مُنتديات الختمية

مُنتديات الختمية (https://www.khatmiya.com/vb/index.php)
-   النّور البرّاق (https://www.khatmiya.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   قد دَرَنت القلوب ؛ فاصقلوها (https://www.khatmiya.com/vb/showthread.php?t=2027)

علي الشريف احمد 07-02-2010 11:43 PM

قد دَرَنت القلوب ؛ فاصقلوها
 

بين العلم و العمل


1 – روي عن عليٍّ - رضي الله عنه - : أنَّه ذكر فتناً تكونُ في آخر الزَّمان ، فقال له عمر – رضي الله عنه - : متَى ذلك يا عليُّ ؟ قال : إذا تُفُقِّه لغير الدين ، وتُعُلِّم لغير العمل ، والتُمِست الدنيا بعمل الآخرة ([1]) . فالعلم لله تعالى ، لا لهوى أو لمراء أو لتصدر.
2 – و قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - : كيف بكم إذا لَبِستكم فتنةٌ ؛ يربُو فيها الصغيرُ ، ويَهْرَمُ فيها الكبيرُ ، وتُتَّخَذُ سُنةً ، فإنْ غُيِّرَت يوماً قيل : هذا منكر ؟ قالوا : ومتى ذلِكَ ؟ قال : إذا قلَّت أمناؤكم ، وكثُرت أمراؤُكم ، وقلَّت فقهاؤُكم ، وكثر قُرَّاؤُكم ، وتُفُقِّهَ لغير الدين ، والتُمِسَتِ الدنيا بعمل الآخرة ([2]) .
أما الفقيه : فهو من يدلك على الله تعالى – كما قال الإمام الغزالي رحمه الله في مقدمة " الإحياء " ، و ليس من يعرض عليك عضلاته بذكر الأقوال و الآراء ؛ دون أن يحرك في قلبك معاني الخوف و الحب و الرجاء و الدار الآخرة .

3 - وقال عَمرو بن مُرّة - رحمه الله - : خرج عمر - رضيَ الله عَنهُ - على الناس فقال : أُحرِِّج عليكم أن تسألونا عن ما لم يكن ؛ فإن لنا فيما كان شغلاً ([3]).
فاعتناء الصحب – رضي الله عنهم – كان بما ينفعهم في عبادتهم و طاعاتهم .
4 -و قال ابن عمر - رضي الله عنهما - : لا تسألوا عما لم يكن ؛ فإني سمعت عمر - رضيَ الله عَنهُ - لعن السائل عما لم يكن ([4]). لأنه يشتت الطاقات و يبعثرها ؛ و هم ما يؤكده النقل التالي .
5 - و كان زيد بن ثابت - رضيَ الله عَنهُ - إذا سُئِل عن شيء ؟ يقول : كان هذا ؟ فإن قالوا : لا ، قال : دعوه حتى يكون ([5]).
6 - و قال مسروق : سألت أُبَيَّ بنَ كعب - رضي الله عنه - عن شيء ؟ فقال : أكان بعدُ ؟ فقلت : لا . فقال : أجِِمَّنا – أي : أَرِحْنا - حتى يكون ، فإذا كان اجتهدْنا لك رَأْيَنا ([6]).
7 - و قال الشَّعبي : سُئل عمَّار - رحمه الله - عن مسألة ، فقال : هل كان هذا بعدُ ؟ قالوا : لا . قال : فدَعُونا حتى يكون ، فإذا كان تَجَشَّمْنَاه لكم ([7]).
8 - و قال الصَّلْت بن راشد – رحمه الله - : سألت طاووساً – رحمه الله - عن شيء ؟ فانتهرني ؛ فقال : أكان هذا ؟ قلت: نعم . قال : آللهِ ؟ قلت : آللهِ . قال : إن أصحابنا أخبرونا عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه قال : أيها الناس لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله فيذهب بكم ها هنا وها هنا ، فإنكم إن لم تعجلوا بالبلاء قبل نزوله لم ينفكّ المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سُدِّد - أو قال : وُفِّق - .([8]).
9 – وقال الحسن البصري - رحمه الله - : شِرار عباد الله الذين يَتَّبِعون شِرار المسائل ؛ يُعمُون بها عبادَ الله ([9]).
فالعلم و الدعوة إلى الله تعالى أمانة ، و على المعلم و المرشد و الداعية : أن يعتني بما ينفع الناس و يقربهم إلى الله تعالى ، لا أن يصدع رؤوسهم و يشتت اهتمامهم بالنظريات و الخلافيات ، و إلا فقدت بركة العلم و نوره .
10 - قال الأَوزَاعي - رحمه الله - : إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط ، فلقد رأيتهم أقلَّ الناس علماً ([10]) .
11 - و قال مالك - رحمه الله - : أدركتُ هذه البلدة – أي : أهل مدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم من أبناء الصحابة و التابعين - ؛ و إنهم ليكرهون الإكثار الذي فيه الناس اليوم . - يريد المسائل المفتَرَضة التي لم تقع – ([11]).
12 - وكان مالكٌ – رحمه الله - يكره المجادلة عن السُّنن أيضاً ، قال الهيثم بن جميل : قلت لمالك : يا أبا عبدِ الله ، الرجلُ يكونُ عالماً بالسُّنن يُجادل عنها ؟ قال : لا ، ولكن يخبر بالسُّنَّةِ ، فإنْ قُبِلَ منه ، وإلاّ سكت ([12]).
و هذا يعني أن المسلم غير مكلَّف بحمل الناس على الاتّباع ، و تكليفنا ينتهي ببيان سبلها.
13 – و قال إسحاق بن عيسى – رحمه الله - : كان مالك – رحمه الله - يقول : المِراء والجِدال في العلم يَذهبُ بنور العلم من قلب الرجل ([13]).
14 – و قال مالك – رحمه الله - : المراء في العلم يُقسِّي القلوب ، ويورِّث الضغن ([14]).
15 - وكان أبو شريح الإسكندراني يوماً في مجلسه ، فكثُرَتِ المسائلُ ، فقال مالك : قد دَرِنَتْ قلوبُكم منذُ اليوم ، فقوموا إلى أبي حُميدٍ ؛ خالد بن حميد اصقُلوا قلوبكم ، وتعلَّمُوا هذه الرغائب ، فإنَّها تُجدِّدُ العبادة ، وتُورث الزهادة ، وتجرُّ الصداقة ، وأقِلُّوا المسائلَ إلا ما نزل ، فإنَّها تقسي القلوب ، وتورث العداوة ([15]).
و هذا تأصيل لمجالس التذكير و الرقائق لدى سلفنا الصالح – رحمهم الله تعالى - ، فلا بد من مراجعة النفس بين الفينة و الأخرى ، و إلا غطاها صدأ الغفلة و ران الأغيار .
16 – قال ابن رجب – رحمه الله - : وما أحسن ما قاله يونسُ بنُ سليمان السَّقَطِيُّ : نظرتُ في الأمرِ ، فإذا هو الحديث والرأي ، فوجدتُ في الحديث ذكرَ الرب - عز وجل - وربوبيتَه وإجلاله وعظمته ، وذكرَ العرش وصفة الجنة والنار ، وذكرَ النبيين والمرسلين ، والحلال والحرام ، والحثَّ على صلة الأرحام ، وجماع الخير فيه ، ونظرت في الرأي ، فإذا فيه المكرُ ، والغدرُ ، والحيلُ ، وقطيعة الأرحام ، وجماع الشَّرِّ فيه([16]) .
و المراد : ذم الاشتغال بالفقه للدنيا و المناصب و الوظائف ، لا البحث عن حكم الله تعالى للعمل به ، و تعليمه للأمة ، و لذلك قال أحمد بن شبويه : من أراد علمَ القبرِ فعليه بالآثار ، ومن أراد علم الخُبْزِ ؛ فعليه بالرأي ([17]) ، و قال نافع بن يزيد : يقال : الرَّاسخونَ في العلم : المتواضعون لله ، والمتذلِّلون لله في مرضاته لا يتعاطون من فوقهم ، ولا يحقرون من دونهم ([18]) ، وقد قيل للإمام أحمد : مَنْ نسألُ بعدَك ؟ قال : عبد الوهَّاب الورَّاق ، قيل له : إنَّه ليس له اتَّساعٌ في العلم ، قال : إنَّه رجل صالح مثلُه يُوفَّقُ لإصابة الحق .وسئل عن معروف الكرخي ، فقال : كان معه أصلُ العلم : خشية الله .
قال ابن رجب : وهذا يرجعُ إلى قولِ بعض السَّلف : كفى بخشية الله علماً ، وكفى بالاغترار بالله جهلاً ([19]).
فهذا هو السبيل : أن تلازم الربانيين ، الذين يحيون في قلبك معاني الخوف من الله تعالى ، و يجعلون نفسك في إخبات لله تعالى بما يتلون عليك من كلام الله تعالى و كلام رسوله – صلى الله عليه و سلم – و كلام الربانيين ، و هذا هو غذاء القلوب و قوت الأرواح : الخوف و الحب و الرجاء لله تعالى .
17 - و قال ابن وهب : سمعتُ مالكاً - رحمه الله – و هو يعيب كثرة الكلام ؛ و كثرة الفُتيا ، ثم قال : يتكلم كأنه جَمَل مُغتَلِمٌ ؛ يقول : هو كذا ؛ هو كذا ؛ يهدِر في كلامه ([20]).
و هذه رمية مالكية في أفواه الأدعياء و المتفيهقين ؛ الذين لا يَدَعون أحداً يتكلم غيرهم ، و كلامهم لا يغني فكراً و لا يُسمن معرفةً .
18 - وكان أحمد – رحمه الله - يُسأَل عن مسألة ؟ فيقول : وقعت هذه المسألة ؟ بُلِيتم بها بعدُ ؟ ([21]).
19 - وقال الحسن - رحمه الله - : ما عُبِّد العابدون بشيءٍ أفضلَ من ترك ما نهاهم الله عنه ([22]).
فالعاقل : إنما يهتم بما ينفعه هناك ؛ بوم يلقى في حفرته ... يوم يقف بين يدي ربه سبحانه و تعالى ، أما غير ذلك ... فاللهم عفوك و سترك .
20 - وقال ابن عمر : لَرَدُّ دانِقٍ ([23]) من حرام أفضلُ من مئة ألفٍ تُنفَق في سبيل الله ([24]).
21 - و قال بعض السلف: تَرْكُ دانقٍ مما يكرهه الله أحبُّ إلى الله من خمسمئة حَجَّة ([25]).
22 - و قال مَيمون بن مَهْران - رحمه الله - : ذِكر الله باللسان حَسَنٌ ، وأفضل منه أن يذكر اللهَ العبدُ عند المعصية ؛ فيُمسك عنها ([26]).
23 - و قال ابن المبارك - رحمه الله - : لأن أردَّ دِرهماً من شُبهة أحبُّ إليَّ من أن أتصدَّق بمئة ألف و مئة ألف ... حتى بلغ ستمئة ألف ([27]).
24 - وقال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - : ليست التقوى قيامَ الليل وصيامَ النهار والتخليطَ فيما بين ذلك ، ولكن التقوى أداءُ ما افتَرَضَ اللهُ ؛ و تَرْكُ ما حرَّم الله ، فإن كان مع ذلك عملٌ فهو خيرٌ إلى خير ([28]).
25 - و قال أيضاً : ودِدت أني لا أُصلي غير الصلوات الخمس سوى الوتر ؛ وأن أؤدّي الزكاة ولا أتصدق بعدها بدرهم ؛ وأن أصوم رمضان ولا أصوم بعده يوما أبداً ؛ وأن أحج حجة الإسلام ثم لا أحج بعدها أبداً ؛ ثم أعمد إلى فضل قُوَّتي فأجعله فيما حرَّم الله عليَّ ؛ فأمسك عنه ([29]) .
26 - وسئل عمرُ – رضي الله عنه - : عن قومٍ يشتهون المعصية ولا يعملون بها ؟ فقال : أولئِكَ قومٌ امتحنَ الله قلوبهم للتقوى ، لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيم ([30]).
إنه فقه القلوب ... تربية النفوس و تهذيبها ... هذا ما كان يشغلهم ... فاللهم رحماك .
27 - وقال يزيد بن ميسرة – رحمه الله - : يقولُ الله في بعض الكتب : أيُّها الشابُّ التاركُ شهوتَه ، المتبذِّل شبابَه من أجلي ؛ أنت عندي كبعض ملائكتي([31]) .
و الحمد لله رب العالمين ، يتبع إن شاء الله تعالى .



[1] - أخرجه : معمر في جامعه ( 20743 ) من رواية عبد الرزاق عنه .
[2] - نفسه ( 20742 ) من رواية عبد الرزاق ، والدارمي 1(/64) - طبعة دار الفكر - ، والحاكم (4/514) .
[3] - ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/141) ، وابن حجر في فتح الباري (13/327) ، وابن القيم في إعلام الموقعين (1/76 ) .
[4] - ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/139 و143) ، وابن حجر في فتح الباري (13/327) ، وابن القيم في إعلام الموقعين (1/75) .
[5] - ذكره الآجري في أخلاق العلماء (183) ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/142-143) ، وابن حجر في فتح الباري (13/327) .
[6] - ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/142) .
[7] - ذكره إسحاق بن راهويه كما في " المطالب العالية " ( 3328 ) ، وابن حجر في فتح الباري (13/327) .
[8] - أخرجه أبو داود في المراسيل (224 ) مرفوعاً من طريق ابن عجلان ، عن طاووس ، عن معاذ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تعجَلوا بالبلية قبل نزولها ، فإنَّكم إنْ لم تفعلوا لم ينفك المسلمون أنْ يكون منهم من إذا قال سُدِّدَ أو وفق ، وأنَّكم إنْ عجِلْتُم ، تشتِّتُ بكمُ السُّبُلَ هاهنا وهاهنا " . ومعنى إرساله : أنَّ طاووساً لم يسمع من معاذ .
وقد روى الصنابحيُّ ، عنْ معاوية ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " أنَّهُ نهى عنِ الأغلوطات " ، أخرَّجهُ الإمامُ أحمد - رحمه الله - في مسنده (5/435) ، وفسرهُ الأوزاعيُّ وقالَ : هي شدادُ المسائلِ . انتهى . انظر : سعيد بن منصور في سننه ( 1179 ) ، وأحمد (5/435) ، والطبراني في الكبير(19/ برقم 892) ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/139) ، و ذكره الآجري في أخلاق العلماء ( 183- 184) ، وابن حجر في فتح الباري (13/323) .
[9] - ذكره الآجري في أخلاق العلماء (185) ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/145) .
[10] - ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/145) ، وابن حجر في فتح الباري (13/323) .
[11] - انظر جامع العلوم و الحكم لابن رجب ( الحديث التاسع ) ,
[12] - انظر : سير أعلام النبلاء (8/108) .
[13] - ابن رجب : الموضع نفسه .
[14] - نفسه .
[15] - نفسه .
[16] - نفسه .
[17] - ذكره الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (11/7-8) ، وفي تذكرة الحفاظ (2/464) .
[18] - ابن رجب : نفسه .
[19] - ابن رجب : نفسه .
[20] - نفسه .
[21] - نفسه .
[22] - نفسه .
[23] - الدانق الشرعي : سدس الدرهم ، . انظر : القاموس الفقهي – سعدي أبو جيب – ط أولى [ص / 132 – مادة : دنق ]
[24] - نفسه .
[25] - نفسه .
[26] - أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/87).
[27] - ابن رجب : نفسه .
[28] - أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (48/153) .
[29] - ابن رجب : نفسه .
[30] - نفسه .
[31] - ذكره أبو نعيم في الحلية (5/237) .

علي الخليفة عمر 07-03-2010 08:08 AM

رد: قد دَرَنت القلوب ؛ فاصقلوها
 
اللهم ارحمنا انك على كل شيء قدير..... بارك الله فيك يا خليفتنا


الساعة الآن 01:49 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
دعم وتطوير نواف كلك غلا