عرض مشاركة واحدة
قديم 01-28-2013, 11:57 AM   #6
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المنقذ من الضلال للامام الغزالى رضى الله عنه


- القَولُ ِفي مَذْهَبِ التَّعلِيم وغَائِلَته

ثم إني لما فرغت من علم الفلسفة وتحصيله وتفهمه وتزييف ما يزيف منه ، علمت أن ذلك أيضاً غير وافٍ بكمال الغرض ، وأن العقل ليس مستقلاً بالإحاطة بجميع المطالب ، ولا كاشفاً للغطاء عن جميع المعضلات. وكان قد نبغت نابغة التعليمية ، وشاع بني الخلق تحدثهم بمعرفة معنى الأمور من جهة الإمام المعصوم القائم بالحق ، فعنّ لي أن أبحث في مقالاتهم ، لأطّلع على ما في كنانتهم. ثم اتفق أن ورد عليّ أمر جازم من حضرة الخلافة ، بتصنيف كتاب يكشف [ عن ] حقيقة مذهبهم. فلم يسعني مدافعته وصار ذلك مستحثاً من خارج ، ضميمة للباعث من الباطن ، فابتدأت بطلب كتبهم وجمع مقالاتهم. وكذلك قد بلغني بعض كلماتهم المستحدثة التي ولدتها خواطر أهل العصر ، لا على المنهاج المعهود من سلفهم. فجمعت تلك الكلمات ، ( ورتبتها ) ترتيباً محكماً مقارناً للتحقيق ، واستوفيت الجواب عنها ، حتىأنكر بعض أهل الحق ( مني ) مبالغتي في تقرير حجتهم ، فقال: (( هذا سعي لهم ، فأنهم كانوايعجزون عن نصرة مذهبهم بمثل هذه الشبهات لولا تحقيقك لها ، وترتيبكإياها )). وهذا الإنكار من وجه حق ، فقد أنكر أحمد بن حنبل على الحارث المحاسبي ( رحمهما الله ) ، تصنيفه في الرد على المعتزلة ؛ فقال الحارث: (( الرد على البدعة فرض)) فقال أحمد: (( نعم ، ولكن حكيت شبهتهم أولاً ثم أجبت عنها ؛ فبمَ تأمن أن يطالع الشبهة من يعلق ذلك بفهمه ، ولا يلتفت إلى الجواب ، أو ينظر في الجواب ولا يفهم كنهه؟ )).
وما ذكره أحمد بنحنبلحق ، ولكن في شبهة ( لم تنتشر ) ولم تشتهر. فأما إذا انتشرت ، فالجواب عنها واجب ولا يمكن الجواب [ عنها ] إلا بعد الحكاية. نعم ، ينبغي أن لا يتكلف لهم شبهة لم [ يتكلفوها ] ؛ ولم أتكلف أنا ذلك ، بل كنت قد سمعت تلك الشبهة من واحد من أصحابيالمختلفين إلي ، بعد أن كان قد التحق بهم ؛ وانتحل مذهبهم ، وحكى أنهم يضحكون علىتصانيف المصنفين في الرد عليهم ، بأنهم لم يفهموا بعد حجتهم. ثم ذكر تلك الحجة وحكاها عنهم ، فلم أرض لنفسي أن يظن في الغفلة عن اصل حجتهم ، فلذلك أوردتها ، ولا أن يظن بي أني - وإن سمعتها – لم أفهمها فلذلك قررتها.
والمقصود ، أني قررت شبهتهم إلى أقصى الإمكان ، ثم أظهرت فسادها [ بغاية البرهان ].
والحاصل: أنه لا حاصل عند هؤلاء ، ولا طائل لكلامهم. ولولا سوء نصرة الصديق الجاهل ، لما انتهت تلك البدعة - مع ضعفها - إلى هذه الدرجة ؛ ولكن شدة التعصب ، دعت الذابين عنالحق إلى تطويل النزاع معهم في مقدمات كلامهم ، وإلى مجاحدتهم في كل ما نطقوا به ، فجاحدوهم في دعواهم: (( الحاجة إلى التعليم والمعلم. )) وفي دعواهم أنه: (( لا يصلح كل معلم ، بل لا بد من معلم معصوم. )) وظهرت حجتهم في إظهار الحاجة إلى التعليم والمعلم ، وضعف قول المنكرين في مقابلته ، فاغتر بذلك جماعة وظنوا أن ذلك من قوة مذهبهم وضعف مذهب المخالفين لهم ، ولم يفهموا أن ذلك لضعف ناصر الحق وجعله بطريقه ؛ بل الصواب الاعتراف بالحاجة إلى المعلم ، وأنه لا بد وأن يكون ( المعلم ) معصوماً ، ولكن معلمنا المعصوم ( هو ) محمد صلى الله عليه وسلّم فإذا قالوا: (( هو ميت )) ، فنقول: (( ومعلمكم غائب )) ، فإذا قالوا: (( معلمنا قد علم الدعاة وبثهم في البلاد ، وهو ينتظر مراجعتهم إن اختلفوا أو أشكل عليهم مشكل )). فنقول: (( ومعلمنا قد علم الدعاة وبثهم في البلاد وأكمل التعليم إذ قال الله تعالى:
(( اليوم أكملتُ لكم دينكم [ وأتممتُ عليكمْ نعمتي ] )) (المائدة: 3)
وبعد كمال التعليم لا يضر موت المعلم كما لا يضر غيبته.
فبقي قولهم: (( كيف تحكمون فيما لم تسمعوه؟ أبالنص ولم تسمعوه ، أم بالإجتهاد والرأي وهو مظنة الخلاف؟ )) فنقول: (( نفعل ما فعله معاذ إذ بعثه رسول الله عليه [ الصلاة ] والسلام إلى اليمن: أن نحكم بالنص ، عند وجود النص وبالإجتهاد عند عدمه[85]. ( بل ) كما يفعله دعاتهم إذا بعدوا عن الإمام إلى أقاصي البلاد ، إذ لا يمكنهأن يحكم بالنص فإن النصوص المتناهية لا تستوعب الوقائع الغير المتناهية ، ولا يمكنه الرجوع في كل واقعة إلى بلدة الإمام ، وأن يقطع المسافة ويرجع فيكون المستفتي قد مات ، وفات الانتفاع بالرجوع. فمن أشكلت عليه القبلة ليس له طريق إلا أن يصلي بالاجتهاد ، إذ لو سافر إلى بلدة الإمام لمعرفة القبلة ، فيفوت وقت الصلاة. فإذنجازت الصلاة إلى غير القبلة بناء على الظن. ويقال: (( إن المخطيء في الاجتهاد له أجرٌ واحدٌ وللمُصيبِ أجران ))[86]. فكذلك في جميع المجتهدات ، وكذلك أمر صرف الزكاة إلى الفقير ، فربما يظنه فقيراً باجتهاده وهو غني باطناً بإخفائه ماله ، فلا يكون مؤاخذاً به وإن أخطأ ، لأنه لم يؤاخذإلا بموجب ظنه. فإن قال: (( ظن مخالفهِ كظنه )) فأقول: (( هو مأمور باتباع ظن نفسه ، كالمجتهد في القبلة يتبع ظنه وإن خالفه غيره. )) فإن قال: (( فالمقلد يتبع أبا حنيفة والشافعي ( رحمهما الله ) أم غيرهما. )) فأقول: (( فالمقلد في القبلة عند الاشتباه ، في معرفة الأفضل الأعلم بدلائل القبلة ، فيتبع ذلك الاجتهاد ؛ فكذلك في المذاهب. ))
فردّ الخلق إلى الاجتهاد - ضرورة - الأنبياءُ والأئمة مع العلم بأنهم ( قد )يخطئون ، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (( أنا أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ))[87]. أي أنا أحكم بغالب الظن الحاصل من قول الشهود ، وربما أخطأوا فيه. ولاسبيل إلى الأمن من الخطأ للأنبياء في مثل هذه المجتهدات ، فيكف يطمع في ذلك؟
