كتب/ علي الدالي
لم يكن الذين دخلوا عالم (ساس يسوس) قد دخلوه من أجل أن يجلبوا لأنفسهم المتاعب والمعاناة به ولكن من أجل الوطن والمواطن كانت دوافعهم حينما دفعتهم ضمائرهم الوطنية وأملت عليهم ضرورة خوض المعارك الوطنية وتحمل المسؤولية فهذه حكمة الله سبحانه وتعالى قد جرت في العالمين ونفذت كما أراد لها رب العباد أن تنفذ فإن لم يكن أحد هؤلاء قد دخل إلى عالم الأحزاب من باب الوطنية ومن أجل الوطن فهو من الذين تلفظهم الجماهير وتحتقرهم القواعد التي كانت وما زالت وستظل تراقب ما يجري في الساحة السياسية يومياً وعبر كل الوسائط الاعلامية المتاحة.
ولكن في الجانب الآخر يقف بعض من الساسة ينظرون إلى مراقبة تلك الجماهير من نافذة العجز وعدم القدرة ويطلقون الاتهامات لبني شعبهم باعتبارهم خاضعين وخانعين لما يملى عليهم من أوامر وقرارات ينفذونها وهم صاغرون ونسي هؤلاء أو تناسوا أن الشعب السوداني (المعلم) قد اشعل ثورتين في تاريخه الحديث في العام 1964م اكتوبر المجيدة والعام 1985م ابريل (المجيدة).
إن الشعب السوداني المعلم ومفجر الثورات ومعلم الشعوب ما معنى الحياة وما البطولة فثورات الربيع العربي تفجرت وقامت على أساس (حُفر) بمعاول أيدي سودانية خالصة في التاريخ الحديث إلا أن تلك الثورات سرقت في جنح ليالي والناس نيام أو في حالة غفلة إن صح التعبير.
ولايراودني أدنى شك في أن الشعب السوداني في الوقت الراهن وفي ظل الظروف الحالية المعقدة يريد أن تتوحد صفوف الساسة ويصطف الجميع من أجل الوطن وحماية المواطن وتوفير قوته وأمنه والا ستذهب عاصفة الشعب على كل من أراد المطل وسيشهر الشعب سيوفه في وجه من لا يريد أن يتحقق الوفاق الوطني الشامل وحلحلة قضايا البلاد ويؤجج الصراع في المناطق المتلهبة في درافور والنيل الأزرق وجنوب كردفان فالشعب يريد توحيد الجبهة الداخلية ويتمنى ان تزال الخلافات المصطنعة ما بين الساسة الكبار حتى ينعم المواطن بالأمن والاستقرار.
إن الاتهامات المتبادلة التي تطلقها كل من أحزاب الحكومة والمعارضة والرمي بالعمالة والارتزاق والخيانة وغيرها من المصطلحات الخطيرة التي يطلقها القادة السياسيون ولا يلقوا لها بالاً كتلك التي ظل يرددها أحد قادة الانقاذ أيام احتلال هجليج وفي المقابل تتهم المعارضة الحكومة بأنها مقصرة وغير جادة في إدارة دفة الحكم بالبلاد وتتلاعب بمصائر المواطنين فمثل هذه الاتهامات المتبادلة بين الجانبين تفتح الباب واسعاً أمام التدخلات الأجنبية في قضايا البلاد وبالتالي نهب ثرواتها والتربص بابنائها من أجل تحقيق مصالحها الخاصة لا سيما في المناطق المتأثرة بالحروب حالياً والتي تعاني من ويلات الحرب وان صمت الرصاص برهة فإنه لا محال سينفجر يوماً إن لم تجد لهذه الاشكالات حلولاً سياسية جادة يجلس من خلالها الجميع حكومة ومعارضة على طاولة التفاوض السوداني السوداني واضعين في الاعتبار الوطن وأمنه ضاربين بالنظرات الحزبية الضيقة عرض الحائط فالوطن اولى من الأحزاب السياسية فلتذهب الأحزاب إلى الجحيم إن لم تراع مصلحة الوطن وصون وحدته فالحزب خلق ليفني من أجل الوطن ولم يخلق ليفنى الوطن. توحيد الجبهة الداخلية يحتاج لإرادة حرة غير مرهونة لأجنبي أو سلطة أو نفوذ وبالتالي فإن الجلوس للتفاوض مع بعضنا البعض يجب أن يكون خالياً من الأجندة الخاصة أو تلك التي يأتي بها المفاوض لتمريرها على الطرف الآخر فما يحدث في طاولة التفاوض بيننا تنعكس حقائقه عند التطبيق والمصطلح الشهير (ان الشيطان يكمن في التفاصيل) فإن الشيطان المقصود هو ذلك الشيطان الذي كان يخفيه الطرفان على بعضهما البعض ويغيب عن ذهن الوسيط بينهما والتجارب التي مرت بها البلاد في أديس ابابا وابوجا ونيفاشا والقاهرة والدوحة تجارب إن وقفنا عندها ودرسناها بتمعن وبذهن خالٍ من غرض سنجد أن حصيلة الوطن من هذه الاتفاقيات (صفر كبير) بل وان بعض الاتفاقيات كنيفاشا كانت خصماً على الوطن حيث استقطعت (ثلثه) وجعلت من ثلثيه المتبقيين بؤراً مشتعلة في المناطق المذكورة آنفاً.
إن ما يطرحه الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل من برامج للوفاق الوطني الشامل إنما ينظر إلى قضايا الوطن من تلك الزوايا المذكورة فالحزب لايريد لهذه البلاد أن تتمزق وهو صاحب استقلالها ورافع راياتها وهو الحزب الوحيد الذي ارتبط تاريخه بتاريخ الحركة الوطنية السودانية ولذلك سمي بحزب الحركة الوطنية فهو من الوطن وإلى الوطن لا يضع قضاياه في حدقات أعينه فحسب بل يمكن أن (يذوب) من أجله حينما تتطلب الظروف ذلك، لذلك كان طرح الوفاق الوطني الشامل ضرورة من ضرورات توحيد الجبهة الداخلية ولم شمل الجميع حكومة ومعارضة من أجل الوطن فقط والنظر بموضوعية لقضايا الوطن والمواطن دونما أحقاد أو غل على أحد فالحزب يمد يده بيضاء للجميع من أجل الوطن فقط وليس غيره.
إن توحيد الجبهة الداخلية أمر تمليه الضرورة والوضع الراهن فالعمل من أجل الوطن وليس من أجل جهة مهما كانت يجب أن يكون الهدف الأسمى لكل القادة السياسيين إما هذا أو الطوفان!!!