*3*
باب الْخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا لِلْمَسْجِدِ يَخْدُمُهَا
الشرح:
قوله (باب الخدم للمسجد) في رواية كريمة " الخدم في المسجد".
قوله: (وقال ابن عباس) هذا التعليق وصله ابن أبي حاتم بمعناه.
قوله: (محررا) أي معتقا، والظاهر أنه كان في شرعهم صحة النذر في أولادهم، وكأن غرض البخاري الإشارة بإيراد هذا إلى أن تعظيم المسجد بالخدمة كان مشروعا عند الأمم السالفة حتى أن بعضهم وقع منه نذر ولده لخدمته.
ومناسبة ذلك لحديث الباب من جهة صحة تبرع تلك المرأة بإقامة نفسها لخدمة المسجد لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لها على ذلك.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ وَلَا أُرَاهُ إِلَّا امْرَأَةً فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرِهَا
الشرح:
قوله: (حدثنا أحمد بن واقد) واقد جده، واسم أبيه عبد الملك، وشيخه حماد هو ابن زيد، ورجاله إلى أبي هريرة بصريون.
قوله: (ولا أراه) بضم الهمزة، أي أظنه.
قوله: (فذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم) أي الذي تقدم قبل بباب.
*3*
باب الْأَسِيرِ أَوْ الْغَرِيمِ يُرْبَطُ فِي الْمَسْجِدِ
الشرح:
قوله: (باب الأسير أو الغريم) كذا للأكثر بأو، وهي للتنويع.
وفي رواية ابن السكن وغيره " والغريم " بواو العطف.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي قَالَ رَوْحٌ فَرَدَّهُ خَاسِئًا
الشرح:
قوله: (حدثنا روح) هو ابن عبادة.
قوله: (تفلت) بالفاء وتشديد اللام أي تعرض لي فلتة، أي بغته.
وقال القزاز: يعني توثب.
وقال الجوهري: أفلت الشيء فانفلت وتفلت بمعنى.
قوله: (البارحة) قال صاحب المنتهى: كل زائل بارح، ومنه سميت البارحة.
وهي أدنى ليلة زالت عنك.
قوله: (أو كلمة نحوها) قال الكرماني: الضمير راجع إلى البارحة أو إلى جملة تفلت على البارحة.
قلت: رواه شبابة عن شعبة بلفظ " عرض لي فشد علي " أخرجه المصنف في أواخر الصلاة.
وهو يؤيد الاحتمال الثاني.
ووقع في رواية عبد الرزاق " عرض لي في صورة هر " ولمسلم من حديث أبي الدرداء " جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي " وللنسائي من حديث عائشة " فأخذته فصرعته فخنقته حتى وجدت لسانه على يدي " وفهم ابن بطال وغيره منه أنه كان حين عرض له غير متشكل بغير صورته الأصلية فقالوا: إن رؤية الشيطان على صورته التي خلق عليها خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأما غيره من الناس فلا لقوله تعالى (إنه يراكم هو وقبيله) الآية.
وسنذكر بقية مباحث هذه المسألة في " باب ذكر الجن " حيث ذكره المؤلف في بدء الخلق، ويأتي الكلام على بقية فوائد حديث الباب في تفسير سورة "ص".
قوله (رب اغفر لي وهب لي) كذا في رواية أبي ذر، وفي بقية الروايات هنا رب هب لي.
قال الكرماني: لعله ذكره على طريق الاقتباس لا على قصد التلاوة.
قلت: ووقع عند مسلم كما في رواية أبي ذر على نسق التلاوة، فالظاهر أنه تغيير من بعض الرواة.
قوله: (قال روح فرده) أي النبي صلى الله عليه وسلم رد العفريت (خاسئا) أي مطرودا.
وظاهره أن هذه الزيادة في رواية روح دون رفيقه محمد بن جعفر، لكن أخرجه المصنف في أحاديث الأنبياء عن محمد ابن بشار عن محمد بن جعفر وحده، وزاد في آخره أيضا " فرده خاسئا"، ورواه مسلم من طريق النضر عن شعبة بلفظ " فرده الله خاسئا".
*3*
باب الِاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ وَرَبْطِ الْأَسِيرِ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ
وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الْغَرِيمَ أَنْ يُحْبَسَ إِلَى سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ
الشرح:
قوله: (باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد) هكذا في أكثر الروايات، وسقط للأصيلي وكريمة قوله " وربط الأسير الخ"، وعند بعضهم " باب " بلا ترجمة، وكأنه فصل من الباب الذي قبله، ويحتمل أن يكون بيض للترجمة فسد بعضهم البياض بما ظهر له، ويدل عليه أن الإسماعيلي ترجم عليه " باب دخول المشرك المسجد " وأيضا فالبخاري لم تجر عادته بإعادة لفظ الترجمة عقب الأخرى، والاغتسال إذا أسلم لا تعلق له بأحكام المساجد إلا على بعد، وهو أن يقال: الكافر جنب غالبا والجنب ممنوع من المسجد إلا لضرورة، فلما أسلم لم تبق ضرورة للبثه في المسجد جنبا فاغتسل لتسوغ له الإقامة في المسجد.
وادعى ابن المنير أن ترجمة هذا الباب ذكر البيع والشراء في المسجد.
قال: ومطابقتها لقصة ثمامة أن من تخيل منع ذلك أخذه من عموم قوله " إنما بنيت المساجد لذكر الله " فأراد البخاري أن هذا العموم مخصوص بأشياء غير ذلك منها ربط الأسير في المسجد، فإذا جاز ذلك للمصلحة فكذلك يجوز البيع والشراء للمصلحة في المسجد.
قلت: ولا يخفى ما فيه من التكلف، وليس ما ذكره من الترجمة مع ذلك في شيء من نسخ البخاري هنا، وإنما تقدمت قبل خمسه أبواب لحديث عائشة في قصة بريرة، ثم قال: فإن قيل إيراد قصة ثمامة في الترجمة التي قبل هذه وهي " باب الأسير يربط في المسجد " أليق فالجواب أنه يحتمل أن البخاري آثر الاستدلال بقصة العفريت على قصة ثمامة، لأن الذي هم بربط العفريت هو النبي صلى الله عليه وسلم، والذي تولى ربط ثمامة غيره، وحيث رآه مربوطا قال " أطلقوا ثمامة " قال فهو بأن يكون إنكارا لربطه أولى من أن يكون تقريرا.
انتهى.
وكأنه لم ينظر سياق هذا الحديث تاما لا في البخاري ولا في غيره، فقد أخرجه البخاري في أواخر المغازي من هذا الوجه بعينه مطولا وفيه أنه صلى الله عليه وسلم مر على ثمامة ثلاث مرات وهو مربوط في المسجد، وإنما أمر بإطلاقه في اليوم الثالث، وكذا أخرجه مسلم غيره، وصرح ابن إسحاق في المغازي من هذا الوجه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بربطه، فبطل ما تخيله ابن المنير، وإني لأتعجب منه كيف جوز أن الصحابة يفعلون في المسجد أمرا لا يرضاه رسول صلى الله عليه وسلم؟ فهو كلام فاسد، مبني على فاسد، فالحمد لله على التوفيق.
قوله: (وكان شريح يأمر الغريم أن يحبس) قال ابن مالك: فيه وجهان، أحدهما أن يكون الأصل يأمر بالغريم، وأن يحبس بدل اشتمال، ثم حذفت الباء.
ثانيهما أن معنى قوله " أن يحبس " أي ينحبس، فجعل المطاوع موضع المطاوع لاستلزامه إياه.
انتهى.
والتعليق المذكور في رواية الحموي دون رفقته، وقد وصله معمر عن أيوب عن ابن سيربن قال " كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم بما عليه، فإن أعطى الحق وإلا أمر به إلى السجن.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
الشرح:
قوله: (خيلا) أي فرسانا، والأصل أنهم كانوا رجالا على خيل، وثمامة بمثلثة مضمومة وأثال بضم الهمزة بعدها مثلثة خفيفة.
قوله: (إلى نخل) في أكثر الروايات بالخاء المعجمة، وفي النسخة المقروءة على أبي الوقت بالجيم، وصوبها بعضهم.
وقال: والنجل الماء القليل النابع وقيل الجاري.
قلت: ويؤيد الرواية الأولى أن لفظ ابن خزيمة في صحيحه في هذا الحديث " فانطلق إلى حائط أبي طلحة " سيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث حيث أورده المصنف تاما إن شاء الله تعالى.