عرض مشاركة واحدة
قديم 01-07-2013, 11:12 AM   #13
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: خصائص الامة المحمدية


الصديق الأكبرt


يقول ربنا تبارك وتعالى: "من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"(الأحزاب23).

أبو بكر حبا في الله مالاً *** وأعتَق في محبته بلالاً

وقد واسى النبي بكل فضل *** وأسرع في إجابته بلا:لا

لو أن البحر يقصده ببعض *** لما ترك الإله به بلالا.

كثر الحديث في بعض المواقع على شبكة الإنترنيت وفي بعض القنوات الفضائية عن الصحابة رضوان الله عليهم, وخصوصا الصديق الأكبر رضي الله عنه الذي اتهموه بتهم ما أنزل الله بها من سلطان, فسحقا سحقا لمن سب أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاب, والله من كانت هذه بضاعته وذاك سعيه!!

نسمع لبعض الغوغاء هنا وهناك ينقصون من قدر الصحابة رضي الله عنهم ويبحثون عن مثالبهم, ويخوضون في أعراضهم لأغراض دنيوية عاجلة أو لحاجة في نفوسهم، ناسين أو متناسين الحديث الذي رواه سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تسبوا أصحابي! لا تسبوا أصحابي! فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه !"([69">).

قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- " إذا رأيت رجلا يذكر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسوء فاتهمه على الإسلام "([70">).

وقال –رحمه الله تعالى- " لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص, فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه, بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قبل منه, وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع "([71">).


فالصحابة رضي الله عنهم " أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا, اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- وإقامة دينه ". كما قاله ابن مسعود _رضي الله عنه_ ([72">) .

فحبهم سنة, والدعاء لهم قربة, والاقتداء بهم وسيلة, والأخذ بآثارهم فضيلة, كما قال أهل العلم رحمهم الله.

إن سيرة الصديق رضي الله عنه مليئة بالدروس والعبر، وهي مبثوثة في ثنايا المصادر والمراجع، تاريخية كانت أو حديثية أو غيرها من الكتب، ونحن في أمس حاجة لجمعها وتحليلها والاستفادة منها ؛ فسيرة أول الخلفاء وأعظم رجل بعد الأنبياء تهذب النفوس, وترفع الهمم لطلب المعالي، وتغذي الأرواح، وتنور العقول، وتقدم العبر والدروس البليغة، وتنضج الأفكار.

فهي عبرة للسياسي والمربي والمثقف والمجاهد والعالم والتاجر وغيرهم...بل عبرة لهذه الأمة بأجمعها...تستفيد منها لإعداد أجيال المستقبل وحماة المجتمع.

فالصديق رضي الله عنه أول من آمن بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الرجال، وجاهد معه وفداه بكل ما يملك، فعصره خير العصور بعد عصر النبوة، وسيرته كنز حفظ مدخرات الأمة في البذل والعطاء والغيرة على دين الله، والصدق والمحبة الشديدة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وهي السر الأكبر الذي حرك هذه الشخصية لتفدي الحق بنفسها ومالها وأهلها ووطنها ومهجتها.

وعلى ذلك فإن البحث في سيرة هذا الرجل العظيم, وهذه الشخصية العجيبة, وهذا الخليفة الراشد أصبح ضرورة ملحة لأبناء هذه الأمة لرد كل الشبهات والأباطيل التي أثارها بعض ضعاف النفوس هنا وهناك، فضلا عن الاستفادة منها في مسيرة الأمة الحضارية.

إن الصديق رضي الله عنه سيد الخلفاء الراشين، وقد حثنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على اتباع سننهم والاهتداء بهديهم، فهو سيد الصديقين وخير الصالحين بعد الأنبياء والمرسلين، وهو أفضل أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم وأشرفهم، وهو أصدق الناس وأثبتهم إيمانا، وصاحب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثاني اثنين، وأول خطيب في الإسلام، وهو الصاحب الوحيد الذي شهد المشاهد كلها مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت معه ثباتا لا نظير له، السبَّاق إلى الخير، أحب رجل إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأرحم الناس بهذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، فهو أشجع الناس : ثبت يوم بدر ويوم الحديبية ويوم وفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول من يرد الحوض عل حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخل الجنة من هذه الأمة كما أخبر الحبيب صلوات الله عليه وسلامه...ففضائله وخصائصه كثيرة وكثيرة.

والمتتبع لحياته يجد أثر محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء شخصيته، فأصبحت حياته وتاريخه منارة ساطعة تشع بأنوارها على صفحات التاريخ الإسلامي.

إن الصديق رضي الله عنه يحمل قلبا شديد الحب والاعتزاز والفخر بهذا الدين، فهان عليه أمر الدنيا بجوار دينه، فلا يهمه الأهل أو المال أو الولد ؛ إن كان واحد من هؤلاء عقبة في سبيل دينه.

ويكفيه فخرا أن أنزل الله فيه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، نزلت فيه سورة الليل، كما قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن([73">)، لقوله تعالى:"وسيجنبها الأتقى الذي يوتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى"([74">).

وعلى ذلك فإن دراسة سيرة الصحابة رضي الله عنهم عموما -وسيرة الصديق رضي الله عنه خصوصا-والاقتداء بهم نهج غفل عنه بعض الباحثين، وطواه النسيان عندآخرين. ومعرفة سيرتهم وفضائلهم وما خصهم الله به من خصائص سببٌ لمحبتهم والتقرب إلى الله جل وعلا بذلك ؛ "إذ المرء مع من أحب" كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله.

قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله :"وأما الخلفاء الراشدون والصحابة فكل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة من الإيمان، والإسلام، والقرآن، والعلم، والمعارف،والعبادات، ودخول الجنة، والنجاة من النار، وانتصارهم على الكفار، وعلو كلمة الله،فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة الذين بلّغوا الدين وجاهدوا في سبيل الله. وكل مؤمنآمن بالله، فللصحابة رضي الله عنهم الفضل إلى يوم القيامة، وخير الصحابة تبع لخيرالخلفاء الراشدين، فهم كانوا أقوم بكل خير في الدنيا والدين من سائر الصحابة، كانواوالله أفضل هذه الأمة، وأبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهمالله لصحبة نبيه وإقامة دينه ؛ فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بمااستطعتم من أخلاقهم ودينهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".

كيف لا يكونون كذلك وقد أثنى عليهم ربنا تبارك وتعالى بقوله: [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/RACHID/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.gif[/IMG]مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِرُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَاللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَمَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَشَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَلِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواالصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/RACHID/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image002.gif[/IMG]([75">).

*-ولادته ونسبه وإسلامه:

أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن كعب التيمي القرشي. أمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر التيمي. يلتقي نسبه مع نسب النبي صلى الله عليه وسلم في الجد السادس "مرة بن كعب"، ولد بعد عام الفيل بسنتين (573م)، أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين.

أسلم وعمره 38 سنة، خليفة سيدنا رسول الله، أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الرجال. صحابي ممن رافقوا سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم منذ بداية الدعوة، وكان من أوائل من أسلم من أهل قريش. وهو والد السيدة الطاهرة العفيفة النقية الصدِّيقة بنت الصِّدِّيق عائشة زوج سيدنا رسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأم المؤمنين. وهو كذلك أول الخلفاء الراشدين، وإليه عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالناس حين اشتد به المرض. بويع بالخلافة يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة 11 للهجرة وعمره 61 سنة, قضى فيها سنتين وعدة أشهر، توفي يوم الاثنين وعمر63 سنة.

من صفاته الشهيرة قبل الإسلام:

-لم يسجد لصنم قط.

-لم يشرب خمرا قط، ولما سئل عن ذلك قال:"أصون عرضي وأحفظ مروءتي".

- كان سيدا من سادات قريش، وثريا من كبار موسريهم، وأعلمهم بالأنساب.

-كان له مع النبي صلى الله عليه وسلم مودة ومحبة..رافقه في بعض رحلاته قبل الإسلام.

قال ابن هشام في سيرته:"وكان أبو بكر رجلا مألفا لقومه، محببا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا، ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته "([76">).

أسلم على يديه كبار الصحابة رضي الله عنهم وستة من المبشرين بالجنة: سعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف. كما أسلم على يديه:الأرقم بن أبي الأرقم وعثمان بن مظعون، وخلق كثير...

أما أمه فقد أسلمت في بداية الدعوة وهاجرت وصبرت...وأبوه أسلم متأخرا، مات بعد وفاة ابنه بستة أشهر.







*-شكله:

كان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه نحيف الجسم، خفيف العارضين، ناتئ الجبهة، غائر العينين، قليل لحم الوجه، ذا لحية كان يخضبها بالحناء يقترب لونها إلى السمرة، شديد بروز الجبين، أنفه رفيعة مدببة، ما يميزه: نحافته الشديدة.

çمحبته الشديدة لسيدنا رسول اللهe:

إن السر الكبير الذي حرك هذه الشخصية العظيمة هو المحبة الشديدة للحبيب e، فالمحبة تصنع العجائب ؛ من أوتيها فقد أوتي خير الدنيا والآخرة، ومن حرمها فقد حرم كل خير وفضل...

