المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ


الشريف زين العابدين
09-18-2012, 10:05 AM
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

الحمـد لله رب العاملين ، والصلاة والسلام علي سيدالأنبياء ، صلي الله عليه وعلي آله وصحبه ، والداعين بدعوته إلي يوم الدين .

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46} وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً{47} وَلَاتُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَىاللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً{48} صدق الله العظيم

يتحدث القرآن الكريم عن رسـول الله ن صلوات الله وسلامه عليه ، في كثير من سورة ، يقول سبحانه :
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراًوَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46}(1) .
ويقول سبحانه :
(مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَنتَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً{80}(2)
(قُلْ إِن كُنتُمْتُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{31}(3)
ومن أجل هذه الصلة الإلهية برسولالله ، صلي الله عليه وسلم
أرشدنا الله – سبحانه وتعالي – إلي اتخاذ الرسولأسوة ـ فقال سبحانه : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌلِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَكَثِيراً{21}(4) .
بل أمرنا سبحانه أن نأخذ ما آتانا ، وأن ننهي ما نهانا عنه (........وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواوَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{7}( 5) .
أما السـر في ذلكفهـو :
1- أن الرسول الصلوات الله وسلامة عليه : لا ينطبق عن الهوى ، ولا ينحرفعن صراط المستقيم ، ولقد أقسم الله تعالي علي ذلك فقد سبحانه : (وَالنَّجْمِ إِذَاهَوَى{1} مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى{2} وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4}(6)
2- كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليهفي جميع أحواله : حركة وسكوناً ، إشارة ونطقاً ، قلباً وقالباً ، يمثل القرآنالكريم ، وقد كان صلوات الله وسلامه عليه تطبيقاً للقرآن ، لقد لبس القرآن ظاهراًوباطناً ، لقد كان قرآناً .
ولقد وصفته السيدة عائشة – رضي الله عنها – وصفاًدقيقاً حيما سئلت عن خلقه ، فقال : (كانت خلقه القرآ ) .
ومن كان خلقه القرآنكان أسوة ، وكان قدوة ، وكان علي خلق عظيم : ومن هنا وصفه الله سبحانه وتعالي إذيقول (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{4}(1) .
والحق ، أننا حينما نريد أن نكونصورة واضحـة تامة عن رسول الله ، صلوات الله وسلامه عليه ، فإن الطريق الوحيد لذلك : إنما هو الإحاطـة بالقرآن إحاطة واضحة تامة ، والإحاطة بالقرآن علي هذا النسقليست من السهولة بمكان ، بل ليست بممكنة : فالقرآن في كل يوم يتفتح عن معان جديدةللإنسانية ، ويتفتح عن معان جديدة للشخص المتأمل المتدبر : وهذه المعاني الجديدة : إنسانية عامة ، أو فردية شخصية ، إنما هي إيضاح وتفسير للصورة النبوية الكريمة .
والعكس أيضاً صحيح ، فإن المتدبر المتأمل في الصورة النبوية الكريمة عن طريقالسيرة الصحيحة ، والأحاديث المعتمدة ، يفهم عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه كليوم جديداً ، وهذا الفهم إنما هو تفسير وإيضاح لجوانب من القرآن الكريم .
لقدامتزج الرسول صلوات الله وسلامه عليه بالقرآن – كما قدمنا - روحاً وقلباً وجسماً ،وامتزج القرآن به عقيدة وأخلاقاً وتشريعاً : فكان ، صلوات الله وسلامه عليه : قرآنايسير في الناس ، وكان القرآن روحاً ينتقل ، وكان قلباً ينبض ، وكان لسانا ً ينطقبالهداية والإرشاد .
ولقد كان صلوات الله وسلامه عليه حريصاً كل الحرص علي أنيكون خلق الأمة الإسلامية القرآن ، لقد عمل لذلك طيلة بعثته .
ويحدثنا القرآنالكريم عن موقف الرسول صلوات الله وسلامه عليه من الأمـة فيقول سبحانه وتعالى:
(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْحَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{128}(1) . صـلوات الله وسلامهعليك يا سيدي يا رسول الله .
ويتحدث صلوات الله وسلامه عليه عن حرصه ا لشديد عليهداية أمـتة فيقول :
( مثلي ومثلكم : كمثل رجل أوقد ناراُ ، فجـعل الجنادبوالفراش يقعن فيها ، وهو يذبهن عنها ، وأنا آخذ بحجـزكم عن النار ، وأنتم تفلتون منيدي ) .
هذه هي صلة الرسول صلي الله عليه وسلم بربه ، وهذه هي صلته بأمه .
لقد ارتـفع صلوات الله وسلامه عليه إلي السماء ، بل وتجاوزها إلي سدرة المنهي، ورأي من آيات ربه الكبرى . لقد ارتفع إلي الأفق الأعلي ، وتجاوز بذلك النهاياتالكونية ، لقد كان فعـلاً : أدنى من قاب قوسين ، فانغمس في الأفق الأعلى وتلقى عنالله مباشـرة كيفية الصلة به ، وهي الصلاة ، ثم انبسط إلي الأرض سراجاً منيراً ،رءوفاً رحيماً ، هادياً ، يدعو إلي الله علي بصيرة هو ومن اتبعه .
بيد أن الرسولصلوات الله وسلامه عليه نبي ورسول فهو متصل بالله دائماً : إنه في السماء عليالدوام ، وهو متصل بالبشر ، يؤدي رسالة السماء كاملة غير منقوصة . إنه كان علي حدتعبير القرآن – ( بشراً رسولاً ) فهو ببشريته مـع الناس ، وهو بسره مـع الله : إنهمع الناس بإرادة الله وتوجيهه وأمره إنه مع الناس بكلمـة الله ورسالته ، إنه معالناس رسول من قبل الله .



وبهذه المـعاني كلها يمكننا أن نقول : إنه دائماً معالله ، ويمكننا أن نقول : إنه – منذ اللحظة الأولي للبعثة – لم ينزل إلي الأرض قط ،وإنما كان دائماً مع الله سبحانه وتعالي ، فهـو صلوات الله وسلامه عليه يبيت عندربه ، يقول صلي الله عليه وسلم :
( ليست كهيئتكم : أبيت عند ربي ... ) .
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ....)(1).
إنهصلوات الله وسلامه عليه : ( بشر ) وما يجول في خلد مسلم قط أن يخرجه عن البشرية ،ولكنه صلوات الله وسلامه عليه ( بشر يوحي إليه ) وما يتأتي قط أن يوحي الله إلي بشرإلا إذا أصبح وكأنه قطعة من النور : صفاء نفس ، وطهارة قلب ، وتزكية روح .
فمنتهى القول فيه أنه بشـر وأنه خير خلق الله كلهم
وبعض الناس حينما يقرأالقرن الكريم ، فتمر عليه الآية الكريمةقُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىإِلَيَّ)
يقف عند كلمـة : ( بشر ) فيحاول التركيز عليها وتوجيه الانتباه كلهإليها ، وتحويل الأنظار كلها نحوها ، فيتحدث عن خصائص البشـرية العادية ويبرزها ،ويندفـع في هذا الاتجاه المنحـرف اندفاعاً لا يتناسب قط مع قوله تعالييوحى إلي ) بل إنه في اندفاعته الهوجاء ينسى ( يوحي إلي ) ويهملها إهمالاً .

الشريف زين العابدين
09-18-2012, 10:28 AM
إنه ليس بنادر في العصر الحاضر أن يجرؤ بعض الناس فتحدث عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، وعن خطئه – معاذ الله – في الرأي ، وعن إصابته فيه ، ويسير هذا البعض في حديث أو في كتابته مستنتجاً ومستنبطاً وحاكماً ،وينسى في كل ذلك :
(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3}(2) ،وينسى في كل ذلك يوحي إلي) ، وينسى لست كهيئتكم ) ، وينسى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءالرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً.....{63}
وينسى أن بعض المسائل يمكن أن تكون لها حلول مختلفة كلها صحيحة : بعضها رفيق رحيم ، وبعضها عادل حاسم ، و أن الله سبحانه وتعالي قد بين للأمـة الإسلامية أن رسوله صلوات الله وسلامه عليه – وهو علي صواب دائماً – إنما يتخذ الحل يتناسب مع حلاه الله به من الرأفة ، وما فطره عليه سبحانه من الرحمة ، وهو الحل الذي يتناسب مع طابع الرسالة الإسلامية العام :
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ{107}(1) .
والله سبحانه وتعالى ببيانه ذلك في هذه المواضـع التي كان من الممكن أن يقف فيها الرسول صلوات الله وسلامه عليه مع العدالة الحاسمة ،فعدل عن ذلك إلي الرافة الرحيمة .... إن الله سبحانه وتعالي ببيانه ذلك ، إنما يمدح الرسول صلوات وسلامه عليه ، ويبين أن منزع الرحمـة إنماهو الغالب عليه ، صلوات الله وسلامه عليه .
ولم يلغ الله سبحانه اتجاهاً عاماً سار فيه الرسول ، ولم ينقض قضية كلية أقرها ، الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، ولم ينف مبدأ أثبته رسوله ، فما كان صلوات الله وسلامه عليه يسير إلا علي هدى من ربه ، وعلي بصيرة من أمره ، وقد شهد الله بذلك حيث قال :
( ..... وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{52} صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ..... ) (2) .
وما فعل الله في كل ما تمسك به المنحرفون ، وتمحك فيه المتمحكون إلا بيان رحمه الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، ورأفته : أي أنه سبحانه وتعالي كان يبين في هذه المواطن فضله صلوات الله عليه وسلام عليه وأنه – كما وصفه سبحانه - : علي خلق عظيم ، والبون شاسع بين هذه الوجهة الربانية ، وبين التحدث عن خطـأ وصواب ، وأوضاع بشـرية يركـز عليها ولا يلتفت لسواها .
ولنضـرب لذلك مثلاً : إن الذين ديدنهم الجدل يتحدثون كثيراً عن قوله تعالي : (عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَأَذِنتَ لَهُمْ ......{43}(3) . ويقذفون مباشـرة بقولهم : ( إن العفو لا يكون إلاعن خطأ .
ولهؤلاء نقول : إن الأساليب العربية فيها من أمثال هذا الكثير ، ومنها قولهم مثلاً : غفر الله لك ، لم تشق علي نفسك كل هذه المشقة ؟
عفا الله عنك لم تعني نفسك في سبيل هؤلاء ، وكأن القائل يقول :
رضي الله عنك لم ترهق نفسك كل هذا الإرهاق ؟ إن الآية القرآنية من هذا الوادي .
وضـم هذه الآية الكريمـة إلي أختها التي في سورة النور: (.....ِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ ........{62} (1) . تجد المعني واضحاً جلياً ، وهو أن الله سبحانه ، فوض الأمـر لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، في أن يأذن لهم أولا يأذن .
ليس النبي إذن معاتبا ً بهذه الأية – وحاشاه – بل كان صلي الله عليه وسلم مخيراً ، فلما إذن لهم أعلمه الله أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا ولتخلفوا بسبب نفاقهم، وأنه مع ذلك لا حرج عليه في الإذن لهم ، إنها أية مدح للرسول غاية في الرقة .. ومن غير شك قد صدر الإذن لهم عن قلب رحيم ، وعن هذا القلب الرحيم ، وعن هذه الرحمـة الفياضـة ، كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يصدر في أحكامه ، وما كان في ذلك إلامتبعاً لقوله تعالي :
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ{107} (2)
وهكذا الأمر في كل ما يماري فيه الممارون :
ومع ذلك فإننا نريد أن نزيد الأمر وضوحاً في الفرق بين من يركز علي ( بشر ) ومن يركـز علي ( يوحي إلي ) لأهميته الكبري ، فنقص القصة التالية ، ذات المغزي العميق والتي وردت في بعض مصنفات شيوخنا: زار بعض السلاطين ضريح أحد الشيوخ – وقال : - هل هنا أحد ممن اجتمع بهذا الشيخ ؟
فأشـير إلي شيخ كبير في السن كان حاضراً هنالك ؟
فقال له : هل سمعت شيئاً من كلام الشيخ ؟
فقال : نعم سمعته قال : ( من زارني لا تحرقه النار ) .
فاستغرب السلطان ذلك الكلام ، فقال : كيف يقول شيخكم ذلك ، وأبو جـهل رأي النبي صلي الله عليه وسلم وتحرقه النار ؟
فقال ذلك الشيخ لسلطان : أبو جهل لم ير النبي صلي الله عليه وسلم ، إنما رأي ( يتيم أبي طا لب ) ، ولو رآه صلي الله عليه وسلم لم تحرقه النار :
ففهم السلطان كلامه وأعجبه هذا الجواب منه ، أي أنه لم يره بالتعظيم والإكرام والأسوة ، واعتقاد أنه رسول الله ، و لو رآه بهذا المعني لم تحرقه النار ، لكنه رآه باحتقار ، واعتقاد أنه ( يتيم أبي طالب ) فلم تنفعه تلك الرؤية .
ولسنا هنا بصدد الحديث عن كلام الشيخ والدخول في جدل يبعدنا عن موضوعنا ، وإنما يهمنا من الأمر أن تتحدث عن كلمـة الشيخ للسلطان من أن أبا جهل لم ير النبي صلي الله عليه وسلم وإنما رأي ( يتيم أبي طالب ) .
هذه النظرة لأبي جهل التي نريد أن يتنزه المؤمنون عنها ، و المؤمنون – بحمد الله – لا يقعون في هذاالإثم متعمدين ، وإنما يتسلل هذا الإثم إلي بعض النفوس في صورة لا شعورية ، عندما يركز بعضهم علي بشرية الرسول صلي الله عليه وسلم وكأنه لا شيء فيه غير البشرية .
ومن الغريب أنهم حينما يتحدثون عن البشرية ، ويركزون عليها يعتبرون أنفسهم تقدمين متطورين ، وفاتهم أن هذه النظرة لأبي جـهل إنما هي النظرة التي يتبناها المستشرقون والمبشرون في العصر الحاضر ، ليقللوا من شأن الرسول في نظر مواطنيهم .
وما كان المستشرقون في تركيزهم علي بشـرية الرسول إلا متابعين في ذلك زعيمهم الأكبر – في هذه النزعة – وهو ابو جهل ، وكل من يركز علي بشرية الرسول من الكتاب المسلمين إنما هو بذلك يتابـع المستشرقين والمبشرين في هذه النزعة ، و ترجع فكرتهم إلي ما قبل ثلاثة عشر قرناً مضت ، يتزعمهم فيها أبو جهل، وأبو الظلمة القلبية كلها !!
ليس هناك إذن اجتهاد وخطأ وصواب ، وإنما هناك تصرفات تصدر عن الكرم والرحمـة، فتحدث الله مبيناً طبيعة رسوله الكريمـة ، وفطرته الرحيمـة ورأفته الواضحـة ،ويبين في الوقت نفسه : أن بعض هؤلاء الذين فاضت عليهم هذه الرحمـة ليسوا جديرين بها وليسوا أهلا لها ، لفساد فطرهم وسوء نواياهم .
ومن الحقائق المعروفة أن الإنسان يميل إلي التركيـز علي ( بشـر ) أو علي : ( يوحي إلي ) إلي حسب قوة شعوره الديني وضعفه ، فالذي لا إيمان له لا يرى إلا البشـرية ، ومن ضـعف إيمانه يركـز علي البشرية ، ويخفف التركيز علي البشرية كلما قوى الإيمان ، ويزداد التركيـز علي : ( يوحي إلي) كلما ازداد الإيمان ، حتي يصل الإنسان إلي ألا يرى أو لا يكاد يرى إلا ( يوحي إلي . ) صلوا ت الله وسلام عليه يا سيدي يا رسول الله .
وهناك إذن طرفان يمثلان فريقين من الناس .طرف : ( بشراً ) أو ،( قل :إنما بشر مثلكم ) .
وطرق : ( يوحي إلي ) أو ( رسولا ) وبين الطرفين يتأرجح عدد لا يحصى من المسلمين نزولاً وارتفاعاً ، انخفاضاً وسمواً .
وإن مقياس الإيمان قوة وضعفاً ، مقياس درجة الإيمان الذي لا يخطئ ، إنما هـو ما وقر في القلب أو غلب عليه ، من البشرية ) أو من : ( يوحي إلي ) إنهما يمثـلان ما يوضع في كفتي ميزان ..
دع ما ادعته النصارى في نبيهـمو** واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
ولعلك تتساءل الآن عن هذا الذي لا يرى أو لا يكاد يرى ، إلا : ( يوحي إلي ) ماذا يرى ؟ وكيف يرى ؟
ما هي النظرة التي تناي بنا عن : ( يتيم أبي طالب) لتفربنا من : (الأسوة) . كيف ينبغي أن تكون نظرة المؤمن لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه ؟
والواقع أن الصورة الكاملة عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يلزم لها أن يصل الإنسان إلي مستواه صلوات الله وسلامه عليه ، أو إلي ما يقرب من مستواه وذلك لا يتاتي .
بيد أنه إذا استحال ذلك فإنه من الميسور أن نورد صورتين ، إحداهما : جاهلية ، والأخرى إسلامية . والصورتان لسيدنا عمر رضي الله عنه .
أما الصورة الأولي : فإنها ( يتيم أبي طالب ) كان سيدنا عمر ، يراها قبل أن يهديه الله للإسلام ، وأراد سيدنا عمر أن يقتل ( يتيم أبي طالب ) حتي لا تتفرق كلمة القرشين بسببه ، ولكن دعاء رسول الله صلوات الله وسلامه عليه : ( اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك : بعمرو بن هشام ، أو بعمر بن الخطاب ) كانت قد استجيبت لخير سيدنا عمر فهداه الله للإسلام ، ولازم الرسول صلوات الله وسلامه عليه فناله من بركاته ومن خيره ما هيأه لأن يكون الخليفة الثاني للأمـة الإسلامية أجمع ، وأن يعز الله الإسلام به في حياة الرسول صلوات الله وسلامه عليه ،وبعد وفاته .
إن سيدنا عمر هذا الذي لم يكن للشيطان عليه من سبيل ، و الذي كان إذا سلك طريقاً سلك الشيطان طريقاً آخر : خشية منه ورهبة ، والذي نزل القرآن أحيانا مصدقاً لما رآه ، إن سيدنا عمر صاحب : ( يا سارية الجبل ) يرسم لنا صورة إسـلامية لسيده وحبيبه وصديقه ونبيه ورسوله صلوات الله وسلامه عليه .
ولكن هذه الصورة : هي صورة سيدنا عمر ، إنها تتناسب مع مستوي سيدنا عمر وهو من غير شك عظيم .
ماذا كان يمكن أن يقول سيدنا أبو بكر رضوان الله عليه ، وماذا كان يمكن أن يقول سيدناعلي رضي الله عنه ، وماذا كان يمكن أن يكون وصف سيدنا جبريل لو وصفه ؟
إن الله سبحانه وتعالي يقول عنه صلوات الله وسلامه عليه :
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{4}(1) .
وما كانت كلمة السيدة عائشـة رضوان الله عليها : ( كان خلقه القرآن ) ، إلا تفسيراً لما أشارت إليه الآية القرآنية الكريمـة ، أيمكنك أن تتصـورا لمدي الذي تبلغه الآية الكريمـة ، وتفسير السيدة عائشة لها ؟ أيتأتي لك أن تحيط بالقرآن ، أستغفـر الله وأتوب إليه .
ولنعد إلي الصورة التي حاول رسمها صاحب : ( يا سارية الجبل ) ، لنعد إليها لنثبتها شارحين لبعض حوادثها ، موضحين لبعض إنباتها، وسنجعل الإيضاح بين أقواس .

الشريف زين العابدين
09-18-2012, 10:55 AM
بعد موت رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، سمع سيدنا عمر يبكي ويقول :
( بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد كان جذع تخطب الناس عليه ، فلما كثر الناس اتخذت منبراً لتسعهم ، فحن الجذع لفراقك حتى جعلت يدك عليه فسكن ، فأمتك كانت أولى بالحنين إليك لما فارقتها ) يروي البخاري ومسلم ، وكتب السنة كلها تقريباً وكتب السيرة ( حادث حنين الجذع ) بعدة روايات ، وننقل هنا إحدى روايات البخـاري :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( كان النبي صلي الله عليه وسلم يخطب إلي جذع ، فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه ) .
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد بلغ من فضيلتك عنده : أن جعل طاعتك طاعته، فقال عز وجل :
(مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ............{80}(1) .
يأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد أبلغ من فضيلتك عنده : ان بعثك آخر الأنبياء ، وذكرك في أولهم ، فقال عز وجل :
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً{7}(2) .
يأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد أبلغ من فضيلتك عنده : ان أهل النار يودون أن يكونوا قد أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون .
(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا{66} (3) .
يأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لئن كان موسى بن عمران أعطاه الله حجـراً تتفجـر منه الأنهار فماذا ( فليس ذلك ) بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء صلي الله عليك .
( لقد دمي وجهه صلوات الله وسلامه عليه وكسـرت رباعيته في ( غـزوة أحد) . روي ذلك البخاري ومسلم . أما حديث :
( اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) فقد رواه البيهقي في دلائل النبوة .
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد اتبعك في قلة سنك ، وقصر عمرك ما لم يتبع نوحاً في كثرة سنه ، وطول عمره ، ولقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل .
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لو لم تجالس إلا كفئاً لك ما جالستنا ، ولو لم تنكح إلا كفئاً لك ما نكحت إلينا ، ولو لم تواكل إلا كفئاً لك ما واكلتنا ، فقد والله جالستنا ، ونكحت إلينا ، وواكلتنا ، ولبست الصوف ، وركبت الحمار ، وأردفت خلفك ، ووضعت طعامك علي الأرض تواضعاً منك صلي الله عليك وسلم ..


هذه الصـورة :
ومن الطريف أن نذكـر صورة أخرى استنتاجيه ، استنتجها رجل لم يكن يعرف الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، ولكنه رجل واسع الأفق رحب الخيال دقيق التفكير .
وقد أتخذ الاحتياط اللازم حتى لا يشوب الصورة أي مطعن هذا الرجل هو(هرقل).
أتاه كتاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، يدعوه إلي الإسلام ، فلم يهمل الكتاب ولم يمزقه ، وإنما قرأه في عناية وانتباه ، ثم أراد أن يكون صورة صحيحة عن صاحب الخطاب ، فسأل عما إذا كان بالمدينة بعض العرب الذي يعرفون الرسول فقيل له : إن بالمدينة تجاراً من مكـة يعرفون محمداً باعتباره من مواطنيهم فأمـر بإحضارهم وكان منهم أبو سفيان :
وسأل هرقل عن أقربهم نسباً إلي الرسول / فكان أبا سفيان فقربه منه وأدناه وقال لهم : إني سائله عن أمور فإن كذبني فكذبوه :
يقول :أبو سفيان ، فو الله لولا الحياء من أن يأثـروا علي كذباً لكذبت عليه .
وسنترك المقدمـات والأسئلة الأولي لأنها واضحـة من النتائج التي أنتهي إليها هرقل :
إن هرقل بعد أن أنتهي من الأسئلة : بدأ – عن طريق الترجمان – يقول لأبي سفيان ، علي مشهد من الملأ الحاضـر من أصحاب هرقل ، ومن أصحاب أبي سفيان : سألتك عن نسبه :
فذكرت أنه فيكم ذو نسب .
فكذلك الرسل : تبعث في نسب قومها .
وسألتك : هل قال أحد منكم هذا القول ؟
فذكرت : أن لا .
فقلت : لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت : رجل يأتسى يقول قيل قبله .
وسألتك : هل كان من آبائه من ملك ؟
فذكرت : أن لا .
قلت : فلو كان آبائه من ملك قلت : رجل يطلب ملك أبيه ؟
وسألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
فذكرت : أن لا .
فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب علي الناس ويكذب علي الله .
وسألتك : أشـرف الناس الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم .
فذكرت : أن ضعفائهم اتبعوه .
وهـم : اتباع الرسل .
وسألتك : أيزيدون أم ينقصون ؟
فذكرت : أنهم يزيدون .
وكذلك أمر الإيمان حتي يتم :
وسألتك : أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟
فذكرت : أن لا .
وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .
وسألتك :هل يغدر ؟
فذكرت : أن لا .
وكذلك الرسل : لا تغدر .
وسألك : بم يأمركم ؟
فذكرت: أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصـلاة ، والصدق والعفاف فإن كان تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين .
وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه .
هذه الصورة التي كونها هرقل بمنطقة ، ويمكن أن يكونها أو يكون مثيلات لها كل إنسان اتسع أفقه ، ورحب تفكيره ، وكل إنسان يصدق الله والحق : لا بد أن ينتهي بما انهي إليه هرقل من قوله : ( لو كنت عنده لغسلت عن قدمه) وإنما يغسل عن قدمه ، من أجل : ( يوحي إلي ) إذ أن من اصطفناه الله لرسالته جديـر بأن يكون أهلاً لذلك .
بيد أن هذه النهاية التي انتهى إليها هـرقل ، إنما هي الشعار الدائم الذي لا ينتهي بانتقال الرسول إلي الملأ الأعلي ، فالرسول حتي بيننا الآن برسالته وهديه وتعاليمه والغسل عن قدمـه الآن أو بتعبير آخر احترامه : إنما هو باتباع هديه ، والتزام رسالته ، وتقديره تقديراً يتناسب مع اصطفناء الله له صلي الله عليه وسلم .

الشريف زين العابدين
09-18-2012, 10:59 AM
ولقد ركـز هرقل نوعاً ما علي الصدق والإخلاص ، والواقـع أن صورة الصدق والإخلاص كان يراهما كل من عرف الرسول صلي الله عليه وسلم ، ولم تعمه عصيبة ، أو حسد أو هوي.
علي أن صورة الصدق والإخلاص : كانت سمـة من السمات ا لتي نصف بها الرسول قبل بعثته ، وبعد بعثته صلوات الله وسلامه عليه ، لقد لازمته طيلة حياته ، لقد كان مجـرد الخبر يلقيه صلوات الله وسلامه عليه ، أخذه أعدى أعدائه علي أن واقـع لا محالة . فهذا أميه بين خلف – عدو لدود – يتلاحي مـع سعد بن مـعاذ رضي الله عنه ، يريد أن يمنعه من الطواف بالكعبة ، فيقول له سعد بن مـعاذ – في حدة المناقشـة : لقد سمـعت رسول الله صلي الله وعليه وسلم يقول : إنه قاتلك ، ويضطرب قلب أميه بن خلف ويسـأل في لهفة وضعف وتخاذل ، أهـو قال ذلك حقا ؟ فلما أكد له سـعد بن مـعاذ الخبر أسقط في يده وقال : لئن كان قال ذلك . لقد صدق ، وقتل أميه بن خلف يوم بدر ، علي أن هذه الصورة تتمثل في وضوح بين ، حينما أعلن رسول الله صلوات الله عليه إلي قريش نبويه ، فقال لهم :
( أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا وراء هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم تصدقوني؟) .
لقد كانت إجابتهم عن هذا السـؤال تعبر عن الحقيقة التي لمسوها فيه لقد قالوا :
( نعم أنت عندنا غير متهم ، وما جربنا عليك كذباً قط ) .
وصورة أخرى ، صورة لم يترتب لها ترتيب مروي ولم يؤد إليها منطق محكم ، صورة لم تكن نتيجة عشرة طويلة ، ولا رفقة قريبة ، وإنما جاءت علي البديهة ، وأوحت بها الملاحظـة السليمة .
إنها الصورة التي كونتها عنه صلوات الله عليه وسلامه أم معبد الخزاعية وهي صورة لا تخص الجانب المعنوي منه وإنما تتصل – علي الأخص – بالجانب الظاهـر ، وأردنا أن نثبتها هنا لنثبت بها : ( هيئة ) وظاهـر بعد أن أثبتنا زوايا من المعنويات ، وجوانب من التقدير والإجلال إن الصورة التي نثبتها الآن مجـرد وصف إنها تعبير عن ملاحـظة .
هاجر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه من مكة إلي المدينة ، يرافقه أبو بكر رضي الله عنه ، وعامـر بن فهيرة مولي أبي بكر ودليلهم : عبد الله بن أريقط .
مروا بخيمة أم معبد الخزاعية ، وكانت أمرأة قوية الأخلاق عفيفة تقابل الرجال فتتحدث إليهم وتستضيفهم . وسألها الركب عن تمر أو لحم يشتروه فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك ، فقد كانت سنة من السنين العجاف ، فقالت لهم :
والله لو كان عندنا شئ ما أعوزكم القرى . فنظر رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي شاة في ركن الخيمة فقال :
( ما هذه الشاة يا أم معبد .؟ )
قالت : هذه شاة خلفها التعب عن الغنم .
فقال صلوات الله وسلامه عليه : ( هل بها من لبن ؟ ) فقالت :
هي أجهد من ذلك .
قال : ( أتأذنين أن أحلبها ) ؟
قالت : نعم بأبي أنت وأمي أن رأيت بها حلباً .
فدعا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بالشاة فسمح ضرعها،ذاكرا اسم الله وقال : ( اللهم بارك لها في شاتها )
فامتلأ ضرع الشاة ودر لبنها ، فدعا بإناء لها كبير ، فحلب فيه فملأه فسقى أم معبد فشربت حتي رويت ، وسقى اصحابه حتي أرتو، وشرب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه آخرهم وقال ( ساقي القوم آخرهم ) .
فشربوا جميعاً مرة بعد مرة .
ثم جلب فيه ثانية عودا علي بدء ، فغادروه عندها ، ثم ارتحلوا عنها فما لبثت أن جاء زوجها يسوق أعنازا ً عجافاً هزلي فلما رأي اللبن عجب واستغرب وقال :
( من أين لكم هذا ولا حلوبة في البيت ) ؟
قالت : لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيث وكيت .
قال : و الله إني لأراه صاحب قريش الذي يطلب ، صفية لي يا أم معبد ؟
قالت : رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة ، متبلج (مشرق) الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه ثجلة ) ضخـامـة البطن (ولم تزر به صعلة) لم يشنه صغر الرأس ،وسيم قسيم ، في عينية دعج ، وفي أشفارة وطف (طويل شـعر الأجفان) وفي صوته صحل (رخيم الصوت) أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر ـ في عنقه سطح ( ارتفاع وطول) وفي لحيته كثافة ، إذا صمت فعليه الوقار ، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء وكان منطقة خرزات نظم يتحدرن ، جلو المنطق ، فصل لانزو ولا هذر (لاعي فيه ولا ثرثرة في كلامه) ، أجـهر الناس وأجملهن من بعيد ، وأحلاهم وأحسنهم من قريب ، ربعة ( وسط ا بين الطول والقصر) لا تشنؤه (تبغضه) من طول ، ولا تقتحمه عين (تحتقره) من قصر، غصن بين غصنين ، فهو أنضر الثلاثة منظراً ، وأحسنهم قدراً له رفقاء يخصون به ، إذا قال استمعوا لقوله ، وإذا أمر تبادروا إلي أمره ، محفود ( يسرع أصحابه في طاعته) ، محشـود (يحتشد الناس حوله) لا عابث ولا مفتد (غير مخرف في الكلام) .
قال أبو معبد : هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ، ولو كنت وافقته يا أم معبد لتلمست أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت لذلك سبيلاً .
هذه هي الصورة التي حاولت أم معبد رسمها .
أما سيدنا عمرو بن العاص فإنه يقول في صـراحة وصدق – عندما حضرته الوفاة وعندما تذكـر الماضي فخنقته العبرات ، وتحدث مع ابنه عن أشياء عدة في صورة مؤثـرة - : ( ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلي الله عليه وسلامه ولا أجل في عيني منه ، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ، ولو سئلت أن أصفه ما أ طقت : لأني لم أكن أملأ عيني منه ) .
والآن نريد أن نتساءل : ما هي الصور التي نريد أن نرسمها هنا ؟
فنقول : إننا لا نرسم صورا كاملة : فالصور الكاملة لا يتأتي لمثلنا أن يرسمها ونحن هنا ، إنما نحاول رسم جملة من زوايا شاعرين بتقصيرنا ، معترفين بعجـزنا ، ولكن أملنا كبير في أن تكون هذه الصور باعثة لتصحيح بعض الأوضاع ، وأن تكون علي ما فيها من عجـز وقصور ، ممثلة لبعض ما نكنه لسيد ولد آدم : من حب وإيمان ، وأن تكون بذلك شفيعـة لنا عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي بقلب سليم .
ومع هذه الزوايا التي نحاول أن نرسمها فإنه لا يعزب قط عن بالنا قول إمامنا البوصيري رحمه الله عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه هذه الأبيات ، التي تعبر عن الحقيقة تعبيراً صادقاُ .
أعيا الوري فهـم معناه فليس يري للقرب والبعد فيه غير متفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعد صغيرة وتكل ا لطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقـته قوم نيام تسـلوا عنه بالحـلم
فمبلغ العلم فيـه أنه بشـــر وأنه خيـر خـلق الله كلــهم

ود محجوب
09-18-2012, 05:20 PM
زدنا يا الشريف بارك الله فيك وسدد خطاك

أبو الحُسين
09-19-2012, 09:23 AM
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)

عليك صلاة الله يا خير من سرى... ويا خير مبعُوثٍ وأكرم مُرسلا...

شكراً جميلاً الشريف زين العابدين على هذه السياحة المُحمدية...