12-26-2011, 12:39 PM
|
#1
|
المُشرف العام
|
حج القلوب بين الشوق إلى اللقاء والتعلق والرجاء
 |
|
 |
|
(1)
شد قومٌ كتب الله تعالى لهم الحج رحالهم للأرض المقدسة، وقد تحقق فيهم أعظم معاني العبودية لله تعالى، قد أجابوا نداء الخليل إبراهيم: (وأذن في الناس بالحج)، وامتثلوا قول الحق: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ).
فخرجوا من بيوتهم إلى ربهم مهاجرين، لأموالهم وأهلهم تاركين، من مخيط ثيابهم ومناصبهم متجردين، أحرموا لله، قد حسرت رؤوسهم، وصفت نفوسهم، وخشعت قلوبهم، وبالدمع سالت عيونهم، ألسنتهم رطبة من ذكر الله، تسبح وتلبي المخلوقات بتسبيحهم وتلبيتهم، فاجتمعوا في يوم الحج الأكبر، يوم المؤتمر الأعظم، يرجون رحمة الله ويخافون عذابه.
يا سائراً نحو النبي مشمراً
اجهد فديتك في المسير وفي السرى
وتذرع الصبر الجميل ولا تكن
في مطلب المجد الأثيل مقصرا
وتوخ آثار النبي فضع بها
متشرفاً خديك في عقر الثرى
واعلم بأنك ما رأيت شبيهها
مذ كنت في ماضي الزمان ولا يرى
(2) وعلى جانب آخر وقف قوم بين يدي الحق تعالى، لم يكتب لهم المسير إلى هذا الموقف العظيم، هزهم الحب والشوق إلى لقاء الله (والذين آمنوا أشد حباً لله)، كما قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: «فالشوق إلى لقاء الله عز وجل يُشَوِّقُه إلى أسباب اللقاء لا محالة، هذا مع أن المحب مشتاق إلى كل ما له إلى محبوبه إضافة … والبيت مضاف لله عز وجل، فبالحري أن يشتاق إليه لمجرد هذه الإضافة، فضلا عن الطلب لنيل ما وعد عليه من الثواب الجزيل». وهذا الحب والشوق المتأجج في القلوب لا تسكن جَذوتُه إلا بمُشَاهَدٍ يوجِّه المحب إليه أشواقَه، ويقضي به حنينه ويذَكِّرُه بالمحبوب سبحانه. وإذ قد منعهم العذر عن شد رحال الأجساد، توجهت قلوبهم وأرواحهم للقاء محبوبهم، وتعلقت بالبيت والمشاعر، فعظموها كما أمر الله* (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، كلما ذكر لهم البيت والمشاعر حنوا، وكلما تذكروا بعدهم بكوا وأنوا، ويحق لمن رأى الواصلين وهو منقطع أن يقلق، ولمن شاهد السائرين إلى دار الأحبة وهو قاعد أن يحزن، غبطة لمن وصلهم الله لا حسدا، لسان حالهم يقول: لله در ركائب سارت بهم
تطوي القفار الشاسعات على الدجى
رحلوا إلى البيت الحرام وقد شجا
قلب المتيم منهم ما قد شجا
نزلوا بباب لا يخيب نزيله
وقلوبهم بين المخافة والرجا
وألسنتهم تردد قول الشاعر المحب:
يا راحلين إلى منى بقيادي
هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
سرتم و سار دليلكم يا وحشتي
الشوق أقلقني وصوت الحادي
وما أرق وأجمل قول الشاعر:
ألا قل لزوار دار الحبيب
هنيئا لكم في الجنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضا
فنحن عطاش وأنتم ورود
|
|
 |
|
 |
|
|
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل
دخولك قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا |
|