*3*
باب يَأْخُذُ بِنُصُولِ النَّبْلِ إِذَا مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ
الشرح:
قوله: (باب يأخذ) أي الشخص (بنصول) جمع نصل، ويجمع أيضا على نصال كما سيأتي في حديث الباب الذي بعده.
(والنبل) بفتح النون وسكون الموحدة وبعدها لام: السهام العربية، وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها.
وجواب الشرط في قوله: (إذا مر) محذوف ويفسره قوله: (يأخذ) ، أو التقدير يستحب لمن معه نبل أنه يأخذ إلخ.
وسفيان المذكور في الإسناد هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار.
ولم يذكر قتيبة في هذا السياق جواب عمرو عن استفهام سفيان، كذا في أكثر الروايات، وحكي عن رواية الأصيلي أنه ذكره في آخره " فقال نعم " ولم أره فيها.
وقد ذكره غير قتيبة أخرجه المصنف في الفتن عن علي بن عبد الله عن سفيان مثله وقال في آخره " فقال نعم " ورواه مسلم من وجه آخر عن سفيان عن عمرو بغير سؤال ولا جواب، لكن سياق المصنف يفيد تحقق الاتصال فيه، وقد أخرجه الشيخان من غير طريق سفيان أيضا أخرجاه من طريق حماد بن زيد عن عمرو ولفظه " أن رجلا مر في المسجد بأسهم قد أبدى نصولها، فأمر أن يأخذ بنصولها كي لا تخدش مسلما " وليس في سياق المصنف " كي".
وأفادت رواية سفيان تعيين الآمر المبهم في رواية حماد، وأفادت رواية حماد بيان علة الأمر بذلك.
ولمسلم أيضا من طريق أبي الزبير عن جابر أن المار المذكور كان يتصدق بالنبل في المسجد، ولم أقف على اسمه إلى الآن.
(فائدة) : قال ابن بطال: حديث جابر لا يظهر فيه الإسناد لأن سفيان لم يقل إن عمرا قال له نعم.
قال: ولكن ذكره البخاري في غير كتاب الصلاة وزاد في آخره " فقال نعم " فبان بقوله نعم إسناد الحديث.
قلت: هذا مبني على المذهب المرجوح في اشتراط قول الشيخ " نعم " إذا قال له القارئ مثلا: أحدثك فلان؟ والمذهب الراجح الذي عليه أكثر المحققين - ومنهم البخاري - أن ذلك لا يشترط، بل يكتفى بسكوت الشيخ إذا كان متيقظا، وعلى هذا فالإسناد في حديث جابر ظاهر والله أعلم.
وفي الحديث إشارة إلى تعظيم قليل الدم كثيرة، وتأكيد حرمة المسلم، وجواز إدخال السلاح المسجد.
وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي سعيد قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقليب السلاح في المسجد " والمعنى فيه ما تقدم.
*3*
باب الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ
الشرح:
قوله: (باب المرور في المسجد) أي جوازه، وهو مستنبط من حديث الباب من جهة الأولوية، فإن قيل: ما وجه تخصيص حديث أبي موسى بترجمة المرور، وحديث جابر بترجمة الأخذ بالنصال، مع أن كلا من الحديثين يدل على كل من الترجمتين؟ أجيب باحتمال أن يكون ذلك بالنظر إلى لفظ المتن، فإن حديث جابر ليس فيه ذكر المرور من لفظ الشارع، بخلاف حديث أبي موسى فإن فيه لفظ المرور مقصودا حيث جعل شرطا ورتب عليه الحكم، وهذا بالنظر إلى اللفظ الذي وقع للمصنف على شرطه وإلا فقد رواه النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بلفظ " إذا مر أحدكم " الحديث.
وعبد الواحد المذكور في الإسناد هو ابن زياد، وأبو بردة بن عبد الله اسمه بريد، وشيخه هو جده أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وقد أخرجه المصنف في الفتن من طريق أبي أسامة عن بريد نحوه، وكذا أخرجه مسلم من طريقه.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا لَا يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا
الشرح:
قوله: (أو أسواقنا) هو تنويع من الشارع وليس شكا من الراوي، والباء في قوله " بنبل " للمصاحبة.
قوله: (على نصالها) ضمن الأخذ معنى الاستعلاء للمبالغة، أو " على " بمعنى الباء كما تقدم في طريق حماد عن عمرو، وسيأتي من طريق ثابت عن أبي بردة.
قوله: (لا يعقر) أي لا يجرح، وهو مجزوم نظرا إلى أنه جواب الأمر، ويجوز الرفع.
قوله: (بكفه) متعلق بقوله " فليأخذ " وكذا رواية الأصيلي " لا يعقر مسلما بكفه " ليس قوله بكفه متعلقا بيعقر، والتقدير: فليأخذ بكفه على نصالها لا يعقر مسلما.
ويؤيده رواية أبي أسامة " فليمسك على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين " لفظ مسلم، وله من طريق ثابت عن أبي بردة " فليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها ثم ليأخذ بنصالها".
*3*
باب الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ
الشرح:
قوله: (باب الشعر في المسجد) أي ما حكمه؟
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَا حَسَّانُ أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَعَمْ
الشرح:
قوله: (عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة) كذا رواه شعيب، وتابعه إسحاق بن راشد عن الزهري أخرجه النسائي، ورواه سفيان بن عيينة عن الزهري فقال " عن سعيد بن المسيب " بدل أبي سلمة، أخرجه المؤلف في بدء الخلق، وتابعه معمر عند مسلم وإبراهيم بن سعد وإسماعيل بن أمية عند النسائي، وهذا من الاختلاف الذي لا يضر، لأن الزهري من أصحاب الحديث.
فالراجح أنه عنده عنهما معا فكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وهذا من جنس الأحاديث التي يتعقبها الدارقطني على الشيخين لكنه لم يذكره فليستدرك عليه.
وفي الإسناد نظر من وجه آخر، وهو على شرط التتبع أيضا، وذلك أن لفظ رواية سعيد بن المسيب " مر عمر في المسجد وحسان ينشد فقال: كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك.
ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله " الحديث.
ورواية سعيد لهذه القصة عندهم مرسلة، لأنه لم يدرك زمن المرور، ولكن يحمل على أن سعيدا سمع ذلك من أبي هريرة بعد أو من حسان، أو وقع لحسان استشهاد أبي هريرة مرة أخرى فحضر ذلك سعيد، ويقويه سياق حديث الباب فإن فيه أن أبا سلمة سمع حسان يستشهد أبا هريرة، وأبو سلمة لم يدرك زمن مرور عمر أيضا فإنه أصغر من سعيد، فدل على تعدد الاستشهاد، ويجوز أن يكون التفات حسان إلى أبي هريرة واستشهاده به إنما وقع متأخرا لأن " ثم " لا تدل على الفورية، والأصل عدم التعدد، وغايته أن يكون سعيد أرسل قصة المرور ثم سمع بعد ذلك استشهاد حسان لأبي هريرة وهو المقصود لأنه المرفوع، وهو موصولا بلا تردد.
والله أعلم.
قوله: (يستشهد) أي يطلب الشهادة، والمراد الإخبار بالحكم الشرعي وأطلق عليه الشهادة مبالغة في تقوية الخبر.
قوله: (أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة، أي سألتك الله، والنشد بفتح النون وسكون المعجمة التذكر.
قوله: (أجب عن رسول الله) في رواية سعيد " أجب عني " فيحتمل أن يكون الذي هنا بالمعنى.
قوله: (أيده) أي قوه، وروح القدس المراد هنا جبريل، بدليل حديث البراء عند المصنف أيضا بلفظ " وجبريل معك " والمراد بالإجابة الرد على الكفار الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفي الترمذي من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب لحسان منبرا في المسجد فيقوم عليه يهجو الكفار، وذكر المزي في " الأطراف " أن البخاري أخرجه تعليقا نحوه، وأتم منه، لكني لم أره فيه، قال ابن بطال: ليس في حديث الباب أن حسان أنشد شعرا في المسجد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن رواية البخاري في بدء الخلق من طريق سعيد تدل على أن قوله صلى الله عليه وسلم لحسان " أجب عني " كان في المسجد، وأنه أنشد فيه ما أجاب به المشركين.
وقال غيره: يحتمل أن البخاري أراد أن الشعر المشتمل على الحق حق، بدليل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لحسان على شعره، وإذا كان حقا جاز في المسجد كسائر الكلام الحق، ولا يمنع منه كما يمنع من غيره من الكلام الخبيث واللغو الساقط.
قلت: والأول أليق بتصرف البخاري، وبذلك جزم المازري وقال: إنما اختصر البخاري القصة لاشتهارها ولكونه ذكرها في موضع آخر.
انتهى.
وأما ما رواه ابن خزيمة في صحيحه والترمذي وحسنه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الأشعار في المساجد " وإسناده صحيح إلى عمرو - فمن يصحح نسخته يصححه - وفي المعنى عدة أحاديث لكن في أسانيدها مقال، فالجمع بينها وبين حديث الباب أن يحمل النهي على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين، والمأذون فيه ما سلم من ذلك.
وقيل: المنهي عنه ما إذا كان التناشد غالبا على المسجد حتى يتشاغل به من فيه.
وأبعد أبو عبد الملك البوني فأعمل أحاديث النهي وادعى النسخ في حديث الإذن ولم يوافق على ذلك حكاه ابن التين عنه، وذكر أيضا أنه طرد هذه الدعوى فيما سيأتي من دخول أصحاب الحراب المسجد وكذا دخول المشرك.