الشرح:
قوله: (باب يلبس أحسن ما يجد) أي يوم الجمعة من الجائز.
أورد فيه حديث ابن عمر " أن عمر رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة " الحديث.
ووجه الاستدلال به من جهة تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للجمعة، وقصر الإنكار على لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريرا.
وقد تعقبه الداودي بأنه ليس في الحديث دلالة على الترجمة.
وأجاب ابن بطال بأنه كان معهودا عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه للجمعة.
وتبعه ابن التين.
وما تقدم أولى.
وقد ورد الترغيب في ذلك في حديث أبي أيوب وعبد الله بن عمر، وعند ابن خزيمة بلفظ " ولبس من خير ثيابه " ونحوه في رواية الليث عن ابن عجلان، ولأبي داود من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة وأبي أمامة عن أبي سعيد وأبي هريرة نحو حديث سلمان وفيه " ولبس من أحسن ثيابه " وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته " ووصله ابن عبد البر في " التمهيد " من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، وفي إسناده نظر، فقد رواه أبو داود من طريق عمرو بن الحارث وسعيد بن منصور عن ابن عيينة وعبد الرزاق عن الثوري ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان مرسلا، ووصله أبو داود وابن ماجه من وجه آخر عن محمد بن يحيى عن عبد الله ابن سلام، ولحديث عائشة طريق عند ابن خزيمة وابن ماجه، وسيأتي الكلام على حديث ابن عمر في كتاب اللباس.
وقوله "سيراء " بكسر المهملة وفتح التحتانية ثم راء ثم مد أي حرير.
قال ابن قرقول: ضبطناه عن المتقنين بالإضافة كما يقال ثوب خز، وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل.
قال الخطابي: يقال حلة سيراء كناقة عشراء.
ووجهه ابن التين فقال: يريد أن عشراء مأخوذ من عشرة أي أكملت الناقة عشرة أشهر فسميت عشراء، وكذلك الحلة سميت سيراء لأنها مأخوذة من السيور، هذا وجه التشبيه، وعطارد صاحب الحلة هو ابن حاجب التميمي.
وقوله "فكساها أخا له بمكة مشركا " سيأتي أن اسمه عثمان بن حكيم، وكان أخا عمر من أمه، وقيل غير ذلك، وقد اختلف في إسلامه، والله أعلم.
*3*
باب السِّوَاكِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَنُّ
الشرح:
قوله: (باب السواك يوم الجمعة) أورد فيه حديثا معلقا وثلاثة موصولة، والمعلق طرف من حديث أبي سعيد المذكور في " باب الطيب للجمعة " فإن فيه " وأن يستن " أي يدلك أسنانه بالسواك.
وأما الموصولة فأولها حديث أبي هريرة " لولا أن أشق " ومطابقته للترجمة من جهة اندراج الجمعة في عموم قوله " كل صلاة " وقال الزين بن المنير: لما خصت الجمعة بطلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظيف والتطيب ناسب ذلك تطيب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة، وإزالة ما يضر الملائكة وبني آدم.
ثاني الموصولة حديث أنس " أكثرت عليكم في السواك " قال ابن رشيد مناسبته للذي قبله من جهة أن سبب منعه من إيجاب السواك واحتياجه إلى الاعتذار عن إكثاره عليهم فيه وجود المشقة، ولا مشقة في فعل ذلك في يوم واحد وهو يوم الجمعة.
ثالث الموصولة حديث حذيفة " أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه " ووجه.
مناسبته أنه شرع في الليل لتجمل الباطن فيكون في الجمعة أحرى لأنه شرع لها التجمل في الباطن والظاهر، وقد تقدم الكلام على حديث حذيفة في آخر كتاب الوضوء وأما حديث أبي هريرة فلم يختلف على مالك في إسناده وإن كان له في أصل الحديث إسناد آخر بلفظ آخر سيأتي الكلام عليه في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ
الشرح:
قوله: (أو لولا أن أشق على الناس) هو شك من الراوي، ولم أقف عليه بهذا اللفظ في شيء من الروايات عن مالك ولا عن غيره، وقد أخرجه الدار قطني في الموطآت من طريق الموطأ لعبد الله بن يوسف شيخ البخاري فيه بهذا الإسناد بلفظ " أو على الناس " لم يعد قوله " لولا أن أشق " وكذا رواه كثير من رواة الموطأ ورواه أكثرهم بلفظ " المؤمنين " بدل " أمتي " ورواه يحيى بن يحيى الليثي بلفظ " على أمتي " دون الشك.
قوله: (لأمرتهم بالسواك) أي باستعمال السواك، لأن السواك هو الآلة، وقد قيل إنه يطلق على الفعل أيضا.
فعلى هذا لا تقدير.
والسواك مذكر على الصحيح، وحكى في الحكم تأنيثه، وأنكر ذلك الأزهري.
قوله: (مع كل صلاة) لم أرها أيضا في شيء من روايات الموطأ إلا عن معن بن عيسى لكن بلفظ " عند كل صلاة " وكذا النسائي عن قتيبة عن مالك، وكذا رواه مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد، وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال " مع الوضوء " بدل الصلاة أخرجه أحمد من طريقه، قال القاضي البيضاوي: " لولا " كلمة تدل على انتقاء الشيء لثبوت غيره، والحق أنها مركبة من " لو " الدالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره و " لا " النافية، فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيا لثبوت المشقة، وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين: أحدهما أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية، ولو كان للندب لما جاز النفي، ثانيهما أنه جعل الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب، إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك.
وقال الشيخ أبو إسحاق في " اللمع " في هذا الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به ا ه.
ويؤكده قوله في رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة عند النسائي بلفظ " لفرضت عليهم " بدل لأمرتهم.
وقال الشافعي: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبا لأمرهم شق عليهم به أو لم يشق ا ه.
وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم، بل ادعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكى الشيخ أبو حامد وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه قال: هو واجب لكل صلاة، فمن تركه عامدا بطلت صلاته.
وعن داود أنه قال: وهو واجب لكن ليس شرطا.
واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجه من حديث أبي أمامة مرفوعا " تسوكوا " ولأحمد نحوه من حديث العباس، وفي الموطأ في أثناء حديث " عليكم بالسواك " ولا يثبت شيء منها، وعلى تقدير الصحة فالمنفي في مفهوم حديث الباب الأمر به مقيدا بكل صلاة لا مطلق الأمر، ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق ولا من ثبوت المطلق التكرار كما سيأتي.
واستدل بقوله " كل صلاة " على استحبابه للفرائض والنوافل، ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة وما ضاهاها من النوافل التي ليست تبعا لغيرها كصلاة العيد، وهذا اختاره أبو شامة، ويتأيد بقوله في حديث أم حبيبة عند أحمد بلفظ " لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون " وله من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك " فسوى بينهما.
وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا إن طال الفصل مثلا، فكذلك السواك.
ويمكن أن يفرق بينهما بأن الوضوء أشق من السواك، ويتأيد بما رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين، ثم ينصرف فيستاك " وإسناده صحيح، لكنه مختصر من حديث طويل أورده أبو داود، وبين فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نوم.
وأصل الحديث في مسلم مبينا أيضا.
واستدل به على أن الأمر يقتضي التكرار، لأن الحديث دل على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك، ولا مشقة في وجوبه مرة، وإنما المشقة في وجوب التكرار.
وفي هذا البحث نظر، لأن التكرار لم يؤخذ هنا من مجرد الأمر، وإنما أخذ من تقييده بكل صلاة.
وقال المهلب: فيه أن المندوبات ترتفع إذا خشي منها الحرج.
وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته.
وفيه جواز الاجتهاد منه فيما لم ينزل عليه فيه نص، لكونه جعل المشقة سببا لعدم أمره، فلو كان الحكم متوقفا على النص لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص لا وجود المشقة.
قال ابن دقيق العيد: وفيه بحث، وهو كما قال، ووجهه أنه يجوز أن يكون إخبارا منه صلى الله عليه وسلم بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة، فيكون معنى قوله " لأمرتهم " أي عن الله بأنه واجب.
واستدل به النسائي على استحباب السواك للصائم بعد الزوال، لعموم قوله " كل صلاة"، وسيأتي البحث فيه في كتاب الصيام.
(فائدة) : قال ابن دقيق العيد: الحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها حالا رب إلى الله، فاقتضى أن تكون حال كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة، وقد ورد من حديث علي عند البزار ما يدل على أنه لأمر يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي، فلا يزال يدنو منه حتى يضع فاه على فيه، لكنه لا ينافي ما تقدم.
وأما حديث أنس فرجال إسناده بصريون، وقوله "أكثرت " وقع في رواية الإسماعيلي " لقد أكثرت الخ " أي بالغت في تكرير طلبه منكم، أو في إيراد الأخبار في الترغيب فيه.
وقال ابن التين: معناه أكثرت عليكم، وحقيق أن أفعل، وحقيق أن تطيعوا.
وحكى الكرماني أنه روى بضم أوله أي بولغت من عند الله بطلبه منكم.ولم أقف على هذه الرواية إلى الآن صريحة.
(تنبيه) ذكره ابن المنير بلفظ " عليكم بالسواك " ولم يقع ذلك في شيء من الروايات في صحيح البخاري، وقد تعقبه ابن رشيد.
واللفظ المذكور وقع في الموطأ عن الزهري عن عبيد بن السباق مرسلا، وهو في أثناء حديث وصله ابن ماجه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري يذكر ابن عباس فيه، وسبق الكلام عليه في آخر " باب الدهن للجمعة " ورواه معمر عن الزهري قال " أخبرني من لا أتهم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم سمعوه يقول ذلك".