04-20-2011, 07:48 PM
|
#14
|
|
لمحة ونفحة (2)
بسم الله وبه نستعين .. أما بعد ؛ فمواصلة لموضوعي السابق أكتب اليوم = بحسب ما يَتَيَسَّرُ له حكمُ الزمان = ما يزيد الحديث عن فضل النسب النبوي إيضاحًا ودليلاً .. وكما قلت في الحلقة السابقة : فإنَّ ما دعاني للخوض في هذا الموضوع الكبير هو استجلاب الشكر على نفحة الزواج المبارك الذي تَمَّ بيننا والحمد لله ، تفاؤلاً بقدوم أنوارٍ ميرغنيةٍ جديدة تمتدُّ جيلاً بعد جيلٍ ، وتنتشر بركاتُها وخيراتُها وتنفسح على طول الدهر .. ووجود السادة المراغنة في سوداننا الحبيب هو أعظم شرفٍ يناله السودانيون على الرغم من جهل الكثير لهذه النعمة .. فلنمط اللثام عن خصوصية ذلك النسب الشريف بما يوضح جلالة النعمة التي أنعم الله بها علينا عندما أرضى ساداتنا باتخاذ أرض السودان قرارًا وسكنًا .. فقد ذكرتُ من قبل أنَّ النور المحمدي الذي تَفَرَّعَ عنه ساداتنا المراغنة هو نور آتٍ من قبل الله تعالى على حسب قابليتنا واستعدادنا ، رحمةً بنا لأننا لا نطيقُ فوق ما تحتمله القابلية ، فهو نورٌ تَهَيَّأ وتَشَكَّلَ لنا في الصورة البشرية ، والخلقة الآدمية وإنْ كانت حقيقتُه النُّورَ الصِّرْفَ المخلوق فوق قُدَرِ البشر والمَلَك جميعًا ؛ حيث كان نورًا نازلاً من عند الله تعالى ، فَنُزُولُهُ إلينا يقتضي أنه في مكانٍ أمينٍ لا يعرفه غير الله تعالى ، وهذا المكان الأمين من الغيب المجهول الزمان والمكان وقتَ خَلْقِهِ إذ كان مُودَعًا مُغَيَّبًا في نور العزة والجلال ، فلم يقف مخلوقٌ على بداية تكوينه ونشأته ، ولا كيف كان عندما خُلِقَ .. لذلك أودع الله تعالى في النور المحمدي أسرارَ الخَلْقِ والإبداعِ ، وانْطَوَتْ في خبايا ذلك النور المحض جميعُ الغيوب والحقائق والدقائق .. ومن ناحية ثانيةٍ لم يكن ثَمَّة أصفى ولا أزكى من ذلك النور المحمدي الخالص ؛ لأنه أُخْرِجَ إلى الخَلْقِ حين لم يكن بينه وبين الله تعالى حجابٌ ولا واسطةٌ ، فَسُلِّمَ من يد القدرة الإلهية إلى المخلوقين بعد أن مُلِئَ إيمانًا ويقينًا ومعرفةً وإدناءً وقربًا لم يمسسه مخلوق .. إذن فالنُّورُ المحمديُّ شأنُه عظيمٌ بما لا ندركه ولن ندركه .. فمن هنا صارَ نورًا قدسيًّا لا يزال على خفائه ، فَوَقْتَ أنْ خُلِقَ هذا النور لم يكن هناك إنسٌ ولا جن ولا ملَكٌ ولا شيء من المُكَوَّناتِ العدمية .. فبينها وبين النور المحمدي مقدارُ ما تَعَاقَبَ من آنات الزمان طولَ تلك المُدَّة وهل يستطيع أحدٌ الوصولَ إلى حَسْبِ دهورٍ وحِقَبٍ لا تُعْلَمُ بدايتُها ؟!!
في الواقع أيها الأحبة أنَّ الحديثَ عن ذلكم النور الجليل يطول غاية الطول .. فلنرجع إلى ذكر علاقته بأصل موضوعنا .. من انتساب ساداتنا المراغنة إلى عقده .. وتفرعهم من أصله .. فالذي يؤمن بهذا النور الشائع المالئِ لذرات الوجود كلها طيبًا وعبقًا يعلم أنه لا يتناسل منه إلاَّ كلُّ زكيٍّ طيبٍ .. ومن شرائط هذا النور الضرورية اللازمة أنه غير قابلٍ للنقص ؛ لكونه في أصله كاملاً زائدًا في الكمال .. وكلُّ ما جُعِلَ في النور المحمدي من فيض الرحمة ومداد البركة فلا يفرغ ولا ينتهي .. هذه هي خاصيته التي ينبغي أن لا يختلف عليها اثنان وإلاَّ لم يصحَّ للنبي صلى الله عليه وسلم مقامُ النُّبُوَّةِ إذا جاز أن يلحقه النقص .. وحاشاه صلى الله عليه وسلم عيبًا ونقصانًا !! على هذا الأساس ضُمِنَ لِمَنْ يتصل بهذا النور التَّطَهُّرُ من سائر الأرجاس والأنجاس فإنَّ هذا يُنَافِي الكمالَ .. حتى لو عَصَى اللهَ تعالى واحدٌ من أهل البيت أَرْجَعَهُ حكمُ التطهيرِ إلى العهدِ الأوَّل وكانَ الذنبُ والمعصيةُ راجعين إلى الجبِلَّةِ البشريةِ التي امتحنها الله تعالى بالطاعة وابتلاها بالآثامِ إظهارًا لقدرته سبحانه وتعالى المطلقةِ .. فيجيء الذنبُ حينئذٍ من بابِ غلبة الأقدار الإلهية ؛ إذ الله تعالى يمحو هاتيك الغشاوة بتطهيره الأزلي السابق .. وقد قال تعالى مؤكِّدًا لما أشرنا إليه من تلك الأشياء : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا) .. فانظر كيف كُرِّرَ التطهيرُ مَرَّتَين إشارةً إلى أنه الأصل الراسخ والأمر المؤكَّد المقرَّر في العاقبة والنهاية ، وهو الحكم الساري المستمر من غيرٍ ربطٍ له بالأسباب .. وفي آية أخرى قال تعالى : (قل لا أسألكم عليه أجرًا إلاَّ المودَّة في القربى) .. فمن دلالات الآية الكريمة - وهذا واضحٌ جدًّا - أنَّ مودَّةَ القرابةِ المحمدية مطلوبةٌ على الدوام وإنْ كان الشريفُ فاسقًا لو فرضنا فسقه ، فالوُدُّ راجعٌ إلى تكريم انتسابهم إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم باعتبارهم منه ، ولَمَّا كانت أذيتُه ولمزُه وغمزُه في نسبه صلى الله عليه وسلم لا يجوز : لم يَجُزْ تحويلُ المودَّةِ عن الشريف بسبب شيءٍ رأيتَه فيه من مقارفةِ ذنبٍ لا تعرف تأويلَه ولا حقيقته .. فكانت مودَّةُ أهل البيت نفسُها امتحانًا للمؤمن من الله تعالى في صِدْقِ حُبِّ المؤمن للنبي صلى الله عليه وسلم .. وكأنَّ الناظرَ إلى ذنب الشريف يقول بلسانِ ذَمِّهِ واستهزائه : انظرْ إلى هذا الشريف خرجَ نَبْعُهُ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فهو فاسق !!
فهل هذا طعنٌ في النبي صلى الله عليه وسلم أم في الشريف ؟
ولو تَفَكَّرَ ذلك الطاعنُ قليلاً في سوء ما أتى به من الطعن لَوَجَدَ مقالتَه تفضحُه وتقول : إنَّ هذا الشريف يا خسارة انتسابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ! نسبُهُ خاسيءٌ وولادتُه خائبة !!
فلا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم مِمَّنْ وُلِدَ ؟ وكيفَ تخيبُ ولادةُ النبي صلى الله عليه وسلم ؟!! لولا سَبْقُ شقاوة الطاعن !!
ونواصل إن شاء الله فيما بعد .. والكلامُ متصلٌ بعون الله ..
مخلصكم ...
|
|
|