت الرسالة, ويسيّرون عقائل الإيمان مكبلات بالسلاسل, ويسوقون الآيات القدسية للحرية والعزة الإنسانية إلى بلاط إبليس ليسلمونه إلى حراس العبودية والذل... ومع ذلك فهم أحقر من أن يلعنوا, وهم لا يبعثون في قلوب ضحاياهم حقداً.[15] إن الإنسان موجود له إدراك, ووعي ذاتي وحرية وغاية وقوة إرادة واختيار. أما هؤلاء فكل عدّتهم من ذلك أن لهم سيداً. والإنسان يحس في نفسه حاجة, وعلى ذلك يختار لنفسه غاية ويتحرى طريقاً للوصول إليها, ويضع برنامجاً للعمل, ثم يوفر وسائله وشروطه..أما أولئك, أصحاب الوجوه المزيفة, فغائبون عن تلك المراحل. إنهم غائبون عن سيدهم لا يشاركونه في حاجة من حاجاته ولا غاية من غاياته. هو الآن يريد بعض هؤلاء, فأخذ يجمع العدد المطلوب لذلك. يعملون ولا يعلمون, إنما هو الذي يعلم, ويسارعون ولا يعلمون إلى أين يسارعون, وإنما هو الذي يعلم. هو يحقد, وهم يحاربون. هو يغضب وهم يزمجرون. هو الفاتح السعيد وهم يرقصون.[16] ماذا بعد الشهادة الشهداء الذين كانت لديهم الشجاعة على اختيار الموت ما داموا غير قادرين على الحياة. الشهداء الذين أدوا رسالتهم , وأنهوا مهامهم ومضوا بهدوء, بعد ما بذلوا ما بذلوا على أكمل وجه, فاختاروا موتاً مليئاً بالحياة وبروعة الجمال[17]. هؤلاء هم الشهداء العظام الذين رحلوا وبقينا.. فانظروا من رحل وانظروا من بقي.. رحل الكبار وبقي الصغار.. رحل الأحياء وبقي الأموات.. رحل الأعزاء وبقي الأذلاء.. بقينا نحن, صور الذل والحقارة , نبكي على الحسين وزينب, أمثلة الحياة العزيزة, ونكتفي من البكاء على الحسين وزينب بالمزيد من البكاء.. فإذا كان الظلم والبطش والقمع والقهر, وكل ألوان الاستعباد والإذلال, قد ظلمت الحسين وزينب ومن رافقهما من الشهداء الأبرار, أليس بكاؤنا وتخاذلنا نحن اليوم هو ظلم آخر من ظلم التاريخ يمارس عليهم مرة أخرى؟.[18] لكل ثورة وجهان : الدم والخطاب إن لكل ثورة رسالتين , رسالة الدم, ورسالة الكلمة. الذين استشهدوا قاموا بعمل حسيني وعلى الباقين أن يقوموا بدور زينبي وإلا فهم يزيديون[19]. إن لم يكن للدم خطاب فسوف يبقى أخرس أبكم في التاريخ, وإذا لم يترك الدم رسالته لكل الأجيال, ويدوي صوته.. في كل العصور فسوف يستوعبه الجلاد ويحصر الشهيد في عصر واحد وزمن واحد. ولو لم تنقل زينب خطاب كربلاء للتاريخ, لدفنت كربلاء في التاريخ, وحرم منها المحتاجون إليها, ولما سمع أحد صوت الذين تحدثوا بدمائهم مع كل الأجيال؛ لهذا كانت رسالة زينب ثقيلة وصعبة[20]. رسالة زينب يا كل مؤمن برسالة محمد, فكر واختر! إستمع إلى بلاغ شهداء كربلاء في كل عصر وكل جيل وكل أرض, استمع إليهم حيث قالوا: لا ينال الحياة الطيبة إلا من مات ميتة طيبة[21]. مدرسة التشيع والشهادة والحياة إن التشيع هو أغلى جوهرة أبدعتها البشرية, إنه الحيوية التي تهز التاريخ وتحرك الحياة, والمدرسة التي أعطت ابلغ الدروس الإلهية. نحن مكلفون بأن نصنع بميراث شهدائنا ومجاهدينا وأئمتنا وقادتنا وإيماننا وكتابنا, أمة تكون شاهدة على الناس تكون قدوة للعالم ويكون الرسول قدوتها.[22] إن في مدرسة التشيع دروس كبيرة ورسالة أكبر وقيم آلهة قادرة على أن تحرك حياة وتبني تاريخ أمة, وإن فيها ما هو عظيم وغال من القيم في تاريخ البشرية وهو "الشهادة". في حين أن مدرسة التشيع هذه هي صورتها, وهذا هو مثالها, وتلك هي قيمها وشهودها ومبادئها وتعاليمها, فلننظر, نحن ورثة هذا الميراث التاريخي الأعظم, ما نحن عليه من واقع: لقد انصرفنا عن كل هذه القيم والمعاني والمبادئ والتعاليم والدروس, إلى ما يتناقض ومعنى "الشهادة". فنحن كما يقول جلال*: " منذ أن نسينا الشهادة واتجهنا إلى مقابر الشهداء جاء, فقد أسلمنا رقابنا للموت الأسود, ومنذ أن نسينا أن نتشيع لعلي والحسين وزينب, نسينا أن نقتدي بالشهداء, وجلس نساؤنا ورجالنا للعزاء, وأصبحنا في مأتم دائم"! وذلك كان أكبر انتصار ليزيد وما يمثله يزيد. ذلك أننا نعزي ونحزن لرجال ونساء وأطفال أثبتوا في كربلاء حضورهم في التاريخ وبين يدي الله وفي محاريب الحرية, ونكتفي من ذلك بالبكاء, وكأننا أصبحنا شركاء ليزيد.. أليس يريد يزيد هذا التقاعس عن ظلمه والتخاذل عن صده والتراجع عن مقارعته.. والاكتفاء بالبكاء ؟! أليس يزيد هو نفسه من يتمنى ويريد لنا مثل هذه النهاية؟![23] البكاء الواعي على الحسين البكاء ظاهرة روحية طبيعية في الإنسان , وهي من خصائص بني آدم, يقول روجر دبرة – الأمريكي الجنوبي الثائر وأحد وجوه اللامعة في المجتمع البشري المعاصر – مجيباً احد المراسلين :"الإنسان العاجز عن البكاء, من لا يبكي لابد أن يكون فقد إنسانيته, إن البكاء من خصائص الروح الآدمية". فالبكاء إذن رد فعل طبيعي عاطفي لروح الإنسان الواعي المتيقظ حينما يواجه منظراً مشجباً أو مشهداً مثيراً, ونحن نبكي, ونبكي أكثر من أي أمة أخرى! ولكن بكائنا هدف وعمل مقصود بذاته, نبتغي إليه الوسيلة ونتعمد الوصول إليه كبرنامج ضمن برامج الحياة. من ذا يرى ويسمع هذه القصة بتفصيلاتها وجزئياتها وعظمتها ومأساتها ثم لا يتأثر ويبكي – بغض النظر عن قضية التشيع والتسنن؟ أي إنسان يسمع ويتمالك نفسه؟! لكن البكاء إذا كان ناشئاً من المعرفة والبصيرة والفهم فهو رد فعل طبيعي للروح الإنسانية, الروح المرهفة التي تتأثر بالجمال والحساسية, أما إذا كان البكاء مستهدفاً مجرداً عن الفهم والمعرفة والتأمل فإنه سيكون تماماً كقصة أول شيعي مزور ظهر في التاريخ , أبي سفيان الذي قال لعلي: سأحميك وأدافع عنك وأحارب الحكم الغاصب من أجلك ؛ كما أن أول عين بكت قصة كربلاء كانت عيون من قتل الحسين! أول من بكى في كربلاء – قبل الجميع – عمر بن سعد بن أبي وقاص ومن بعده أهل الكوفة الذين قالت لهم زينب لما دخلت مع ظعن الأسرى: أتبكون وتنتحبون؟ أي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً.. علينا أن لا نكون ممن يدفنون بأيدي جهلهم حقيقة الحسين ودور زينب وحقيقة كربلاء وهدف الثورة, ويضحون بالقضية ثم يبكون – كالكوفيين- على ضحيتهم (ونقول "لا نكون " ولا نقول "نحن كذلك" لأن الأدب ورعاية الاحترام لا تسمح بذلك)[24]. الإمام الحسين هذا الذي أسلم نفسه وحياته وأسرته وكل ما لديه وكل أهله إلى سيف الظلم والجريمة والبهتان واختار لنفسه الشهادة..ألم يكن ذلك من أجل حياتي وحياتك ؟! ألم يكن ذلك من أجل أن يتخلص أتباعه من نير الظلم والجور والبيعة الكاذبة ونظام الجور؟! وفي النهاية ألم يكن ذلك من أجل الناس وبسط العدل وإحياء الحق؟!...أكان كل ذلك من أجل أن نذنب هنا ونبكي بعدها عليه.. وفي المقابل هذا يشفع لنا يوم القيامة؟! إذن ألن ينفعنا هذا في الدنيا؟![25] |
|
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
كاتب الموضوع | عمر بن عبد العزيز السقادي | مشاركات | 4 | المشاهدات | 5076 |
![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|