ولهم ها هنا سؤالان: أحدهما قولهم: (( هذا وإن صح في المجتهدات فلا يصح في قواعد العقائد ، إذ المخطئ فيه غير معذور ، فكيف السبيل إليه؟ )) فأقول: (( قواعد العقائد يشتمل عليها الكتاب والسنة ؛ وما وراء ذلك من التفصيل ، والمتنازع فيه ، يعرف الحق فيه بالوزن بالقسطاس المستقيم. وهي الموازين التي ذكرهاالله ( تعالى ) في كتابه ، وهي خمسة ذكرتها في كتاب (( القسطاس المستقيم )). فإن قال: (( خصومك يخالفونك في ذلك الميزان. )) فأقول: (( لا يتصور أن يفهم ذلك الميزان ثم يخالف فيه [ إذ لا يخالف فيه ] أهل التعليم ، لأنياستخرجته من القرآن وتعلمته منه ، ولا يخالف فيه أهل المنطق ، لأنه موافق لما شرطوه في المنطق ، وغير مخالف له ؛ ولا يخالف فيه المتكلم لأنه موافق لما يذكره في أدلة النظريات ، وبه يعرف الحق في الكلاميات. )) فإن قال: (( فإن كان في يدك مثل هذا الميزان فلمَ لا ترفع الخلاف بين الخلق؟ )) فأقول: (( لو أصغوا إلي لرفعت الخلاف بينهم ؛ وذكرت طريق رفع الخلاف في كتاب القسطاس المستقيم ، فتأمله لتعلم أنه حق وأنه يرفع الخلاف قطعاً لو أصغوا ولا يصغون [ إليه ] بأجمعهم! بل قد أصغى إلي طائفة ، فرفعت الخلاف بينهم. وإمامك يريد رفع الخلاف بينهم مع عدم إصغائهم ، فلمَ لم يرفع إلى الآن؟ ولمَ لم يرفع علي رضي الله عنه ، وهو رأس الأئمة؟ أو يدعي أنه يقدر على حمل كافتهم على الإصغاء قهراً ، فلمَ لم يحملهم إلى الآن؟ ولأي يوم أجله؟ وهل حصل بين الخلق بسبب دعوته إلا زيادة خلاف وزيادة مخالف؟ نعم! كان يخشى من الخلاف نوع الضرر لا ينتهي إلى سفك الدماء ، وتخريب البلاد وأيتام الأولاد ، وقطع الطرق ، والإغارة على الأموال. وقد حدث في العالم من بركات رفعكم الخلاف [ من الخلاف ] ما لم يكن بمثله عهد. )) فإن قال: (( ادعيت أنك ترفع الخلاف بينالخلق ولكن المتحير بين المذاهب المتعارضة ، والاختلافات المتقابلة ، لم يلزمه الإصغاء إليك دون خصمك ، وأكثر الخصوم يخالفونك ، ولا فرق بينك وبينهم. ))
وهذا هو سؤالهم الثاني فأقول: (( هذا أولاً ينقلب عليك ، فإنك إذا دعوت هذا المتحير إلى نفسك فيقول المتحير ، بما صرت أولى من مخالفيك ، وأكثر أهل العلم يخالفونك؟ فليت شعري! بماذا تجيب ، أتجيب بأن تقول: إمامي منصوص عليه؟ فمن يصدقك في دعوى النص ، وهو لم يسمع النص من الرسول؟ وإنمايسمع دعواك مع تطابق أهل العلم على اختراعك وتكذيبك. ثم هب أنه سلم لك النص ، فإن كان متحيراً في أصل النبوة ، فقال: هب أن إمامك يدلي بمعجزة عيسى عليه السلام فيقول: الدليل على صدقي أني أحيي أباك ، فأحياه ، فناطقني بأنه محق ، فبماذا أعلم صدقه؟ ولم يعلم كافة الخلق صدق عيسى عليهالسلام بهذه المعجزة ، بل عليه منالأسئلة المشكلة ما لا يدفع إلا بدقيق النظرالعقلي ؛ والنظر العقلي لا يوثق بهعندك ، ولا يعرف دلالة المعجزة على الصدق ما لم يعرف السحر والتمييز بينه وبين المعجزة ، وما لم يعرف أن الله لا يضل عباده. - وسؤال الإضلال وعسر [ تحرير ] الجواب عنه مشهور- فبماذا تدفع جميع ذلك؟ ولم يكن إمامك أولىبالمتابعة من مخالفه! )) فيرجع إلى الأدلة النظرية التي ينكرها ، وخصمه يدلي بمثل تلكالأدلة وأوضح منها. وهذاالسؤال قد انقلب عليهم انقلاباً عظيما ، لو اجتمع أولهم وآخرهم على أن يجيبواعنه جواباً لم يقدروا عليه.
وإنما نشأ الفساد من جماعة من الضعفة ناظروهم ، فلم يشتغلوا بالقلب ، بل بالجواب. وذلك مما يطول فيه الكلام ، وما لايسبق سريعاً إلى الإفهام ، فلا يصلح للإفحام. فإن قال قائل: (( فهذا هو القلب ، فهل عنه جواب؟ )) فأقول: (( نعم! جوابه أن المتحير لو قال: أنا متحير ، ولم يعين المسألة التي هو متحير فيها ، يقال له: أنت كمريض يقول: أنا مريض ولا يعين مرضه ، ويطلب علاجه. فيقال له: ليس في الوجود علاج للمرض المطلق ، بل لمرض معين: من صداع أو إسهال أو غيرهما. فكذلك المتحير ينبغي أن يعين ما هو متحير فيه ؛ فإن عين المسألة عرّفته الحق فيهابالوزن بالموازين الخمسة ، التي لا يفهمها أحد إلا ويعترف بأنه الميزان الحق ، الذي يوثق بكل ما يوزن به ، فيفهم الميزان ، ويفهم منه أيضاً صحة الوزن ، كما يفهم متعلم علم الحساب نفس الحساب ، وكون المحاسب المعلم عالماً بالحساب وصادقاً فيه )). وقد أوضحت ذلك في كتاب (( القسطاس المستقيم )) في مقدارعشرين ورقة ؛ فليتأمل.
وليس المقصود الآن بيان فساد مذهبهم ، فقد ذكرت ذلك في كتاب (( المستظهري )) أولاً ؛ وفي كتاب (( حجة الحق )) ثانياً ، وهو جواب كلام لهم عُرض علي ببغداد ؛ وفي كتاب (( مفصل الخلاف )) الذي هو اثنا عشر فصلاً ثالثاً ؛ وهو جواب كلام عُرض عليبهمدان ؛ وفي كتاب (( الدرج )) المرقوم (( بالجداول )) رابعاً ، وهو من ركيك كلامهم الذي عُرض علي بطوس ؛ وفيكتاب (( القسطاس المستقيم )) خامساً ، وهو كتاب مستقل بنفسه مقصوده بيان ميزان العلوم وإظهار الاستغناء عن الامام [ المعصوم ] لمن أحاط به.
بل المقصود أن هؤلاء ليس معهم شيء من الشفاء المنجي من ظلمات الآراء ، بل هم ، مع عجزهم عن إقامة البرهانعلى تعيين الإمام ، طال ما جاريناهم[88] فصدقناهم في الحاجة إلىالتعليم وإلى المعلم المعصوم وأنه الذي عينوه ، ثم سألناهم عن العلم الذي تعلموه من هذا المعصوم وعرضنا عليهم إشكالات فلم يفهموها ، فضلاً عن القيام بحلّها! فلما عجزوا أحالوا [ على ] الإمام الغائب ، وقالوا: (( ( أنه ) لا بد من السفر إليه. )) والعجب أنهم ضيعوا عمرهم في طلب المعلم وفي التبجحبالظفر به ، ولم يتعلموا منه شيئاً أصلاً ، كالمتضمّخ[89] بالنجاسة ، يتعب في طلب الماءحتى إذا وجده لم يستعمله ، وبقي متضمخاً بالخبائث.
ومنهم من ادعى شيئاً من علمهم ، فكان حاصل ما ذكره شيئاً من ركيك فلسفة فيثاغورس: وهو رجل من قدماء الأوائل ، ومذهبه أرك مذاهب الفلسفة ، وقد رد عليه أرسطاطاليس ، بل استركَّ كلامه واسترذله ، وهو المحكي في كتاب (( إخوان الصفا )) ، وهو على التحقيق حشو الفلسفة.
فالعجب ممن يتعب طول العمر في تحصيل العلم ثم يقنع بمثل ذلك العلم الركيك المستغث ، ويظن بأنه ظفر بأقصى مقاصد العلوم! فهؤلاء أيضاً جربناهم وسبرنا ظاهرهم وباطنهم ؛ فرجع حاصلهم إلى استدراج العوام ، وضعفاء العقول ببيان الحاجة إلى المعلم ، ومجادلتهم في إنكارهم الحاجة إلى التعليم بكلام قوي مفحم ، حتىإذا ساعدهم على الحاجة إلى المعلم مساعد ، وقال: (( هات علمه وأفدنا من تعليمه! )) وقف وقال: (( الآن إذا سلمت لي هذا فاطلبه ، فإنما غرضَي هذا القدر فقط. )) إذ علم أنه لو زاد على ذلك لافتضح ولعجز عن حل أدنى الإشكالات ، بل عجز عن فهمه ، فضلاً عن جوابه.
فهذه حقيقة حالهم فأخبرهم تَقْلُهم[90] فلما خبرناهم[91] نفضنا اليد عنهم ( أيضاً ).

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس