المستنصر
فلما ماتت السيدة ست الملك استقل الجرجرائي بالتدبير لإعزاز دين الله أبي الحسن علي بن الحاكم بأمر الله أبي علي منصور أمه السيدة رصد.
ولد يوم الثلاثاء السادس عشر من جمادى الأولى سنة عشرين وأربعمائة بالقاهرة والطالع عند ولادته من برج السلطان ثمان درج والشمس فيه على خمس عشرة درجة والمشتري فيه على ست درج وعطارد فيه على اثنتي عشرة درجة والقمر في الدلو على ثلاث عشرة درجة وزحل في برج الثور على تسع وعشرين درجة والمريخ فيه أيضا على إحدى عشرة درجة والزهرة في برج الجوزاء على ثلاث عشرة درجة والجوزهر في برج السنبلة على خمس وعشرين درجة.
وبويع بالخلافة يوم الأحد للنصف من شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة والطالع عند ولادته من برج السنبلة إحدى وعشرون درجة وزحل في برج السنبلة على اثنتين وعشرين درجة والمشتري في برج الدلو على ثماني درج والمريخ فيه أيضا على اثنتي عشرة درجة والشمس في برج الجوزاء على ثمان وعشرين درجة والزهرة في برج السرطان على ثلاث درج وعطارد في برج الجوزاء على ست عشرة درجة والقمر في برج الجدي على ثماني عشرة درجة والجوزهر في برج الثور على إحدى وعشرين درجة.
وأقام في الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر وثلاثة أيام.
وقام بأمره الوزير أبو القاسم الجرجرائي وأخذ له البيعة على الناس وأطلق للجند أرزاقهم وشيئا آخر على سبيل الصلة وسكنت الأمور واستقامت الأحوال وكتب له المستنصر سجلا بإقراره على الوزارة.
وفيها سير من القاهرة مبلغ ألفي دينار على يد بدوي لعمارة قنطرة الجاروفة التي منها شرب الكوفة وقد خربت وفسدت الجهات التي تحتها بفسادها.
وكانت تلك الجهات جاريةً في إقطاع العربان بالعراق فأريد بذلك استمالة من هناك إلى الطاعة فقام بنو خفاجة مع البدوي في الإنفاق على عمارة القنطرة.
فبلغ ذلك الخليفة القادر بالله أبا العباس أحمد بن اسحق بن المقتدر فلم يجد مالاً يبعثه عوضاً من المال المذكور ولم يمكنه الرد فدعته الضرورة إلى التغاضي.
فشرع البدوي في العمل ثم منع بعد ما تم منه جانب كبير.
سنة ثمان وعشرين وأربعمائة
فيها فسد ما بين نصر بن صالح بن مرداس وبين المستنصر فكاتب ملك الروم وبعث إليه بما عليه من القطيعة مع هدية فأشار عليه بالدخول في طاعة المستنصر فقبل منه.
وبعث بهدية جليلة إلى القاهرة مع وفد كبير فحصل الرضا عنه وأضيف إليه أعمال حمص ولقب بمختص الأمراء خاصة الإمام شمس الدولة ومجدها ذي العزمتين.
فشق ذلك على الدزبري متولى دمشق وأخذ في مناكدة أصحاب نصر بن صالح.
سنة تسع وعشرين وأربعمائة
فيها بعث الدزبري عساكره إلى حماة فأخذها.
وخرج شبل الدولة نصر بن صالح لدفعه فالتقيا بلطمين من عمل كفرطاب فانكسر وقتل في يوم الاثنين نصف شعبان وحمل رأسه إلى دمشق.
فبادر أخوه معز الدولة ثمال بن صالح إلى حلب وملكها من الغد وأخذ قلعتها واستخلف فيها ابن عمه مقلد بن كامل بن مرداس وفي المدينة خليفة بن جابر الكعبي.
وشرق بأهله ليستنجد بأخواله بني خفاجة فنزلت عساكر الدزبري على حلب وأخذت المدينة ثم قدم إليها الدزبري وتسلم القلعة في يوم الثلاثاء ثامن رمضان وأخرج منها إلى درباس واستولى على بالس ومنبج وولى قلعة لغلاميه فاتك وسبكتكين.
وعاد إلى دمشق يوم الخميس تاسع عشر ذي الحجة.
وعمل في طريقه على أخذ جبلة فلم يطق.
وفيها ثار علي بن محمد بن علي الصليحي في اليمن في ستين رجلا على رأس جبل وأقام دعوة المستنصر وما زال أمره يزيد حتى استولى على ممالك اليمن.
وفيها هادن المستنصر ملك الروم على أن يطلق خمسة آلاف أسير ليمكن من عمارة قمامة التي فر بها الحاكم فأطلق الأسرى وعمر قمامة وأطلق عيها مالاً جل وصفه.
سنة ثلاثين وأربعمائة
سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة فيها أقيمت دعوة المستنصر بحران: سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة: فيها نقض ملك الروم الهدنة وأغار على بلاد حلب وعلى بلاد أفامية وكسر عسكر الدزبري المقيم هناك فخرج إليه عسكر حلب فكسرهم على أرمناز.
وكان ثمال بن صالح وعمه المقلد بالرقة مالكين لها فبعثنا إلى متملك الروم بمال وثياب فطلب منهما ابتياع الرقة كما ابتيعت الرها فضاق الدزبري ذرعاً بذلك وكتب إليهما يرغبهما ويرهبهما فأجاباه بالاعتذار.
وكان قد مضى قوم من بني جعفر بن كلاب إلى مضيق أفامية وعاثوا في أعمال الروم فمكن لهم الروم ثم أوقعوا بهم.
فبعث الدزبري عسكرا فلقي الروم فيها حماة وأفامية فظهر المسلمون عليهم وقتلوا منهم عدة كبيرة فأجمع الدزبري على النهوض إليهم فهادنوه وما زالوا به حتى سكنت الحرب بينهم وبينه.
ثم إن الجند طمعوا في الدزبري وهموا به فساروا له إلى حماة فقضى عليه أهلها فكاتب مقلد بن منقذ فحضر إليه من كفرطاب في ألفي راجل واجتمع به ومضى إلى حلب فأقام بها مريضا إلى أن مات يوم الأحد نصف جمادى الآخرة.
سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
وبعد ما أقام بحلب اثنين وأربعين يوما قدم إليها ثمال بن صالح وعمه المقلد وحصرا القلعة سبعة أشهر وتسلماها في صفر سنة خمس وثلاثين وأربعمائة وقتلا من بها.
فلما بلغ ذلك المستنصر بعث إلى ثمال الخلع والتحف وسجلا بتوليته وكان بقلعة حلب مائتا ألف دينار فأخذها ثمال.
وفيها توفى شهم الدولة ميمون صاحب السيارة في أسفل الأرض في شهر ربيع الآخر وحمل إلى مصر فوصلوا به يوم الثلاثاء تاسعه ودفن بتربته بالقرافة.
وكان من أهل الخير وحج بالناس من مصر في سنة ست وعشرين وأربعمائة.
سنة أربع وثلاثين وأربعمائة
فيها خرج بالقاهرة في شهر رجب شخص اسمه سليمان كان يشبه الحاكم بأمر الله وأدعى أنه الحاكم وبث دعاته سراً في البلاد وقصد القصر وقت خلوه من العساكر وقال للخدام: قولوا هذا الحاكم.
فارتاع من كان في باب القصر وثارت ضجة فقبض عليه وصلب وأخذت أصحابه فقتلوا ومن جملتهم محمد بن عاني الكتامي أحد دعاته.