قدوم بقية المهاجرين إلى الحبشة:
وقدم جعفر بْن أبي طالب في جماعة من أرض الحبشة بإثر فتح خيبر، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «والله ما أدري أبقدوم جعفر أنا أُسَرُّ وأفرح؟ أم بفتح خيبر؟»، وقدم مع جعفر امرأته أسماء بنت عميس وابنها عَبْد اللهِ بْن جعفر، وخالد بْن سعد بْن العاصي بْن أمية معه امرأته أمينة بنت خلف وابناها سعيد وأمية، وعمرو بْن سعيد بْن العاصي بْن أمية، وكانت امرأته فاطمة بنت صفوان الكنانية قد ماتت بأرض الحبشة، ومعيقيب بْن أبي فاطمة حليف آل سعيد بْن العاصي، وأبو موسى الأشعري، قيل: إنه حليف عتبة بْن ربيعة، والأسود بْن نوفل بْن خويلد بْن أسد، وجهم بْن قيس بْن عَبْد شرحبيل العبدري، وابناه عمرو بْن جهم وخزيمة بْن جهم، وكانت امرأة جهم بْن قيس أم حرملة بنت عَبْد الأسود قد هلكت بأرض الحبشة، والحارث بْن خالد بْن صخر التيمي، وكانت امرأته ريطة بنت الحارث بْن جبيلة قد هلكت بأرض الحبشة، وعثمان بْن ربيعة بْن أهبان الجمحي، ومحمية بْن جزء الزبيدي حليف لبني سهم بْن هصيص، ولاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخمس، ومعمر بْن عَبْد اللهِ بْن نضلة العدوي، وأبو حاطب بْن عمرو بْن عَبْد شمس العامري، ومالك بْن زمعة بْن قيس العامري، ومعه امرأته عمرة بنت السعدي بْن وقدان، وطائفة معهم، وقد أتى من مهاجرة قبل ذلك بسنتين سائرهم، وكان هؤلاء آخر من بقي بها منهم.

.فتح فدك:
ولما اتصل بأهل فدك ما فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأهل خيبر، بعثوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليؤمنهم، فأجابهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك، وكانت فدك مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، مما أفاء الله عليه بما نصره به من الرعب، فلم يقسمها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووضعها حيث أمره الله عز وجل، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَايَا بَنِي النَّضِيرِ وَخَيْبَرَ وَفَدَكٍ».

.فتح وادي القرى:
وانصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيبر إلى وادي القرى فافتتحها عنوة، وقسمها، وأصيب بها غلام له أسود يسمى مدعما، أصابه سهم غُرْبٌ فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال النبي عليه السلام: «والذي نفسي بيده إن الشَّمْلَةَ التي أصابها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، وإنها لتشتعل عليه الآن نارا».

.عمرة القضاء:
فلما رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة من خيبر، أقام بها شهري ربيع، وشهري جمادى، ورجبا، وشعبان، ورمضان، وشوالا، وبعث في خلال ذلك السرايا، ثم خرج عليه السلام في ذي القعدة من السنة السابعة من الهجرة قاصدا إلى مكة للعمرة على ما عاقد عليه قريشا في الحديبية، فلما اتصل ذلك بقريش، خرج أكابرهم عن مكة عداوةً لله ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يقدروا على الصبر في رؤيته يطوف بالبيت هو وأصحابه، فدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة، وأتم الله عمرته، وقعد بعض المشركين بِقُعَيْقِعَانَ ينظرون إلى المسلمين وهم يطوفون بالبيت، فأمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرَّمَلِ، لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ أن بهم قوةً، وكان المشركون قالوا في المهاجرين: قد وهنتهم حمى يثرب، وتزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوته تلك ميمونة بنت الحارث بْن حزن الهلالية، قيل: تزوجها قبل أن يحرم بعمرة القضاء، وقيل: بل تزوجها وهو محرم، وقد أوضحنا ذلك في كتاب التمهيد، وفي كتاب الصحابة أيضا عند ذكرها رضي الله عنها، فلما تمت الثلاثة أيام، أوجبت عليه قريش أن يخرج عن مكة، ولم يمهلوه أن يبني بها، وبنى بها بسرف إسلام عمرو بْن العاص، وخالد بْن الوليد، وعثمان بْن طلحة، وقيل: أسلم قبل عمرة القضاء، وقيل: بعدها، عمرو بْن العاص، وخالد بْن الوليد، وعثمان بْن طلحة.

.غزوة مؤتة:
فلما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عمرة القضاء أقام بالمدينة ذا الحجة، والمحرم، وصفرا، وشهري ربيع، ثم بعث عليه السلام في جمادى الآخرة من السنة الثامنة من الهجرة بَعْثَ الأمراء إلى الشام، وَأَمَّرَ على الجيش زيد بْن حارثة مولاه، وقال: «إن قتل أو أصيب فعلى الناس جعفر بْن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بْن رواحة»، وشيعهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وودعهم، ثم انصرف، ونهضوا، فلما بلغوا معان من أرض الشام، أتاهم الخبر بأن هرقل ملك الروم في ناحية البلقاء، وهو في مائة ألف من الروم، ومائة ألف أخرى من نصارى العرب أهل البلقاء من لخم، وجذام، وقبائل قضاعة من بهراء، وبلي، وبلقين وعليهم رجل من بني إراشة من بلي، يقال له: مالك بْن رافلة، فأقام المسلمون في معان ليلتين، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونخبره بعدد عدونا فيأمرنا بأمره أو يمدنا، فقال لهم عَبْد اللهِ بْن رواحة: يا قوم، إن التي تطلبون قد أدركتموها، يعني الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانْطَلِقُوا فهي إحدى الحسنيين: إما ظهور، وإما شهادة، فوافقه الجيش كله على هذا الرأي، ونهضوا حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقوا الجموع التي ذكرناها كلها مع هرقل إلى جنب قرية يقال لها: مشارف، وصار المسلمون في قرية يقال لها: مؤتة، فجعل المسلمون على ميمنتهم قطبة بْن قتادة العذري، وعلى الميسرة عباية بْن مالك الأنصاري، وقيل: عبادة بْن مالك، واقتتلوا، فقتل الأمير الأول زيد بْن حارثة ملاقيا بصدره الرماح، مقبلا غير مدبر والراية في يده، فأخذها جعفر بْن أبي طالب، ونزل عن فرس له يقال لها: شقراء، وقيل: إنه عرقيها وعقرها، وقاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بيساره، فقطعت، فاحتضن الراية، فقتل كذلك رضي الله عنه، وَسِنُّهُ ثلاث وثلاثون أو أربع وثلاثون سنة، فأخذ الرايةَ عَبْدُ اللهِ بْن رواحة، وتردد عن النزول بعض التردد، ثم صمم، فقاتل حتى قتل، فأخذ الراية ثابت بْن أقرم أخو بني العجلان، وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت، قَالَ: لا، فدفع الراية إلى خالد بْن الوليد، وقال: أنت أعلم بالقتال مني، فأخذها خالد بْن الوليد وانحاز بالمسلمين، وأنذر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه بالمدينة، يخبرهم بقتل الأمراء المذكورين في يوم قتلهم قبل ورود الخبر بأيام.

.تسمية من استشهد بمؤتة:
زيد بْن حارثة، وجعفر بْن أبي طالب، وعبد الله بْن رواحة، ومسعود بْن الأسود بْن حارثة من بني عدي بْن كعب من الأنصار، ووهب بْن سعد بْن أبي سرح العامري، وعباد بْن قيس من بني الحارث بْن الخزرج بْن النعمان من بني مالك بْن النجار، وسراقة بْن عمرو بْن عطية من بني مازن بْن النجار، وأبو كليب، وقيل: أَبُو كلاب، وأخوه جابر ابنا عمرو بْن زيد من بني مازن من النجار، وعمرو وعامر ابنا سعد بْن الحارث من بني النجار، هؤلاء من ذكر منهم، وكان عدة المسلمين يوم مؤتة ثلاثة آلاف.