قوله: والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب وتحية المسجد وغيرها من النوافل.
قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح سنن الترمذي: هكذا أطلق النووي حصولها من غير تقييد بكونه ينوي بتلك الاستخارة بعدها وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمره بذلك بعد حصول الهم بالأمر فإذا صلى راتبه أو تحية المسجد ثم هم بأمر بعد الصلاة أو في أثناء الصلاة فالظاهر أنه لا يحصل بذلك الإتيان بالصلاة المسنونة عند الاستخارة وبدا له بعد الصلاة الإتيان بدعاْ الاستخارة فالظاهر حصول ذلك وقد يقال إن لم ينو بالركعتين الاستخارة بعدها تحصل سنتها بذلك فإن نواهما معا التحية والاستخارة حصلتا لأن التحية تحصل بشغل التبعية ولو بفريضة وإن نوى الراتبة سنة الصلاة وسنة الاستخارة فيحتمل حصولهما ويحتمل أن لا قوله: ويقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة {قُل يا أَيُها الكافِرون} وفي الثانية {قُل هُوَ اللَهُ أَحد}.
قال العراقي: سبقه إلى ذلك الغزالي في الإحياء ولم أجد في شيء من كتب أحاديث الاستخارة تعيين ما يقرأ فيهما ولكنه مناسب لأنهما سورنا الإخلاص فيناسب الإتيان بهما في صلاة المراد منها خلاص الرغبة وصدق التفويض وإظهار العجز بالتبري من العلم والقدرة والحول والقوة وإن قرأ بعد الفاتحة ما يناسب الاستخارة فحسن قوله تعالى: {وَرَبّك يَخلُق ما يَشاءُ وَيختار ما كانَ لَهُم الخِيَرَة} الآية وقوله تعالى: {وَما كانَ لِمؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضى اللَهُ وَرَسولُهُ أَمراً أَن تَكونَ لَهُم الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم} الآية انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر: قرأت في كتاب جمعه الحافظ أبو المحاسن عبد الرزاق العبسي فيما يقرأ في الصلوات أن الإمام أبو عثمان الصابوني ذكر في أماليه عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن أبيه زين العابدين أنه كان يقرأ في ركعتي الاستخارة بسورة الرحمن وسورة الحشر قال الصابوني: وأنا أقرأ فيهما {سَبِح اسمِ رَبِكًَ الأَعلى} لأن فيها {وَنُيسِرُكَ لِليُسرى} وفي الثانية {وَاللَيلِ إِذا يَغشى} لأن فيها {فَسَنُيَسِرُهُ لِليُسرى} قال العبسي: وحكى شيخنا طريف بن محمد الجبري عن بعض السلف أنه كان يقرأ في الأولى {وَرَبُكَ يَخلُق ما يَشاءُ وَيَختار} إلى قوله: {لَه الحُكمُ وَإِليهِ تُرجَعون} وفي الثانية {وَما كانَ لِمؤمِنٍ وَلا مُؤمِنةٍ} إلى قوله: {وَكانَ أَمرُ اللَهِ قَدراً} قوله: وإذا استخار مضى بعدها لما ينشرح له صدره.
قال العراقي: كأنه أخذه من حديث أنس الذي ذكره بعده وهو حديث ضعيف جدا فلا حجة فيه وقد خالفه الشيخ عز الدين بن عبد السلام فقال: إنه يفعل بعد الاستخارة ما أراد وإنما يقع به الاستخارة فهو الخيرة وقد يستدل لما قاله الشيخ عز الدين بما في حديث ابن مسعود عند الطبراني فإنه قال بعد ذكر دعاء الاستخارة: ثم يعزم أي على ما استخار عليه وهو حديث ضعيف إلا أن راويه ضعيف لم يتهم بالوضع فهو أصلح من راوي حديث أنس.
قال: وإذا قلنا بما ذكره النووي من أنه يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كان له فيه هوىً قبل الاستخارة بل ينبغي للمستخير ترك استخارة رأيا وإلا فلا يكون مستخيرا بل يكون مستخيرا لهواه ويكون غير صادق في طلب الخيرة وفي التبري من العلم والقدرة وإثباتهما لله تعالى فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة ومن هواه ومن اختياره لنفسه ولذلك وقع في آخر حديث أبي سعيد بعد دعاء الاستخارة (لا حول ولا قوة إلا بالله) وهو حديث صحيح فمن لم يكن حاله في الاستخارة ترك هواه واختياره لنفسه لم يكن مستخيرا لله بل هو تابع لهواه انتهى.
قوله: إسناده غريب فيه من لا نعرفهم.
قال العراقي: هم معروفون لكن فيهم من هو معروف بالضعف الشديد وهو إبراهيم بن البراء فقد ذكره في الضعفاء ابن عدي وابن حبان وغيرهم وقالوا: إنه كان يحدّث بالأباطيل عن الثقات زاد ابن حبان: لا يحل ذكره إلا على سبيل القدح فيه.
قال الحافظ ابن حجر: والراوي عنه في هذا السند عبيد الله بن الموصل الحميري لم أقف على ترجمة والراوي عن عبيد الله أبو العباس بن قتيبة اسمه محمد بن الحسن وهو ابن أخي بكار بن قتيبة قاضي مصر وكان ثقة أكثر عنه ابن حبان في صحيحه.
قوله: وروينا في صحيح البخاري عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة: وارأساه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بل أنا وارأساه) وذكر الحديث وهذا الحديث بهذا اللفظ مرسل.
قال الحافظ ابن حجر: يريد أن القاسم ساق قصة ما أدركها ولا أن عائشة أخبرته بها لكن اعتمد البخاري على شهرة القاسم بصحبة عمته وكثرة روايته عنها وهي التي تولت تربيته بعد أبيه حتى ماتت وقد قال ابن عبد البر: العبرة باللقاء والمجالسة وعدم التدليس لا بالألفاظ يعني في الاتصال.
قوله: وروينا في سنن ابن ماجه وكتاب ابن السني بإسناد صحيح أو حسن عن ميمون بن مهران عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخلت على مريض) قال الحافظ ابن حجر: فلا يكون صحيحا ولو اعتضد لكان حسنا لكن لم نجد له شاهدا يصلح للاعتبار فقد جاء من حديث أنس ومن حديث أبي أمامة ومن حديث جابر وفي سند كل منهما من نسب إلى الكذب.
قال: ثم وجدت في سند ميمون عليه خفية تمنع من الحكم بصحته وحسنه وذلك أن ابن ماجه أخرجه عن جعفر بن مسافر وهو شيخ وسط قال فيه أبو حاتم: شيخ وقال النسائي: صالح وقال ابن حبان في الثقات: يخطىء رواه عن كثير بن هشام وهو ثقة من رجال مسلم عن جعفر بن برقان بضم الموحدة وهو من رجال مسلم أيضا لكنه مختلف فيه والراجح أنه ضعيف في الزهري خاصة وهذا من حديثه عن غير الزهري وهو ميمون بن مهران.
أخرجه ابن السني من طريق الحسن بن عرفة وهو أقوى من جعفر بن مسافر عن كثير بن هشام فأدخل بين كثير وجعفر بن برقان عيسى بن إبراهيم الهاشمي وهو ضعيف جدا نسبوه إلى الوضع فهذه علة قادحة تمنع من الحكم بصحته لو كان متصلا وكذا بحسنه.
قوله: واختار الإمام الشافعي دعاء التقطه من مجموع هذه الأحاديث وغيرها.
قال الحافظ ابن حجر: أكثره من غيرها وبعضه موقوف على صحابي أو تابعي وبعضه ما رأيته منقولا فقوله (اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك) وقع في أثر عن إبراهيم النخعي عن سعيد بن منصور وفي حديث يزيد بن ركانة عند الطبراني (اللهم عبدك وابن أمتك) وفي حديث الحارث عنده (اللهم عبدك فلان).
وقوله: (خرج من روح الدنيا) إلى قوله (لافيه).
لم أره منقولا وفي أثر عن عمر عند ابن أبي شيبة (تخلى من الدنيا وتركها لأهلها).
وقوله (كان يشهد) إلى قوله: (أعلم به).
وقع في حديث أبي هريرة موقوفا عند مالك مرفوعا عند أبي يعلى وابن حبان في صحيحه ووقع في حديث الحارث (لا نعم إلا خيرا وأنت أعلم به).
وقوله: (اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به).
لم أره منقولا في دعاء الجنازة بل في القول عند التدلية.
وقوله: (أصبح فقيرا) إلى قوله (عذابه).
وقع في حديث يزيد بن ركانة نحوه (احتاج إلى رحمتك) والباقي سواء وفي أثر عمر (افتقر إليك وأنت مستغن عنه).
وقوله: وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له.
بعضه في حديث واثلة [المذكور آنفا وفي حديث أبي هريرة] عند أبي داود وابن ماجه.
وقع في حديث أبي هريرة مرفوعا وموقوفا وفي حديث يزيد بن ركانة.
وقوله: (ولقه برحمتك رضاك).
لم أره منقولا في دعاء الجنازة ولا في القول عند التدلية أيضا.
وقوله: (وقه فتنة القبر وعذابه).
وقع في حديث عوف بن مالك عند مسلم.
وقوله: (وافتح له في قبره) إلى قوله: (جنبيه).
لم أره منقولا بهذا اللفظ وفي أثر مجاهد عند عبد الرزاق (ووسع عن جسده الأرض) ثم وجدت عن أنس أنه دفن ابنا له فقال: (اللهم جاف الأرض عن جسده وافتح أبواب السماء لروحه) أخرجه الطبراني وفي مسند الحارث من وجه آخر عن أنس: (اللهم جاف الأرض عن جنبيه ووسع عليه حفرته).
وقوله: (ولقه برحمتك) إلخ لم أره منقولا.
قوله: وقصة أبي رغال الذي كان يسرق الحاج بمحجنه.
قال الحافظ ابن حجر: كذا وقع في عدة نسخ من الأذكار ولم أر في شيء من الروايات وصف أبي رغال بذلك ولعلها كانت (والذي) فسقطت واو العطف فأما قصة أبي رغال وهو بكسر الراء وتخفيف الغين المعجمة وآخره لام فأخرج أحمد عن جابر قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: (لا تسئلوا الآيات فقد سألها قوم صالح فكانت يعين الناقة ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله بها من كان تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في الحرم فلما خرج منه أصابه ما أصاب قومه قالوا: من هو يا رسول الله قال: أبو رغال).
وأما قصة الذي كان يسرق الحاج بمحجنه فأخرجها مسلم من حديث جابر في صلاة الكسوف ولفظه: (حتى رأيت فيها صاحب المحجن كان يسرق الحاج بمحجنه فإذا فطن له قال: إنما تعلق بمحجني وإذا غفل عنه ذهب به).
قوله: باب إذكار التسبيح الخ.
قال الأسنوي في المهمات: اختلف كلام النووي في استحباب صلاة التسبيح وفي صحة الحديث الوارد فيها فقال في شرح المهذب: قال القاضي الحسين وصاحبا التهذيب والتتمة والروياني [يستحب للحديث الوارد فيها] وفي هذا الاستحباب نظر لأن حديثها ضعيف وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروف فينبغي أن لا يفعل لغير حديث صحيح وليس حديثها بثابت وذكر في التحقيق مثله فقال: وحديثها ضعيف وخالف في تهذيب الأسماء واللغات فقال: وأما صلاة التسبيح المعروفة فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها بخلاف العادة في غيرها وقد جاء فيها حديث حسن في كتاب الترمذي وغيره وذكرها المحاملي وصاحب التتمة وغيرهما من اصحابنا وهي سنة حسنة هذا لفظه وقال ابن الصلاح: إنها سنة وإن حديثها حسن وله طرق يعضد بعضها بعضا فيعمل به سيما في العبادات انتهى ما في المهمات.