عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 02:58 PM   #24
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


مسألة ‏(‏المكروه غير الواجب‏)‏
كما يتضاد الحرام والواجب فيتضاد المكروه والواجب، فلا يدخل مكروه تحت الامر حتى يكون شئ واحد مأمورا به مكروها، إلا أن تنصرف الكراهية عن ذات المأمور إلى غيره، ككراهية الصلاة في الحمام وأعطان الابل وبطن الوادي وأمثاله، فإن المكروه في بطن الوادي التعرض لخطر السيل، وفي الحمام التعرض للرشاش، أو لتخبط الشياطين، وفي أعطان الابل التعرض لنفارها، وكل ذلك مما يشغل القلب في الصلاة، وربما شوش الخشوع، بحيث لا ينقدح صرف الكراهة عن المأمور إلى ما هو في جواره وصحبته، لكونه خارجا عن ماهيته وشروطه وأركانه، فلا يجتمع الامر والكراهية، فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليطوفوا بالبيت العتيق‏}‏ ‏(‏الحج‏:‏ 92‏)‏ لا يتناول طواف المحدث الذي نهي عنه لان المنهي عنه لا يكون مأمورا به، والمنهي عنه في مسألة الصلاة في الدار المغصوبة انفصل عن المأمور، إذ المأمور به الصلاة والمنهي عنه الغصب وهو في جواره‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏أصناف الترك ذات المتروك‏)‏
المتفقون على صحة الصلاة في الدار المغصوبة ينقسم النهي عندهم إلى ما يرجع إلى ذات المنهي عنه فيضاد وجوبه، وإلى ما يرجع إلى غيره فلا يضاد وجوبه، وإلى ما يرجع إلى وصف المنهي عنه لا إلى أصله، وقد اختلفوا في هذا القسم الثالث، ومثال القسمين الأولين ظاهر، ومثال القسم الثالث‏:‏ أن يوجب الطواف وينهى عن إيقاعه مع الحدث، أو يأمر بالصوم وينهى عن إيقاعه في يوم النحر، فيقال‏:‏ الصوم من حيث أنه صوم مشروع مطلوب، ومن حيث أنه واقع في هذا اليوم غير مشروع، والطواف مشروع بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليطوفوا بالبيت العتيق‏}‏ ‏(‏الحج‏:‏ 92‏)‏ ولكن وقوعه في حالة الحدث مكروه، والبيع من حيث أنه بيع مشروع، ولكن من حيث وقوعه مقترنا بشرط فاسد أو زيادة في العوض في الربويات مكروه، والطلاق من حيث أنه طلاق مشروع، ولكن من حيث وقوعه في الحيض مكروه، وحراثة الولد من حيث أنها حراثة مشروعة، ولكنها من حيث وقوعها في غير المنكوحة مكروهة، والسفر من حيث أنه سفر مشروع، ولكن من حيث قصد الاباق به عن السيد غير مشروع، فجعلابو حنيفة هذا قسما ثالثا، وزعم أن ذلك يوجب فساد الوصف لا انتفاء الأصل، لانه راجع إلى الوصف لا إلى الأصل، والشافعي رحمه الله ألحق هذا بكراهة الأصل ولم يجعله قسما ثالثا، وحيث نفذ الطلاق في الحيض صرف النهي عن أصله ووصفه إلى تطويل العدة أولو حق الندم عند الشك في الولد، وأبو حنيفة حيث أبطل صلاة المحدث دون طواف المحدث زعم أن الدليل قد دل على كون الطهارة شرطا في الصلاة، فإنه قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ لا صلاة إلا بطهور فهو نفي للصلاة لا نهي، وفي المسألة نظران‏:‏ أحدهما‏:‏ في موجب مطلق النهي من حيث اللفظ، وذلك نظر في مقتضى الصيغة، وهو بحث لغوي نذكره في كتاب الاوامر والنواهي‏.‏
والنظر الثاني‏:‏ نظر في تضاد هذه الاوصاف
وما يعقل اجتماعه وما لا يعقل إذا وقع التصريح به من القائل وهو أنه‏:‏ هل يعقل أن يقول السيد لعبده‏:‏ أنا آمرك بالخياطة وأنهاك عنها، ولا شك في أن ذلك لا يعقل منه، فإنه فيه يكون الشئ الواحد مطلوبا مكروها، ويعقل منه أن يقول‏:‏ أنا أطلب منك الخياطة وأكره دخول هذه الدار والكون فيها ولا يتعرض في النهي للخياطة وذلك معقول، وإذا خاط في تلك الدار أتى بمطلوبه ومكروهه جميعا، وهل يعقل أن يقول‏:‏ أطلب منك الخياطة وأنهاك عن إيقاعها في وقت الزوال، فإذا خاط في وقت الزوال فهل جمع بين المكروه والمطلوب أو ما أتى بالمطلوب‏؟‏ هذا في محل النظر، والصحيح أنه ما أتى بالمطلوب، وأن المكروه هي الخياطة الواقعة وقت الزوال لا الوقوع في وقت الزوال، مع بقاء الخياطة مطلوبة إذ ليس الوقوع في الوقت شيئا منفصلا عن الواقع، فإن قيل‏:‏ فلم صحت الصلاة في أوقات الكراهة ولم صحت الصلاة الواقعة في الاماكن السبعة من بطن الوادي وأعطان الابل‏؟‏ وما الفرق بينهما وبين النهي عن صوم يوم النحر‏؟‏ قلنا‏:‏ من صحح هذه الصلوات لزمه صرف النهي عن أصل الصلاة ووصفها إلى غيره، وقد اختلفوا في انعقاد الصلاة في الاوقات المكروهة لترددهم في أن النهي نهي عن إيقاع الصلاة من حيث أنه إيقاع صلاة أو من أمر آخر مقترن به، وأما صوم يوم النحر فقطع الشافعي رحمه الله ببطلانه، لانه لم يظهر انصراف النهي عن عينه ووصفه، ولم يرتض قولهم أنه نهى عنه، لما فيه من ترك إجابة الدعوة بالاكل، فإن الاكل ضد الصوم، فكيف يقال له‏:‏ كل، أي أجب الدعوة، ولا تأكل، أي صم‏؟‏ والآن تفصيل هذه المسائل ليس على الاصولي، بل هو موكول إلى نظر المجتهدين في الفروع، وليس على الاصولي إلا حصر هذه الاقسام الثلاثة وبيان حكمها في التضاد وعدم التضاد، وأما النظر في آحاد المسائل أنها من أي قسم هي فإلى المجتهد، وقد يعلم ذلك بدليل قاطع، وقد يعلم ذلك بظن وليس على الاصولي شئ من ذلك، وتمام النظر في هذا ببيان أن النهي المطلق يقتضي من هذه الاقسام أيها، وأنه يقتضي كون المنهي عنه مكروها لذاته أو لغيره أو لصفته، وسيأتي‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏هل الامر بشئ ترك لغيره‏)‏
اختلفوا في أن الامر بالشئ، هل هو نهي عن ضده‏؟‏ وللمسألة طرفان‏:‏ أحدهما يتعلق بالصيغة، ولا يستقيم ذلك عند من لا يرى للامر صيغة، ومن رأى ذلك فلا شك في أن قوله‏:‏ قم، غير قوله‏:‏ لا تقعد، فإنهما صورتان مختلفتان، فيجب عليهم الرد إلى المعنى، وهو أن قوله‏:‏ قم، له مفهومان، أحدهما‏:‏ طلب القيام، والآخر ترك القعود، فهو دال على المعنيين، فالمعنيان المفهومان منه متحدان، أو أحدهما غير الآخر، فيجب الرد إلى المعنى‏.‏ والطرف الثاني‏:‏ البحث عن المعنى القائم بالنفس، وهو أن طلب القيام هل هو بعينه طلب ترك القعود أم لا، وهذا لا يمكن فرضه في حق الله تعالى، فإن كلامه واحد، هو أمر ونهي ووعد ووعيد، فلا تتطرق الغيرية إليه، فليفرض في المخلوق، وهو أن طلبه للحركة‏:‏ هل هو بعينه كراهة للسكون وطلب لتركه‏؟‏ وقد أطلق المعتزلة أنه ليس الامر بالشئ نهيا عن ضده، واستدل القاضي أبو بكر رحمه الله عليهم بأن قال‏:‏ لا خلاف أن الآمر بالشئ ناه عن ضده، فإذا لم يقم دليل على اقتران شئ آخر بأمره دل على أنه ناه بما هو آمر به، قال‏:‏ وبهذا علمنا أن الكسون عين ترك الحركة، وطلب السكون عين طلب ترك الحركة، وشغل الجوهر بحيز انتقل إليه عين تفريغه للحيز المنتقل عنه، والقرب من المغرب عين البعد من المشرق، فهل فعل واحد بالاضافة إلى المشرق بعد، وبالاضافة إلى المغرب قرب، وكون واحد بالاضافة إلى خير شغل وبالاضافة إلى آخر تفريغ زكذلك ههنا طلب واحد بالاضافة إلى السكون أمر، وإلى الحركة نهي، قال‏:‏ والدليل على أنه ليس معه غيره أن ذلك الغير لا يخلو من أن يكون ضدا له أو مثلا أو خلافا، ومحال كونه ضدا لانهما لا يجتمعان وقد اجتمعا، ومحال كونه مثلا لتضاد المثلين، ومحال كونه خلافا، إذ لو كان خلافا لجاز وجود أحدهما دون الآخر، أما هذا دون ذاك أو ذاك دون هذا، كإرادة الشئ مع العلم به لما اختلفا تصور وجود العلم دون الارادة، وإن لم يتصور وجود الارادة دون العلم، بل كان يتصور وجوده مع ضد الآخر، وضد النهي عن الحركة الامر بها، فلنجز أن يكون آمرا بالسكون والحركة معا فيقول‏:‏ تحرك واسكن، وقم واقعد، وهذا الذي ذكره دليل على المعتزلة، حيث منعوا تكليف المحال، وإلا فمن يجوز ذلك يجوز أن يقول‏:‏ إجمع بين القيام والقعود، ولا نسلم أيضا أن ضرورة كل آمر بالشئ أن يكون ناهيا عن ضده، بل يجوز أن يكون آمرا بضده، فضلا عن أن يكون لا آمرا ولا ناهيا، وعلى الجملة‏:‏ فالذي صح عندنا بالبحث النظري الكلامي تفريعا على إثبات كلام النفس، أن الامر بالشئ ليس نهيا عن ضده لا بمعنى أنه عينه، ولا بمعنى أنه يتضمنه ولا بمعنى أنه يلازمه، بل يتصور أن يأمر بالشئ من هو ذاهل عن أضداده، فكيف يقوم بذاته قول متعلق بما هو ذاهل عنه، وكذلك ينهى عن الشئ ولا يخطر بباله أضداده حتى يكون آمرا بأحد أضداده ولا بعينه، فإن أمر ولم يكن ذاهلا عن أضداد المأمور به فلا يقوم بذاته زجر عن أضداده مقصود، إلا من حيث يعلم أنه لا يمكن فعل أضداد المأمور به فلا يقوم يذاته زجر عن أضداد مقصود إلا من حيث يعلم أنه لا يمكن فعل المأمور به إلا بترك أضداده، فيكون ترك أضداد المأمور ذريعة بحكم ضرورة الوجود لا بحكم ارتباط الطلب به، حتى لو تصور على الاستحالة الجمع بين القيام القعود إذا قيل له قم، فجمع كان ممتثلا لانه لم يؤمر إلا بإيجاد القيام وقد أوجده، ومن ذهب إلى هذا المذهب لزمه فضائح الكعبي من المعتزلة، حيث أنكر المباح وقال‏:‏ ما من مباح إلا وهو ترك لحرام فهو واجب ويلزمه وصف الصلاة بأنها حرام إذا ترك بها الزكاة الواجبة على الفور، وإن فرق مفرق فقال‏:‏ النهي ليس أمرا بالضد، والامر نهي عن الضد لم يجد إليه سبيلا إلا التحكم المحض، فإن قيل‏:‏ فقد قلتم‏:‏ إن ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب، ولا يتوصل إلى فعل الشئ إلا بترك ضده فليكن واجبا‏؟‏ قلنا‏:‏ ونحن نقول ذلك واجب، وإنما الخلاف في إيجابه، هل هو عين إيجاب المأمور به أو غيره‏؟‏ فإذا قيل‏:‏ إغسل الوجه فليس عين هذا إيجابا بالغسل جزء من الرأس، ولا قوله‏:‏ صم النهار، إيجابا بعينه، لامساك جزء من الليل، ولذلك لا يجب أن ينوي إلا صوم النهار، ولكن ذلك يجب بدلالة العقل على وجوبه من حيث هو ذريعة إلى المأمور، لا أنه عين ذلك الايجاب، فلا منافاة بين الكلامين‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الفن الثالث من القطب الأول في أركان الحكم
وهي أربعة‏:‏ الحاكم، والمحكوم عليه، والمحكوم فيه، ونفس الحكم‏.‏ أما نفس الحكم‏:‏ فقد ذكرناه، وأنه يرجع إلى الخطاب وهو الركن الأول‏.‏ الركن الثاني‏:‏ الحاكم، وهو المخاطب، فإن الحكم خطاب، وكلام فاعله كل متكلم، فلا يشترط في وجود صورة الحكم إلا هذا القدر، أما استحقاق نفوذ الحكم فليس إلا لمن له الخلق والامر، فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه، ولا مالك إلا الخالق فلا حكم ولا أمر إلا له، أما النبي صلى الله عليه وسلم والسلطان والسيد والاب والزوج، فإذا أمروا وأوجبوا لم يجب شئ بإيجابهم، بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم، ولولا ذلك لكان كل مخلوق أوجب على غيره شيئا كان للموجب عليه أن يقلب عليه الايجاب، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر، فإذا الواجب طاعة الله تعالى، وطاعة من أوجب الله تعالى طاعته، فإن قيل‏:‏ لا بل من قدر على التوعد بالعقاب وتحقيقه حسا فهو أهل للايجاب، إذ الوجوب إنما يتحقق بالعقاب قلنا‏:‏ قد ذكرنا من مذهب القاضي رحمه الله أن الله تعالى‏:‏ لو أوجب شيئا لوجب وإن لم يتوعد عليه بالعقاب، لكن عند البحث عن حقيقة الوجوب لا يتحصل على طائل إذا لم يتعلق به ضرر محذور، وإن كان في الدنيا فقد يقدر عليه، إلا أن العادة جارية بتخصيص هذا الاسم بالضرر الذي يحذر في الآخرة، ولا قدرة عليه إلا لله تعالى،، فإن أطلق على كل ضرر محذور وإن كان في الدنيا فقد يقدر عليه الآدمي، فعند ذلك يجوز أن يكون موجبا، لا بمعنى أنا نتحقق قدرته عليه، فإنه ربما يعجز عنه قبل تحقيق الوعيد، لكن نتوقع قدرته ويحصل به نوع خوف‏.‏ الركن الثالث‏:‏ المحكوم عليه، وهو المكلف، وشرطه أن يكون عاقلا يفهم الخطاب، فلا يصح خطاب الجماد والبهيمة، بل خطاب المجنون والصبي الذي لا يميز، لان التكليف مقتضاه الطاعة والامتثال، ولا يمكن ذلك إلا بقصد الامتثال، وشرط القصد العلم بالمقصود والفهم للتكليف، فكل خطاب متضمن للامر بالفهم، فمن لا يفهم كيف يقال له‏:‏ إفهم ومن لا يسمع الصوت، كالجماد كيف يكلم، وإن سمع الصوت كالبهيمة، ولكنه لا يفهم فهو كمن لا يسمع، ومن يسمع وقد يفهم فهما ما لكنه لا يعقل، ولا يثبت، كالمجنون وغير المميز، فمخاطبته ممكنة لكن اقتضاء الامتثال منه، مع أنه لا يصح منه قصد صحيح غير ممكن، فإن قيل‏:‏ فقد وجبت الزكاة والغرامات والنفقا ت على الصبيان، قلنا‏:‏ ليس ذلك من التكليف في شئ، إذ يستحيل التكليف بفعل الغير وتجب الدية على العاقلة، لا بمعنى أنهم مكلفون بفعل الغير، ولكن بمعنى أن فعل الغير سبب لثبوت الغرم في ذمتهم، فكذلك الاتلاف، وملك النصاب سبب لثبوت هذه الحقوق في ذمة الصبيان بمعنى أنه سبب لخطاب الولي بالاداء في الحال وسبب لخطاب الصبي بعد البلوغ، وذلك غير محال، إنما المحال أن يقال لمن لا يفهم إفهم، وأن يخاطب من لا يسمع ولا يعقل‏.‏ وأما أهلية ثبوت الاحكام في الذمة‏:‏ فمستفاد من الانسانية التي بها يستعد لقبول قوة العقل الذي به فهم التكليف في ثاني الحال، حتى أن البهيمة لما لم تكن لها أهلية فهم الخطاب بالفعل ولا بالقوة لم تتهيأ لاضافة الحكم إلى ذمتها، والشرط لا بد أن يكون حاصلا أو ممكنا أن يحصل على القرب، فيقال أنه موجود بالقوة، كما أن شرط المالكية الانسانية، وشرط الانسانية الحياة، والنطفة في الرحم قد يثبت لها الملك بالارث والوصية، والحياة غير موجودة بالفعل، ولكنها بالقوة، إذ مصيرها إلى الحياة، فكذلك الصبي، مصيره إلى العقل، فصلح لاضافة الحكم إلى ذمته، ولم يصلح للتكليف في الحال‏.‏ فإن قيل‏:‏ فالصبي المميز مأمور بالصلاة، قلنا‏:‏ مأمور من جهة الولي، والولي مأمور من جهة الله تعالى، إذ قال عليه السلام‏:‏ مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وذلك لانه يفهم خطاب الولي ويخاف ضربه، فصار أهلا له، ولا يفهم خطاب الشارع إذ لا يعرف الشارع ولا يخاف عقابه، إذ لا يفهم الآخرة، فإن قيل‏:‏ فإذا قارب البلوغ عقل ولم يكلفه الشرع أفيدل ذلك على نقصان عقله‏؟‏ قلنا‏:‏ قال القاضي أبو بكر رحمه الله‏:‏ ذلك يدل عليه، وليس يتجه ذلك، لان انفصال النطفة منه لا يزيده عقلا لكن حط الخطاب عنه تخفيفا، لان العقل خفي، وإنما يظهر فيه على التدريج، فلا يمكن الوقوف بغتة على الحد الذي يفهم به خطاب الشرع ويعرف المرسل والرسول والآخرة فنصب الشرع له علامة ظاهرة‏.‏ مسأله ‏(‏هل يكلف الغافل والناس‏؟‏‏)‏ تكليف الناسي والغافل عما يكلف محال، إذ من لا يفهم كيف يقال له‏:‏ إفهم، أما ثبوت الاحكام بأفعاله في النوم والغفلة فلا ينكر، كلزوم الغرامات وغيرها، وكذلك تكليف السكران الذي لا يعقل محال، كتكليف الساهي والمجنون والذي يسمع ولا يفهم، بل السكران أسوأ حالا من النائم الذي يمكن تنبيهه، ومن المجنون الذي يفهم كثيرا من الكلام، وأما نفوذ طلاقه ولزوم الغرم فذلك من قبيل ربط الاحكام بالاسباب، وذلك مما لا ينكر، فإن قيل‏:‏ فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏في‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 34‏)‏، وهذا خطاب للسكران قلنا إذا ثبت بالبرهان استحالة خطابه وجب تأويل الآية، ولها تأويلان‏:‏ أحدهما أنه خطاب مع المنتشي الذي ظهر فيه مبادئ النشاط والطرب، ولم يزل عقله، فإنه قد يستحسن من اللعب والانبساط ما لا يستحسنه قبل ذلك ولكنه عاقل‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حتى تعلموا ما تقولون‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 34‏)‏ معناه‏:‏ حتى تتبينوا ويتكامل فيكم ثباتكم، كما يقال للغضبان، إصبر حتى تعلم ما تقول‏:‏ أي حتى يسكن غضبك فيكمل علمك، وإن كان أصل عقله باقيا، وهذا لانه لا يشتغل بالصلاة، مثل هذا السكران، وقد يعسر عليه تصحيح مخارج الحروف وتمام الخشوع‏.‏ الثاني‏:‏ أنه ورد الخطاب به في ابتداء الاسلام قبل تحريم الخمر، وليس المراد المنع من الصلاة، بل المنع من إفراط الشرب في وقت الصلاة، كما يقال‏:‏ لا تقرب التهجد وأنت شبعان، ومعناه‏:‏ لا تشبع فيثقل عليك التهجد‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس