عرض مشاركة واحدة
قديم 12-21-2012, 08:40 PM   #10
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب اتعاظ الحنفاء باخبار الائمة الفاطميين الخلفاء للامام احمد الحسينى


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة ذكر طرف من أخبار القرامطة
وذلك أن الحسين الأهوازي لما خرج داعيةً إلى العراق لقي حمدان بن الأشعث قرمط بسواد الكوفة ومعه ثور ينقل عليه فتماشيا ساعةً فقال حمدان للحسين‏:‏ إني أراك جئت من سفر بعيد وأنت معي فاركب ثوري هذا‏.‏
فقال الحسين‏:‏ لم أومر بذلك‏.‏
فقال له حمدان‏:‏ كأنك تعمل بأمر أمر لك‏.‏
قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ ومن يأمرك وينهاك‏.‏
قال‏:‏ مالكي ومالكك ومن له الدنيا والآخرة‏.‏
يا هذا‏:‏ ما يملك ما ذكرته إلا الله‏.‏
قال‏:‏ صدقت والله يهب ملكه لمن يشاء‏.‏
قال حمدان‏:‏ فما تريد في القرية التي سألتني عنها‏.‏
وكان الحسين لما رأى قرمط في الطريق سأله‏:‏ وكيف الطريق إلى قس بهرام‏.‏
فعرفه قرمط أنه سائر إليه فسأله عن قرية تعرف بباتنورا في السواد فذكر أنها قريبة من قريته وكان قرمط من قرية تعرف بالدور على نهر هد من رستاق مهروسا من طسوج فرات بادفلي‏.‏
وإنما قيل له قرمط لأنه كان قصيرا ورجلاه قصيرتين وخطوه متقاربا فسمى لذلك قرمطا‏.‏
فلما قال للحسين‏:‏ ما تريد في القرية التي سألتني عنها قال له‏:‏ رفع إلى جراب فيه علم وسر من أسرار الله وأمرت أن أشفي هذه القرية وأغني أهلها وأستنقذهم وأملكهم أملاك أصحابهم‏.‏
وابتدأ يدعوه فقال له حمدان قرمط‏:‏ يا هذا‏:‏ نشدتك الله ألا رفعت إلي من هذا العلم الذي معك وأنقذتني ينقذك الله‏.‏
قال له‏:‏ لا يجوز ذلك أو آخذ عليك عهدا وميثاقا أخذه الله على النبيين والمرسلين وألقى إليك فما زال يضرع إليه حتى جلسا في بعض الطريق وأخذ عليه العهد ثم قال له‏:‏ ما اسمك‏.‏
قال له قرمط‏:‏ قم معي إلى منزلي حتى تجلس فيه فإن لي إخوانا أصير بهم إليك لتأخذ عليهم العهد للمهدي‏.‏
فصار معه إلى منزله وأخذ على الناس العهد وأقام بمنزل حمدان قرمط فأعجبه أمره وعظمه وكان الحسين على غاية ما يكون من الخشوع صائماً نهاره قائماً ليله فكان المغبوط من أخذه إلى منزله ليلةً وكان يخيط لهم الثياب ويكتسب بذلك فكانوا يتبركون به وبخياطته‏.‏
وأدرك الثمر فاحتاج أبو عبد الله محمد بن عمر بن شهاب العدوي وكان أحد وجوه الكوفة ومن أهل العلم والفضل إلى عمل ثمره فوصف له الحسين الأهوازي فنصبه لحفظ ثمره والقيام في حظيرته فأحسن حفظها واحتاط في أداء الأمانة وظهر منه من التشدد في ذلك ما خرج به عن أحوال الناس في تساهلهم في كثير من الأمور وذلك في سنة أربع وستين ومائتين‏.‏
واستحكمت ثقة الناس به وثقته هو بحمدان قرمط وسكونه إليه فأظهر له أمره وكان مما دعا إليه أنه جاء بكتاب فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ يقول الفرج بن عثمان إنه داعية المسيح وهو عيسى وهو الكلمة وهو المهدي وهو أحمد بن محمد بن الحنفية وهو جبريل وأن المسيح تصور في جسم إنسان وقال إنك الداعية وإنك الحجة وإنك الناقة وإنك الدابة وإنك يحيى بن زكريا وإنك روح القدس وعرفه أن الصلاة أربع ركعات‏:‏ ركعتان قبل طلوع الشمس وركعتان قبل غروبها وأن الأذان في كل صلاة أن يقول المؤذن‏:‏ الله أكبر ثلاث مرات‏.‏
أشهد ألا إله إلا الله‏.‏
مرتين‏.‏
أشهد أن آدم رسول الله‏.‏
أشهد أن نوحا رسول الله‏.‏
أشهد أن إبراهيم رسول الله‏.‏
أشهد أن موسى رسول الله‏.‏
أشهد أن عيسى رسول الله‏.‏
أشهد أن محمدا رسول الله‏.‏

أشهد أن أحمد بن محمد بن الحنفية رسول الله‏.‏
والقراءة في الصلاة‏:‏ الحمد للّه بكلمته وتعالى باسمه المنجد لأوليائه بأوليائه ‏"‏ قل إن الأَهلة مواقيت للناس ظاهرها ليعلموا عدد السنين والحساب والشهور والأَيام وباطنها لأوليائي الذين عرَّفوا عبادي وسيلتي فاتقوني يا أولى الألباب وأنا الذي لا أُسأل عما أفعل وأَنا العليم الحكيم وأَنا الذي أَبلو عبادي وأَمتحن خلقي فمن صبر على بلائي ومحنتي واختباري أَدخلته في جنتي وأَخلدته في نعيمي ومن زال عن أَمري وكذَّب رسلي أَخلدتُه مُهاناً في عذابي وأَتممت أجلي وأَظهرت أَمري على أَلسنة رسلي وأَنا الذي لم يعلُ جبارٌ إلا وضعتُه ولا عزيز إلا أَذللته وليس الذي أصرَّ على أَمره وداوم على جهالته وقال إِن نبرح عليه عاكفين وبه موقنين أولئك هم الكافرون ‏"‏‏.‏
ثم يركع‏.‏
ومن شرائعه‏:‏ صيام يومين في السنة هما‏:‏ المهرجان والنوروز‏.‏
وأن الخمر حلال‏.‏
ولا غسل من جنابة ولكن الوضوء كوضوء الصلاة‏.‏
وأن لا يؤكل ماله ناب ولا مخلب‏.‏
ولا يشرب النبيذ‏.‏
وأن الجمعة يوم الاثنين لا يعمل فيه شغل‏.‏
ولما حضرته الوفاة جعل مكانه حمدان بن الأشعث قرمط وأخذ على أكثر أهل السواد وكان ذكيا داهية‏.‏
فكان ممن أجابه‏:‏ مهرويه بن زكرويه السلماني وجلندي الرازي وعكرمة البابلي وإسحاق السوراني وعطيف النيلي وغيرهم وبث دعاته في السواد يأخذون على الناس‏.‏
وكان أكبر دعاته عبدان وكان فطناً خبيثاً خارجاً عن طبقة نظرائه من أهل السواد ذا فهم وحذق وكان يعمل عند نفسه على نصب له من غير أن يتجاوز به إلى غيره ولا يظهر غير التشيع والعلم ويدعو إلى الإمام من آل رسول الله ت صلى الله عليه وسلم محمد ابن إسماعيل بن جعفر‏.‏
فكان أحد من تبع عبدان زكرويه بن مهرويه وكان شاباً ذكياً فطناً من قرية بسواد الكوفة على نهر هد فنصبه عبدان على إقليم نهر هد وما والاه ومن قبله جماعة دعاة متفرقون في عمله‏.‏
وكان داعية عبدان على فرات بادفلي‏:‏ الحسن بن أيمن وداعيته على طسوج تستر‏:‏ المعروف بالبوراني وإليه نسب البورانية وداعيته على جهة أخرى‏:‏ المعروف بوليد وفي أخرى‏:‏ أبو الفوارس‏.‏
وهؤلاء رؤساء دعاة عبدان ولهم دعاة تحت أيديهم فكان كل داع يدور في عمله ودخل في دعوته من العرب طائفة فنصب فيهم دعاة فلم يتخلف عنه رفاعي ولا ضبعي ولم يبق من البطون المتصلة بسواد الكوفة بطن إلا دخل في الدعوة منه ناس كثيراً أو قليل‏:‏ من بني عباس وذهل وعنزة وتيم الله وبني ثعل وغيرهم من بني شيبان فقوى قرمط وزاد طمعه فأخذ في جمع الأموال من قومه‏:‏ فابتدأ يفرض عليهم أن يؤدوا درهما عن كل واحد وسمى ذلك‏:‏ الفطرة على كل أحد من الرجال والنساء فسارعوا إلى ذلك‏.‏
فتركهم مديدة ثم فرض الهجرة وهو دينار على كل رأس أدرك وتلا قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏"‏‏.‏
وقال‏:‏ هذا تأويل هذا‏.‏
فدفعوا ذلك إليه وتعاونوا عليه فمن كان فقيرا أسعفوه‏.‏
فتركهم مديدة ثم فرض عليهم البلغة وهي سبعة دنانير وزعم أن ذلك هو البرهان الذي أراد الله بقوله‏:‏ ‏"‏ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏"‏‏.‏
وزعم أن ذلك بلاغ من يريد الإيمان والدخول في السابقتين المذكورين في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وَالسَّابِقُونَ وصنع طعاما طيبا حلوا لذيذا وجعله على قدر البنادق يطعم كل من أدى إليه سبعة دنانير منها واحدة وزعم أنه طعام أهل الجنة نزل إلى الإمام فكان ينفذ إلى كل داع منها مائة بلغة ويطالبه بسبعمائة دينار لكل واحدة منها سبعة دنانير‏.‏
فلما توطأ له الأمر فرض عليهم أخماس ما يملكون وما يتكسبون وتلا عليهم‏:‏ ‏"‏ واعْلَموا أَنَّما غَنِمْتُم من شيءٍ فأَنَّ لِلّه خُمُسَةُ الآية ‏"‏ فقوموا جميع ما يملكونه من ثوب وغيره وأدوا ذلك إليه فكانت المرأة تخرج خمس ما تغزل والرجل يخرج خمس ما يكسبه‏.‏
فلما تم ذلك فرض عليهم الألفة وهو أن يجمعوا أموالهم في موضع واحد وأن يكونوا فيه أسوة واحدة لا يفضل أحد منهم صاحبه وأخاه في ملك يملكه وتلا عليهم‏:‏ ‏"‏ واذكروا نِعْمَةَ اللّهِ عليكم إِذْ كُنْتُمْ أَعداءً فَأَلَّفَ بين قُلُوبِكم فَأَصْبَحْتُم بنعمته إخْوانا ‏"‏ الآية وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لو أَنْفَقْتَ ما في الأَرضِ جميعاً ما أَلَّفْتَ بَين قُلُوبِهم ولكنَّ اللّهَ أَلَّفَ بينهم إِنَّهُ عزيز حكيم ‏"‏‏.‏
وعرفهم أنه لا حاجة بهم إلى أموال تكون معهم لأن الأرض بأسرها ستكون لهم دون غيرهم وقال‏:‏ هذه محنتكم التي امتحنتم بها ليعلم كيف تعملون‏.‏
وطالبهم بشراء السلاح وإعداده‏.‏
وذلك كله في سنة ست وسبعين ومائتين‏.‏
وأقام الدعاة في كل قرية‏:‏ رجلا مختارا من ثقاتها يجمع عنده أموال أهل قريته من بقر وغنم وحلى ومتاع وغيره وكان يكسو عاريهم وينفق على سائرهم ما يكفيهم ولا يدع فقيرا بينهم ولا محتاجا ولا ضعيفا وأخذ كل رجل منهم بالانكماش في صناعته والكسب بجهده ليكون له الفضل في رتبته وجمعت المرأة كسبها من مغزلها والصبي أجرة نظارته للطير وأتوه به فلم يتملك أحد منهم إلا سيفه وسلاحه‏.‏
فلما استقام له ذلك أمر الدعاة أن يجمعوا النساء ليلةً معروفة ويختلطن بالرجال ويتراكبن ولا يتنافرن فإن ذلك من صحة الود والألفة بينهم‏.‏
فلما تمكن من أمورهم ووثق بطاعتهم وتبين مقدار عقولهم أخذ في تدريجهم وأتاهم بحجج من مذهب الثنوية فسلكوا معه في ذلك حتى يقضي ما كان يأمرهم به في مبدأ أمرهم من الخشوع والورع والتقوى وظهر منهم بعد تدين كثير إباحة الأموال والفروج والغناء عن الصوم والصلاة والفرائض وأخبرهم أن ذلك كله موضوع عنهم وأن أموال المخالفين ودماءهم حلال لهم وأن معرفة صاحب الحق تغني عن كل شيء ولا يخاف معه إثم ولا عذاب يعني إمامه الذي يدعو إليه وهو محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وأنه الإمام المهدي الذي يظهر في آخر الزمان ويقيم الحق وأن البيعة له وأن الداعي إنما يأخذها على الناس له وأن ما يجمع من فلما أظهر هذه الأمور كلها بعد تعلقه بذكر الأئمة والرسل والحجة والإمام وأنه المعول والمقصد والمراد وبه اتسقت هذه الأمور ولولا هذه لهلك الخلق وعدم الهدى والعلم ظهر في كثير منهم الفجور وبسط بعضهم أيديهم بسفك الدماء وقتلوا جماعة ممن خالفهم فخافهم الناس واستوحشوا من ظهور السلاح بينهم فأظهر موافقتهم كثير من مجاوريهم جزعاً منهم ‏.‏
ثم إن الدعاة اجتمعوا واتفقوا على أن يجعلوا لهم موضعاً يكون وطنا ودار هجرة يهاجرون إليها ويجتمعون بها فاختاروا من سواد الكوفة في طسوج الفرات من ضياع السلطان المعروفة بالقاسميات قرية تعرف بمهتماباد فحاذوا إليها صخرا عظيما ثم بنوا حولها سوراً منيعا عرضه ثماني أذرع ومن ورائه خندق عظيم وفرغوا من ذلك في أسرع وقت وبنوا فيها البناء العظيم وانتقل إليها الرجال والنساء من كل مكان وسميت دار الهجرة وذلك في سنة سبع وتسعين ومائتين فلم يبق حينئذ أحد إلا خافهم ولا بقي أحد يخافونه لقوتهم وتمكنهم في البلاد‏.‏
وكان الذي أعانهم على ذلك تشاغل الخليفة بفتنة الخوارج وصاحب الزنج بالبصرة وقصريد السلطان وخراب العراق وتركه لتدبيره وركوب الأعراب واللصوص بعد السبعين ومائتين بالقفر وتلاف الرجال وفساد البلدان فتمكن هؤلاء وبسطوا أيديهم في البلاد وعلت كلمتهم‏.‏
وكان منهم مهرويه أحد الدعاة في مبدأ أمره ينطر النخل ويأخذ أجرته تمرا فيفرغ منه النوا ويتصدق به ويبيع النوا ويتقوت به فعظم في أعين الناس قدره وصارت له مرتبة في الثقة والدين فصار إلى صاحب الزنج لما ظهر على السلطان وقال له‏.‏
ورائي مائة ألف ضارب سيف أعينك بهم‏.‏
فلم يلتفت إلى قوله ولم يجد فيه مطمعا فرجع وعظم بعد ذلك في السواد وانقاد إليه خلق كثير فادعى أنه من ولد عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر فقيل له‏:‏ لم يكن لمحمد بن إسماعيل ابن يقال له عبد الله‏.‏
فكف عن هذه الدعوى وصار بعد ذلك في قبة على جمل ودعى بالسيد وظهر بسواد الكوفة وسيأتي ذكر ابنه زكرويه وابن ابنه الحسين بن زكرويه إن شاء الله‏.‏
وكان رجل من أهل قرية جنابة يعمل الفراء يقال له أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي أصله من الفرس سافر إلى سواد الكوفة وتزوج من قوم يقال لهم‏:‏ بنو القصار كانوا من أصول هذه الدعوة فأخذ عن عبدان وقيل بل أخذ عن حمدان قرمط وسار داعية فنزل القطيف وهي حينئذ مدينة عظيمة فجلس بها يبيع الرقيق فلزم الوفاء والصدق وكان أول من أجابه الحسين بن سنبر وعلي بن سنبر وحمدان بن سنبر في قوم ضعفاء ما بين قصاب وحمال وأمثال ذلك فبلغه أن بناحيته داعيا يقال له أبو زكريا أنفذه عبدان قبل أبي سعيد وكان قد أخذ على بني سنبر من قبل فعظم أمره على أبي سعيد وقبض عليه وقتله فحقد عليه بنو سنبر قتله‏.‏
واتفق أن البلد كان واسعاً ولأهله عادة بالحروب وهم رجال شداد جهال فظفر أبو سعيد باشتهار دعوته في تلك الديار فقاتل بمن أطاعه من عصاه حتى اشتدت شوكته‏.‏
وكان لا يظفر بقرية إلا قتل أهلها ونهبها فهابه الناس وأجابه كثير منهم وفر منه خلق كثير إلى بلدان شتى خوفاً من شره ولم يمتنع عليه إلا هجر وهي مدينة البحرين ومنزل سلطانها وبها التجار والوجوه فنازلها شهوراً يقاتل أهلها ثم وكل بها رجلا‏.‏
وارتفع فنزل الأحساء وبينها وبين هجر ميلان فابتنى بها دارا وجعلها منزلا وتقدم في زراعة الأرض وعمارتها وكان يركب إلى هجر ويحارب أهلها ويعقب قومه على حصارها‏.‏

ودعا العرب فأجابه بنو الأضبط من كلاب وساروا إليه بحرمهم وأموالهم فأنزلهم الأحساء وأطمعوه في بني كلاب وسائر من يقرب منه من العرب فضم إليهم رجالا وساروا فأكثروا من القتل وأقبلوا بالحريم والأموال والأمتعة إلى الأحساء فدخل الناس في طاعته فوجه جيشاً إلى بني عقيل فظفر بهم ودخلوا في طاعته‏.‏
فلما اجتمع إليه العرب مناهم ملك الأرض كلها ورد إلى من أجابه من العرب ما كان أخذ وجمع الصبيان في دور وأقام عليهم قوماً وأجرى عليهم ما يحتاجون إليه ووسمهم لئلا يختلطون بغيرهم ونصب لهم عرفاء وأخذ يعلمهم ركوب الخيل والطعان فنشأوا لا يعرفون غير الحرب وقد صارت دعوته طبعاً لهم‏.‏
وقبض كل مال في البلد والثمار والحنطة والشعير‏.‏
وأقام رعاةً للإبل والغنم ومعهم قوم لحفظها والتنقل معها على نوب معروفة‏.‏
وأجرى على أصحابه جرايات فلم يكن يصل لأحد غير ما يطعمه‏.‏
هذا وهو لا يغفل عن هجر وطال حصاره لهم على نيف وعشرين شهراً حتى أكلوا الكلاب فجمع أصحابه وعمل دبابات ومشى بها الرجال إلى السور فاقتتلوا يومهم وكثر بينهم القتلى ثم انصرف عنهم إلى الأحساء وباكرهم فناشوه فانصرف إلى قرب الأحساء ثم عاد في خيل فدار حول هجر يفكر فيما يكيدهم به فإذا لهجر عين عظيمة كثيرة الماء تخرج من نشز من الأرض غير بعيد منها فيجتمع ماؤها في نهر يستقيم حتى يمر بجانب هجر ثم ينزل إلى النخل فيسقيه فكانوا لا يفقدون الماء في حصارهم‏.‏
فلما تبين له أمر العين انصرف إلى الأحساء ثم غدا فأوقف على باب المدينة رجالاً كثيراً ورجع إلى الأحساء وجمع الناس كلهم وسار في آخر الليل فورد العين بكرة بالمعاول والرمل وأوقار الثياب الخلقان ووبر وصوف وأمر بجمع الحجارة ونقلها إلى العين وأعد الرمل والحصى والتراب ثم أمر بطرح الوبر والصوف وأوقار الثياب في العين وطرح فوقها الرمل والحصى والتراب والحجارة فقذفته العين ولم يعن ما فعله شيئاً فانصرف إلى الأحساء بمن معه‏.‏
وغدا في خيل فضرب البر حتى عرف أن منتهى العين بساحل البحر وأنها تنخفض كلما نزلت فرد جميع من كان معه وانحدر على النهر نحوا من ميلين ثم أمر بحفر نهر هنك وأقبل يركب هو وجمعه في كل يوم والعمال يعملون حتى حفره إلى السباخ ومضى الماء كله فصب في البحر ثم سار فنزل على هجر وقد انقطع الماء عنهم ففر بعضهم فركب البحر ودخل بعضهم في دعوته وخرجوا إليه فنقلهم إلى الأحساء وبقيت طائفة لم يفروا لعجزهم ولم يدخلوا في دعوته فقتلهم وأخذ ما في المدينة وأخربها فبقيت خراباً وصارت مدينة البحرين هي الأحساء‏.‏
ثم أنفذ سرية إلى عمان في ستمائة وأردفهم بستمائة أخرى فقاتلهم أهل عمان حتى تفانوا وبقي من أهل عمان خمسة نفر ومن القرامطة ستة نفر فلحقوا بأبي سعيد فأمر بهم فقتلوا وقال‏:‏ هؤلاء خاسوا بعهدي ولم يواسلوا أصحابهم الذين قتلوا‏.‏
وتطير بهلاك السرية وكف عن أهل عمان‏.‏
واتصل بالمعتضد بالله خبره فخاف منه على البصرة فأنفذ العباس بن عمرو الغنوي في ألفي رجل وولاه البحرين فخرج في سنة تسع وثمانين ومائتين والتقى مع أبي سعيد فانهزم أصحابه وأسر العباس في نحو من سبعمائة رجل من أصحابه واحتووا على عسكره وقتل من غده جميع الأسرى ثم أحرقهم وترك العباس ومضى المنهزمون فتاه أكثرهم في البر وتلف كثير منهم عطشاً وورج بعضهم إلى البصرة فارتاع الناس وأخذوا في الرحيل عن البصرة‏.‏
ثم لما كان بعد الوقعة بأيام أحضر أبو سعيد العباس بن عمرو وقال له‏.‏
أتحب أن أطلقك قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ على أن تبلغ عني ما أقول صاحبك‏.‏
قال‏:‏ أفعل‏.‏
قال‏:‏ تقول له‏:‏ الذي أنزل بجيشك ما أنزل بغيك هذا بلد خارج عن يدك غلبت عليه وقمت به وكان بي من الفضل ما آخذ به غيره فما عرضت لما كان في يدك ولا هممت به ولا أخفت لك سبيلا ولا نلت أحداً من رعيتك بسوء فتوجيهك إلي الجيوش لأي سبب اعلم أني لا أخرج عن هذا البلد ولا توصل إليه وفي هذه العصابة التي معي روح فأكفني نفسك ولا وأطلقه وبعث معه من يرده إلى مأمنه فوصل إلى بغداد في شهر رمضان وقد كان الناس يعظمون أمره ويكثرون ذكره ويسمونه قائد الشهداء فلما وصل إلى المعتضد عاتبه على تركه التحرز فاعتذر ولم يبرح حتى رضى عنه‏.‏
وسأله عن خبره فعرفه جميعه وبلغه ما قال القرمطي فقال‏:‏ صدق ما أخذ شيئاً كان في أيدينا‏.‏
وأطرق مفكرا ثم رفع رأسه وقال‏:‏ كذب عدو الله الكافر المسلمون رعيتي حيث كانوا من بلاد الله والله لئن طال بي عمري لأشخصن بنفسي إلى البصرة وجميع غلماني ولأوجهن إليه جيشاً كثيفا فإن هزمه وجهت جيشا فإنه هزمه خرجت في جميع قوادي وجيشي إليه حتى يحكم الله بيني وبينه‏.‏
فشغل المعتضد عن القرمطي بأمر وصيف غلام أبي الساج‏.‏
ثم توفي في ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين وما يزال يذكر أبا سعيد الجنابي في مرضه ويتلهف ويقول‏:‏ حسرة في نفسي كنت أحب أن أبلغها قبل موتي والله لقد كنت وضعت عند نفسي أن أركب ثم أخرج نحو البحرين ثم لا ألقى أحدا أطول من سيفي إلا ضربت عنقه وإني أخاف وأقبل أبو سعيد بعد إطلاق العباس على جمع الخيل وإعداد السلاح ونسج الدروع والمغافر واتخاذ الإبل وإصلاح الرجال وضرب السيوف والأسنة واتخاذ الروايا والمزاد والقرب وتعليم الصبيان الفروسية وطرد الأعراب من قريته وسد الوجوه التي يتعرف منها أمر بلده وأحواله بالرجال وإصلاح أراضي المزارع وأصول النخل وإصلاح مثل هذه الأمور وتفقدها ونصب الأمناء على ذلك وأقام العرفاء على الرجال واحتاط على ذلك كله حتى بلغ من تفقده أن الشاة إذا ذبحت يتسلم العرفاء اللحم ليفرقوه على من ترسم لهم ويدفع الرأس والأكارع والبطن إلى العبيد والإماء ويجز الصوف والشعر من الغنم ويفرقه على من يغزله ثم يدفعه إلى من ينسجه عبيا وأكسية وغرائر وجوالقات ويفتل منه حبال ويسلم الجلد إلى الدباغ ثم إلى خرازى القرب والروايا والمزاد وما كان من الجلود يصلح نعالا وخفا فأعمل منه ثم يجمع ذلك كله إلى خزائن‏.‏
فكان ذلك دأبه لا يغفله ويوجه كل قليل خيلا إلى ناحية البصرة فتأخذ من وجدت وتصير بهم إليه ويستعبدهم فزادت بلاده وعظمت هيبته في صدور الناس‏.‏
وواقع بني ضبة وقائع مشهورة فظفر بهم وأخذ منهم خلقا وبنى لهم حبسا عظيما جمعهم فيه وسده عليهم ومنعهم الطعام والشراب فصاحوا فلم يغثهم فمكثوا على ذلك شهرا ثم فتح عليهم فوجد أكثرهم موتى ويسيرا بحال الموتى وقد تغذوا بلحوم الموتى فحصاهم وخلاهم فمات أكثرهم‏.‏
وكان قد أخذ من عسكر العباس خادما له جعله على طعامه وشرابه فمكث مدة طويلة لا يرى أبا سعيد فيها مصليا صلاةً واحدة ولا يصوم في شهر رمضان ولا في غيره فأضمر الخادم قتله حتى إذا دخل الحمام معه وكانت الحمام في داره فأعد الخادم خنجرا ماضيا والحمام خال فلما تمكن منه ذبحه ثم خرج فقال‏:‏ يدعى فلان لبعض بني سنبر فأحضر فلما دخل قبضه وذبحه فلم يزل ذلك دأبه حتى قتل جماعةً من الرؤساء والوجوه فدخل آخرهم فإذا في البيت الأول دم جار فارتاب وخرج مبادرا وأعلم الناس فحصروا الخادم حتى دخلوه فوجدوا الجماعة صرعى وذلك في سنة إحدى وثلاثمائة وقيل اثنتين وثلاثمائة وكان قتله بأحساء من البحرين‏.‏
وكانت سنه يوم قتله نيفا وستين سنة‏.‏
وترك أبو سعيد من الأولاد‏:‏ أبا القاسم سعيدا‏.‏
وأبا طاهر سليمان‏.‏
وأبا إسحاق إبراهيم‏.‏
وأبا العباس محمدا‏.‏
وأبا يعقوب يوسف‏.‏
وكان أبو سعيد قد جمع رؤساء دولته وأوصى إن حدث به موت يكون القيم بأمرهم سعيد ابنه إلى أن يكبر أبو طاهر وكان أبو طاهر أصغر سنا من سعيد فإذا كبر أبو طاهر كان المدبر فلما قتل جرى الأمر على ذلك‏.‏
وكان قد قال لهم سيكون الفتوح له فجلس سعيد يدبر الأمر بعد قتل أبيه وأمر فشد الخادم بحبال وقرض لحمه بالمقاريض حتى مات فلما كان في سنة خمس وثلاثمائة سلم سعيد إلى أخيه أبي طاهر سليمان الأمر فعظموا أمره‏.‏
وكان ابتداء أمر أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي بالقطيف وما والاها في سنة ست وثمانين ومائتين فكانت مدته نحو خمس عشرة سنة‏.‏
الصناديقي وفيها استولى النجار أبو القاسم الحسن بن فرج الصناديقي على اليمن وكانت جيوشه بالمذيخرة وسهفنة وكان ابن أبي الفوارس أحد دعاة عبدان أنفذه داعيا إلى اليمن وكان من أهل النرس موضع يعمل فيه الثياب النرسي وكان يعمل من الكتان فصار إلى اليمن ودخل في دعوته خلق كثير فأظهر العظائم وقتل الأطفال وسبا النساء وتسمى برب العزة وكان يكاتب بذلك وأعلن سب النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء واتخذ دارا خاصة سماها دار الصفوة يجتمع فيها النساء ويأمر الرجال بمخالطتهن ووطئهن ويحفظ من تحبل منهن في تلك الليلة ومن تلد من ذلك ويتخذ تلك الأولاد لنفسه خولاً ويسميهم أولاد الصفوة‏.‏
قال بعضهم‏:‏ دخلت إليها لأنظر فسمعت امرأة تقول‏:‏ يا بني فقال‏:‏ يا أمة نريد أن نمضي أمر ولي الله فينا‏.‏
وكان يقول‏:‏ إذا فعلتم هذا لم يتميز مال من مال ولا ولد من ولد فتكونوا كنفس واحدة‏.‏
فعظمت فتنته باليمن وأجلى أكثر أهله عنه وأجلى السلطان وقاتل أبا القاسم محمدا ابن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم الحسني الهادي وأزاله عن عمله من صعدة ففر منه بعياله إلى الرس ثم أظفره الله به فهزمه بأمر إلهي وهو أن الله جلت قدرته ألقى على عسكره وقد بايته برداً وثلجا قتل به أكثر أصحابه في ليلة واحدة وقلما عرف مثل ذلك في تلك الناحية‏.‏
وسلط الله عليه الأكلة وذلك أن القاسم أنفذ إليه طبيبا بمبضع مسموم فصده به فقتله وأنزل الله بالبلدان التي غلب عليها بثراً يخرج في كتف الرجل منهم بثرة فيموت سريعا فسمى ذلك البثر بتلك البلاد حبة القرمطي مدة من الزمان‏.‏
وأخرب الله أكثر تلك البلاد التي ملكها وأفنى أهلها بموت ذريع فاعتصم ابنه بجبال وأقام بها وكاتب أهل دعوتهم وعنون كتبه‏:‏ من ابن رب العزة‏.‏
فأهلكه الله وبقي منهم بقية فاستأمنوا إلى القاسم بن أحمد الهادي ولم يبق للنجار لعنه الله ولا لمن كان على دعوته بقية‏.‏
وكان قرمط يكاتب من بسلمية فلما مات من كان في وقته وخلفه ابنه من بعده كتب إلى قرمط فأنكر منه أشياء فاستراب وبعث ابن مليح أحد دعاته ليعرف الخبر فامتنع فأنفذ عبدان وعرف موت الذي كانوا يكاتبونه فسأل ابنه عن الحجة ومن الإمام الذي يدعو إليه فقال الابن‏:‏ ومن الإمام فقال عبدان‏:‏ محمد بن إسماعيل بن جعفر صاحب الزمان‏.‏
فأنكر ذلك وقال‏:‏ لم يكن إمام غير أبي وأنا أقوم مقامه‏.‏
فرجع عبدان إلى قرمط وعرفه الخبر فجمع الدعاة وأمرهم بقطع الدعوة حنقا من قول صاحب سلمية‏:‏ لا حق لمحمد بن إسماعيل في هذا الأمر ولا إمامة‏.‏
وكان قرمط إنما يدعو إلى إمامة محمد بن إسماعيل فلما قطعوها من ديارهم لم يمكنهم قطعها من غير ديارهم لأنها امتدت في سائر الأقطار ومن حينئذ قطع الدعاة مكاتبة الذين كانوا بسلمية‏.‏
وكان رجل منهم قد نفذ إلى الطالقان يبث الدعوة فلما انقطعت المكاتبة طال انتظاره فشخص يسأل عن قرمط فنزل على عبدان بسواد الكوفة فعتبه وعتب الدعاة في انقطاع كتبهم فعرفه عبدان قطعهم الدعوة وأنهم لا يعودون فيها وأنه تاب من هذه الدعوة حقيقة فانصرف عنه إلى زكرويه بن مهرويه ليدعو كما كان أبوه ويجمع الرجال فقال زكرويه‏:‏ إن هذا لا يتم مع عبدان لأنه داعي البلد كله والدعاة من قبله والوجه أن نحتال على عبدان حتى نقتله‏.‏
وباطن على ذلك جماعة من قرابته وثقاته وقال لهم‏:‏ إن عبدان قد نافق وعصى وخرج من الملة‏.‏
فبيتوه ليلا وقتلوه فشاع ذلك وطلب الدعاة وأصحاب قرمط زكرويه بن مهرويه ليقتلوه فاستتر وخالفه القوم كلهم إلا أصل دعوته وتنقل في القرى وذلك في سنة ست وثمانين والقرامطة تطلبه إلى سنة ثمان وثمانين فأنفذ ابنه الحسن إلى الشام ومعه من القرامطة رجل يقال له أبو الحسين القاسم بن أحمد وأمره أن يقصد بني كلاب وينتسب إلى محمد بن إسماعيل ويدعوهم إلى الإمام من ولده فاستجاب له فخذ من بني العليص ومواليهم وبايعوه فبعث إلى زكرويه يخبر بمن استجاب له بالشام فضم إليه ابن أخيه فتسمى بالمدثر لقبا وبعبد الله اسما وتأول أنه المذكور في القرآن بالمدثر ويقال إن المدثر هذا اسمه عيسى بن مهدي وأنه تسمى عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل ابن جعفر الصادق وعهد إليه صاحب الخال من بعده وغلاما من بني مهرويه يتلقب بالمطوق وكان سيافا وكتب إلى ابنه الحسن يعرفه أنه ابن الحجة ويأمره بالسمع والطاعة له وابن الحجة هذا ادعى أنه محمد بن عبد الله وقيل علي بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وأنكر قوم هذا النسب وقالوا إنما اسمه يحيى بن زكرويه بن مهرويه وكنيته أبو القاسم ويلقب بالشيخ ويعرف بصاحب الناقة وبصاحب الجمل وهو أخو صاحب الخال القائم من بعده فسار حتى نزل في بني كليب فلقيه الحسن بن زكرويه وسر به وجمع له الجمع وقال‏:‏ هذا صاحب الإمام فامتثلوا أمره وسروا به فأمرهم بالاستعداد للحرب وقال‏:‏ قد أظلكم النصر ففعلوا واتصلت أخبارهم بشبل الديلمي مولى المعتضد في سنة تسع وثمانين فقصدهم فحاربوه وقتلوه في عدة من أصحابه بالرصافة من غربي الفرات ودخلوها فأحرقوا مسجدها ونهبوا‏.‏
وساروا نحو الشام يقتلون ويحرقون القرى وينهبونها إلى أن وردوا أطراف دمشق وكان عليها طغج بن جف من قبل هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون فبرز إليهم فهزموه وقتل كثير من أصحابه والتجأ إلى دمشق فحصروه وقاتلوه‏.‏
وكان القرمطي يحضر الحرب على ناقة ويقول لأصحابه‏:‏ لا تسيروا من مصافكم حتى تنبعث بين أيديكم فإذا سارت فاحملوا فإنه لا ترد لكم راية إذ كانت مأمورة‏.‏
فسمى بذلك‏:‏ صاحب الناقة فأقام طغج سبعة أشهر محصورا بدمشق فكتب إلى مصر بأنه محصور وقد قتل أكثر أصحابه وضرب البلد فأنفذ إليه بدر الكبير غلام ابن طولون المعروف بالحمامي فسار حتى قرب من دمشق فاجتمع هو وطغج على محاربة القرمطي بقرب دمشق فقتل القرمطي واحتمى أصحابه وانحازوا فمضوا وكان القرمطي قد ضرب دراهم ودنانير وكتب عليها‏:‏ قل جاء الحق وزهق الباطل‏.‏
فلما انصرف القرامطة عن دمشق وقد قتل محمد بن عبد الله صاحب الناقة بايعوا الحسن بن زكرويه وهو الذي يقال له أحمد بن عبد الله ويقال عبد الله بن أحمد بن محمد ابن إسماعيل بن جعفر الصادق ويعرف بصاحب الخال فسار بهم وافتتح عدة مدن من الشام وظهر على حمص وقتل خلقا وتسمى بأمير المؤمنين المهدي على المنابر وفي كتبه وذلك في سنة تسع وثمانين وبعض سنة تسعين‏.‏
ثم صاروا إلى الرقة فخرج إليهم مولى المكتفي وواقعهم فهزموه وقتلوه واستباحوا عسكره ورجعوا إلى دمشق وهم ينهبون جميع ما يمرون به من القرى ويقتلون ويسبون فخرج إليهم جيش كثيف عليه بشير غلام طغج وقاتلهم حتى قتل في خلق من أصحابه‏.‏
واتصل ذلك بالمكتفي بالله فندب أبا الأغر السلمى في عشرة آلاف وخلع عليه لثلاث عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة تسعين فسار حتى نزل حلب ثم خرج فوافاه جيش القرامطة غفلة يقدمهم المطوق فانهزم أبو الأغر وركبت القرامطة أكتاف الناس يقتلون ويأسرون حتى حجز بينهم الليل وقد أتوا على عامة العسكر ولحق أبو الأغر بطائفة من أصحابه فالتجأوا بحلب وصار في نحو الألف فنازله القرامطة فلم يقدروا منه على شيء فانصرفوا‏.‏
وجمع الحسن بن زكرويه بن مهرويه أصحابه وسار بهم إلى حمص فخطب له على منابرها‏.‏
ثم سار إلى سلمية فحارب أهلها وامتنعوا منه فأمنهم ودخلها فبدأ بمن فيها من بني هاشم وكانوا جماعة فقتلهم‏.‏
ثم كر على أهلها فقتلهم أجمعين وخربها وخرج عنها وما بها عين تطرف فلم يمر بقرية إلا أخربها ولم يدع فيها أحدا فخرب البلاد وقتل الناس ولم يقاومه أحد وفنيت رجال طغج وبقي في عدة يسيرة فكانت القرامطة تقصد دمشق فلا يقاتلهم إلا العامة وقد أشرفوا على الهلكة فكثر الضجيج ببغداد واجتمعت العامة إلى يوسف بن يعقوب القاضي وسألوه إنهاء الخبر إلى السلطان‏.‏
ووردت الكتب من مصر إلى المكتفي بخبر قتل عسكرهم الذي خرج إلى الشام بيد القرامطة وخراب الشام فأمر المكتفي الجيش بالاستعداد وخرج إلى مضربه في القواد والجند لاثنتي عشرة خلت من رمضان ومضى نحو الرقة بالجيوش حتى نزلها وانبثت الجيوش بين حلب وحمص وقلد محمد بن سليمان حرب الحسن بن زكرويه واختار له جيشا كثيفا وكان صاحب ديوان العطاء ‏.‏
وعارض الجيش فسار إليهم والتقاهم لست خلون من المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين بموضع بينه وبين حماة اثنا عشر ميلا فاقتتلوا قتالا شديدا حتى حجز الليل بينهم وقتل عامة رجال وكان الحسن بن زكرويه لما أحس بالجيوش اصطفى مقاتلة ممن معه ورتب أحوالهم فلما انهزم أصحابه رحل من وقته وتلاحق به من أفلت فقال لهم‏:‏ أتيتم من قبل أنفسكم وذنوبكم وأنكم لم تصدقوا الله وحرضهم على المعاودة إلى الحرب فاعتلوا بفناء الرجال وكثرة الجراح فيهم فقال لهم‏:‏ قد كاتبني خلق من أهل بغداد بالبيعة لي ودعاتي بها ينتظرون أمري وقد خلت من السلطان الآن وأنا شاخص نحوها لأظهر بها ومستخلف عليكم أبا الحسين القاسم بن أحمد صاحبي وكتبي ترد عليه بما يعمل فاسمعوا وأطيعوا‏.‏
فضمنوا ذلك له وشخص معه قريبه عيسى ابن أخت مهرويه المسمى بالمدثر وصاحبه المعروف بالمطوق وغلام له رومى وأخذ دليلا يرشدهم إلى الطريق فساروا يريدون سواد الكوفة وسلك البر وتجنب القرى والمدن حتى صار قريبا من الرحبة بموضع يقال له الدالية فأمر الدليل فمال بهم إليها ونزل بالقرب منها خلف رابية ووجه بعض من معه لابتياع ما يصلحه فدخل القرية فأنكر بعض أهلها زيه وسأله عن أمره فورى وتلجلج فارتاب به وقبض عليه وأتى به واليها ويقال له أبو خبزة يخلف أحمد بن كشمرد صاحب الحرب بطريق الفرات والدالية قرية من عمل الفرات فسأله أبو خبزة ورهب عليه فعرفه أن القرمطي الذي خرج الخليفة المكتفي في طلبه خلف رابية أشار إليها فسار الوالي مع جماعة بالسلاح فأخذوهم وشدوهم وثاقا وتوجه بهم إلى ابن كشمرد فصار بهم إلى المكتفي وهو بالرقة فشهرهم بالرقة وعلى الحسن بن زكرويه دراعة ديباج وبرنس حرير وعلى المدثر دراعة وبرنس حرير وذلك لأربع بقين من المحرم‏.‏
وقدم محمد بن سليمان بجيوشه إلى الرقة ومعه الأسرى فخلف المكتفي عساكره مع محمد ابن سليمان بالرقة وشخص في خاصته وغلمانه وتبعه وزيره القاسم بن عبيد الله إلى بغداد ومعه القرمطي وأصحابه‏.‏
فلما صار إلى بغداد عمل له كرسي سمكه ذراعان ونصف وركب على فيل وأركب عليه ودخل المكتفي وهو بين يده مع أصحابه الأسرى وذلك ثالث ربيع الأول ثم سجنوا‏.‏
فلما وصل محمد بن سليمان ببقية القرامطة لاثنتي عشرة خلت منه أمر المكتفي القواد بتلقيه والدخول معه فدخل في زي حسن وبين يديه نيف وسبعون أسيرا فخلع عليه وطوق بطوق من ذهب وسور سوارين من ذهب وخلع على جميع من كان معه القواد وطوقوا وسوروا‏.‏
وأمر المكتفي ببناء دكة في الجانب الشرقي من مربعة ذرعها عشرون ذراعا في مثلها وارتفاعها عشرة أذرع يصعد إليها بدرج فلما كان لأربع بقين منه خرج القواد والعامة وحمل وقدم الحسن بن زكرويه وعيسى ابن أخت مهرويه إلى أعلى الدكة ومعهما أربعة وثلاثون إنساناً من قبل وجوه القرامطة ممن عرف بالنكاية وكان الواحد منهم يبطح على وجهه وتقطع يده اليمنى فيرمى بها إلى أسفل ليراها الناس ثم تقطع رجله اليسرى ثم رجله اليمنى ويرمى بهما ثم يضرب عنقه ويرمى بها‏.‏
ثم قدم المدثر ففعل به كذلك بعد ما كوى ليعذب وضربت عنقه‏.‏
ثم قدم الحسن بن زكرويه فضرب مائتي سوط ثم قطعت يداه ورجلاه وكوى وضربت عنقه ورفع رأسه على خشبة وكبر من على الدكة فكبر الناس وانصرفوا‏.‏
وحملت الرءوس فصلبت على الجسر وصلب بدن القرمطي فمكث نحو سنة‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس