عرض مشاركة واحدة
قديم 09-18-2012, 10:59 AM   #4
الشريف زين العابدين


الصورة الرمزية الشريف زين العابدين



الشريف زين العابدين is on a distinguished road

افتراضي رد: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ


ولقد ركز هرقل نوعاً ما علي الصدق والإخلاص ، والواقع أن صورة الصدق والإخلاص كان يراهما كل من عرف الرسول صلي الله عليه وسلم ، ولم تعمه عصيبة ، أو حسد أو هوي.
علي أن صورة الصدق والإخلاص : كانت سمة من السمات ا لتي
نصف بها الرسول قبل بعثته ، وبعد بعثته صلوات الله وسلامه عليه ، لقد لازمته طيلة حياته ، لقد كان مجرد الخبر يلقيه صلوات الله وسلامه عليه ، أخذه أعدى أعدائه علي أن واقع لا محالة . فهذا أميه بين خلف – عدو لدود – يتلاحي مع سعد بن معاذ رضي الله عنه ، يريد أن يمنعه من الطواف بالكعبة ، فيقول له سعد بن معاذ – في حدة المناقشة : لقد سمعت رسول الله صلي الله وعليه وسلم يقول : إنه قاتلك ، ويضطرب قلب أميه بن خلف ويسأل في لهفة وضعف وتخاذل ، أهو قال ذلك حقا ؟ فلما أكد له سعد بن معاذ الخبر أسقط في يده وقال : لئن كان قال ذلك . لقد صدق ، وقتل أميه بن خلف يوم بدر ، علي أن هذه الصورة تتمثل في وضوح بين ، حينما أعلن رسول الله صلوات الله عليه إلي قريش نبويه ، فقال لهم :
( أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا وراء هذا الوادي
تريد أن تغير عليكم أكنتم تصدقوني؟) .
لقد كانت إجابتهم عن هذا السؤال تعبر عن
الحقيقة التي لمسوها فيه لقد قالوا :
( نعم أنت عندنا غير متهم ، وما جربنا
عليك كذباً قط ) .
وصورة أخرى ، صورة لم يترتب لها ترتيب مروي ولم يؤد إليها
منطق محكم ، صورة لم تكن نتيجة عشرة طويلة ، ولا رفقة قريبة ، وإنما جاءت علي البديهة ، وأوحت بها الملاحظة السليمة .
إنها الصورة التي كونتها عنه صلوات
الله عليه وسلامه أم معبد الخزاعية وهي صورة لا تخص الجانب المعنوي منه وإنما تتصل – علي الأخص – بالجانب الظاهر ، وأردنا أن نثبتها هنا لنثبت بها : ( هيئة ) وظاهر بعد أن أثبتنا زوايا من المعنويات ، وجوانب من التقدير والإجلال إن الصورة التي نثبتها الآن مجرد وصف إنها تعبير عن ملاحظة .
هاجر رسول الله صلوات الله
وسلامه عليه من مكة إلي المدينة ، يرافقه أبو بكر رضي الله عنه ، وعامر بن فهيرة مولي أبي بكر ودليلهم : عبد الله بن أريقط .
مروا بخيمة أم معبد الخزاعية ،
وكانت أمرأة قوية الأخلاق عفيفة تقابل الرجال فتتحدث إليهم وتستضيفهم . وسألها الركب عن تمر أو لحم يشتروه فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك ، فقد كانت سنة من السنين العجاف ، فقالت لهم :
والله لو كان عندنا شئ ما أعوزكم القرى . فنظر رسول
الله صلي الله عليه وسلم إلي شاة في ركن الخيمة فقال :
( ما هذه الشاة يا أم
معبد .؟ )
قالت : هذه شاة خلفها التعب عن الغنم
.
فقال صلوات الله وسلامه
عليه : ( هل بها من لبن ؟ ) فقالت :
هي أجهد من ذلك
.
قال : ( أتأذنين أن
أحلبها ) ؟
قالت : نعم بأبي أنت وأمي أن رأيت بها حلباً
.
فدعا رسول الله
صلوات الله وسلامه عليه بالشاة فسمح ضرعها،ذاكرا اسم الله وقال : ( اللهم بارك لها في شاتها )
فامتلأ ضرع الشاة ودر لبنها ، فدعا بإناء لها كبير ، فحلب فيه فملأه
فسقى أم معبد فشربت حتي رويت ، وسقى اصحابه حتي أرتو، وشرب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه آخرهم وقال ( ساقي القوم آخرهم ) .
فشربوا جميعاً مرة بعد مرة
.
ثم جلب فيه ثانية عودا علي بدء ، فغادروه عندها ، ثم ارتحلوا عنها فما لبثت أن
جاء زوجها يسوق أعنازا ً عجافاً هزلي فلما رأي اللبن عجب واستغرب وقال :
( من
أين لكم هذا ولا حلوبة في البيت ) ؟
قالت : لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك
كان من حديثه كيث وكيت .
قال : و الله إني لأراه صاحب قريش الذي يطلب ، صفية لي
يا أم معبد ؟
قالت : رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة ، متبلج (مشرق) الوجه ، حسن الخلق
، لم تعبه ثجلة ) ضخامة البطن (ولم تزر به صعلة) لم يشنه صغر الرأس ،وسيم قسيم ، في عينية دعج ، وفي أشفارة وطف (طويل شعر الأجفان) وفي صوته صحل (رخيم الصوت) أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر في عنقه سطح ( ارتفاع وطول) وفي لحيته كثافة ، إذا صمت فعليه الوقار ، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء وكان منطقة خرزات نظم يتحدرن ، جلو المنطق ، فصل لانزو ولا هذر (لاعي فيه ولا ثرثرة في كلامه) ، أجهر الناس وأجملهن من بعيد ، وأحلاهم وأحسنهم من قريب ، ربعة ( وسط ا بين الطول والقصر) لا تشنؤه (تبغضه) من طول ، ولا تقتحمه عين (تحتقره) من قصر، غصن بين غصنين ، فهو أنضر الثلاثة منظراً ، وأحسنهم قدراً له رفقاء يخصون به ، إذا قال استمعوا لقوله ، وإذا أمر تبادروا إلي أمره ، محفود ( يسرع أصحابه في طاعته) ، محشود (يحتشد الناس حوله) لا عابث ولا مفتد (غير مخرف في الكلام) .
قال أبو معبد : هذا والله صاحب قريش
الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ، ولو كنت وافقته يا أم معبد لتلمست أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت لذلك سبيلاً .
هذه هي الصورة التي حاولت أم معبد رسمها
.
أما سيدنا
عمرو بن العاص فإنه يقول في صراحة وصدق – عندما حضرته الوفاة وعندما تذكر الماضي فخنقته العبرات ، وتحدث مع ابنه عن أشياء عدة في صورة مؤثرة - : ( ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلي الله عليه وسلامه ولا أجل في عيني منه ، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ، ولو سئلت أن أصفه ما أ طقت : لأني لم أكن أملأ عيني منه ) .
والآن نريد أن نتساءل : ما هي الصور التي نريد أن نرسمها هنا ؟
فنقول
: إننا لا نرسم صورا كاملة : فالصور الكاملة لا يتأتي لمثلنا أن يرسمها ونحن هنا ، إنما نحاول رسم جملة من زوايا شاعرين بتقصيرنا ، معترفين بعجزنا ، ولكن أملنا كبير في أن تكون هذه الصور باعثة لتصحيح بعض الأوضاع ، وأن تكون علي ما فيها من عجز وقصور ، ممثلة لبعض ما نكنه لسيد ولد آدم : من حب وإيمان ، وأن تكون بذلك شفيعة لنا عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي بقلب سليم .
ومع هذه الزوايا
التي نحاول أن نرسمها فإنه لا يعزب قط عن بالنا قول إمامنا البوصيري رحمه الله عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه هذه الأبيات ، التي تعبر عن الحقيقة تعبيراً صادقاُ .
أعيا الوري فهم معناه فليس يري للقرب والبعد فيه غير متفحم
كالشمس تظهر
للعينين من بعد صغيرة وتكل ا لطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته قوم نيام
تسلوا عنه بالحلم
فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم

الشريف زين العابدين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس