26- وقال رضى الله عنه
سمت رِفعتى فخراً سُمُوَّاً بِرِفعتى ** وأهلُ العُلا قاموا صُفوفاً لِحضرتى
سقانى حُمَيَّا الفيضِ ساقى المُدامةِ ** وخمرى لذيذُ الطعمِ صافى الكُدُورةِ
ولما أدارَ الكأسَ فى حضرةِ العُلا ** بدأ بِى وأسقانى وأعطانِ بُغيتى
وكنتُ أنَا السَّاقى لمن كانَ جالساً ** أطوفُ عليهِم نوبةً بعدَ نوبةِ
ولمَّا تجلى لى وأشفا سرائرى ** وقدَّمنى حقاً على كلِّفرقةِ
مقامىَ فوقَ الفوقِ فى درجِ العُلا ** وما شِئتهُ فى الكونِ كان بِهِمَّتى
وأمرى على كلِّ الخلائقِ نافذ ** وكلُّ الورى من أمرِ ربِّى رَعِيتى
فلى المنصِبُ الأعلى وحُكمىَ ماضىٌ ** بكلِّ أراضى اللهِ فى كلِّ بُقعةِ
وإسمىَ مكتوبٌ على ساقِ عرشِهِ ** وفى اللوحِ مثبوتٌ فأتقن عِبارتى
لقِى خاطرى من عالَمِ الغيبِ جُملةً ** ولو ظهرت ظهَّرت يوماً تُحيِّرُ فِكرَةِ
تُراوِدُ نفسى بإظهارِ بعضِها ** ويمنَعُها عقلى مناماً ويقظةِ
فللهِ فى أمرى شُؤُونٌ عجيبةٌ ** تدِقُّ على الأفهامِ معنىً وصورةِ
لما وسِعتَ رِقُّ الطرُوسِ لِأنها ** عزيزةُ وصفٍ لاتُحدُّ لِكثرةِ
ولو كانَ هذا العصرُ ياخِلِىِّ قابلاً ** لقلتُ كلاماً ليسَ يُفهَم لِدِقَّةِ
ولكنّنِى اُخفى أمُوراً كثيرةً ** جواهرُ لفظٍ لاتُبَاعُ ببخسَةِ
ولكِنَّنى أرجو بكتمانِ سِرِّهِ ** حناناً وتوفيقاً لِأهلِ مودَّةِ
أبى اللهُ أن أحكى غوامضَ سِرِّهِ ** لَحَيَّرتُ أهلَ الصَّحو والسُّكرِ جُملةِ
ولو يأذنُ الرحمنُ إفشاءَ بعضِها ** لسَطّرَ أهلُ العصرِ ألفَ صحيفةِ
ولو أنَّها حلّت على بحرِ مالحٍ ** لعادَ هُناكَ البحرُ ماءَ عُذوبةِ
ولو أنَّها حلّت على قصرِ شامخٍ ** لعاد هُنالكَ القصرُ حالاً رُمَيدَّةِ
ولو أنَّها حلّت على غُصنِ بانةٍ ** لعادَ قضيبُ البانِ يزهو بخُضرَةِ
ولو أنَّها حلّت على الرَّملِ والحصا ** لكانت تُناجينى بأفصحِ كِلمةِ
ولو أنَّ ميتَ القلبِ يصغى لِبعضها ** لأحياهُ ربُّ الخلقِ من موتِ غفلةِ
أنا فى مقامِ الختمِ إن كنتَ جاهلاً ** وحالىَ من حالِ الرسولِ وِراثةِ
لِأنى على قدمِ الرَّسولِ بِلا مِرا ** وذاتىَ من نورِ الحبيبِ وصورتِى
لقد شاع ذكرى فى الأراضى كُلِّها ** وعمَّ جميعَ الكونِ فى كلِّ بقعةِ
فلى المجَّدُ والإجلالِ فى كلِّ مشهدٍ ** قديماً حديثاً قبلَ وقتِ الرِّضاعةِ
فذا العصرُ ذا عصرى فلا لى مُعاصرٌ ** وكلُّ جميعِ الخلقِ طوعَ إرادتى
أنا بابُ طهَ الطهرِ حقاً وإبنُهُ ** ومِفتاحُ ذاكَ البابِ فى طىِّ راحَّتِى
فكيفَ يرومُ الغيرُ من غيرِ بابِنا ** دُخولاً فهذا بعضُ عينِ الشَّقاوةِ
فما ثَمَّ بابٌ غيرُ بابى لِأنَّهُ ** دليلٌ على المختارِ من غيرِ مُهلةِ
فمن كان ذا فخرٍ ففخرُهُ حادثٌ ** وفخرى قديمٌ قبلَ إنشاءِ صُورةِ
ومن قبلِ القَبلِ كان فَخَارُنا ** منَ اللهِ والمختارِ فى كُلِّ حضرةِ
فكيفَ يرومُ الحاسدُون انطِفاءَهُ ** وأيَّدنا الرحمنُ قهراً بنصرةِ
فلى كُلّ فضلٍ طاب من غيبِ علِمِهِ ** علوماً وأسراراً وإنشاءَ حِكمةِ
ويشهدُ فضلى فى السمواتِ كُلِها ** بذا الدَّارِ فى الدُّنيا ويومِ القيامةِ
وكم منكرٍ قد جاءَ يرجو امتحِاننا ** فعادى محبَّاً صادقاً فى المحبةِ
وكم قاصدٍ بالبابِ ياصاحِ واقفاً ** حوائِجُهُ فى الحينِ تُقضى بسرعةِ
وكم لائذٍ يرجو أموراً وعاكفاً ** على قدمٍ فى الضيقِ طالب إغاثةِ
فيأتيهِ مِنَّا مايَسُرُّ فُؤادَهُ ** ويضحَى عزيزاً بعدَ ذلٍ وخيبةِ
فإن كنتَ فى خطبٍ مُهيلٍ ومُزعجِ ** فنادِ بنا ياصاحِ نأتى بِغارةِ
فإن كنتَ ذا وجدٍ وحُبُّكَ صادقٌ ** ترانى مناماً كلَّ وقتٍ ويقظةِ
فيا ناشداً للنَّظمِ بلبلتَ مسمعى ** ترنَّم بهِ فى كلِّ قصرٍ وروضةِ
تزاحمتِ العشَّاقُ عند سماعهِ ** فهاموا بهِ سُكراً بغيرِ مُدامةِ
يُقِرُّ بفضلى كُلُّ من جاءَ قاصداً ** يُشاهدُ أحوالى بطبقِ الشريعةِ
وأزكى صلاةِ اللهِ تغشى حبِيبنا ** إمامَ الهُدى المختارَ من كُلّ فِرقةِ
وآلاً وأصحاباً متى هامَ عاشقٌ ** وزمرمَ مُشتاقٌ وغنَّى بفرحةِ
سمت رِفعتى فخراً سُمُوَّاً بِرِفعتى ** وأهلُ العُلا قاموا صُفوفاً لِحضرتى