فصل: فروض الخطبة
أربعة أشياء:
حمد الله تعالى لأن جابرا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: [من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له].
والثاني: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله كالأذان.
الثالث: الموعظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ وهو القصد من الخطبة فلا يجوز الإخلال بها.
الرابع: قراءة آية لأن جابر بن سمرة قال: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا وخطبته قصدا يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس رواه أبو داود والترمذي ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت فيها القراءة كالصلاة وعن أحمد رضي الله عنه ما يدل على أنه لا يشترط قراءة آية فإنه قال: القراءة في الخطبة على المنبر ليس فيه شيء مؤقت ما شاء قرأ وتشترط هذه الأربعة في الخطبتين لأن ما وجب في إحداهما وجب في الأخرى كسائر الفروض.
فصل: وسننها
ثلاث عشرة:
أن يخطب على منبر أو موضع عال لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبره ولأنه أبلغ في الإعلام.
الثاني: أن يسلم عقيب صعوده إذا أقبل عليهم لأن جابرا قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم عليهم رواه ابن ماجه.
الثالث: أن يجلس إذا سلم عليهم: لأن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب رواه أبو داود.
الرابع: أن يخطب قائما لأن جابر بن سمرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب فمن حدثك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب رواه مسلم وأبو داود.
وليس ذلك بشرط لأن المقصود يحصل بدونه.
الخامس: أن يجلس بينهما لما رويناه وليس بواجب لأنها جلسة للاستراحة وليس فيها ذكر مشروع فأشبهت الأولى.
السادس: أن يعتمد على سيف أو قوس أو عصا لما روى الحكم بن حزن قال: وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئا على سيف أو قوس أو عصا فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات رواه أبو داود ولأن ذلك أمكن له فإن لم يكن معه شيء أمسك شماله بيمينه أو أرسلهما عند جنبيه وسكنهما.
السابع: أن يقصد بلقاء وجهه لأن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراضا عمن في الجانب الآخر.
الثامن: أن يرفع صوته لأن جابرا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول:
[أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة] رواه مسلم ولأنه أبلغ في الإسماع.
التاسع: أن يكون في خطبته مترسلا معربا مبينا من غير عجلة ولا تمطيط لأنه أبلغ وأحسن.
العاشر: تقصير الخطبة لما روى عمار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
[إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وقصروا الخطبة] رواه مسلم.
الحادي عشر: ترتيبها يبدأ بالحمد لله ثم بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعظ لأنه أحسن والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالحمد لله وقال: [كل كلام ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر].
الثاني عشر: أن يدعو للمسلمين لأن الدعاء لهم مسنون من غير الخطبة ففيها أولى وإن دعا للسلطان فحسن لأن صلاحه نفع للمسلمين فالدعاء له دعاء لهم.
الثالث عشر: أن يؤذن لها إذا جلس الإمام على المنبر لأن الله تعالى قال: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} يعني الأذان قال السائب: كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث رواه البخاري وهذا النداء الأوسط هو الذي يتعلق به وجوب السعي وتحريم البيع لأنه الذي كان مشروعا حين تزول الآية فتعلقت الأحكام به ويسن الأذان الأول في أول الوقت لأن عثمان سنه وعملت به الأمة بعده وهو مشروع للإعلام بالوقت والثاني للإعلام بالخطبة والإقامة للإعلام بقيام الصلاة.
فصل: [إذن الإمام لإقامة الجمعة]
ولا يشترط للجمعة إذن الإمام لأن عليا رضي الله عنه صلى بالناس وعثمان رضي الله عنه محصور ولأنها من فرائض الأعيان فلم يعد لها إذن الإمام كالظهر قال أحمد: وقعت الفتنة بالشام تسع سنين فكانوا يجمعون لكن إن أمكن استئذانه فهو أكمل وأفضل وعنه أنه شرط لأنه لا يقيمها في كل عصر إلا الأئمة.
فصل: [من يصلي بالناس الجمعة]
وتصلى خلف بر وفاجر لحديث جابر ولأنها من شعائر الإسلام الظاهرة وتختص بإمام واحد فتركها خلف الفاجر يفضي إلى الإخلال بها فلم يجز ذلك كالجهاد ولهذا أبيح فعلها في الطرق ومواضع الغضب صيانة لها عن الفوات.
فصل: [ماذا يفعل إذا فرغ من الخطبة]
[و] إذا فرغ من الخطبة نزل فأقيمت الصلاة فصلى بهم ركعتين يقرأ في كل ركعة بالحمد لله وسورة معها ويجهر بالقراءة للإجماع ونقل الخلف عن السلف ومهما قرأ به بعد أم الكتاب فيها أجزأه إلا أن المستحب أن يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين أو بسبح والغاشية لما روى أبو هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في الجمعة وعن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين والجمعة ب {سبح اسم ربك الأعلى} و{هل أتاك حديث الغاشية} رواهما مسلم.
فصل: [تعدد الجمعة في المصر الواحد]
ومتى أمكن الغنى بجمعة واحدة في المصر لم يجز أكثر منها لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة وإن احتيج إلى أكثر منها جاز لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير فصار إجماعا ولأنها صلاة عيد جاز فعلها في موضعين مع الحاجة كغيرها وإن استغنى بجمعتين لم تجز الثالثة فإن صليت في موضعين من غير حاجة وإحداهما جمعة الإمام فهي الصحيحة ويحتمل أن السابقة هي الصحيحة لأنه لم يتقدمها ما يفسدها وبعد صحتها لا يفسدها ما بعدها والأول أولى لأن في تصحيح غير جمعة الإمام افتئاتا عليه وتبطيلا لجمعته ومتى أراد أربعون نفسا إفساد صلاة الإمام والناس أمكنهم ذلك فإن لم يكن لأحدهما مزية فالسابقة هي الصحيحة لما ذكرناه وتفسد الثانية وإن وقعتا معا: فهما باطلتان لأنه لا يمكن تصحيحها ولا تعيين إحداهما بالصحة فبطلتا كما لو جمع بين أختين وعليهم إقامة جمعة ثالثة لأنه مصر لم تصل فيه جمعة صحيحة وإن علم سبق إحداهما وجهلت فعلى الجميع الظهر لأن كل واحد لم يتيقن براءة ذمته من الصلاة وليس لهم إقامة الجمعة لأن كل واحد لم يتيقن براءة ذمته من الصلاة وليس لهم إقامة الجمعة لأن المصر قد صليت فيه جمعة صحيحة وإن جهل الحال فسدتا وهل لهم إقامة الجمعة؟ على وجهين:
أحدهما: لا يقيمونها للشك في شرط إقامتها.
والثاني:: لهم ذلك لأننا لم نعلم المانع من صحتها والأصل عدمه وذكر القاضي وجها من إقامتها مع العلم بسبق إحداهما لأنه لما تعذر تصحيح إحداهما بعينها صارت كالمعدومة ولو أحرم بالجمعة فعلم أنها قد أقيمت في مكان آخر لم يكن له إتمامها.
وهل يبني عليها ظهرا أم يستأنفها؟ على وجهين:
أصحهما استئنافها لأن ما مضى منها لم يكن جائزا له فعله ويعتبر السبق بالإحرام لأنه متى أحرم بإحداهما حرم الإحرام بالأخرى للغنى عنها.
فصل: [حكم السفر لمن وجبت عليه الجمعة]
ولا يجوز لمن تجب عليه الجمعة السفر بعد دخول وقتها لأنه يتركها بعد وجوبها عليه فلم يجز كما لو تركها لتجارة إلا أن يخاف فوت الرفقة فأما قبل الوقت فيجوز للجهاد لما روى ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فقدم أصحابه وقال: أتخلف فأصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال: [ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ فقال: أردت أن أصلي معك ثم ألحق بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم] من المسند وهل يجوز لغير الجهاد؟ فيه روايتان:
إحداهما: يجوز لأن عمر رضي الله عنه قال: الجمعة لا تحبس عن سفر ولأنها لم تجب فأشبه السفر من الليل.
والثانية: لا يجوز لما روى الدارقطني في الإفراد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ألا يصحب في سفره].
فصل: [متى يجب السعي للجمعة]
ويجب السعي بالنداء الثاني لما ذكرنا إلا لمن منزله في بعد فعليه أن يسعى في الوقت الذي يكون به مدركا للجمعة لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ويستحب التبكير بالسعي لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنه ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أملح ومن راح في الساعة الرابعة كأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة كأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر] متفق عليه وقال علقمة: خرجت مع عبد الله يوم الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال: رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة] رواه ابن ماجه ويستحب أن يأتيها ماشيا ليكون أعظم للأجر وعليه سكينة ووقار لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [لا تأتوا الصلاة وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار] متفق عليه ويقارب بين خطاه لتكثر حسناته.
فصل: [ما يستحب فعله يوم الجمعة]
ويستحب أن يغسل ويتطيب ويتنظف بقطع الشعر وقص الظفر وإزالة الرائحة لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى] رواه البخاري وعنه أن الغسل واجب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وسواك وأن يمس طيبا] رواه مسلم والأول المذهب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل الغسل أفضل] قال الترمذي: هذا حديث حسن والخبر الأول أريد به تأكيد الاستحباب ولذلك ذكر فيه السواك والطيب وليسا واجبين.
ووقت الغسل بعد الفجر لقوله: [يوم الجمعة] والأفضل فعله عند الرواح لأنه أبلغ في المقصود ولا يصح إلا بنيته لأنه عبادة فإن اغتسل للجمعة والجنابة أجزأه وإن اغتسل للجنابة وحدها احتمل أن يجزئه لقوله عليه السلام: [من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة] ولأن المقصود التنظيف وهو حاصل واحتمل أن لا يجزئه لقوله عليه السلام: [وليس للمرء من عمله إلا ما نواه].
فصل: [تخطي الرقاب يوم الجمعة]
وإذا أتى المسجد كره له أن يتخطى الناس لقوله عليه السلام: [ولم يفرق بين اثنين] إلا أن يكون إماما ولا يجد طريقا فلا بأس بالتخطي لأنه موضع حاجة ومن لم يجد موضعا إلا فرجة لا يصل إليها بتخطي الرجل والرجلين فلا بأس فإن تركوا المسجد فارغا وجلسوا دونه فلا بأس بتخطيهم لأنهم ضيعوا حق نفوسهم وإن ازدحم الناس في المسجد وداخله اتساع فلم يجد الداخل لنفسه موضعا فعلم أنهم إذا قاموا تقدموا وإن لم يرج ذلك فله تخطيهم لأنه موضع حاجة.
وليس لأحد أن يقيم غيره ويجلس مكانه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يقيم الرجل الرجل من مقعده ويجلس فيه] متفق عليه وإن قام له رجل من مكان وأجلسه فيه جاز لأن الحق له لكن إن كان المتنفل ينتقل إلى موضع أبعد من موضعه كره لما فيه من الإيثار بالقربة.
ولو قدم رجل غلامه فجلس في موضع فإذا جاء قام الغلام وجلس مكانه فلا بأس به كان ابن سيرين يفعله وإن فرش له مصلى لم يكن لغيره الجلوس عليه وهل لغيره رفعه والجلوس في موضعه؟ فيه وجهان:
وإن قام الجالس من موضعه لحاجة ثم عاد إليه فهو أحق به لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به] رواه مسلم وإن نعس فأمكنه التحول إلى مكان لا يتخطاه فيه أحد استحب له ذلك لما روى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحول إلى غيره] من المسند وهو حديث صحيح.
فصل: [استحباب الدنو من الإمام]
ويستحب الدنو من الإمام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها] رواه ابن ماجه والنسائي وإن حضر قبل الخطبة اشتغل بالتنفل أو ذكر الله وقرأ القرآن ويكثر من الدعاء لعله يوافق ساعة الإجابة ويكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرأ سورة الكهف لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقي الفتنة].
فصل: [متى ينقطع التنفل؟]
فإذا جلس الإمام على المنبر انقطع التنفل فإذا أخذ من الخطبة حرم الكلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت] متفق عليه.
