عرض مشاركة واحدة
قديم 11-12-2012, 02:38 PM   #43
د. سلوى الدابي


الصورة الرمزية د. سلوى الدابي



د. سلوى الدابي is on a distinguished road

افتراضي رد: بداية الهداية - للإمام الغزالي


العجب والكبر والفخر
وأما العجب والكبر والفخر: فهو الداء العضال، وهو نظر العبد إلى نفسه بعين العز والاستعظام، وإلى غيره بعين الاحتقار والذل، ونتيجته على اللسان أن يقول: أنا وأنا كما قال إبليس اللعين: {أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين}.

وثمرته في المجالس الترفع والتقدم، وطلب التصدر فيها، وفي المحاورة الاستنكاف من أن يرد كلامه عليه.

والمتكبرهو الذي إن وُعِظ أَنِف، أو وَعَظ عَنَّف، فكل من رأى نفسه خيرا من أحد من خلق الله تعالى فهو متكبر، بل ينبغي لك أن تعلم أن الخير من هو خَيِّرُ عند الله في الدار الآخرة وذلك غيب، وهو موقوف على الخاتمة؛ فاعتقادك في نفسك أنك خير من غيرك جهل محض، بل ينبغي ألا تنظر إلى أحد إلا وترى أنه خير منك، وأن الفضل له عليك وتزدري نفسك.

فإن رأيت صغيرا قلت: هذا لم يعص الله وأنا عصيته، فلا شك أنه خير مني.
وإن رأيت كبيرا قلت: هذا قد عَبَد الله قبلى، فلا شك أنه خير مني.
وإن كان عالما قلت: هذا قد أُعْطِيَ ما لم أعط، وبَلَغ ما لم أبلغ، وعلم ما جهلت؛ فكيف أكون مثله؟!
وإن كان جاهلا قلت: هذا قد عصى الله بجهل، وأنا عصيته بعلم؛ فحجة الله عليَّ آكد، وما أدري بم يختم لي وبم يختم له?!
وإن كان كافرا قلت: لا أدري عسى أن يسلم ويختم له بخير العمل، ويَنْسَلَّ بإسلامه من الذنوب كما تنسل الشعرة من العجين، وأما أنا- والعياذ بالله- فأخاف أن يضلني الله فأكفر فيختم لي بشر العمل؛ فيكون غدا هو من المقربين، وأنا أكون من المبعدين.

فلا يخرج الكبر من قلبك إلا بأن تعرف أن الكبير من هو كبير عند الله تعالى، وذلك موقوف على الخاتمة، وهي مشكوك فيه؛ فيشغلك خوف الخاتمة عن أن تتكبر مع الشك فيها على عباد الله تعالى، فيقينك وإيمانك في الحال لا يناقض تجويزك التغير في الاستقبال؛ فإن الله مقلب القلوب يهدي من يشاء، ويضل من يشاء.

والأخبار في الحسد والكبر والرياء والعجب كثيرة، ويكفيك فيها حديث واحد جامع؛ فقد روى ابن المبارك بإسناده عن رجل أنه قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : يا معاذ ، حدثني حديثا سمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم ، قال الرجل : فبكى معاذ حتى ظننت أنه لا يسكت، ثم سكت، ثم قال: واشوقاه إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وإلى لقائه، ثم قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول لي : يا معاذ، قلت : لبيك بأبي أنت وأمي ، قال : ((إني محدثك بحديث إن أنت حظته نفعك عندالله، وإن أنت ضيعته ولم تحفظه انقطعت حجتك عند الله تعالى يوم القيامة ، يا معاذ : إن الله تبارك وتعالى خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السموات والأرض، ثم خلق السموات والأرض ، فجعل لكل سماء من السبع ملكا بوابا عليها، فتصعد الحفظة بعمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي، له نور كنور الشمس، حتى إذا صعدت به إلى السماء الدنيا زكته وكثرته، فيقول الملك الموكل بها للحفظة: اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا صاحب الغيبة، أمرني ربي ألا أدع عمل من اغتاب الناس يجاوزني إلى غيري، قال: ثم تأتي الحفظة بعمل صالح من أعمال العبد له نور فتزكيه وتكثره حتى تبلغ به إلى السماء الثانية، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا، واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، إنه أرا بعمله عرض الدنيا، أنا ملك الفخر. أمرني ربي ألا أدع عمله يجاوزني إلى غيري، إنه كان يفتخر على الناس في مجالسهم، قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد يبتهج نورا، من صدقة وصلاة وصيام، قد أعجب الحفظة، فيجاوزون به إلى السماء الثالثة، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا، واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الكبر، أمرني ربي ألا أدع عمله يجاوزني إلى غيري؛ إنه كان يتكبر على الناس في مجالسهم، قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهو كما يزهو الكوكب الدري وله دوي من تسبيح وصلاة وصيام وحج وعمرة، حتى يجاوزا به إلى السماء الرابعة، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا، واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وظهره وبطنه، أنا صاحب العجب، أمرني ربي ألا أدع عمله يجاوزني إلى غيري؛ إنه كان إذا عمل عملا أدخل العجب فيه، قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد حتى يجاوزا به إلى السماء الخامسة كأنه العروس المزفوفة إلى بعلها، فيقول الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه واحملوه واجعلوه على عاتقه، أنا ملك الحسد، إنه كان يحسد من يتعلم ويعمل بمثل عمله، وكل من كان يأخذ فضلا من العبادة كان يحسدهم ويقع فيهم، أمرني ربي ألا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ، قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد له ضوء كضوء الشمس، من صلاة وزكاة وحج وعمرة وجهاد وصيام، فيجاوزون به إلى السماء السادسة، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه؛ إنه كان لا يرحم إنسانا قط من عباد الله أصابه بلاء أو مرض ! بل كان يشمت به أنا ملك الرحمة، أمرني ربي ألا أدع عمله يجاوزني إلى غيري، قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وصيام ونفقة وجهاد وورع، له دوي كدوى النحل، وضوء كضوء الشمس، ومعه ثلاثة آلاف ملك، فيجاوزون به إلى السماء السابعة، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا، واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، واضربوا جوارحه واقفلوا به على قلبه، أنا صاحب الذكر، فإني أحجب عن ربي كل عمل لم يرد به وجه ربي؛ إنه إنما أراد بعمله غير الله تعالى، إنه أراد به رفعة عند الفقهاء، وذكرا عند العلماء، وصيتا في المدائن، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري وكل عمل لم يكن لله تعالى خالصا فهو رياء، ولا يقبل الله عمل المرائي.. قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وصيام وجهاد وحج وعمرة وخلق حسن وصمت وذكر الله تعالى، فتشيعه ملائكة السموات السبع حتى يقطعوا به الحجب كلها إلى الله تعالى، فتشيعه ملائكة السموات السبع حتى يقطعوا به الحجب كلها إلى الله تعالى، فيقفون بين يديه، ويشهدون له بالعمل الصالح المخلص لله تعالى، فيقول الله تعالى: أنتم الحفظة على عمل عبدي، وأنا الرقيب على ما في قلبه؛ إنه لم يردني بهذا العمل، وإنما أراد به غيري، فعليه لعنتي، فتقول الملائكة كلها: عليه لعنتك ولعنتنا، فتلعنه السموات السبع ومن فيهن)).

ثم بكى معاذ، وانتحب انتحابا شديدا، وقال معاذ: قلت يا رسول الله أنت رسول الله وأنا معا، فكيف لي الخلاص والنجاة من ذلك? قال: ((اقتد بي وإن كان في عملك نقص، يا معاذ حافظ على لسانك من الوقيعة في إخوانك من حملة القرآن خاصة، واحمل ذنوبك عليك، ولا تحملها عليهم، ولا تزك نفسك بذمهم، ولا ترفع نفسك عليهم، ولا تدخل عمل الدنيا في عمل الآخرة، ولا تراء بعملك، ولا تتكبر في مجلسك، لكي يحذر الناس من سوء خلقك، ولا تناج رجلا وعندك آخر، ولا تتعظم على الناس فتنقطع عنك خيرات الدنيا والآخرة، ولا تمزق الناس بلسانك فتمزقك كلاب النار يوم القيامة في النار، قال الله تعالى: {والناشطات نشطا} ، هل تدري من هن يا معاذ?، قلت: ما هن- بأبي أنت وأمي- يا رسول الله ? قال: كلاب في النار تنشط اللحم من العظم، قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، من يطيق هذه الخصال ونمن ينجو منها? قال: يا معاذ إنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه، إنما يكفيك من ذلك أن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، فإذن أنت يا معاذ قد سلمت)).

قال خالد بن معدان: فما رأيت أحدا أكثر تلاوة للقرآن العظيم من معاذ لهذا الحديث العظيم.

في الزجر عن العجب
عن بن مسعود رضي الله عنه قال : النجاة في اثنين ، النية والتقوى ، والهلاك في اثنين : القنوط والإعجاب . وقال الشعبي : كان فيمن كان قبلكم رجل إذا مشى أظلته غمامة ، فقال رجل لأمشين في ظله فأعجب العابد بنفسه وقال : مثل هذا يمشي في ظلي ، فلما افترقا ذهبت السحابة مع ذلك الرجل .
وروي عن داؤود عليه الصلاة والسلام أنه عبد ربه سنة على ساحل البحر ، وقال : يا رب قد انحنى ظهري وكلت عيناي وفقدت الدموع ولا أدري إلى ما يئول أمري ، فأوحى الله إلى ضفدعة أن أجيبي عبدي داؤود ، فقالت الضفدعة : يا نبي الله أتمنى على الله بعبادة سنة ؟ والذي خلقني إن لي هنا ثلاثين سنة أسبحه وأحمده ، وأن فرائصي لترتعد من الخوف من الله عز وجل ، فبكا داوؤد عليه الصلاة والسلام بكاءاً شديدا حياءاً من الله تعالى . قال الفقيه أبو الليث : من أراد أن يكثر العجب فعليه بأربعة أشياء ، أولها أن يرى التوفيق من الله تعالى فلا يعجب بنفسه ، ثانيها أن ينظر إلى النعماء ، فإذا نظر في نعماء الله اشتغل بالشكر ، ثالثها أن يخاف أن لا يقبل منه ، فإذا اشتغل بالخوف من عدم قبل عمله لا يعجب ، رابعها ينظر في ذنوبه وأن يخاف أن ترجح سيئاته على حسناته فإذا فعل ذلك فقد كسر عجبه .
وقال كعب الأحبار : يجمع الله الخلائق يوم القيامة في قاع أفيح يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ، ثم يدعى كل قوم بإمامهم (يعني بمعلمهم الذي يعلمهم الهدى أو الضلال) فيدعى إمام الهدى قبل أصحابه ويعطى كتابه بيمينه وفيه (قد غفر لك) ويتوج بتاج من نور ، ثم يقال له : إذهب إلى أصحابك فأخبرهم أن لكل واحد منهم مثل ما لك ، فيأتي أصحابه فيقول : أقرأو كتابي قد غفر لي ، وأبشروا فإن لكل واحد منكم مثل ما لي . قال إذا كان إمام ضلالة دعي فيعطى كتابه بشماله فيقرأه حتى إذا فرق وجد في آخره ((وإنه لحقٌ عليك كلمة العذاب)) ، ويسود وجهه ويتوج بتاج من نار ، ثم يقال له : إئت قومك فأخبرهم أن لكل واحد منهم مثل ما لك ، فلا يمر بقوم إلا لعنوه حتى يأتي أصحابه فيلعنهم ويلعنونه كما قال الله تعالى : ((ثم يوم القيامة يكفر بعضهم ببعص ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار)) فيقول : أبشروا فإن مأواكم النار مثلي ، وقال مسروق : كفى بالمرء علماً أن يخشى الله ، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعمله ...
العجب عن بن مسعود رضي الله عنه قال : النجاة في اثنين ، النية والتقوى ، والهلاك في اثنين : القنوط والإعجاب . وقال الشعبي : كان فيمن كان قبلكم رجل إذا مشى أظلته غمامة ، فقال رجل لأمشين في ظله فأعجب العابد بنفسه وقال : مثل هذا يمشي في ظلي ، فلما افترقا ذهبت السحابة مع ذلك الرجل .
قال الشيخ ابن عطاء الله السكندرى رضى الله عنه ( رُبَّ معصِيةٍ أورثتْ ذلا وانكِسَاراً خير من طاعةِ أورثت عِزا واستكبَاراً )

مهيمن اكلأ سرنا عن سواك صن عزيز تولانا بعز الحضيرة
حليم فهبنا الحلم في كل لحظة
عظيم فعظمنا بارث النبوة
ياعزيز من للذليل سواك
ياعظيم من للحقير سواك


د. سلوى الدابي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس