وأما ما صدر منه من كرامات فعجيب الأمر أن تحصر ، فعن أحد الثقاة الملازمين أن حكى : أنه لما قدم السيد محمد عثمان من الخرطوم إلى الديار الشايقية نزل ببلدة "كورتي" فهرعت إليه الخلق من جميع الجهات لزيارته وإلتماس بركته ورؤية محياه ، فبعد مضي أيام قلائل طلبه أهل بلدة بالقرب منها تسمى "جواري" أن يشرف أماكنهم بطلعته السنية ، فقدم إليهم وجبر خاطرهم لمرضات الله ، فبينما هو جالس يريد الوضوء للصلاة ، إذ طلبت الدخول إليه إمرأة ضعيفة مكفوفة البصر ، فأذن لها فدخلت عليه ، وأنكبت على أقدامه ، وقالت له : أنا إمرأة شابة وفي ذمتي أطفال صغار وليس لي من يقوم بأمرهم إلا الله ، وها أنا واقعة عليك أن تشفع لي إلى الله أن يردَّ عليَّ بصري لأقوم بنفقة هؤلاء الأنفس العنية ، فقال لها : فكي قدمي ربنا يأخذ بيدك ويقضي حاجتك ويحقق رجائك فيمن حقق رجاءه ، فخرجت من عنده فلما وقفت على الباب أبصرت حلاً ، فعسكلت فرحاً برفع صوتها ، وأجتمع الخلق إليها كرامة جلية ، وشاهدوا كلهم ما منَّ الله به عليها من بره ، فكانت آية شهيرة يعرفها أهل تلك البلاد جميعاً لأنها كالشمس في الظهيرة ، فسبحان من أكرم أهل عنايته وأغاث من إلتجأ إليهم وأولاه ، وسأله أحد أتباعه عن هذه الواقعة ، فأجاب رضي الله عنه : هي حقيقة ولكن لما وقعت علينا أغاثها الله رحمة من عنده لا بسؤال سألناه ولا بسرٍِ أبحناه ، وساعة ظهور هذه الواقعة حلَّ بي إنكسار القلب وضيق الصدر وتراكم الأحزان ما لايعلم شأنه ولا يقدر قدره إلا الله ، وذلك أني لم رأيت إستعظام الناس لهذه الواقعة وكلامهم بها ألقى الله في قلبي كيف ينسب إليك مثل هذا الأمر وما أنت من أهل الحيثية ، ما هذا إلا إستدراج ومكرٌ بك ونزل بي من الهم والغم ما لا يحيطه سواه ، فأنظر إلى براءة هذه النفس وطهارتها من الأغراض العادية فهكذا العناية الكبرى ، والفض العظيم بمن إجتباه ، ومنها أيضاً : أنه نزل ذات مرة ببلد لإرشاد خلق الله ومعه أصحابه وأتباعه ثم جلسوا لأداء وردهم اليومي بعد صلاة العصر فحضرت إمرأة صغيرة في السن جميلة الصورة لكنها عمياء تماماً يقودها إبنها متوكأةً على عصا ، قام السيد لتجديد وضوئه لصلاة المغرب بينما هو جالس للوضوء خرت المرأة عليه ومسكت أطراف ثيابه وقبلت يديه ورجليه ، وقالت : " يا سيدي إن والدك كان في هذه البلدة عافى إمراة كانت كسيحة فشفاها فجئتك متوسلاً بك وبأبائك أن تفرج عني " ، فرشها بماء وضوئه علي عينيها فأبصرت في الحال فتوجهت إلى بيتها وهي على رجليها بدون عصا وإبنها خلفها يهرول ويصفق فرحة وسروراً ، فهذه الكرامة شاهدها كل الناس هنالك ، ومنها أنه كان يبني قبة والده ومعه جمعٌ من الأتباع والمحبين ، ويأتوه بالهدايا ويخدمونه في ذلك البناء العظيم يرجون البركة والثواب ، ففي إحدى الأيام إذدحم الناس للزيارة إذدحاماً كبيراً ، فوقع أحد الناس وكُسِّرت ساقه وتهرست من الزحمة ، فبقي في مكانه بدون حراك ، فأخذوه إخوانه في الله وأرقدوه على سريرٍ فاقداً الوعي والشعور ثلاث أيام فعولج ولم يشفى وكان غريباً ليس من أهل البلد فذهبوا به إلى السيد محمد عثمان الأقرب وشرحوا له حاله فقال لهم : " إصبروا عليه حتى يُشفى " ، فلم يمتثلوا لضيق حاله ، ثم أمر السيد أحد أتباعه بإحضاره وكان طريح الأرض نائماً فأستيقظ فقام ممتثلاً بما عليه من حال ، فثبت رجليه على الأرض ووقف ومشى كأن لا شئ به فسلم على السيد فمس على رجله فعادت إلى أحسن مما كانت عليه ، وعن خليفته أنه : حكت له جده السيد الأقرب الحاجة خديجة صائمة الدهر البرة التقية : بعد أربعة أشهر من وفاة السيد الأقرب ، قالت : أنها رأت السيد محمد عثمان الأقرب في رؤية منامية فوقعت منكبة عليه تقبل رأسه وأقدامه ، و ضحك لي وسرَّ لحالي ، وقال لها : ضمنتك في الدنيا والآخرة ، وتفل في راحة يدها فمسحت بها وجهها وعيناها وكانت عينها اليسرى مكفوفة لا تبصر فأصبحت تبصر كأختها ، ومن أعظم كراماته الدالة على عظيم مكانته العلية الإستقامة على متابعة الشريعة المحمدية إلى أن لقى الله .