*3*
باب الْبُزَاقِ وَالْمُخَاطِ وَنَحْوِهِ فِي الثَّوْبِ
قَالَ عُرْوَةُ عَنْ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ حُدَيْبِيَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَمَا تَنَخَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ
الشرح:
قوله: (باب البصاق) كذا في روايتنا، وللأكثر بالزاي وهي لغة فيه، وكذا السين وضعفت.
قوله: (في الثوب) أي والبدن ونحوه، ودخول هذا في أبواب الطهارة من جهة أنه لا يفسد الماء لو خالطه.
قوله: (وقال عروة) هو ابن الزبير، ومروان هو ابن الحكم، وأشار بهذا التعليق إلى الحديث الطويل في قصة الحديبية، وسيأتي بتمامه في الشروط من طريق الزهري عن عروة، وقد علق منه موضعا آخر كما مضى في باب استعمال فضل وضوء الناس.
قوله: (فذكر الحديث) يعني وفيه " وما تنخم"، وغفل الكرماني فظن أن قوله " وما تنخم.
إلخ " حديث آخر فجوز أن يكون الراوي ساق الحديثين سوقا واحدا، أو يكون أمر التنخم وقع بالحديبية.
انتهى.
ولو راجع الموضع الذي ساق المصنف فيه الحديث تاما لظهر له الصواب.
والنخامة بالضم هي النخاعة كذا في المجمل والصحاح، وقيل بالميم ما يخرج من الفم، وبالعين ما يخرج من الحلق.
والغرض من هذا الاستدلال على طهارة الريق ونحوه.
وقد نقل بعضهم فيه الإجماع، لكن روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي أنه ليس بطاهر.
وقال ابن حزم: صح عن سليمان الفارسي وإبراهيم النخعي أن اللعاب نجس إذا فارق الفم.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَزَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ طَوَّلَهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي، وسفيان هو الثوري.
وقد روى أبو نعيم في مستخرجه هذا الحديث من طريق الفريابي وزاد في آخره " وهو في الصلاة".
قوله: (طوله ابن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم المصرى أحد شيوخ البخاري، نسب إلى جده.
وأفادت روايته تصريح حميد بالسماع له من أنس، خلافا لما روى يحيى القطان عن حماد بن سلمة أنه قال: حديث حميد عن أنس في البزاق إنما سمعه من ثابت عن أبي نضرة، فظهر أن حميدا لم يدلس فيه.
ومفعول سمعت الثاني محذوف للعلم به، والمراد أنه كالمتن الذي قبله مع زيادات فيه.
وقد وقع مطولا أيضا عند المصنف في الصلاة كما سيأتي في باب حك البزاق باليد في المسجد.
*3*
باب لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ وَلَا الْمُسْكِرِ
وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَاللَّبَنِ
الشرح:
قوله: (باب لا يحوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر) هو من عطف العام على الخاص، أو المراد بالنبيذ ما لم يبلغ حد الإسكار.
قوله: (وكرهه الحسن) أي البصري، روى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريقين عنه قال " لا توضأ بنبيذ " وروى أبو عبيد من طريق أخرى عنه أنه لا بأس به، فعلى هذا فكراهته عنده على التنزيه.
قوله: (وأبو العالية) روى أبو داود وأبو عبيد من طريق أبي خلدة قال: سألت أبا العالية عن رجل أصابته جنابة وليس عنده ماء أيغتسل به؟ قال: لا.
وفي رواية أبي عبيد: فكرهه.
قوله: (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح، روى أبو داود أيضا من طريق ابن جريج عنه أنه كره الوضوء بالنبيذ واللبن وقال: إن التيمم أحب إلي منه.
وذهب الأوزاعي إلى جواز الوضوء بالأنبذة كلها، وهو قول عكرمة مولي ابن عباس، وروي عن علي وابن عباس ولم يصح عنهما، وقيده أبو حنيفة في المشهور عنه بنبيذ التمر، واشترط أن لا يكون بحضرة ماء وأن يكون خارج المصر أو القرية، وخالفه صاحباه فقال محمد: يجمع بينه وبين التيمم، قيل إيجابا وقيل استحبابا، وهو قول إسحاق.
وقال أبو يوسف بقول الجمهور: لا يتوضأ به بحال، واختاره للطحاوي، وذكر قاضي خان أن أبا حنيفة رجع إلى هذا القول، لكن في المقيد من كتبهم إذا ألقى في الماء تمرات فحلا ولم يزل عنه اسم الماء جاز الوضوء به بلا خلاف، يعني عندهم.
واستدلوا بحديث ابن مسعود حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن " ما في إداوتك؟ قال: نبيذ.
قال: ثمرة طيبة وماء طهور " رواه أبو داود والترمذي وزاد " فتوضأ به " وهذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه، وقيل - على تقدير صحته - إنه منسوخ، لأن ذلك كان بمكة، ونزول قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) إنما كان بالمدينة بلا خلاف، أو هو محمول على ماء ألقيت فيه تمرات يابسة لم تغير له وصفا، وإنما كانوا يصنعون ذلك لأن غالب مياههم لم تكن حلوة.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ
الشرح:
قوله: (عن الزهري) كذا للأصيلي وغيره، ولأبي ذر " حدثنا الزهري".
قوله: (كل شراب أسكر) أي كان من شأنه الإسكار سواء حصل بشربه السكر أم لا، قال الخطابي: فيه دليل على أن قليل المسكر وكثيره حرام من أي نوع كان، لأنها صيغة عموم أشير بها إلى جنس، الشراب الذي يكون منه السكر، فهو كما لو قال: كل طعام أشبع فهو حلال، فإنه يكون دالا على حل كل طعام من شأنه الإشباع وإن لم يحصل الشبع به لبعض دون بعض.
ووجه احتجاج البخاري به في هذا الباب أن المسكر لا يحل شربه، وما لا يحل شربه لا يجوز الوضوء به اتفاقا، والله أعلم.
وسيأتي الكلام على حكم شرب النبيذ في الأشربة إن شاء الله تعالى.