*3*
باب مَنْ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ فِي الْغُسْلِ
الشرح:
قوله: (باب من بدأ بشق رأسه لأيمن في الغسل) تقدم مثل ذلك في باب من بدأ بالحلاب.
الحديث:
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنَّا إِذَا أَصَابَتْ إِحْدَانَا جَنَابَةٌ أَخَذَتْ بِيَدَيْهَا ثَلَاثًا فَوْقَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَأْخُذُ بِيَدِهَا عَلَى شِقِّهَا الْأَيْمَنِ وَبِيَدِهَا الْأُخْرَى عَلَى شِقِّهَا الْأَيْسَرِ
الشرح:
قوله: (حدثنا خلاد بن يحيى) هذا من كبار شيوخ البخاري، وهو كوفي سكن مكة، ومن فوقه إلى عائشة مكيون.
قوله: (عن صفية) وللإسماعيلي " أنه سمع صفية " وهي من صغار الصحابة، وأبوها شيبة هو ابن عثمان الحجبي العبدري صحابي مشهور.
قوله: (أصاب) ولكريمة " أصابت " (إحدانا) أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وللحديث حكم الرفع لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وهو مصير من البخاري إلى القول بأن لقول الصحابي " كنا نفعل كذا " حكم الرفع سواء صرح بإضافته إلى زمنه صلى الله عليه وسلم أم لا، وبه جزم الحاكم.
قوله: (أخذت بيديها) ولكريمة " بيدها " أي الماء، وصرح به الإسماعيلي في روايته.
قوله: (فوق رأسها) أي فصبته فوق رأسها، وللإسماعيلي " أخذت بيديها الماء ثم صبت على رأسها".
قوله: (وبيدها الأخرى) في رواية الإسماعيلي " ثم أخذت بيدها " وهي أدل على الترتيب من رواية المصنف، وإن كان لفظ " الأخرى " يدل على أن لها أولى وهي متأخرة عنها.
فإن قيل: الحديث دال على تقديم أيمن الشخص لا أيمن رأسه فكيف يطابق الترجمة؟ أجاب الكرماني بأن المراد من أيمن الشخص أيمنه من رأسه إلى قدمه فيطابق، والذي يظهر أنه حمل الثلاث في الرأس على التوزيع كما سبق في باب: من بدأ بالحلاب، وفيه التصريح بأنه بدأ بشق رأسه الأيمن.
والله أعلم.
*3*
بَاب مَنْ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الْخَلْوَةِ وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَقَالَ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ
الشرح:
قوله: (باب من اغتسل عريانا وحده في خلوة) أي من الناس، وهو تأكيد لقوله " وحده"، ودل قوله " أفضل " على الجواز وعليه أكثر العلماء، وخالف فيه ابن أبي ليلى وكأنه تمسك بحديث يعلى بن أمية مرفوعا " إذا اغتسل أحدكم فليستتر " قاله لرجل رآه يغتسل عريانا وحده رواه أبو داود، وللبزار نحوه من حديث ابن عباس مطولا.
قوله: (وقال بهز) زاد الأصيلي " ابن حكيم".
قوله: (عن جده) هو معاوية بن حيدة بحاء مهملة وياء تحتانية ساكنة صحابي معروف.
قوله: (أن يستحيي منه من الناس) كذا لأكثر الرواة، وللسرخسي " أحق أن يستنزه منه " وهذا بالمعنى وقد أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من طرق عن بهز وحسنه الترمذي وصححه الحاكم.
وقال ابن أبي شيبة " حدثنا يزيد بن هارون حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك.
قلت: يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا؟ قال: الله أحق أن يستحيي منه من الناس " فالإسناد إلى بهز صحيح، ولهذا جزم به البخاري، وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه، ولهذا لما علق في النكاح شيئا من حديث جد بهز لم يجزم به بل قال " ويذكر عن معاوية بن حيدة " فعرف من هذا أن مجرد جزمه بالتعليق لا يدل على صحة الإسناد إلا إلى من علق عنه، وأما ما فوقه فلا يدل، وقد حققت ذلك فيما كتبته على ابن الصلاح، وذكرت له أمثلة وشواهد ليس هذا موضع بسطها.
وعرف من سياق الحديث أنه وارد في كشف العورة، بخلاف ما قال أبو عبد الملك البوني إن المراد بقوله " أحق أن يستحيي منه " أي فلا يعصى.
ومفهوم قوله " إلا من زوجتك " يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه، وقياسه أنه يجوز له النظر، ويدل أيضا على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة، وفيه حديث في صحيح مسلم.
ثم إن ظاهر حديث بهز يدل على أن التعري في الخلوة غير جائز مطلقا، لكن استدل المصنف على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب عليهما السلام، ووجه الدلالة منه - على ما قال ابن بطال - أنهما ممن أمرنا بالاقتداء به، وهذا إنما يأتي على رأي من يقول: شرع من قبلنا شرع لنا.
والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصتين ولم يتعقب شيئا منهما فدل على موافقتهما لشرعنا، وإلا فلو كان فيهما شيء غير موافق لبينه، فعلى هذا فيجمع بين الحديثين بحمل حديث نهز بن حكيم على الأفضل وإليه أشار في الترجمة، ورجح بعض الشافعية تحريمه، والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ فَخَرَجَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ يَقُولُ ثَوْبِي يَا حَجَرُ حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَنَدَبٌ بِالْحَجَرِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ضَرْبًا بِالْحَجَرِ
الشرح:
قوله: (كانت بنو إسرائيل) أي جماعتهم وهو كقوله تعالى (قالت الأعراب آمنا) .
قوله: (يغتسلون عراة) ظاهره أن ذلك كان جائزا في شرعهم وإلا لما أقرهم موسى على ذلك، وكان هو عليه السلام يغتسل وحده أخذا بالأفضل.
وأغرب ابن بطال فقال: هذا يدل على أنهم كانوا عصاة له، وتبعه على ذلك القرطبي فأطال في ذلك.
قوله: (آدر) بالمد وفتح الدال المهملة وتخفيف الراء قال الجوهري: الأدرة نفخة في الخصية، وهي بفتحات وحكى بضم أوله وإسكان الدال.
قوله: (فجمح موسى) أي جرى مسرعا.
وفي رواية " فخرج".
قوله: (ثوبي يا حجر) أي أعطني، وإنما خاطبه لأنه أجراه مجرى من يعقل لكونه فر بثوبه فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم الحيوان فناداه، فلما لم يعطه ضربه.
وقيل يحتمل أن يكون موسى أراد بضربه إظهار المعجزة بتأثير ضربه فيه، ويحتمل أن يكون عن وحي.
قوله: (حتى نظرت) ظاهره أنهم رأوا جسده، وبه يتم الاستدلال على جواز النظر عند الضرورة لمداواة وشبهها، وأبدى ابن الجوزي احتمال أن يكون كان عليه مئزر لأنه يظهر ما تحته بعد البلل، واستحسن ذلك ناقلا له عن بعض مشايخه، وفيه نظر.
قوله (فطفق بالحجر ضربا) كذا لأكثر الرواة، وللكشميهني والحموي " فطفق الحجر ضربا " والحجر على هذا منصوب بفعل مقدر أي طفق يضرب الحجر ضربا.
قوله: (قال أبو هريرة) هو من تتمة مقول همام، وليس بمعلق.
قوله: (لندب) بالنون والدال المهملة المفتوحتين وهو الأثر، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى.
الحديث:
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا
الشرح:
قوله: (وعن أبي هريرة) هو معطوف على الإسناد الأول، وجزم الكرماني بأنه تعليق بصيغة التمريض فأخطأ، فإن الحديثين ثابتان في نسخة همام بالإسناد المذكور.
وقد أخرج البخاري هذا الثاني من رواية عبد الرزاق بهذا الإسناد في أحاديث الأنبياء.
قوله: (يحتثي) بإسكان المهملة وفتح المثناة بعدها مثلثة، والحثية هي الأخذ باليد.
ووقع في رواية القابسي عن أبي زيد " يحتثن " بنون في آخره بدل الياء.
قوله: (لا غنى) القصر بلا تنوين ورويناه بالتنوين أيضا على أن " لا " بمعنى ليس.
قوله: (ورواه إبراهيم) هو ابن طهمان، وروايته موصولة بهذا الإسناد عند النسائي والإسماعيلي، قال ابن بطال: وجه الدلالة من حديث أيوب أن الله تعالى عاتبه على جمع الجراد، ولم يعاتبه على الاغتسال عريانا فدل على جوازه.
وسيأتي بقية الكلام عليه في أحاديث الأنبياء أيضا.