*3*
باب الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ
الشرح:
قوله: (باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس) يعني ما حكمها؟ قال الزين بن المنير: لم يثبت حكم النهي، لأن تعين المنهي عنه في هذا الباب مما كثر فيه الاختلاف، وخص الترجمة بالفجر من اشتمال الأحاديث على الفجر والعصر، لأن الصبح هي المذكورة أولا في سائر أحاديث الباب.
قلت: أو لأن العصر ورد فيها كونه صلى الله عليه وسلم صلى بعدها، بخلاف الفجر.
الحديث:
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَاسٌ بِهَذَا
الشرح:
قوله: (هشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي.
قوله: (عن أبي العالية) هو الرياحي بالياء التحتانية واسمه رفيع بالتصغير، ووقع مصرحا به عند الإسماعيلي من رواية غندر عن شعبة، وأورد المصنف طريق يحيى وهو القطان عن شعبة عن قتادة سمعت أبا العالية.
والسر فيها التصريح بسماع قتادة له من أبي العالية وإن كانت طريق هشام أعلى منها.
قوله: (شهد عندي) أي أعلمني أو أخبرني، ولم يرد شهادة الحكم.
قوله: (مرضيون) أي لا شك في صدقهم ودينهم.
وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن همام " شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر " وله من رواية شعبة " حدثني رجال أحبهم إلى عمر.
قوله: (ناس بهذا) أي بهذا الحديث بمعناه، فإن مسددا رواه ومن طريقه البيهقي ولفظه " حدثني ناس أعجبهم إلى عمر " وقال فيه " حتى تطلع الشمس " ووقع في الترمذي عنه " سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وكان من أحبهم إلي".
قوله: (بعد الصبح) أي بعد صلاة الصبح لأنه لا جائز أن يكون الحكم فيه معلقا بالوقت، إذ لا بد من أداء الصبح، فتعين التقدير المذكور.
قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث معمول به عند فقهاء الأمصار، وخالف بعض المتقدمين وبعض الظاهرية من بعض الوجوه.
قوله: (حتى تشرق) بضم أوله من أشرق، يقال أشرقت الشمس ارتفعت وأضاءت، ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي في الباب بعده بلفظ " حتى ترتفع الشمس " ويروى بفتح أوله وضم ثالثه بوزن تغرب يقال شرقت الشمس أي طلعت، ويؤيده رواية البيهقي من طريق أخرى عن ابن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ " حتى تشرق الشمس أو تطلع " على الشك، وقد ذكرنا أن في رواية مسدد " حتى تطلع الشمس " بغير شك، وكذا هو في حديث أبي هريرة الآتي آخر الباب بلفظ " حتى تطلع الشمس " بالجزم، ويجمع بين الحديثين بأن المراد بالطلوع طلوع مخصوص، أي حتى تطلع مرتفعة.
قال النووي: أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها، واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة وقضاء الفائتة، فذهب الشافعي وطائفة إلى جواز ذلك كله بلا كراهة، وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى أن ذلك داخل في عموم النهي، واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر، وهو صريح في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى، ويلتحق ما له سبب.
قلت: وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب، فقد حكى غيره عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخة، وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر، وبذلك جزم ابن حزم، وعن طائفة أخرى المنع مطلقا في جميع الصلوات، وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات، وحكى آخرون الإجماع على جواز صلاة الجنازة في الأوقات المكروهة، وهو متعقب بما سيأتي في بابه، وما ادعاه ابن حزم وغيره من النسخ مستندا إلى حديث " من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى " فدل على إباحة الصلاة في الأوقات المنهية.
انتهى.
وقال غيرهم: ادعاء التخصيص أولى من ادعاء النسخ فيحمل النهي على ما لا سبب له، ويخص منه ما له سبب صلى الله عليه وسلم جمعا بين الأدلة، والله أعلم.
وقال البيضاوي: اختلفوا في جواز الصلاة بعد الصبح والعصر وعند الطلوع والغروب وعند الاستواء، فذهب داود إلى الجواز مطلقا وكأنه حمل النهي على التنزيه.
قلت: بل المحكي عنه أنه ادعى النسخ كما تقدم، قال: وقال الشافعي تجوز الفرائض وما له سبب من النوافل.
وقال أبو حنيفة: يحرم الجميع سوى عصر يومه، وتحرم المنذورة أيضا.
وقال مالك: تحرم النوافل دون الفرائض، ووافقه أحمد، لكنه استثنى ركعتي الطواف.
(تنبيه) : لم يقع لنا تسمية الرجال المرضيين الذين حدثوا ابن عباس بهذا الحديث، وبلغني أن بعض من تكلم على العمدة تجاسر وزعم أنهم المذكورون فيها عند قول مصنفها: وفي الباب عن فلان وفلان.
ولقد أخطأ هذا المتجاسر خطأ بينا فلا حول ولا قوة إلا بالله.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا وَقَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ تَابَعَهُ عَبْدَةُ
الشرح:
قوله: (عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير.
قوله: (لا تحروا) أصله لا تتحروا، فحذفت إحدى التاءين، والمعنى لا تقصدوا.
واختلف أهل العلم في المراد بذلك، فمنهم من جعله تفسيرا للحديث السابق ومبينا للمراد به فقال: لا تكره الصلاة بعد الصبح ولا بعد العصر إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها، وإلى ذلك جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر واحتج له.
وقد روى مسلم من طريق طاوس عن عائشة قالت: وهم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها.
انتهى.
وسيأتي من قول ابن عمر أيضا ما يدل على ذلك قريبا بعد بابين، وربما قوى ذلك بعضهم بحديث " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليضف إليها الأخرى " فأمر بالصلاة حينئذ، فدل على أن الكراهة مختصة بمن قصد الصلاة في ذلك الوقت لا من وقع له ذلك اتفاقا، وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر الباب الذي بعده، ومنهم من جعله نهيا مستقلا، وكره الصلاة في تلك الأوقات سواء قصد لها أم لم يقصد، وهو قول الأكثر.
قال البيهقي: إنما قالت ذلك عائشة لأنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر، فحملت نهيه على من قصد ذلك لا على الإطلاق، وقد أجيب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء كما سيأتي، وأما النهي فهو ثابت من طريق جماعة من الصحابة غير عمر رضي الله عنه، فلا اختصاص له بالوهم والله أعلم.
قوله: (وقال: حدثني ابن عمر) هو مقول عروة أيضا، وهو حديث آخر، وقد أفرده الإسماعيلي وذكر أنه وقع له الحديثان معا من رواية على بن مسهر وعيسى بن يونس ومحمد بن بشر ووكيع ومالك ابن سعير ومحاضر كلهم عن هشام، وأنه وقع له الحديث الثاني فقط من رواية عبد الله بن نمير عن هشام.
قوله: (حتى ترتفع) جعل ارتفاعها غاية النهي، وهو يقوى رواية من روى الحديث الماضي بلفظ " حتى تشرق " من الإشراق وهو الارتفاع كما تقدم.
قوله: (تابعه عبدة) يعني ابن سليمان، والضمير يعود على يحيى بن سعيد وهو القطان، يعني تابع يحيى القطان على روايته لهذا الحديث عن هشام، ورواية عبدة هذه موصولة عند المصنف في بدء الخلق، وفيه الحديثان معا وقال فيه " حتى تبرز " بدل ترتفع.
وقال فيه " لا تحينوا، بالياء التحتانية والنون وزاد فيه " فإنها تطلع بين قرني شيطان " وفيه إشارة إلى علة النهي عن الصلاة في الوقتين المذكورين، وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة " وحينئذ يسجد لها الكفار " فالنهي حينئذ لترك مشابهة الكفار، وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال: إن النهي عن ذلك لا يدرك معناه، وجعله من قبيل التعبد الذي يجب الإيمان به، وسيأتي الكلام على المراد بقوله " بين قرني الشيطان " في أوائل بدء الخلق إن شاء الله تعالى.
قوله: (حاجب الشمس) أي طرف قرصها، قال الجوهري: حواجب الشمس نواحيها.
الحديث:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ صَلَاتَيْنِ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَعَنْ الِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَعَنْ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ
الشرح:
قوله: (عن عبيد الله) هو ابن عمر العمري.
قوله: (حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب، وهو جد عبيد الله بن عمر المذكور في هذا الإسناد.
قوله: (وعن صلاتين) محصل ما في الباب أربعة أحاديث: الأول والأخير يتعلقان بالفعل، والثاني والثالث يتعلقان بالوقت، وقد تقدم نقل اختلاف العلماء في ذلك.
وسيأتي الكلام على البيعتين في كتاب البيع، وعلى اللبستين في كتاب اللباس.
قوله: (بعد الفجر) أي بعد صلاة الفجر كما تقدم.
*3*
باب لَا تُتَحَرَّى الصَّلَاةُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ
الشرح:
قوله: (باب لا تتحرى) بضم المثناة الفوقانية، والصلاة بالرفع لأنها في مقام الفاعل، أو بفتح المثناة التحتانية، والصلاة بالنصب والفاعل محذوف أي المصلي، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في الباب الذي قبله، ولا تنافي بين قوله في الترجمة " قبل الغروب " وبين قوله في الحديث " عند الغروب " لما نذكره قريبا.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا
الشرح:
قوله: (لا يتحرى) كذا وقع بلفظ الخبر، قال السهيلي: يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع، أي لا يكون إلا هذا.
قوله: (فيصلي) بالنصب، والمراد نفي التحري والصلاة معا، ويجوز الرفع أي لا يتحرى أحدكم الصلاة في وقت كذا فهو يصلي فيه.
وقال ابن خروف: يجوز في " فيصلي " ثلاثة أوجه: الجزم على العطف أي لا يتحرى ولا يصلي، والرفع على القطع أي لا يتحرى فهو يصلي، والنصب على جواب النهي والمعنى لا يتحرى مصليا.
وقال الطيبي: قوله لا يتحرى نفي بمعنى النهي، ويصلي بالنصب لأنه جوابه، كأنه قيل: لا يتحرى، فقيل: لم؟ فأجيب: خيفة أن يصلي.
ويحتمل أن يقدر غير ذلك.
وقد وقع في رواية القعنبي في الموطأ " لا يتحرى أحدكم أن يصلي " ومعناه لا يتحرى الصلاة.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ
الشرح:
قوله: (عن صالح) هو ابن كيسان ولم يخرج البخاري لصالح بن أبي الأخضر شيئا.
قوله: (لا صلاة) قال ابن دقيق العيد: وصيغة النفي في ألفاظ الشارع إذا دخلت على فعل كان الأولى حملها على نفي الفعل الشرعي لا الحسي، لأنا لو حملناه على نفي الفعل الحسي لاحتجنا في تصحيحه إلى إضمار، والأصل عدمه.
وإذا حملناه على الشرعي لم نحتج إلى إضمار، فهذا وجه الأولوية.
وعلى هذا فهو نفي بمعنى النهي، والتقدير لا تصلوا.
وحكى أبو الفتح اليعمري عن جماعة من السلف أنهم قالوا: إن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بأنهما لا يتطوع بعدهما، ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد به وقت الطلوع ووقت الغروب، ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تصلوا بعد الصبح ولا بعد العصر، إلا أن تكون الشمس نقية " وفي رواية " مرتفعة"، فدل على أن المراد بالبعدية ليس على عمومه، وإنما المراد وقت الطلوع ووقت الغروب ما قاربهما والله أعلم.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الصلاة المنهية غير صحيحة، فلازمه أن لا يقصد لها المكلف، إذ العاقل لا يشتغل بما لا فائدة فيه.
قوله: (لا صلاة بعد الصبح) أي بعد صلاة الصبح، وصرح به مسلم من هذا الوجه في الموضعين.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ
الشرح:
قوله: (حدثنا محمد بن أبان) هو البلخي، وقيل الواسطي، ولكل من القولين مرجح وكلاهما ثقة.
قوله: (عن معاوية) في رواية الإسماعيلي من طريق معاذ وغيره عن شعبة " خطبنا معاوية " واتفق أصحاب شعبة على أنه من رواية أبي التياح عن حمران، وخالفهم عن بن عمر وأبو داود الطيالسي فقالا " عن أبي التياح عن معبد الجهني عن معاوية " والطريق التي أختارها البخاري أرجح، ويجوز أن يكون لأبي التياح فيه شيخان.
قوله: (يصليهما) أي الركعتين، وللحموي " يصليها " أي الصلاة.
وكذا وقع الخلاف بين الرواة في قوله عنها أو عنهما، وكلام معاوية مشعر بأن من خاطبهم كانوا يصلون بعد العصر ركعتين على سبيل التطوع الراتب لها كما يصلي بعد الظهر، وما نفاه من رؤية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لهما قد أثبته غيره، والمثبت مقدم على النافي.
وسيأتي في الباب الذي بعده قول عائشة " كان لا يصليهما في المسجد " لكن ليس في رواية الإثبات معارضة للأحاديث الواردة في النهي، لأن رواية الإثبات لها سبب كما سيأتي في الباب الذي بعده، فألحق بها ما له سبب وبقي ما عدا ذلك على عمومه، والنهي فيه محمول على ما لا سبب له.
وأما من يرى عموم النهي ولا يخصه بما له سبب فيحمل إنكار معاوية على من يتطوع ويحمل الفعل على الخصوصية، ولا يخفى رجحان الأول، والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ
الشرح:
قوله: (حدثنا عبدة) هو ابن سليمان، وبقية الإسناد والمتن تقدم بأتم سياق في الباب الذي قبله.