في رحاب العترة الشريفةu
يا آل بيت رسول الله حبكم *** فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم *** من لم يصل عليكم لا صلاة له.
إن لآل بيت سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقاً على الأمة المحمدية لا يشركهم فيه غيرهم, ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه غيرهم, وقد وردت النصوص الدالة على ذلك, كيف لا؟ وهم بابنا للدخول على حضرته الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم. عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي"([130">).
كما بين صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر أن بغض آل بيته الأطهار رضي الله عنهم سبب لدخول النار. عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار"([131">).
آل النبي ذريعتي *** وهمو إليه وسيلتي
أرجو بهم أن أعطى غدا *** بيدي اليمين صحيفتي.
وعلى ذلك فقد فهم وصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم بأهل بيته حق الفهم سيدنا أبو بكر رضي الله عنه الصديق الأكبر, فأحبهم وأكرمهم ورفع قدرهم وعظمهم, ودعا الناس إلى اكرامهم ومحبتهم وتقديرهم.
وقد أكد سيدنا الصديق الأكبر رضي الله عنه مكانة آل البيت الطاهرة والعترة الشريفة بما قاله للإمام علي رضي الله عنه، فقد روى الإمام البخاري والإمام مسلم -رحمهما الله- بإسناديهما إلى سيدنا أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لسيدنا علي كرم الله وجهه :"والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي"().
وروى الإمام البخاري رحمه الله بإسناده إلى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: "ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته".
هم العروة الوثقى لمعتصم بها *** مناقبهم جاءت بوحي وإنزال
مناقب في الشورى وفي هل أتى أتت *** وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي
وهم آل بيت المصطفى فودادهم *** على الناس مفروض بحكم وإسجال.
يقول الإمام عبد السلام ياسين -حفظه الله ورعاه-:"إن حبل المودة والمحبة يريده الله ورسوله رباطا ممتدا بين أجيال المومنين، موصولا من قلب لقلب إلى منبع النور. الآصرة النبوية تضم إليها الأمة من قنوات الحب في الله، تخُصُّ بالوصية قنوات آل البيت وقنوات الصحابة، وتنعَتُهما نَعْتا. قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة له بغدير خُم بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ: "أما بعد، ألا أيها الناس! إنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسولُ ربي فأُجيبَ. وإني تارك فيكم ثَقَلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به". قال الراوي: فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: "وأهلُ بيتي! أذكركم الله في أهل بيتي! أذكركم الله في أهل بيتي! أذكركم الله في أهل بيتي!"( [132">).
سأل حصين -وهو ممن حضر حديث زيد بن أرقم- ومَن أهله يا زيد؟ أليس نِساؤه من أهل بيته؟ قال زيد: نساؤه من أهل بيته. ولكنَّ أهل بيته مَن حُرِم الصدقَة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس.
هل في تمسكنا بالكتاب والسنة ما يناقض محبة آل البيت عليهم السلام؟
فعلت الفتنةُ فِعلها فشقت الأمة شقين: شيعة ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل بيته فتذكروا، وأجّج حبَّهم لآل البيت مذابحُ آل البيت في كربلاء. وسنة سَلَوْا مقتلَ حسين رضي الله عنه, ونسوا مخازي يزيد بن معاوية حين سيق إليه رأس حسين والطاهرات من آل البيت سبايا.
جُرح مؤلم عميق في جسم الأمة. ليس هنا مكان الإفاضة في التذكير به.
الواجب هنا أَنْ نعبر عن كراهيتنا لمن لا يقيم وزنا لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، كراهية يتساوى فيها الروافض الذين يعميهم الحب المتعصب الجاهل الحاقد لآل البيت فيسبون الصحابة، والنواصب الذين أعمتهم الدنيا عن فضيلة آل البيت.
لم يسلَمْ من ثَلْب الصحابة وتنقيصهم والحَطِّ عَليهم إلا أربعة أو ستة. أسقط الروافض شهادة الله وشهادة رسوله صلى الله عليه وسلم للصحابة. فهو خزي وبوار. والعياذ بالله.
وأمر ملوك بني أمية بسب علي كرم الله وجهه على المنابر، فسُبّ خمسين سنة. بوار وخزي, والعياذ بالله.
هل يضمِّد الزمَن ذلك الجرح العميق في جسم الأمة، أم يزيده الزمن تفاقما؟ متى يجلس علماء المسلمين سنة وشيعة ليجتمعوا على الحق، وهو حب الآل والصحب معا، حبا إن انفصم بعضه عن بعض، أو أعمى بعضه عن بعض، فقد انفصمت عُرى دين من فرق بين ما جمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته: الآل والصّحب. الثقلان الكتاب والعترة الطاهرة. الكتاب والسنة الطاهرة التي قاتل عنها وبلغها الصحب الكرام.
بيس ما خلَفْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إن أصْرَرْنا على مضغ المآسي التاريخية فكرهنا الصحابة، وثلبنا الصحابة، ونقصنا الصحابة، وطَعَنَّا في شهادة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للصحابة.
وبيس ما خلَفناه صلى الله عليه وسلم إن تركنا رواسب النّصْبِ الأموي، وآثار الدعاية الرسمية الأموية التي قتلت حُرْمَة آل البيت بعد أن ذبحت في كربلاء آل البيت.
أخرج الإمام الترمذي -رحمه الله- عن سيدنا زيد بن أرقم رضي الله عنه حديثا حسنا غريبا قال: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي. أحدهما أعظم من الآخر، وهو كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض, وعِترتي أهل بيتي, لن يفترقا حتى يَردا علي الحوض. فانْظروا كيف تخلُفوني فيهما".
أرأيتُم معاشرَ المومنين المومنات لو كان من أهل البيت عُصاة وظالمون شذّوا عن القاعدة فانحرفوا عن الطريق، وافترقوا عن حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض؟
الشاذون والشاذات على رؤوسهم ورؤوسهن تهديد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مثّل بأعز الأحباب فاطمة ابنته ليؤكد أن شرع الله لا يحابي أحدا, فقال: "إن بني إسرائيل كان إِذا سرق فيهم الشريف تركوه،(…). لو كانت فاطمة لقطعت يدها"([133">).
فاطمة التي دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليا وحسنا وحسينا فقال: "اللهم هؤلاء أهلي"([134">). فاطمة التي أدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مِرْطٍ مُرَحَّل([135">) كان عليه، أدخلها هي والحسن والحسين وعليا ثم قَرأ: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"الأحزاب 33([136">).
حب فاطمة وعلي وحسن وحسين وآل البيت من صميم الدين.
وحب الصحابة أيضا. جاء جبريل عليه السلام فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تَعُدونَ أهل بدرٍ فيكم؟ قال صلى الله عليه وسلم: "من أفضل المسلمين -أو كلمة نحوَها-. قال جبريل: وكذلك من حضر بدرا من الملائكة"([137">).
أين ذهب باقي الصحابة من أهل بدر وهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا. لم يَسْلَم من الثلب إلا أربعة أو ستة. شهد لهم الله ورسوله وجبريل والملائكة. وطعن فيهم الروافض. مرفوض والله مخزِيٌّ مطعون في دينه من يثلب الصحابة"([138">).
ومن المعلوم في عقيدتنا أن إيمان الرجل لا يتم إلا بحبه للعترة الشريفة رضي الله عنهم... وهذا ما أكدته كتب العقيدة عندما... وأكده أئمتنا، أمثال ابن تيمية والقاضي عياض وابن كثير وغيرهم رحمهم الله.
أحب النبي المصطفى وابن عمه *** عليا وسبطيه وفاطمة الزهرا
همو أهل بيت أذهب الرجس عنهمو *** وأطلعهم أفق الهدى أنجما زهرا
موالاتهم فرض على كل مسلم *** وحبهمو أسنى الذخائر للأخرى
وما أنا للصحب الكرام بمبغض *** فإني أرى البغضاء في حقهم كفرا
همو جاهدوا في الله حق جهاده *** وهم نصروا دين الهدى بالظبا نصرا
عليهم سلام الله ما دام ذكرهم *** لدى الملإ الأعلى وأكرم به ذكرا.
