عرض مشاركة واحدة
قديم 12-10-2012, 04:20 PM   #11
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


قوله‏:‏ ‏(‏هل كنتم تتهمونه بالكذب‏؟‏‏)‏ أي‏:‏ على الناس، وإنما عدل إلى السؤال عن التهمة عن السؤال عن نفس الكذب، تقريرا لهم على صدقه، لأن التهمة إذا انتفت انتفى سببها، ولهذا عقبه بالسؤال عن الغدر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا‏)‏ أي‏:‏ أنتقصه به، على أن التنقيص هنا أمر نسبي، وذلك أن من يقطع بعدم غدره أرفع رتبة ممن يجوز وقوع ذلك منه في الجملة، وقد كان معروفا عندهم بالاستقراء من عادته أنه لا يغدر‏.‏ ‏(‏1/36‏)‏
ولما كان الأمر مغيبا - لأنه مستقبل - أمن أبو سفيان أن ينسب في ذلك إلى الكذب، ولهذا أورده بالتردد، ومن ثم لم يعرج هرقل على هذا القدر منه‏.‏
وقد صرح ابن إسحاق في روايته عن الزهري بذلك بقوله‏:‏ ‏"‏ قال فوالله ما التفت إليها مني‏"‏‏.‏
ووقع في رواية أبي الأسود عن عروة مرسلا‏:‏ ‏"‏ خرج أبو سفيان إلى الشام - فذكر الحديث، إلى أن قال - فقال أبو سفيان‏:‏ هو ساحر كذاب‏.‏
فقال هرقل‏:‏ إني لا أريد شتمه، ولكن كيف نسبه - إلى أن قال - فهل يغدر إذا عاهد‏؟‏
قال‏:‏ لا، إلا أن يغدر في هدنته هذه‏.‏
فقال‏:‏ وما يخاف من هذه‏؟‏
فقال‏:‏ إن قومي أمدوا حلفاءهم على حلفائه‏.‏
قال‏:‏ إن كنتم بدأتم فأنتم أغدر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سجال‏)‏ بكسر أوله، أي‏:‏ نوب، والسجل‏:‏ الدلو، والحرب‏:‏ اسم جنس، ولهذا جعل خبره اسم جمع‏.‏
وينال أي‏:‏ يصيب، فكأنه شبه المحاربين بالمستقيين‏:‏ يستقي هذا دلوا وهذا دلوا‏.‏
وأشار أبو سفيان بذلك إلى ما وقع بينهم في غزوة بدر وغزوة أحد، وقد صرح بذلك أبو سفيان يوم أحد في قوله‏:‏ ‏"‏ يوم بيوم بدر، والحرب سجال ‏"‏ ولم يرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم -ذلك بل نطق النبي -صلى الله عليه وسلم -بذلك في حديث أوس بن حذيفة الثقفي لما كان يحدث وفد ثقيف، أخرجه ابن ماجة وغيره‏.‏
ووقع في مرسل عروة ‏"‏ قال أبو سفيان‏:‏ غلبنا مرة يوم بدر وأنا غائب، ثم غزوتهم في بيوتهم ببقر البطون وجدع الآذان ‏"‏ وأشار بذلك إلى يوم أحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بماذا يأمركم‏)‏ ‏؟‏ يدل على أن الرسول من شأنه أن يأمر قومه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقول اعبدوا الله وحده‏)‏ فيه أن للأمر صيغة معروفة، لأنه أتى بقوله‏:‏ ‏"‏ اعبدوا الله ‏"‏ في جواب ما يأمركم، وهو من أحسن الأدلة في هذه المسألة، لأن أبا سفيان من أهل اللسان، وكذلك الراوي عنه ابن عباس، بل هو من أفصحهم وقد رواه عنه مقرا له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا تشركوا به شيئا‏)‏ سقط من رواية المستملي الواو فيكون تأكيدا لقوله وحده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏واتركوا ما يقول آباؤكم‏)‏ هي كلمة جامعة لترك ما كانوا عليه في الجاهلية، وإنما ذكر الآباء تنبيها على عذرهم في مخالفتهم له، لأن الآباء قدوة عند الفريقين، أي عبدة الأوثان والنصارى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويأمرنا بالصلاة والصدق‏)‏ وللمصنف في رواية ‏"‏ الصدقة ‏"‏ بدل الصدق، ورجحها شيخنا شيخ الإسلام، ويقويها رواية المؤلف في التفسير ‏"‏ الزكاة ‏"‏ واقتران الصلاة بالزكاة معتاد في الشرع، ويرجحها أيضا ما تقدم من أنهم كانوا يستقبحون الكذب فذكر ما لم يألفوه أولى‏.‏
قلت‏:‏ وفي الجملة ليس الأمر بذلك ممتنعا كما في أمرهم بوفاء العهد وأداء الأمانة، وقد كانا من مألوف عقلائهم، وقد ثبتا عند المؤلف في الجهاد من رواية أبي ذر عن شيخه الكشميهني والسرخسي، قال‏:‏ ‏"‏ بالصلاة والصدق والصدقة ‏"‏ وفي قوله‏:‏ يأمرنا بعد قوله يقول اعبدوا الله إشارة إلى أن المغايرة بين الأمرين لما يترتب على مخالفهما، إذ مخالف الأول كافر، والثاني ممن قبل الأول عاص‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها‏)‏ الظاهر أن إخبار هرقل بذلك بالجزم كان عن العلم المقرر عنده في الكتب السالفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقلت رجل تأسى بقول‏)‏ كذا للكشميهني، ولغيره ‏"‏ يتأسى ‏"‏ بتقديم الياء المثناة من تحت، وإنما لم يقل هرقل‏:‏ ‏"‏ فقلت ‏"‏ إلا في هذا وفي قوله‏:‏ ‏"‏ هل كان من آبائه من ملك ‏"‏ لأن هذين المقامين مقام فكر ونظر، بخلاف غيرهما من الأسئلة فإنها مقام نقل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه‏)‏ هو بمعنى قول أبي سفيان ضعفاؤهم، ومثل ذلك يتسامح به لاتحاد المعنى‏.‏
وقول هرقل‏:‏ ‏"‏ وهم أتباع الرسل ‏"‏ معناه‏:‏ أن أتباع الرسل في الغالب أهل الاستكانة لا أهل الاستكبار الذين أصروا على الشقاق بغيا وحسدا، كأبي جهل وأشياعه، إلى أن أهلكهم الله تعالى، وأنقذ بعد حين من أراد سعادته منهم‏.‏
قوله ‏(‏وكذلك الإيمان‏)‏ أي‏:‏ أمر الإيمان، لأنه يظهر نورا، ثم لا يزال في زيادة حتى يتم بالأمور المعتبرة فيه من صلاة وزكاة وصيام وغيرها، ولهذا نزلت في آخر سني النبي -صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏اليوم أكملت لكلم دينكم وأتممت عليكم نعمتي‏)‏ ومنه‏:‏ ‏(‏ويأبى الله إلا أن يتم نوره‏)‏ وكذا جرى لأتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ لم يزالوا في زيادة حتى كمل بهم ما أراد الله من إظهار دينه وتمام نعمته، فله الحمد والمنة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين يخالط بشاشة القلوب‏)‏ ‏.‏
كذا روي بالنصب على المفعولية والقلوب مضاف إليه، أي‏:‏ يخالط الإيمان انشراح الصدور، وروي‏:‏ ‏"‏ بشاشة القلوب ‏"‏ بالضم والقلوب مفعول، أي يخالط بشاشة الإيمان وهو شرحه القلوب التي يدخل فيها‏.‏ ‏(‏1/37‏)‏
زاد المصنف في الإيمان‏:‏ ‏"‏ لا يسخطه أحد ‏"‏ كما تقدم‏.‏
وزاد ابن السكن في روايته في معجم الصحابة‏:‏ ‏"‏ يزداد به عجبا وفرحا‏"‏‏.‏
وفي رواية ابن إسحاق‏:‏ ‏"‏ وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبا فتخرج منه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكذلك الرسل لا تغدر‏)‏ لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر، بخلاف من طلب الآخرة‏.‏
ولم يعرج هرقل على الدسيسة التي دسها أبو سفيان كما تقدم‏.‏
وسقط من هذه الرواية إيراد تقدير السؤال العاشر والذي بعده وجوابه، وقد ثبت الجميع في رواية المؤلف التي في الجهاد وسيأتي الكلام عليه ثم، إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال المازني هذه الأشياء التي سأل عنها هرقل ليست قاطعة على النبوة، إلا أنه يحتمل أنها كانت عنده علامات على هذا النبي بعينه لأنه قال بعد ذلك‏:‏ قد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم‏.‏
وما أورده احتمالا جزم به ابن بطال؛ وهو ظاهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكرت أنه يأمركم‏)‏ ذكر ذلك بالاقتضاء، لأنه ليس في كلام أبي سفيان ذكر الأمر بل صيغته‏.‏
وقوله‏:‏ ‏"‏ وينهاكم عن عبادة الأوثان ‏"‏ مستفاد من قوله‏:‏ ‏"‏ ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم ‏"‏ لأن مقولهم الأمر بعبادة الأوثان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخلص‏)‏ بضم اللام أي‏:‏ أصل، يقال خلص إلى كذا أي وصل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لتجشمت‏)‏ بالجيم والشين المعجمة، أي‏:‏ تكلفت الوصول إليه‏.‏
وهذا يدل على أنه كان يتحقق أنه لا يسلم من القتل إن هاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، واستفاد ذلك بالتجربة كما في قصة ضغاطر الذي أظهر لهم إسلامه فقتلوه‏.‏
وللطبراني من طريق ضعيف عن عبد الله بن شداد عن دحية في هذه القصة مختصرا، فقال قيصر‏:‏ أعرف أنه كذلك، ولكن لا أستطيع أن أفعل، إن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم‏.‏
وفي مرسل ابن إسحاق بعض أهل العلم أن هرقل قال‏:‏ ويحك، والله إني لأعلم أنه نبي مرسل، ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتبعته‏.‏
لكن لو تفطن هرقل لقوله -صلى الله عليه وسلم -في الكتاب الذي أرسل إليه ‏"‏ أسلم تسلم ‏"‏ وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة، لسلم لو أسلم من كل ما يخافه‏.‏
ولكن التوفيق بيد الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏ لغسلت عن قدميه ‏"‏ مبالغة في العبودية له والخدمة‏.‏
زاد عبد الله بن شداد عن أبي سفيان‏:‏ ‏"‏ لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل قدميه ‏"‏ وهي تدل على أنه كان بقي عنده بعض شك‏.‏
وزاد فيها‏:‏ ‏"‏ ولقد رأيت جبهته تتحادر عرقا من كرب الصحيفة ‏"‏ يعني‏:‏ لما قرئ عليه كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم-‏.‏
وفي اقتصاره على ذكر غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه - إذا وصل إليه سالما - لا ولاية ولا منصبا، وإنما يطلب ما تحصل له به البركة‏.‏
وقوله‏:‏ ‏"‏ وليبلغن ملكه ما تحت قدمي ‏"‏ أي‏:‏ بيت المقدس، وكنى بذلك لأنه موضع استقراره‏.‏
أو أراد الشام كله لأن دار مملكته كانت حمص‏.‏
ومما يقوى أن هرقل آثر ملكه على الإيمان واستمر على الضلال، أنه حارب المسلمين في غزوة مؤتة سنة ثمان بعد هذه القصة بدون السنتين، ففي مغازي ابن إسحاق‏:‏ وبلغ المسلمين لما نزلوا معان من أرض الشام، أن هرقل نزل في مائة ألف من المشركين، فحكى كيفية الوقعة‏.‏
وكذا روى ابن حبان في صحيحه عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم -كتب إليه أيضا من تبوك يدعوه، وأنه قارب الإجابة، ولم يجب‏.‏
فدل ظاهر ذلك على استمراره على الكفر، لكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر الإيمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لملكه وخوفا من أن يقتله قومه‏.‏
إلا أن في مسند أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ إني مسلم‏.‏
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ كذب، بل هو على نصرانيته‏.‏
وفي كتاب الأموال لأبي عبيد بسند صحيح من مرسل بكر عبد الله المزني نحوه، ولفظه فقال‏:‏ كذب عدو الله، ليس بمسلم‏.‏
فعلى هذا إطلاق صاحب الاستيعاب أنه آمن - أي أظهر التصديق - لكنه لم يستمر عليه ويعمل بمقتضاه، بل شح بملكه وآثر الفانية على الباقية‏.‏
والله الموفق‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس