06-26-2012, 03:16 PM
|
#68
|
|
رد: كتاب شجرة اليقطين في تراجم بعض خلفاء الطريقة الختمية المعاصرين للأستاذ أحمد كرمو
( 15 )
الخليفة عبد الهادي أحمد زياد
نسبه ومولده : هو الولي البركة العارف بالله تعالى الخليفة عبد الهادي بن احمد بن عبد الهادي بن عثمان بن زياد الذي ينتهي نسبه إلى سيدنا الحسين بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه.
ووالدته هي السيدة حليمة بنت الفكي الدرديري أصلها من صعيد مصر .
ولد رضي الله عنه في مدينة ود مدني سنة 1347 ه الموافق 1926 م
نشأته وتعلمه :
نشأ رضي الله عنه في بيت علم ودين وشرف . درس القرءان الكريم على يد الشيخ محمد أحمد الريح السنهوري وعلى الشيخ طه إسماعيل بخلوة جده عثمان زياد . ودرس العلوم الشرعية بمعهد ود مدني العلمي على يد الشيخ الطيب أبو قناية والشيخ عوض محمد حمد والشيخ ادم الضرير والشيخ عبد الله الحاج حامد وأكمل دراسته بمعهد أم درمان العلمي وحضر على كل من الشيخ ألأمين الترابي والشيخ الصلحي والشيخ على أدهم رضي الله عنهم .
طريقته وتصوفه :
أخذ الخليفة عبد الهادي طيب الله ثراه الطريقة الختمية أولاً على يد الخليفة محمد العبادي وهو من كبار خلفاء الطريقة الختمية بود مدني ، ثم شاءت العناية الإلهية أن ينتقل إلى مدينة أم درمان ليتعلم حرفة النسيج بملجأ القرش وقد استمر به أربعة سنوات واجتمع في هذه الفترة بشيخ إرشاده خليفة الخلفاء الخليفة مكي عربي الذي لمس فيه الهمة العالية وصدق التوجه إلي الله تعالى فأولاه مزيداً من العناية والرعاية وميزه على أقرانه بل وقدمه عليهم .
هذا وقد كان الخليفة عبد الهادي في تصوفه دائم الذكر لايفتر عنه في ليل ولا نهار . وكان ذكره في السحر دائماً ( يا حي يا قيوم ) هكذا بلا عدد ، فإذا صلى الفجر جلس في حلقة الراتب مع الجماعة فكان صوته يطغى على أصواتهم جميعاً . وكان كثيراً ما يردد ( لو ما مسكنا الخليفة مكي كان مرقنا الخلا ) أي من لذة الذكر . وحكي عن نفسه أن شدة الجوع وشرب القهوة أصابه بداء في بطنه فأمره الخليفة مكي بترك شرب القهوة .
عودته إلى ود مدني ودعوته إلى الله تعالى :
وبعد مدة من الزمان قدمت والدته إلى الخليفة مكي وطلبت رجوع ابنها معها لحوجتهم إليه فأشار إليه شيخه بالرجوع معها فامتثل الأمر ولم يزل في ود مدني أيضاً متوجها بهمة إلى الله تعالى بالذكر والأوراد والمجاهدات والخلوات واقفاً على حدود الشرع القويم.
روى أنه كان يأكل وجبة واحدة كل يوم عند الثالثة عصراً لا يزيد عليها. وكان كثيراً ما يدخل الخلوة يوم الثلاثاء فلا يخرج منها إلا لصلاة الجمعة وكان يخرج سَحَرَا ً يطوف أرجاء المدينة على قدميه ذاكراً متفكراً ثم يرجع ليصلّى الفجر بوالدته.
ولم يزل رضي الله عنه سالكاً مسلك الأوائل من الرجال عازفاً عن الدنيا وشهواتها مقبلاً على الله متجرداً عن الأسباب زاهداً عابداً لله تعالى داعياً إليه متقرباً بالنوافل حاثاً عليها ، يؤديها ولو جالساً ولا يترك صلاة عشر ركعات ليلاً وهى السنة .
فأحبه الخلق وأقبلوا عليه وتعلقوا به فمكث على حاله داعياً إلى الله دالاً عليه فأنشأ زاويتة القائمة الآن وكان التنازع شديداً على مكانها بينه وبين بعض التجار وغيرهم حتى استيئس الأخوان منها. ذكر الخليفة حامد أبو الاجمار أن الخليفة قال لهم أن الإمام الختم وأهل السافل باركوا هذا المكان وكان يشاهد وهو يدور في مكانه وكانت خربة مردداً يا حي يا قيوم فأحياها الله وأقام شأنها .
ثم أقبل الناس عليه رجالاً ونساءً شيباً وشباباً أخذوا الطريق وسلكوه والتزموا نهجه وكان نفعنا الله به سائراً على نهج أشياخه يحث أتباعه على الاستقامة والالتزام بالأوراد فجعل زاويته مثالاً يحتذي عامرة بالصلوات والذكر والمدائح النبوية .
وكان الخليفة نفسه ملازماً لراتب الإمام الختم رضي الله عنه المسمى بالأنوار المتراكمة لا يدعه حتى في أقصى حالات المرض ، وكان لا يترك قراءة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ( الأسرار الربانية ) أبداً في ليلتي الاثنين والجمعة ويوم الجمعة وربما شيع أقرب الأقربين إليه ثم عاد لتوه ليجلس في حلقة المولد التي كان ينظمها تنظيماً فريداً. وقد كان يحث على لبس شعار الطريقة ( جلابية بلياقة ) ويلبس هو كذلك .
وإذا جاء من يلبس زى الفرنجة ( بنطلون وقميص ) فانه يجلس في يسار الحلقة لا في يمينها. فإذا تليت قصة المولد الشريف جلس الناس وكأن على رؤؤسهم الطير، امتثل الخليفة عبد الهادي الأمر الإلهي فدعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة بحاله ومقاله . نهى نفسه فانتهت وأمرها فاستقامت فكانت حياته كلها دعوة إلى الله في حركاته وسكناته وأنفاسه ، مستمسكاً بالشرع المحمدي في الأقوال والأفعال والأحوال في العادات والعبادات ، وكانت كل همته في الذكر والأوراد وأداء الصلوات وراتب الختم والمولد . كان يقول عن التصوف أنه العمل بالعلم وهو التوحيد ولذا كان يحث على مطالعة كتب القوم وكان يجلس في حلقات العلم بنفسه ويشرح ما أشكل فيها من غوامض العلوم وقد درس تلاميذه أمهات كتب الفقه والتصوف ككتاب بلغة السالك وسراج السالك في الفقه وكإحياء علوم الدين وحكم ابن عطاء الله السكندري وطبقات الشعراني والرسالة القشيرية فئ التصوف وكان كثيراً ما يستدل بكلام الإمام عبد العزيز الدباغ في كتاب الإبريز.
وقد امتلك رضي الله عنه زمام التربية بسهل العبارة ولطيف الإشارة . برع في سياسة الخلق وتوجيههم ومراعاة خواطرهم فتراه مع الصغير صغيراً ومع الكبير كبيراً . إذا جالسته سبتك مودته فكأنك تجلس إلى أخاً وصديق أو والد شفيق .
صلته بالطرق الصوفية :
ورث الخليفة عبد الهادي عن أشياخه محبة أهل التصوف قاطبة والصلة العميقة بهم. وهذا الفهم ليس بجديد في الطريقة الختمية بل هو منهج الإمام الختم نفسه الذي قال في إحدى قصائده:
بادر لحبك أهل الله قاطبة * واسع إليهم على قدم بلا كسل
وعرف عن مولانا السيد على الميرغني رضي الله عنه أنه كان مأذوناً في جميع طرق أهل الله وكان إذا جاءه من يطلب الطريق سأله عن منطقته فإذا كان من منطقة يكثر فيها القادرية مثلاً أعطاه الطريق القادري أو التجاني أو السمانى أو الختمي وهكذا .
والخليفة مكي عرف بعلاقاته القوية مع كل الطرق الصوفية والعلاقة الخاصة بالشيخ قريب الله الذي كان يزوره في السحر وكانا يدخلان الخلوة في يوم واحد ويخرجان في نفس اليوم أيضاً.
وسار الخليفة عبد الهادي على ذات النهج مؤمناً بأن الصوفية جميعهم أصلهم واحد وأن في جمعهم وتوحدهم أكبر الفوائد للدين والوطن . فكان أباً لكل الصوفية بمدني بلا استثناء ، يتهلل سروراً بمقدمهم يصغى لحديثهم كل الإصغاء فتراه قادرياً وسمانياً وشاذلياً وأحمدياً ولم تكن داره داراً للختمية فحسب بل لكل الصوفية .
وكانت له صلات قوية بمشايخ الطرق بمدني وما حولها . وكان له صلة خاصة بالشيخ عبد الرحيم ود يونس ، وكان يزوره كثيرا وكان الشيخ عبدالرحيم يجله غاية الإجلال وأجازه في الطريقة القادرية .
أخلاقه وشمائله :
هذاولما اقتفى أثر النبي صلى الله عليه وسلم أشرقت عليه أنوار قول الله تعالى ( وانك لعلى خلق عظيم ) فكان رضي الله عنه حسن المعاشرة كريم النفس لين الجانب يبذل المعروف . ما عبس في وجه أحد قط ولا حقر ضعيفاً ولا مسكيناً . وكان رضي الله عنه حليماً شجاعاً عفيفاً يرد الإساءة بالإحسان والظلم بالعفو والغفران ، قليل الكلام طويل السكوت دائم الحضور . يؤانس الجلاس بطيب الحديث ويمزح ولا يقول إلا حقاً اقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم .
وكان طيب الله ثراه يهتم بأمور الخلق ويقضى حوائجهم ويطيب خواطرهم . رءوفاً بهم رحيماً عليهم يجالس الصغير والكبير والغنى والفقير ، يؤاكل المساكين ويفشى السلام ويطعم الطعام ولا يأكل وحده أبداً . ولا تخلو داره من الأضياف وهى مأوى لابن السبيل. جواد كريم مارد سائلاً قط حتى ولو جاد بملابسه . ليس للدنيا عنده قيمة أو مقدار . لا يعلم عداد الأموال ولا يفرق بين المائة والألف ، وما دخل الأسواق قط . وكان رضي الله عنه زاهداً عفيفاً ورعاً لا يسأل الناس شيئاً . توكل على الله فكفاه واعتمد عليه فأغناه . وصبر على البلاء فاجتباه . ورضي به فاصطفاه . لزم التقوى فرزقه الله من حيث لم يحتسب. لا يختار مع الله ولا يبيت على معلوم وكان يقول : ( أمرنا قائم بالله ورسوله ) يكرم أهل الفضل ويبرهم ويوقر ذى الشيبة ويرحم الصغير . يتجنب اللهو والباطل والكذب والبخل والشح والجفاء والمكر والخديعة والنميمة والكبر ، متواضع حتى في لباسه ، جل لباسه البياض.
يحب أهل التصوف ويتهلل عند مقدمهم ويؤانسهم ويباسطهم ويكرمهم غاية الإكرام احتراماً لهم ولمشايخهم .
يكره الفخر والاختيال لا يقول لي ولا عندي ، يهابه من رءاه ويأمنه من جالسه وآخاه . ما عرف الفحش والتفحش إليه سبيلاً ولا الحقد والحسد طريقاً ، بعيد الغضب سريع الرضا يكظم الغيظ ويعفو عن الناس. وكان شجاعاً لا يخشى حاكماً ولا سلطاناً وما وقف على أبوابهم قط ، يسعون إليه ولا يسعى إليهم . من رءاه أحبه ومن زاره تردد عليه وشغف به . لم يتخذ حاجباً من طلبه وجده ومن أراده وصل إليه ولا يستتر عن أحد . يقرئ الضيف ويؤانس المستوحش ويؤمن الخائف ويطعم الجائع ويكسو العاري . لا يترك فضيلة حتى يفعلها . طاهر النفس من كل خلق دنى متحلية بكل خلق سني . يتحمل الأذى ويعين على أسباب الخير ويغيث الملهوف ويرشد الضال ويعلم الجاهل وينبه الغافل . لا يرى لنفسه فضل على أحد أو أنه أفضل من أحد من الناس . يتلذذ بالطاعات في الخلوات والجلوات مراعياً للأنفاس ، وقته في الذكر والعبادة وما من ساعة إلا وتجده راغباً إلى ربه ولا يفتر عن عبادته ليلاً ولا نهاراً .
وفاته وخلافته :
هذا وبعد عمر مديد قضاه في طاعة ربه انتقل الخليفة عبد الهادي رضي الله عنه إلى جوار ربه في ضحى يوم الأحد 25 ذي الحجة 1419ه الموافق 11 ابريل 1999م وصلى عليه في مشهد مهيب وجمع غفير بميدان السكة حديد الشيخ عبد الله العركي شيخ السجادة القادرية العركية ودفن بين خلوته ومسجده . وتوالت وفود المعزيين من داخل مدني وخارجها ، وخلفه من بعده حفيده وتلميذه الشيخ محمد عثمان عبد الباسط أحمد زياد الذي تربى على يديه ولازمه .
ومن شعره كما في ديوانه ( مواهب الوهاب ) :
حلقه الذكر فيها المغنم
فارتعن فيها يا محب يا منتم
ادخلن بسكينة وطهارة
واستأذنن بالقلب رب منعم
حضرة فيها حضور المصطفي
والميرغني عثمان عالي الهمم
تحفها ملائكة السماء الكرما
والأولياء أهل المقام الأفخم
حسن السريرة مدير كؤوسها
وعلي الضرغام شهم حازم
فانتبه وتيقظن يا منتم
راعيا الآداب وأصغ وافهم
كن نظيفاً طاهراً متعمماً
لاتخرجن إلا لضرر مؤلم
كن خاشعاً كن ثابتا منتظماً
في كل أمر للخليفة سلم
كن هيناً كن ليناً متواضعاً
ارحم صغيراً والكبير احترم
كن عالماً بكل فرض معين
والسنن افهم وبما يحل ويحرم
لا تترك الأوراد في أوقاتها
فانهض وقم بعزم صمم
أساسنا فيه أنوار معظمة
تجلي العمي من القلوب الصمم
اتلوه بعد الخمس مواظباً
وغمض العين بالحضور وتمم
وفي الأساس الكبير فيض غامر
وطهارة من وصف نفس مظلم
حب النبي إتباع منهجه
صلي عليه كثير وسلم
تجلي الكروب بذكره وبمدحه
وتفاح نفحات العظيم الأعظم
ختمية ظهرت وأشرق نورها
ورجالها احيو الطريق الأقوم
هيابنا هيا بنا يا أخوتي
نحي الطريق بعود مجد أفخم
بمحبة وتعطف وتعاضد
وملازمة تقوي العظيم الأكرم
ربي سألتك بالنبي المصطفي
والأنبياء والمرسلين الرحم
أن تجمعن شمل الإخاء بمودة
وتباعد الشحناء وبغضنا احسم
وأغفر لرق ذنبه لا يحصر
عبد لهادي راجياً للمنعم
وصلاة ربي تغشي طه المصطفي
وسلامه دوماً بعد الأنجم
والحمد لله علي أفضاله
في كل عصر للطريق مقوم
هذا وقد رثاه تلميذه الأستاذ / عبد البديع السر فقال :
رضوان رب الجود في الأسحار
يغشى الخليفة ناشر الأذكار
محي الطريقة بالمحبة والوفا
ومجدداً نهج النبي المختار
أقواله أفعاله مأخوذة من جده
من قد حمته عناكب في الغار
أخلاقه تغنيك عن نسب له
ما كان صخابا ولا معسار
هو هين هو لين متواضع
هو دائم الآداب والأفكار
هو ملجأ المكروب بر فاضل
هو مكرم الوفاد والزوار
هو واصل الأرحام جامع شملهم
هو راحم هو قاضي الأوطار
ملا الوجود مناقباً
تتلى بألسن سادة أخيار
والله ما أحد يماثل قدره
إلا الجنيد وصحبه الأخيار
لكنه قد جاء في زمن تأخر عنهم
فضل الإله مقدر الأقدار
هو ميرغني من علي شربه
هو وارث مكي المطمطم صاحب الأسرار
هو أحمدي قادري كامل
هو شاذلي السر والأسرار
فاسمع أخي إن الطريق مخاوف
سلم ولازم شرعة المختار
فاسلك لنهج قد أخذت لعهده
إن العهود أمانة الأبرار
عهد بتوبة ومحبة وبرغبة
لسلوك نهج الختم ذي الأسرار
دنيا وأخرى قد أتيت مطاوعاً
شمر وإلا فارتدي لخمار
لا تقل إن الخليفة قد نأى
إن الخليفة بيننا في الدار
في عالم الأرواح تسمو روحه
وبالإطلاق قال السادة الأطهار
فشد العزم في هذا الطريق ففي غد
تلقى الخليفة في اعز ديار
يا رب فاجمع شملنا بخليفة قد قام فينا
مقامه لا بد للأديار من ديار
يا رب فاجمعنا بخير الخلق من
قد قام يدعو الله في الأسحار
صلى عليه الله ما ورق شدت
أو ما النسيم يقبل الأزهار
والآل والأصحاب مهما رُددت
رضوان رب الجود في الأسحار
|
|
التعديل الأخير تم بواسطة أحمد كرموش ; 07-02-2012 الساعة 05:29 PM.
|