عرض مشاركة واحدة
قديم 01-28-2013, 11:56 AM   #5
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المنقذ من الضلال للامام الغزالى رضى الله عنه


أَصْناَف الفَلاَسِفةَ وشُمول وَصْمَة الكُفِر َكافَّتهمُ [54]

اعلم: أنهم ، على كثرة فرقهم واختلاف مذاهبهم ، ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: الدهريون ، والطبيعيون ، والإلهيون.
الصنف الأول: الدهريون:- وهم طائفة من الأقدمين جحدوا الصانع المدبر ، العالمالقادر ، وزعموا أن العالم لم يزل موجوداً كذلكبنفسه بلا صانع ، ولم يزل الحيوان من النطفة ، والنطفة من الحيوان ، كذلك كان ، وكذلكيكون أبداً وهؤلاء هم الزنادقة.
والصنف الثاني:الطبيعيون:- وهم قوم أكثروا بحثهم عن عالم الطبيعة ، وعن عجائبالحيوان والنبات ، وأكثروا الخوض في علم تشريح أعضاءالحيوانات ، فرأوا فيها من عجائب صنع الله تعالى وبدائع حكمته ، مما اضطروا معه إلى الاعتراف بفاطر[55] حكيم ، مطلع على غايات الأمور ومقاصدها. ولا يطالع التشريح وعجائب منافع الأعضاء مطالع ، إلا ويحصل له هذا العلم الضروري بكمال تدبير الباني لبنيةالحيوان ؛ لا سيما بنية الإنسان. إلا أن هؤلاء ، لكثرة بحثهم عن الطبيعة ، ظهر عندهم -لاعتدال المزاج - تأثير عظيم في قوام قوى الحيوان به. فظنوا أن القوة العاقلة من الإنسان تابعة لمزاجه أيضاً ، وأنها تبطل ببطلان مزاجه فتنعدم[56]. ثم إذا انعدمت[57] ، فلا يعقل إعادة المعدوم كما زعموا. فذهبوا إلى أن النفس تموت ولا تعود ، فجحدوا الآخرة ، وأنكروا الجنة والنار ، [ والحشر والنشر ] ، والقيامة والحساب ، فلم يبق عندهم للطاعة ثواب ، ولا للمعصية عقاب ، فانحل عنهم اللجام وأنهمكوا في الشهوات أنهماك الأنعام.
وهؤلاء أيضاً زنادقةلأن أصل الإيمان هو الإيمان بالله واليوم الآخر. وهؤلاء جحدوا اليوم الآخر ، وإن آمنوابالله وصفاته.
والصنف الثالث: الإلهيون :- وهم المتأخرون منهم ، [ مثل ]: سقراط ، وهو أستاذ أفلاطون ، وأفلاطون أستاذ أرسطاطاليس ، وأرسطاطاليس هو الذي رتب [ لهم ] المنطق ، وهذَّب لهم العلوم ، وحرّر لهم ما لم يكن محرراً من قبلُ ، وأنضَجَ لهم ما كان فِجّاً من علومهم ، وهم بجملتهم ردوا على الصنفين الأولين من الدهرية والطبيعية ، وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم. (( وكفى الله المؤمنين القتال )) بتقاتلهم. ثم رد أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط ، ومن كان قبلهم من الإلهيين ، ردّاً لم يقصر فيه حتى تبرأ عن جميعهم ؛ إلا أنه استبقى أيضاً من رذائل[58] كفرهم وبدعتهم بقايا لم يوفق للنزوع عنها[59] ، فوجب تكفيرهم ، وتكفير شيعتهم[60] من المتفلسفة الإسلاميين ، كابن سينا والفارابي و غيرهم[61]. على أنه لم يقم بنقل علم أرسطاطاليس أحد من متفلسفة الإسلاميين كقيام هذين الرجلين. وما نقله غيرهما ليس يخلو من تخبيط وتخليط يتشوش فيه قلب المطالع حتى لا يفهم. وما لا يُفهم كيف يُرد أو يقبل؟ ومجموع ما صح عندنا من فلسفة أرسطاطاليس ، بحسب نقل هذين الرجلين ، ينحصر في ثلاثة أقسام: -
1. قسم يجب التفكير به.
2. وقسم يجب التبديع به.
3. وقسم لا يجب إنكاره أصلاً فلنفصله[62].
* * *

أَقْسَامِ عُلومِهم

أعلم: أن علومهم - بالنسبة إلى الغرض الذي نطلبه - ستة أقسام: رياضية ، ومنطقية ، وطبيعية ، وإلهية ، وسياسية ، وخلقية.
1 - أماالرياضية: فتتعلق بعلم الحساب والهندسة وعلم هيئة العالم[63] ، وليس يتعلق شيء منها بالأمور الدينية نفياً وإثباتاً ، بل هي أمور برهانية لا سبيل إلى مجاحدته بعد فهمها ومعرفتها. وقد تولدت منها آفتان:
احداهما[64] الأولى: ان من ينظر فيها يتعجب من دقائقها ومن ظهور براهينها ، فيحسن بسبب ذلك اعتقاده في الفلاسفة ، ويحسب أن جميع علومهم في الوضوح [ وفي ] وثاقة البرهان كهذا العلم. ثم يكون قد سمع من كفرهم وتعطيلهم وتهاونهم بالشرع ما تناولته الألسن فيكفر بالتقليد المحض ويقول: لو كان الدين حقاً لما اختفى على هؤلاء مع تدقيقهم في هذا العلم! فإذا عرف بالتسامع كفرهم وجحدهم[65] استدل[66] على أن الحق هو الجحد والإنكار للدين. وكم رأيت ممن يضل[67] عن الحق بهذا العذر[68] ولا مستند له سواه! وإذا قيل له: الحاذق في صناعة واحدة ليس يلزم أن يكون حاذقاً في كل صناعة ، فلا يلزم أن يكون الحاذق في الفقهوالكلام حاذقاً في الطب ، ولا أن يكون الجاهل بالعقليات جاهلاً بالنحو ، بل لكل صناعة أهل بلغوا فيها [ رتبة ] البراعة والسبق. وإن كان الحمق والجهل ( قد ) يلزمهم في غيرها. فكلام الأوائل في الرياضيات برهاني ، وفي الإلهيات تخميني ؛ لا يعرف ذلك إلا من جرّبه وخاض فيه.فهذا إذا قرر على هذا الذي ألحَدَ [69] بالتقليد ، لم يقع منه موقع القبول ، بل تحمله غلبة الهوى ، والشهوة الباطلة ، وحب التكايس ، على أن يصر على تحسين الظن بهم في العلوم كلها.
فهذه آفة عظيمة لأجلها يجب زجر كل من يخوض في تلك العلوم ، فأنها وإن لم تتعلق بأمر الدين ، ولكن لما كانت من مبادئ علومهم ، سرى[70] إليه شرهم وشؤمهم ، فقل من يخوض فيها إلا وينخلع من الدين وينحل عن رأسه لجام التقوى.
الآفة الثانية: نشأت منصديق للإسلامجاهل ، ظن أن الدين ينبغي أن ينصر بإنكار كل علم منسوب إليهم: فأنكرجميع علومهموادعى جهلهم فيها ، حتى أنكر قولهم في الكسوف والخسوف ، وزعم أن ما قالوه على خلافالشرع. فلما قرع ذلك سمع من عرف ذلك بالبرهان القاطع ، لم يشك فيبرهأنه ، ولكن اعتقدأن الإسلام مبني على الجهل وإنكار البرهان القاطع ، فيزدادللفلسفة حبّاً وللإسلامبغضاً. ولقد عظم على الدين جناية من ظن أن الإسلام ينصر بإنكار هذه العلوم ، وليس في الشرع تعرض لهذه العلوم بالنفي والإثبات ، ولا في هذه العلوم تعرض للأمور الدينية. وقوله صلى الله عليهوسلّم:
(( إن الشمس والقمر آيتان من آياتِ الله تعالى لا ينخسفانِ لموتِ أحدٍولا لحياته فإذا رأيتم ذلك
فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة ))[71].
وليس في هذاما يوجب إنكار علم الحساب المعرف بمسير الشمس والقمر واجتماعهما أو مقابلهما على وجه مخصوص. أما قوله ( عليه السلام ): (( لكن الله إذا تجلى لشيءْ خضع لهُ )) فليس توجد هذه الزيادة في الصحاح أصلاً. فهذاحكم الرياضيات وآفتها.
2 – وأما المنطقيات: فلا يتعلق شيء منها بالدين نفياً وإثباتاً ، بل هي[72] النظر في طرق الأدلة والمقاييس وشروط مقدمات البرهان وكيفية تركيبها ، وشروط الحد الصحيح وكيفية ترتيبه. وأن العلم إما تصور وسبيل معرفته الحد ، وإما تصديق وسبيل معرفته البرهان ؛ وليس في هذا ما ينبغي أن ينكر ، بل هو ( من ) جنس ما ذكره المتكلمونوأهل النظر في الأدلة ، وإنما يفارقونهم بالعبارات والاصطلاحات ، بزيادة الاستقصاء في التعريفات والتشعيبات ، ومثال كلامهم فيها قولهم: إذا ثبت أن كل (( أ )) (( ب )) لزم أن بعض (( ب )) (( أ )) أي إذا ثبت أن كل إنسان حيوان ، لزم أن بعض الحيوان إنسان. ويعبرون عن هذا بأنه الموجبة الكلية تنعكس موجبة جزئية. وأي تعلق لهذا بمهمات الدين حتى يجحد وينكر؟ فإذا أنكر لم يحصل من إنكاره عند أهل المنطق إلا سوء الاعتقاد في عقل المنكر ، بل في دينه الذي يزعم أنه موقوف على مثل هذا الإنكار. نعم ، لهم نوع منالظلم في هذا العلم ، وهو أنهم يجمعون للبرهان شروطاً يعلم أنها تورث اليقين لا محالة ، لكنهم عند الانتهاء إلى المقاصد الدينية ما أمكنهم الوفاء بتلك الشروط ، بل تساهلوا غاية التساهل ، وربما ينظر في المنطق أيضاً من يستحسنه ويراه واضحاً ، فيظن أن ما ينقل عنهم من الكفريات مؤيد بمثل تلك البراهين ، فاستعجل بالكفر قبل الانتهاء إلى العلوم الإلهية.
فهذه الآفة أيضاً متطرقة إليه.
3 - وأما (علم) الطبيعيات: فهو بحث[73] عن عالم السماوات وكواكبها وما تحتها من الأجسام المفردة: كالماء والهواء والتراب والنار ، وعن الأجسام المركبة: كالحيوان والنبات والمعادن ، وعن أسباب تغيرها واستحالتها وامتزاجها. وذلك يضاهي بحث الطب[74] عن جسم الإنسان وأعضائه الرئيسة[75] والخادمة ، وأسباب استحالة مزاجه. وكما ليس من شرط الدين إنكار علم الطب ، فليس من شرطه أيضاً إنكار ذلك العلم ، إلا في مسائل معينة ، ذكرناها في كتاب (( تهافت الفلاسفة )). وما عداها مما يجب المخالفة فيها ؛ فعند التأمليتبين أنها مندرجة تحتها ، وأصل جملتها: أن تعلم[76] أن الطبيعة مسخرة لله تعالى ، لا تعمل بنفسها ، بل هي مستعملة من جهة فاطرها. والشمس والقمر والنجوم والطبائع مسخرات بأمره لا فعل لشيءٍ منها بذاته عن ذاته[77].
4 – وأما الإلهيات: ففيها أكثرأغاليطهم ، فما قدروا على الوفاء بالبرهان على ما شرطوه في المنطق ، ولذلك كثر الاختلاف بينهم فيها. ولقد قرب مذهب أرسطاطاليس فيها من مذاهبالإسلاميين ، على ما نقله الفارابي وابن سينا. ولكن مجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى عشرين أصلاً ، يجب تكفيرهم في ثلاثة منها ، وتبديعهم في سبعة عشر. ولإبطال مذهبهم في هذه المسائل العشرين ، صنفنا كتاب ( التهافت ).
أما المسائل الثلاث ، فقد خالفوا فيها كافة الإسلاميين[78] وذلك في قولهم:
1 - إن الأجساد لا تحشر ، وإنما المثاب والمعاقَب هي الأرواح المجردة ، ( والمثوبات ) والعقوبات روحانية لا جسمانية ؛
ولقد صدقوا في إثبات الروحانية ، فأنها ثابتة[79] أيضاً ، ولكن كذبوا في إنكار الجسمانية ، وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به.
2 - ومن ذلك قولهم: (( إن الله تعالى يعلم الكليات دون الجزئيات )) ؛
وهذا أيضاً كفر صريح ، بل الحق أنه: (( لا يعزب عنه مثقال ذرةٍ في السمواتِ ولا في الأرضِ )).(سبأ: 3)
3 - ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته فلم يذهب أحد من المسلمين إلى شيء من هذه المسائل.
وأما ما وراء ذلك من نفيهم الصفات ، وقولهم إنه عالم بالذات ، لا بعلم زائد (على الذات) وما يجري مجراه ، فمذهبهم فيها قريب من مذهب المعتزلة ولا يجب تكفير المعتزلة بمثل ذلك. وقد ذكرنا في كتاب ((فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة)) ما يتبين به فساد رأي من يتسارع إلى التكفير في كل ما يخالف مذهبه.
4 - وأما السياسيات: فجميع كلامهم فيها يرجع إلى الحكم المصلحية المتعلقة بالأمورالدنيوية ( والإيالة ) السلطانية ، وإنما أخذوها من كتب الله المنزلة على الأنبياء ، ومن الحكم المأثورة عن سلف الأنبياء [ عليهم السلام ].
5 - وأما الخلقية: فجميع كلامهم ( فيها ) يرجع إلى حصر صفات النفس وأخلاقها ، وذكر أجناسها وأنواعها وكيفية معالجتها ومجاهدتها ، وإنما أخذوها من كلام الصوفية ، وهم المتألهون المواظبون على ذكر الله تعالى ، وعلى مخالفة الهوى وسلوك الطريق إلى الله تعالى بالإعراض عن ملاذِّ الدنيا. وقد انكشف لهم في مجاهدتهم من أخلاق النفس وعيوبها ، وآفات أعمالها ما صرحوا بها ، فأخذها الفلاسفةومزجوها بكلامهم ، توسلاً بالتجمل بها إلى ترويج باطلهم. ولقد كان في عصرهم ، بل في كلعصر ، جماعة من المتأهلين ، لا يُخلي الله [ سبحانه ] العالم عنهم ، فأنهم أوتاد الأرض ، ببركاتهم تنزل الرحمة على أهل الأرض كما ورد في الخبر حيث قال صلى الله عليهوسلّم:
(( بهم تمطرون وبهم ترزقون ومنهم كان أصحاب الكهف ))[80].
وكانوا في سالف الأزمنة ،على ما نطق به القرآن ، فتولد منمزجهم كلام النبوة وكلام الصوفية بكتبهم آفتان: آفة في حق القابل وآفة في حقالراد:
1 - أما الآفة التي في حق الراد فعظيمة: إذ ظنتطائفة من الضعفاء أن ذلكالكلام إذا كان مُدوَّناً في كتبهم ، وممزوجاً بباطلهم ، ينبغي أن يُهجر ولا يُذكر بليُنكر على [ كل ] من يذكره ، إذ لم يسمعوه أولاً إلا منهم ، فسبق إلى عقولهم الضعيفة أنهباطل ، لأن قائله مُبطل ؛ كالذي يسمع من النصراني قوله: (( لا إله إلا الله عيسى رسولالله )) فينكره ويقول: (( هذا كلام النصارى )) ولا يتوقف ريثما يتأمل أن النصراني كافر باعتبار هذا القول ، أو باعتبار إنكاره نبوة محمد عليهالصلاة والسلام!؟ فإن لم يكن كافراً إلا باعتبار إنكاره ، فلا ينبغي أن يخالف في غير ماهو به كافر مما هوحق في نفسه ، وإن كان أيضاً حقاً عنده. وهذه عادة ضعفاء العقول ، يعرفون الحقبالرجال ، لا الرجال بالحق. والعاقل يقتدي بسيد العقلاء[81] علي[82] ، رضي الله عنه[83] حيث قال: (( لا تعرف الحق بالرجال ( بل ) اعرف الحق تعرف أهله )) و ( العارف ) العاقل يعرف الحق ، ثم ينظر في نفس القول: فإن كان حقاً ، قبله سواءكان قائله مبطلاً أو محقاً ؛ بل ربما يحرص على انتزاع الحق من أقاويل[84] أهلالضلال ، عالماً بأن معدن الذهب الرغام. ولا بأس على الصراف إن أدخل يده في كيسالقلاب ، وانتزع الإبريز الخالص من الزيف والبهرج ، مهما كان واثقاً ببصيرته ؛ وانما يزجر عن معاملة القلاب القرويُّ ، دون الصيرفي ( البصير ) ؛ ويمنع منساحل البحر الأخرقُ ، دون السباح الحاذق ؛ ويُصد عن مس الحية الصبي دون المعزِّم البارع.
ولعمري! لما غلب على أكثرالخلق ظنهم بأنفسهم الحذاقة والبراعة ، وكمال العقل ( وتمام الآلة ) في تمييز الحق عن ( الباطل ، والهدى عن ) الضلالة ، وجب حسم الباب في زجر الكافة عن مطالعة كتب أهل الضلالما أمكن ، إذ لا يسلمون عن الآفةالثانية التي سنذكرها ( أصلاً ) وإن سلموا عن ( هذه )الآفة التي ذكرناها.
ولقد اعترض على بعض الكلمات المبثوثة في تصانيفنا في أسرار علوم الدين ، طائفة من الذين لمتستحكم في العلوم سرائرهم ، ولم تنفتح إلى أقصى غايات المذاهب بصائرهم ، وزعمت أن تلكالكلمات من كلام الأوائل ، مع أن بعضهامن مولدات الخواطر - ولا يبعد أن يقع الحافر على الحافر - وبعضها يوجد في الكتبالشرعية ، وأكثرها موجود معناه في كتب الصوفية.
وهبأنها لم توجد إلا في كتبهم ، فإذا كان ذلك الكلام معقولاً في نفسه ، مؤيداً بالبرهان ، ولم يكن على مخالفةالكتاب والسنة ، فلمَ ينبغي أن يهجر ويترك؟ فلو فتحنا هذا الباب ، وتطرقنا إلى أن يهجر كل حق سبق إليه خاطر مبطل ، للزمنا أن نهجر كثيراً من الحق ، ولزمنا أن نهجر جملة آيات من آيات القرآن وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلّم وحكايات السلفوكلمات الحكماء والصوفية ، لأن صاحب كتاب (( إخوان الصفا )) أوردها في كتابه مستشهداً بها ومستدرجاً قلوب الحمقى بواسطتها إلى باطله ؛ ويتداعى ذلك إلى أن يستخرج المبطلون الحق من أيدينا بإيداعهم إياه كتبهم. وأقل درجات العالم: أن يتميز عن العامي الغُمر ، فلا يعاف العسل ، وإن وجده في محجمة الحجَّام ، ويتحقق أن المحجمة لا تغير ذات العسل ، فإن نفرة الطبع عنه مبنية على جهل عامي منشؤه أن المحجمة ، إنما صنعتللدم المستقذَر ، فيظن أن الدم مستقذر لكونه في المحجمة ، ولا يدري أنه مستقذر لصفة في ذاته ؛ فإذا عدمت ( هذه ) الصفة في العسل فكونه في ظرفه لا يكسبه تلك الصفة ، فلا ينبغي أن يوجب له الاستقذار ، وهذا وهم باطل ، وهو غالب على أكثر الخلق. فإذا نسبت الكلام وأسندته إلى قائل حسن فيه اعتقادهم ، قبلوه وإن كان باطلاً ؛ وإن أسندته إلى من ساء فيه اعتقادهم ردوه وإن كان حقاً. فأبداً يعرفون الحق بالرجال ولا يعرفون الرجال بالحق ، وهو غاية الضلال! هذه آفة الرد.
2 - والآفة الثانية آفة القبول: فإن من نظر في كتبهم (( كإخوان الصفا )) وغيره ، فرأى ما مزجوه بكلامهم من الحكم النبوية ، والكلمات الصوفية ، ربما استحسنها وقبلها ، وحسن اعتقاده فيها ، فيسارع إلى قبول باطلهم الممزوج به ، لحسن ظن حصل فيما رآه واستحسنه ، وذلك نوع استدراج إلىالباطل.
ولأجل هذه الآفة يجب الزجر عن مطالعة كتبهم لما فيها من الغدر والخطر. وكما يجب صون من لا يحسن السباحة على مزالق الشطوط ، يجب صون الخلق عن مطالعة تلك الكتب. وكما يجب صون الصبيان عن مس الحيَّات ، يجب صون الأسماع عن مختلط الكلمات وكما يجب على المعزِّم أن لا يمس الحية بين يدي ولده الطفل ، إذا علم أن سيقتدي به ويظن أنه مثله ، بل يجب عليه أن يحذّره [ منه ] ، بأن يحذر هو [ في ] نفسه [ ولا يمسها ] بين يديه ، فكذلك يجب على العالم الراسخ مثله. وكما أن المعزِّم الحاذق إذا أخذ الحية وميز بين الترياق والسم ، واستخرج منها الترياق وأبطل السم فليس له أن يشح بالترياق على المحتاج إليه. وكذا الصراف الناقد البصير إذا أدخل يده في كيس القَلاّب ، وأخرج منه الإبريز الخالص ، واطّرح الزيف والبهرج ، فليس له أن يشح بالجيد المرضي على من يحتاج إليه ؛ فكذلك العالم. وكما أنالمحتاج إلى الترياق ، إذا اشمأزت نفسه منه ، حيث علم أنه مستخرج من الحية التي هي مركز السم [ وجب تعريفه ] ، والفقير المضطر إلى المال ، إذا نفر عن قبول الذهب المستخرج من كيس القلاّب ، وجب تنبيهه على أن نفرته جهل محض ، هو سبب حرمأنه الفائدة التي هي مطلبه ، وتحتم تعريفه أن قرب الجوار بين الزيف والجيد لايجعل الجيد زيفاً ، كما لا يجعل الزيف جيداً ، فكذلك قرب الجوار بين الحق الباطل ، لا يجعل الحق باطلاً ، كما لايجعل الباطل حقاً.
فهذا ( مقدار ) ما أردنا ذكره من آفة الفلسفة وغائلتها.

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس