عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 08:07 PM   #67
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


مسألة ‏(‏مخالفة أهل الكتاب للاسلام‏)‏
ذهب الجاحظ إلى أن مخالف ملة الاسلام من اليهود والنصارى والدهرية إن كان معاندا على خلاف اعتقاده فهو آثم، وإن نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور غير آثم، وإن لم ينظر من حيث لم يعرف وجوب النظر فهو أيضا معذور، وإنما الآثم المعذب هو المعاند فقط، لان الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها وهؤلاء قد عجزوا عن درك الحق ولزموا عقائدهم خوفا من الله تعالى إذ استد عليهم طريق المعرفة، وهذا الذي ذكره ليس بمحال عقلا لو ورد الشرع به، وهو جائز ولو ورد التعبد كذلك لوقع، ولكن الواقع خلاف هذا فهو باطل بأدلة سمعية ضرورية، فإنا كما نعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة والزكاة ضرورة فيعلم أيضا ضرورة أنه أمر اليهود والنصارى بالايمان به واتباعه، وذمهم على إصرارهم على عقائدهم، ولذلك قاتل جميعهم، وكان يكشف عن مؤتزر من بلغ منهم ويقتله ويعلم قطعا أن المعاند العارف مما يقل وإنما الاكثر المقلدة الذين اعتقدوا دين آبائهم تقليدا ولم يعرفوا معجزة الرسول عليه السلام وصدقه والآيات الدالة في القرآن على هذا لا تحصى، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 72‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم‏}‏ ‏(‏فصلت‏:‏ 32‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏(‏45‏)‏ إن هم إلا يظنون‏}‏ ‏(‏الجاثية‏:‏ 42‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويحسبون أنهم على شئ‏}‏ ‏(‏المجادلة‏:‏ 81‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏في قلوبهم مرض‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 01‏)‏ أي شك، وعلى الجملة ذم الله تعالى والرسول عليه السلام المكذبين من الكفار مما لا ينحصر في الكتاب والسنة، وأما قوله‏:‏ كيف يكلفهم ما لا يطيقون قلنا‏:‏ نعلم ضرورة أنه كلفهم، أما أنهم يطيقون أو لا يطيقون فلننظر فيه، بل نيه الله تعالى على أنه أقدرهم عليه بما رزقهم من العقل، ونصب من الأدلة وبعث من الرسل المؤيدين بالمعجزات الذين نبهوا العقول، وحركوا دواعي النظر حتى لم يبق على الله لاحد حجة بعد الرسل‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏الاجتهاد في العقليات‏)‏
ذهب عبد الله بن الحسن العنبري إلى أن كل مجتهد مصيب في العقليات كما في الفروع، فنقول له‏:‏ إن أردت أنهم لم يؤمروا إلا بما هم عليه وهو منتهى مقدورهم في الطلب‏.‏ فهذا غير محال عقلا ولكنه باطل إجماعا وشرعا كما سبق رده على الجاحظ، وإن عنيت به أن ما أعتقده فهو على ما اعتقده فنقول‏:‏ كيف يكون قدم العالم وحدوثه حقا وإثبات الصانع ونفيه حقا وتصديق الرسول وتكذيبه حقا، وليست هذه الاوصاف وضعية كالاحكام الشرعية‏؟‏ إذ يجوز أن يكون الشئ حراما على زيد وحلالا لعمرو إذا وضع كذلك، أما الامور الذاتية فلا تتبع الاعتقاد، بل الاعتقاد يتبعها، فهذا المذهب شر من مذهب الجاحظ، فإنه أقر بأن المصيب واحد، ولكن جعل المخطئ معذورا بل هو شر من مذهب السوفسطائية لانهم نفوا حقائق الاشياء، وهذا قد أثبت الحقائق ثم جعلها تابعة للاعتقادات، فهذا أيضا لو ورد به الشرع لكان محالا بخلاف مذهب الجاحظ، وقد استبشع إخوانه من المعتزلة هذا المذهب فأنكروه وأولوه وقالوا أراد به اختلاف المسلمين في المسائل الكلامية التي لا يلزم فيها تكفير، كمسألة الرؤية، وخلق الاعمال، وخلق القرآن، وإرادة الكائنات لان الآيات والاخبار فيها متشابهة وأدلة الشرع فيها متعارضة، وكل فريق ذهب إلى ما رآه أوفق لكلام الله وكلام رسوله عليه السلام وأليق بعظمة الله سبحانه وثبات دينه، فكانوا فيه مصيبين ومعذورين، فنقول أن زعم أنهم فيه مصيبون فهذا محال عقلا لان هذه أمور ذاتية لا تختلف بالاضافة، بخلاف التكليف فلا يمكن أن يكون القرآن قديما ومخلوقا أيضا، بل أحدهما، والرؤية محالا وممكنا أيضا، والمعاصي بإرادة الله تعالى وخارجة عن إرادته، أو يكون القرآن مخلوقا في حق زيد قديما في حق عمرو، بخلاف الحلال والحرام، فإن ذلك لا يرجع إلى أوصاف الذوات، وإن أراد أن المصيب واحد لكم المخطئ معذور غير آثم، فهذا ليس بمحال عقلا لكنه باطل بدليل الشرع، واتفاق سلف الامة على ذم المبتدعة ومهاجرتهم وقطع الصحبة معهم وتشديد الانكار عليهم، مع ترك التشديد على المختلفين في مسائل الفرائض وفروع الفقه، فهذا من حيث الشرع دليل قاطع، وتحقيقه أن اعتقاد الشئ على خلاف ما هو به جهل، والجهل بالله حرام مذموم، والجهل بجواز رؤية الله تعالى وقدم كلامه الذي هو صفته وشمول إرادته المعاصي وشمول قدرته في التعلق بجميع الحوادث، كل ذلك جهل بالله وجهل بدين الله فينبغي أن يكون حراما، ومهما كان الحق في نفسه واحدا متعينا كان أحدهما معتقدا للشئ على خلاف ما هو عليه فيكون جاهلا فإن قيل‏:‏ يبطل هذا بالجهل في المسائل الفقهية وبالجهل في الامور الدنيوية كجهل إذا اعتقد أن الامير في الدار وليس فيها وأن المسافة بين مكة والمدينة أقل أو أكثر مما هي عليها، قلنا‏:‏ أما الفقهيات، فلا يتصور الجهل فيها، إذ ليس فيها حق معين وأما الدنيويات فلا ثواب في معرفتها ولا عقاب على الجهل فيها، أما معرفة الله تعالى ففيها ثواب وفي الجهل بها عقاب، والمستند فيه الإجماع دون دليل العقل وإلا فدليل العقل لا يحيل حط المأثم عن الجاهل بالله فضلا عن الجاهل بصفات الله تعالى وأفعاله، فإن قيل‏:‏ إنما يأثم بالجهل فيما يقدر فيه على العلم ويظهر عليه الدليل والأدلة غامضة والشبهات في هذه المسائل متعارضة، قلنا‏:‏ وكذلك في مسألة حدوث العالم وإثبات النبوات وتمييز المعجزة عن السحر ففيها أدلة غامضة، ولكنه لم ينته الغموض إلى حد لا يمكن فيه تمييز الشبهة عن الدليل، فكذلك في هذه المسألة عندنا أدلة قاطعة على الحق، ولو تصورت مسألة لا دليل عليها لكنا نسلم أنه لا تكليف على الخلق فيها‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏إثم المجتهد في الفروع‏)‏
ذهب بشر المريسي إلى أن الاثم غير محطوط عن المجتهدين في الفروع بل فيها حق معين، وعليه دليل قاطع، فمن أخطأه فهو آثم كما في العقليات لكن المخطئ قد يكفر كما في أصل الالهية والنبوة، وقد يفسق كما في مسألة الرؤية وخلق القرآن ونظائرها، وقد يقتصر على مجرد التأثيم كما في الفقهيات، وتابعه على هذا من القائلين بالقياس ابن علية وأبو بكر الاصم، ووافقه جميع نفاة القياس، ومنهم الامامية وقالوا‏:‏ لا مجال للظن في الاحكام لكن العقل قاض بالنفي الأصلي في جميع الاحكام إلا ما استثناه دليل سمعي قاطع فما أثبته قاطع سمعي فهو ثابت بدليل قاطع، وما لم يثبته فهو باق على النفي الأصلي قطعا ولا مجال للظن فيه، وإنما استقام هذا لهم لانكارهم القياس وخبر الواحد، وربما أنكروا أيضا القول بالعموم والظاهر المحتمل حتى يستقيم لهم هذا المذهب، وما ذكروه هو اللازم على قول من قال‏:‏ المصيب واحد، ويلزمهم عليه منع المقلد من استفتاء المخالفين، وقد ركب بعض معتزلة بغداد رأسه في الوفاء بهذا القياس وقال‏:‏ يجب على العامي النظر وطلب الدليل، وقال بعضهم‏:‏ يقلد العالم أصاب المقلد أم أخطأ، ويدل على فساد هذا المذهب دليلان‏:‏ الأول‏:‏ ما سنذكره في تصويب المجتهدين، ونبين أن هذه المسائل ليس فيها دليل قاطع ولا فيها حكم معين والأدلة الظنية لا تدل لذاتها، وتختلف بالاضافة، فتكليف الاصابة لما لم ينصب عليه دليل قاطع تكليف ما لا يطاق وإذا بطل الايجاب بطل التأثيم فانتفاء الدليل القاطع ينتج نفي التكليف ينتج نفي الاثم، ولذلك يستدل تارة بنفي الاثم على نفي التكليف، كما يستدل في مسألة التصويب، ويستدل في هذه المسألة بانتفاء التكليف على انتفاء الاثم، فإن النتيجة تدل على المنتج كما يدل المنتج على النتيجة‏.‏ الدليل الثاني‏:‏ إجماع الصحابة على ترك النكير على المختلفين في الجد والاخوة ومسألة العول ومسألة الحرام وسائر ما اختلفوا فيه من الفرائض وغيرها، فكانوا يتشاورون ويتفرقون مختلفين ولا يعترض بعضهم على بعض، ولا يمنعه من فتوى العامة، ولا يمنع العامة من تقليده ولا يمنعه من الحكم باجتهاده، وهذا متواتر تواترا لا شك فيه وقد بالغوا في تخطئة الخوارج وما نعي الزكاة ومن نصب إماما من غير قريش أو رأى نصب إمامين بل لو أنكر منكر وجوب الصلاة والصوم وتحريم السرقة والزنا لبالغوا في التأثيم والتشديد، لان فيها أدلة قاطعة، فلو كان سائر المجتهدات كذلك لاثموا وأنكروا، فإن قيل لهم‏:‏ لعلهم أثموا ولم ينقل إلينا وأضمروا التأثيم ولم يظهروا خوف الفتنة والهرج‏؟‏ قلنا‏:‏ العادة تحيل اندراس التأثيم والانكار لكثرة الاختلاف والوقائع، بل لو وقع لتوفرت الدواعي على النقل، كما نقلوا الانكار على مانعي الزكاة ومن استباح الدار، وعلى الخوارج في تكفير علي وعثمان، وعلى قاتلي عثمان، ولو جاز أن يتوهم إندراس مثل هذا لجاز أن يدعي أن بعضهم نقض حكم بعض وأنهم اقتتلوا في المجتهدات ومنعوا العوام من التقليد للمخالفين أو للعلماء، أو أوجبوا على العوام النظر أو اتباع إمام معين معصوم، ثم نقول‏:‏ تواتر إلينا تعظيم بعضهم بعضا مع كثرة الاختلافات إذ كان توقيرهم وتسليمهم للمجتهد العمل باجتهاده، وتقريره عليه أعظم من التوقير والمجاملة والتسليم في زماننا ومن علمائنا، ولو اعتقد بعضهم في البغض التعصية والتأثيم بالاختلاف لتهاجروا ولتقاطعوا وارتفعت المجاملة وامتنع التوقير والتعظيم، فأما امتناعهم من التأثيم للفتنة فمحال، فإنهم حيث اعتقدوا ذلك لم تأخذهم في الله لومة لائم ولا منعهم ثوران الفتنة وهيجان القتال حتى جرى في قتال مانعي الزكاة، وفي واقعة علي وعثمان والخوارج ما جرى، فهذا توهم محال، فإن قيل‏:‏ فقد نقل الانكار والتشديد والتأثيم، حتى قال ابن عباس‏:‏ ألا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أبا الاب أبا وقال أيضا‏:‏ من شاء باهلته أن الله لم يجعل في المال النصف والثلثين‏.‏ وقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ أخبروا زيد بن أرقم أنه أحبط جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب‏.‏ قلنا‏:‏ ما تواتر إلينا من تعظيم بعضهم بعضا وتسليمهم لكل مجتهد أن يحكم ويفتي ولكل عامي أن يقلد من شاء جاوز حدا لا يشك فيه فلا يعارضه أخبار آحاد لا يوثق بها ثم نقول‏:‏ من ظن بمخالفه أنه خالف دليلا قاطعا فعليه التأثيم والانكار، وإنما نقل إلينا في مسائل معدودة ظن أصحابها أن أدلتها قاطعة، فظن ابن عباس أن الحساب مقطوع به، فلا يكون في المال نصف وثلثان وظنت عائشة رضي الله عنها أن حسم الذرائع مقطوع به فمنعت مسألة العينة، وقد أخطأوا في هذا الظن، فهذه المسائل أيضا ظنية، ولا يجب عصمتها عن مثل هذا الغلط، أما عصمة جملة الصحابة عن العصيان بتعظيم المخالفين وترك تأثيمهم لو أثموا فواجب الحكم الثاني في الاجتهاد والتصويب والتخطئة وقد اختلف الناس فيها، واختلفت الرواية عن الشافعي وأبي حنيفة، وعلى الجملة قد ذهب قوم إلى أن كل مجتهد في الظنيات مصيب، وقال قوم‏:‏ المصيب واحد، واختلف الفريقان جميعا في أنه هل في الواقعة التي لا نص‏:‏ فيها حكم معين لله تعالى هو مطلوب المجتهد‏؟‏ فالذي ذهب إليه محققو المصوبة أنه ليس في الواقعة التي لا نص فيها حكم معين يطلب بالظن بل الحكم يتبع الظن وحكم الله تعالى على كل مجتهد ما غلب على ظنه، وهو المختار، وإليه ذهب القاضي، وذهب قوم من المصوبة إلى أن فيه حكما معينا يتوجه إليه الطلب، إذ لابد للطلب من مطلوب، لكن لم يكلف المجتهد إصابته، فلذلك كان مصيبا وإن أخطأ ذلك الحكم المعين الذي لم يؤمر بإصابته بمعنى أنه أدى ما كلف فأصاب ما عليه، وأما القائلون بأن المصيب واحد فقد اتفقوا على أن فيه حكما معينا لله تعالى لكن اختلفوا في أنه هل عليه دليلا أم لا‏؟‏ فقال قوم‏:‏ لا دليل عليه، وإنما هو مثل دفين يعثر الطلب عليه بالاتفاق فلمن عثر عليه أجران ولمن حاد عنه أجر واحد لاجل سعيه وطلبه، والذين ذهبوا إلى أن عليه دليلا اختلفوا في أن عليه دليلا قاطعا أو ظنيا، فقال قوم‏:‏ وهو قاطع ولكن الاثم محطوط عن المخطئ لغموض الدليل وخفائه، ومن هذا تمادي بشر المريسي في إتمام هذا القياس فقال‏:‏ إذا كان الدليل قطعيا أثم المخطئ كما في سائر القطعيات، وهو مام الوفاء بقياس مذهب من قال‏:‏ المصيب واحد، ثم الذين ذهبوا إلى أن عليه دليلا ظنيا اختلفوا في أن المجتهد هل أمر قطعيا بإصابة ذلك الدليل فقال قوم‏:‏ لم يكلف المجتهد إصابته لخفائه وغموضه، فلذلك كان معذورا ومأجورا، وقال قوم‏:‏ أمر بطلبه، وإذا أخطأ لم يكن مأجورا، لكن حط الاثم عنه تخفيفا‏.‏ هذا تفصيل المذاهب، والمختار عندنا وهو الذي نقطع به ونخطئ المخالف فيه أن‏:‏ كل مجتهد في الظنيات مصيب، وأنها ليس فيها حكم معين لله تعالى، وسنكشف الغطاء عن ذلك بفرض الكلام في طرفين‏:‏ الطرف الأول‏:‏ مسألة فيها نص للشارع وقد أخطأ مجتهد النص فنقول‏:‏ ينظر فإن كان النص مما هو مقدور على بلوغه، لو طلبه المجتهد بطريقه فقصر ولم يطلب فهو مخطئ وآثم بسبب تقصيره، لانه كلف الطلب المقدور عليه فتركه فعصى وأثم وأخطأ حكم الله تعالى عليه، أما إذا لم يبلغه النص لا لتقصير من جهته لكن لعائق من جهة بعد المسافة وتأخير المبلغ والنص قبل أن يبلغه ليس حكما في حقه فقد يسمى مخطئا مجازا على معنى أنه أخطأ بلوغ ما لو بلغه لصار حكما في حقه، ولكنه قبل البلوغ ليس حكما في حقه، فليس مخطئا حقيقة، وذلك أنه لو صلى النبي عليه السلام إلى بيت المقدس بعد أن أمر الله تعالى جبريل أن ينزل على محمد عليه السلام ويخبره بتحويل القبلة فلا يكون النبي مخطئا لان خطاب استقبال الكعبة بعد لم يبلغه، فلا يكون مخطئا في صلاته، فلو نزل فأخبره وأهل مسجد قباء يصلون إلى بيت المقدس ولم يخرج بعد إليهم النبي عليه السلام ولا مناد من جهته فليسوا مخطئين، إذ ذلك ليس حكما في حقهم قبل بلوغه، فلو بلغ ذلك أبا بكر وعمر واستمر سكان مكة على استقبال بيت المقدس قبل بلوغ الخبر إليهم فليسوا مخطئين، لانهم ليسوا مقصرين، وكذلك نقل عن ابن عمر أنا كنا نخابر أربعين سنة، حتى روى لنا رافع بن خديج النهي عن المخابرة، فليس ذلك خطأ منهم قبل البلوغ لان الراوي غاب عنهم أو قصر في الرواية، فإذا ثبت هذا في مسألة فيها نص فالمسألة التي لا نص فيها كيف يتصور الخطأ فيها، فإن قيل‏:‏ فرضتم المسألة حيث لا دليل على الحكم المنصوص و نحن نخطئه إذا كان عليه دليل ووجب عليه طلبه فلم يعثر عليه، قلنا‏:‏ عليه دليل قاطع أو دليل ظني، فإن كان عليه دليل قاطع فلم يعثر عليه وهو قادر عليه فهوآثم عاص ويجب تأثيمه، وحيث وجب تأثيمه وجبت تخطئته كانت المسألة فقهية أو أصولية أو كلامية، وإنما كلامنا في مسائل ليس عليها دليل قاطع، ولو كان لنبه عليه من عثر عليه من الصحابة غيره ولشدد الانكار عليهم فإن الدليل القاطع في مثل هذه المسألة نص صريح أو في معنى المنصوص على وجه يقطع به ولا يتطرق الشك إليه والتنبيه على ذلك سهل، أفيقولون لم يعثر عليه جميع الصحابة رضي الله عنهم فأخطأ أهل الإجماع الحق، أو عرفه بعضهم وكتمه أو أظهره فلم يفهمه الآخرون أو فهموه فعاندوا الحق وخالفوا النص الصريح وما يجري مجراه، وجميع هذه الاحتمالات مقطوع ببطلانها، ومن نظر في المسائل الفقهية التي لا نص فيها علم ضرورة انتفاء دليل قاطع فيها، وإذا انتفى الدليل فتكليف الاصابة من غير دليل قاطع تكليف محال، فإذا انتفى التكليف انتفى الخطأ، فإن قيل عليه دليل ظني بالاتفاق فمن أخطأ الدليل الظني فقد أخطأ‏؟‏ قلنا‏:‏ الامارات الظنية ليست أدلة بأعيانها، بل يختلف ذلك بالاضافات، فرب دليل يفيد الظن لزيد وهو بعينه لا يفيد الظن لعمرو مع إحاطته به، وربما يفيد الظن لشخص واحد في حال دون حال بل قد يقوم في حق شخص واحد في حال واحدة في مسألة واحدة دليلان متعارضان كان كل واحد لو انفرد لافاد الظن، ولا يتصور في الأدلة القطعية تعارض، وبيانه أن أبا بكر رأى التسوية في العطاء إذ قال‏:‏ الدنيا بلاغ، كيف وإنما عملوا لله عزوجل وأجورهم على الله، حيث قال عمر‏:‏ كيف تساوي بين الفاضل والمفضول، ورأى عمر التفاوت ليكون ذلك ترغيبا في طلب الفضائل، ولان أصل الاسلام، وإن كان لله فيوجب الاستحقاق، والمعنى الذي ذكره أبو بكر فهمه عمر رضي الله عنهما، ولم يفده غلبة الظن وما رآه عمر فهمه أبو بكر ولم يفده غلبة الظن ولا مال قلبه إليه، وذلك لاختلاف أحوالهما، فمن خلق خلقة أبي بكر في غلبة التأله وتجريد النظر في الآخرة غلب على ظنه لا محالة ما ظنه أبو بكر، ولم ينقدح في نفسه إلا ذلك، ومن خلقه الله خلقة عمر وعلى حالته وسجيته في الالتفات إلى السياسة ورعاية مصالح الخلق وضبطهم وتحريك دواعيهم للخير، فلا بد أن تميل نفسه إلى ما مال إليه عمر مع إحاطة كل واحد منهما بدليل صاحبه، ولكن اختلاف الاخلاق والاحوال والممارسات يوجب اختلاف الظنون، فمن مارس علم الكلام ناسب طبعه أنواعا من الأدلة يتحرك بها ظنه لا يناسب ذلك طبع من مارس الفقه، ولذلك من مارس الوعظ، صار مائلا إلى جنس ذلك الكلام بل يختلف باختلاف الاخلاق، فمن غلب عليه الغضب مالت نفسه إلى كل ما فيه شهامة وانتقام، ومن لان طبعه ورق قلبه نفر عن ذلك ومال إلى ما فيه الرفق والمساهلة، فالامارات كحجر المغناطيس تحرك طبعا يناسبها، كما يحرك المغناطيس الحديد دون النحاس بخلاف دليل العقل، فإنه موجب لذاته، فإن تسليم المقدمتين على الشكل الذي ذكرناه في مدارك العقول يوجب التصديق ضرورة بالنتيجة‏.‏ فإذا لا دليل في الظنيات على التحقيق، وما يسمى دليلا فهو على سبيل التجوز بالاضافة إلى ما مالت نفسه إليه، فإذا أصل الخطأ في هذه المسألة إقامة الفقهاء للأدلة الظنية وزنا حتى ظنوا أنها أدلة في أنفسها لا بالاضافة، وهو خطأ محض يدل على بطلانه البراهين القاطعة‏.‏ فإن قيل‏:‏ لم تنكرون على من يقول فيه أدلة قطعية، وإنما لم يؤثم المخطئ لغموض الدليل‏؟‏ قلنا‏:‏ الشئ ينقسم إلى معجوز عنه ممتنع وإلى مقدور عليه على يسر، وإلى مقدور عليه على عسر فإن كان درك الحق المتعين معجوزا عنه ممتنعا فالتكليف به محال وإن كان مقدورا على يسر فالتارك له ينبغي أن يأثم قطعا لانه ترك ما قدر عليه وقد أمر به، وإن كان مقدورا على عسر فلا يخلوا إما أن يكون العسر صار سببا للرخصة وحط التكليف‏.‏ كإتمام الصلاة في السفر، أو بقي التكليف مع العسر، فإن بقي التكليف مع العسر فتركه مع القدرة إثم كالصبر على قتل الكفار مع تضاعف عددهم، فإنه شديد جدا وعسير، و لكن يعصى إذا تركه، لان التكليف لم يزل بهذا العسر، وكذلك صبر المرأة على الضرات وحسن التبعل، مع أن ذلك جهاد شديد على النفس‏.‏ ولكنها تأثم بتركه مع ضعفها وعجزها، وكذلك التمييز بين الدليل، والشبهة في مسألة حدوث العالم ودلالة المعجزة وتمييزها عن السحر في غاية الغموض، ومن أخطأ فيه أثم بل كفر واستحق التخليد في النار، وكذلك الحق في المسائل الفقهية مع العسران أمر به، فالمخطئ آثم فيه وإن لم يؤمر بإصابة الحق، بل بحسب غلبة الظفقد أدى ما كلف، وأصاب ما هو حكم في حقه وأخطأ ما ليس حكما في حقه، بل هو بصدد أن يكون حكما في حقه، لو خوطب به أو نصب على معرفته دليل قاطع، فإذا الحاصل أن الاصابة محال أو ممكن، ولا تكليف بالمحال، ومن أمر بممكن فتركه عصى وأثم، ومحال أن يقال‏:‏ هو مأمور به، لكن إن خالف لم يعص ولم يأثم وكان معذورا، لان هذا يناقض حد الامر والايجاب، إذ حد الايجاب ما يتعرض تاركه للعقاب والذم‏.‏ وهذا تقسيم قاطع يرفع الخلاف مع كل منصف، ويرد النزاع إلى عبارة وهو‏:‏ إن ما ليس حكما في حقه قد أخطأه، وذلك مسلم، ولكنه نوع مجاز، كتخطئة المصلي إلى بيت المقدس قبل بلوغ الخبر، ثم هذا المجاز أيضا إنما ينقدح في حكم نزل من السماء ونطق به الرسول كما في تحويل القبلة ومسألة المخابرة، أما سائر المجتهدات التي يلحق فيها المسكوت بالمنطوق قياسا واجتهادا فليس فيها حكم معين أصلا، إذا الحكم خطاب مسموع أو مدلول عليه بدليل قاطع، وليس فيها خطاب ونطق، فلا حكم فيها أصلا إلا ما غلب على ظن المجتهد، وسنفرد لهذا مسألة ونبين أنه ليس في المسألة أشبه عند الله عزوجل، ونذكر الآن شبه المخالفين وهي أربع‏:‏ الشبهة الأولى‏:‏ قولهم هذا المذهب في نفسه محال، لانه يؤدي إلى الجمع بين النقيضين، وهو أن يكون قليل النبيذ مثلا حلالا حراما، والنكاح بلا ولي صحيحا باطلا والمسلم إذا قتل كافرا مهدرا ومقادا، إذ ليس في المسألة حكم معين، وكل واحد من المجتهدين مصيب، فإذا الشئ ونقيضه حق وصواب وتبجح بعضهم بهذا الدليل حتى قال‏:‏ هذا مذهب أوله سفسطة وآخره زندقة، لانه في الابتداء يجعل الشئ ونقيضه حقا وبالآخر يرفع الحجر ويخير المجتهد بين الشئ ونقيضه عند تعارض الدليلين ويخير المستفتى لتقليد من شاء وينتقي من المذاهب أطيبها عنده‏.‏ والجواب‏:‏ أن هذا كلام فقيه سليم القلب جاهل بالاصول وبحد النقيضين وبحقيقة الحكم، ظان أن الحل والحرمة وصف للاعيان فيقول‏:‏ يستحيل أن يكون النبيذ حلالا حراما، كما يستحيل أن يكون الشئ قديما حادثا، وليس يدري أن الحكم خطاب لا يتعلق بالاعيان بل بأفعال المكلفين، ولا يتناقض أن يحل لزيد ما يحرم على عمرو، كالمنكوحة تحل للزوج وتحرم على الاجنبي، وكالميتة تحل للمضطر دون المختار، وكالصلاة تجب على الطاهر وتحرم على الحائض، وإنما المتناقض أن يجتمع التحليل والتحريم في حالة واحدة لشخص واحد في فعل واحد من وجه واحد، فإذا تطرق التعدد والانفصال إلى شئ من هذه الجملة انتفى التناقض حتى نقول‏:‏ الصلاة في الدار المغصوبة حرام قربة في حالة واحدة لشخص واحد، لكن من وجه دون وجه، فإذا اختلاف الاحوال ينفي التناقص، ولا فرق بين أن يكون اختلاف الاحوال بالحيض والطهر والسفر والحضر، أو بالعلم والجهل، أو غلبة الظن، فالصلاة حرام على المحدث إذا علم أنه محدث واجبة عليه إذا جهل كونه محدثا، ولو قال الشارع‏:‏ يحل ركوب البحر لمن غلب على ظنه السلامة، ويحرم على من غلب على ظنه الهلاك، فغلب على ظن الجبان الهلاك وعلى ظن الجسور السلامة، حرم على الجبان وحل للجسور لاختلاف حالهما، وكذلك لو صرح الشارع وقال‏:‏ من غلب على ظنه أن النبيذ بالخمر أشبه فقد حرمته عليه، ومن غلب على ظنه أنه بالمباحات أشبه فقد حللته له لم يتناقض، فصريح مذهبنا إن لو نطق به الشرع لم يكن متناقضا ولا محالا، ومذهب الخصم لو صرح به الشرع كان محالا وهو أن يقول‏:‏ كلفتك العثور على ما لا دليل عليه، أو يقول‏:‏ كلفتك العثور على ما عليه دليل، لكن لو تركته مع القدرة لم تأثم، فيكون الأول محالا من جهة تكليف ما لا يطاق، ويكون الثاني محالا من جهة تناقض حد الامر إذ حد الامر ما يعصى تاركه‏.‏ الجواب الثاني‏:‏ أن نقول‏:‏ لو سلمنا أن الحل والحرمة وصف للاعيان أيضا لم يتناقض، إذ يكون من الاوصاف الاضافية، ولا يتناقض أن يكون الشخص الواحد أبا وأبنا، لكن لشخصين، وأن يكون الشئ مجهولا ومعلوما لكن لاثنين، وتكون المرأة حلالا حراما لرجلين، كالمنكوحة حرام للاجنبي حلال للزوج والميتة حرام للمختار حلال للمضطر‏.‏ الجواب الثالث‏:‏ هو أن التناقض ما ركبه الخصم، فإنه اتفق كل محصل لم يهذ هذيان المريسي، أن كل مجتهد يجب عليه أن يعمل بما أدى إليه اجتهاده، ويعصي بتركه، فالمجتهدان في القبلة يجب على أحدهما استبقال جهة يحرم على الآخر استقبالها، فإن المصيب لا يتميز عن المخطئ، فيجب على كل واحد منهما العمل بنقيض ما يعمل به الآخر‏.‏ الشبهة الثانية‏:‏ قولهم إن سلمنا لكم أن هذه المذهب ليس بمحال في نفسه لو صرح الشرع به، فهو مؤد إلى المحال في بعض الامور، وما يؤدي إلى المحال فهو محال، فأداؤه إلى المحال فهو في حق المجتهد بأن يتقاوم عنده دليلان، فيتحير عندكم بين الشئ ونقيضه في حالة واحدة، وأما في حق صاحب الواقعة فإذا نكح مجتهد مجتهدة ثم قال لها‏:‏ أنت بائن وراجعها والزوج شفعوي يرى الرجعة والزوجة حنفية ترى الكنايات قاطعة للعصمة والرجعة، فيسلط الزوج على مطالبتها بالوطئ، ويجب عليها مع تسلط الزوج عليها منعه، وكذلك إذا نكح بغير ولي أولا ثم نكح آخر بولي، فإن كان كل واحد من المذهبين حقا فالمرأة حلال للزوجين، وهذا محال، ويمكن أن يستعمل هذا في نصرة الشبهة الأولى، والاعتراض على ما ذكرنا من دفع التناقض ورده إلى شخصين، فقد تكلفوا تقريره في حق شخص واحد‏.‏ والجواب من أوجه، وحاصله أنه لا إشكال في هذه المسائل ولا استحالة، وما فيه من الاشكال فينقلب عليهم ولا يختص إشكاله بهذا المذهب، أما المجتهد إذا تعارض عنده دليلان قلنا فيه رأيان‏:‏ أحدهما وهو الذي ننصره في هذه المسألة أنه يتوقف ويطلب الدليل من موضع آخر، لانه مأمور باتباع غالب الظن ولم يغلب على ظنه شئ، فقولنا فيه قولكم، فإنه وإن كان أحدهما حقا عندكم فقد تعذر عليه الوصول إليه، وهذا يقطع مادة الاشكال، وعلى رأيي نقول‏:‏ يتخير بأي دليل شاء، وسنفرد هذه المسألة بالذكر وننبه على غورها‏.‏ أما الثانية‏:‏ فقولنا فيها أيضا قولكم، فإن المصيب وإن كان واحدا عندهم فلا يتميز عن المخطئ، ويجب على المخطئ في الحال العمل بموجب اجتهاده لجهله بكونه مخطئا، إذا لا يتميز عن صاحبه، فقد أوجبوا عليها المنع، وأباحوا للزوج الطلب، فقد ركبوا المحال إن كان هذا محالا فسيقولون إنه ليس بمحال، وهو جوابنا الثاني ووجهه أن إيجاب المنع عليها لا يناقض إباحة الطلب للزوج ولا إيجابه، بل للسيد أن يقول لاحد عبديه، أوجبت عليك سلب فرس الآخر، ويقول للآخر أوجبت عليك منعه ودفعه ويقول لهذا‏:‏ إن لم تسلب عاقبتك، ويقول للآخر‏:‏ إن لم تحفظ عاقبتك، وكذلك يجب على ولي الطفل أن يطلب غرامة مال الطفل إذا أخبره عدلان بأنه أتلفه طفل آخر، ويجب على ولي الطفل المنسوب إلى الاتلاف إذا عاين صدور الاتلاف من غير الطفل أو علم كذب الشاهدين أن يمنع ويدفع، فيجب الطلب على أحدهما والدفع على الآخر مؤاخذة لكل واحد بموجب اعتقاده، نعم‏:‏ هذا السؤال يحسن من منكري الاجتهاد من التعليمية وغيرهم إذ يقولون‏:‏ أصل الاجتهاد باطل لادائه إلى هذا النوع من التناقض وجوابه ما ذكرناه، ونقابله على مذهبه أيضا بما لا يجد عنه محيصا فنقول‏:‏ إن أنكرت الظنون لم تنكر القواطع، وسعي الانسان في هلاك نفسه أو إهلاك غيره حرام بالقواطع، فلو اضطر شخصان إلى قدر من الميتة لا يفي إلا بسد رمق أحدهما، ولو قسماه أو تركاه ماتا، ولو أخذه أحدهما هلك الآخر، ولو وكله إليه أهلك نفسه فماذا يجب عليه وكيفما قال فهو مناقض ولا مخلص، فإن أوجب على كل واحد أن يأخذ فقد أوجب الاخذ على هذا وأوجب الدفع عن ذاك، فإن أوجب عليهما الترك فقد أوجب إهلاكهما جميعا، وإن خص أحدهما بالاخذ فهو تحكم، وإن قال يتخير كل واحد منهما بين الاخذ والترك فقد سلط هذا على الاخذ وذاك على الدفع، فإن أحدهما لو اختار الاخذ واختار الآخر الدفع جاز، وهو أيضا متناقض بزعمهم فماذا يقولون‏:‏ والمختار عندنا في هذه الصورة التخيير لكل واحد، فإنه إنما يجب الاخذ إذا لم يهلك غيره، وإنما يجب الترك والايثار إذا لم يهلك نفسه، فإذا تعارضا تخيرا ويحتمل أن يقرع بينهما كبينتين متعارضتين‏.‏ وأما المسألة الثانية إذا نشب الخصام بين الزوج وزوجته احتمل وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يقول‏:‏ يلزمهما الرفع إلى حاكم البلد فإن قضى بثبوت الرجعة لزم تقديم اجتهاد الحاكم على اجتهاد أنفسهما وحل لهما مخالفة اجتهاد أنفسهما إذ اجتهاد الحاكم أولى من اجتهادهما لضرورة رفع الخصومات فإن عجزا عن حاكم فعليهما تحكيم عالم فيقضي بينهما، فإن لم يفعلا أثما وعصيا وكل ذلك احتمالات فقهية، ويحتمل أن يتركا متنازعين ولا يبالي بتمانعهما، فإنه تكليف بنقيضين في حق شخصين فلا يتناقض‏.‏ وأما المسألة الثالثة وهي‏:‏ أن تنكح بولي من نكحت بغير ولي فنقول‏:‏ إن كان النكاح بلا ولي صدر من حنفي يعتقد ذلك فقد صح النكاح في حقه، والنكاح الثاني بعده باطل قطعا، لانها صارت زوجة للاول، وإن كان الحنفي عقده بإجتهاد نفسه واتصل به قضاء حنفي فذلك أوكد، فإن كان مقلدا فقد صح أيضا في حقه، وإن صدر العقد من شفعوي على خلاف معتقده احتمل أمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن نقطع ببطلانه، فإنا إنما نجعله حقا إذا صدر من معتقده عن تقليد أو اجتهاد حيث لا يأثم ولا يعصي، وهذا قد عصى فهو مخطئ، ويحتمل أن يقال‏:‏ ما لم يطلق أو لم يقض حاكم ببطلانه فلا تحل لغيره لانه نكاح بصدد أن يقضي به حنفي فينحسم سبيل نقضه، فلا يعقد نكاح آخر قبل نقضه، وقد اختلفوا في أن الحنفي لو قضى لشفعوي بشفعة الجار أو بصحة النكاح بلا ولي، فهل يؤثر قضاؤه في الاحلال باطنا، فغلا أبو حنيفة وجعل القضاء بشهادة الزور يغير الحكم باطنا فيما للقاضي فيه ولاية الفسخ والعقد، وغلا قوم فقالوا‏:‏ لا يحل القضاء شيئا بل يبقى على ما كان عليه، وإن كان قضاؤه في محل الاجتهاد‏.‏ وقال قوم‏:‏ يؤثر في محل الاجتهاد ويغير الحكم باطنا ولا يؤثر حيث قاله أبو حنيفة، وهذه احتمالات فقهية لا يستحيل شئ منها، فنختار منها ما نشاء، فلا يتناقض ولا يلزمنا في الاصول تصحيح واحد من هذه الاختيارات الفقهية، فإنها ظنيات محتملة كل مجتهد أيضا فيها مصيب‏.‏ الشبهة الثالثة‏:‏ تمسكهم بطريق الدلالة بقولهم‏:‏ لو صح ما ذكرتموه لجاز لكل واحد من المجتهدين في القبلة والاناءين إذا اختلف اجتهادهما أن يقتدي بالآخر، لان صلاة كل واحد صحيحة، فلم لا يقتدي بمن صحت صلاته، وكذلك ينبغي أن يصح اقتداء الشافعي بحنفي إذا ترك الفاتحة أيضا صحيحة، لانه بناها على الاجتهاد، فلما اتفقت الامة على فساد هذا الاقتداء دل على أن الحق واحد‏؟‏ والجواب‏:‏ أن الاتفاق في هذا غير مسلم، فمن العلماء من جوز الاقتداء مع اختلاف المذاهب، وهو منقدح، لان كل مصل يصلي لنفسه، ولا يجب الاقتداء إلا بمن هو في صلاة، وصلاة الامام غير مقطوع ببطلانها، فكيف يمتنع الاقتداء، ولو بان كون الامام جنبا ربما لم يجب قضاء الصلاة، ولو سلمنا فنقول‏:‏ إنما يجوز الاقتداء بمن صحت صلاته في حق المقتدي، وللمقتدي أن يقول صلاة الامام صحيحة في حقه، لانها على وفق اعتقاده فاسدة في حقي، لانها على خلاف اعتقادي فظهر أثر صحتها في كل ما يخص المجتهد، أما ما يتعلق بمخالفته فينزل منزلة الباطل، والاقتداء يتعلق بالمقتدي، فصلاته لا تصلح لقدوة من يعتقد فسادها في حق نفسه، وإن كان يعتقد صحتها في حق غيره، والدليل عليه أن الامام وإن صلى بغير فاتحة فيحتمل صلاته الصحة بالاتفاق، إذ الشافعي لا يقطع بخطئه، فلم فسد اقتداؤه بمن تجوز صحة صلاته ويجوز بطلانها، وكل إمام فيحتمل أن تكون صلاته باطلة بحدث أو نجاسة لا يعرفها المقتدي ولا تبطل صلاته بالاحتمال، فلا سبب لها إلا أنها باطلة في اعتقاده وبموجب اجتهاده ونحن نقول هي باطلة بموجب اعتقاده في حقه لا في حق إمامه، وبطلانها في حقه كاف لبطلان اقتدائه‏.‏ الشبهة الرابعة‏:‏ قولهم إن صح تصويب المجتهدين فينبغي أن نطوي بساط المناظرات في الفروع، لان مقصود المناظرة دعوة الخصم إلى الانتقال عن مذهبه، فلم يدع إلى الانتقال، بل ينبغي أن يقال‏:‏ ما اعتقدته فهو حق فلازمه، فإنه لا فضل لمذهبي على مذهبك، فالمناظرة إما واجبة وإما ندب وإما مفيدة، ولا يبقى لشئ من ذلك وجه مع التصويب‏.‏ والجواب‏:‏ أنا لا ننكر أن جماعة من ضعفة الفقهاء يتناظرون لدعوة الخصم إلى الانتقال لظنهم أن المصيب واحد، بل لاعتقادهم في أنفسهم أنهم المصيبون، وأن خصمهم مخطئ على التعيين، أما المحصلون فلا يتناظرون في الفروع، لذلك لكن يعتقدون وجوب المناظرة لغرضين واستحبابها لستة أغراض، أما الوجوب ففي موضعين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه يجوز أن يكون في المسألة دليل قاطع من نص أو ما في معنى النص أو دليل عقلي قاطع فيما يتنازع فيه في تحقيق مناط الحكم، ولو عثر عليه لامتنع الظن والاجتهاد، فعليه المباحثة والمناظرة حتى ينكشف انتفاء القاطع الذي يأثم ويعصي بالغفلة عنه‏.‏ الثاني‏:‏ أن يتعارض عنده دليلان ويعسر عليه الترجيح، فيستعين بالمباحثة على طلب الترجيح، فإنا وإن قلنا على رأي أنه يتخير فإنما يتخير إذا حصل اليأس عن طلب الترجيح وإنما يحصل اليأس بكثرة المباحثة‏.‏ وأما الندب ففي مواضع‏:‏ الأول‏:‏ أن يعتقد فيه أنه معاند فيما يقوله غير معتقد له، وأنه إنما يخالف حسدا أو عنادا أو نكرا فيناظر ليزيل عنهم معصية سوء الظن ويبين أنه يقوله عن اعتقاد واجتهاد‏.‏ الثاني‏:‏ أن ينسب إلى الخطأ وأنه قد خالف دليلا قاطعا فيعلم جهلهم، فيناظر ليزيل عنهم الجهل كما أزال في الأول معصية التهمة‏.‏ الثالث‏:‏ أن ينبه الخصم على طريقه في الاجتهاد، حتى إذا فسد ما عنده لم يتوقف ولم يتخير، وكان طريقه عنده عتيدا يرجع إليه إذا فسد ما عنده وتغير فيه ظنه‏.‏ الرابع‏:‏ أن يعتقد أن مذهبه أثقل وأشد، وهو لذلك أفضل وأجزل ثوابا فيسعى في استجرار الخصم من الفاضل إلى الافضل، ومن الحق إلى الاحق‏.‏ الخامس‏:‏ أنه يفيد المستمعين معرفة طرق الاجتهاد ويذلل لهم مسلكه ويحرك دواعيهم إلى نيل رتبة الاجتهاد ويهديهم إلى طريقه، فيكون كالمعاونة على الطاعات والترغيب في القربات‏.‏ السادس‏:‏ وهو الاهم، وهو أن يستفيد هو وخصمه تذليل طرق النظر في الدليل حتى يترقى من الظنيات إلى ما الحق فيه واحد من الاصول فيحصل بالمناظرة نوع من الارتباض وتشحيذ الخاطر وتقوية المنة في طلب الحقائق ليترقى به إلى نظر هو فرض عينه إن لم يكن في البلد من يقوم به أو كان قد وقع الشك في أصل من الاصول، أو إلى ما هو فرض على الكفاية، إذ لا بد في كل بلد من عالم ملئ بكشف معضلات أصول الدين وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب متعين إن لم يكن إليه طريق سواه، وإن كان إليه طريق سواه فيكون هو إحدى خصال الواجب، فهذا في بعض الصور يلتحق بالمناظرة الواجبة، فهذه فوائد مناظرات المحصلين دون الضعفاء المغترين حين يطلبون من الخصم الانتقال، ويفتون بأنه يجب على خصمهم العمل بما غلب على ظنه، وأنه لو وافقه على خلاف اجتهاد نفسه عصى وأثم، وهل في عالم الله تناقض أظهر منه‏؟‏ فهذه شبههم العقلية‏.‏ أما الشبه النقلية فخمس‏:‏ الأولى‏:‏ تمسكهم بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين الانعام‏}‏ ‏(‏الانبياء‏:‏ 87 - 79‏)‏ وهذا يدل على اختصاص سليمان بمدرك الحق وأن الحق واحد‏.‏ الجواب من ثلاثة أوجه‏:‏ الأول‏:‏ أنه من أين صح أنهما بالاجتهاد حكما ومن العلماء من منع اجتهاد الانبياء عقلا، ومنهم من منعه سمعا، ومن أجاز أحال الخطأ عليهم، فكيف ينسب الخطأ إلى داود عليه السلام، ومن أين يعلم أنه قال ما قال عن اجتهاد‏؟‏ الثاني‏:‏ أن الآية أدل على نقيض مذهبهم إذ قال‏:‏ ‏{‏وكلا آتينا حكما وعلما‏}‏ والباطل والخطأ يكون ظلما وجهلا لا حكما وعلما، ومن قضى بخلاف حكم الله تعالى لا يوصف بأنه حكم الله، وأنه الحكم والعلم الذي آتاه الله، لا سيما في معرض المدح والثناء، فإن قيل‏:‏ فما معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ففهمناها سليمان‏}‏ ‏(‏الانبياء‏:‏ 97‏)‏ قلنا‏:‏ لا يلزمنا ذكر ذلك بعد أن أبطلنا نسبة الخطأ إلى داود‏.‏ الجواب الثالث‏:‏ التأويل، وهو أنه يحتمل أنهما كانا مأذونين في الحكم باجتهادهما فحكما وهما محقان ثم نزل الوحي على وفق اجتهاد سليمان، فصار ذلك حقا متعينا بنزول الوحي على سليمان بخلافه، لكن لنزوله على سليمان أضيف إليه، ويتعين تنزيل ذلك على الوحي، إذ نقل المفسرون أن سليمان حكم بأنه يسلم الماشية إلى صاحب الزرع حتى ينتفع بدرها ونسلها وصوفها حولا كاملا، وهذا إنما يكون حقا وعدلا إذا علم أن الحاصل منه في جميع السنة يساوي ما فات على صاحب الزرع، وذلك يدركه علام الغيوب ولا يعرف بالاجتهاد‏.‏ الشبهة الثانية‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لعلمه الذين يستنبطونه منهم‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 38‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 7‏)‏ فدل على أن في مجال النظر حقا متعينا يدركه المستنبط، وهذا فاسد من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه ربما أراد به الحق فيما الحق فيه واحد من العقليات والسمعيات القطعيات إذ منها ما يعلم بطريق قاطع نظري مستنبط‏.‏ والثاني‏:‏ أنه ليس فيه تخصيص بعض العلماء، فكل ما أفضى إليه نظر عالم فهو استنباطه وتأويله، وهو حق مستنبط وتأويل أذن للعلماء فيه دون العوام، وجعل الحق في حق العوام الحق الذي استنبطه العلماء بنظرهم وتأويلهم، فهذا لا يدل على تخطئة البعض‏.‏ الشبهة الثالثة‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر فدل أن فيه خطأ وصوابا، وقد ادعيتم استحالة الخطأ في الاجتهاد، والجواب من وجهين‏:‏ الأول‏:‏ أن هذا هو القاطع على أن كل واحد مصيب إذ له أجر وإلا فالمخطئ الحاكم بغير حكم الله تعالى كيف يستحق الاجر‏؟‏ الثاني‏:‏ هو أنا لا ننكر إطلاق اسم الخطأ على سبيل الاضافة إلى مطلوبه لا إلى ما وجب عليه، فإن الحاكم يطلب رد المال إلى مستحقه، وقد يخطئ ذلك فيكون مخطئا فيما طلبه مصيبا فيما هو حكم الله تعالى عليه، وهو اتباع ما غلب على ظنه من صدق الشهود، وكذلك كل من اجتهد في القبلة يقال أخطأ أي أخطأ ما طلبه، ولم يجب عليه الوصول إلى مطلوبه، بل الواجب استقبال جهة يظن أن مطلوبه فيها، فإن قبل‏:‏ ولم كان للمصيب أجران وهما في التكليف وأداء ما كلفا سواء‏؟‏ قلنا‏:‏ لقضاء الله تعالى وقدره وإرادته فإنه لو جعل للمخطئ أجرين لكان له ذلك، وله أن يضاعف الاجر على أخف العملين، لان ذلك منه تفضل، ثم السبب فيه أنه أدى ما كلف وحكم بالنص إذ بلغه، والآخر حرم الحكم بالنص إذ لم يبلغه ولم يكلف إصابته لعجزه ففاته فضل التكليف والامتثال، وهذا ينقدح في كل مسألة فيها نص، وفي كل اجتهاد يتعلق بتحقيق مناط الحكم، كأروش الجنايات، وقدر كفاية الاقارب فإن فيها حقيقة متعينة عند الله تعالى وإن لم يكلف المجتهد طلبها، وهو جار في المسائل التي لا نص فيها عند من قال‏:‏ في كل مسألة حكم متعين، وأشبه عند الله تعالى، وسيأتي وجه فساده بعد هذا إن شاء الله تعالى‏.‏ الشبهة الرابعة‏:‏ تمسكهم بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 301‏}‏ ‏(‏تنازعوا فتفشلوا‏}‏ ‏(‏الانفال‏:‏ 64‏}‏ ‏(‏ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 501‏}‏ ‏(‏‏(‏84‏)‏ وكذلك‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 811 - 911‏)‏ والإجماع منعقد على الحث على الالفة والموافقة والنهي عن الفرقة، فدل أن الحق واحد ومذهبكم أن دين الله مختلف، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا والجواب من أوجه‏:‏ الأول‏:‏ أن اختلاف الحكم باختلاف الاحوال في العلم والجهل والظن كاختلافه باختلاف السفر والاقامة والحيض والطهر والحرية والرق والاضطرار والاختيار‏.‏ الثاني‏:‏ أن الامة مجمعة على أنه يجب على المختلفين في الاجتهاد أن يحكم كل واحد بموجب اجتهاده، وهو مخالف لغيره، والامر باتباع المختلف أمر بالاختلاف، فهذا ينقلب عليكم إشكاله وإنما يصح هذا السؤال من منكري أصل الاجتهاد‏.‏ الثالث‏:‏ وهو جواب منكري أصل الاجتهاد أيضا أنه لو كان المراد ما ذكروه لما جاز للمجتهدين في القبلة أن يصلوا إلى جهات مختلفة، مع أن القبلة عند الله تعالى واحدة ولما جاز في الكفارات المختلفة أن يعتق واحد ويصوم آخر، ولما جاز للمضطرين إلى ميتة لا تفي برمق جميعهم أن يتقارعوا، ولما جاز الاجتهاد في أروش الجنايات وتقدير النفقات وفي مصالح الحرب، وكل ما سميناه بتحقيق مناط الحكم وذلك كله ضروري في الدين، وليس مرادنا الاختلاف المنهي عنه، بل المنهي عنه الاختلاف في أصول الدين وعلى الولاة والائمة‏.‏ الشبهة الخامسة‏:‏ قولهم حسمتم إمكان الخطأ في الاجتهاد، والصحابة مجمعون على الحذر من الخطأ، حتى قال ابو بكر رضي الله عنه‏:‏ أقول في الكلالة برأيي، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمن الشيطان‏.‏ وقال علي لعمر رضي الله عنهما‏:‏ إن لم يجتهدوا فقد غشوا، وإن اجتهدوا فقد أخطأوا، أما الاثم فأرجو أن يكون عنك زائلا، وأما الدية فعليك‏.‏ ولما كتب أبو موسى كتابا عن عمر كتب فيه‏:‏ هذا ما أرى الله عمر، فقال‏:‏ امحه واكتب، هذا ما رأى عمر، فإن يك خطأ فمن عمر‏.‏ وقال في جواب المرأة التي ردت عليه في النهي عن لمبالغة في المهر حيث ذكرت القنطار في الكتاب‏:‏ أصابت امرأة وأخطأ عمر‏.‏ وقال ابن مسعود في المفوضة، إن كانت خطأ فمني ومن الشيطان بعد أن اجتهد شهرا‏؟‏‏.‏ الجواب‏:‏ إنا نثبت الخطأ في أربعة أجناس‏:‏ أن يصدر الاجتهاد من غير أهله، أو لا يستتم المجتهد نظره أو يضعه في غير محله بل في موضع فيه دليل قاطع أو يخالف في اجتهاده دليلا قاطعا كما ذكرناه في باب مثارات إفساد القياس، وإنا ذكرنا عشرة أوجه تبطل القياس قطعا لا ظنا‏:‏ فجميع هذا محال الخطأ، وإنما ينتفي الخطأ متى صدر الاجتهاد من أهله وتم في نفسه ووضع في محله ولم يقع مخالفا لدليل قاطع، ثم مع ذلك كله يثبت اسم الخطأ بالاضافة إلى ما طلب لا إلى ما وجب، كما في القبلة وتحقيق مناط الاحكام، فمن ذكره من الصحابة فإما إن كان اعتقد أن الخطأ ممكن وذهب، مذهب من قال‏:‏ المصيب واحد أو خاف على نفسه أن يكون قد خالف دليلا قاطعا غفل عنه أو لم يستتم نظره ولم يستفرغ تمام وسعه، أو يخاف أن لا يكون أهلا للنظر في تلك المسألة أو أمن ذلك كله، لكن قال ما قال إظهارا للتواضع والخوف من الله تعالى كما يقولون أنا مؤمن بالله إن شاء الله، مع أنهم لم يشكوا في إيمانهم، ثم جميع ما ذكروا أخبار آحاد لا يقوم بها حجة ويتطرق إليها الاحتمال المذكور فلا يندفع بها البراهين القاطعة التي ذكرناها‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس