عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 07:57 PM   #56
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


مسألة ‏(‏مفهوم اللقب‏)‏
القائلون بالمفهوم أقروا بأنه لا مفهوم لقوله‏:‏ ‏{‏وإن خفتم شقاق بينهما‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 53‏)‏ ولا لقوله‏:‏ إيما امرأة نكحت بغير إذن وليها لان الباعث على التخصيص العادة، لان الخلع لا يجري إلا عند الشقاق، والمرأة لا تنكح نفسها إلا إذا أبى الولي‏.‏ وكذلك القائلون بمفهوم اللقب قالوا‏:‏ لا مفهوم لقوله‏:‏ صبوا عليه ذنوبا من ماء وليستنج بثلاثة أحجار لانه ذكرهما لكونهما غالبين، وإذا كان يسقط المفهوم بمثل هذا الباعث فحيث لم يظهر لنا الباعث احتمل أن يكون ثم باعث لم يظهر لنا، فكيف يبني الحكم على عدم ظهور الباعث لنا، فإن قيل‏:‏ فلو انتفى الباعث المخصص في علم الله تعالى واستوت الحاجة في المذكور والمسكوت واستويا في الذكر ولم يكن أحدهما منسيا، فهل يجوز للنبي عليه السلام أن يخص أحدهما بالذكر‏؟‏ فإن جوزتم فهو نسبة له إلى اللغو والعبث، وكان كقوله‏:‏ يجب الصوم على الطويل والابيض، فقلنا‏:‏ وهل يجب على القصير والاسود‏؟‏ فقال‏:‏ نعم، قلنا‏:‏ فلم خصصت هذا بالذكر‏؟‏ فقال‏:‏ بالتشهي والتحكم، فلا شك أنه ينسب إلى خلاف الجد ويصلح ذلك لان يلقب به ليضحك منه كما يقول القائل‏:‏ اليهودي إذا مات لا يبصر فيكون ذلك هزؤا، فثبت بهذا أن هذا دليل إن لم يكن باعث، فإذا لم يظهر فالأصل عدمه، أما إسقاط دلالته بالتوهم باعث على التخصيص سوى اختصاص الحكم به، فهو رفع للدلالة بالتوهم، قلنا‏:‏ ما ذكرتموه مسلم، وهو أيضا جار في تخصيص اللقب، واليهودي اسم لقب، ويستقبح تخصيصه‏.‏ ولا مفهوم للقب، لان ذلك يحسم سبيل القياس، وإنما أسقط مفهوم اللقب لانه ليس فيه دلالة من حيث اللفظ، بل هو نطق بشئ وسكوت عن شئ، فينبغي أن يقال‏:‏ فلم سكت عن البعض ونطق بالبعض، فنقول‏:‏ لا ندري فإن ذلك يحتمل أن يكون بسبب اختصاص الحكم ويحتمل أن يكون بسبب آخر فلا يثبت الاختصاص بمجرد احتمال ووهم، وكذلك تخصيص الوصف، ولا فرق، فإذا لسنا ندرأ الدليل بالوهم بل الخصم يبني الدليل على الوهم، فإنه ما لم ينتف سائر البواعث لا يتعين باعث اختصاص الحكم وتقدير انتفاء البواعث وهم مجرد، وأما قول القائل‏:‏ اليهودي إذا مات لا يبصر، فليس استقباحه للتخصيص، بل لانه ذكر ما هو جلي، فإنه لو قال‏:‏ الانسان إذا مات لم يبصر، أو الحيوان إذا مات لا يبصر استقبح ئذلك، لانه تعرض لما هو واضح في نفسه، فإن تعرض لمشكل فلا يستقبح التخصيص في كل مقام، كقوله‏:‏ العبد إذا وقع في الحج لزمته الكفارة، فهذا لا يستقبح وإن شاركه الحر، وكقوله‏:‏ الانسان لا يتحرك إلا بالارادة، ولا يريد إلا بعد الادراك، فلا يستقبح وإن كان سائر الحيوان شاركه فيهما‏.‏ هذا تمام التحقيق في المفهوم، وبه تمام النظر في الفن الثاني، وهو اقتباس الحكم من اللفظ لا من حيث صيغته ووضعه، بل من حيث فحواه وإشارته، ولم يبق إلا الفن الثالث وهو اقتباس الحكم من حيث معناه ومعقوله، وهو القياس، والقول فيه طويل‏.‏ ونرى أن نلحق بآخر الفن الثاني القول في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكوته ووجه دلالته على الاحكام، فإنه قد يظن أنه نازل منزلة القول في الدلالة، ثم بعد الفراغ منه نخوض في الفن الثالث وهو شرح القياس‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة القول في دلالة أفعال النبي عليه السلام وسكوته واستبشاره
وفيه فصول
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الفصل الأول في دلالة الفعل
ونقدم عليه مقدمة في عصمة الانبياء، فنقول‏:‏ لما ثبت ببرهان العقل صدق الانبياء وتصديق الله تعالى إياهم بالمعجزات، فكل ما يناقض مدلول المعجزة فهو محال عليهم بدليل العقل، ويناقض مدلول المعجزة جواز الكفر والجهل بالله تعالى وكتمان رسالة الله والكذب والخطأ والغلط فيما يبلغ، والتقصير في التبليغ والجهل بتفاصيل الشرع الذي أمر بالدعوة إليه، أما ما يرجع إلى مقارفة الذنب فيما يخصه ولا يتعلق بالرسالة فلا يدل على عصمتهم عنه، عندنا دليل العقل، بل دليل التوقيف والإجماع، قد دل على عصمتهم عن الكبائر وعصمتهم أيضا عما يصغر أقدارهم من القاذورات، كالزنا والسرقة واللواط، أما الصغائر فقد أنكرها جماعة وقالوا‏:‏ الذنوب كلها كبائر، فأوجبوا عصمتهم عنها، والصحيح أن من الذنوب صغائر، وهي التي تكفرها الصلوات الخمس واجتناب الكبائر، كما ورد في الخبر، وكما قررنا حقيقته في كتاب التوبة من كتاب إحياء علوم الدين، فإن قيل‏:‏ لم لم تثبت عصمتهم بدليل العقل، لانهم لو لم يعصموا لنفرت قلوب الخلق عنهم، قلنا‏:‏ لا يجب عندنا عصمتهم من جميع ما ينفر، فقد كانت الحرب سجالا بينه وبين الكفار، وكان ذلك ينفر قلوب قوم عن الايمان، ولم يعصم عنه، وإن ارتاب المبطلون، مع أنه حفظ عن الخط والكتابة كي لا يرتاب المبطلون، وقد ارتاب جماعة بسبب النسخ، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏16‏)‏ وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر‏}‏ ‏(‏النحل‏:‏ 201‏)‏ وجماعة بسبب المتشابهات فقالوا‏:‏ كان يقدر على كشف الغطاء لو كان نبيا لخلص الخلق من كلمات الجهل والخلاف، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فيتبعون ما نشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله‏)‏ ‏[‏ آل عمران‏:‏ 7 ‏]‏ وهذا لان نفي المنفرات ليس بشرط دلالة المعجزة، هذا حكم الذنوب أما النسيان والسهو فلا خلاف في عصمتهم بما يتعلق بتبليغ الشرع والرسالة، فإنهم كلفوا تصديقه جزما، ولا يمكن التصديق مع تجويز الغلط، وقد قال قوم‏:‏ يجوز عليه الغلط فيما شرعه بالاجتهاد، لكن لا يقر عليه، وهذا على مذهب من يقول المصيب واحد من المجتهدين، أما من قال‏:‏ كل مجتهد مصيب فلا يتصور الخطأ عنده في اجتهاد غيره فكيف في اجتهاده‏.‏ رجعنا إلى المقصود، وهو أفعاله عليه السلام، فما عرف بقوله أنه تعاطاه بيانا للواجب كقوله عليه السلام‏:‏ صلوا كما رأيتموني أصلي وخذوا عني مناسككم أو علم بقرينة الحال أنه إمضاء لحكم نازل، كقطع يد السارق من الكوع، فهذا دليل وبيان، وما عرف أنه خاصيته، فلا يكون دليلا في حق غيره، وأما ما لم يقترن به بيان في نفي ولا إثبات فالصحيح عندنا أنه لا دلالة له، بل هو متردد بين الاباحة والندب والوجوب وبين أن يكون مخصوصا به وبين أن يشاركه غيره فيه، ولا يتعين واحد من هذه الاقسام إلا بدليل زائد، بل يحتمل الحظر أيضا عند من يجوز عليهم الصغائر، وقال قوم أنه على الحظر، وقال قوم على الاباحة، وقال قوم على الندب، وقال قوم على الوجوب إن كان في العبادات وإن كان في العادات فعلى الندب، ويستحب التأسي به، وهذه تحكمات، لان الفعل لا صيغة له وهذه الاحتمالات متعارضة، ونحن نفرد كل واحد بالابطال‏.‏ أما إبطال الحمل على الحظر‏:‏ فهو أن هذا خيال من رأى الافعال قبل ورود الشرع على الحظر، قال‏:‏ وهذا الفعل لم يرد فيه شرع، ولا يتعين بنفسه لاباحة ولا لوجوب، فيبقى على ما كان، فلقد صدق في إبقاء الحكم على ما كان، وأخطأ في قوله بأن الاحكام قبل الشرع على الحظر، وقد أبطلنا ذلك، ويعارضه قول من قال إنها على الاباحة، وهو أقرب من الحظر، ثم يلزم منه تناقض، وهو أن يأتي بفعلين متضادين في وقتين فيؤدي إلى أن يحرم الشئ وضده، وهو تكليف المحال‏.‏ أما إبطال الاباحة‏:‏ فهو أنه إن أراد به أنه أطلق لنا مثل ذلك فهو تحكم لا يدل عليه عقل ولا سمع، وإن أراد به أن الأصل في الافعال نفي الحرج فيبقى على ما كان قبل الشرع، فهو حق، وقد كان كذلك قبل فعله فلا دلالة، إذا لفعله‏.‏ أما إبطال الحمل على الندب‏:‏ فإنه تحكم، إذا لم يحمل على الوجوب لاحتمال كونه ندبا، فلا يحمل على الندب لاحتمال كونه واجبا بل لاحتمال كونه مباحا‏.‏ وقد تمسكوا بشبهتين‏:‏ الأولى‏:‏ أن فعله يحتمل الوجوب و الندب، والندب أقل درجاته فيحمل عليه، قلنا‏:‏ إنما يصح ما ذكروه، لو كان الندب داخلا في الوجوب، ويكون الوجوب ندبا وزيادة، وليس كذلك، إذ يدخل جواز الترك في حد الندب دون حد الوجوب، وأقرب ما قيل فيه الحمل على الندب، لا سيما في العبادات، أما في العادات فلا أقل من حمله على الاباحة، لا بمجرد الفعل، ولكن نعلم أن الصحابة كانوا يعتقدون في كل فعل له أنه جائز ويستدلون به على الجواز، ويدل هذا على نفي الصغائر عنه، وكانوا يتبركون بالاقتداء به في العادات، لكن هذا أيضا ليس بقاطع، إذ يحتمل أن يكون، استدلالهم بذلك مع قرائن حسمت بقية الاحتمالات، وكلامنا في مجرد الافعال دون قرينة، ولا شك في أن ابن عمر لما رآه مستقبل بيت المقدس في قضاء حاجته استدل به على كونه مباحا إذا كان في بناء، لانه كان في البناء ولم يعتقد أنه ينبغي أن يقتدي به فيه، لانه خبنفسه، فلم يكن يقصد إظهاره ليعلم بالقرينة قصده الدعاء إلى الاقتداء، فتبين من هذا أنهم اعتقدوا وأن ما فعله مباح، وهذا يدل على أنهم لم يجوزوا عليه الصغائر وأنهم لم يعتقدوا الاقتداء في كل فعل بل ما يقترن به قرينة تدل على إرادته البيان بالفعل‏.‏ الثانية‏:‏ التمسك بقوله‏:‏ ‏{‏لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‏}‏ ‏(‏الاحزاب‏:‏ 12‏)‏ فأخبر أن لنا، التأسي، ولم يقل عليكم التأسي فيحمل على الندب لا على الوجوب، قلنا‏:‏ الآية حجة عليكم، لان التأسي به في إيقاع الفعل الذي أوقعه على ما أوقعه فما أوقعه واجبا أو مباحا إذا أوقعناه على وجه الندب لم نكن مقتدين به، كما أنه إذا قصد الندب فأوقعناه واجبا خالفنا التأسي فلا سبيل إلى التأسي به، قبل معرفة قصده ولا يعرف قصده إلا بقوله أو بقرينة ثم نقول‏:‏ إذا انقسمت أفعاله إلى الواجب والندب لم يكن من يحمل الكل على الوجوب متأسيا ومن يجعل الكل أيضا ندبا متأسيا، بل كان النبي عليه السلام يفعل ما لا يدري فمن فعل ما لا يدري على أي وجه فعله لم يكن متأسيا‏.‏ أما أبطال الحمل على الوجوب‏:‏ فإن ذلك لا يعرف بضرورة عقل ولا نظر، ولا بدليل قاطع، فهو تحكم، لان فعله متردد بين الوجوب والندب، وعند من لم يوجب عصمته من الصغائر يحتمل الحظر أيضا، فلم يتحكم بالحمل على الوجوب ولهم شبه‏:‏ الأولى‏:‏ قولهم لا بد من وصف فعله بأنه حق وصواب ومصلحة ولولاه لما أقدم عليه ولا تعيد به، قلنا‏:‏ جملة ذلك مسلم في حقه خاصة ليخرج به عن كونه محظورا، وإنما الكلام في حقنا، وليس يلزم الحكم بأن ما كان في حقه حقا وصوابا ومصلحة كان في حقنا كذلك، بل لعله مصلحة بالاضافة إلى صفة النبوة أو صفة هو يختص بها، ولذلك خالفنا في جملة من الجائزات والواجبات والمحظورات، بل اختلف المقيم والمسافر والحائض والطاهر في الصلوات فلم يمتنع اختلاف النبي والامة‏.‏ الثانية‏:‏ أنه نبي، وتعظيم النبي واجب، والتأسي به تعظيم، قلنا‏:‏ تعظيم الملك في الانقياد له فيما يأمر وينهي لا في التربع إذا تربع، ولا في الجلوس على السرير إذا جلس عليه، فلو نذر الرسول أشياء لم يكن تعظيمه في أن ننذرها مثل ما نذرها، ولو طلق أو باع أو اشترى لم يكن تعظيمه في التشبه به‏.‏ الثالث‏:‏ أنه لو لم يتابع في أفعاله لجاز أن لا يتابع في أقواله، وذلك تصغير لقدره وتنفير للقلوب عنه، قلنا هذا هذيان، فإن المخالفة في القول عصيان له، وهو مبعوث للتبليغ حتى يطاع في أقاويله، لان قوله متعد إلى غيره، وفعله قاصر عليه، وأما التنفير فقد بينا أنه لا التفات إليه ولو كان ترك التشبه به تصغيرا له لكنا تركنا للوصال، وتركنا نكاح تسع بل تركنا دعوى النبوة تصغيرا، فاستبان أن هذه خيالات، وأن التحقيق أن الفعل متردد، كما أن اللفظ المشترك كالقرء متردد، فلا يجوز حمله على أحد الوجوه إلا بدليل زائد‏.‏ الرابعة‏:‏ تمسكهم بآي من الكتاب، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ونصروا‏}‏ ‏(‏الانعام‏:‏ 351‏)‏ وأنه يعم الاقوال والافعال، وكقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فليحذر الذين يخالفون عن أمره‏}‏ ‏(‏النور‏:‏ 36‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وما آتاكم الرسول فخذوه‏}‏ ‏(‏الحشر‏:‏ 7‏)‏ وأمثاله، وجمع ذلك يرجع إلى قبول أقواله، وغايته أن يعم الاقوال والافعال، وتخصيص العموم ممكن، ولذلك لم يجب على الحائض و المريض موافقته مع أنهم مأمورون بالاتباع والطاعة‏.‏ الخامسة‏:‏ وهي أظهرها تمسكهم بفعل الصحابة، وهو أنهم واصلوا الصيام لما واصل وخلعوا نعالهم في الصلاة لما خلع، وأمرهم عام الحديبية بالتحلل بالحلق فتوقفوا، فشكا إلى أم سلمة، فقالت أخرج إليهم واذبح واحلق ففعل، فذبحوا وحلقوا مسارعين، وإنه خلع خاتمه فخلعوا، وبأن عمر كان يقبل الحجر ويقول‏:‏ إني لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي عليه السلام يقبلك ما قبلتك وبأنه قال في جواب من سأل أم سلمة عن قلبة الصائم فقال‏:‏ ألا أخبرته أني أقبل وأنا صائم وكذلك الصحابة رضي الله عنهم بأجمعهم اختلفوا في الغسل من التقاء الختانين، فقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا فرجعوا إلى ذلك الجواب من وجوه‏.‏ الأول‏:‏ أن هذه أخبار آحاد، وكما لا يثبت القياس وخبر الواحد إلا بدليل قاطع فكذلك هذا لانه أصل من الاصول‏.‏ الثاني‏:‏ أنهم لم يتبعوه في جميع أفعاله وعباداته، فكيف صار اتباعهم للبعض دليلا ولم تصر مخالفتهم في البعض دليل جواز المخالفة‏.‏ الثالث‏:‏ وهو التحقيق‏:‏ أن أكثر هذه الاخبار تتعلق بالصلاة والحج والصوم والوضوء، وقد كان بين لهم أن شرعه وشرعهم فيه سواء فقال‏:‏ صلوا كما رأيتموني أصلي وخذوا عني مناسككم وعلمهم الوضوء وقال‏:‏ هذا وضوئي ووضوء الانبياء من قبلي وأما الوصال فإنهم ظنوا لما أمرهم بالصوم واشتغل معهم به أنه قصد بفعله امتثال الواجب وبيانه، فرد عليهم ظنهم وأنكر عليهم الموافقة، وكذلك في قبلة الصائم ربما كان قد بين لهم مساواة الحكم في المفطرات وأن شرعه شرعهم، وكذلك في الاحداث قد عرفهم مساواة الحكم فيها، ففهموا لا بمجرد حكاية الفعل، كيف وقد نقل أنه عليه السلام قال‏:‏ إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وأما خلع الخاتم فهو مباح، فلما خلع أحبوا موافقته لا لاعتقادهم وجوب ذلك عليهم، أو توهموا أنه لما ساواهم في سنة التختم فيساويهم في سنة الخلع، فإن قيل‏:‏ الأصل أن ما ثبت في حقه عام إلا ما استثنى قلنا‏:‏ لا بل الأصل أن ما ثبت في حقه فهو خاص إلا ما عممه فإن قيل‏:‏ التعميم أكثر فلينزل عليه، قلنا‏:‏ ولم يجب التنزيل على الاكثر وإذا اشتبهت أخت بعشر أجنبيات، فالاكثر حلال، ولا يجوز الاخذ به، كيف والمباحات أكثر من المندوبات، فلتلحق بها والمندوبات أكثر من الواجبات فلتلحق بها، بل ربما قال القائل‏:‏ المحظورات أكثر من الواجبات فلتنزل عليها‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الفصل الثاني في شبهات متفرقة في أحكام الافعال الأولى
قال قائل‏:‏ إذا نقل إلينا فعله عليه السلام فما الذي يجب على المجتهد أن يبحث عنه، وما الذي يستحب‏؟‏ قلنا‏:‏ لا يجب إلا أمر واحد، وهو البحث عنه، هل ورد بيانا لخطاب عام أو تنفيذا لحكم لازم عام فيجب علينا اتباعه، أو ليس كذلك فيكون قاصرا عليه فإن لم يقم دليل على كونه بيانا لحكم عام فالبحث عن كونه ندبا في حقه أو واجبا أو مباحا أو محظورا أو قضاء أو أداء موسعا أو مضيقا لا يجب، بل هو زيادة درجة، وفضل في العلم يستحب للعالم أن يعرفه، فإن قيل‏:‏ كم أصناف ما يحتاج إلى البيان سوى الفعل‏؟‏ قلنا‏:‏ ما يتطرق إليه احتمال كالمجمل والمجاز والمنقول عن وضعه والمنقول بتصرف الشرع، والعام المحتمل للخصوص، والظاهر المحتمل للتأويل، ونسخ الحكم بعد استقراره، ومعنى قول‏:‏ افعل أنه للندب أو للوجوب أو أنه على الفور أو التراخي، أو أنه للتكرار أو المرة الواحد، والجمل المعطوفة إذا أعقبت باستثناء وما يجري مجراه مما يتعارض فيه الاحتمال والفعل من جملة ذلك، فإن قيل‏:‏ فإن بين لنا بفعله ندبا فهل يكون فعله واجبا‏؟‏ قلنا‏:‏ نعم، هو من حيث أنه بيان واجب، لانه تبليغ للشرعه، ومن حيث أنه فعل ندب، وذهب بعض القدرية إلى أن بيان الواجب واجب، وبيان الندب ندب، وبيان المباح مباح، ويلزم على ذلك أن يكون بيان المحظور محظورا، فإذا كان بيان المحظور واجبا فلم لا يكون بيان الندب واجبا، وكذلك بيان المباح، وهي أحكام الله تعالى على عباده والرسول مأمور بالتبليغ وبيانه‏:‏ بالقول أو الفعل، وهو مخير بينهما، فإذا أتى بالفعل فقد أتى بإحدى خصلتي الواجب فيكون فعله، واقعا عن الواجب، فإن قيل‏:‏ وبم يعرف كون فعله بيانا‏؟‏ قلنا‏:‏ إما بصريح قوله وهو ظاهر، أو بقرائن، وهي كثيرة‏.‏ إحداها‏:‏ أن يرد خطاب مجمل ولم يبينه بقوله إلى وقت الحاجة، ثم فعل عند الحاجة والتنفيذ للحكم فعلا صالحا للبيان، فيعلم أنه بيان، إذا لم يكن لكان مؤخرا للبيان عن وقت الحاجة، وذلك محال عقلا عند قوم وسمعا عند آخرين، وكونه غير واقع متفق عليه، لكن كون الفعل متعينا للبيان، يظهر للصحابة، إذ قد علموا عدم البيان بالقول، أما نحن فيجوز أن يكون قد بين بالقول ولم يبلغنا، فيكون الظاهر عندنا أن الفعل بيان، فقطع يد السارق من الكوع وتيممه إلى المرفقين، بيان لقوله عزوجل‏:‏ ‏{‏فاقطعوا أيديهما‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 83‏)‏ ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فامسحوا بوجوهكم وأيديكم‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 6‏)‏ الثانية‏:‏ أن ينقل فعل غير مفصل، كمسحه رأسه وأذنيه من غير تعرض لكونهما مسحا بماء واحد أو بماء جديد ثم ينقل أنه أخذ لاذنيه ماء جديدا، فهذا في الظاهر يزيل الاحتمال عن الأول، ولكن يحتمل أن الواجب ماء واحد، وأن المستحب ماء جديدا فيكون أحد الفعلين على الاقل، والثاني على الاكمل‏.‏ الثالثة‏:‏ أن يترك ما لزمه فيكون بيانا لكونه منسوخا في حقه، أما في حق غيره فلا يثبت النسخ إلا ببيان الاشتراك في الحكم، نعم لو ترك غيره بين يديه فلم ينكر مع معرفته فيدل على النسخ في حق الغير‏.‏ الرابعة‏:‏ أنه إذا أتى بسارق ثمر أو ما دون النصاب فلم يقطع فيدل على تخصيص الآية، لكن هذا بشرط أن يعلم انتفاء شبهة أخرى تدرأ القطع، لانه لو أتى بسارق سيف فلم يقطعه فلا يتبين لنا سقوط القطع في السيف ولا في الحديد، لكن يبحث عن سببه، فكذلك الثمر وما دون النصاب، وكذلك تركه القنوت والتسمية والتشهد الأول مرة واحدة لا يدل على النسخ، إذ يحمل على نسيان أو على بيان جواز ترك السنة، وإن ترك مرات دل على عدم الوجوب، وكذلك لو ترك الفخذ مكشوفا دل على أنه ليس من العورة‏.‏ الخامسة‏:‏ إذا فعل في الصلاة ما لو لم يكن واجبا لافسد الصلاة دل على الوجوب، كزيادة ركوع في الخسوف، وكحمل أمامة في الصلاة يدل على أن الفعل القليل لا يبطل وأنه فعل قليل هذا مع قوله‏:‏ صلوا كما رأيتموني أصلي يكون بيانا في حقنا‏.‏ السادسة‏:‏ إذا أمر الله تعالى بالصلاة وأخذ الجزية والزكاة مجملا ثم أنشأ الصلاة وابتدأ بأخذ الجزية فيظهر كونه بيانا وتنفيذا، لكن إن لم تكن الحاجة متنجزة بحيث يجوز تأخير البيان فلا يتعين لكونه بيانا، بل يحتمل أن يكون فعلا أمر به خاصة في ذلك الوقت، فإذا لا يصير بيانا للحكم العام إلا بقرينة أخرى‏.‏ السابعة‏:‏ أخذه مالا ممن فعل فعلا أو إيقاعه به ضربا أو نوع عقوبة، فإنه له خاصة ما لم ينبه على أن من فعل ذلك الفعل فعليه مثل ذلك المال، فإنه لا يمتنع، لانه وإن تقدم ذلك الفعل فلا يتعين لكونه موجب أخذ المال، وأنه لا يمتنع وجود سبب آخر هو المقتضى للمال وللعقوبة أما قضاؤه على من فعل فعلا بعقوبة أو مال كقضائه على الاعرابي بإعتاق رقبة فإنه يدل على أنه موجب ذلك الفعل، لان الراوي لا يقول‏:‏ قضى على فلان بكذا لما فعل كذا إلا بعد معرفته بالقرينة، فإن قيل‏:‏ فإذا فعل فعلا وكان بيانا ووقع في زمان ومكان وعلى هيئة فهل يتبع الزمان والمكان والهيئة‏؟‏ فيقال‏:‏ أما الهيئة والكيفية فنعم، وأما الزمان والمكان فهو كتغيم السماء وصحوها، ولا مدخل له في الاحكام إلا أن يكون الزمان والمكان لائقا به بدليل دل عليه كاختصاص الحج بعرفات والبيت، واختصاص الصلوات بأوقات، لانه لو اتبع المكان للزم مراعاة تلك الرواية بعينها، ووجب مراعاة ذلك الوقت، وقد انقضى ولا يمكن إعادته وما بعده من الاوقات ليس مثلا، فيجب إعادة الفعل في الزمان الماضي وهو محال، وقد قال قوم إن تكرر فعله في مكان واحد وزمان واحد دل على الاختصاص وإلا فلا، وهو فاسد لما سبق ذكره، فإن قيل، إن كان فعله بيانا فتقريره على الفعل وسكوته عليه وتركه الانكار واستبشاره بالفعل أو مدحه له، هل يدل على الجواز وهل يكون بيانا‏؟‏ قلنا‏:‏ نعم، سكوته مع المعرفة وتركه الانكار دليل على الجواز إذ لا يجوز له ترك الانكار لو كان حراما، ولا يجوز له الاستبشار بالباطل، فيكون دليلا على الجواز كما نقل في قاعدة القيافة، وإنما تسقط دلالته عند من يحمل ذلك على المعصية، ويجوز عليه الصغيرة، ونحن نعلم إتفاق الصحابة على إنكار ذلك وإحالته، فإن قيل‏:‏ لعله، منع من الانكار مانع، كعلمه بأنه لم يبلغه التحريم فلذلك فعله، أو بلغه الانكار مرة فلم ينجح فيه فلم يعاوده‏.‏ قلنا‏:‏ ليس هذا مانعا لان من لم يبلغه التحريم فيلزمه تبليغه ونهيه حتى لا يعود ومن بلغه، ولم ينجح فيه فيلزمه إعادته وتكراره كيلا يتوهم نسخ التحريم، فإن قيل‏:‏ فلم لم يجب عليه أن يطوف صبيحة كل سبت وأحد على اليهود والنصارى إذا اجتمعوا في كنائسهم وبيعهم‏؟‏ قلنا‏:‏ لانه علم أنهم مصرون مع تبليغه وعلم الخلق أنه مصر على تكفيرهم دائما، فلم يكن ذلك مما يوهم النسخ، بخلاف فعل يجري بين يديه مرة واحدة أو مرات، فإن السكوت عنه يوهم النسخ‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الفصل الثالث في تعارض الفعلين
فنقول‏:‏ معنى التعارض التناقض، فإن وقع في الخبر أوجب كون واحد منهما كذبا، ولذلك لا يجوز التعارض في الاخبار من الله تعالى ورسوله، وإن وقع في الامر والنهي والاحكام فيتناقض فيرفع الاخير الأول ويكون نسخا، وهذا متصور، وإذا عرفت أن التعارض هو التناقض، فلا يتصور التعارض في الفعل، لانه لا بد من فرض الفعلين في زمانين أو في شخصين، فيمكن الجمع بين وجوب أحدهما وتحريم الآخر فلا تعارض، فإن قيل‏:‏ فالقول أيضا لا يتناقض إذ يوجد القولان في حالتين، وإنما يتناقض حكمهما، فكذلك يتناقض حكم الفعلين، قلنا‏:‏ إنما يتناقض حكم القولين، لان القول الأول اقتضى حكما دائما، فيقطع القول الثاني دوامه، والفعل لا يدل أصلا على حكم ولا على دوام حكم، نعم‏:‏ لو أشعرنا الشارع بأنه يريد بمباشرة فعل بيان دوام وجوبه ثم ترك ذلك الفعل بعده كان ذلك نسخا وقطعا لدوام حكم ظهر بالفعل مع تقدم الاشعار، فهذا القدر ممكن، وأما التعارض بين القول والفعل فممكن بأن يقول قولا يوجب على أمته فعلا دائما وأشعرهم بأن حكمه فيه حكمهم ابتداء ونسخا، ثم فعل خلافه أو سكت على خلافه، كان الاخير نسخا، وإن أشكل التاريخ وجب طلبه وإلا فهو متعارض، كما روي أنه قال في السارق‏:‏ وإن سرق خامسة فاقتلوه ثم أتى بمن سرق خامسة فلم يقتله، فهذا إن تأخر فهو نسخ القول والفعل، وإن تأخر القول فهو نسخ ما دل عليه‏:‏ الفعل، وقد قال قوم‏:‏ إذا تعارضا وأشكل التاريخ يقدم القول، لان القول بيان بنفسه بخلاف الفعل، فإن الفعل يتصور أن يخصه، والقول يتعدى إلى غيره، ولان القول يتأكد بالتكرار بخلاف الفعل، فنقول‏:‏ أما قولكم أن الفعل ليس بيانا بنفسه فمسلم، ولكن كلامنا في فعل صار بيانا لغيره فلا يتأخر عما كان بيانا بنفسه، وأما خصوص الفعل فمسلم أيضا، ولكن كلامنا في فعل لا يمكن حمله على خاصيته، وأما تأكيد القول بالتكرار إن عني به أنه إذا تواتر أفاد العلم، فهذا مسلم إذا توتر من أشخاص، فليس ذلك تكرارا وتكراره من شخص واحد لا أثر له كتكرار الفعل، هذا تمام الكلام في الافعال الملحقة بالاقوال، وبيان ما فيها من البيان والاجمال، ولنشتغل بعدها بالفن الثالث من القطب وهو المرسوم لبيان كيفية دلالة الالفاظ على المدلولات بمعقولها ومعناها، وهو الذي يسمى قياسا فلنخض في شرح كتاب القياس مستعينين بالله عزوجل‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس