01-30-2013, 08:11 PM
|
#3
|
|
رد: تاريخ الاحتفال بالولد النبوى الشريف
السلطان الغورى
"كان السلطان الغورى طوال عهده، عند حلول شهر ربيع الأول من كل سنة يأمر بإقامة السرادق الأشرفى العظيم بالحوش السلطانى الكبير من قلعة الجبل، وإعداده بكل ما من شأنه أن يجعل الاحتفال بالمولد شائقًا فخمًا كريمًا، فيقام ويهيأ بما جرت به الرسوم من الفخامة والأبهة والجلال".
"فإذا كان اليوم الحادى عشر من شهر ربيع الأول، اتُخذت فى مداخل أبواب السرادق أحواض من الجلد، تملأ بالماء الصافى المحلى بالسكر والليمون. ثم تعلق حولها الأكواب الفاخرة المصنوعة من الشَّبَهِ (النحاس الأصفر) والنحاس الأحمر، والمزينة بالنقوش الجميلة، والمنزَّلة فيها الكلمات القرآنية، والعبارات النبوية بالفضة وقد اتصلت هذه الأكواب بشوكات ارتبطت بسلاسل من النحاس اللامع البراق، وعلقت بعُراها التى تمسك بها".
"ويصطف حول هذه الأحواض طائفة من غلمان الشرابخانة، لمناولة الناس من هذا الشراب السائغ، لا فرق فى ذلك بين كبير وصغير. ثم تزين جنبات السرادق والأحواض بالأوانى الخزفية من النوع الصينى البديع الأشكال، الجميل الرسوم والألوان، وتصف الكاسات النحاسية المحلاة بالنقوش الفضية فى أوضاع أنيقة تسترعى الأنظار. وبهذه الكاسات، وهاتيك الأكواب، يتناول الصادر والوارد من الناس، هذا الشراب السائغ اللذيذ. ويبالغ الغلمان الشرابدارية وعرفاؤُهم فى إرضاء كل طالب، وإرواء كل شارب بعد أن يكون الغلمان قد قاموا بتزيين الشرابخانة حتى تصير بهجة للناظرين".
"وعند حلول الوقت المعين للاحتفال -وكان ذلك بعد صلاة العصر- يصعد الخليفةالعباسى المصرى إلى القلعة فى ركبه العظيم، يحف به القضاة الأربعة ومن يليهم من رجال الشرع الشريف والشهود المعدلون. ثم يتلوه الأتابكى سودون العجمى فى كوكبة من الأمراء والقواد ومن يليهم من مقدمى الجيش.ثمكبارالعلماءوالفقهاءوالوعاظوالقراء،ومنيليهم من المقدمينثمأعيان الأمة ووجوه الناس، ثم المباشرون وأرباب الوظائفوأصحابالرتب. ثممشايخالطرقالصوفيةوأتباعهمومريديهم،فىمواكبهمالمرتجةبطبولهموزمورهمومنشديهم، ثم طباق الجند وصفوف العساكر ورجال الحفظ. وجميعهم يرفلون فى الثياب الفاخرة حسب درجاتهم ومقدرتهم. أو كما يقولون: فى الشاش والقماش. وعلى أحسن زى، وأجمل حلية".
"وبعد أن يكتمل اجتماع هذه المواكب الحاشدة بحوش القلعة، يدخلون السرادق الأشرفى، وينتشرون فى أرجائه، ويأخذ كل فريق مكانه المعد له من أروقته المترامية الأطراف، ثم يبدأ القراء فى تلاوة آى الذكر الحكيم بأصواتهم الجميلة، وأنغامهم المشجية، وترتيلهم المؤثر، يليهم خطباء الوعظ والإرشاد فيلقون على الناس الأقوال المأثورة فى الأوامر والنواهى الدينية، ثم يقوم أرباب الطرق الصوفية بتلاوة أورادهم وأدعيتهم، وكل فريق يؤدى خدمته المخصص بها".
"فإذا انتهوا جميعا من شؤونهم، نصبت الموائد عليها الأطعمة الحافلة، ومدّت الأسمطة بمختلف الألوان الشهية، وصنوف المآكل المتنوعة الجيدة الهنية، ودارت عليهم الطاسات الفاخرة بالأشربة اللذيذة المرية، فإذا قضوا من هذه المآدب الجليلة أربهم، وتناولوا منها ما لذ وطاب لهم، عاد كل إنسان إلى مكانه، وتجمع كل فريق فى إيوانه. وهنالك تنهال عليهم الإنعامات السلطانية، وتشملهم المنح والهبات الملوكية.." .
وفى بدايات العصر العثمانى اعتور الاحتفال بعض الفتور على المستوى الرسمى، ولكنه، على المستوى الشعبى، كان يسير على حاله. يقول السندوبى فى ذلك:
"وظل نواب السلطنة العثمانية وولاتها على مصر بعد خير بك يقومون بمراسم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف بين العناية والتقصير، حسب الظروف والأحوال، كل على قدر همته من الرفعة والتدنى. إلى نهاية الحكم العثمانى".
"على أن الأمة المصرية كانت تقوم من جانبها بما تقصر عنه همم الولاة من أهل الخمول والقصور".
"قال الجبرتى: ولأهل مصر سنن وطرائق فى مكارم الأخلاق، لا توجد فى غيرهم.. ولهم عادات فى أيام المواسم، مثل: أيام رجب، والمعراج، ونصف شعبان، وليالى رمضان، والأعياد، وعاشوراء، والمولد النبوى الشريف".
"(فكانوا) يطبخون الأرز باللبن، والزردة، ويملأون من ذلك قصاعا كثيرة، ويفرقون منها على من يعرفون من المحتاجين. (وكان) يجتمع فى كل بيت الكثير من الفقراء، فيوزعون عليهم الخبز، ويأكلون حتى يشبعوا من ذلك اللبن والزردة، ويعطونهم بعد ذلك دراهم.. وذلك خلاف ما يعمل ويفرق من الكعك المحشو بالسكر والعجمية، والشريك: على المدافن والترب، فى الجمع والمواسم".
بيت السادة البكرية
"كان بيت السادة البكرية فى تلك الحقبة، يقوم بالساحة الكبرى التى كانت تمتد من جنوب دار الأوبرا الآن إلى مسجد العشماوى، وتشمل حارة عبد الحق السنباطى غربًا، إلى دار البريد شرقًا. وكان يطل على بركة الأزبكية شمالا. وكان حوله ميادين واسعة".
"هذا البيت العامر الجناب، الواسع الرحاب، والمترامى الأطراف، المتنائى الأكناف، كان موئلا لأرباب الطرق الصوفية، ومنتدى لمجامعهم الدورية. وكان شيوخ آل الصديق يقيمون معالم الاحتفال بالمولد فى ساحاته، وينصبون الأعلام والزينات فى باحاته، ويوقدون أحمال القناديل والثريات فى سواريه وشرفاته. ويذبحون فيه الذبائح، ويقدمون للناس العطايا والمنائح، فكان فى أيام المولد قبلة القاصدين، ومحط رحال الوافدين، وملجأ الفقراء والمعوزين".
"فإذا كانت الليلة الختامية للمولد، حضر الباشا الوالى، وكبار رجال الحكومة، وزعماء الإنكشارية، وأعيان المباشرين، وأرباب الوظائف، وغيرهم من وجوه الأمة، ورؤس التجار، وأصحاب الصناعات والحرف، لمشاهدة الاحتفال بهذه الذكرى الكريمة. وكانت تمد لكل من حضر، الأسمطة الحافلة بألوان المطاعم، والأوانى الرحبة المليئة بالثريد، عليها أبضاع اللحوم الناضجة الشهية. فيتناول من ذلك من شاء مالذ له وطاب".
"وبعد الانتهاء من الطعام يصطفون على الآرائك والكراسى، ويقعد أكثرهم على البسط والسجاجيد، أو على الحصر المفترشة حول سارية الذكر. وهنالك تقوم حلقات الصوفية وأهل الطرق، يذكرون الله، ويتناشدون الأناشيد المعروفة عندهم، وتحدث لبعضهم أطوار من الجذب، فتكون صيحات وتواجد، وزعقات وتساند، ويظهر على السامعين الشىء الكثير من الحركات الدالة على الاستحسان والاستطراب".
"ويجلس فى بعض الساحات حلقات أخرى لقراءة الأحزاب، وتلاوة الأوراد، بأصوات مرتفعة صادرة من أقصى حلوقهم، فيكون لها دوى خاص فى الأسماع. ولا يزالون جميعًا فى هذه الأحوال إلى الثلث الأخير من الليل. ثم يأخذون فى الانصراف".
"ومما يذكر أنه فى يوم الجمعة 11 من ربيع الأول سنة 1202ه- 1787م لما أقيمت معالم الاحتفال بالمولد، ونصبت سوارى الزينة عليها الأعلام، ومدت الحبال وعلقت فيها الفوانيس، والثريات والقناديل، واستنارت الساحة بالأنوار المتلألئة ، وحضر المدعوون لشهود الليلة الختامية على العادة حضر الوالى العثمانى عابدين باشا مدعوا، واستقبل بحفاوة بالغة، فلما شاهد من ذلك مالا عهد له به، سر كثير
|
|
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل
دخولك قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا |
|