تسمية من استشهد من المسلمين يوم حنين:
واستشهد من المسلمين يوم حنين أربعة رجال: أيمن بْن عبيد وهو أيمن بْن أم أيمن أخو أسامة بْن زيد لأمه، ويزيد بْن زمعة بْن الأسود بْن المطلب بْن أسد، جَمَحَ به فرسه فقتل، وسراقة بْن الحارث بْن عدي من بني العجلان من الأنصار، وأبو عامر الأشعري، وكانت وقعة هوازن وهي يوم حنين في أول شوال من السنة الثامنة من الهجرة، وترك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم الغنائم من الأموال والنساء والذراري فلم يقسمها حتى أتى الطائف.

.غزوة الطائف:
وكان منصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين إلى الطائف، لم يرجع إلى مكة، ولا عَرَّجَ على شيء إلا غزو الطائف قبل أن يقسم غنائم حنين وقبل كل شيء، فسلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الجعرانة في طريقه إلى الطائف، ثم أخذ على قرن، وابتنى في طريقه ذلك مسجدا وصلى فيه، وأقاد في ذلك المكان بدم، وهو أول دم أقيد به في الإسلام من رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به، ووجد في طريقه ذلك حصنا لمالك بْن عوف النضري فهدمه، ووجد هنالك أطما قد تَمَنَّعَ فيه رجل من ثقيف في ماله فأمر بهدمه، ولم يشهد غزوة حنين ولا الطائف عروة بْن مسعود، ولا غيلان بْن سلمة الثقفيان، كانا قد خرجا يتعلمان صناعة المنجنيق والدبابات، ثم نزل عليه السلام بقرب الطائف بواد يقال له العقيق، فتحصنت ثقيف وحاربهم المسلمون، وحصن ثقيف لا حصن مثله في حصون العرب، فأصيب من المسلمين رجال بالنبل، فزال النبي عليه السلام من ذلك المنزل إلى موضع المسجد المعروف اليوم، فحاصرهم عليه السلام بضعا وعشرين ليلة بل بضع عشرة ليلة، وقيل عشرين يوما، وكان معه عليه السلام امرأتان من نسائه، أم سلمة إحداهما، فموضع المسجد اليوم بين منزلهما يومئذ، وتولى بنيان ذلك المسجد عمرو بْن أمية بْن وهب بْن معتب الثقفي، وأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقطع أعناب الطائف إلا قطعة عنب كانت للأسود بْن مسعود أو لابنه في ماله، وكانت تبعد عن الطائف، وسأله الكف عنها، فكف عنها، وكان يجير بْن زهير بْن أبي سلمى المزني الشاعر ابْن الشاعر، شهد حنينا والطائف، وكان حسن الإسلام.

.تسمية من استشهد من المسلمين في حصار الطائف:
واستشهد من المسلمين في حصار الطائف سعيد بْن سعيد بْن العاصي بْن أمية، وعرفطة بْن جناب الأزدي حليف لبني أمية، وعبد الله بْن أبي بكر الصديق، أصابه سهم فاستمر منه مريضا حتى مات منه في خلافة أبيه، وعبد الله بْن أبي أمية بْن المغيرة المخزومي أخو أم سلمة، وعبد الله الأكبر بْن عامر بْن ربيعة حليف بني عدي بْن كعب، والسائب بْن الحارث بْن قيس السهمي، وأخوه عَبْد اللهِ بْن الحارث بْن قيس السهمي، وجليحة بْن عَبْد اللهِ الليثي من بني سعد بْن ليث، وثابت بْن الجذع الأنصاري من بني سلمة، والحارث بْن سهل بْن أبي صعصعة الأنصاري من بني مازن بْن النجار، والمنذر بْن عَبْد اللهِ الأنصاري من بني ساعدة، ومن الأوس رقيم بْن ثابت بْن ثعلبة.

.باب في قسمة غنائم حنين وما جرى فيها:
ثم انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الجعرانة موضع قريب من حنين، وكان قد اسْتَأْنَى بقسمة الغنائم رجاء أن يسلموا ويرجعوا إليه، فلما قسمت الغنائم هنالك، أتاه وفد هوازن مسلمين راغبين في العطف عليهم والإحسان إليهم، فقال لهم: قد كنت استأنيت بكم، وقد وقعت المقاسم وعندي ما ترون، فاختاروا إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم فاختاروا العيال والذرية، وقالوا: لا نعدل بالأنساب شيئا، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا صليت الظهر فتكلموا واطلبوا حتى أكلم الناس في أمركم» فلما صلى الظهر تكلموا وقالوا: نستشفع برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين، فقال النبي عليه السلام: «أما ما كان لي ولبني عَبْد المطلب وبني هاشم فهو لكم» وقال المهاجرون والأنصار: أما ما كان لنا فهو لرسول الله عليه السلام، وامتنع الأقرع بْن حابس وعيينة بْن حصن في قومهما أن يردوا عليهم شيئا مما وقع لهم في سهامهم، وامتنع العباس بْن مرداس السلمي، وطمع أن يساعده قومه كما ساعد الأقرع بْن حابس وعيينة قومهما، فأبت بنو سليم، وقالوا: بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله عليه السلام: «من ضن منكم بما في يديه فإنا نعوضه منه» فرد عليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءهم وأبناءهم، وعوض من لم تطب نفسه بترك نصيبه أعواضا رضوا بها، وكان عدد سبي هوازن ستة آلاف إنسان فيهم الشيماء أخت النبي عليه السلام من الرضاعة، وهي بنت الحارث بْن عبد العزى من بني سعد بْن بكر بْن هوازن بنت حليمة السعدية، فأكرمها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعطاها ورجعت إلى بلادها مسرورة بدينها وبما أفاء الله عليها، وقسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأموال بين المسلمين، وأعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس أو من جملة الغنيمة على مذهب من رأى أن ذلك إلى اجتهاد الإمام، وأن له أن ينفل في البدأة والرجعة حسب ما رآه بظاهر قوله الله تعالى: {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} يحكم فيها بما أراه الله، وليس ذلك لغيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بظاهر قوله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} وللقول في تلخيص ذلك مواضعُ غير هذا.