مُنتديات الختمية

مُنتديات الختمية (https://www.khatmiya.com/vb/index.php)
-   المنتدى العام (https://www.khatmiya.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   حكم زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (https://www.khatmiya.com/vb/showthread.php?t=2683)

علي الشريف احمد 11-24-2010 01:59 PM

حكم زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
 

بسم الله الرحمن الرحيم

http://4.bp.blogspot.com/_GeugK3-x0F...9%E2%80%A1.jpg


الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها وعلى آله وصحبه وسلم
وبعد
الاخوة أحباب المصطفى
فى هذه الأيام المباركة يفد الحجاج من كل فج عميق متجهين إلى المدينة المنورة فى طريقهم لأداء فريضة الحج
فما حكم زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ؟؟؟
إليكم هذا المبحث عن هذا الموضوع الهام
1 حُكم زيارته صلى الله عليه وسلم

من السنن المؤكَّدة قصد المدينة المنوَّرة مُهاجر الحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لمشاهدة الروضة المطهّرة التي هي روضةٌ من رياض الجنّة، قال صلى الله عليه وسلم:

«ما بين بيتى ومنبري روضةٌ من رياض الجنَّة...» متفق عليه من حديث أبي هريرة وعبد الله زيدوفى رواية مسند أحمد( مابين قبرى).

وزيارة سيد الخلق المبعوث رحمةً للعالمين ولكافة الناس بشيراً ونذيراً لقوله صلى الله عليه وسلم:«منْ حجَّ البيت ولم يزرني فقد جفاني» رواه الدارقطني.

وفي حديث آخر:«مَنْ وَجَدَ سعَةً ولم يفد إليَّ فقد جفاني».

إنَّ هذه الزيارة للسيد الأعظم صلى الله عليه وسلم بعد مماته كزيارته في حياته فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «من حجَّ فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي»رواه الدارقطني وغيره.

2 أدب الزيارة

وينبغي لمن أراد زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُكثر من الصلاة والسلام عليه في مسيره إلى تلك الزيارة الشريفة، فإذا لاح له حرم المدينة المنوَّرة وبدت له أشجارها أكثرَ من الصلاة والسلام على رسول الله، فإذا شارف المدينة فعليه أن يدخلها ماشياً إن أمكن ثم يغتسل ويتنظَّف ويلبس أحسن الثياب ويتطيَّب ظاهراً، حتى إذا بلغ المسجد النبوي فعل ما يفعله المرء حين يريد الدخول على العظماء فوقف قليلاً كالمستأذن، وعند دخوله المسجد النبوي الشريف يقصد الروضة المطهَّرة وهي ما بين قبره صلى الله عليه وسلم ومنبره فيُصلي ركعتين تحية المسجد بجانب المنبر والأوْلى أن تكون في المحل الذي كان يُصلِّي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ يدعو بما يشاء مُعِدّاً نفسه للمثُول بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إعداداً باطناً ثم ينهض للزيارة.

3 فائدة الزيارة وغايتها

تُرى لماذا حثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الزيارة؟. وما هو المقصود منها؟. أم ماذا يجد الإنسان في زيارته؟. وماذا يجنيه من الخير؟.

وفي الجواب عن هذا نقول:

للإنسان نفسٌ وروح وجسد:

فالروح:هي ذلك النور الإلهي الساري في الجسد والذي بسببه تقوم الحياة فيه فينمو ويتحرك ويباشر الأعمال.

وأما النفس:فهي ذات الإنسان المعنوية الشاعرة، مستقرها في الصدر وأشعتها ساريةٌ في جميع أنحاء الجسم، وهي العنصر الأساسي في هذا الإنسان فهي التي تغضب وترضى، وهي التي تخاف وتخشى، وهي التي تسرّ وتفرح، وتتنعَّم وتتألم وتُحبّ وتكره، وهي التي تُوصف بالكفر والإيمان، وهي التي تُجزى وتُحاسب على الأعمال، وهي التي ترقى وتترقى متنقِّلةً في محبة الله تعالى من حال إلى حال أعلى.

وكلما زادت النفس تقديراً لخالقها زادت إقبالاً عليه سبحانه وبالتالي اكتسبت منه سمواً ورفعةً وكمالاً، وهي عنصر نوراني لا يصيبه البلى ولا تمتد إليه يد الفناء، وما الجسد إلاَّ ثوب النفس ولباسها، فهو الحامل لها وبواسطته تُباشر أعمالها، وعن طريق الحواس تتعرَّف إلى ما حولها، فإذا ما فارقت الروح الجسد ومات هذا الإنسان لبست النفس الحال الذي كانت قد وصلت إليه في الحياة الدنيا. وما القبر الذي يضم الجسد إلاَّ مركز لتلقيِّ شعاع النفس المستنيرة ومهبط لأشعةٍ من النفس الميمونة، وتكون النفس المؤمنة أو التقية والحالة هذه كالشمس جرمها في السماء وأشعتها سارية في كل ناحية من أنحاء الفضاء تملؤها بالنور والضياء، وما هذا إلاَّ مثالٌ يُقرِّب لك الحقيقة، والنفس المؤمنة أسمى بكثير وأرفع مما يمكن أن يتصوَّره إنسان، فحالها بعد الوفاة لا يختلف عن حالها في الدنيا من حيث الإقبال على الله، بل إنها ترقى في هذا الإقبال لحظةً فلحظة وآناً بعد آن، والنفس المؤمنة تسري مع نفس رسولها الكريم من الكعبة سارية بتجليات ربّها وإن كانت من حيث علاقتها بجسدها في حال برزخي إشرافي غير أنها تسمع وترى، إذ تصبح النفس التقية بعد الموت كلّها أعين وكلها آذان، فهي أسمع وأشدُّ شهوداً ورؤية مما كانت عليه في الدنيا، وهكذا إذا أنت ذهبت لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقفت أمام ضريحه الشريف تسلِّم عليه فنفسه صلى الله عليه وسلم تشاهدك وتراك وتسمع سلامك وتسري إليك عن طريق الكعبة إلى ضريح جسده الطاهر المقدَّس غامرة إياك بفيوضات ربِّها الأعلى، إن كنت مؤمناً حقّاً وممَّن وصل إلى حال نفسي رفيع استطعت أن تُعاين ذلك وتسمع منه صلى الله عليه وسلم ردّ السلام عليك.

ولذا إذا دنوت من مقامه صلى الله عليه وسلم فقف بعيداً عنه بقدر أربعة أذرع مقابلاً رأس النبي r ووجهه الأكرم متأدِّباً غاية الأدب، خاشعاً وقل بصوتٍ خافت:

السلام عليك يا سيدي يا رسول الله، السلام عليك يا سيدي يا حبيب الله.

السلام عليك يا سيدي يا أشرف رسل الله، السلام عليك يا سيد المرسلين.

السلام عليك يا خاتم النبيين، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين صلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك وأزواجك وذرّيتك وسلِّم تسليماً.

جزاك الله عنا وعن أمتك خيراً فلقد بلَّغت الرسالة وأدَّيت الأمانة وأوضحت الحجة وكشفت الغمة، ونصحت العباد، وجاهدت في سبيل الله حقّ الجهاد.

http://www.cheikh-skiredj.com/porte-tawba.jpg


وقد يغلب عليك أثناء الزيارة الحال النفسي من حيث صلة نفسك بنفس رسول الله r ويتعطل اللسان عن الكلام ويختلط شعاع هذه النفس الزائرة بنفس رسول الله r الزكية الطاهرة فتقبل بمعيَّتها على الله، وتعرج بصحبتها في معارج القدس الرفيعة وتحصل لها الرفقة الحقيقية والشفاعة وتغدو نفسك مع نفسه صلى الله عليه وسلم واقفة في حضرة الله فانية في شهود كمال الله كأن النفسين نفسٌ واحدة وتلك هي حال من أحوال الشفاعة الدنيوية التي ما فاز بها مؤمن إلاَّ وغدا إنساناً إنسانياً ومؤمناً كريماً وعالماً حكيماً وإلى هذه الشفاعة، وإن شئت فقل إلى هذه الرفقة والصحبة المعنوية في إقبال النفسين معاً على الله خلال هذه الزيارة الشريفة، أشار صلى الله عليه وسلم بقوله:«من زار قبري وجبت له شفاعتي» رواه الدارقطني والبيهقي.

فهي شفاعة صحبة ورفقة في الإقبال بمعيته صلى الله عليه وسلم على الله والإئتمام به في الوجهة إلى الله، تبدأ بك منذ زيارته هذه وتمتد بك حتى آخر لحظةٍ من لحظاتك في هذه الحياة، بل تُلازمك ولا تُفارقك إلى ما بعد الوفاة فما تزال نفسك مرافقة مصاحبة تلك النفس السامية حتى تقف للحساب بين يدي الله، قال تعالى:

{يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة التحريم :الآية (8).

تلك هي الغاية من زيارتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحقيقة لا يعرف قدر هذه الزيارة إلا امرؤٌ آمن بالله حقَّ الإيمان يتوِّج حجَّه بتلك الزيارة العالية ويسمو بنفسه إلى منازل المؤمنين الصادقين.


الفصل الثاني:

وجوب محبته عليه أفضل الصلاة والسلام

1 أثر المثل الأعلى في سلوك الإنسان

ولعلك تقول أَجِدُكَ كلما عرضت لك مناسبة وكلما انفسح أمامك مجال تنتهز الفرصة وتغتنمها لتتكلم عن صلة النفس بنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنك دوماً لتؤكِّد وجوب محبته وارتباط النفس به r تأكيداً يكاد يجعل هذه المحبة وهذا الارتباط فرضاً ضرورياً وأمراً لازماً، فهل من آية في القرآن الكريم، أم هل من حديث شريف ورد عنه صلى الله عليه وسلم يبيِّن ضرورة هذه المحبة وهذا الارتباط، أم أنها أذواق تتذوقها وأشواق اعتلجت في نفسك وحلَّت بها لا تبرحها فجعلت تتحيَّن الفرص وتوجد المناسبات لتعبِّر عنها وتبثُّها.

إن كثيراً من الناس في عصرنا قَلَّ أن يتعرَّضوا لهذه الناحية أو يعرفوا شيئاً عنها حتى إنهم ليستغربون منك هذه الأحاديث التي تسوقها بهذا الخصوص استغراباً شديداً، فهل من أثارة من علم أو هل من مستند إلى كتاب أو سنة يُشير إلى هذه الناحية وينير أمامنا السبيل تجاه هذه النقطة الهامة؟.

وفي الجواب عن هذا السؤال وتوضيحاً لهذه الناحية أقول:

ما أوصل كثيراً من الناس إلى ما أوصلهم إليه من بعد ذريع عن طريق الفضيلة والكمال وما أوقعهم فيما أوقعهم به من تدهور مريع في الدين والأخلاق إلاَّ عدم تقديرهم وتعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ من القوانين العامة والسنن الكونية الثابتة التي يؤيدها علم النفس وعلم الاجتماع أن فقدان المثل الأعلى يصل بالإنسان حتماً شاء أم أبى إلى هذا التدهور وهذا الانحطاط.


الفصل الثالث

الطريق الموصلة إلى محبته صلى الله عليه وسلم

1 قانون ارتباط الأتباع بزعيمهم

وتسألني عن طريق محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحب أن تتعرَّف إلى الأصول التي يوصلك التمسُّك بها إلى هذه المحبة السامية، وتقول ما من شيءٍ في هذا الكون إلاَّ وله سنةٌ وقانون وأصول وما دامت سعادة الإنسان مرتبطة بمحبة الرسول فما الطريق إليها وما الأصول الواجب اتِّباعها؟. فأقول:

ما من طريق ولا وسيلةٍ تصل بك إلى حبِّ رسول الله وتقديره إلاَّ إذا انطوت نفسك على قبس من بعض صفاته أو طرف من أخلاقه، إذ من السنن الكونية لهذه النفس الإنسانية ومن القواعد العامة التي أصبحت اليوم معروفة في علم النفس الاجتماعي أنه لا ينشأ الارتباط النفسي بين الزعيم والأتباع إلا إذا مثَّلهم جميعاً في منازعهم وتفوَّق عليهم في اتجاهاتهم. فإذا لم يكن كل واحد من الأتباع متخلِّقاً نوعاً ما بُخلُق من أخلاق قائده، وإذا لم تنطوِ نفس التابع على قليلٍ أو كثير من إحدى صفات زعيمه فلا يمكن أن يتولَّد هذا التقدير ولا أن يحصل هذا الارتباط بالمحبة بين النفسين، وإذا كان هذا الارتباط يتزايد وينمو كلما ازدادت هذه الصفة في التابع ظهوراً وتمكُّناً وزاد فيها من ذلك الزعيم قرباً ودنواً فلا ريب أن تحقُّق التابع بأكثر من صفةٍ واحدة يجعله أكثر لذلك المثل الأعلى تقديراً وأشد به ارتباطاً وحبّاً.

هذه قواعد وقوانين لا تختلف ولا تتبدل وكل شيء في هذا الكون إنما يعمل ضمن سنةٍ وقانون ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

3 الإيمان الحقيقي هو السبيل المُوصلة إلى محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

أما وقد عرفنا هذه النقطة الهامة وهذا المبدأ الأساسي فلا بدَّ لنا من أن نجيب على السؤال الآتي وهو قول من قال:

ما دام الحب الحقيقي لرسول الله لا يتولَّد في أنفسنا إلا إذا اتَّصفت بصفةٍ من صفات الكمال، فما هي الطريق التي نسلكها حتى نحصل على إحدى هذه الصفات الكاملة أو عدد منها؟.

وفي الجواب عن هذا نقول:

أصل الكمال ومصدره الأساسي هو الله سبحانه وتعالى. وما من صفةٍ عاليةٍ انطبعت في نفس أو حلَّت بها إلاَّ وهي من ذلك الأصل والمصدر العالي، فإذا أنت أقبلت على الله تعالى بكلِّيتك واتَّجهت إليه بقلبك وتوثَّقت هذه الصلة المعنوية بين النفس وبين خالقها فهنالك ينطبع في نفسك شيء من الكمال وتصطبغ به.

{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} سورة البقرة :الآية (138).

وتتساءل كيف تحصل هذه الوجهة إلى الله تعالى؟. وكيف تتم؟. وهل باستطاعة الإنسان متى شاء أن يتّجه ويُقبل؟. فأقول:

إن هذه الوجهة إلى الله تعالى وهذا الإقبال عليه لا يكون ولا يتم إلاَّ إذا كانت هذه النفس واثقة من إحسانها مطمئنة إلى أنَّ الله راضٍ عنها بعملها، هذه حقيقة ثابتة وقانون من قوانين النفس لا يتغير ولا يتبدَّل وما دام الإنسان لا يجد هذه الثقة ولا يشعر بهذه الطمأنينة فليس بمستطيع أن يلتفت إلى خالقه أو يقبل عليه مهما حاول وأراد.

أرأيت إلى الإنسان ذاته يقف للصلاة أحياناً بين يدي ربّه فلا يجد لصلاته حلاوة ولا يشعر فيها بصلة ولا يرى فيها إقبالاً، ويقف أحياناً أخرى فما أن يكبِّر تكبيرة الإحرام حتى تسري نفسه عارجةً في معارج القدس بأسرع من لمح البصر حتى إنه قد يشعر بهذه الصلة قبل الصلاة وبعدها وتصل به هذه الصلة في حال الصلاة إلى أعلى درجاتها. ويتساءل هذا الإنسان باحثاً عن السبب، فإذا هو في حاله الأول حال انقطاعه عن تلك الصلة قد بدرت منه بادرة سوء أو صدرت منه هفوة لم يكن راضياً عن نفسه فيها، وعلى الرغم من كون ذلك قد صدر منه عن غير قصد وسوء نية، لكن خجله من عمله هو الذي حال بينه وبين الوجهة إلى ربِّه فشلَّ قوة هذه النفس وحجبها عن خالقها فإذا هي في جفاء البعد، وإذا هي في حالٍ من عدم الإقبال لا ينفك عنها ما دامت خجلى من عملها إلا أن تخرج من هذا الحال بعمل طيب تقوم به وفي الحديث الشريف:

«وأَتْبِع السيئة الحسنة تمحها» رواه الترمذي في سننه في كتاب البحر .

وإذا هو في حاله الثاني حال الإقبال على الله قد أدَّى خدمة طيبة أو قام بعمل صالح فإذا للنفس من ثقتها برضاء الله عنها ما جعلها في قرب وصلة وإقبال.

وتسألني عن السبيل الذي يدفع بالإنسان إلى العمل الصالح ويحجزه عن الوقوع في السيئات فأقول:

لقد قرن القرآن الكريم العمل الصالح في مواضع شتى وفي عدد كبير من الآيات بالإيمان لنعلم أن الإيمان هو سبيل الصالح من الأعمال وهو السبيل والسبب الوحيد لاجتناب السيئات. فليس يصلح عمل الإنسان وهو لا يستطيع اجتناب السيئات إلاَّ إذا وصل إلى الإيمان.

وهكذا فالإيمان الحقيقي هو النقطة الأولى التي يكون منها الانطلاق وهو وحده الموصل إلى الاستقامة والبعد عن الوقوع في المعاصي والموبقات، وبالتالي هو الآخذ بيد هذه النفس إلى الصلاة الحقيقية المنطوية على الصلة بالله تعالى، حيث تستقي النفس الكمال وتصطبغ به وتتحلّى بكريم الصفات وهنالك تجدها تحبّ الرسول وترافقه بلا انقطاع.

ولعلك تقول:

ذكرتَ من قبل أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تسمُ نفوسهم ذلك السمو العالي، ولم تبلغ منازل الكمال الرفيعة إلا بسبب حبّهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أردتَ بيان الطريق إلى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم قلتَ:

لا يستطيع الإنسان أن يحب رسول الله حبّاً حقيقاً إلاَّ إذا كانت نفسه متحلّية بنصيب من صفات الكمال ؛ فهل الكمال النفسي يا ترى هو الذي يصل بالإنسان إلى محبة رسول الله، أم أن محبة رسول الله هي التي تسمو بالنفس إلى منبع الكمال؟.

وفي الجواب عن هذا نقول:

إذا كان القارئ يظن أن بين القولين اختلافاً وتناقضاً فليس بينهما شيء من ذلك أصلاً، فأنت لا تستطيع أن تحب رسول الله حسبما كنا بيَّناه وفصَّلناه إلا إذا استقيت من الله تعالى بصلاتك المبنية على استقامتك وإيمانك طرفاً من صفة من صفات الكمال، فإذا أنت وصلت إلى محبته صلى الله عليه وسلم واستغرقت نفسك في هذه المحبة فعندئذ تتدرج في الكمال إلى أسمى المنازل وتبلغ فيه أعلى المراتب، إذ تدخل بصحبته صلى الله عليه وسلم فتشرب من ذلك المنبع العالي والبحر اللامتناهي، تعالى الله عن كل مثال، شرباً متواصلاً وتسمو نفسك سمواً كبيراً وتصل إلى حال ما كنت لتصل إليه في يوم من الأيام أو تصبح من أولئك الرجال لولا توسُّلك بمحبته صلى الله عليه وسلم واستشفاعك به إلى الله تعالى.

تلك هي ثمرة محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعض ما نفهمه من حثِّ الله تعالى إيَّانا على محبة رسوله الكريم وَأَمْرِنا في مُحكم كتابه بالصلاة عليه، وما هذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صلة النفوس المؤمنة به لتدخل بمعيته على الله فتستقي منه تعالى كمالاً وترتقي في هذا الكمال من حال إلى حال أعلى، رقياً لا يتناهى.



علي الشريف احمد 11-24-2010 02:01 PM

رد: حكم زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
 

الفصل الرابع

مراحل الإيمان الحقيقي

1 موازنة بين الإيمان المبني على السماع وانقل والإيمان المبني على الاستدلال والعقل

أما وقد أجبتك عن سؤالك فلأفصِّل لك مذكِّراً بالمراحل التي يجب أن يسلكها الإنسان في طريقه إلى الإيمان الصحيح الذي يجعله أهلاً لأن يدخل في عداد المؤمنين الذين استحقوا أن يخاطبهم الله تعالى بقوله الكريم:

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} سورة الأحزاب :الآية (56).

فأقول:ليس المراد بالإيمان الذي عنته الآية الكريمة السابقة وَذَكَرَهُ الله تعالى في كتابه الكريم في مواضع عدة ذلك الإيمان الذي يتناقله السامع عن محدِّثه ويتلقاه الطالب عن كتابه ومعلِّمه ويتوارثه الولد عن أمه وأبيه، فهذا النوع من الإيمان لا نستطيع أن نسمِّيه إيماناً، بل هو مجرَّد اعتقاد وتصديق.

الإيمان الصحيح لا يأتينا عن غيرنا، بل إنما ينبعث في قرارة نفوسنا ويتولَّد في قلوبنا، الإيمان الصحيح:علمٌ نفسي وشهود يقيني تشهده النفس ذاتها وتعقله في سرِّها فإذا هو حقيقة مستقرة فيها تخالطها وتمازجها ولا تنفك عنها، الإيمان شيءٌ معنوي يسري في النفس سريان الكهرباء في الأسلاك والماء في الأغصان والحياة في الأجساد يشرق في النفس فيُشع فيها النور والعلم والحياة تدلل عليه الصفات الحسنة والمعاملة الطيبة والأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة ويشعر به المرء في صميمه فيطمئن به قلبه وترتاح إليه نفسه وتنقشع أمامه الشكوك والشبه، وتنمحي به الظلمات.

أما الذين في قلوبهم ريب وفي أعمالهم إساءة وفي نواياهم سوء وخبث وفي معاملتهم تلاعب وانحراف فما هم من الإيمان في شيء ولو زعموا أنهم مؤمنون قال تعالى:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ # يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ # فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} سورة البقرة :الآية (8-10).

فاسأل أيها الإنسان نفسك هل توصَّلت إلى هذا الإيمان الصحيح الذي نتكلم عنه وهل هي تابعت خطواته ومراحله واحدة إثر أخرى؟.

فإن فعلت فاطلب منها أن تذكر لك هذه المراحل وتعدِّدها وتبيِّن لك الطريق التي سلكتها، وإن لم تفعل فاستمع إليَّ أرشدك وما عليك إلاَّ أن تسلك الطريق بذاتك وتتعرَّف إلى مراحله واحدة بعد واحدة فأقول:

2 مراحل الإيمان الثلاث

أولاً:أول ما يجب أن يبدأ به الإنسان أن ينظر في نفسه ويتفكَّر في ذاته ممَّ خُلق، وكيف تكوَّن في بطن أمه حتى صار إنساناً سوياً؟. وعليه أن يتابع بفكره الأطوار التي تنقَّل فيها والمراحل التي مرَّ عليها، فمن نطفةٍ إلى علقةٍ ومن علقة إلى مضغة، ومن مضغة إلى إنسان سوي كامل الهيئة تام التركيب يحار الفكر في كمال صنعه ويقف حائراً أمام عظمة كل جهاز من أجهزته وحاسةٍ من حواسه ولا يسعه إلاَّ أن يخر ساجداً لعظمة تلك اليد التي عملت في تكوينه وإحكام صنعه، فإذا ما نظر في نفسه هذه النظرات جنيناً، وأتبعها بنظرات أخرى تدور حول أيام طفولته الأولى مولوداً صغيراً يوم كان يأتيه الغذاء من ثدي أمه لبناً سائغاً كامل التركيب كافي المقدار منظَّم المعايير متوافقاً في نسبته الغذائية مع تدرُّجه في النمو يوماً بعد يوم على حسب ما يتطلَّبه جسمه ويحتاج إليه، أقول:

إذا نظر الإنسان إلى نفسه هذه النظرات وفكَّر هذا التفكير وتابع ذلك وتوسَّع فيه فلا شك أن تفكيره هذا يرشده ويهديه إلى أنَّ هنالك يداً عظيمة صنعته وخلقته وعُنيت بتربيته منذ أن تشكَّل وخرج إلى هذا الوجود وهي ما تزال مستمرة العناية به قائمة بالتربية عليه.

إنَّ هذه النظرات في البداية وفي أصل التكوين لها أثرها، لا بل عليها يتوقف الإيمان بالمربي، ومن لم ينظر هذه النظرات في أصله ومن لم يتعرَّف إلى بدايته فما هو من الإيمان اليقيني بربِّه في شيء.

قال تعالى معرِّفاً إيانا بطريق الاستدلال على معرفة المربي بما أشارت إليه الآيات الكريمة في قوله تعالى:

{قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} سورة عبس :الآية (17-20).

{فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}سورة الطارق :الآية (5-7).

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِين، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} سورة المؤمنون :الآية (12-14).

ثانياً:أما وقد عرف الإنسان خالقه ومربِّيه ونظر في بدايته وتبدَّت له عظمة ربّه فلا شك أنَّ ذلك يقوده إلى التوسُّع في التفكير وينتقل به إلى النظر في نهايته كما نظر في بدايته فيتساءل في نفسه ما بال فلان قد قضى نحبه ومات؟. وما بال فلان لم يطل به أمد الحياة؟. وأين فلان وفلان؟. وما بقي لهؤلاء الذين فارقوا هذه الحياة من العز والسلطان؟. وأين هم من متع الحياة وشهواتها وجميع ما فيها من ملذات؟. وإذا كان الموت نهاية كلِّ إنسان ومصيره المحتوم وإذا كانت مساعي الإنسان جميعها تصل به إلى هذه النهاية مهما امتد به العمر وطال فما في الحياة من أمل، والخاسر الذي يسترسل فيها دون أن يتعرَّف إلى ما وراءها.

وهنا وبمثل هذا التفكير في النهاية والمصير إلى القبر وما فيه من رهبةٍ ووحشة، تخاف النفس وتلتجئ إلى الفكر وتصدق في طلب معرفة الحقيقة، فلمَ جاء الإنسان إلى هذا الوجود؟. وما هذه اليد التي خلقته وأرسلته إلى هذه الدنيا ثم كتبت عليه الموت ومفارقة الحياة؟.

وينشد الإنسان هذا النوع الجديد من المعرفة ناظراً في أصله لمَّا كان نطفة فيقول:

هذه النطفة التي أنا منها خُلقت وتكوَّنت إن هي إلاَّ خلاصة ألوان شتى من أطعمةٍ وفواكه وأثمار تجمَّعت هذه الخلاصات ومنها خُلقت؟.

فمن أين جاءت هذه الأطعمة، ومن الذي خلق هذه الفواكه والخضار والأثمار وما هذه البذور المختلفة ومن أين جاءت ومن الذي ألقى بها على سطح الأرض؟. ما هذه التربة التي اشتملت عليها الأرض وكيف تكوَّنت؟. ما هذه الأنهار؟. ما هذه الأمطار؟. ما هذه الشمس؟. ما هذا القمر؟. ما هذا الليل والنهار؟. ما هذا السير الدائم؟. ما هذه الحركة المستمرة في هذا الكون وما هذه الدورات المنظَّمات؟. بل ما هذه اليد التي تدير الكون كلّه لتتأمَّن حياتي وتتوفَّر أقواتي وليستمر وجودي؟.

أليس هذا الكون كلّه وحدةٌ مترابطة الأجزاء متماسكة الأجرام؟. أليس كله يعمل ضمن قانون ونظام؟.

أما لهذا الكون من يد مدبِّرة وقدرة عُليا مهيمنة تشرف على ملكوت السموات والأرض ولا يعزب عنها من مثقال ذرة.

وهنا ينتقل هذا الإنسان إلى هذه النقطة الجديدة فتعقل النفس عظمة هذه الإرادة العليا والقدرة التي لا حد لها والتي انتظمت الكون بما فيه علويه وسفليه، جليله وحقيره، صغيره وكبيره:تدرك النفس طرفاً من عظمة الله تعالى وتعرف أنه لا مسيِّر غيره ولا متصرِّف في هذا الكون إلا الله، إنها تدرك حقيقة كلمة:«لا إله إلا الله»

فتعلم أن التصرُّف بيده تعالى وحده وليس لأحد من حول ولا قوة إلاَّ به، وليس من حركة إلاَّ بإمداده ومن بعد إذنه، فلا تهبُّ رياح، ولا تتراكم غيوم، ولا تهطل أمطار، ولا تشرق شمس، ولا تدور أرض، ولا يتعاقب ليل ونهار، ولا تدبُّ دابة ولا تنبت نبتة، ولا تنعقد ثمرة، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ومن بعد إذنه.

ويتسع أفق التفكير لدى هذا الإنسان فيرى أنَّ اليد لا تتحرك حركة، وأنَّ الرجْل لا تنطلق خطوة والعين لا تطرف طرفة، والأذن لا تسمع همسة، واللسان لا ينطق ويلفظ كلمة إلاَّ بإذن الله وبحولٍ وقوةٍ منه.

يدرك هذا الإنسان ذلك كله عن طريق العقل لا لمجرد السماع والنقل، وهنالك تدخل النفس في حصن الاستقامة الحصين فتجد أنَّ الله تعالى معها ومشرفٌ عليها، بل هو الممد لها في كل لحظة وحين لا يحول ولا يزول، فحيثما حلَّ هذا الإنسان وارتحل، وأينما سار وانتقل، وكيفما نظر وأنَّى اتَّجه يرى الله تعالى معه وأنه شاهدٌ عليه، فهو سبحانه ناظرٌ رقيب وسامع قريب، وبه قيام وجود الكون بجميع ما فيه وهو أقرب إلى الإنسان من نفسه التي بين جنبيه.

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} سورة ق :الآية (16).

هذه هي المرحلة التي يُفضي إليها الإنسان، وهذه هي الحقيقة التي يعثر عليها من بعد تفكيره المتواصل، يعقلها عقلاً ويصبح إيمانه بكلمة ( لا إله إلا الله ) مبنياً على علم كما أمر سبحانه بذلك، إذ قال تعالى:

{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} سورة محمد :الآية (19).

وهذا النوع من الإيمان هو المطلوب من كل إنسان وذلك هو الإيمان الحق الذي يحجز الإنسان عن المعاصي والموبقات وفي الحديث الشريف:

«كفى بالمرءِ علماً أن يخشى الله» الجامع الصغير /6240/ للبيهقي في شعب الإيمان.

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} سورة فاطر :الآية (28).

وإلى ذلك أشار r بقوله الشريف:«من قال لا إله إلاَّ الله مخلصاً دخل الجنة، قيل:وما إخلاصها؟. قال:أن تَحجُزَهُ عن محارِمِ الله» رواه الطبراني في الأوسط الكبير.

3 كيف يصل الإيمان الحقيقي بصاحبه إلى محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

أما وقد أصبح هذا الإنسان في حال يشهد معه أنَّ الله تعالى ناظرٌ رقيب ومشرفٌ قريب، لذلك تراه يستقيم على أمر الله فلا يخالف أوامر ربّه في شيء. فالعين لا تنطلق واللسان لا ينطق، واليد لا تتحرك والرجْل لا تخطو إلاَّ ضمن ما أمر به الله، ووفق ما بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله الشريف:

«لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به» قال الإمام النووي :حديث حسن صحيح.

وهنا وبمثل هذا السير الطيب والعمل الصالح تتولَّد في تلك النفس المؤمنة الثقة برضاء الله تعالى عنها وتتجه إليه وتحصل لها وعلى حسب إقبالها الصلة النفسية بخالقها، وبهذه الصلة تنمحي من النفس شوائبها وكدوراتها وتطهر من أدرانها، وبهذه الصلة أيضاً تشتق النفس منه تعالى كمالاً وخُلُقاً سامياً وصفةً عالية وبهذا تدخل في عداد من تحلَّت نفوسهم بالكمال وتغدو ذات قابلية وأهلية لتقدير رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد أهل الكمال، وهنالك تصلِّي الصلوات الخمس كما أمر الله بها وتحصل على الفائدة المرجوة منها التي شُرعت من أجلها وإلى ذلك أشار صلى الله عليه وسلم حيث يقول:

«أرأيتم لو أنَّ نهراً بباب أحدكم يغتسل في كلِّ يوم خمس مرات، ما تقولون؟. ذلك يُبقي من درنه؟. قالوا:لا يبقى من درنه شيئاً. قال:فذلك مَثَلُ الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا» أخرجه البخاري ومسلم.

4 أثر محبته صلى الله عليه وسلم في رقي النفس المؤمنة

وتتقدم النفس بصلاتها يوماً إثر يوم وترقى حيناً بعد حين في منازل الكمال حتى تصبح أهلاً لأن تتعشق وتشتبك بنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فاقها وفاق العالمين طُرّاً في الكمال.

وهنالك وبمثل هذه الحال تدخل بمعيته صلى الله عليه وسلم على الله فتشهد من الكمال الإلهي وترى من الأسماء الحسنى ما يجعلها تهيم بالله حبّاً بنسبة ما شهدت ورأت.

وبهذا الحب السامي لحضرة الله تصل النفس إلى التقوى، إذ تكتسب من الله تعالى نوراً ترى به الخير خيراً والشر شراً، قال تعالى:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة الحديد :الآية (28).

وبهذا الحب السامي تشتق النفس أيضاً من الحضرة الإلهية والذات العلية حظاً كبيراً من الكمال وتصطبغ به اصطباغاً يجعلها من أسمى الناس مرتبةً وأعلاهم منزلةً.

وإنه لولا حبّها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما استطاعت أن تدخل بمعيته ذلك المدخل العالي ولما سمت هذا السمو الرفيع، وهذا هو تفصيل ما كنا أشرنا إليه عند كلامنا عن أثر محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه الكرام.

والآن إذا دخل الإنسان هذا المدخل العالي بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونال من الله تعالى ذلك الحظ الوافر من الكمال فلا تظنَّن أنه يقف عند هذا الحد لا يخطوه ولا يتعداه، بل إنه أضحى في حالٍ من الرقي لا يعرف له حد ولا انتهاء، فكلما دخل بمعية الرسول على الله تعالى اكتسب من الله كمالاً وكلما ازداد كمالاً زاد لرسول الله حبّاً وبه ارتباطاً، وهكذا فمن حالٍ إلى حال أعلى ومن مقام إلى مقامٍ أسمى.

وبناءً على هذا فمحبته صلى الله عليه وسلم سبب الارتقاء والعروج في منازل الكمال، وبسببها يحصل مُحِبُّهُ صلى الله عليه وسلم على التقوى فيستنير قلبه بنور الله، وإنه لا حياة للقلب إلاَّ بحبِّ الله وحبِّ رسوله ولا عيش إلاَّ عيش المحبين له صلى الله عليه وسلم أولئك الذين سمت أنفسهم وتسامت في حبِّها لهذا السيد العظيم والرسول الكريم فآثرت محبة الله تعالى ومحبة رسوله على كل محبوب.

فإذا شئت السعادة سعادة الدنيا والآخرة، وإن شئت الحياة الطيبة فاصدق جادّاً وادأب ساعياً في طريق الإيمان الحقيقي بادئاً بالإيمان بربِّك منتقلاً إلى التفكير في الموت الذي يولِّد في نفسك الصدق في معرفة الله مرتقياً بذلك إلى الإيمان بكلمة ( لا إله إلا الله ) ذلك الإيمان الذي يحجزك عن المعاصي ويحملك على الاستقامة على أمر الله، وهنالك تتولَّد الثقة في نفسك برضاء الله عنك فتُقبل عليه تعالى إقبالاً صادقاً يصبغ نفسك بالكمال صبغةً تؤهِّلك لحبِّ رسول الله سيد أهل الكمال وذلك هو الحب الذي به قرة العيون وريحان النفوس وبه يكون الدخول في حضرة الله والاستنارة بنور الله والسير على هدىً وبصيرة في هذه الحياة، ومن لم يظفر بذلك الحبّ السامي حبّ الله تعالى وحبّ رسوله الكريم فدنياه شقاء ونغص وآلام وحياته مشحونة بالهموم والغموم والحسرات.

أما وقد فصَّلت لك في هذا المجال بعض التفصيل أعتقد أنك أصبحت ممن يدرك معي لِمَ حثَّ الله تعالى المؤمنين كافةً على محبة رسوله الكريم والصلاة عليه، كما أصبحت ممَّن يدرك سبب سمو الصحابة ذلك السمو العالي.

والآن قد تبيَّن لك أثر محبته صلى الله عليه وسلم في رقي الأنفس المؤمنة وكيف أنَّ الإيمان يرقى بالرجال إلى أسمى المنازل وأعلى المراتب سواءٌ ممَّن كانوا عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبوه أو ممَّن جاؤوا بعده صلى الله عليه وسلم ولو بعد عصره بعشرات القرون، فلْتجدَّ في الطلب ولْتصدق في السعي لتكون في عداد أولئك المؤمنين بالله الصادقين في محبته ومحبة رسول الله، إذ ليس يفصل بينه rوبين المؤمنين المحبين له زمانٌ ولا مكان، قال تعالى:

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّنَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} سورة الجمعة :الآية (2-4).

والحمد لله الذي حبَّبنا بحبيبه الذي بعثه رحمة لنا، فأبشر يا من أحببته برحمته وأنت مع من أحببت، إذ يُحشر المرء مع من أحب 0


منقول


الساعة الآن 11:45 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
دعم وتطوير نواف كلك غلا