من نفحات آل البيت عليهم السلام...
عن شقيق بن إبراهيم البلخي قال خرجت حاجاً في سنة تسع وأربعين ومائتين فنزلتُ القادسية فبينا أنا انظُر إلى الناس في زينتِهم وكثَرَتهم فنظرتُ إلى فتىً حسن الوجه شديد السمرة يعلُو فوق ثيابه ثوبٌ من صُوف مشتملٌ بشملة، في رجليه نعلان، وقد جلس مُنْفَرداً فقلتُ في نفسِي هذا الفَتى من الصوفية يُريد أن يَكُون كلا على الناس في طريقِهم والله لأمضينَّ إليه ولأُوَبخنه فدنوتُ منه فلمَّا راَني مُقْبِلاً قال يا شقيق (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) سورة الحجرات آية 12
ثم تركني ومضى فقلتُ في نفسي إن هذا لأمرٌ عظيم قد تكلم على ما في نفسي ونطقَ باسمي وما هذا إلا عبدٌ صالح لألحقنَّه ولأسلنَّه أن يحالني، فأسرعتُ في إثره فلم ألحقَه وغاب عن عيني فلما نزلنا واقصة، إذا به يُصلي وأعضاؤه تضطرِب ودمُوعه تجري فقلت هذا صاحبي سامضي إليه واستحله، فصبرت حتى جلس وأقبلتُ نحوه فلما رآني مقبلاً قال يا شقيق اتلُ (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) سورة طه آية 82
ثم تركني ومضى فقلتُ إن هذا الفتَى لمِنَ الإبدَال وقد تكلم على سرِّي مرتين فلمَّا نزلنا رمالا إذا بالفتى قائمٌ على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقِي ماءاً فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا انظر إليه فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول:
أنت ربِّي إذا ظمئت من الماءِ ... وقوتي إذا أردت الطعاما
اللهم سيدي مالي سواها فلا تعدمنيها...
قال شقيق فوالله لقد رأيت البئر قد ارتفع ماؤُها فمدَّ يده فاخذ الركوة وملأها ماءاً وتوضأ وصلى أربع ركعات ثم مالَ إلى كثيب رمل فجعل يقبِض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشربْ فأقبلتُ إليه وسلمتُ عليه فرد عليَّ السلام، فقلتُ أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك.
فقال يا شقيق لم تزل نعمةَ الله علينا ظاهرة وباطِنة فأحسن ظنَّك بربك، ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا سويق وسكر فوالله ما شربتُ قط ألذَّ منه ولا أطيب ريحاً منه فشَبِعتُ ورويتُ فاقمتُ أياماً لا اشتهِي طعاماً ولا شرابا، ثم لم أرهُ حتى دخلنا مكة فرايته ليلةً إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل يصلي بخشوع وانين وبكاء فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل، فلمَّا رأى الفجْر جلس في مُصَلاَّه يسبح الله ثم قام فصلى الغداة وطاف بالبيت أسبوعاً وخرج فتبعتَه فإذا له حاشية وموالٍ وهو على خلاف ما رايتَهُ في الطريق ودار به الناس من حوله يسلمون عليه فقلت لبعض من رايته يقرب منه من هذا الفتى فقال هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فقلت قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد...
السلام عليكم آل بيت المصطفى ورحمة الله وبركاته... محبةً فيكم تُقربنا إلى الله وتجمعنا بجدكم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في أعلى عليين...