فمن علامات محبة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محبة من يحبهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والعترة الشريفة والصحابة البررة ممن يحبهم الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه، فمن أحب شيئا أحب من يحبه.
يا راكبا قف بالمحصب من منى *** واهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى *** فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد *** ليشهد الثقلان أني رافضي.
وأهل بيته –رضي الله عنهم- هم مَن تَحرُم عليهم الصَّدقةُ. وقد اختلف العلماء في تحديد من هم أهل بيت النبي صلى الله عليه آله وسلم، فقيل نساؤه رضيه الله عنهن، وقيل هم: الإمام علي والسيدة للا فاطمة الزهراء والسبطين الحسن والحسين رضي الله عنهم. وقيد هم من تحرم عليهم الصدقة بعده آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
وقد استدل بعض العلماء بقوله تعالى:"فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين" (آل عمران60). قالوا لما نزلت الآية جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم السيدة فاطمة والإمام علي والحسن والحسين رضي الله عنهم حين أراد المباهلة هو ووفد نجران.
فالرأي الأول لسيدنا سعيد بن جبير عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما, وهو قول عكرمة ومقاتل.
والرأي الثاني لسيدنا أبي سعيد الخدري وجماعة من التابعين, منهم مجاهد وقتادة رضي الله عنهم.
والرأي الثالث: لسيدنا زيد بن أرقم رضي الله عنه.
والأولى أن أهل بيته رضي الله عنهم هم: أزواجُه وذريَّتُه، وكلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبد المطلب، وهم بنُو هاشِم بن عبد مَناف؛ قال الإمام ابن حزم رحمه الله: "وُلِد لهاشم بن عبد مناف: شيبةُ، وهو عبد المطلب، وفيه العمود والشَّرف، ولَم يبْقَ لهاشم عَقِبٌ إلاَّ مِن عبد المطلب فقط"([139">).
وقد ألْحَق بعضُ أهل العلم, منهم الإمام الشافعي رضي الله عنه والإمام أحمد رضي الله عنه بنِي المطلب بن عبد مَناف ببَنِي هاشم في تحريم الصَّدقة عليهم؛ لمشاركتِهم إيَّاهم في إعطائهم من خمس الخُمس ([140">).
فأمَّا دخول أزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ في آلِه الطاهرين، فيدلُّ على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا"(سورة الأحزاب:33-34).
وسياق الآيات الكريمة جاء في سياق مخاطبة أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، خصوصا إذا ربطنا هذه الآيات بالآيات السابقة من سورة الأحزاب. ولا ينافي هذا ما رواه الإمام مسلم رحمه الله عن السيدة النقية العفيفة الطاهرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: "خرج النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل من شَعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمةُ فأدخلها، ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله، ثمَّ قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}"؛ لأنَّ الآيةَ الكريمة دالَّةٌ على دخولِهنَّ في أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لكون الخطابِ في الآيات من سورة الأحزاب لهنَّ، ودخولُ الإمام عليٍّ والسيدة للا فاطمة الزهراء وسيدنا الحسن والحسين رضي الله عنهم عليهم السلام في الآيةِ دلَّت عليه السُّنَّةُ في هذا الحديث الشريف، وتخصيصُ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهؤلاء الأربعة عليهم السلام في هذا الحديث الشريف لا يدلُّ على قَصْرِ أهل بيته عليهم دون القرابات الأخرى، وإنَّما يدلُّ على أنَّهم مِن أخصِّ أقاربه صلى الله عليه وآله وسلم.
وحسبنا ما رواه الإمام ابن أبي شيبة -رحمه الله- في مصنّفه بإسنادٍ صحيح عن سيدنا ابن أبي مُلَيكة رضي الله عنه: "أنَّ خالد بنَ سعيد بعث إلى عائشةَ ببقرةٍ من الصَّدقةِ فردَّتْها، وقالت: إنَّا آلَ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله سلم لا تَحلُّ لنا الصَّدقة"([141">).
يقول الإمام ابن القيِّم الجوزية –رحمه الله- في بيانه أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آل بيته الطاهرين: "قال هؤلاء: وإنَّما دخل الأزواجُ في الآل وخصوصاً أزواجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم تشبيهاً لذلك بالنَّسَب؛ لأنَّ اتِّصالَهُنَّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم غيرُ مرتفع، وهنَّ محرَّماتٌ على غيرِه في حياتِه وبعد مَمَاتِه، وهنَّ زوجاتُه في الدنيا والآخرة، فالسَّببُ الذي لهنَّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قائمٌ مقامَ النَّسَب، وقد نصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم على الصلاةِ عليهنَّ، ولهذا كان القولُ الصحيح([142">) أنَّ الصَّدقةَ تحرُمُ عليهنَّ؛ لأنَّها أوساخُ الناسِ، وقد صان اللهُ سبحانه ذلك الجَنَابَ الرَّفيع، وآلَه مِن كلِّ أوساخِ بَنِي آدَم.
ويا لله العجب! كيف يدخلُ أزواجُه في قوله: (اللَّهمَّ اجعل رزقَ آل محمَّد قوتاً)، وقوله في الأضحية: (اللَّهمَّ هذا عن محمد وآل محمد)، وفي قول السيدة عائشة رضي الله عنه: (ما شبع آلُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خُبز بُرٍّ)، وفي قول المصلِّي: (اللَّهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد)، ولا يَدخُلْنَ في قوله: (إنَّ الصَّدقة لا تَحلُّ لمحمَّد ولا لآل محمَّد)([143">)، مع كونِها من أوساخِ الناس، فأزواجُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أولى بالصِّيانةِ عنها والبُعدِ منها؟!
فإن قيل: لو كانت الصَّدقةُ حراماً عليهنَّ لَحَرُمت على مواليهنَّ، كما أنَّها لَمَّا حرُمت على بَنِي هاشِم حرُمَت على موالِيهم، وقد ثبت في الصحيح أنَّ بريرةَ تُصُدِّق عليها بلَحمٍ فأكلته، ولَم يُحرِّمه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وهي مولاةٌ للسيدة عائشة رضي الله عنها.
قيل: هذا هو شبهةُ مَن أباحَها لأزواج النَّبِيِّ-صلى الله عليه وسلم- .
وجوابُ هذه الشُّبهةِ أنَّ تحريمَ الصَّدقةِ على أزواجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ليس بطريق الأصالةِ، وإنَّما هو تَبَعٌ لتَحريمها عليه ، وإلاَّ فالصَّدقةُ حلالٌ لهنَّ قبل اتِّصالِهنَّ به، فهنَّ فرعٌ في هذا التحريمِ، والتحريمُ على المولَى فرعُ التَّحريمِ على سيِّدِه، فلمَّا كان التَّحريمُ على بَنِي هاشِم أصلاً استتبَع ذلك مواليهم، ولَمَّا كان التَّحريمُ على أزواجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تَبَعاً لَم يَقْوَ ذلك على استِتْبَاعِ مواليهنَّ؛ لأنَّه فرعٌ عن فرعٍ.
قالوا: وقد قال الله تعالى: "يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ" إلى قوله تعالى: "وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ"، ثم قال: فدخَلْنَ في أهل البيت؛ لأنَّ هذا الخطابَ كلَّه في سياق ذِكرهنَّ، فلا يجوز إخراجُهنَّ مِن شيءٍ منه، والله أعلم"([144">).
"أئمة آل البيت خير من اعتلى *** منابر علم، فقّهوا الوارد الظامي
وما انفك آل البيت حرزا ومأمنا *** لأمة خير الخلق أمة إسلام"([145">).