وروى [ثعلبة بن مالك أنهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر ولم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا] وعنه: لا يحرم الكلام لما روى أنس قال: [بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلك الكراع هلك الشاء فادع الله أن يسقينا] وذكر الحديث متفق عليه والأول أولى وهذا يحتمل أنه من تكليم الخطيب دون غيره لأنه لا يشتغل بتكليمه عن سماع خطبته والبعيد والقريب سواء في ذلك وقد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: إن للمنصت الذي لا يسمع من الخطبة مثل للسامع إلا أن للبعيد أن يذكر الله ويقرأ القرآن سرا وليس الجهر ولا المذاكرة في الفقه [لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة والإمام يخطب] وروى أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة] ومن لم يسمع متكلما لم ينهه بالقول: للخبر ولكن يشير إليه ويضع إصبعه على فيه وإن وجب الكلام مثل تحذير ضرير شيئا مخوفا فعليه الكلام لأنه لحق آدمي فكان مقدما على غيره ومن سأله الإمام عن شيء فعليه إجابته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الداخل: [أصليت] فأجابه وسأل عمر عثمان فأجابه وفي رد السلام وتشميت العاطس روايتان:
إحداهما: يفعل لأنه لحق آدمي فأشبه تحذير الضرير.
والأخرى: لا يفعله لأن المسلم سلم في غير موضعه والتشميت سنة لا يترك لها الإنصات الواجب ولا يتصدق على سائل والإمام يخطب وإذا لم يسمع الخطبة فلا بأس أن يشرب الماء.
فصل: [الكلام للخاطب]
ولا يحرم الكلام على الخاطب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم وعمر سأل عثمان أية ساعة هذه فإذا وصل الخطيب إلى الدعاء ففيه وجهان:
أحدهما: يباح الكلام لأنه فرغ من الخطبة.
والثاني: لا يباح لأنه قاطع للخطبة أشبه التطويل في الموعظة.
فصل: [حكم من دخل والإمام يخطب]
ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما لما روى جابر قال: دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال: [صليت يا فلان قال: لا قال: فصل ركعتين] متفق عليه زاد مسلم ثم قال: [إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما].
فصل: [الصلاة بعد الجمعة]
ويسن أن يصلي بعد الجمعة أربعا لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا] رواه مسلم وإن شاء صلى ركعتين لما روى ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين متفق عليه وإن شاء صلي ستا لأن ابن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله ويستحب أن يفصل بين الجمعة والركوع بكلام أو رجوع إلى منزله لما روى السائب بن يزيد قال: قال لي معاوية: إذا صليت صلاة الجمعة فلا تصليها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بذلك رواه مسلم.
فصل: [القراءة في صلاة الفجر يوم الجمعة]
ويستحب أن يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: {الم. تنزيل} و{هل أتى على الإنسان} لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: {الم. تنزيل الكتاب} و{هل أتى على الإنسان حين من الدهر} رواه مسلم قال أحمد: ولا أحب أن يداوم عليها لئلا يظن الناس أنها مفضلة بسجدة.
فصل: [اتفاق عيد وجمعة]
فإذا اتفق عيد في يوم جمعة فصلوا العيد لم تلزمهم الجمعة ويصلون ظهرا لما روى زيد بن أرقم قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم فصلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: [من شاء أن يجمع فليجمع] وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون إن شاء الله] رواهما أبو داود.
وتجب الجمعة على الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إنا مجمعون] ولأن تركه لها منع لمن يريدها من الناس.
وعنه: لا تجب لأن ابن الزبير لم يصلها وكان إماما ولأن الجمعة إذا سقطت عن المأمومين سقطت عن الإمام كحالة السفر فإن عجل الجمعة في وقت العيد أجزأته عن العيد والظهر في ظاهر كلامه لما روى عطاء قال: اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان قد اجتمعا في يوم واحد فجمعهما وصلاهما ركعتين فلم يزد عليهما حتى صلى العصر وبلغ فعله ابن عباس فقال: أصاب السنة.