حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة تسع:
وأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر بالخروج إلى الحج وإقامته للناس، فخرج أَبُو بكر لذلك، ونزل صدر سورة براءة بعده، فقيل له: يا رسول الله، لو بعثت بها إلى أبي بكر يقرؤها على الناس في الموسم، فقال: «إنه لا يؤديها عني إلا رجل من أهل بيتي، ثم دعا عليا، فقال له: اخرج بهذه الْقُصَّةِ من صدر براءة وَأَذِّنْ بها في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى» وأمره بما ينادي به في الموسم، فخرج على ناقة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العضباء حتى أدرك أبا بكر بالطريق، فقال له أَبُو بكر لما رآه: أميرا أو مأمورا، قَالَ: بل مأمورا، ثم نهضا، فأقام أَبُو بكر للناس الحج سنة تسع على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية، وقد قيل: إن حجة أبي بكر وقعت حينئذ في ذي القعدة على ما كانوا عليه من النسيء في الجاهلية، وروى معمر، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} قَالَ: كانوا يحجون في كل شهر عامين، حجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، حتى وافت حجة أبي بكر في الآخر من العامين، في ذي القعدة قبل حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم حج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قابل في ذي الحجة، فذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث يقول: «إِنَّ الزَّمَنَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» قَالَ معمر: قَالَ الزهري: عن سعيد بْن المسيب: لما قفل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين اعتمر من الجعرانة، وَأَمَّرَ أبا بكر على تلك الحجة وذكر ابن جريج عن مجاهد قَالَ: لما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك، أراد الحج، ثم قَالَ: «إِنَّهُ يَحْضُرُ الْبَيْتَ عُرَاةٌ مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَلا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لا يَكُونَ ذَلِكَ»، فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ أَرْدَفَهُ عَلِيًّا قَالَ أَبُو عمر: بعث عليا ينبذ إلى كل ذي عهد عهده، ويعهد إليهم أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، مع سائر ما أمره أن ينادي به في كل موطن من مواطن الحج، فأقام الحج ذلك العام سنة تسع أَبُو بكر، ثم حج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قابل حجته التي لم يحج من المدينة غيرها، فوقعت حجة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العام المقبل في ذي الحجة، فقال: «إن الزمان قد استدار» الحديث، وثبت الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة، فلما كان يوم النحر في حجة أبي بكر، قام علي فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: أيها الناس، إنه لا يدخل الجنة كافر، رُوِيَ في حديثه هذا: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدته، وَأَجَّلَ الناسَ أربعةَ أشهر من يوم أَذَّنَ فيهم، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم، ثم لا عهد لمشرك، ولا ذمة لأحد كانت له عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يحج بعد ذلك العام مشرك، ولم يطف بالبيت عريان حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُصَيْنٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَجَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فِي حَجَّتِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ مُفْرَدٌ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ».