عرض مشاركة واحدة
قديم 12-02-2012, 03:48 PM   #58
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب الدرر فى اختصار المغازى والسير للامام الحافظ ابن عبد البر رضى الله عنه


.غزوة تبوك:
ثم أقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بعد انصرافه من حصار الطائف ذا الحجة، والمحرم، وصفرا، وربيعا الأول، وربيعا الآخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، وخرج في رجل من سنة تسع بالمسلمين إلى غزوة الروم، وهي آخر غزاة غزاها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه، وكان خروجه إلى غزوته تلك في حر شديد، وحين طاب أول الثمر، وفي عام جدب، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يكاد يخرج غازيا إلا وَرَّى بغيره، إلا غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد المسافة، ونفقة المال، والشُّقَّةِ، وقوة العدو المقصود إليه، فتأخر الجد بْن قيس من بني سلمة وكان متهما بالنفاق، فاستأذن رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البقاء وهو غني قوي، فأذن له وأعرض عنه، فنزلت فيه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} وكان نفر من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي عند جاسوم يثبطون الناس عن الغزو، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلحة بْن عبيد الله في نفر وأمرهم أن يحرقوا عليهم البيت ففعل ذلك طلحة، فاقتحم الضحاك بْن خليفة وكان معهم في البيت جدار الدار، فوقع فانكسرت رجله، وفر ابن أبيرق وكان معهم، وأنفق ناس من المسلمين واحتسبوا، وأنفق عثمان بْن عفان رضي الله عنه نفقة عظيمة جهز بها جماعة من المعسرين في تلك الغزوة، وروي أنه حمل في تلك الغزاة على تسع مائة بعير ومائة فرس، وجهزهم حتى لم يفقدوا عقالا ولا شكالا، وروي أنه أنفق فيها ألف دينار، وفي هذه الغزوة أتى رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البكاءون وهم سبعة: سالم بْن عمير من بني عمرو بْن عوف، وعلبة بْن زيد أخو بني حارثة، وأبو ليلى عَبْد الرحمن بْن كعب من بني مازن بْن النجار، وعمرو بْن الحمام من بني سلمة، وعبد الله بْن المغفل المزني، وقيل: بل هو عَبْد اللهِ بْن عمرو المزني، وهرمي بْن عَبْد اللهِ أخو بني واقف، وعرباض بْن سارية الفزاري، فاستحملوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجدوا عنده ما يحملهم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون، فسموا البكائين، وذكروا أن ابن يامين بْن عمير النضري حمل أبا ليلى وعبد الله بْن مغفل على ناضح له يعتقبانه، وزودهما تمرا كثيرا، واعتذر المخلفون من الأعراب فعذرهم رسول الله عليه السلام، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضرب عسكره على باب المدينة، واستعمل عليها مُحَمَّد بْن مسلمة، وقيل: بل سباع بْن عرفطة، وقيل: بل خلف عليها علي بْن أبي طالب رضي الله عنه، وهو الأثبت، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف عليا في غزوة تبوك، فقال المنافقون: استثقله، فذكر ذلك علي رضوان الله عليه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خبر سعد، فقال: «كذبوا، إنما خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» والآثار بذلك متواترة صحاح قد ذكرت كثيرا منها في غير هذا الموضع، وخرج عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول بعسكره فضربه على باب المدينة أيضا، فكان عسكره فيما زعموا ليس بأقل العسكريين، وهو يظهر الغزاة مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نهض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تخلف عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، وكانوا نيفا وثمانين رجلا، خَلَّفَهُمْ سُوءُ نياتهم ونفاقهم، وتخلف في هذه الغزاة من صالحي المسلمين ثلاثة رجال وهم: كعب بْن مالك الشاعر من بني سلمة، ومرارة بْن ربيعة، ويقال: ابن الربيع من بني عمرو بْن عوف، وهلال بْن أمية الواقفي، فافتقدهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد يوم أو يومين، فقيل له تخلفوا، فعجل من ذلك وعز عليه لأنه كان يعرف إيمانهم وفضلهم، ونهض فخطر على حجر ثمود، فأمر أصحابه أن لا يتوضئوا من بئر ثمود، ولا يعجنوا خبزا بمائها، ولا يستعملوا شيئا منه، فقيل: إن قوما عجنوا منه، فأمر بالعجين فطرح للإبل علفا، وأمرهم أن لا يستعملوا ماء بئر الناقة في كل ما يحتاجون إليه، وأمر أصحابه عليه السلام بأن لا يدخلوا بيوت ثمود، وقال: «لا تدخلوا بيوت هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم» ونهاهم أن يخرج أحدهم منفردا، فخرج رجلان من بني ساعدة كل واحد منهما منفرد عن صاحبه، أحدهما يريد الغائط، فَخُنِقَ، فَأُخْبِرَ النبي عليه السلام، فدعا له فشفي، والآخر خرج في طلب بعير له، فأخذته الريح ورمته في جبل طيء فردته بعد ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعطش الناس في تلك الغزاة عطشا شديدا، فدعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربه فأرسل عليهم سحابة ارتووا منها وَدَوَابُّهُمْ وَإِبِلُهُمْ، وأخذوا حاجتهم من الماء، وأضل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناقته، وقال من في قلبه نفاق: مُحَمَّد يدعي أن خبر السماء يأتيه، ولا يدري أين ناقته، فنزل الوحي بما قَالَ هذا القائل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا أصحابه فأخبرهم بقول القائل، وأخبرهم أن الله عز وجل قد عرفه بموضع ناقته، وأنها في موضع كذا قد تعلق خطامها بشجرة، فابتدروا المكان الذي وصف عليه السلام فوجدوها هنالك، وقيل: إن قائل ذلك القول زيد بْن اللصيت القينقاعي وكان منافقا، وقيل: إنه تاب بعد ذلك، وقيل: لم يتب والله أعلم، وفي هذه الغزاة ذكروا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى أبا ذر يمشي في ناحية العسكر وحده فقال: «يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده» فكان كما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مات بالربذة وحده، وأخرج بعد أن كفن إلى الطريق يلتمس من يصلي عليه، فصادف إقبال ابن مسعود من الكوفة فصلى عليه، وكان ممن سمع هذا الحديث، فحدث به يومئذ أيضا، ونزل القرآن من سورة براءة وسورة الأحزاب بفضيحة المنافقين الذين كانوا يخذلون المسلمين، وتاب من أولئك مخشن بْن حمير، ودعا الله أن يكفر عنه بشهادة يخفي بها مكانه، فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر.

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس