عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 07:50 PM   #48
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏دليل الامر‏)‏
الامر بالامر بالشئ ليس أمرا بالشئ ما لم يدل عليه دليل، مثاله قوله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏{‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 301‏)‏ لا يدل على وجوب الاداء بمجرده على الامة، وربما ظن ظان أنه يدل على الوجوب، وليس الامر كذلك، لكن دل الشرع على أن أمر النبي عليه الصلاة والسلام، واجب الطاعة، وأنهم لو كانوا مأذونين في المنع لكان ذلك تحقيرا للنبي عليه السلام وتنفيرا للامة عنه، وذلك يغض من قدره، ويشوش مقصود الشرع، وإلا فلا يستحيل أن يقال للزوج الشافعي إذا قال لزوجته‏:‏ أنت بائن علي نية الطلاق راجعها وطالبها بالوطئ ويقال للحنفية التي ترى أنها بائنة‏:‏ يجب عليك المنع، ويقال للولي الذي يرى أن لطفله على طل غيره شيئا أطلبه، ويقال للمدعي عليه إذا عرف أنه لا شئ على طفله لا تعطه ومانعه، ويقول السيد لاحد العبدين، أوجبت عليك أن تأمر العبد الآخر، ويقول للآخر‏:‏ أوجبت عليك العصيان له، وبهذا تعرف أن قوله عليه السلام‏:‏ مروهم بالصلاة لسبع ليس خطابا من الشرع مع الصبي ولا إيجابا عليه مع أن الامر واجب على الولي، فإن قيل‏:‏ فلو قال للنبي‏:‏ أوجبت عليك أن توجب على الامة، وقال للامة‏:‏ أوجبت عليكم خلافه‏:‏ قلنا ذلك يدل على أن الواجب على النبي أن يقول‏:‏ أوجبت لا على حقيقة الايجاب، فإن أراد حقيقة الايجاب فهو متناقض، بخلاف قوله‏:‏ ‏{‏خذ من أموالهم صدقة‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 301‏)‏ فإن ذلك لا يناقضه أمرهم بالمنع، فإن قيل‏:‏ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والتسلم لا يتم إلا بالتسليم، قلنا‏:‏ لا يجب التسلم، بل يجب الطلب فقط، ثم إن وجب التسلم فذلك يتم بالتسليم المحرم، وإنما يناقض التسلم أنتفاء التسليم في نفسه لانتفاء علته وحكمه، وبالجملة‏:‏ كما أن من أمر زيدا بضرب عمرو فلا يطلب من عمرو شيئا، فكذلك إذا أمره يأمر عمرا فلا يطلب من عمرو شيئا‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏خطاب الجماعة بالامر‏)‏
ظاهر الخطاب مع جماعة بالامر يقتضي وجوبه على كل واحد، إلا أن يدل دليل على سقوط الفرض عن الجميع بفعل واحد، أو يرد الخطاب بلفظ لا يعم الجميع، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 401‏)‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 221‏)‏ فإن هذا لا يدل على الوجوب في حق كل واحد على التعيين، فإن قيل‏:‏ فما حقيقة فرض الكفاية‏:‏ أهو فرض على الجميع ثم يسقط الفرض بفعل البعض، أو هو فرض على واحد لا بعينه، أي واحد كان، كالواجب المخير في خصال الكفارة، أو هو واجب على من حضر وتعين أعني حضر الجنازة أو المنكر، أما من لم يتعين فهو ندب في حقه، قلنا‏:‏ الصحيح من هذه الاقسام الأول وهو عموم الفرضية، فإن سقوط الفرض دون الاداء يمكن، إما بالنسخ أو بسبب آخر‏.‏ ويدل عليه أنهم لو فعلوا بأجمعهم نال كل واحد منهم ثواب الفرض وإن امتنعوا عم الحرج الجميع، ولو خلا بعضهم عن الوجوب لا نفك عن الاثم‏.‏ أما الايجاب على واحد لا بعينه فمحال‏:‏ لان المكلف ينبغي أن يعلم أنه مكلف، وإذا أبهم الوجوب تعذر الامتثال كما حققناه في بيان الواجب المخير‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏متى يعلم الامر والامتثال‏)‏
ذهبت المعتزلة إلى أن المأمور لا يعلم كونه مأمورا قبل التمكن من الامتثال، وذهب القاضي وجماهير أهل الحق إلى أنه يعلم ذلك، وفي تفهيم حقيقة المسألة غموض، وسبيل كشف الغطاء عنه أن نقول‏:‏ إنما يعلم المأمور كونه مأمورا مهما كان مأمورا، لان العلم يتبع المعلوم‏.‏ وإنما يكون مأمورا إذا توجه الامر عليه ولا خلاف أنه يتصور أن يقول السيد لعبده‏:‏ صم غدا، وأن هذا أمر مقق ناجز في الحال، وإن كان مشروطا ببقاء العبد إلى غد، ولكن اتفقت المعتزلة على أن الامر المقيد بالشرط أمر حاصل ناجز في الحال، لكن يشترط أن يكون تحقق الشرط مجهولا عند الآمر والمأمور، أما إذا كان معلوما فلا، فإنه لو قال‏:‏ صم إن صعدت إلى السماء أو إن عشت ألف سنة، فليس هذا بأمر، أي هذه الصيغة، ليست عبارة عن حقيقة عن حقيقة المعنى الذي يقوم بالنفس ويسمى أمرا، ولو قل‏:‏ صم إن كان العالم مخلوقا أو كان الله موجودا، فهذا أمر، ولكن ليس بمقيد بشرط، وليس هذا من الشرط في شئ فإن الشرط هو الذي يمكن أن يوجد ولا يوجد، فلما كان العلم بوجود الشرط أو عدمه منافيا وجود الامر المقيد بالشرط زعموا أن الله عالم بعواقب الامر، فالشرط في أمره محال ونحن نسلم أن جهل المأمور شرط، أما جهل الآمر فليس بشرط، حتى لو علم السيد بقول نبي صادق أن عبده يموت قبل رمضان، فيتصور أن يأمره بصوم رمضان مهما جهل العبد ذلك، وربما كان له فيه لطف يدعوه إلى الطاعات ويزجره عن المعاصي، وربما كان لطفا لغير المأمور بحث أو زجر وربما كان امتحانا له ليشتغل بالاستعداد، فيثاب على العزم على الامتثال، ويعاقب على العزم على الترك، والمعتزلة أحالوا ذلك وقالوا‏:‏ إذا شهد العبد هلال رمضان توجه عليه الامر بحكم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن شهد منكم الشهر فليصمه‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 581‏)‏ لكن ذلك بناء على ظن البقاء ودوام القدرة فإن الحياة والقدرة شرط في التكليف فإذا مات في منتصف الشهر تبينا أنه كان مأمورا بالنصف الأول، وأنه لم يكن مأمورا بالنصف الثاني‏.‏ ويدلك على بطلان مذهبهم مسالك‏:‏ المسلك الأول‏:‏ أن الامة مجمعة قبل ظهور المعتزلة أن الصبي كما يبلغ يجب عليه أن يعلم ويعتقد كونه مأمورا بشرائع الاسلام منهيا عن الزنا والسرقة والقتل في الحال وإن لم يحضره وقت صلاة ولا زكاة، ولا حضر من يمكن قتله والزنا به، ولا حضر مال تمكن سرقته، ولكن يعلم نفسه مأمورا منهيا بشرط التمكن، لانه جاهل بعواقب أمره، وعلمه بأن الله تعالى عالم بها لا يدفع عنه وجوب هذا الاعتقاد‏.‏ المسلك الثاني‏:‏ أن الامة مجمعة على أن من عزم على ترك ما ليس منهيا عنه، فليس بمتقرب إلى الله تعالى، ومن عزم على ترك المنهيات، و الاتيان بالمأمورات، كان متقربا إلى الله تعالى، وإن احتمل أن لا يكون مأمورا أو منهيا، لعلم الله بأنه لا يساعده التمكن، فينبغي أن نشك في كونه متقربا، ونتوقف ونقول‏:‏ إن مت بعد هذا العزم وقبل التمكن فلا ثواب لك، لانه لا تقرب منك، وإن عشت وتمكنت تبينا عند ذلك كونك متقربا، وهذا خلاف الإجماع‏.‏ المسلك الثالث‏:‏ إجماع الامة على أن صلاة الفرض لا تصح إلا بنية الفرضية، ولا يعقل تثبيت نية الفرضية إلا بعد معرفة الفرضية، والعبد ينوي في أول وقت الصلاة فرض الظهر، وربما يموت في أثناء وقت الصلاة، فيتبين عند المعتزلة أنه لم يكن فرضا، فليكن شاكا في الفرضية، وعند ذلك تمتنع النية، فإن النية قصد لا يتوجه إلا إلى معلوم فإن قيل‏:‏ إن نوى فرضية أربع ركعات، فلو مات بعد ركعتين يعلم أنه لم تكن إلا ربع فريضة، وهو مجوز للموت، فكيف ينوي فرض ما هو شاك فيه‏؟‏ قلنا‏:‏ ليس شاكا فيه، بل هو قاطع بأن الاربع فرض بشرط البقاء، فالامر بالشرط أمر في الحال، وليس بمعلق، والفرض بالشرط فرض، أي أنه مأمور أمر إيجاب، من عزم عليه يثاب ثواب من عزم على واجب‏.‏ وإذا قال السيد لعبده‏:‏ صم غدا، فهو أمر في الحال يصوم في الغد، لا أنه أمر في الغد‏.‏ وإذا قال له‏:‏ أوجبت عليك بشرط بقائك وقدرتك، فهو موجب في الحال، لكن إيجابا بشرط، فهكذا ينبغي أن تفهم حقيقة هذه المسألة، وكذلك إذا قال لوكيله‏:‏ بع داري غدا، فهو موكل وآمر في الحال، والوكيل مأمور، ووكيل في الحال، حتى يعقل أن يعزل قبل مجئ الغد، فإذا قال الوكيل وكلني ثم عزلني، وأمرني ثم منعني، كان صادقا، فلو مات قبل مجئ الغد لا يتبين أنه كان كاذبا، وقد حققنا هذا في مسألة نسخ الامر قبل التمكن من الامتثال، وفي نسخ الذبح عن إبراهيم عليه السلام، ولهذا فرق الفقهاء بين أن يقول‏:‏ إذا جاء رأس الشهر فأنت وكيلي، وبين أن يقول‏:‏ وكلتك ببيع داري لكن تبيعها عند رأس الشهر، فإن الأول تعليق، ومن منع تعليق الوكالة ربما جوز تنجيز الوكالة مع تأخير التنفيذ إلى رأس الشهر‏.‏ المسلك الرابع‏:‏ إجماع الامة على لزوم الشروع في صوم رمضان، أعني أول يوم مثلا، ولو كان الموت في أثناء النهار يبين عدم الامر فالموت مجوز، فيصير الامر مشكوكا فيه، ولا يلزمه الشروع بالشك، فإن قيل، لانه إن بقي كان واجبا، والظاهر بقاؤه والحاصل في الحال يستصحب، والاستصحاب أصل تبنى عليه الامور، كما أن من أقبل عليه سبع يهرب، وإن كان يحتمل موت السبع قبل الانتهاء إليه، لكن الأصل بقاؤه فيستصحبه، ولانه لو فتح هذا الباب لم يتصور امتثال الاوامر المضيقة أوقاتها كالصوم، فإنه إنما يعلم تمام التمكن بعد انقضاء اليوم ويكون قد فات، قلنا‏:‏ هذا يلزمكم في الصوم، ومذهبكم هو الذي يفضي إلى هذا المحال، وما يفضي إلى المحال فهو محال، وأما الهرب من السبع فحزم وأخذ بأسوأ الاحوال، ويكفي فيه الاحتمال البعيد، فإن من شك في سبع على الطريق أو سارق فيحسن منه الحزم والاحتراز، أما الوجوب فلا يثبت بالشك والاحتمال، وينبغي أن يقال‏:‏ من أعرض عن الصوم، ومات قبل الغروب لم يكن عاصيا، لانه أخذ بالاحتمال الآخر، وهو احتمال الموت، فليكن معذورا به‏.‏ فإن زعموا أن ظن البقاء بالاستصحاب أورث ظن الوجوب، وظن الوجوب اقتضى تحقق الوجوب من الشرع جزما قطعا فهذا تعسف وتناقض‏.‏ المسلك الخامس‏:‏ أن الإجماع منعقد على أن من حبس المصلي في أول الوقت وقيده ومنعه من الصلاة متعد عاص بسبب منعه من الصلاة الواجبة، فإن كان التكليف يندفع به فقد أحسن إليه إذ منع التكليف عنه فلم عصي، وهذا فيه نظر، لانه عصي، لان التصرف في الغير بضبطه ومنعه حرام، وإن منعه غير مباح أيضا، ولان منعه صار سببا لوجوب القضاء في ذمته وهو على خطر من فواته، أو يحرم لانه أخرجه عن أن يكلفه، وفي التكليف مصلحة وقد فوتها عليه، بدليل أنه لو قيده قبل وقت الصلاة أو قبل وقت الصلاة أو قبل البلوغ إلى أن بلغ ودخل وقت الصلاة عصى، ولم يكن على الصبي أمر ناجز لا بشرط ولا بغير شرط‏.‏ شبه المعتزلة الأولى‏:‏ قولهم‏:‏ إثبات الامر بشرط يؤدي إلى أن يكون وجود الشئ مشروطا بما يوجد بعده، والشرط ينبغي أن يقارن أو يتقدم أما تأخير الشرط عن المشروط فمحال، قلنا‏:‏ ليس هذا شرطا لوجود ذات الامر، وقيامه بذات الآمر بل الامر موجود قائم بذات الآمر وجد الشرط أو لم يوجد، وإنما هو شرط لكون الامر لازما واجب التنفيذ، وليس ذلك من شرط كونه موجودا بسبيل، ولهذا قلنا‏:‏ الامر أمر للمعدوم بتقدير الوجود، وإن لم يبلغه بشرط بلوغه فليس البلوغ شرطا لقيام نفس الامر بذات الآمر بل للزوم تنفيذه، فإن قال قائل اختلاف قول الشافعي في أن من جامع في نهار رمضان ثم مات أو جن قبل الغروب هل يلزمه الكفارة‏؟‏ هل يلتفت إلى هذا الأصل‏؟‏ قلنا‏:‏ أما من ذهب إلى أنا نتبين عند زوال الحياة انتفاء الامر من أصله فلا يمكنه إيجاب الكفارة، وأما من ذهب إلى أنا لا نتبين عدم الامر فيحتمل منه التردد، إذ يحتمل أن يقول‏:‏ قد أفسد بالجماع الصوم الذي كان واجبا عليه، وقطع الصوم الواجب بحكم الوقت وإفساده يوجب الكفارة، يحتمل أن يقال‏:‏ وجبت الكفارة بإفساد صوم لا يتعرض للفساد والانقطاع قبل الغروب، وهذا متعرض له، فيكون هذا مانعا من الالحاق بالصوم، الذي يتعين الجماع لافساده، فإن قال قائل‏:‏ فلو علمت المرأة بالعادة أنها تحيض في أثناء النهار أو بقول نبي صادق حيضا أو جنونا أو موتا، فهل يلزمها الصوم حتى تصوم بعض اليوم‏؟‏ قلنا‏:‏ على مذهب المعتزلة لا ينبغي أن يلزم لان بعض اليوم غير مأمور به، وهي غير مأمورة بالكل، أما عندنا فالاظهر وجوبه، لان المرخص في الافطار لم يوجد، والامر قائم في الحال، والميسور لا يسقط بالمعسور، فإن قال قائل‏:‏ لو قال‏:‏ إن صليت أو شرعت في الصلاة أو الصوم فزوجتي طالق ثم شرع ثم أفسد أو مات أو جن قبل الاتمام فقد اختلفوا في وقوع الطلاق، فهل يلتفت هذا إلى هذا الأصل‏؟‏ قلنا‏:‏ نعم، قياس مذهب المعتزلة أن لا يحنث، لان بعض الصوم ليس بصوم، والفاسد ليس بصوم، وقد تبين ذلك بالآخرة، وعلى مذهبنا ينبغي أن يحنث، وهذه صلاة في الحال، وتمامها مقيد بالشرط، حتى لو قال‏:‏ والله لاعتكفن صائما، أوان اعتكفت صائما فزوجتي طالق ثلاثا، فاعتكف ساعة صائما ثم جن أو مات لم تجب الكفارة في تركته ولم ترثه زوجته‏.‏ ولا تخلو هذه المسائل عن الالتفات إلى هذا الأصل، ولو قال‏:‏ إن أمرت عبدي فزوجتي طالق، ثم قال‏:‏ صم غدا، طلقت زوجته، فإن مات قبل الغد فلا يتبين انتفاء الطلاق، ولو قال‏:‏ إن وكلت وكيلا فزوجتي طالق، وإن عزلت وكيلا فعبدي حر‏.‏ ثم وكل من يبيع داره غدا ثم عزل قبل الغد طلقت زوجته وعتق عبده‏.‏ الشبهة الثانية‏:‏ وهي الاقوى، قولهم‏:‏ إن الامر طلب، فلا يقوم بذات من يعلم امتناع وجود المأمور، فكيف يقوم بذات السيد طلب الخياطة إن صعد العبد إلى السماء، وهو يعلم أنه لا يصعد، نعم يمكن أن يقول‏:‏ خط إن صعدت إلى السماء، لكنه صيغة أمر، ولا يقوم الطلب بذاته، كما لو قال له‏:‏ اصعد إلى السماء، لم يكن أمرا لعجزه، وعلم الآمر بامتناعه إلا على مذهب من يجوز تكليف ما لا يطاق، وأنتم قد ملتم إلى منع تكليف المحال، وبه يفارق الآمر الجاهل فإن من لا يعرف عجز عبده عن القيام يتصور أن يقول‏:‏ قم ويقوم بذاته الطلب، أما إذا علم عجزه فلا يقوم بذاته طلب الممتنع، وهذا التحقيق، وهو أن الجهل إذا كان شرطا لقيام هذا الامر بذاته فالمؤثر في صفة ذاته جهله لا جهل المأمور، فهما علم الآمر عدم الشرط، فكيف يكون طالبا، وإذا لم يكن طالبا فكيف يكون آمرا، والآمر هو الطلب، هذا واقع، والجواب‏:‏ أن هذا لا يصح من المعتزلة مع إنكارهم كلام النفس، أما عندنا فليس المراد بالطلب الذي هو معنى الامر إرادة وتشوقا، لان المعاصي عندنا مرادة وهي غير مأمور بها، والطاعات مأمور بها، وقد لا تكون مرادة، فإن ما أراد الله واقع، والتشوق على الله محال، وإنما معناه اقتضاء فعله لمصلحة العبد، ولكنه يكون توطئة للنفس على عزم الامتثال أو الترك لما يخالفه لطفا به في الاستعداد والانحراف عن الفساد، وهذا لطف متصور من الله تعالى، ويتصور أيضا من السيد أن يستصلح عبده بأوامر ينجزها عليه، مع عزمه على نسخ الامر قبل الامتثال، امتحانا للعبد واستصلاحا له، وكل أمر مقيد بشرط أن لا ينسخ، وكوكالة مقيدة بشرط أن لا يعزل الوكيل، وقوله‏:‏ وكلتك ببيع العبد غدا، مع العلم بأنه سيعتق العبد قبل الغد وكالة في الحال يقصد بها استمالة الوكيل مثلا وامتحانه في إظهار الاستبشار بأمره أو الكراهية، فكل ذلك معقول لهذه الفائدة، وليس تحت الامر إلا أنه اقتضاء من هذا الجنس والله أعلم‏.‏ لقول في صيغة النهي اعلم أن ما ذكرناه من مسائل الاوامر تتضح به أحكام النواهي، إذ لكل مسألة وزان من النهي على العكس، فلا حاجة إلى التكرار، ولكنا نتعرض لمسائل لابد من افرادها بالكلام‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏هل النهي يقتضي الفساد‏)‏
اختلفوا في أن النهي عن البيع والنكاح والتصرفات المفيدة للاحكام هل يقتضي فسادها‏؟‏ فذهب الجماهير إلى أنه يقتضي فسادها، وذهب قوم إلى أنه إن كان نهيا عنه لعينه دل على الفساد، وإن كان لغيره فلا، والمختار أنه لا يقتضي الفساد، وبيانه أنا نعني بالفساد تخلف الاحكام عنها وخروجها عن كونها أسبابا مفيدة للاحكام، ولو صرح الشارع وقال‏:‏ حرمت عليك إستيلاد جارية الابن ونهيتك عنه لعينه، لكن إن فعلت ملكت الجارية، ونهيتك عن الطلاق في الحيض لعينه لكن إن فعلت بانت زوجتك، ونهيتك عن إزالة النجاسة عن الثوب بالماء المغصوب لكن إن فعلت طهر الثوب، ونهيتك عن ذبح شاة الغير بسكين الغير من غير إذن، لكن إن فعلت حلت الذبيحة، فشئ من هذا ليس يمتنع ولا يتناقض، بخلاف قوله‏:‏ حرمت عليك الطلاق وأمرتك به، أو أبحثه لك، وحرمت عليك الاستيلاد لجارية الابن وأوجبته عليك، فإن ذلك متناقض لا يعقل، لان التحريم يضاد الايجاب ولا يضاده كون المحرم منصوبا علامة على حصول الملك والحل وسائر الاحكام، إذ يتناقض أن يقول‏:‏ حرمت الزنا وأبحته، ولا يتناقض أن يقول‏:‏ حرمت الزنا وجعلت الفعل الحرام في عينه سببا لحصول الملك في العوضين، فإن شرط التحريم التعرض لعقاب الآخرة فقط دون تخلف الثمرات والاحكام عنه، فإذا ثبت هذا فقوله‏:‏ لا تبع، ولا تطلق، ولا تنكح لو دل على تخلف الاحكام وهو المراد بالفساد فلا يخلو إما أن يدل من حيث اللغة أو من حيث الشرع، ومحال أن يدل من حيث اللغة، لان العرب قد تنهى عن الطاعات وعن الاسباب المشروعة وتعتقد ذلك نهيا حقيقيا دالا على أن المنهي ينبغي أن لا يوجد، أما الاحكام فإنها شرعية لا يناسبها اللفظ من حيث وضع اللسان، إذ يعقل أن يقول العربي‏:‏ هذا العقد الذي يفيد الملك والاحكام إياك أن تفعله وتقدم عليه، ولو صرح به الشارع أيضا لكان منتظما مفهوما، أما من حيث الشرع فلو قام دليل على أن النهي للافساد ونقل ذلك عن النبي عليه السلام صريحا لكان ذلك من جهة الشرع تصرفا في اللغة بالتغيير، أو كان النهي من جهته منصوبا علامة على الفساد، ويجب قبول ذلك ولكن الشأن في إثبات هذه الحجة ونقلها، وشبههم الشرعية أربع‏:‏ الشبهة الأولى‏:‏ قولهم إن المنهي عنه قبيح ومعصية، فكيف يكون مشروعا‏؟‏ قلنا‏:‏ إن أردتم بالمشروع كونه مأمورا به أو مباحا أو مندوبا فذلك محال، ولسنا نقول به، وإن عنيتم به كونه منصوبا علامة للملك أو الحال أو حكم من الاحكام ففيه وقع النزاع، فلم ادعيتم استحالته ولم يستحل أن يحرم الاستيلاد وينصب سببا لملك الجارية ويحرم الطلاق وينصب سببا للفراق، بل لا يستحيل أن ينهي عن الصلاة في الدار المغصوبة وتنصب سببا لبراءة الذمة وسقوط الفرض‏.‏ الشبهة الثانية‏:‏ قولهم إن النهي لا يرد من الشارع في البيع والنكاح إلا لبيان خروجه عن كونه مملكا أو مشروعا، قلنا‏:‏ في هذا وقع النزاع الدليل عليه، وكم من بيع ونكاح ونهي عنه وبقي سببا للافادة، فما هذا التحكم‏؟‏ الشبهة الثالثة‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ كل عمل ليس عليه أمرنا فهو ردو من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد قلنا‏:‏ معنى قوله‏:‏ رد، أي غير مقبول طاعة وقربة ولا شك في أن المجرم لا يقع طاعة‏.‏ أما أن لا يكون سببا للحكم فلا، فإن الاستيلاد والطلاق وذبح شاة الغير ليس عليه أمرنا، ثم ليس برد بهذا المعنى‏.‏ الشبهة الرابعة‏:‏ قولهم أجمع سلف الامة على الاستدلال بالمناهي على الفساد ففهموا فساد الربا من قوله‏:‏ ‏{‏وذروا ما بقي من الربا‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 122‏)‏ واحتج ابن عمر رضي الله عنه في فساد نكاح المشركات بقوله‏:‏ ‏{‏ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 322‏)‏ وفي نكاح المحارم بالنهي، قلنا‏:‏ هذا يصح من بعض الامة أما من جميع الامة فلا يصح، ولا حجة في قول البعض، نعم‏:‏ يتمسك به في التحريم والمنع أما في الافساد فلا‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس