القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة

مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري


غير مسجل أهلاً ومرحباً بكم

العودة   مُنتديات الختمية > الأقسام العامة > المنبر الاتحادي
التسجيل التعليمات المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث

المنبر الاتحادي خاص بشأن الحزب الإتحادي الديمقراطي

إهداءات ^^^ ترحيب ^^^ تهاني ^^^ تعازي ^^^ تعليقات ^^^ إعلانات

موضوع يستحق المتابعة : ورقة د. منصور خالد

المنبر الاتحادي

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-23-2012, 05:24 PM   #1
مامون


الصورة الرمزية مامون



مامون is on a distinguished road

افتراضي ورقة د. منصور خالد: التفاعلات الاقليمية والدولية لاستقلال جنوب السودن (3 اجزاء)


أنا : مامون




ورد فى صحيفة الصحافة الصادرة بتاريخ 23/1 هذا الجزء من ورقة الدكتور التى قدمها فى مركز الجزيرة للدراسات . ولاهمية تحليله للامور رأيت أن اشرككم فى مطالعتها فالدكتور هو من هو رغم اختلاف الآراء حوله .



الدكتور منصور خالد:التفاعلات الإقليمية والدولية لإستقلال جنوب السودان (1)

منصور خالد: تنشر «الصحافة»، فيما يلي نص الورقة التي قدمها د.منصور خالد في المؤتمر الذي نظمه مركز الجزيرة للدراسات تحت عنوان (دولتا السودان: فرص ومخاطر ما بعد الانفصال)الأسبوع الماضي في الدوحة
1. لكي نُدرك التفاعلات التي تولدت من إنفصال جنوب السودان عن شماله يفيد، في المبتدأ، أن نُلقي ضوءً على الظروف التي قادت إلى الإنفصال، فالإنفصال نهاية مأساوية لتاريخ طويل للعلاقة بين جنوب وشمال القطر منذ إستقلاله الذي إحتفينا بعيده السادس والخمسين في مطلع هذا الشهر. الظاهرة الجديرة بالإهتمام في هذه العلاقة خلال السبعة عشر عاماً الأولى منذ الإستقلال (1956م إلى 1972م)، ثم عبر ما يربو على العقدين من الزمان (1983م إلى 2002م) هي التصاعد المستمر لمطالب الجنوبيين. تلك المطالب بدأت بالفيدرالية بين شقي القطر عند إعلان الإستقلال 1955م بمعنى توحيد السودان فيدرالياً بين دولتين: الشمال والجنوب؛ ثم تطورت إلى الفيدرالية كنظام لحكم كل أقاليم السودان في عام 1965م؛ ومن بعد إلى الحكم الذاتي للمديريات الجنوبية مجتمعة في 1972م؛ وفي النهاية إلى تقرير المصير المُفضي إلى واحد من خيارين: تأكيد الوحدة على أسس جديدة، أو الإنفصال. ليس من خُطتنا تشريحُ هذه المراحل؛ أولاً لأن إستعراضَها قد يتطلب ندوة خاصة لذلك، وثانياً لأن المكتبةَ حافلةٌ بالكتب والبحوث حول الظروف التي أدت لتصاعد الجنوبيين بمطالبهم. تلك الظروف لخصها السياسي المخضرم أبيل ألير في كتابه (South Sudan, too many agreements dishonored).
2. هذا الميراثُ السياسي الثقيل من إخلافِ الوعود والتنكرِ للعهود، لم يكن من الممكن تجاوزُه إلا بميثاق غليظ. وكان ذلك الميثاق إتفاقية السلام الشامل التي مهرها الطرفان في 9 يناير 2005م وإحتوت، من بين ما أحتوت عليه، بروتوكول ماشاكوس 2000م إعترف ذلك البروتوكول للمرة الأولى بحق أهل جنوب السودان في تقرير مصيرهم، أما بالإبقاء على الوحدة وفق النظم التي نصت عليها إتفاقيةُ السلام الشامل (2005م) والمعايير القيمية التي الزمت بها الطرفين، أو الإنفصال. وسبق الإتفاقية إجماعٌ من كل الأحزاب السودانية المعارضة للحكم على منح الجنوب حقَ تقرير مصيره في مؤتمر عقد في مدينة أسمرا، إريتريا في يونيو 1995م أطلق عليه إسمُ مؤتمر القضايا المصيرية.
3. لماذا نستدعى هذا التاريخ؟ إستدعاء التاريخ حَفَزنا عليه سببان: السببُ الأولُ هو الظنُ السخيف عند عدد غير قليل بأن إنفصال الجنوب نتاجٌ لمؤامرة خارجية لتمزيق السودان، وهي مؤامرة ذاتُ اذرع طويلة وقصيرة منها الأفريقي، ومنها الأمريكي، ومنها الصهيوني، ومنها الصليبي. السخافة هي الرِقة، فسخافةُ الثوب هي ضَعفُ نسيجه، افة الرأي هو هُزاله. وفي عالمنا العربي ظلت نظريةُ المؤامرة هي الحُجةُ التي تساق لتفسير أي حدث هروباً إلى الأمام من المسئولية المحلية عن ذلك الحدث، دون أن تصحب تلك الحجة أدلةٌ واقعية. الشئ الوحيد الي لا يرد في أذهان أصحاب نظرية التفسير التآمري للتأريخ، أو يُسقطونه دوماً من الحساب، هو المفاعل المحلي، وهو أدنى الأسباب. الحجة القاطعة، إذن، هي أن إرادة أهل السودان قد إجتمعت على منح الجنوب حق تقرير المصير، حتى وإن أفضى إلى الإنفصال بإعتبار أن ذلك هو السهمُ السياسيُ الأخير (political weapon of last resort) لإنها حرب داحس والغبراء السودانية.
السببُ الثاني هو ان إنسلاخ الدول ? في الماضي والحاضر ? ليس بالظاهرة المستغربة. فجميع الدول ذات السيادة في شمال ووسط أوروبا نشأت في القرن التاسع عشر إما عن طريق الأنفصال عن كيانات إمبراطورية: النمسا، المجر، دول البلقان عن الإمبراطورية النمساوية ? الهنغارية؛ النرويج بالإنسلاخ عن السويد؛ هولندا بالإنسلاخ عن بلجيكا؛ ثم لوكسمبرج بالإنسلاخ عن هولندا. وفي القرن الذي تلاه نشأت كلُ دول أمريكا اللاتينية التي يجمع بينها ? بلا إستثناء ? دين واحد هو الكاثوليكية، كما تجمع بينها لغة واحدة هي الأسبانية، بإستثناء البرازيل التي سادت فيها اللغة البرتغالية. من ذلك إنفصال فنزويلا وكويتو (تعرف اليوم بإسم إكوادور) عن كولومبيا العظمى (Gran Columbia)، وإنفصال أورقواي من إمبراطورية البرازيل، ثم إنفصال الأرجنتين عن تلك الإمبراطورية بموجب إتفاقية منتفيديو في عام 1927م. وفي القرن العشرين وقع أيضاً إنفصالان هامان في دولتين، الأولى منهما ظلت موحدة منذ القرن الثامن عشر الا وهي الهند. إنقسمت الهندُ في عام 1947م إلى دولتي الهند وباكستان لإعتبارات دينية وثقافية، ثم إنسلخت بنقلادش عن باكستان في عام 1971م رغم الرباط الديني الذي يجمع بينهما. ذلك الرباط الروحي لم يَحُل دون إنسلاخ مسلمي بنغلادش عن مسلمي باكستان لعامل سياسي ? إقتصادي لا علاقة له بالدين: هيمنة النخبة الحاكمة في السند على السلطة والثروة على حساب أهل البنغال. أيضاً عقب إنهيار الإمبراطورية السوفيتية في أواخر القرن الماضي تفرقت تلك الإمبراطورية شَذر مَذر إلى دول البلطيق الثلاث (أستونيا، لاتفيا، لثوانيا)، دول الكمنولث المستقلة التي كانت تضم 12 دولة وصارت 11 دولة عقب إنسحاب جورجيا. صاحبَ ذلك الحدث تشققُ يوغسلافيا إلى ست دول (سلوفينيا، كرواتيا، جمهورية الصرب، مقدونيا ثم جمهورية الجبل الأسود (مونتنقرو)). القارة الوحيدة التي نجت دولها من التمزق هي القارة الأفريقية التي أقر زعماؤها في المؤتمر الثاني للقمة الأفريقية بالقاهرة (1964م) الإبقاءَ على حدود الدول الأفريقية على الحالة التي كانت عليها عند رحيل الإستعمار. رغم ذلك لم تنجُ تلك القارة من تفتت الدولة في الحالات التي تعسر فيها بقاؤها موحدة إما بسبب رغبة النخب السياسية المهيمنة على تكريس هيمنتها الإثنية، ومثال ذلك إنشقاق دولة رواندا و بوروندي في عام 1962م، إلى جمهوريتي رواندا و بوروندي في عام 1962م أو للإنهاك الذي سببته الحروب الداخلية للدولة الأضعف وإختلاف الرؤى حول مناهج الحكم كحال إستقلال اريتيا عن إثيوبيا في عام 1991م برضا الدولتين. إنفصال الجنوب عن الشمال، إذن، هو الحدث الثالث من نوعه في أفريقيا.
4. خلق إنفصالُ الجنوب عن الشمال وضعاً جديداً ذا أبعاد إقتصادية وسياسية وأمنية. فإن إعتبرنا جنوب السودان مركز الإهتمام يمكن النظر إلى الدول التي أثرت عليه، أو تأثرت به ، في في دوائر متحدة المركز (concentric) الدائرة الأولى هي الدول المجاورة له وعلى راسها شمال السودان؛ وثانياً الدول الأفريقية خاصة الأقرب في النطاق الجغرافي أو بحكم المصالح الحيوية؛ ثالثاً الدول التي أورثت الجنوب علائق خاصة وهامة قبل الإنفصال بحسبانه جزءً من الدولة السودانية مثل الدول العربية؛ رابعاً تلك التي نمت بينها وبينه علاقات بسبب الثروات النفطية تحت أراضيه؛ وأخيراً دول العالم الأخرى. وليس من الضروري أن تكون أهمية العلاقة مع الدولة المعنية رهينة بقربها الجغرافي من مركز الدائرة إذ أن هناك إعتبارات تاريخية جعلت لدولة أو أكثر دولة علاقات أوثق بجنوب السودان من علاقاته مع من هم أقرب إليه جغرافياً. بهذا الفهم، سنتناول التفاعلات مع كل هذه الدول (بالمعنيين للكلمة في اللغة الإنجليزية Interaction and interplay).
5. بإنفصال الجنوب عن جمهورية السودان (الدولة الام) اصبحت تلك الدولة، بالضرورة، دولة خارجية بالنسبة لدولة جنوب السودان المستقلة ذات السيادة. مع ذلك تظلُ جمهوريةُ السودان هي الجارُ الأقرب إليه. وللروس تعبير طريف حول الدول القريبة لروسيا حتى وإن كانت ذات سيادة. تلك الدول ينعتها الروس بالخارج القريب (the near abroad). لهذا فإن اي حديث عن تفاعل الدولة الناشئة مع الخارج يبدأ بجمهورية السودان إذ لعب التاريخ والجغرافيا دوراً هاماً في تكوين وتكييف العلائق فيما بينهما.
دعنا نتناول ظاهرتين قضت بهما الجغرافيا والتاريخ. فجغرافياً أصبحت الحدود الشمالية للدولة الجديدة (الحدود بين شمال دولة الجنوب وجنوب دولة الشمال) هي أطول حدود لتلك الدولة (2010 كيلومتراً) في حين لا تزيد الحدود بين دولة الجنوب والدول الخمس الأخرى المجاورة لها: إثيوبيا، أفريقيا الوسطى، كينيا، الكونغو الديموقراطية ويوغندا مجتمعة الفي كيلومتراً. الحدود الشمالية الجنوبية تقع في المنطقة ما بين خطي العرض 7. 13 شمال خط الإستواء وخطي الطول 14 - 34 شرق قرينتش، كما تتساكن على ضفتيها واحدٌ وثمانون قبيلة رعوية تمثل في مجموعها 20% من سكان السودان (جنوبه وشماله). عند تلك الحدود تتلاقى خمسُ ولايات شمالية: جنوب دارفور، جنوب كردفان، النيل الأبيض، النيل الأزرق، سنار ومن ناحية الجنوب ثلاثُ ولايات: أعالي النيل، شمال بحر الغزال، الوحدة. هذه القبائل ترتحل شمالاً وجنوباً في فصول الجفاف سعياً وراء مراع أكثر إخضراراً دون إعتبار لأي حواجز غير طبيعية، فلا الرعاة ولا أبقارهُم تعرف شيئاً عن جوازات السفر. وحتى في سني الحرب ? والصراع على أشده ? إستمرت تلك العلاقات في الرعي المشترك، والتجارة البينية تنساب إنسياباً طبيعياً مما حدا بالدكتور جون قرنق لأن يطلق على تلك المنطقة التي ظلت تُعرف بمناطق التماس (areas of contiguity) نعتاً آخر هو مناطق التمازج (fusion). الثاني هو أن أهل الجنوب، خاصة في المناطق المتاخمة للشمال يعتمدون إعتماداً كبيراً على التجارة مع الشمال لا سيما بالنسبة لضروريات الحياة. كان هذا هو الوضع قبل إنتاج البترول، ولم يغير إنتاجه وتصديره شيئاً في تلك العلائق التبادلية، والإنتاجية، والإجتماعية. ومن المؤسي أن إنتاج النفط ? حتى هذه اللحظة ? لم يلعب الدور الذي كان ينبغي أن يلعبه كمحرك لقاطرة النمو الحقيقية: الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، بحسبانها أهم مورد متجدد يملكه السودان لدفع النمو الإقتصادي.
6. قبل الإستفتاء على تقرير المصير إتفق الطرفان على ضرورة معالجة الأوضاع التي قد تنجمُ عن الإنفصال أو تترتب عليه مما يعنى أن طرفي الإتفاق كان يدركان أن الإنفصالَ أمرٌ محتمل. ولهذا نص قانون الإستفتاء عام 2010م في الفقرة الفرعية (3) من الفقرة السابعة والستين تحت عنوان ترتيبات ما بعد الإستفتاء على ما يلي: في حالة تصويت أهل جنوب السودان على خيار الإنفصال يشرع الطرفان بشهادة الدول والمنظمات الموقعة على الإتفاق في التفاوض بهدف الإتفاق على الموضوعات الحيوية التالية التي تترتب على الإنفصال: (أ) الجنسية، (ب) العملة، (د) القوات المشتركة، الأمن القومي والمخابرات، (ه)، الإتفاقيات الدولية، (و) الإصول والديون، (ز) حقول النفط (ط)، المياه، (ي) الممتلكات الثابتة، (ك) أي موضوعات أخرى يتفق عليها الطرفان. وتشمل الدول والمنظمات التي أشارت الفقرة لإشهادها على التفاوض دول الإيقاد (أريتريا، إثيوبيا، جيبوتي، كينيا، يوغندا)، الإتحاد الأفريقي ، الإتحاد الأوروبي، جامعة الدول العربية، بريطانيا، النرويج، الولايات المتحدة، الامم المتحدة.
7. هذا النص المُحكم يعني أن الطرفين لم يكونا فحسب على إدراك بأن هناك تبعاتٍ ستترتب على الإنفصال، بل كانا أيضاً حريصين على تفادي أي صراع قد ينشأ بينهما في المستقبل، وعلى تعاون وثيق بين الدولتين. تلك النظرة، في تقديرنا، كانت قائمة على أن قابلية(viability) أي واحدة من الدولتين على النمو المُعافي، تعتمد على قابلية الأخرى. رغم ذلك تدهورت العلائق بين الدولتين بصورة سريعة ومرعبة بعد مضي بضع أشهر من إعلان إستقلال الجنوب في الوقت الذي كان فيه الطرفان والشهود يؤملون بعد أن وضعت الحرب أوزارَها، أن تخفَ أيضاً أثقالهُا السياسية والإقتصادية والإجتماعية. بدلاً عن التقصي عن الأسباب التي قادت لذلك التدهور المؤسي للعلاقات لجأ المتحذلقة من الخبراء لتفسير ذلك الحدث باللجوء لنظرية المؤامرة، وتلك حجة من لا حجة له. لا غرو، فالحذلقة ? في بعض معانيها ? هي إدعاءُ المرء أكثرَ مما يعرف، أو العنادُ بلا جدوى. فما الذي وقع عقب إعلان خيار الجنوبيين للإنفصال؟
ثُمة أسبابٌ نفسية لعبت، في البدء، دوراً هاماً في تسميم الأجواء وقادت من بعد إلى قرارات نزوية من جانب، ورود فعل لا تقل عنها نَزواناً من الجانب الآخر النزوات في السياسة لا تقود إلا إلى أفعال وردود أفعال غير محسوبة العواقب. نزعم أن أولَ ما فوجئ به صناعُ القرار في الخرطوم، وأجج السَورَة في نفوسهم ليس هو قرار الإنفصال ? فقد أعلنوا رضاهم عنه وتأييدهم له ? عُنصُر الفُجاءة الأكبر كان في نسبة الجنوبيين الذين صوتوا للإنفصال 97.58% من المقترعين. وحين كان عدد المقترعين 3.792.518 مليوناً، أي ما يوازي 98.83% % من الناخبين المسجلين، كان الحد الأدنى المطلوب لإقرار الإنفصال هو 60% من المصوتين الفعليين. ردُ الفعل الطبيعي لذلك الحدث المفاجئ هو أن يقولَ طرفا الإتفاقية أنهما لم يفعلا كلَ ما كان يتوجبُ عليهما فعلُه لجعل الوحدة جاذبة وفق ما نصت عليه الإتفاقية، ثم السعي، من بعد إلى تهيئة الجو لكيلا لا يتحول الإنفصال السياسي الذي قضى به إتفاق سياسي بين الطرفين الحاكمين إلى قطيعة وجدانية بين الشعبين. قرار الإنفصال كان بلا شك صدمة للمواطن الشمالي الذي كان يتمنى أن يبقى القطرُ موحداً، إلا أن ردَ الفعل غير محسوب العواقب، والذي اسهم بقدر في تسميم الأجواء، جاء من متخذي القرار في الشمال وتجاوز أثرُه صانعي القرار في الجنوب إلى المواطن العادي فيه.
ما هو رد الفعل غير محسوب النتائج؟ في هذا المجال نتناول حدثين هامين: الأول هو الجنسية والثاني إقامة المواطنين الجنوبيين في الشمال طالما رغبوا في، أو إقتضت مصالحهم، ذلك. فحولِ الجنسية رفضت حكومة السودان مبدأ الجنسية المزدوجة التي دعا لها الجنوبيون، رغم أن دستور السودان يقر ذلك في مادته (7 ? 4) والتي تقول: «يجوز لأي سوداني أن يكتسب جنسية بلد آخر حسبما ينظمه القانون». صحيح أن في تجارب الدول قرارات غاضبة تشابه قرار حكومة السودان نحو مواطنيها ذوي الإصول الجنوبية، إلا أن الدول التي إتخذت تلك القرارات بادرت بخلق الأطر الدستورية لقراراتها تلك حتى لا تقعَ في حرج. مثالُ ذلك قرار دولة كرواتيا بإلغاء الجنسية المزدوجة في دستورها حتى تحمل مواطنيها، أو القاطنين فيها من الصرب، على التخلص من جنسية تلك الدولة قبل أن يحوزوا على الجنسية الكرواتية. القرار الثاني هو ذلك الذي قضى بترحيل مئات الآلاف من الجنوبيين القاطنين في الشمال إلى وطنهم الأصلي، أو بالأحرى إلى موطن أسلافهم. فعدد كبير من هؤلاء الجنوبيين ولد في الشمال ونما فيه، ومن هؤلاء من لم يشارك في الإستفتاء على تقرير المصير، ومنهم من شارك فيه وإختار الوحدة، بل منهم من كانوا قيادات فاعلة في الحزب الحاكم. ومع يقيننا بأن دوافع القرار لم تكن عرقية، إلا أنه من الصعب على أي جنوبي، بل أي مراقب، أن يذهب لغير ذلك التفسير خاصة وقد شمل القرار شخصيات جنوبية مسلمة كان لها دور فاعل في الحزب الحاكم.
إلى جانب هذين القرارين هناك قرار ثالث مس المواطن الجنوبي مساً مباشراً هو إيقاف التجارة مع الجنوب مما كان له أثرٌ بالغ في إنعدام السلع الضرورية، وإرتفاع إسعارها إرتفاعاً باهظاً لا يطيقه المواطن العادي. مع ذلك قد تكونُ لهذا القرار مبرراتٌ موضوعية أكثر من سابقيه لأنه جاء كرد فعل على النزاع بين الدولتين حول الترتيبات المصرفية.
على أي، سمم هذان العاملان جَو التفاوض بين الدولتين حول القضايا العالقة والتي كان من المقرر أن يفرَغَ الطرفان من معالجتها قبل التاسع من يوليو 2011م (موعد إعلان إستقلال الجنوب). ومن الغريب أن المفاوضات حول بعض هذه الإمور ظلت تسير بسلاسة في الشهور الأولى بعد الإستفتاء بإسهام مشكور من لجنة الإتحاد الأفريقي التي يرأسها تابو أمبيكي الرئيس السابق لجمهورية جنوب أفريقيا بعون من دول الإيقاد، ودولة إثيوبيا، والوسطاء الدوليين الذين أسهموا في الوصول إلى إتفاقية السلام الشامل: الولايات المتحدة، بريطانيا، النرويج، إلى جانب الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد. في جميع هذه الحالات كان المتفاوضون يستهدون في جهودهم بمبادئ القانون الدولي حول خلافة الدول (Succession of States) وتجارب الدول المماثلة.
الإنفعالات الغاضبة، وما صحبها من كيدَ وكيدَ مضاد، جعلت من العسير أن تكون المعالجة للقضايا العالقة معالجة موضوعية، وأن يتم حسمها قبل إنفصال الجنوب. التلكؤ في حسم هذه القضايا أدى إلى تفجير المواقف فيما بعد. وعلى رأس تلك القضايا مصير منطقة أبيي، والوضع النهائي للقوات المشتركة المدمجة خاصة تلك التي تعسكر في الولايات الشمالية: جنوب كردفان والنيل الأزرق. وبدلاً من إيجاد حلول مرضية وعادلة ينصرف بعدها الطرفان ليس فقط إلى خلق البيئة المواتية للتعايش السلمي بين الدولتين، بل أيضاً إلى إرساء قواعد التعاون المفضي إلى تكامل بينهما، تحولت إلى أدوات ضغط في الحوار حول القضايا الإقتصادية وعلى رأسها قضية إقتسام عائدات، وترحيل وتسويق النفط. أشد وبالاً من القرارات النزوية غير محسوبة النتائج لجوء عناصر مسئولة من الطرفين إلى إستخدام الإعلام للتخاطب مع بعضهما البعض في غير روية وإحكام. وعندما يكون هذا التفلت الإعلامي لحظات التفاوض حول قضايا مصيرية كثيراً ما يقود إلى عواقب جاءت عن قصد أو دون حسبان (unintended consequences) مثل هذه العواقب لا يُعاب عليها الإعلاميون الذين يستهوي أغلبهم السبق الفحص كما تستهوي بعضهم الإثارة، وإنما يُعابُ عليها السياسيون الذين كان ينبغي أن يدركوا أن الصمت من ذهب، خاصة حول القضايا التي لا يمكن معالجتها إلا عبر الدبلوماسية الهادئة. وعلنا نذكر هنا أن رئيس الحركة قد اصدر توجيهاً للوفد المفاوض لوفد حكومة السودان خلال مفاوضات السلام بان تصدر جميع التصريحات حول سير المفاوضات من رئيس المجموعة المفاوضة أو الناطق الرسمي بإسم الحركة، فيما يليه. أهم من ذلك كان توجيه لكليهما بأن تتوخى التصريحات الحقيقة وأن تكون قوية مؤثرة وملتزمة باحترام الآخر. (factual, rabust and respectful to others) فإن كانت تلك هي الوصفة اللازمة للتعامل بين التمفاوضين والحرب دائرة، فما أحرى المتفاوضين بالإلتزام بهذه الوصفة في مرحلة السلام لكيلا يفقد السودان الوحدة والسلام معاً. هذه الإعتبارات مجتمعة أدت إلى عرقلة سير المفاوضات في أكثر الفترات حرجاً، أي الفترة التي بدأ فيها الحوار الجاد حول إقتسام عائدات النفط، التي تمثل موضوع حياة أو موت بالنسبة للدولتين. فإن كان الجنوب ? في وضعه الراهن ? يعتمد على عائدات النفط بما لا يقل عن 97% للإيفاء بإنفاقه الإداري، والخدمي، والأمني، فإن الشمال يعتمد بنسبة 60% على إنفاقه في هذه المجالات من ذات المصدر. ودون عودة للروح التي سادت المفاوضات، والنأي عن الكيد والكيد المضاد، لا يمكن للدولتين أن تصبحا دولتان قابلتين للنمو الطبيعي.

مامون غير متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة مامون ; 02-02-2012 الساعة 04:19 PM.
قديم 01-24-2012, 07:38 PM   #2
مامون


الصورة الرمزية مامون



مامون is on a distinguished road

افتراضي رد: موضوع يستحق المتابعة : ورقة د. منصور خالد


أنا : مامون




متابعة الجزء الثانى من ورقة د. منصور خالد لمن يهتمون بهذه المسألة :



التفاعلات الإقليمية والدولية لإستقلال جنوب السودان (2)

دولة الجنوب والجوار الأفريقي القريب

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
منصور خالد: تنشر «الصحافة»، فيما يلي نص الورقة التي قدمها د.منصور خالد في المؤتمر الذي نظمه مركز الجزيرة للدراسات تحت عنوان (دولتا السودان: فرص ومخاطر ما بعد الانفصال)الأسبوع الماضي في الدوحة
8. نترك الخارج القريب (حسب التعبير الروسي) لننتقل إلى دول الجوار الجغرافي الأخرى: إثيوبيا في الشرق، ويوغندا وكينيا، وجمهورية الكونغو الديموقراطية في الجنوب، وأفريقيا الوسطى في الغرب. نقتصر الحديث على الدول الثلاث الأولى خاصة بما لها من علائق توثقت أثناء الحرب الأهلية، وأصبح (بسبب من هذا) لكل واحدة منها على الجنوب يدٌ سلفت، وعليه نحوها دينٌ مستحق. فأثيوبيا كانت هي نقطة الإرتكاز الأولى للعمل العسكري للجيش الشعبي في عام 1983م. تلك العلاقة لم تفتر إلا في فترة قصيرة أعقبت سقوط نظام منقستو. لأثيوبيا أيضاً حدود مشتركة مع جنوب السودان تعيش في جانبيها، وتتنقل عبرها، قبائل ذات أصل مشترك مثل الأنواك والنوير. ولعلنا نضيف ? ونحن في معرض الحديث عن الدول التي اسهمت في دعم العمل السياسي والعسكري للحركة الشعبية ? دولة إريتريا رغم انها ليست من الدول المحادة للجنوب. الدور الذي لعبته إريتريا إلى جانب إثيوبيا في دعم الحركة الشعبية خلال فترة نضالها لم يقتصر على المجال العسكري بل شمل أيضاً، السعي لدى الخرطوم للوصول إلى سلام عبر التفاوض، وتأهيل الكوادر الجنوبية في معاهد الدراسة المختلفة في البلدين. لكل ذلك كان من الطبيعي لجوء حكومة الدولة الجديدة إلى هاتين الدولتين لإعادة تنظيم مؤسساتها الأمنية والدفاعية، وتدريب الكوادر العاملة في هذه المؤسسات. كما ليس من الغريب أن يكون أول من جَسِروا على الإستثمار في الجنوب في مجال البناء والفندقة والنقل هم الأثيوبيون والأريتريون.
الدولتان الأخريتان: كينيا ويوغندا إستضافتا خلال الحرب أكبر عدد من لاجئي الجنوب، وظلتا المركز الرئيس لنشاط الحركة الشعبية السياسي والدبلوماسي. كما وفرت الدولتان فرص التدريب والتأهيل للمئات من الكوادر التي تحفل بها الآن الخدمة العامة الجنوبية، خاصة لسد فجوات عديدة في تلك الخدمة بسبب غياب مهارات معينة بين آلاف موظفي الخدمة القدامى، أو أولئك الذين إرتحلوا إلى جنوب السودان من شماله. من جانب آخر، ظلت كينيا هي المنفذ البحري الوحيد للجنوب إبان الحرب، وأستمرت على هذا الحال بعد حلول السلام بحكم قرب موانيها (ممباسا) من العاصمة جوبا والمنطقة الإستوائية في جنوب السودان. لكل هذه الأسباب لم يكن غريباً أن تحتل الدولتان مكاناً مميزاً لدى الدولة الجديدة ? حتى قبل الإنفصال ? في مجالات التجارة، والتبادل السلعي، والخدمات المصرفية. وبالطبع كان لهذا الإنفتاح نتائج سلبية تمثلت في إندماج أعداد كبيرة من مهربي البضائع، والمتاجرين في السلاح، والساعين للكسب غير المشروع. رغم ذلك فإن علاقة دولة جنوب السودان مع هاتين الدولتين مرشحةٌ للمزيد من التطور بحكم أنهما تمثلان ? إلى جانب تانزانيا ? قطب الرحى في مجموعة شرق أفريقيا (East African Community)، خاصة بعد توسع المجموعة في عام 2000م بإنضمام رواندا وبوروندي لها جاء ذلك بعد فترة من الصراعات السياسية ? أو قل الخلافات المذهبية ? بين أعضاء المجموعة الثلاث الأول. في تجليها الجديد تتجه المجموعة نحو تكامل إقتصادي يشمل الإتحاد الجمركي، العملة المشتركة، إلغاء الحواجز التي تحول دون إنسياب العمالة والخدمات ورؤوس الأموال، توحيد سمات دخول الأجانب لدول المجموعة، إستخدام البطاقات الوطنية لعبور حدود دول المجموعة. جنوب السودان يسعى الآن إلى الإنضمام إلى تلك المجموعة بحكم جواره لكينيا ويوغندا إذ أن الجيرة المباشرة لأي من دول المجموعة هو شرط وجوب للإنضمام لها. ولكن ما يلفت النظر إبداء جمهورية السودان الرغبة عقب إنفصال الجنوب في الإنضمام لتلك المجموعة، في حين انها لم تُبد تلك الرغبة منذ عام 2000م عند توسع المجموعة، أو خلال الفترة الإنتقالية. ثُمة ما يلفت النظر سببان: أولهما هو عدم إمكانية إنضمام جمهورية السودان لمجموعة لم تعد تجاورها. فلو حدث ذلك قبل الإنفصال لحق لها ذلك بإعتبار حدودها الجنوبية مع كينيا ويوغندا، اما بعد الإنفصال فلا سبيل لها للإنضمام للمجموعة إلا بحكم جوارها لدولة جنوب السودان متى ما صارت تلك الدولة عضواً المجموعة. ثانياً إن كان ما تتغيأه جمهورية السودان من الإنضمام لتلك المجموعة هو التكامل الإقتصادي على النحو الذي تسعى له مجموعة شرق افريقيا، أي الإتحاد الجمركي، إنسياب رأس المال والعمالة والخدمات دون قيود، تحرك المواطنين ببطاقاتهم الوطنية، توحيد النظام المصرفي والعملة يصبح من الغريب رفض جمهورية السودان كل هذه الحقوق التمايزية داخل فضاء جغرافي كان موحداً حتى يوليو 2011م ثم السعي، من بعد، إلى الحصول عليها عبر وسيط خارجي هو مجموعة شرق أفريقيا. فالذي تسعى له جمهورية السودان اليوم عبر الإنضمام للمجموعة هو الإستفادة من مزايا الإنتاج الكبير، والوفورات المترتبة عليه، وإزالة الآثار الناجمة عن التنافس العشوائي، وإنهاء مفاهيم القومية الإقتصادية (economic nationalism) هذا، هو عين ما كان من الواجب قيامه بين شمال السودان وجنوبه. هذا نموذج آخر للسياسات النزوية . وبما أن التكامل المنشود هو، في جوهره، تكامل إقتصادي، وبما أن الإقتصاد علم عدد وحساب. يختلط العدد، ويضطرب الحساب كلما تدخلت فيه النزوات السياسية.
9. عامل آخر يضفي أهمية على دول الشرق الأفريقي المجاورة لجنوب السودان، خاصة يوغندا وكينيا وأثيوبيا هو موضوع مياه النيل، وهو أمر يفضي بالضرورة إلى العلاقة مع مصر. المصدران الأساسيان لمياه النيل هما بحيرة فكتوريا في يوغندا، وبحيرة تانا في إثيوبيا. هذان المصدران ترفدهما بالمياه مصادر أخرى بعضها في أثيوبيا وبعضها الآخر في أفريقيا الإستوائية (الكونغو وتنزانيا، بورندي). ما يعنينا هنا هو أن ثمانين بالمائة من مياه النيل التي تتدفق من خلال السودان إلى مصر تجئ من إثيوبيا عبر (النيل الأزرق ونهري السوباط وعطبرة)، في حين يجئ ما تبقى من المياه (20%) عبر النيل الأبيض من مصدره الرئيسي (بحيرة فكتوريا في يوغندا). وفي الحالتين لا يضيف السودان (شماله وجنوبه) إلى هذين المصدرين شيئاً إلا نذراً يسيراً من نهري بحر الغزال وبحر الزراف في جنوب السودان تضيع مياهه بالتبخر في مستنقعات مشار.
10. ما هو، إذن، موقع جنوب السودان من موضوع مياه النيل إن كان هو دولة عبور لا دولة منبع، وإن كانت المياه الوحيدة التي يرفد بها حوض النيل تذهب هباءً عبر التبخر؟ إن الحديث عن مياه النيل لا يستقيم إلا بإستعراض موضوعين: الأول هو إستخدام المياه، والثاني موضوع أقحمه المتحذلقون حول العلاقة بين دولة جنوب السودان وإسرائيل، وما يتوهمونه من رغبة للدولة العبرية لخنق مصر مائياً عبر جنوب السودان. هذا زعم لا يصدر من خبراء الري وفقهاء قوانين المياه، بل ممن يطلقون على أنفسهم، أو ينُعتون بالخبراء الدبلوماسيين أو الخبراء الإستراتيجيين «وهم من كل حَدب يَنسِلون». كما لا يصدر إلا من شخص يجهل تاريخ الصراع على مياه النيل، ولا يلم بالطوبوغرافيا المائية للنيل، ويتجاهل طبيعة العلاقات القديمة بين الجنوب وإسرائيل، والراهنة بين مصر وإسرائيل، وبينها وبين جنوب السودان. ولو كان في مقدور إسرائيل أن تفعل ذلك قبل تطبيع علاقاتها بمصر في عهد السادات لفعلته مع دول المنبع التي تعود علائقها معها إلى ستينات القرن الماضي: إثيوبيا، يوغندا كينيا.
ما هي إذن، قضية المياه بالنسبة لمصر؟ مصر، بخلاف كل دول حوض النيل، تعتمد إعتماداً كلياً على مياه النيل، ولهذا لم يخطئ من أسماها بهبة النيل. بيد أن مصر هي دولة واحدة من دول حوض النيل الذي يغطي حوض مجراه المائي (catchment area) مساحة 2.9 مليون كيلومتر2. وحتى هذه اللحظة فإن الدولتين المستفيدتين من مياه النيل هما مصر والسودان إما بموجب إتفاقية تمت بين الدولتين في عام 1959م (وقعت على عهد الرئيسين عبد الناصر و عبود)، أو إتفاقيات وضعتها الدول الإستعمارية بهدف حماية مصالح مصر المائية. تشمل تلك الإتفاقيات البروتوكول الموقع بين بريطانيا (نيابة عن مصر) وإيطاليا (نيابة عن الحبشة) في عام 1891م؛ المعاهدة الموقعة في بروكسل في عام 1894م بين بريطانيا (نيابة عن مصر) ودولة الكونغو الحرة وتعديلاتها في عام 1906م؛ الإتفاقية الموقعة من جانب بريطانيا (نيابة عن مصر) وإمبراطورية إثيوبيا ودولة إيطاليا في عام 1906م؛ إتفاقية مياه النيل في عام 1929م والتي وقعتها بريطانيا نيابة عن دول شرق أفريقيا (كينيا، تنجانيقا، يوغندا)؛ المذكرات المتبادلة بين بريطانيا (نيابة عن دولة يوغندا) مع مصر. جميع دول المنبع فيما يعرف بالحوض الشرقي (إثيوبيا) أو في الحوض الإستوائي (كينيا، تنزانيا، يوغندا) لم تكن فقط لا تملك زمام أمرها في ذلك الزمان، بل لم تكن أيضاً في مستوى تنموي يسمح لها بإستغلال مياه النيل للزراعة، أو توليد الطاقة الكهرومائية. كما أن جل إعتماد هذه الدول في المجال الزراعي كان على الأمطار. وبتطور هذه الدول، وتصاعد إحتياجاتها التنموية، وتضاعف عدد سكانها، وتقلص كثافة الأمطار فيها لعوامل أيكلولوجية مثل إنحسار الغطاء النباتي، أخذت هذه الدول تطالب بمراجعة تلك الإتفاقيات بالقدر الذي يمكنها من الإيفاء بإحتياجاتها المائية الراهنة والمستقبلية. فالصراع الذي يدور اليوم هو صراع وجودي؛ والصراعات الوجودية لا تُحسم بإنكار الحقوق المشروعة، أو إفتعال المعارك، أو الحذلقة. معالجة مثل هذه الصراعات يكون بالتقويم الموضوعي لعناصر النزاع. من هذه العناصر الحفاظ على حقوق مصر المكتسبة لأن أي إنتقاص من هذه الحقوق لا يصبح فقط إفتئاتاً على قوانين المياه الدولية بل قد يكون مشروعاً لإبادة شعب. في ذات الوقت لابد من التعامل مع مطالب دول حوض النيل العليا بإعتبارها مطالب مشروعة لا ذرائع تتكي عليها هذه الدول لإيذاء غيرها. ما هو الحل؟
الحل يكمن في جنوب السودان الذي يؤهله وضعه الأيكولوجي والطبوغرافي لتوفير مياه إضافية لدولتي العبور والمصب (شمال السودان ومصر). فمن بين المقترحات التي ظلت مطروحة منذ عام 1904م زيادة حجم المياه المتوفرة لدولتي العبور والمصب (السودان ومصر) بتنفيذ ما يسمى بمشروعات أعالي النيل. فحصاد الماء الإضافي (إن إستثنينا الإجراءات التي يجب على الدول المستخدمة لمياه النيل إتخاذها لترشيد إستخدام المياه) يتم عبر مشروعات تقع جميعها في جنوب السودان. تلك المشروعات تشمل مشروعي قناتي جونقلي الأولى والثانية. العمل في المشروع الأول بدأ في عهد الرئيس نميري في منتصف سبعينات القرن الماضي وقطع تنفيذه شوطاً بعيداً إلا أنه تعطل عند بداية الحرب الأهلية في عام 1983م. ويقوم المشروع على تجفيف منطقة السدود في ولاية جونقلي بجنوب السودان حيث تروح كميات كبيرة من مياه النيل هدراً بسبب التبخر. وحسب التقديرات التي قام بها خبراء الري في مصر والسودان سيوفر هذا المشروع حصاداً مائياً يبلغ حجمه 4 بليون متر مكعب في العام يتم إقتسامها بالتساوي بين مصر والسودان. أما المشروع الثاني فيقوم على حصاد المياه المتبخرة من نهري الغزال والزراف بجنوب السودان في مستنقعات مشار، ومن المؤمل أن يوفر هذا المشروع نفس الحجم من المياه لمصر والسودان.
وإدراكاً منها لأهمية هذه المشروعات حرصت مصر (قبل إستقلال الجنوب) على توسيع علائقها مع الجنوب في كل المجالات، بما في ذلك مجال تطوير وصيانة الموارد المائية. بل أنها شرعت منذ في النصف الثاني من الفترة الإنتقالية في الدخول في مشروعات تعاون متعددة بين حكومة مصر وحكومة جنوب السودان وكان من أهم مجالات التعاون قياس النيل، تطهير مياه النيل، تدريب الكوادر في مجالات هندسة المياه، والتعليم الذي من بين مشروعاته إنشاء فرع لجامعة الإسكندرية في الجنوب. في ذات الوقت أكدت حكومة جنوب السودان يومذاك إلتزامها بإتفاق مياه النيل بين مصر والسودان في عام 1959م كما أبدت رغبتها في السعي على أن يكون هناك وفاق بين دول حوض النيل الإستوائي (يوغندا، كينيا رواندا، تنزانيا، الكونغو)، من جانب، ومصر من جانب آخر.

مامون غير متواجد حالياً  
قديم 01-25-2012, 11:18 AM   #3
محمد جمرة
مُشرف المنتدى العام

الصورة الرمزية محمد جمرة



محمد جمرة is on a distinguished road

افتراضي رد: موضوع يستحق المتابعة : ورقة د. منصور خالد


أنا : محمد جمرة





فعلا والله يستحق المتابعة
لك الشكر أستاذ مامون

محمد جمرة غير متواجد حالياً  
قديم 01-26-2012, 06:24 PM   #4
مامون


الصورة الرمزية مامون



مامون is on a distinguished road

افتراضي متابعة : الجزء الثالث والاخير من ورقة د. منصور خالد


أنا : مامون




متابعة : الجزء الثالث والاخير من ورقة د. منصور خالد

التفاعلات الإقليمية والدولية لإستقلال جنوب السودان (33)
تعاون حركات جنوب السودان مع إسرائيل ليس بالأمر الخفي

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

منصور خالد: تنشر «الصحافة»، فيما يلي نص الورقة التي قدمها د.منصور خالد في المؤتمر الذي نظمه مركز الجزيرة للدراسات تحت عنوان (دولتا السودان: فرص ومخاطر ما بعد الانفصال)الأسبوع الماضي في الدوحة
11. علنا بعد أن فرغنا من الحديث عن الجيرة الجَنب للدولة الجديدة وعن مصر التي سيظل جنوب السودان مجالاً حيوياً لها، ننصرف لحديث عن دول أخرى هي أبعد جغرافيا لكن تجمعها مع تلك الدولة أما علاقات تاريخية، او مصالح إقتصادية، أو هموم مشتركة. في هذا الإطار تندرج الدول الأفريقية التي ظلت ذات علاقات وثيقة مع الجنوب خلال فترة النضال: دول الجنوب الأفريقي، نجيريا، غانا؛ او الدول العربية التي حرصت على توثيق علائقها مع الجنوب حتى قبل الإنفصال؛ او تلك التي جاءت بها إلى جنوب السودان ثرواته النفطية؛ أو دول الشمال (أمريكا الشمالية، أوروبا) التي كان لأغلبها دور هام في الدعم الدبلوماسي والإنساني للجنوب خلال فترة الحرب عن طريق برنامج شريان الحياة الذي كانت تقوم بتنفيذه منظمة اليونيسيف، أو خلال فترة التفاوض (أمريكا، بريطانيا، النرويج، إيطاليا)، او بعد السلام في مجال تطوير القدرات والبنية التحتية. العلاقات مع الدول الأفريقية المشار إليها لم تفتر بعد الإنفصال بل إزدادت متانة إذ اصبحت جنوب افريقيا مثلاً هي اهم مراكز تدريب كوادر الخدمة العامة، وأصبح رئيسها السابق تابو امبيكي، كما أسلف الذكر، رئيساً للجنة الأفريقية التي أوكل لها الإتحاد الأفريقي متابعة مشكلة دارفور والقضايا العالقة بعد إنفصال الجنوب. أما الدول التي أتت بها إلى الجنوب ثرواته النفطية: الصين، ماليزيا، الهند فقد اصبحت الأولى منها (الصين) على رأس شركاء الجنوب في تنميته، خاصة في مجالات البنى التحتية، كما اصبح للهند وماليزيا دور متعاظم في تأهيل الكوادر، ليس فقط في مجال النفط، بل في مجالات أخرى كالهندسة والمعلوماتية. وإن كانت هناك من مشكلة قد تطرأ بين حكومة الجنوب والدول المشاركة في إنتاج النفط فربما تكون في مراجعة إتفاقيات النفط التي يرى بعض الجنوبيين أنها تمت تحت إكراه (duress). هذا الظن نابع من أن تلك الإتفاقيات ابرمت في ظروف الحرب، وفي وقت كانت فيه حكومة السودان واقعة تحت حصار دولي قاهر. أما من جانب الدول العربية فقد سعى رئيس حكومة الجنوب ? قبل الإنفصال ? إلى إنشاء علاقات مع عدد من الدول العربية إلى جانب العلاقة التي رسخت مع حكومة مصر وأحزابها منذ فترة النضال. في هذا المجال بادر رئيس حكومة الجنوب بزيارة المملكة الأردنية الهاشمية التي تطوعت بتدريب كوادر الخدمة العامة التي يحتاجها الجنوب، ودولة قطر التي أكدت رغبتها في الولوج في مجالين هما: التشييد والزراعة، ودولة الإمارات التي أنشأت أكبر مشروع للسياحة البيئية في المنطقة، والكويت التي ظلت هي البلد العربي الوحيد المشارك في صناعة النفط كجزء من مجموعة توتال الفرنسية. ومن المفيد أن نشير ? ونحن في قطر ? إلى أن قطر هي الدولة العربية الأولى التي بادرت بإنشاء مصرف في جنوب السودان (بنك قطر الوطني) للمعاملات المصرفية والإستثمار. جميع هذه المشروعات لم تتعطل بسبب الإنفصال، ولا مصلحة للجنوب في تعطيلها. نضيف ايضاً أن الدولة الجديدة لم تبت بعد في أمر إنضمامها إلى منظمة الدول الإسلامية بالرغم من أن هناك مشروعات للبنك الإسلامي بدأ التشاور يهل قبل الإنفصال. المنظمة ليست منظمة دينية بل تجمع سياسي لدول يدين أغلب ? وفي حالات بعض ? أهلها بالإسلام، كما أن البنك ليس بمؤسسة خيرية تعول المسلمين بل هو مؤسسة تنموية تعين على الإنشاء والتعمير في دول الأعضاء، وتسهم في الإرتقاء بالخدمات الأساسية في هذه الدول، وتشجع مناشط القطاع الخاص الجاد، وتوفر الضمانات الإئتمانية للمشروعات المختلفة في داخل دول المنظومة. ولهذا السبب إنضمت للمنظمة كل الدول الأفريقية الإسلامية، وبعض الدول التي تضم بين سكانها مجموعة مسلمة ? أياً كان حجمها ? مثل نيجريا ويوغندا. وخارج افريقيا تسعى الهند إلى الإنضمام للمنظومة رغم أن عدد المسلمين فيها لا يتجاوز العشرة في المائة، هذا بحكم النسبة أم بحكم العدد فيربون على المائة مليون نسمة. ولا شك في أن الدولة الجديدة ستهتدي بكل هذه الإعتبارات ? السياسي والمصلحي ? قبل أن تتخذ قرارها. أما فيما يتعلق بالدول الأخرى فلاشك في أنها تدرك كما يدرك الجنوب ? أن الوضع الإستراتيجي للمنطقة، والإمكانات الضخمة المتوفرة فيها، ستظل تجعله مكان إهتمام كبير. بيد ان كبرى المشاكل التي قد تحبط كل هذه الجهود هي ، أولاً عدم الإستقرار في المنطقة بسبب الصراعات الإثنية، والتي كثيراً ما يؤجج نيرانها بعض السياسيين الطامحين. هذا أمر ليس بالغريب في منطقة خرجت لتوها من حروب متتالية وما زالت حكومتها تسعى للقضاء على رواسب الحرب. ثانياً ضعف أجهزة الدولة الرقابية والمحاسبية الذي فتح الباب واسعاً للتخبط في القرارات والفساد. هذان الموضوعان إحتلا حيزاً كبيراً في ندوة الإستثمار في جنوب السودان التي نظمتها وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطون في الفترة ما بين 14 إلى 15 ديسمبر 2011م. رغم ذلك، يبقى جنوب السودان هو آخر التخوم للإستثمار (for investment ultimate frontier) لأنه يكاد يبدأ من الصفر في كل مجال من مجالات الإستثمار، ولأنه يملك من الموارد الطبيعية ما لا يملكه إقليم آخر. ولا شك في أن الذين قرروا إقتحام ذلك التخم الوَعِر يدركون هذا، بل منهم من شبه المشاكل التي تكتتف جنوب السودان اليوم بمحاولة إصلاح طائرة وهي محلقة في السماء. ومن الجلي من توافد المستثمرين على الجنوب من كل أصقاع العالم أن الأعطاب التي تنتاب تلك الطائرة لم تمنع الكثيرين من إمتطائها.
نختتم هذه الورقة ? دون أن نقول ختامه مسك ? بعلاقات الدولة الناشئة مع إسرائيل. العلاقات بين حركات جنوب السودان نشأت على يد الجنرال جوزيف لاقو قائد الأنانيا (الإسم الذي كانت تطلقه المقاومة المسلحة ضد حكومة السودان على جيشها) في منصف ستينات القرن الماضي. وتطورت تلك العلاقة بعد فشل مؤتمر المائدة المستديرة 1965م الذي كان هو آخر المحاولات في عهد الأنظمة الديموقراطية لحل ما كان يسمى بمشكلة الجنوب. ولو قيض لتلك المفاوضات أن تنجح لأُسقط في يدي ثوار الأنيانيا وقائدهم. كما لو كان الموقف العربي من قضية الجنوب أكثر موضوعية لما حُمل أولئك الثوار على اللجوء إلى إسرائيل، أو بالأحرى لما تمكنت إسرائيل من إجتذابهم إليها. قضية الجنوب كانت في حسبان أغلب الدول العربية هي مؤامرة إستعمارية لتمزيق السودان، ومحاولة صليبية لإيقاف المد الإسلامي. وعندما إتجه السودانيون في عام 1972م إلى أمر جَزم إنتهى بمنح الجنوب حكماً ذاتياً وضعت الحرب الأهلية التي دامت سبعة عشر عاماً أوزارها، وأعقب ذلك سلام دام لعشر سنوات. في خلال هذه السنوات العشر أصبح جوزيف لاقو ? عراب العلاقة مع إسرائيل ? نائباً لرئيس جمهورية السودان لعقد من الزمان، بل أصبح بعد إنهيار نظام مايو وفي عهد نظام الإنقاذ سفيراً لذلك النظام في الأمم المتحدة يتحدث بإسمه ويدافع عن قضاياه. اما في الحرب الأهلية الثانية لم تكن الحركة الشعبية في حاجة إلى دعم إسرائيلي عسكري إذ أغناها عن ذلك تحالف قد يبدو غريباً : فأكبر الدول التي أسهمت في دعم الحركة عسكرياً هي ليبيا القذافي، وإثيوبيا منقستو، ثم اليمن الجنوبي فيما كان يعرف يومذاك بمثلث أديس أبابا ? طرابلس ? عدن. مع ذلك، كان للجماعات المناصرة لإسرائيل في الولايات المتحدة دور هام في دعم المعارضة السودانية وعلى رأسها الحركة الشعبية عبر جماعات الضغط في واشنطن في دوائر صنع القرار: الكونغرس، وزارة الخارجية، معاهد البحوث، جماعات حقوق الإنسان ومحاربة الرق. رغم ذلك أفلحت الحركة - أو على وجه التحديد قائدها جون قرنق ? في إنهاء الحصار العربي الذي كان مفروضاً على الحركات السياسية ذات المنبت الجنوبي حتى أضحت القاهرة هي أكبر المنابر الدبلوماسية للحركة في الوطن العربي.
هذه مقدمة ضرورية لإبانة بضع إمور:
أولاً أن تعاون حركات جنوب السودان مع إسرائيل ليست بالأمر الطارئ أو الخفي حتى يُذهل البعض. ثانياً أن ذلك التعاون ? خاصة في بداياته في ستينات القرن الماضي ? كان رد فعل على تصوير أغلب الدول العربية بإيعاز من الأنظمة الحاكمة في الشمال للحرب التي ظلت تدور رحاها من 1955م إلى 2005م ? أي على مدى نصف قرن من الزمان ? بأنها نتاج مؤامرة خارجية وكأن لم تكن هناك أسباب ودوافع داخلية للحرب. ثالثاً أن إرتباط الجنوب بإسرائيل الذي جاء في بدايته نتيجة لتقاطع مصالح لم يمنع قادة تلك الحركات من تسنم أعلى درجات المسئولية في الدولة السودانية: العلماني منها والإسلامي. لهذا لا ينبغي أن تكون إقامة دولة الجنوب لعلاقة دبلوماسية مع دولة إسرائيل مصدر عجب أو إستغراب بحكم العلائق القديمة غير المنكورة. كما لا ينبغي أن تكون مصدر عجب في ظل وجود علاقات بين الدولة العبرية ودول عربية منها المعلن، ومنها المستتر وجوباً. هذه الحقائق كانت واضحة لصانع القرار السياسي في السودان، فقبل بدء الدولة الجديدة في صوغ علاقاتها الدبلوماسية توجه صحفي بسؤال للرئيس عمر البشير حول ما أعلنته دولة الجنوب عن عزمها على إقامة علاقات مع دولة إسرائيل. على ذلك السؤال رد الرئيس البشير قائلاً: «من حق دولة الجنوب المستقلة أن تقيم أية علاقات مع من تريد شريطة أن لا يكون الهدف من العلاقة هو التآمر ضد السودان».
الأمر إذن لا يتعلق بإقامة دولة الجنوب المستقلة لعلاقة مع إسرائيل، ولا بالمصالح التي تسعى الدولة الجديدة لتحقيقها لنفسها عبر هذه العلاقة دون أضرار بغيرها، وإنما يتعلق بالذي تبتغيه إسرائيل من تلك العلاقة. فمن حق الجنوب ? أن اراد ? أن يستفيد من خبرات الدولة العبرية في مجالات كثر أظهرت فيها نجاحاً غير منكور، ولكن ليس من مصلحته أن يكون طرفاً في الإستراتيجيات الإقليمية لإسرائيل.
ولربما كان أكثر ما أثار ثائرة البعض ? في السودان وفي الوطن العربي ? الزيارةُ الأخيرة التي قام بها رئيس دولة الجنوب لإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالأولوية التي أعطيت لتلك الزيارة، والزمان الذي تمت فيه. فإختيار إسرائيل كأول دولة يزورها رئيس الجنوب بعد زيارته للولايات المتحدة لم يكن إختياراً موفقاً في رأي الكثيرين إذ ما أكثر الدول، بل القارات (أستراليا مثلاً) التي أسهمت أكثر بكثير مما أسهمت به إسرائيل في دعم الجنوب في سني حربه، كان ذلك في المجال الإنساني أو التنموي أو السياسي. ومنها من فتحت أبوابها لإيواء الالاف من الجنوبيين وأسرهم، ومن بين من آوتهم قادة مرموقين، وما زالت تفعل دون أن تطلب منهم الرحيل، ناهيك عن أن يكون ترحيلهم على رأس الموضوعات المطروحة للنقاش مع الدولة الناشئة كما فعلت إسرائيل. فإن كانت الولايات المتحدة مؤهلة بإمتياز لأن تكون أول دولة يزورها رئيس حكومة الجنوب بحكم إسهاماتها السياسية والدبلوماسية والإنسانية والمعنوية خلال سني الحرب، ودورها في صنع السلام، ثم إسهامها في متابعة تنفيذ إتفاقية السلام، إلى جانب كونها مقراً لمنظمات هامة كالأمم المتحدة والبنك الدولي، فإن إسرائيل لا يمكن بحال أن تكون هي الدولة الثانية التي تجدر بزيارة رئاسية من الدولة الجديدة. أما من حيث الزمان فلا غرابة في أن يزور رئيس الجنوب دولة تعترف بها حكومته ويحرص على تمتين العلائق معها. ولكن عندما تكون الزيارة لهذه الدولة في ظل نظام يُجاهر برفضه لكل الحقوق المشروعة لشعب كامل داخل دولته يصبح الأمر مصدر تساؤل، لا سيما أن كانت الزيارة من جانب رئيس دولة نشأت عبر نضال طويل من أجل الحقوق المشروعة للمواطن.
لإسرائيل، بلا شك، إستراتيجياتها في المنطقة العربية ? الأفريقية، بل العالمية. ونُخمن أن إهتمام إسرائيل بما يدور في السودان لا يتعلق بالطابع الديني للنظام الحاكم فيه، كان ذلك الإهتمام من منطلق سياسي، أو رؤيوي. فمن المنطلق السياسي لإسرائيل علاقات مستترة مع دول عربية تُحَكمِّ الشريعة في دستورها وقوانينها. ومن الناحية الرؤيوية فهي الدولة الوحيدة بين الدول التي تنمي نفسها للمنظومة اللبرالية في العالم التي تسعى إلى إقامة دولة يهودية ? أي قائمة على الدين ? يصبح فيها كل من عدا اليهود رعايا. لا خفاء في أن قضية إسرائيل مع النظام الحاكم في السودان قضية سياسية بسبب من علائقه مع إيران وحماس، واياً كانت الأسباب لتلك العلاقة، فلا مصلحة لدولة الجنوب في أن تكون شريكاً في، أو أداة لتنفيذ الإستراتيجية الإسرائيلية. كما لا تُخفي إسرائيل قلقها من صعود الإسلام السياسي في أكثر من بلد عربي خشية من إستقواء حماس بتلك التيارات الصاعدة للحكم. ومهما كان من أمر مخاوف إسرائيل فإن مخاوفها يجب أن تظل هي مخاوفها لا مخاوف الآخرين.
لهذا ما يتوقعه المرء من الدولة الوليدة هو حساب الإمور في مجال الدبلوماسية بميزان من ذهب، بدلاً من ردود الفعل الغاضبة. ونحن على ثقة أن الدولة الوحيدة ? وهي في أولى عتبات نموها ? مازالت في طور تكييف سياساتها الخارجية. لهذا فإن كثيراً من القرارات فيها هي قرارات فردية لا تأخذ في الإعتبار المشهد العام لما حولها. ومن بين الأفراد الذين يتخذون هذه القرارات، أو يوصون بها من لا يُلقى بالاً للقيم التي ناضلت الحركة الشعبية من أجلها. ولعله من المفيد للدولة الناشئة التملي في تجارب دول أفريقية أخرى ظلت تتخذ منها نبراساً للنضال. فبالرغم من أن أكبر جالية يهودية في افريقيا ذات نفوذ في مجال الأعمال والقانون والعلوم تقيم في جنوب افريقيا، وبالرغم من التبادل الدبلوماسي بين جنوب أفريقيا وإسرائيل، لم يسعَ رئيسٌ جنوب افريقي لزيارة دولة إسرائيل، بل كانت الزيارة الأولى في الإتجاه المعاكس من إسرائيل إلى جنوب أفريقيا في عام 2004م، أي بعد مضي ثمان سنوات من سقوط نظام الأبارثيد. تلك هي الزيارة التي قام بها نائب رئيس الوزراء أيهود أولمرت.
بنفس القدر فإن التعامل مع القرارات التي تصدر عن الدولة الجديدة ولا تلقى قبولاً في السودان أو خارجه بإطلاق تهم التخوين، أو التهجين للدولة الناشئة ستقود إلى ردود فعل قد لا تضر دولة الجنوب، ولكنها لا تفيد بحال أصحاب ردود الأفعال هذه. من بين ردود الأفعال الوصف المؤسف الذي أطلقه زعيم حمساوي كبير في وصف الدولة الجديدة. قال ذلك الزعيم عند سعي إسرائيل للحيلولة دون ضم فلسطين إلى الأمم المتحدة، أن تلك المنظمة إتسعت لتستوعب حتى «الدولة اللقيطة»، قاصداً بذلك دولة جنوب السودان. لم يذكر الزعيم دول الباسفيك التي نالت عضوية الأمم المتحدة مثل جزائر السولومون التي لا يزيد حجمها عن 28.400 كلم2 ولا يتجاوز سكانها نصف المليون نسمة؛ أو جزر مارشال التي لا يتجاوز حجمها 181 كلم2 ويقطنها 86.000 شخص، أو ساموا التي تحتل 2.800 كلم2 ويقطنها 180.000 مواطن، أو إمارة ليشتنستاين التي لا تزيد مساحتها عن 160 كلم2 ولا يزيد حجمها عن 23.000 كلم2 ويبلغ عدد سكانها 800.000 نسمة. لم يذكر كل هذه الدول الأعضاء، وإنما ذكر رعاه الله، دولة مساحتها في حجم مساحة فرنسا، وسكانها يقاربون الثمانية مليون، وأهم من ذلك ظل أهلها يناضلون من أجل حقوقهم المشروعة على مدى نصف قرن من الزمان. كما لم يدر أنه بإشارته تلك لم يسئ إلى تلك الدولة بقدر ما أساء للدولة الأم التي أنجبتها واقرت بشرعية نضال أهلها الطويل، وكانت الدولة الأولى التي إعترفت بها ثم أعقبتها جمهورية مصر العربية. التصريحات النزوية، كالقرارت النزوية في السياسة، تضر أكثر مما تنفع. أن ما تحتاج إليه جمهورية جنوب السودان الناشئة هو الوعي بطبيعة نشأتها بدلاً من الوصايا عليها؛ والإدراك السليم للتحديات التي تواجهها وعونها على تجاوز تلك التحديات بدلاً من التهجين والإستصغار لها، والتواصل وتبادل الراي معها لا الإستعلاء عليها.

مامون غير متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة مامون ; 02-02-2012 الساعة 04:14 PM.
 

مواقع النشر (المفضلة)
كاتب الموضوع مامون مشاركات 3 المشاهدات 1248  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:55 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
::×:: هذا المُنتدى لا يمثل الموقع الرسمي للطريقة الختمية بل هُو تجمُّع فكري وثقافي لشباب الختمية::×::

تصميم: صبري طه