ال الزركشي في تخريج أحاديث الشرح: وقع في الرافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد: (إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا دخل وقت الصلاة فأذن وارفع صوتك فإنه لا يسمع صوتك حجر ولا مدر إلا شهد لك يوم القيامة) هكذا ذكر أنه صلى الله عليه وسلم هو القائل لأبي سعيد هذا الكلام وليس كذلك بل قال هذا أبو سعيد لابن أبي صعصعة هكذا أخرجه البخاري في صحيحه والنسائي عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد قال له: (إنّي أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له يوم القيامة).
قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الشرح: تبع الرافعي في هذا السياق الغزالي والإمام والقاضي حسين والماوردي وابن داود شارع المختصر وهو مغاير لما في صحيح البخاري والموطأ وغيرهما من كتب الحديث وساق ما تقدم.
قال: وكذا رواه الشافعي عن مالك وتعقبه الشيخ محيى الدين وبالغ كعادته وأجاب ابن الرفعة عن هذه الأئمة الذين اوردوه مغترا بأنهم لعلهم فهموا أن قول أبي سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عائد إلى كل ما ذكره ويكون تقديره سمعت كلما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فحينئذ يصح ما أوردوه باعتبار المعنى لا بصورة اللفظ ولا يخفى ما في هذا الجواب من الكلفة.
قوله: (اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل ومحمد النبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من النار).
رواه الطبراني في الكبير بلفظ: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل) بتقديم ميكائيل على إسرافيل.
قوله: باب ما يقوله عند إرادته القيام إلى الصلاة روينا في كتاب ابن السني عن أم رافع أنها قالت: يا رسول الله دلني على عمل يأجرني الله عليه قال: (يا أم رافع إذا قمت إلى الصلاة فسبحي الله عشرا) إلخ.
وقال الحافظ في أماليه: أطلق في الحديث موضع القول والشيخ حمله على الإرادة.
ووقع لنا من وجه آخر ما يدل على أنه داخل الصلاة فأخرجه ابن مندة في المعرفة عن أم رافع أنها قالت: يا رسول الله أخبرني بشيء أفتتح به صلاتي فذكر الحديث نحوه وأخرج الترمذي وصححه عن أنس أن أم سليم قالت: يا رسول الله علمني كلمات أقولهن في صلاتي فذكر نحوه.
وقال الحافظ أيضا في رسالة له: الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد: فقد سئلت عن ما أحدثه بعض المشايخ في مسجده من الإجتماع على ذكر الباقيات الصالحات وهي سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر عشرا عشرا عند إرادة إقامة الصلاة بحيث يشرع المؤذن في الإقامة عند انتهائه فهل لهذا الذي أحدثه الشيخ أصل من السنة في هذا المحل أولا وهل يعد ذلك من البدع الحسنة التي يثاب فاعلها أولا فأجبت وبالله التوفيق.
بلغني أنه تمسك بما وقع في كتاب الأذكار لشيخ الإسلام النووي نفع الله تعالى به فإنه قال ما نصه: باب ما يقول عند إرادته القيام إلى الصلاة روينا في كتاب ابن السني عن أم رافع رضي الله عنها قالت: يا رسول الله دلني على عمل يأجرني الله عليه قال: (يا أم رافع إذا قمت إلى الصلاة فسبحي الله تعالى عشرا وهلليه عشرا واحمديه عشرا وكبريه عشرا واستغفريه عشرا فإنك إذا سبحت قال: هذا لي وإذا هللت قال: هذا لي وإذا حمدت قال: هذا لي وإذا كبرت قال: هذا لي وإذا استغفرت قال: قد فعلت) انتهى كلامه.
فكأنه فهم من قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت إلى الصلاة) إذا أردت القيام إلى الصلاة وهو محتمل ويحتمل أيضا أن المراد أن يقال ذلك بعد الدخول في الصلاة.
وقد عينه بعض أهل العلم في دعاء الافتتاح وعينه آخر في صلاة مخصوصة وهي التي تسمى صلاة التسبيح فقد جاء التصريح بقول نحو ذلك في الأذكار كلها إلا التشهد وعينه آخر في التشهد إذا انتهى التشهد أتى بالذكر المأثور وبما شاء ثم سلم فاقتضى اختلافهم النظر في الأقوى من ذلك فإنها ترشد الناظر إلى أقوى الاحتمالات التي تنشأ عن الكفر قبل النظر فيها وذلك يستدعي ذكر ثلاثة فصول تشتمل على مقدمة ونتيجة وخاتمة فالمقدمة في الكلام على حال الحديث فيما يرجع إلى الصحة وغيرها والنتيجة فيما يستفاد منه للعمل وهو المقصود بالسؤال والخاتمة في التنبيه على الراجح من ذلك.
الفصل الأول
مقدمة في الكلام على حال الحديث هذا الحديث أخرجه الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري المعروف بابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة له فقال: [باب ما يقول إذا قام إلى الصلاة] فلم يتصرف في لفظ الخبر كما تصرف الشيخ محيى الدين ثم ساق من طريق علي بن عياش عن عطاف بن خالد عن زيد بن أسلم عن أم رافع أنها قالت: فذكره وقال في آخره: قد غفرت لك بدل قوله: قد فعلت نقل نسخة اختلفت.
وفي هذا السند علتان إحداهما: أن بين بن أسلم وأم رافع واسطة كما سأبينه فهو منقطع.
والثانية: أن عطاف بن خالد مختلف في توثيقه وتخريجه.
وأما سائر رواته فهم من رجال الصحيح وعطاف بفتح العين المهملة وتشديد الطاء المهملة أيضا وآخره فاء هو مخزومي مدني قال فيه مالك وهو ممن عاصره لما بلغه أنه يحدث: ليس هو من أهل الثقات انتهى.
وهذه العبارة يؤخذ منها أنها يروى حديثه ولا يحتج به لما لا يخفى من الكتابة المذكورة.
وحاصل نظر أهل النقد فيه أنه يكتب حديثه ولا يحتج بما ينفرد به وقد خولف في سند هذا الحديث وفي سياق متنه أما السند فأخرجه أبو عبد الله بن مندة في كتاب معرفة الصحابة من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبيد الله بالتصغير ابن وهب عن أم رافع فزاد فيه رجلا ولا بد منه وأما المتن فوقع في رواية هشام أيضا أن أم رافع قالت: يا رسول الله أخبرني بشىء أفتتح به صلاتي قال: إذا قمت إلى الصلاة فقولي: الله أكبر عشرا فإنك كلما قلت قال الله عزوجل: هذا لي ثم قولي سبحانه الله وبحمده عشرا فإنك إذا قلت قال الله: هذا لي واحمدي الله عشرا فإنك إذا قلت قال الله: هذا لي واستغفري الله عشرا فإنك إذا قلت ذلك قال الله: قد غفرت لك.
فزاد في المتن ألفاظا: منها مطابقة الجواب لسؤالها ومنها الترتيب في الكلمات المذكورة ومنها زيادة (وبحمده).
وقد وجدناه من رواية راو ثالث وهو بكير بن مسمار فأخرجه الطبراني في المعجم الكبير من طريقه عن زيد بن أسلم فوافق عطافا في حذف الواسطة.
واختصر المتن ولفظه أنها قالت: يا رسول الله أخبرني بكلمات ولا تكثر علي فقال: قولي الله أكبر عشر مرار يقول الله: هذا لي وقولي: سبحانه الله عشرا مرار يقول الله: هذا لي وقولي اللهم اغفر لي يقول: قد فعلت فتقولين عشر مرار ويقول قد فعلت.
هكذا اقتصر فيه على التكبير والتسبيح فقط وأطلق محل القول ويكبر وكذا هشام بن سعد من رجال مسلم والذي يقتضيه النظر ترجيح رواية هشام لما اشتملت عليه روايته من تحرير سياق في السند والمتن معا.
وقد جاء نحو هذه القصة عن أم سليم الأنصارية وهي والدة أنس بن مالك أخرجه الترمذي من رواية عبد الله بن المبارك عن عكرمة بن عمار حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن أم سليم غدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله علمني كلمات أقولهن في صلاتي فقال: كبري الله عشرا وسبحي عشرا واحمديه عشرا ثم سلي الله يقول: نعم نعم.
وأخرجه النسائي من طريق وكيع عن عكرمة بن عمار ولفظه (علمني كلمات أدعو بهن في صلاتي قال: سبحي الله عشرا واحمديه عشرا وكبريه عشرا ثم سلي حاجتك يقول: نعم نعم).
وأخرجه الحاكم في صحيحه المستدرك من طريق عبد الله بن المبارك وقال: على شرط مسلم وقد عين ابن خزيمة محل هذا الذكر المخصوص في افتتاح الصلاة لكن بغير هذا العدد فأخرج في دعاء الافتتاح حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة قال: (الله أكبر كبيرا ثلاث مرات والحمد لله كثيرا ثلاث مرات وسبحانه الله بكرة وأصيلا ثلاث) قلت: وأخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه ولفظ ابن حبان: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة فقال: (الله أكبر كبيرا ثلاثا الحمد لله ثلاثا سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا أعوذ بالله) الحديث وقد جاء نحو ذلك في هذا المحل من غير تقييد بعدد وذلك فيما أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي والطبراني من طريق عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عمر قال: بينا نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من القائل كلمة كذا وكذا فقال الرجل: أنا فقال: لقد رأيت أبواب السماء فتحت لها) وفي الباب عن عبد الله بن أبي أوفى عند أحمد والطبراني بسند حسن ولفظه نحو حديث ابن عمر لكن في آخره فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من هذا العالي الصوت فقالوا: هو هذا فقال: والله لقد رأيت كلامه يصعد في السماء حتى له باب فدخل فيه.
وعن وائل بن حجر أخرجه مسدد في مسنده و الطبراني نحو حديث ابن عمر لكن قال في آخره: (فقال: من صاحب الكلمات قال الرجل: أنا وما أردت إلا خيرا قال: لقد رأيت أبواب السماء فتحت لما تناهت دون العرش).
ويؤيد مشروعية هذا الذكر دعاء الافتتاح حديث عائشة فإنه ورد مقيدا بالعدد الذي ورد في حديث أم رافع وأم سليم وذلك فيما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وجعفر الفريابي من طريق معاوية بن صالح عن أزهر بن سعيد عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة بما كان يستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل قالت: (كان إذا قام من الليل استفتح الصلاة وكبر عشرا وسبح عشرا وحمد عشرا وقال: اللهم اغفر لي واهدني عشرا ثم يتعوذ) هذا لفظ جعفر وفي رواية بأبي داود (إذا قام كبر عشرا وحمد عشرا وهلل واستغفر عشرا وقال: اللهم اغفر لي واهدني عشرا ثم يتعوذ) هذا لفظ جعفر وفي رواية أبي داود (إذا قام كبر عشرا وحمد عشرا وهلل واستغفر عشرا وقال: اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة).
وفي رواية ابن حبان في صحيحه أن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة فقالت: (كان يستفتح إذا قام من الليل يصلي يكبر عشرا ثم يسبح عشرا ثم يحمد عشراِ ويهلل عشرا ويستغفر عشرا) الحديث.