10-21-2012, 05:48 PM
|
#19
|
|
رد: بداية الهداية - للإمام الغزالي
آداب النوم
فإذا أردت النوم ، فابسط فراشك مستقبل القبلة ، ونم على يمينك كما يضطجع الميت في لحده !
واعلم أن النوم مثل الموت ، واليقظة مثل البعث ! ولعل الله تعالى يقبض روحك في ليلتك ،، فكن مستعدا للقائه بأن تنام على طهارة ، وتكون وصيتك مكتوبة تحت رأسك ، وتنام تائبا من الذنوب مستغفرا ، عازما على ألا تعود إلى معصية ، واعزم على الخير لجميع المسلمين إن بعثك الله تعالى.
وتذكر أنك ستضجع في اللحد كذلك وحيدا فريدا ، ليس معك إلا عملك ، ولا تجزى إلا بسعيك.
ولا تستجلب النوم تكلفا بتمهيد الفرش الوطيئة ، فإن النوم تعطيل لحياة ، إلا إذا كانت وبالا عليك ، فنومك سلامة لدينك.
واعلم أن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة ، فلا يكون نومك بالليل والنهار أكثر من ثماني ساعات ، فيكفيك إن عشت مثلا ستين سنة أن تضيع منها عشرين سنة وهو ثلث عمرك.
وأعد عند النوم سواكك وطهورك ، واعزم على قيام الليل أو على القيام قبل الصبح.
فركعتان في جوف الليل كنز من كنوز البر ، فاستكثر من كنوزك ليوم فقرك ، فلن تغني عنك كنوز الدنيا إذا مت. وقل عند نومك:
باسمك ربي وضعت جنبي ، وباسمك أرفعه فاغفر لي ذنبي.
اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك.
اللهم باسمك أحيا وأموت ، وأعوذ بك اللهم من شر كل ذي شر ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم.
اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عني الدين وأغنني من الفقر.
اللهم أنت خلقت نفسي ، وأنت تتوفاها ، لك مماتها ومحياها، إن أَمَتَّها فاغفر لها ، وإن أحييتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين.
اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ، اللهم أيقظني في أحب الساعات إليك ، واستعملني بأحب الاعمال إليك ، لتقربني إليك زلفى ، وتبعدني عن سخطك بعدا ، أسألك فتعطيني ، وأستغفرك فتغفر لي ، وأدعوك فتستجيب لي.
ثم اقرأ (آية الكرسي) ، و{آمن الرسول} إلى آخر السورة ، و(الاخلاص) ، و(المعوذتين) ، و{تبارك} ... الملك.
وليأخذك النوم وأنت على ذكر الله وعلى الطهارة ، فمن يفعل ذلك عرج بروحه إلى العرش ، وكتب مصليا إلى أن يستيقظ.
فإذا استيقظت فارجع إلى ما عرفتك أَوَّلا ، وداوم على هذا الترتيب بقية عمرك ، فإن شقَّت عليك المداومة ، فاصبر صبر المريض على مرارة الدواء انتظارا للشفاء ، وتفكر في قصر عمرك ، وإن عشت مثلا مائة سنة فهي قليلة بالاضافة إلى مقامك في الدار الآخرة وهي أبد الآباد.
وتأمل أنك كيف تتحمل المشقة والذل في طلب الدنيا شهرا أو سنة رجاء أن تستريح بها عشرين سنة مثلا ، فكيف لا تتحمل ذلك أيام قلائل رجاء الاستراحة أبد الآباد!
ولا تطول أملك فيثقل عليك عملك ، وقدر قرب الموت ، وقل في نفسك إني أتحمل المشقة اليوم ؛ فلعلي أموت الليلة ، وأصبر الليلة فلعلى أموت غدا ، فإن الموت لا يهجم في وقت مخصوص ، وحال مخصوص ، وسن مخصوص ! فلا بد من هجومه ، فالاستعداد له أولى من الاستعداد للدنيا ، وأنت تعلم أنك لا تبقى فيها إلا مدة يسيرة ، ولعله لم يبق من أجلك إلا يوم واحد ، أو نفس واحد ! فقدر هذا في قلبك كل يوم ، وكلف نفسك الصبر على طاعة الله يوما فيوما ، فإنك لو قدرت البقاء خمسين سنة ، وألزمتها الصبر على طاعة الله تعالى ، نفرت واستصعبت عليك ، فإن فعلت ذلك فرحت عند الموت فرحا لا آخر له ، وإن سوفت وتساهلت جاءك الموت في وقت لا تحتسبه ، وتحسرت تحسرا لا آخر له. وعند الصباح يحمد القوم السُّرَى ، وعند الموت يأتيك الخبر اليقين {ولتعلمن نبأه بعد حين}.
وإذ أرشدناك إلى ترتيب الأوراد ، فلنذكر لك كيفية الصلاة والصوم ، وآدابهما ، وآداب الإمامة ، والقدوة ، والجمعة.
يتبع إن شاء الله تعالى ...
|
|
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل
دخولك قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا |
|