واعلم أن الله جل وعلا جعل نجاة العباد في محبته ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وآل بيته والصالحين من عباد الله..فالمحبة قبل كل شيء، وأصل كل شيء، فهي مفتاح النعم وأفضلها كلها وأولها..وما الضعف والهزال الذي أصاب أمتنا اليوم إلا بسبب ذبول زهرة المحبة في قلوب أبنائها.

فالمحبة هي سفينة النجاة، وبرهان القبول وعنوان التوفيق، هي العروة الوثقى والمنزلة العظمى... انظر معي إلى الصحابة رضي الله عنهم كيف حولتهم هذه المحبة من ضعفاء إلى عظماء صنعوا التاريخ.

حسدوا الفتى إن لم ينالوا سعيه *** والكل أعداء له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها *** حسدا وبغضا إنه لدميم.

فالمحبة إذن شجرة تضرب بجذورها في أعماق الأرض، وتحلق بفروعها في جو السماء وتؤتي أكلها في كل وقت وحين بإذن ربها.

فكفى بالمحبة نعمة وكفى بها منة، فالعجب العجب لأمر هذه المحبة التي إذا باشرت القلوب تجعل المستحيل ممكنا, والملح الأجاج عذبا فراتا سلسبيلا، فإذا منَّ الله على عبده بهذه المحبة أثمرت ثمرة طيبة أولها هداية القلب, وأعظمها أن المرء مع من أحب، وعند ذاك يدرك المرء حقائق سرها العظيم بعدما يرتقي في مراتب الأنوار على منابر من نور يوم القيامة، فهي أعلى مقامات الولاية...وطريقها مليئة بالعقبات الكؤودة، لكن بعد ذلك السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة...كما عاشها الصحابة رضي الله عنهم.

فبهذه المحبة ترتفع إلى أعلى درجات المحبوبية والقرب من الله جل وعلا، وتدفعك هذه المحبة إلى علو الهمة وصدق العزيمة، وتطرد عنك غبار الفتور والعجز والخمول، وتستنهضك لتبذل قصارى جهدك في سبيلها لتعود للأمة عزتها ومكانتها ومجدها وكرامتها، كما دفعت الصديق الأكبر رضي الله عنه ليبذل مهجته في سبيلها.

يقول الإمام جلال الدين الرومي رحمه الله:"إن الحب الخالد يحول بإذن الله تعالى المر حلوا، والتراب تبرا، والكدر صفاء، والألم شفاء، والسجن روضة، والسقم نعمة، والقهر رحمة، والليل نهارا، والظلام نورا، والقسوة لينا، وهو: الذي يلين الحديد، ويذيب الحجر، ويبعث الميت، وينفخ فيه الحياة من جديد"([77">).

فطوبى لمن أقبل على المحبة بكليته، فإن من تحققت له استنارت حياة روحه،وأشرقت ساحة قلبه، وتنورت ظلمات فؤاده, وحسن وجهه ... يا لها من سعادة عظمى ومنة كبرى، ونعمة إلهية وحياة أبدية، وفرحة خالدة...محبة صافية سائغة للشاربين.

فالصديق رضي الله عنه نال شرف الصحبة والخيرية والمكانة الرفيعة بمحبته الشديدة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم، فهذا بلال حولته من عبد حبشي إلى سيد الصحابة، وهذا زيد بن حارثة كان من الموالي فأصبح في العوالي، وهذا سلمان حولته من فارسي عجمي إلى رجل من بيت النبوة ..وعَدِّد ما شئت من الصحابة تجد أثر هذه المحبة في صناعة وبناء شخصيتهم.

فبالمحبة تحلو الحياة وهي مرة، فالصحابة رضي الله عنهم حوصروا في الشِّعب، وضيِّق عليهم في الرزق، وابتلوا في السمعة، وحوربوا من القرابة، وأوذوا وطردوا وأخرجوا من ديارهم، وسلبت أموالهم، وهدمت بيوتهم، وزلزلوا زلزالا شديدا، منهم من تفنن الكفار في تعذيبه ؛ فهذا بلال عذّب عذابا شديدا، وآل ياسر عذّبوا وقتلوا تقتيلا... لم ينقص هذا الابتلاء من صدقهم وعزمهم وقوتهم, بل زادهم ثباتا وقوة... ترى ما السر الذي جعلهم يصبرون إلى هذه الدرجة؟

إنها محبتهم الشديدة لحبيبنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم، اعتبروا هذا الابتلاء والاختبار والتمحيص برهان المحبة ؛ ولذلك هانت كل الصعاب في وجههم.

وها نحن نقطف ثمار صبرهم ومحبتهم، لم تبق أرض إلا وصلها هذا الدين ببركة تلك المحبة والصبر..أما ما أعده الله لهم في الآخرة فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر...وما خفي أعظم.



*-مواقف الصديق y برهان محبته:

لقد كان لسيدنا أبي بكر الصديقt مواقف ثبات في الإسلام تنشق منها الأرض وتخر لها الجبال, وتشرئب إليها الأعناق، ويتعجب منها العظماء...وهي أكبر دليل على حبه الشديد للحبيبe.

يحبهم كل من صفت سريرته *** ويكرههم العميان والعور

ذكر ابن سعد في طبقاته وابن الجوزي في صفة الصفوة أن الصديق الأكبر رضي الله عنه شهد مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميع المشاهد، ولم يفته منها مشهد واحد، وثبت معه يوم أحد حين انهزم الناس, ودفع إليه النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم رايته يوم تبوك وكانت سوداء.

قال الزمخشري رحمه الله: "إنه -أي الصديق الأكبر-كان مضافا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأبد، فإنه صحبه صغيرا, وأنفق ماله كبيرا، وحمله إلى المدينة براحلته وزاده، ولم يزل ينفق عليه ماله في حياته، وزوجه ابنته، ولم يزل ملازما له سفرا وحضرا, فلما توفي صلى الله عليه وسلم دفنه في حجرة السيدة عائشة أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"([78">).

قال ابن كثير رحمه الله:"ولم يختلف أهل السير في أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد من المشاهد كلها"([79">).

فمع المشاهد التي شهدها الصديق الأكبر رضي الله عنه، أذكرها باختصار لنضعها في ميزان المحبة الصادقة للجناب الشريف صلى الله عليه وآله وسلم.



1- الإسراء والمعراج:

وكان للصديقy موقف مشهور من حادثة الإسراء والمعراج، حيث صدق به دون نقاش, فأنزل الله تعالى فيه مدحاً في القرآن: ( والذي جاء بالصدق وصدّق به).

لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراء والمعراج حدث قومه بذلك فكذبوه، وذهب الناس إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا له: "هل لك في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة "([80">).

قال لهم: أوقد قال، إن كان قال فقد صدق وأصدقه في أبعد من ذلك "فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه, فهذا أبعد مما تعجبون منه.

ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة؟ قال: نعم! قال: يا نبي الله فصفه لي...فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر, ويقول أبو بكر: صدقت أشهد أنك رسول الله كلما وصف له منه شيئا قال: صدقت أشهد أنك رسول الله حتى إذا انتهى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: وأنت يا أبا بكر الصديق، فيومئذ سماه الصديق"([81">).

هذا البرهان الأول لمحبته الشديدة للحبيب صلى الله عليه وسلم.



2-يوم الهجرة:

لما أذن الله تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم بالهجرة أخبر أبا بكر الصديق بذلك, ففرح أبو بكر رضي الله عنه, وقال وهو يبكي من شدة الفرح:"الصحبة يا رسول الله".

ثم أعلن سيدنا أبو بكر yحالة الاستنفار في بيته, فأصبح بيته في حال طوارئ شاملة للتجهيز للرحلة ولِمراقبة حركة قريش ورد فعلهم, ولحماية سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم، وتقديمه نفسه وأهله في سبيله.

"وفي هذه الرحلة المباركة كان أبو بكر الصديق نعم الصديق ونعم الرفيق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا به يمشي ساعة أمام سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم ثم يمشي ساعة خلفه، ويلحظ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القلق على صديقه ورفيقه، فسأله عن ذلك فقال: يا رسول الله أذكر الطلب لك من قريش فأمشي خلفك, ثم أذكر الرصد فأمشي أمامك"([82">).

قال الحسن البصري رضي الله عنه:"انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه"([83">).

فلما دخل الصديق رضي الله عنه الغار بدأ يقطع من ثوبه ويسد الثقوب، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أقطعت ثيابك يا أبا بكر؟ قال:أخاف من شيء يؤذيك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن هذا الموقف العظيم يتبين لنا أن الصديقy "أحب النبي صلى الله عليه وسلم حبا ملك عليه لُبَّهُ وفؤاده وجوارحه، حتى إنه يتمنى أن يفدي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وولده وماله والناس أجمعين"([84">).



3-أول خطيب في الإسلام:

تقول الصديقة بنت الصديق أمنا عائشة رضي الله عنها: "لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا ألح أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور، فقال: "يا أبا بكر إنا قليل".

فلم يزل يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل وعشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوا في نواحي المسجد ضربا شديدا، ووطئ أبو بكر، وضرب ضربا شديدا، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين، ويحرفها لوجهه، ونزَّ –أي:وثب- على بطن أبي بكر، ما يعرفُ وجهه من أنفه..."([85">).

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس