قصيدة: انظرْ خليلي ببطنِ جلقَ هلْ
انظرْ خليلي ببطنِ جلقَ هلْ ** تؤنِسُ، دُونَ البَلْقَاءِ، مِن أحَدِ
جِمالَ شَعْثَاءَ قَدْ هَبَطْنَ مِن الْ ** مَحْبَسِ بَينَ الكُثْبَانِ، فالسّنَدِ
يَحْمِلْنَ حُوّاً، حُورَ المَدَامِع في الرَّ ** يطِ، وبيضَ الوجوهِ كالبردِ
مِنْ دونِ بُصْرَى، وخلفَها جَبَلُ الثَّلْج ** جِ عليهِ السحابُ كالقددِ
إنّي وَرَبِّ المُخَيَّسَاتِ، ومَا ** يَقْطَعْنَ مِنْ كلّ سَرْبَخٍ جَدَدِ
والبدنِ، إذْ قربتْ لمنحرها ** حلفةَ برّ اليمينِ مجتهدِ
ما حلتُ عنْ خيرِ ما عهدتِ، ولا ** أحببتُ حبي إياكِ منْ أحدِ
تقولُ شعثاءُ: لوْ تفيقُ منَ الكأ ** سِ لأُلْفِيتَ مُثْرِيَ العَدَدِ
أهوى حديثَ الندمانِ في فلقِ الصب ** حِ وصوتَ المسامرِ الغردِ
يأبى ليَ السيفُ واللسانُ وقو ** مٌ لَمْ يُضَامُوا كلِبْدَةِ الأسَدِ
لا أخْدِشُ الخَدْشَ بالنّديمِ، وَلا ** يَخْشَى جَلِيسي إذا انتشَيْتُ يَدي
ولا نَديميَ العِضُّ البَخِيلُ، وَلا ** يخافُ جاري ما عشتُ من وبدِ

.قصيدة: ألا أبلغ المستسمعينَ بوقعةٍ
ألا أبلغ المستسمعينَ بوقعةٍ ** تخفُّ لها شمطُ النساءِ القواعدُ
وظَنُّهُمُ بي أنّني لِعَشِيرَتي ** علَى أيِّ حالٍ كانَ حامٍ وَذائِدُ
فإنْ لَمْ أُحَقِّقْ ظَنَّهُمْ بِتَيَقُّنٍ ** فلا سقتِ الأوصالَ مني الرواعدُ
ويعلمُ أكفائي من الناسِ أنني ** أنا الفارِسُ الحَامي الذِّمارِ المُناجِدُ
وما وجدَ الأعداءُ فيّ غميزةً ** وَلا طَافَ لي مِنهُمْ بوَحْشيَ صَائِدُ
وأن لم يَزَل لي منذُ أدرَكتُ كاشِحٌ ** عَدُوٌّ أُقَاسِيهِ، وآخَرُ حَاسِدُ
فَما مِنْهُمَا إلاّ وأنّي أكِيلُهُ ** بمِثْلٍ لَهُ مِثْلَينِ، أوْ أنا زَائِدُ
فإنْ تسألي الأقوامَ عني، فإنني ** إلى محتدٍ تنمي إليهِ المحاتدُ
أنا الزّائرُ الصّقرَ ابنَ سلْمى، وَعِندَهُ ** أُبَيٌّ، وَنُعْمَانٌ، وعَمْروٌ، وَوَافِدُ
فأورثني مجداً، ومن يجنِ مثلها ** بِحَيثُ اجْتَنَاها يَنقلبْ وهْوَ حامِدُ
وَجَدّي خَطيبُ النّاس يَوْمَ سُميحةٍ ** وعمي ابنُ هندٍ مطعمُ الطيرِ خالدُ
ومِنّا قتيلُ الشِّعبِ أوْسُ بنُ ثابِتٍ ** شَهيداً، وأسنى الذِّكرَ مِنهُ المَشاهِدُ
ومنْ جدهُ الأدنى أبي، وابنُ أمه ** لأمّ أبي ذاكَ الشهيدُ المجاهدُ
وفي كلّ دارِ ربةٍ خزرجيةٍ ** وَأوْسِيّةٍ لي في ذُرَاهُنّ وَالِدُ
فما أحدٌ منا بمهدٍ لجارهِ ** أذاةً، ولا مُزْرٍ بهِ، وَهْوَ عَائِدُ
لأنّا نَرَى حَقَّ الجِوَارِ أمَانَةً ** ويحفظهُ منا الكريمُ المعاهدُ
فَمَهْما أقُلْ مِمّا أُعَدِّدُ لمْ يَزَلْ ** عَلى صدْقِه مِنْ كلّ قَوْميَ شَاهِدُ
لِكُلّ أُنَاسٍ مِيسَمٌ يَعْرِفُونَهُ ** ومِيسَمُنا فينا القَوافي الأوابِدُ
متى ما نسمْ لا ينكرِ الناسُ وسمنا ** ونعرفْ بهِ المجهولَ ممنْ نكايدُ
تلوحُ بهِ تعشو إليهِ وسومنا ** كما لاحَ في سمرِ المتانِ المواردُ
فَيَشْفِينَ مَن لا يُسْتَطاعُ شِفاؤهُ ** ويبقينَ ما تبقى الجبالُ الخوالدُ
ويشقينَ منْ يغتالنا بعداوةٍ ** وَيُسْعِدْنَ في الدّنيا بنا مَنْ نُساعد
إذا ما كَسَرْنا رُمحَ رَايَةِ شَاعِرٍ ** يَجِيشُ بِنَا مَا عِنْدَنا فَتُعَاوِدُ
يكُونُ إذَ بَثّ الهِجَاءَ لِقَوْمِهِ ** وَلاَحَ شِهابٌ مِن سَنَا الحَرْبِ وَاقِدُ
كأشْقَى ثمودٍ إذْ تَعَطّى لِحَيْنِهِ ** عضيلةَ أمّ السقبِ، والسقبُ واردُ
فوَلّى، فأوْفى عاقِلاً رَأسَ صَخرَةً ** نمى فَرْعُها، واشتدّ منْها القوَاعِدُ
فقالَ: ألا فاستمتعوا في دياركمْ ** فقدْ جاءكمْ ذكرٌ لكمْ ومواعدُ
ثلاثةَ أيامٍ منَ الدهرِ لمْ يكنْ ** لهنّ بتصديقِ الذي قالَ رائدُ

.قصيدة: تروحْ منَ الحسناء أمْ أنتَ مغتدي
تروحْ منَ الحسناء أمْ أنتَ مغتدي ** وكيفّ انطلاقُ عاشقٍ لمْ يزودِ
تَرَاءتْ لَنا يَوْمَ الرَّحيلِ بمُقْلَتيْ ** غَرِيرٍ بمُلْتَفٍّ مِن السِّدْرِ مُفْرَدِ
وجيدٍ كجيدِ الرثمِ صافٍ، يزينهُ ** توقدُ ياقوتٍ، وفصلُ زبرجدِ
كأنَّ الثُّرَيّا فَوْقَ ثُغْرَةِ نَحْرِها ** توقدُ، في الظلماءِ، أيَّ توقدِ
لها حائطانِ المَوتُ أسْفَلَ مِنْهُما ** وجمعٌ متى يصرخْ بيثربَ يصعدِ
ترى اللابةَ السوداءَ يحمرُّ لونها ** ويسهل منها كلّ رَبْعٍ وَفَدْفَدِ
لعَمْري لَقدْ حالَفْتُ ذُبْيانَ كُلَّها ** وعبساً على ما في الأديمِ الممددِ
وأقبلتُ منْ أرضِ الحجازِ بحلبةٍ ** تَغُمُّ الفَضاءَ كالقَطا المُتَبَدِّدِ
تحملتُ ما كانتْ مزينةُ تشتكي ** منَ الظلمِ في الأحلافِ حملَ التغمدِ
أرَى كثْرَةَ المَعْرُوفِ يورِثُ أهْلَهُ ** وسَوَّدَ عَصْرُ السَّوْءِ غَيْرَ المُسَوَّدِ
إذا المرءُ لمْ يفضلْ، ولم يلقَ نجدةً ** معَ القَومِ فَلْيَقْعُدْ بِصُغْرٍ ويَبعَدِ
وإنّي لأغْنى النّاسِ عَنْ مُتكلِّفٍ ** يَرَى النّاسَ ضُلاَّلاً وليس بمُهْتدي
كَثِيرِ المُنى بالزَّاد، لا خَيْرَ عِندَهُ ** إذا جاعَ يوماً يَشْتَكِيهِ ضُحى الغدِ
نشا غمراً، بوراً، شقياً، ملعناً ** ألَدَّ كأنَّ رأسَهُ رأسُ أصْيَدِ

.قصيدة: لَعَمْرُ أبيكِ الخَيْرِ، يا شعْثَ، ما نبا
لَعَمْرُ أبيكِ الخَيْرِ، يا شعْثَ، ما نبا ** عليّ لساني، في الخطوبِ، ولا يدي
لِساني وَسَيفي صارِمانِ كِلاهُما ** ويبلغُ ما لا يبلغُ السيفُ مذودي
وإنْ أكُ ذا مالٍ قليلٍ أجدْ به ** وإن يُهتصرْ عودي على الجُهد يُحمَدِ
فلا المالُ ينسيني حيائي وعفتي ** ولا واقعاتُ الدهرِ يفللنَ مبردي
أُكَثِّرُ أهْلي مِنْ عِيَالٍ سِوَاهُمُ ** وأطوي على الماءِ القراحِ المبردِ
وَإنّي لَمُعْطٍ ما وَجَدْتُ، وَقَائِلٌ ** لمُوقِدِ نَاري ليْلَةَ الرّيحِ: أوْقِدِ
وإنّي لَقَوّالٌ لذي البَثّ مَرْحباً ** وأهْلاً، إذا ما جاء منْ غيرِ مَرْصَدِ
وإني ليدعوني الندى، فأجيبهُ ** وأضربُ بيضَ العارضِ المتوقدِ
وإني لحلوٌ تعتريني مرارةٌ ** وإني لتراكٌ لما لمْ أعودِ
وَإنّي لَمِزْجاءُ المَطِيّ عَلى الوَجى ** وإني لتراكُ الفراشِ الممهدِ
وأعملُ ذاتَ اللوثِ، حتى أردها ** إذا حُلّ عنها رَحْلُها لمْ تُقَيَّدِ
أُكَلّفُها أنْ تُدلِجَ الليْلَ كُلَّهُ ** تَرُوحُ إلى بابِ ابنِ سلمى، وَتغتدي
وألفيتهُ بحراً كثيراً فضولهُ ** جواداً متى يذكرْ لهُ الخيرُ يزددِ
فلا تَعْجَلَنْ يا قَيسُ وَارْبعْ، فإنّما ** قُصَارَاكَ أنْ تُلْقَى بِكُلّ مُهنّدِ
حُسَامٍ، وَأرْماحٍ بأيْدي أعِزّةٍ ** مَتى تَرَهُمْ يا بْنَ الخَطيمِ تَبلَّدِ
لُيُوثٍ لَها الأشْبَالُ تَحْمي عَرِينَها ** مَدَاعِيسُ بالخَطّيّ في كلّ مَشهدِ
فقد ذاقتِ الأوسُ القتالَ وطردتْ ** وأنتَ لدى الكناتِ في كلّ مطردِ
فَناغِ لدَى الأبْوَابِ حُوراً نَواعماً ** وكَحّلْ مآقِيكَ الحِسانَ بِإثْمِدِ
نفتكمْ عنِ العلياءِ أمٌّ لئيمةٌ ** وزندٌ متى تقدحْ بهِ النارُ يصلدِ