فصل:
قَالَ الفقيه أَبُو عمر رضي الله عنه: فلما أوقع الله عز وجل بالمشركين يوم بدر، واستأصل وجوههم، قالوا: إن ثأرنا بأرض الحبشة، فلنرسل إلى ملكها يدفع إلينا من عنده من أتباع مُحَمَّد فنقتلهم بمن قتل منا ببدر.

.بَعْثُ مُشْرِكِي قريش عَمْرَو بْنَ العاص، وَابْنَ أبي ربيعة إلى النجاشي:
وبالإسناد قَالَ الفقيه أَبُو عمر: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن بكر، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابن السرح، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابن وهب، قَالَ: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قَالَ: بلغني أن مخرج عمرو بْن العاص، وابن أبي ربيعة إلى أرض الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين كان بعد وقعة بدر، فلما بلغ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْرَجُهُمَا، بعث عمرو بْن أمية الضمري من المدينة إلى النجاشي بكتاب أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ الْهِجْرَةَ الأُولَى هِجْرَةُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَنَّهُ هَاجَرَ فِي تِلْكَ الْهِجْرَةِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِامْرَأَتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِامْرَأَتِهِ رُقَيَّةَ بِنْتِ ِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ بِامْرَأَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِامْرَأَتِهِ، وَهَاجَرَ فِيهَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ذَوُو عَدَدٍ، لَيْسَ مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَلَمَّا أُرِيَ رَسُولُ اللهِ دَارَ هِجْرَتِهِمْ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: «قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبَخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ» فَهَاجَرَ إِلَيْهَا مَنْ كَانَ مَعَهُ، وَرَجَعَ رِجَالٌ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حِينَ سَمِعُوا بِذَلِكَ، فَهَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ بِابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بِامْرَأَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَحَبَسَ مُكْثٌ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَحَاطِبَ بْنَ الْحَارِثِ، وَمَعْمَرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْعَدَوِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ شِهَابٍ، وَرِجَالا ذَوِي عَدَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبُ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ، وَقَتَلَ اللهُ فِيهَا صَنَادِيدَ الْكُفَّارِ، قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: إِنَّ ثَأْرَكُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَهْدُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ وَابْعَثُوا إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ ذَوِي رَأْيِكُمْ لَعَلَّهُ يُعْطِيكُمْ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ قُرَيْشٍ فَتَقْتُلُونَهُمْ بِمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ بِبَدْرٍ، فَبَعَثَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَأَهْدَوْا لِلنَّجَاشِيِّ وَلِعُظَمَاءِ الْحَبَشَةِ هَدَايَا، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ قَبِلَ هَدَايَاهُمْ، وَأَجْلَسَ مَعَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ، فَكَلَّمَ النَّجَاشَيَّ، فَقَالَ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رِجَالا مِنَّا لَيْسُوا عَلَى دِينِكَ وَلا عَلَى دِينِنَا فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا، فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ لِلنَّجَاشِيِّ: صَدَقَ، فَادْفَعْهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: فَلا وَاللهِ لا أَدْفَعُهُمْ حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ فَأَنْظُرَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُمْ، فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ فِيهِمْ، وَأَجْلَسَ مَعَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: مَا دِينُكُمْ؟ أَنَصَارَى أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَمَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا: دِينُنَا الإِسْلامُ، قَالَ: وَمَا الإِسْلامُ؟ قَالُوا: نَعْبُدُ اللهَ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قَالَ: وَمَنْ جَاءَكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا: جَاءَنَا بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِنَا قَدْ عَرَفْنَا وَجْهَهُ وَنَسَبَهُ، أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ كِتَابَهُ فَعَرَفْنَا كَلامَ اللهِ وَصَدَّقْنَاهُ، قَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: فَبِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قَالُوا: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَيَأْمُرُنَا أَنْ نَتْرُكَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ، وَبِالْوَفَاءِ، وَبِأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَبِالْعَفَافِ، قَالَ النَّجَاشِيُّ: فَوَاللهِ إِنْ خَرَجَ هَذَا إِلا مِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَمْرُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّجَاشِيِّ: إِنَّ هَؤُلاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ ابْنَ مَرْيَمَ إِلَهَكَ الَّذِي تَعْبُدُ عَبْدٌ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ لِجَعْفَرٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ قَالُوا: نَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَابْنُ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، فَخَفَضَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الأَرْضِ فَأَخَذَ عُودًا، وَقَالَ: وَاللهِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَدْرَ هَذَا الْعُودِ، فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ: وَاللهِ لَئِنْ سَمِعَتِ الْحَبَشَةُ بِهَذَا لَتَخْلَعَنَّكَ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: وَاللهِ لا أَقُولُ فِي ابْنِ مَرْيَمَ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ أَبَدًا، إِنَّ اللهَ لَمْ يُطِعْ فِيَّ النَّاسَ حِينَ رَدَّ إِلَيَّ مُلْكِي، فَأَنَا أُطِيعُ النَّاسَ فِي الله، مَعَاذَ اللهِ مِنْ ذَلِكَ، أَرْجِعُوا إِلَى هَذَا هَدِيَّتَهُ، فَوَاللهِ لَوْ رَشَوْنِي دَبْرًا مِنْ ذَهَبٍ مَا قَبِلْتُهُ، وَالدَّبْرُ الْجَبَلُ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: لا أَدْرِي عَرَبِيٌّ أَمْ لا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ نَظَرَ إِلَى هَؤُلاءِ الرَّهْطِ نَظْرَةً يُؤْذِيهِمْ بِهَا فَقَدْ غَرِمَ، وَمَعْنَى غَرِمَ هَلَكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْثِ قُرَيْشٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَدِمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَقَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالْمُهَاجِرِينَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ فَجَمَعَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ جَعْفَرًا يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَرَأَ سُورَةَ مَرْيَمَ: {كهيعص} وَقَامُوا تَفِيضُ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ، فَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ إِلَى الشَّاهِدِينَ}، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْمُرَادِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا نُؤْذَى، وَلا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ مَا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الأَدَمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلا أَهْدَوْا إِلَيْهِ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعَا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّةً قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمَا إِلَى النَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلاهُ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْكُمَا قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ بِطْرِيقٌ إِلا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، وَقَالا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ: إِنَّهُ قَدْ ضَوَى إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، خَالَفُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِنَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ، فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْنَا وَلا يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، يُرِيدُ أَقْعَدَ عِلْمًا بِهِمْ، الْعَيْنُ الْعِلْمُ هَاهُنَا، أَيْ فَوْقَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِهِمْ وَأَعْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ، ثُمَّ إِنَّهُمَا قَدَّمَا هَدَايَاهُمَا إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ، فَقَالا: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُ قَدْ ضَوَى إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، جَاءُوا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ، لا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ، وَأَعْمَامِهِمْ، وَعَشَائِرِهِمْ لِتَرُدَّهُمْ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أَعْلَى عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ، قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلامَهُمُ النَّجَاشِيُّ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ، فَأَسْلِمْهُمْ إِلَيْهِمْ لِيَرُدَّاهُمْ إِلَى بِلادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ، قَالَ: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ ثُمَّ قَالَ: لا وَاللهِ أَبَدًا لا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَلا يُكَادُ قَوْمٌ جَاوَرُونِي وَنَزَلُوا بِبِلادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ، حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ عَمَّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولانِ، أَسْلَمْتُهُمْ إِلَيْهِمَا وَرَدَدْتُهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي، قَالَتْ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللهِ مَا عَلَّمَنَا اللهُ، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا جَاءُوهُ وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ وَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ، سَأَلَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا بِهِ فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ؟ قَالَتْ: فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ إِلَى الْجَارِ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، كُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعُ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدُ اللهَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، قَالَتْ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِسْلامِ، وَقَالَ: فَصَدَّقْنَاهُ، وَآمَنَّا بِهِ، وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ لَهُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَعَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ وَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا حَلَّلَ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا، وَظَلَمُونَا، وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَآثَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَالَتْ: فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ شَيْءٌ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ كهيعص، قَالَتْ: فَبَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى وَاللهِ اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحَاهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا، فَوَاللهِ لا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَدًا، قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللهِ لآتِيَنَّهُ غَدًا بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ أَبْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا: لا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَامًا وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا، قَالَ: وَاللهِ لأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى عَبْدٌ، قَالَتْ: ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ قَوْلا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ، قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ مَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ السَّلامُ: عَبْدُ اللهِ، وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ بِيَدِهِ إِلَى الأَرْضِ وَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، وَقَالَ: مَا عَدَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ مِمَّا قُلْتَ هَذَا الْمِقْدَارَ، قَالَ: فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ، ثُمَّ قَالَ لِجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ شُيُومٌ بِأَرْضِي، وَالشُّيُومُ الآمِنُونَ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرَ ذَهَبٍ وَأَنِّي آذَيْتُ وَاحِدًا مِنْكُمْ، وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْجَبَلُ، رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدِيَّتَهُمَا، فَلا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا، فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ إِلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ، قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ وَخَيْرِ جَارٍ، قَالَتْ: فَوَاللهِ إِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ، إِذْ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ خَوْفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَنَا رَجُلٌ لا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ، وَسَارَ إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النِّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا أَخْرُجُ، قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا، قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَه ُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ، قَالَتْ: فَدَعَوْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلادِهِ، فَوَاللهِ إِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ مُتَوَقِّعُونَ لِمَا هُوَ كَائِنٌ، إِذْ طَلَعَ الزُّبَيْرُ يَسْعَى وَيُلَوِّحُ بِثَوْبِهِ وَيَقُولُ: أَلا أَبْشِرُوا فَقَدْ ظَهَرَ النَّجَاشِيُّ، وَأَهْلَكَ اللهُ عَدُوَّهُ وَمَكَّنَ لَهُ فِي بِلادِهِ، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا عَلَتْنَا فَرْحَةٌ قَطُّ مِثْلُهَا، قَالَتْ: وَرَجَعَ النَّجَاشِيُّ سَالِمًا، وَأَهْلَكَ اللهُ عَدُوَّهُ، وَاسْتَوْسَقَ لَهُ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَالَ الفقيه الحافظ أَبُو عمر رضي الله عنه: هؤلاء قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة ثم هاجروا إلى المدينة، وجعفر وأصحابه بقوا بأرض الحبشة إلى عام خيبر، وقد قيل: إن إرسال قريش إلى النجاشي في أمر المسلمين المهاجرين إليها كان مرتين في زمانين، المرة الواحدة: كان الرَّسُولَ مع عمرِو بْنِ العاص عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي ربيعة المخزومي، والمرة الثانية: كان مع عمرو بْن العاص عمارة بْن الوليد بْن المغيرة المخزومي، وقد ذكر الخبر بذلك كله ابن إسحاق وغيره، وذكروا ما دار لعمرو مع عمارة بْن الوليد من رميه إياه في البحر، وَسَعْيِ عمرو به إلى النجاشي في بعض وصوله إلى بعض حرمه أو خدمه، وأنه ظهر ذلك في ظهور طيب الملك عليه، وأن الملك دعا بسحرة فسحروه ونفخوا في إحليله، فتشرد، ولزم البرية، وفارق الإنس، وهام حتى وصل إلى موضع رام أهله أخذه فيه، فلما قربوا منه فاضت نفسه ومات، هذا معنى الخبر، قَالَ أَبُو عمرو: ولم أر لإيراده على وجهه معنى اكتفاء بما كتبناه في الكتاب، ولأن ابن إسحاق قد ذكر بتمامه، والله الموفق للصواب.