عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 02:43 PM   #3
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


بيان حد أصول الفقه
اعلم أنك لا تفهم معنى أصول الفقه ما لم تعرف أولا معنى الفقه، والفقه عبارة عن العلم والفهم في أصل الوضع، يقال‏:‏ فلان يفقه الخير والشر، أي يعلمه ويفهمه، ولكن صار بعرف العلماء عبارة عن العلم بالاحكام الشرعية الثابتة لافعال المكلفين خاصة، حتى لا يطلق بحكم العادة اسم الفقيه على متكلم وفلسفي ونحوي ومحدث ومفسر، بل يختص بالعلماء بالاحكام الشرعية الثابتة للافعال الانسانية، كالوجوب، والحظر، والاباحة، والندب والكراهة، وكون العقد صحيحا وفاسدا وباطلا، وكون العبادة قضاء وأداء وأمثاله‏.‏ ولا يخفى عليك أن للافعال أحكاما عقلية، أي مدركة بالعقل، ككونها أعراضا وقائمة بالمحل ومخالفة للجوهر، وكونها أكوانا حركة وسكونا وأمثالها، والعارف بذلك يسمى متكلما لا فقيها‏.‏ وأما أحكامها من حيث إنها واجبة ومحظورة، ومباحة ومكروهة ومندوب إليها، فإنما يتولى الفقيه بيانها، فإذا فهمت هذا، فافهم أن أصول الفقه عبارة عن أدلة هذه الاحكام، وعن معرفة وجوه دلالتها على الاحكام من حيث الجملة، لا من حيث التفصيل، فإن علم الخلاف من الفقه أيضا مشتمل على أدلة الاحكام ووجوه دلالتها، ولكن من حيث التفصيل كدلالة حديث خاص في مسألة النكاح بلا ولي على الخصوص، ودلالة آية خاصة في مسألة متروك التسمية على الخصوص‏.‏

وأما الاصول‏:‏
فلا يتعرض فيها لاحدى المسائل، ولا على طريق ضرب المثال، بل يتعرض فيها لاصل الكتاب والسنة والإجماع، ولشرائط صحتها وثوبتها، ثم لوجوه دلالتها الجميلة، إما من حيث صيغتها أو مفهوم لفظها أو مجرى لفظها أو معقول لفظها وهو القياس، من غير أن يتعرض فيها لمسألة خاصة، فبهذا تفارق أصول الفقه فروعه، وقد عرفت من هذا أن أدلة الاحكام الكتاب والسنة والإجماع، فالعلم بطرق ثبوت هذه الاصول الثلاثة، وشروط صحتها ووجوه دلالتها على الاحكام هو العلم الذي يعبر عنه بأصول الفقه‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بيان مرتبة هذا العلم ونسبته إلى العلوم
اعلم أن العلوم تنقسم إلى عقلية، كالطب والحساب والهندسة، وليس ذلك من غرضنا‏.‏ وإلى دينية، كالكلام، والفقه وأصوله، وعلم الحديث، وعلم التفسير، وعلم الباطن، أعني علم القلب وتطهيره عن الاخلاق الذميمة، وكل واحد من العقلية والدينية ينقسم إلى كلية وجزئية، فالعلم الكلي من العلوم الدينية هو الكلام، وسائر العلوم من الفقه وأصوله والحديث والتفسير علوم جزئية، لان المفسر لا ينظر إلا في معنى الكتاب خاصة، والمحدث لا ينظر إلا في طريق ثبوت الحديث خاصة، والفقيه لا ينظر إلا في أحكام أفعال المكلفين خاصة، والاصولي لا ينظر إلا في أدلة الاحكام الشرعية خاصة‏.‏ والمتكلم هو الذي ينظر في أعم الاشياء وهو الموجود‏.‏ فيقسم الموجود أولا إلى‏:‏
1 – قديم‏.‏
2 - وحادث، ثم يقسم المحدث إلى‏:‏
1 – جوهر‏.‏
2 - عرض‏.‏ ثم يقسم العرض‏:‏
1 - إلى ما تشترط فيه الحياة من العلم، والارادة، والقدرة، والكلام، والسمع، والبصر‏.‏
2 - وإلى ما يستغنى عنها، كاللون والريح والطعم‏.‏ ويقسم الجوهر‏:‏ إلى الحيوان والنبات والجماد، ويبين أن اختلافها بالانواع أو بالاعراض، ثم ينظر في القديم فيبين أنه لا يتكثر ولا ينقسم انقسام الحوادث، بل لا بد أن يكون واحدا وأن يكون متميزا عن الحوادث بأوصاف تجب له، وبأمور تستحيل عليه، وأحكام تجوز في حقه، ولا تجب ولا تستحيل، ويفرق بين الجائز والواجب والمحال في حقه، ثم يبين أن أصل الفعل جائز عليه، وأن العالم فعله الجائز، وأنه لجوازه افتقر إلى محدث، وأن بعثة الرسل من أفعاله الجائزة، وأنه قادر عليه، وعلى تعريف صدقهم بالمعجزات، وأن هذا الجائز واقع عند هذا ينقطع كلام المتكلم وينتهي تصرف العقل، بل العقل يدل على صدق النبي، ثم يعزل نفسه ويعترف بأنه يتلقى من النبي بالقبول ما يقول في الله واليوم الآخر، مما لا يستقل العقل بدركه، ولا يقضي أيضا باستحالته، فقد يرد الشرع بما يقصر العقل عن الاستقلال بإدراكه، إذ لا يستقل العقل بإدراك كون الطاعة سببا، للسعادة في الآخرة، وكون المعاصي سببا للشقاوة، لكنه لا يقضي باستحالته أيضا، ويقضي بوجوب صدق من دلت المعجزة على صدقه، فإذا أخبر عنه صدق العقل به بهذه الطريق، فهذا ما يحويه علم الكلام، فقد عرفت من هذا أنه يبتدى نظره في أعم الاشياء أولا وهو الموجود، ثم ينزل بالتدريج إلى التفصيل الذي ذكرناه، فيثبت فيه مبادئ سائر العلوم الدينية، من الكتاب والسنة وصدق الرسول، فيأخذ المفسر من جملة ما نظر فيه المتكلم واحدا خاصا، وهو الكتاب فينظر في تفسيره ويأخذ المحدث واحدا خاصا وهو السنة فينظر في طرق ثبوتها والفقيه يأخذ واحدا خاصا وهو فعل المكلف، فينظر في نسبته إلى خطاب الشرع من حيث الوجوب والحظر والاباحة، ويأخذ الاصولي واحدا خاصا، وهو قول الرسول الذي دل المتكلم على صدقه، فينظر في وجه دلالته على الاحكام إما بملفوظة أو بمفهومه أو بمعقول معناه ومستنبطه، ولا يجاوز نظر الاصولي قول الرسول عليه السلام وفعله، فإن الكتاب إنما يسمعه من قوله، والإجماع يثبت بقوله، والأدلة هي الكتاب والسنة والإجماع فقط، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يثبت صدقه وكونه حجة في علم الكلام، فإذا الكلام هو المتكفل بإثبات مبادي العلوم الدينية كلها، فهي جزئية بالاضافة إلى الكلام، فالكلام هو العلم الاعلى في الرتبة، إذ منه النزول إلى هذه الجزئيات، فإن قيل فليكن من شرط الاصولي والفقيه والمفسر والمحدث، أن يكون قد حصل علم الكلام، لانه قبل الفراغ من الكلي الاعلى كيف يمكنه النزول إلى الجزئي الاسفل‏؟‏ قلنا ليس ذلك شرطا في كونه أصوليا وفقيها ومفسرا ومحدثا، وإن كان ذلك شرطا في كونه عالما مطلقا، مليئا بالعلوم الدينية، وذلك أنه ما من علم من العلوم الجزئية إلا وله مباد تؤخذ، مسلمة بالتقليد في ذلك العلم، ويطلب برهان ثبوتها في علم آخر، فالفقيه ينظر في نسبة فعل المكلف إلى خطاب الشرع في أمره ونهيه، وليس عليه إقامة البرهان على إثبات الافعال الاختياريات للمكلفين، فقد أنكرت الجبرية فعل الانسان، وأنكرت طائفة وجود الاعراض، والفعل عرض، ولا على الفقيه إقامة البرهان على ثبوت خطاب الشرع، وأن لله تعالى كلاما قائما بنفسه هو أمر ونهي، ولكن يأخذ ثبوت الخطاب من الله تعالى‏.‏ وثبوت الفعل من المكلف على سبيل التقليد، وينظر في نسبة الفعل إلى الخطاب فيكون قد قام بمنتهى علمه، وكذلك الاصولي، يأخذ بالتقليد من المتكلم أن قول الرسول حجة، ودليل واجب الصدق، ثم ينظر في وجوده دلالته وشروط صحته، فكل عالم بعلم من العلوم الجزئية فإنه مقلد لا محالة في مبادئ علمه إلى أن يترقى إلى العلم الاعلى، فيكون قد جاوز علمه إلى علم آخر‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس