صورة الصف :.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم.

.- قولُهُ تَعَالَى:{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [1]:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الصَّنْعَانِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: قَعَدْنَا نفر من صحاب النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُلْنَا: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تبارك وتعالى علمناه، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} إِلَى قَوْلِهِ:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

.- قولُهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [2]:
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا وَأَنْفُسَنَا، فَدَلَّهُمُ اللَّهُ عَلَى أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ فَقَالَ:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} الْآيَةَ. فَابْتُلُوا يَوْمَ أُحُدٍ بِذَلِكَ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
سورة الجمعة :.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم.

.- قوله- عز وجل-{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [11]:
أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بن عطية، أخبرنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ قَدْ قَدِمَتْ مِنَ الشَّامِ، فَخَرَجُوا إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُصَيْنٍ.
- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الطَّلْحِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عمران الشاشي، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن يونس أخبرنا عَبْثَرُ بن القاسم، أخبرنا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْجُمُعَةِ، فَمَرَّتْ عِيرٌ تَحْمِلُ الطَّعَامَ فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَنَزَلَتْ آيَةُ الْجُمُعَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَائِدَةَ كِلَاهُمَا عَنْ حُصَيْنٍ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ جُوعٌ وَغَلَاءُ سِعْرٍ، فَقَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ فِي تِجَارَةٍ مِنَ الشَّامِ، وَضُرِبَ لَهَا طَبْلٌ يُؤْذِنُ النَّاسَ بِقُدُومِهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْكُمْ لَسَالَ بِكُمُ الْوَادِي نَارًا».
سورة المنافقون :.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم.

.- قولُهُ تَعَالَى:{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} [7]:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عبدان قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمد الحافظ، أخبرنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد المحبوبي، أخبرنا سَعِيدُ بن مسعود، أخبرنا عُبَيْدُ اللَّهِ بن موسى، أخبرنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ مَعَنَا نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ وَكُنَّا نَبْتَدِرُ الْمَاءَ، وَكَانَ الْأَعْرَابُ يَسْبِقُونَا، فَيَسْبِقُ الْأَعْرَابِيُّ أَصْحَابَهُ فَيَمْلَأُ الْحَوْضَ وَيَجْعَلُ حَوْلَهُ الْحِجَارَةَ وَيَجْعَلُ النِّطْعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَجِيءَ أَصْحَابُهُ، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَرْخَى زِمَامَ نَاقَتِهِ لِتَشْرَبَ، فَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَانْتَزَعَ حَجَرًا فَفَاضَ الْمَاءُ، فَرَفَعَ الْأَعْرَابِيُّ خَشَبَةً فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ الْأَنْصَارِيِّ فَشَجَّهُ، فَأَتَى الْأَنْصَارِيُّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ، فَأَخْبَرَهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ثُمَّ قَالَ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، يَعْنِي الْأَعْرَابَ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيُخْرِجِ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَأَنَا رِدْفُ عَمِّي: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، فَأَخْبَرْتُ عَمِّي، فَانْطَلَقَ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَلَفَ وَجَحَدَ وَاعْتَذَرَ، فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَّبَنِي، فَجَاءَ إِلَيَّ عَمِّي فَقَالَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا أَنْ مَقَتَكَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَّبَكَ الْمُسْلِمُونَ، فَوَقَعَ عَلَيَّ مِنَ الْغَمِّ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى أَحَدٍ قَطُّ، فَبَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَتَانِي فَعَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي، فَمَا كَانَ يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} حَتَّى بَلَغَ{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} حَتَّى بَلَغَ{لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}
قال أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَأَصْحَابُ السِّيَرِ: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَنَزَلَ عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ: الْمُرَيْسِيعُ، فَوَرَدَتْ وَارِدَةُ النَّاسِ وَمَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَجِيرٌ لَهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالُ لَهُ: جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ يَقُودُ فَرَسَهُ، فَازْدَحَمَ جَهْجَاهٌ وَسِنَانٌ الْجُهَنِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَوْفٍ مِنَ الْخَزْرَجِ عَلَى الْمَاءِ، فَاقْتَتَلَا، فَصَرَخَ الْجُهَنِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَصَرَخَ الْغِفَارِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، فَأَعَانَ جَهْجَاهًا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يُقَالُ لَهُ (جُعَالٌ)؛ وَكَانَ فَقِيرًا. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: وَإِنَّكَ لَهُنَاكَ! فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ؟! وَاشْتَدَّ لِسَانُ جُعَالٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَأَذَرَنَّكَ، وَيَهُمُّكَ غَيْرُ هَذَا شَيْءٌ؟. وَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُهُمْ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. يَعْنِي بِالْأَعَزِّ نَفْسَهُ، وَبِالْأَذَلِّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ: هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ، أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلَادَكُمْ، وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ؛ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ عَنْ جُعَالٍ وَذَوِيهِ فَضْلَ الطَّعَامِ، لَمْ يَرْكَبُوا رِقَابَكُمْ، وَلَأَوْشَكُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ بِلَادِكُمْ؛ فَلَا تُنْفِقُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِ مُحَمَّدٍ.
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ- وَكَانَ حَاضِرًا وَيَسْمَعُ ذَلِكَ-، فَقَالَ: أَنْتَ وَاللَّهِ الذَّلِيلُ الْقَلِيلُ الْمُبَغَّضُ فِي قَوْمِكَ، وَمُحَمَّدٌ فِي عِزٍّ مِنَ الرَّحْمَنِ، وَمَوَدَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَاللَّهِ لَا أُحِبُّكَ بَعْدَ كَلَامِكَ هَذَا. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: اسْكُتْ، فَإِنَّمَا كُنْتُ أَلْعَبُ. فَمَشَى زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقَالَ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ:«إِذَنْ تَرْعَدُ لَهُ أُنُفٌ كَبِيرَةٌ بِيَثْرِبَ». فَقَالَ عُمَرُ: فَإِنْ كَرِهْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَقْتُلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَمُرْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَوْ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، أَوْ عُبَادَةَ بْنَ بِشْرٍ- فَلْيَقْتُلُوهُ. فَقَالَ:«إِذَنْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ».
وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ:«أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي بَلَغَنِي؟» فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مَا قُلْتُ شَيْئًا مِنْ هَذَا قَطُّ، وَإِنَّ زَيْدًا لَكَاذِبٌ.
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ فِي قَوْمِهِ شَرِيفًا عَظِيمًا؛ فَقَالَ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْخُنَا وَكَبِيرُنَا، لَا تُصَدِّقْ عَلَيْهِ كَلَامَ غُلَامٍ مِنْ غِلْمَانِ الْأَنْصَارِ عَسَى أَنْ يَكُونَ وَهِمَ فِي حَدِيثِهِ فَلَمْ يَحْفَظْ. فَعَذَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَفَشَتِ الْمَلَامَةُ فِي الْأَنْصَارِ لِزَيْدٍ وَكَذَّبُوهُ، وَقَالَ لَهُ عَمُّهُ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمون ومَقَتُوك. فاستحيَى زَيْدٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْنُوَ مِنَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فقال له: أوَ مَا بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ؟ قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ إِنْ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. قَالَ أُسَيْدٌ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ- وَاللَّهِ تُخْرِجَنَّهُ إِنْ شِئْتَ، هُوَ وَاللَّهِ الذَّلِيلُ، وَأَنْتَ الْعَزِيزُ. ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْفُقْ بِهِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِكَ وَإِنَّ قَوْمَهُ لَيَنْظِمُونَ لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوِّجُوهُ؛ وَإِنَّهُ لَيَرَى أَنَّكَ سَلَبْتَهُ مُلْكًا.
وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِيهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ لِمَا بَلَغَكَ عَنْهُ؛ فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَمُرْنِي بِهِ، فَأَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ رَأْسَهُ! فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتِ الْخَزْرَجُ مَا بِهَا رَجُلٌ أَبَرَّ بِوَالِدَيْهِ مِنِّي، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ، فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْظُرُ إِلَى قَاتِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَمْشِي فِي النَّاسِ، فَأَقْتُلَهُ، فَأَقْتُلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ، فَأَدْخُلَ النَّارَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«بَلْ نُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا».
وَلَمَّا وَافَى رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: جَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ لِمَا بِي مِنَ الْهَمِّ وَالْحَيَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ فِي تَصْدِيقِي وَتَكْذِيبِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا نَزَلَتْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأُذُنِ زَيْدٍ، فَقَالَ:«يَا زَيْدُ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَدَّقَكَ وَأَوْفَى بِأُذُنِكَ»، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى أَنَاخَ عَلَى مَجَامِعِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا أَنْ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ قَالَ ابْنُهُ: وراءك، قال: مالك؟ وَيْلَكَ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُهَا أَبَدًا إِلَّا بِإِذْنِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلْتَعْلَمِ الْيَوْمَ مَنِ الْأَعَزُّ مِنَ الْأَذَلِّ، فَشَكَا عَبْدُ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا صَنَعَ ابْنُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ«أَنْ خَلِّ عَنْهُ حَتَّى يَدْخُلَ» فَقَالَ: أَمَا إِذْ جَاءَ أَمْرُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَنَعَمْ، فَدَخَلَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ وَبَانَ كَذِبُهُ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا حُبَابٍ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَتْ فِيكَ آيٌ شِدَادٌ فَاذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَسْتَغْفِرَ لَكَ، فَلَوَى رَأْسَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} الْآيَةَ.
سورة التغابن :.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم.

.- قوله- عز وجل-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} الْآيَةَ [14]:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الرَّجُلُ يُسْلِمُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ مَنْعَهُ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ وَقَالُوا: نَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تَذْهَبَ فَتَدَعَ أَهْلَكَ وَعَشِيرَتَكَ وَتَصِيرَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِلَا أَهْلٍ وَلَا مَالٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرِقُّ لَهُمْ وَيُقِيمُ وَلَا يُهَاجِرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أحمد الشيباني، أخبرنا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى بن حازم، أخبرنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بن بجير، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عمر المقدمي، أخبرنا أَشْعَثُ بْنُ عبد الله، أخبرنا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُسْلِمُ فَيَلُومُهُ أَهْلُهُ وَبَنُوهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} قَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وهؤلاء الَّذِينَ مَنَعَهُمْ أَهْلُهُمْ عَنِ الْهِجْرَةِ لَمَّا هَاجَرُوا وَرَأَوُا النَّاسَ قَدْ فَقِهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوا أَهْلِيهِمُ الَّذِينَ مَنَعُوهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
سورة الطلاق :.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم.

.- قَوْلُهُ- عز وجل-{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} الْآيَةَ [1]:
رَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَفْصَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَقِيلَ لَهُ: رَاجِعْهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَهِيَ مِنْ إِحْدَى أَزْوَاجِكَ وَنِسَائِكَ فِي الْجَنَّةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُرَاجِعَهَا وَيُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضُ حَيْضَةً أُخْرَى، فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا إِنْ شَاءَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا.
أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّالَنْجِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد الحيري، أخبرنا مُحَمَّدُ بن زنجويه، أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن يحيى، أخبرنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُرَاجِعَهَا، ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ.

.- قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [2- 3]:
نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسَرُوا ابْنًا لَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، وَقَالَ: إِنَّ العدو أسر بني وَجَزِعَتِ الْأُمُّ فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرْ، وَآمُرُكَ وَإِيَّاهَا أَنْ تَسْتَكْثِرَا مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»، فَعَادَ إِلَى بَيْتِهِ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَنِي وَإِيَّاكِ أَنْ نَسْتَكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَتْ: نِعْمَ مَا أَمَرَنَا بِهِ، فَجَعَلَا يَقُولَانِ، فَغَفَلَ الْعَدُوُّ عَنِ ابْنِهِ، فَسَاقَ غَنَمَهُمْ وَجَاءَ بِهَا إِلَى أَبِيهِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ آلَافِ شَاةٍ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
- أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ السكوني، أخبرنا عُبَيْدُ بْنُ كَثِيرٍ العامري، أخبرنا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بن آدم أخبرنا إسرائيل، أخبرنا عَمَّارُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} فِي رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ كَانَ فَقِيرًا خَفِيفَ ذَاتِ الْيَدِ كَثِيرَ الْعِيَالِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ فَقَالَ:«اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرْ»، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: مَا أَعْطَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مَا أَعْطَانِي شَيْئًا، قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرْ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ ابْنٌ لَهُ بِغَنَمٍ وَكَانَ الْعَدُوُّ أَصَابُوهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ عَنْهَا وَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«إِيَّاكَهَا».

.- قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [4]:
قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا نَزَلَتْ:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} الْآيَةَ. قَالَ خَلَّادُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا عِدَّةُ الَّتِي لَا تَحِيضُ، وَعِدَّةُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَعِدَّةُ الْحُبْلَى؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
- أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدُونَ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بن عبدان قال: أخبرنا أبو الأزهر، أخبرنا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عِدَّةُ النِّسَاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ نِسَاءً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَقُلْنَ قَدْ بَقِيَ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا شَيْءٌ، قَالَ:«مَا هُوَ؟» قَالَ: الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ وَذَوَاتُ الْحَمْلِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ} إِلَى آخِرِهَا.
سورة التحريم :.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم.

.- قوله- عز وجل-{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الْآيَةَ [1]:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ منصور الطوسي، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بن مهدي أخبرنا الْحُسَيْنُ بْنُ إسماعيل المحاملي، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ قال: حدثني إِسْحَاقُ بن محمد، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأُمِّ وَلَدِهِ مَارِيَةَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَوَجَدَتْهُ حَفْصَةُ مَعَهَا، فَقَالَتْ: لِمَ تُدْخِلُهَا بَيْتِي؟ مَا صَنَعْتَ بِي هَذَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِكَ إِلَّا مِنْ هَوَانِي عَلَيْكَ. فَقَالَ لَهَا:«لَا تَذْكُرِي هَذَا لِعَائِشَةَ، هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ قَرِبْتُهَا»، قَالَتْ حَفْصَةُ: وَكَيْفَ تَحْرُمُ عَلَيْكَ وَهِيَ جَارِيَتُكَ؟ فَحَلَفَ لَهَا: لَا يَقْرَبُهَا وَقَالَ لَهَا:«لَا تُذْكُرِيهِ لِأَحَدٍ»، فَذَكَرَتْهُ لِعَائِشَةَ، فَآلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا وَاعْتَزَلَهُنَّ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الْآيَةَ.
- أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ الحسن الفريابي، أخبرنا مِنْجَابُ بن الحارث، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ وَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَعَرَفْتُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِي أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ، فَسَقَتْ مِنْهُ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرْبَةً قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَقُولِي لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ؟ وَسَأَقُولُ ذَلِكَ، وَقَوْلِي أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ ذَلِكَ، قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَكِدْتُ أَنْ أُبَادِئَهُ بِمَا أَمَرَتْنِي بِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ:«لَا»، قَالَتْ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ، قَالَ:«سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ»، قَالَتْ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ؟ قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ:«لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ»، تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ، قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ أَبِي الْمَغْرَاءِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ.
- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أحمد، أخبرنا الحسن بْنُ مُحَمَّدِ بن مصعب، أخبرنا يَحْيَى بن حكيم، أخبرنا أبو داود، أخبرنا عَامِرٌ الْخَزَّازُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ كانت لها خؤولة بِالْيَمَنِ، وَكَانَ يُهْدَى إِلَيْهَا الْعَسَلُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِيهَا فِي غَيْرِ يَوْمِهَا يُصِيبُ مِنْ ذَلِكَ الْعَسَلِ، وَكَانَتْ حفصة وعائشة متواخيتين عَلَى سَائِرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا لِلْأُخْرَى: أَمَا تَرَيْنَ إِلَى هَذَا؟ قَدِ اعْتَادَ هَذِهِ يَأْتِيهَا فِي غَيْرِ يَوْمِهَا يُصِيبُ مِنْ ذَلِكَ الْعَسَلِ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَخُذِي بِأَنْفِكِ، فإذا قال: مالك؟ قولي: أحد مِنْكَ رِيحًا لَا أَدْرِي مَا هِيَ، فَإِنَّهُ إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَتْ بأنفها فقال:«مالك؟» قالت: ريحًا أحد مِنْكَ وَمَا أَرَاهُ إِلَّا مَغَافِيرَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْجِبُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ إِذَا وجدها، ثم إذ دَخَلَ عَلَى الْأُخْرَى قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ:«لَقَدْ قَالَتْ لِي هَذَا فُلَانَةُ، وَمَا هَذَا إِلَّا مِنْ شَيْءٍ أَصَبْتُهُ فِي بَيْتِ سَوْدَةَ، وَوَاللَّهِ لَا أَذُوقُهُ أَبَدًا». قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ في هذا:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ}
.- قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} الْآيَةَ [4]:
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْمَنْصُورِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن الدارقطني، أخبرنا الْحُسَيْنُ بن إسماعيل، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شبيب قال: حدثني أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَجَدَتْ حَفْصَةُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ فِي يَوْمِ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لَأُخْبِرَنَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ قَرِبْتُهَا» فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ بِذَلِكَ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ ذَلِكَ، فَعَرَّفَ حَفْصَةَ بَعْضَ مَا قَالَتْ: فَقَالَتْ لَهُ: مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ:{نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} فَآلَى رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} الْآيَةَ.